القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث عن موضوع الرهن العقاري

بحث عن موضوع الرهن العقاري

بحث عن موضوع الرهن العقاري
بحث عن موضوع الرهن العقاري


المقدمـــة

إن التأمينات  sûretés بمفهومها القانوني الخاص، تعني "ضمانات تنفيذ الإتزام"[1]، أي الضمانات التي تؤمن الدائن من خطر عدم الوفاء بالدين، و تتيح له استيفاء حقه إذا ما حل أجله المضروب.[2]
إذا تتأسس العلاقة بين الدائن و المدين على الثقة التي يضعها الدائن في مدينه، إلا أن الإشكال يكمن في حالة ما إذا تخلف المدين عن الوفاء بدينه،إمّا لغش في نفسه أو لإعسار وقع فيه نتيجة ظروف خارجة عن إرادته.
ومن هنا نشأت الحاجة للتأمينات كوسيلة لتحقيق الضمان.
هذا، و تجـــدر الإشــــارة إلــى أن التأمينـــــات بهذا المعنى مفيدة لكـــل من الدائـن و المدين إذا أنها بضمانها لحق الدائن، تعزز الثقة بالمدين، و تشجع الدائنين على ائتمانه ومنحه ما يحتاج إليه من قروض أو أجل.[3]
وهكذا فإن للتأمينات أهمية بالغة فهي لا تقتصر على مجرد ضمان حق الدائن، بل تتجاوزه لتحقيق هدف تعزيز ثقة المدين و ما يترتب عن ذلك من تشجيع لتنشيط الاقتصاد بصفة عامة.
وقد ارتبط ضمان الدين في العصور القديمة بشخص المدين، فأجار القانون الروماني استرقاق المدين و قتله، أو حبسه في مكان خاص إلى أن يدفع الدين، أو أن يأتي من يدفع عنه.
كما أن القانون المدني الفرنسي قد أباح للدائن حبس مدينه إذا لم يف بدينه ثم عدل عن هذا النظام بموجب الفصل 849 من الأصول الجزائية التي إقتصرت تطبيقه على الأحكام القاضية بغرامات أو نفقات أو مدفوعات أخرى لمصلحة الخزينة.
وقد اختلفت فقهاء الإسلام في مسألة حبس المديـــن ، فأجازه أبو حنيـــفة و بعض أصحابه، و نفاه الإمام مالك و الشافعي و جمهور الفقهاء اللذين إكتنفوا ببيع أموال المدين أو بإعلان إفلاسه أو بحجره أو منعه من التصرف.
علما وأن المشرع العثماني قد أخـــذ بمذهب أبي حنيـــفة فأقر نظام حبس المديــــن ( المادة 121- 142 من قانون الإجراء ) وقد حددت مدة الحبس بـــ91 يوما لجميع الديون.[4]
إلا أن التشريعات الحديثـــة قد أعرضت عن حبس المدين في المواد المدنيــــة و إعتبرت أن أموال المدين أو ذمته الماليـــة هي الضامنة للوفاء بديونــــه ومن هنا نشأ مفهوم التأمينات العينية  sûretés réelles)) التي تقوم على تخصيص مال معين للوفاء بحق الدائنين.
و يظل هذا المال مثقلا بالتأمين حتى و لو انتقلت ملكيته إلى الغير.
وقد مرت التأمينات العينية في تطورها التاريخي بمراحل ثلاث:
-   مرحلة أخذت فيها التأمينات العينية صورة البيع الوفائي، فكان المدين يتخلى عن ملكية عين من  الأعيان التي يملكها على أن يردّها إليه متى أوفى بدينــه وقد عرفت هذه الصورة في القانون الروماني.
-   أمّا المرحلة الثانية فهي مرحلة الرهن الحيازي الذي أصبح بمقتضاها المدين يحتفظ بملكية العين موضوع التأمين، و يكتفي بنقل حيازتها إلى الدائن الذي يلتزم بردها عند الوفاء بالدين.
وقد عرفت البلاد التونسية الرهن الحيــــازي  مـــن خلال ما كان يعرف بالرهنيـــة ( و هي رهن يتسلم فيه الدائن رسم ملكية عقارية عوضا عن العقار نفسه) مع إضافة رهن حيازي آخر و هو الانتفاع.
و تواصل الأمر على هذا النحو حتى  صدور قانون 28 جانفي 1958 الذي ألغى هذا الانتفاع.
-  في حين توصل الفقهاء في مرحلة ثالثة إلى صيغة تتيح للمدين الإحتفاظ بحيازة الشيء موضوع  التأمين، على أن يكــــون للدائن حق طلب بيعــــه، و إستيفاء دينه من ثمنه بالأفضلية على غيره من الدائنين.
فعرف هذا الشكل بإسم "الرهن الرسمي" في القانون المصري و" بالرهن التأميني" في القانون العراقي[5] و بإسم" الرهن العقاري" في القانون التونسي.
والرهن لغة هو جعل الشيء محبوسا و موقوفا لسبب ما وقد عرفه المعجم الوسيط بقوله رهن الشيء رهنا و رهونا أي ثبت و دام و يقال أقام الشيء رهنا يعني أثبـــته و أدامه[6].
أما في إصطلاح الفقهـــاء المسلمين فإن ما يقصـــد بالرهن هو جعل مال محبــوس و موقوف على وجه التبرع بيد العدل أو المرتهن لقاء حق معلوم.
هذا وعرفه فقهاء القانون بأنه "حبس الشيء بحق يمكن استيفاؤه منه، أي جعل عين لها قيمة في نظر الشرع وثيقة بدين بحيث يمكن أخذ الدين كله أو بعض من تلك العين"[7].
وقد عرف المشرع التونسي الرهن صلب الفصل 201 من م.ح.ع بأنه:
"عقد يخصص بموجبه المدين أو من يقام مقامه شيئا منقولا أو عقارا أو حقا مجردا لضمان الوفاء بإلتزام و يخول للدائن الحق في استيفاء دينه من ذلك الشيء قبل غيره من الدائنين إذا لم يوف له المدين بما عليه".
و لئن عرف الفصل 201 من م.ح.ع الرهن بأنه عقد إلا أن الرهن لا يقتصر على الشكل التعاقدي فحسب بل يمكن أن يكون مصدره القانون فيكون رهنا قانونيا أو قضاء فيكون رهنا قضائيا.
و للرهن سواء تعلق بمنقول أو عقار خصائص ثلاث يجب بيانها و هي:
*  أن الرهن هو " حق عيني" يضع صاحبه في علاقة مباشرة مع شيء محدد و يمنحه سلطة فعلية على ذلك الشيء.
و يتميز الحق العيني بميزة أساسية تتمثل في كونة حق يواجه به الكافة إذ يخول لصاحبه حق تقدم وحق تتبع في مواجهة الغير[8].
و لسائل أن يتساءل في هذا الصدد إن كان هذا التعريف لا ينسحب إلا على رهن المنقول بما أن هذا الأخير لا يتم ألا بتسليم المرهون تسليما فعليا للدائن بحيث يصير في علاقة مباشرة معه تمكن من ممارسة حق التتبع.
و على الرغم من أن الرهن العقاري لا يكسب الدائن المرتهن حيازة المرهون فلا يضعه معه في علاقة مباشرة فإن هذا الأخير يعتبر حقا عينيا عملا بمقتضيات الفصل 12 من مجلة الحقوق العينية الذي أكد أن الرهن العقاري هو حق عيني.
*   إن الرهن هو حق عيني تبعي فهو تابع للدين المضمون به و يدور معه في وجوده و عدمه، و يتأثر بصحته و بطلانه[9].
فإذا بطل الالتزام بطل معه الرهن و إذا فسخ الالتزام بسبب تحقق شرط فسخي به أو تخلف شرط تعليقي، يفسخ الرهن و يزول بأثر رجعي صحـبة الأصل الذي يتبعـــه و إذا انقضى الرهن بمقتضى أحد الأسباب الواردة بالفصل 399 من م.أ.ع تحقق كذلك الانقضاء التبعي للرهن.
*  كما أن الرهن حق عيني غير قابل للتجزئة علما وأن قاعدة عدم التجزئة هذه هي من القواعد الرئيسية في كافة التأمينات العينية.
وقد نص الفصل 208 من م.ح.ع أن "الرهن غير قابل للتجزئة و يبقى بكامله على كل جزء من الشيء الذي هو موضوعه و يضمن جملة الدين".
وعملا بهذا المبدأ فلا يحق للمديون أن يسترد المال المرهون قبل الوفاء بكامل الدين.
وإذا كان المرهون مما يقبل التجزئة، و وفى المدين بجزء من الدين فلا يحق له استرداد جزء من المرهون في مقابل الجزء الموفى من الدين.
كما أنه إذا توفي المدين الراهن، و خرج المرهون في نصيب أحد الورثة فلا يحق لهذا الوريث أن يسترد المرهون بدفع ما يترتب عليه من الدين فقط بل أن الرهن يبقى قائما إلى أن يتم تسديد كامل الدين.
و بالتالي فإن الرهن لا يمكن أن ينفك عن الشيء المرهون و لا على أي جزء منه إلا بعد خلاص جميع الدين.
وقد شرعت هذه القاعدة لحماية مصلحة الدائن و لإلزام المدين على الوفاء بإلتزاماته بحيث يظل قائما حتى آخر قسط منه.
وقد تعرض المشرع صلب الفصل 203 من م.ح.ع إلى إمكانية رهن ملك الغير بقوله: "يصح رهن ملك الغير إذا أجازه المالك و صار المرهون ملكا للراهن".
والمراد برهن ملك الغير، الرهن الذي يهدف إلى إنشاء حق عيني على شيء محدد لا يملكه الراهن.
إذا يصح رهن ملك الغير إذا أجازه المالك، و لم يشترط المشرع لهذه الإجازة شكلا خاصا، فيمكن إذا أن تكون صريحة أو ضمنية.
كما أن رهن ملك الغير يصح إذا صار المرهون ملكا للراهن و تنتقل ملكية المرهون للراهن إما  بالعقد أو بالتقادم مثالا.
ولكن الإشكال الذي يطرح نفسه هو ما جزاء رهن ملك الغير في غياب توفر الشروط المنصوص عليها بالفصل 203 من م.ح.ع؟
لقد تعددت الآراء الفقهية حول هذا الموضوع فهناك من إعتبر أنه إذا تخلفت الإجازة أو لم يصبح الراهن مالكا لما رهنه، فإن العقد يفسخ و يعتبر كأن لم يكن.
وهنالك من أكد أنه طالما لم يتضمن الفصل 203 من م.ح.ع جزءا صريحا لرهن ملك الغير فإنه يمكن إعمال القياس طالما أن الفصل 576 من م.اع قد تعرض صراحة لجزاء بيع ملك الغير.
في حين ترآى لشق آخر من الفقهاء أن رهن ملك الغير في هذه الحالة يجعل من العقد باطلا بطلانا نسبيا لوجود غلط في ذات المتعاقد أو في المعقود عليه.
وقد أجمع ثلة من رجال القانون[10]  من بينهم الأستاذ عبد المنعم عبود أن جزاء رهن ملك الغير في صورة تخلف إجازة المالك أو عدم تملك الراهن للمرهون هو البطلان المطلق مدعمين موقفهم هذا بالإستناد على مقتضيات الفصل 539 من م.إ.ع الذي أكد بأنه "إذا صرّح القانون بالنهي عن شيء معين كان إتيانه باطلا لا ينبني عليه شيء"
هذا وإن المتأمل في أحكام مجلة الحقوق العينية يلاحظ أن المشرع قد أولى عناية خاصة بالرهن لما يكتسيه من أهمية على المستوى الاقتصادي. فبالإضافة إلى أنه أجاز رهن ملك الغير فهو أجاز أن يكون الرهن ضمانا لاعتماد  مفتوح أو لمجرد فتح حساب جار أو لدين مستقل أو محتمل أو معلق على شرط أن يحدد في عقد الرهن مبلغ الدين المضمون أو الحد الأقصى الذي يمكن أن ينتهي إليه الدين (الفصل 206 من م.ح.ع).
والمراد من تحديد مبلغ الدين الأقصى بالعقد هو حماية المدين من خطر بلوغ هذا الدين حدودا قصوى لم يكن ليتصورها في البدء.
كما أنه و لحماية الدائن المرتهن و لتدعيم قاعدة التأمين العيّني إقتضى الفصل 207 من م.ح.ع  أنه ليس للراهن أن يفعل بالمرهون ما ينقص من قيمته بالنسبة لما كان عليه وقت العقد و لا يمنع المرتهن من إجراء الحقوق الناشئة له من الرهن.
ومتى تولى الراهن القيام بما سبق ذكره لإضعاف قيمة المرهون أو منع الدائن المرتهن من إجراء الحقوق الناشئة له من الرهن فإنه بالإمكان إتخاذ كل التدابير التي من شأنها أن تؤمن الرهن كتعيين مؤتمن عدلي أو إجراء عقلة تحفظية على المرهون أو حتى المطالبة بإستخلاص الدين فورا.
يستخلص إذا من كل ما سبق بسطه أن المقنن قد سعى إلى حماية الضمان العام من خطر  التنقيص فيه فأقر وسائل تحفظية و أخرى تنفيذية تهدف إلى الحيلولة دون خروج أموال المدين من ذمته المالية[11]  سواء تعلق الأمر برهن منقول أو عقار علما وأن الرهن العقاري هو الأكثر تداولا بإعتبار أن قيمة العقار  تفوق عادة قيمة المنقول مما يشجع الدائنين على التعامل مع الدائنين الراهنين للعقارات لثقتهم في ما يوفره العقار من ضمانات لإستخلاص ديونهم.
إلا أنه لا يمكن إن يحقق الغايات المنشودة سواء على المستوى الشخصي أو الإقتصادي عموما إلا أذا توفرت فيه جملة من الشروط.
هذا وإن كل هذه المعطيات التي سبق أن تم بسطها تدفعنا بإلحاح إلى الخوض في أعماق هذا الموضوع للكشف عن فحواه و التعريج عن نقائصه.
و في محاولة مني للتطرق إلى هذه المؤسسة القانونية العريقة فإني ارتأيت أنه لا بد لخطة البحث أن تستجيب في مرحلة أولى لدراسة أهمية قيام الرهن العقاري بوجه صحيح (جزء أول) لنتحول في مرحلة ثانية لدراسة كيفية انقضائه (جزء ثاني).

الجزء الأول: قيام الرهن العقاري


لا ينشأ الرّهن إلا بعقد فيسمى رهنا اتفاقيا أو بالقانون فيكون رهنا قانونيا (المبحث أول).
و حتى يكون الرهن العقاري أكثر فاعلية فإنه يجب أن يخضع إلى وجوبية الإشهار (المبحث ثاني).
فالإشهار هو قوام نظامه التأميني كله إلى درجة انه لا قيمة للرهن قانونا دون إشهاره.[12]

المبحــث الأوّل: الأصناف 

كما سبق وأن اشرنا فإن للرهن العقاري شكلين مميزين فإما أن يكون رهنا إتفاقيا (الفقرة الأولى) أو رهنا قانونيا (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الرهن العقاري الإتفاقي

يخضع هذا الصنف إلى شروط شكلية مستوجبة لصحته فلا ينعــقد ذلك التأمين العيني إلا متى تم احترامها.
و هذه الشكلية تهدف بالأساس إلى توفير الحد الأدنى من الحماية بالنسبة للأطراف المتعاقدة و خاصة للدائن الذي يخشى عدم الوفاء بالدين فتتيح له استيفاء حقه إذا ما حلّ أجله المضروب.
ولعل من أهم الشروط الشكلية للرهن العقاري هو وجوب توفر كتــب (أ) و في حالات خاصة الحصول على رخص إدارية محددة (ب).

أ‌) - النشأة  

يقتضي الرهن العقاري توثيقه بكتائب (1) يقع تحريرها من طرف أشخاص حددهم القانون (2) بعد ان اشترط هذا الأخير أن يقع تحريرها في البلاد التونسية(3).

1 – الكتب شرط من شروط صحة :
ينص الفصل 275 من مجلة الحقوق العينية على انه "لا يصح الرهن العقاري إلا بكتب يعين به ذات العقار المرهون و مبلغ الدين".
يتضح إذا من هذا الفصل بأن الكتب يعتبر شرطا للصحة فلا يكفي لصحته اتفاق الأطراف مشافهة على تعيين ذات العقار المرهون و مبلغ الدين المضمون، بل لا بد أن يتجسم الاتفاق المذكور في كتب يعكس بوضوح إرادتهم.[13]
و بما أن الكتب يعتبر شرطا واجبا لصحة العقد فإن مخالفته تولد بطلان العقد و بطلان الرهن الموظف على العقار.
إلا أن المشرع لم يشترط شكلا معيننا للكتب فجاز أن يكون حجة رسمية أو كتبا بخط اليد.[14]
هذا وقد أوجب الفصل 275 من م.ح.ع توفر بعض البيانات التي يجب أن يتضمنها كتب الرهن العقاري ألا وهي تعيين الدين و تعيين العقار المرهون.
فتعيين الدين واجب خاصة إذا كان وجود الرهن أو انقضاؤه مرتبط شديد الارتباط بالدين المضروب من أجله.
كما أن تعيين العقار المرهون و معرفته معرفة تامة من شأنه أن يحول دون الخلافات التي يمكن أن تنشأ إذا لم يف أحد العقارات المرهونة عند بيعه بخلاص الدين المطالب به.

2-    وجوبية تحرير كتب الرهن من طرف أشخاص حددهم القانون:
ولئن خول المشرع للأطراف اختيار شكل الكتب إلا أنه أوجب أن يتم تحريره من قبل أشخاص معينين.
وقد نص الفصل 377 مكرر من مجلة الحقوق العينية على أنه:
"يختص بتحرير الصكوك و الإتفاقات الخاضعة للترسيم بالسجل العقاري من يلي:
-  حافظ الملكية العقارية و المديرون الجهويون و كذلك أعوان إدارة الملكية العقارية المكلفون بمهمة التحرير،
-  عدول الإشهاد،
-  ويمكن أيضا للمحامين المباشرين من غير المتربصين أن يتولوا تحرير الصكوك و الاتفاقات المذكورة"
وتعتبر الصكوك و الاتفاقات المحررة من غير ذكر لمحررها باطلة بطلانا مطلقا.
علما و أنه لا تخضع لأحكام هذا الفصل:
- العقود التي تبرمها الدولة و الجماعات المحلية.
- الرهون التي تبرمها المؤسسة البنكية و المالية.
- عقود التسويغ التي يجب إشهارها بالترسيم للاحتجاج به على الغير و كذلك عقود تجديده.
- رفع الرهن.

يستخلص إذا من صريح منطوق هذا الفصل أن تحرير الكتائب المتعلقة بالرهون المسلطة على عقار مسجل من اختصاص الأشخاص المذكورين بهذا الفصل و بالتالي فإن مخالفته يترتب عنها بطلان العقد بطلانا مطلقا.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن الاستثناء الوارد بالفصل 377 مكرر من م.ح.ع مرده إعفاء كل من الدولة و الجماعات المحلية و المؤسسات البنكية و المالية من كل ما من شأنه أن يثقل كاهلها ماديا خاصة وأن مثل هذه العمليات هي يومية.

3- وجوبية تحرير كتب الرهن بالبلاد التونسية:
جاء بالفصل 274 من م.ح.ع أن "الكتب المحرر ببلد أجنبي لا يمكن أن يرهن به عقار كائن بالبلاد التونسية أو أن يعتمد لتسليط رهن عليه"
لذا فإن المشرع نفـــى إمكانيــــة تحرير عقد الرهن العقاري خارج البلاد التونســية و بالتالي فإنه سلط جزاء البطلان المطلق على العقد المحرر خارج البلاد لرهن عقاري كائن بالبلاد التونسية.
ويمكن تفسير هذا الفصل من مجلة الحقوق العينية بالرجوع إلى السياســـة الحمائية و المحافظة المنتهجة غداة الاستقلال و على امتداد الستينات من طرف المشرع الذي أعطى لقاعدة« Lexi rei cieta »[15] اكبر محتوى يمكن أن نتصوّره.[16]
يستخلص إذا مما سبق بسطه أن المشرع قد أولى عناية كبيرة بمسألة هذا النوع من الرهون بأن أوجب لتكوينها وجود كتب ضمنه عديد التنصيصات و فرض تحريره من قبل أشخاص معينين دون غيرهم.
ولعلّ هذا الاهتمام يبرر بالرغبة في توفير حماية للمتعاملين من جهة و إضفاء حالة من الثقة في هذه التأمينات بما يساهم في تشجيع الاستثمار و حصد التمويل له.[17]
غير أن الكتب في بعض حالات الرهن العقاري لا يكون كافيا لتأسيسه بل يجب توفر شكليات أخرى تكمن أساسا في وجوب الحصول على رخص إدارية سابقة لعملية إبرام الرهن.

ب) -  الترخيص الإداري المسبق 
إن التنصيص على وجوب توفر رخص إدارية في مجال الرهن العقاري جاء بنصوص قانونية متفرقة من حيث المكان و الزمان.[18]
هذا وإن الرخص الإدارية المستوجبة لصحة العقد هما رخصة الوالي(1) و رخصة وزير أملاك الدولة.(2)

1- رخصــة الوالــــــي:
فأما بالنسبة لرخصة الوالي فقد نص عليها الأمر العلي المؤرخ في 4 جوان 1957 المتعلق بالعمليات العقارية في الأراضي الفلاحية[19] في فصله الأول بقوله:
"يجب لصحة العقود و إلى أن يصدر ما يخالف ذلك أن يرخص والي الجهة الكائن بها العقار في جميع عمليات نقل الأملاك بين الأحياء أو حق التصرف فيها و كذلك عمليات تقسيم الملكية... و المبينة فيما يلي:

1 – الإحالة بعوض أو بعنوان مجاني بين الأحياء لكامل حقوق الملكية و الاستغلال.
7 – تكوين الرهن
هذا ولم تكن معفاة من أحكام هذا الأمر سوى الدولة و الجماعات العمومية.
إلا أن الفصل السابع من هذا الأمر قد نقح بالفصل 63 من القانون عدد 115 لسنة 1976 المؤرخ في 31 ديسمبر 1976 الذي أعفى عمليات الرهون العقارية لفائدة الصندوق القومي للإدخار السكني لبنك الإسكان انطلاقا من قانون 22 فيفري 1989 من ترخيص الوالي.
ثم جاء المرسوم عدد 4 لسنة 1977 المؤرخ في 21 سبتمبر 1977 المتعلق بالعمليات العقارية و المصادق عليها بالقانون عدد 64 لسنة 1977 المؤرخ في 26 أكتوبر 1977 ليعفي التونسيين أشخاصا طبيعيين أو ذوات معنوية من وجوب الحصول على هذه الرخصة.
كما نص الفصل 34 من قانون المالية لسنة 2002 المؤرخ في 28 ديسمبر 2001 على إعفاء مؤسسات القرض من الحصول على الرخصة المذكورة عند إبرام الرهن العقاري.
هذا وبموجب القانون عدد 40 لسنة 2005 المؤرخ في 11 ماي 2005 والمتعلق بإتمام أمر 4 جوان 1957 المتعلق بالعمليات العقارية فقد وقع إعفاء بعض الأجانب اللذين يقتنون أو يكترون بعض الأراضي لغاية انجاز مشاريع صناعية أو سياحية أو اقتصادية من الحصول على رخصة الوالي.
إلا أن الاستثناءات تظل محدودة رغم الإتجاه التدريجي لإلغائها و بذلك تبقى الرخصة ركن أساسي لصحة العقد و عليه فبإنعدامها يصبح العقد باطلا عملا بمقتضيات الفصل 3 من الأمر المؤرخ في 4 جوان 1957.

2 - رخصة وزير أملاك الدولة:
أكّد الفصل 271 من م.ح.ع، في فقرته الثانية بأن حق الإنتفاع مدة قيامه هو من الحقوق التي تقبل الرهن العقاري.
وقد نص الفصل 16 فقرة ثالثة من القانون المؤرخ في 10 جوان 1996 المتعلق بتنقيح و إتمام القانون المؤرخ في  13 فيفري 1995[20] المتعلق بالعقارات الدولية الفلاحية[21] أنه: " لا يمكن رهن حق الانتفاع إلا بترخيص من الوزير المكلف بأملاك الدولة".
و من الواضح أن الغرض من الترخيص الإداري هو تمكين الإدارة من مراقبة كيفية ممارسة حق الإنتفاع و بالتالي رقابة تطوير الإنتاج الفلاحي و حسن استغلال الأراضي الفلاحية[22].
و لقد نص أمر 4 جوان 1957 صراحة على بطلان العقد في غياب رخصة الوالي إلا انه لم يكن بذلك الوضوح فيما يتعلق بالجزاء المستوجب في صورة عدم الحصول على رخصة وزير أملاك الدولة عند رهن حق الإنتفاع.
لكن  وعملا بالفصلين 539 و 325 من م.إ.ع فإن إبرام عقد رهن حق الإنتفاع دون ترخيص مسبق يؤدي إلى بطلان العقد بطلانا مطلقا.
غير أن المشرع لم يكتف بهذا الجزاء بل ألحقه بجزاء آخر وهو عدم إمكانية إجراء عملية التسجيل أو الترسيم بالدفتر العقاري كما ورد بالفصل 2 من أمر 1957.
وقد فسّر الأستاذ عبد الوهاب الجويني هذا التزيد بقوله أن الأطراف قد يعمدون إلى طلب ترسيم عقد بالرغم من أنه لم يصدر في شأنه حكم بالبطلان لخلوه من الرخصة الإدارية.
ففي هذه الحالة و دون انتظار التصريح ببطلان العقد بإمكان إدارة الملكية العقارية رفض ترسيم العقد و مرد ذلك هو أن شكلية الترخيص الإداري مسالة تهم النظام العام.[23]

الفقرة الثانية: الرهـن القانونــي

عرّف الفصل 201 من مجلة الحقوق العينية الرهن بأنه: "عقد يخصص بموجبه المدين أو من يقوم مقامه شيئا منقولا أو عقارا أو حقا مجردا لضمان الوفاء بإلتزام..."
إلا أن الرهن القانوني ينشأ و يسجل سواء رضي به أم لم يرض المدين صاحب العقار و ذلك لضمان الدائن الذي عينه القانون.[24]
وبالتالي فإن الرهن القانوني هو الذي ينشأ بنص قانوني خاص و في غياب اتفاق الأطراف.
هذا وتنقسم الرهون القانونية إلى صنفين: صنف تستفيد منــــه الدولة (أ) و صنف يستفيد منه الخواص (ب).

أ) -  الرهون القانونية المقررة للدولة
تدخل المشرع لتأمين الديون الراجعة للدولة بما أنها تشكل مورد من موارد تمويل الخزينة العامة فأرسى مجموعة من الرهون الخاصة بالدولة أولها و أقدمها تاريخا رهن الدولة في المناطق العمومية السقوية(1)، ثم رهن الدولة في العقارات الفلاحية(2) و آخرها رهن الدولة على عقار الوقف موضوع التصفية(3).

1-   رهن الدولة في المناطق العمومية السقوية:
يمنح الفصل 21 من القانون عدد 18 لسنة 1963 المؤرخ في 27 ماي 1963 و المنقح بالقانون عدد 9 لسنة 1971 المؤرخ في 16 فيفري 1971، للدولة رهنا عقاريا من الدرجة الأولى ضـمانا لإستخـــلاص مصــاريف القيام بالأشغـــال اللازمة و التهيئات الضرورية عوضا عن المالكين لسقي أراضيهم الداخلية في المناطق السقوية العمومية.
وقد نص على ذلك صراحة في فقرته الرابعة بقوله: "يجب أن تكون الديون المذكورة بهذا الفصل موثقة برهن عقاري من الدرجة الأولى يتحمله الملك الذي أجريت به الأشغال.
ويتعين على مدير الملكية العقارية وفقا لمقتضيات هذا الفصل ترسيم الرهن بالسجل العقاري عند تقديم مطلب من طرف الإدارة مصحوبا بحجة الدين المحررة طبقا لأحكام هذا الفصل و المضمن بها خاصة مبلغ الدين و الرسوم العقارية المطلوب ترسيمها".

2 -  رهن الدولة في العقارات الدولية الفلاحية:
فرض القانون عدد 21 لسنة 1995المؤرخ في 13 فيفري 1995 و المتعلق بالعقارات الدولية الفلاحيـــة في فصلــــه 22، لتأمين استخـــلاص الدولة لباقي الثـــمن و المصاريف المحمولة على الشاري في حالة البيع بالمؤجل للعقارات الفلاحية و ذلك في إطار تسوية الأوضاع العقارية القديمة للأراضي المستغلة في ظل أمر 9 سبتمبر 1948 أو المسندة وفق قانون 19 ماي 1970 أو أراضي السيّالين أو أراضي الاحباس العامة و الزوايا، توظيف رهن عقاري ذي رتبة أولى.

3 - رهن الدولة على عقار الوقوف موضوع التصفية:
أوجب القانون عدد 24 لسنة 2000 المؤرخ في 22 فيفري 2000 و المنقح لأمر جويلية 1957 المتعلق بإلغاء نظام الاحباس الخاصة و المشتركة، في فصله 10 جديد على المحكمة توظيف رهن على عقار الوقف موضوع التصفية لضمان مصاريف أعمال اللجنة الجهوية لتصفية الأحباس الخاصة و المشتركة في صورة تسبقتها من ميزانية الدولة عند عدم دفعها من مستحقي الوقف.

ب) -  الرهون الممنوحة للخواص
تخضع الرهون القانونية للخواص في نظامها لكل أحكام الرهن ما عدا التكوين حيث يغيب التراضي على الرهن و تنتفي شكلية الكتب الذي يتضمنه.
وقد تدخل المشرع لحماية بعض الدائنين و لحمــــاية المصلحة العامة الاجتماعيـــة و الاقتصادية فمنح الخواص ثلاث أنواع من الرهون القانونية وهي: "رهن التبتيت(1)، رهن جماعة الدائنين (2) و أخيرا رهن الإنزال(3).

1 - رهن التبتيت:
نص الفصل 458 من م.م.م.ت أنه على مدير الملكية العقارية أن يتولى من تلقاء نفسه عند ترسيمه لمحضر تبتيت و لصالح المعقول عنه أو البائع صفقة أو من انجرّ له حق منها ترسيم رهن على العقار و ذلك توثقة في أداء ثمن التبتيت و عند الاقتضاء المصاريف و الأجور المسعرة إذ لم يدل إليه بما يثبت أداء ذلك أو تأميـنه و يتولى من تلقاء نفسه التشطيب على ذلك الرهن إذا قدم له ما يثبت وقوع ذلك الأداء أو التأمين.
وذلك لضمان دين الدائنين أو المتقاسمين في صورة نكول المبتت له أو المشتري صفقة عن دفع ثمن التبتيت.
كما أن الفائدة من هذا الرهن تظهر عند إعادة بيع العقار المبتت حيث يعارض به دائنوا المبتت له.

2 -  رهن جماعة الدائنين:
اقتضى الفصل 453 من المجلة التجارية بفقرته الخامسة و السادسة أنه:
"يقضي الحكم بالتفليس بتوظيف رهن عقار لفائدة جماعة الدائنين.
ويتولى أمين الفلسة إشهاره بمثل الوسائل المقررة لإشهار الحقوق العينية العقارية".
وقد أوجب الفصل 492 من نفس المجلة بفقرته الأخيرة على أمين الفلسة، واجب ترسيم ذلك الرهن.

3 - رهن الإنزال:
نص الفصل عدد 24 لسنة 1974 المؤرخ في 18 مارس 1974 و المتعلق بتصفية حقوق الإنزال و الكردار الموظفة على العقارات ذات الصبغة الفلاحية بفصله الثالث أنه:
"تقتضي عملية إلغاء الإنزال على المتنزل أن يدفع للمنزل دينا يساوي المبلغ الجملي للمعاليم المتخلدة بذمته و التي حل أجلها و لم يتناولها السقوط بمرور الزمن مع إضافة غرامة تعويضية يساوي مقدارها عشرة إضعاف معلوم الإنزال السنوي الواقع تقدير قيمته".
وأضاف الفصل الرابع بأنه: " ينتفع الدين المنصوص عليه بالفصل 3 من هذا القانون بالإمتيازات المقررة للديون الموثقة برهن عقاري يستخلص إذا أن رهن الإنزال هو ضمان لخلاص ديون متواضعة جدا تمثل ما تخلد بذمة المتنزلين المتنزلين من معاليم إنزال قديمة.
وقد رأى بعض الفقهاء أنه بالنسبة لرهن جماعة الدائنين أو لرهن الإنزال فإنه "ليس للرهن جدوى تذكر، و لو  أن خطورته ثابتة من حيث إثقال الرسوم العقارية.
ويزداد خطورة في رهن جماعة الدائنين الذي ينبسط على جميع عقارات المفلس الحالة و المكتسبة لاحقا خلافا لمبدأ التخصيص في هذا الرهن الذي يفرض تسلطه على محلّ معين"[25] (الفصل 275 من م.ح.ع).

المبحث الثاني: الإشهار 

ينص الفصل 278 م ح ع المنقح بمقتضى القانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرخ في 4 ماي 1992 بأنه: "لا يتكون الرهن العقاري إلا بعد ترسيمه" أي أن هذا الفصل قد اقر المفعول المنشئ للترسيم وهو مبدأ عام يرتكز عليه نظام الإشهار العيني فالمفعول المنشئ للترسيم يتعلق بنشأة الحق عند الترسيم و ليس بعده[26] وهو ما يعني أن الرهن لا يتكون  بين المتعاقدين بالرغم من وجود العقد إلا بعد ترسيم الحق. وإن التطرق إلى ترسيم الكتابة كشكلـــية في تكويـــن الرهن (الفقرة الأولى) ثم البحث  في وظيفته (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:  كيفية الإشهار 

إن تعقد الوضعية القانونية للعقارات جعل من قواعد إشهار الرهن العقاري مختلفة بحسب إذا كان العقار مسجل (أ) أو غير مسجل(ب).

أ) -  إشهار الرهن بالنسبة للعقارات المسجلة:
يعد ترسيم الرهن أي التنصيص على وجوده في الرسم الخاص بالعقار المرهون الوسيلة الوحيدة لإشهاره إزاء الغير.
و للترسيم إجراءات معينة حدّدها القانون (1) إلا أن الترسيم يتعذر في بعض الحالات بصفة مؤقتة أو مطلقة فيغدو مستحيلا.(2)

1 – إجراءات الترسيم:
نصت الفقرة الأولى من الفصل 392 من م.ح.ع على انه: "لكل شخص أن يطلب من مدير الملكية العقارية مع تقديمه للوثائق التي توجب هذه المجلة تقديمها ترسيم حق عيني..."
إلا أن الدائن المرتهن هو أول من يهمّه ترسيم الرهن بصفة أصلية و مباشرة لأنه المستفيد الرئيسي من آثار الرهن المرتبطة بإشهاره.[27]
هذا ولئن كان المدين غير محمول على ترسيم الرهن إلا أنه بإمكانه القيام به خاصة بعد تنقيح 4 ماي 1992 الذي صيّر الترسيم منشئا للحق.[28]
ولا تختلف إجراءات ترسيم الرهن عن الإجراءات العادية المتبعة في ترسيم أن حق عيني على عقار مسجل.
وهي تكمن بالأساس في تقديم مطلب في الترسيم مرفوقا بالوثائق اللازمة طبقا لأحكام الفصل 392 من م.ح.ع (فقرة أولى) يقع إيداعه لدى إدارة الملكية العقارية في سجل خاص (الفصل 380 م.ح.ع) نظير وصل يسلّم لطالب الترسيم من قبل حافظ الملكية العقارية[29] الذي يتولى فحص جملة الوثائق للتأكد من عدم وجود أي شائبة تشوبها.[30]
هذا ولا يباشر ترسيم الرهن إلا مع مراعاة مبدأ التسلسل المنصوص عليه بالفصل 392 من م.ح.ع في فقرته الثانية.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى وجوب التوقف عند بعض المسائل الإجرائية لتوضيحها.
فبالإضافة إلى جملة ما يجب أن يحتويه كتب الرهن من بيانات حدّدها الفصل 377 جديد من م.ح.ع يجب التأكد من تاريخ  ترسيم الرهن العقاري إذ يتوقف عليه الاحتجاج بهذا التأمين إزاء الغير (كما أكد الفصلان 305 و 278 فقرة أولى من م.ح.ع).
فتاريخ ترسيم الرهن هو تاريخ إيداعه بإدارة الملكية العقارية.
هذا و"يدوم الترسيم مدة دوام الرهن" كما أكدت على ذلك الفقرة الأخيرة من الفصل 278 من م.ح.ع المتعلقة بإشهار الرهن.
وهو ما يؤكد العلاقة التبعية بين الترسيم و الرهن التي توازيها علاقة التبعية التي تربط الرهن بالدين[31].
إلا أن هناك ما يمكن أن يحول دون هذه التبعية فيتعذر الترسيم.

2 -  موانع الترسيم:
كثيرا ما يلاقي الدائن المرتهن عديد الصعوبات للحصول على ترسيم صكّه وهي صعوبات تحدّ جديا من مناعة التأمين الذي بين يديه ولكن هذه الصعوبات يمكن أن تكون مؤقتة أي أن الترسيم لا يتم إلا بزوال الحائل أو مطلقة فيتعذر الترسيم.
فأما بالنسبة للحائل الوقتي فهو يظهر إما في حالة إشهار الرهن أثناء عملية تسجيل العقار المرهون أو في صورة إشهار الرهن المشروط.
ففي الحالة الأولى و إذا تعلق الأمر بإشهار الرهن العقاري في فترة تسجيــــل العقار و قبل إقامة الرسم العقاري من لدن حافظ الملكية العقارية[32] فإن الترسيم يتعذر لان السند المادي لإجرائه مفقود.
ولكن يتجه الرجوع في هذه الحالة لأحكام الفصلين 350 و 353 من م.ح.ع لمعرفة كيفية إشهار الرهن.
ففي الفترة الفاصلة بين تقديم مطلب التسجيل و الحكم به و قبل إقامة رسم الملكية يشهر الرهن بإيداعه بكتابة المحكمة العقارية التي تتولى الإذن بترسيمه بعد التحقق من اكتمال شروطه على أن يتولى مدير الملكية العقارية ترسيم هذا الرهن لاحقا بعد إقامة رسم الملكية.
إلا أنه في صورة عدم إيداع الرهن بكتابة المحكمة العقارية فإن ذلك لا يؤدي إلى اعتباره من حكم العدم بل إنه يجوز ترسيمه بالطريقة الإدارية عملا بأحكام الفصل 350 من م.ح.ع الذي ينص في فقرته الأخيرة على أن :" الحقوق الحاصلة بعد تقديم مطلب التسجيل و التي لا يقع إيداعها...لا يحتج بها على الغير إلا بترسيمها بسجل الملكية العقارية..."
أما في الحالة الثانية و المتعلقة بحالة الرهن المشروط بقيد احتياطي[33] فإن هذا القيد يشار إليه في الرسم العقاري إلى حين تحويل هذا القيد الاحتياطي إلى ترسيم نهائي أو إلغائه (الفصلين 365 و 366 من م.ح.ع).
هذا ويحسن بالدائن المرتهن أن يتجنب التباطئ بعد تعاقده مع المدين و المبادرة بإشهار رهنه في الحال تجنبا لما قد يحصل من موانع.
وفي جله تفويت المدين الراهن في العقار المرهون لفائدة الغير فإن الدائن لا يمكن أن يرسم رهنه إذا رسم المفوت له ملكيته قبل أن يشهر هذا الأخير رهنه.
هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن نفس القاعدة تطبق في صورة تسليط عقلة تحفيظية أو تنفيذية على العقار المرهون و ترسيمها.
و بالتالي فإن الدائن المرتهن الذي يتقاعس عند الترسيم يعرض نفسه إلى رفض ترسيمه.

ب) -   إشهار الرهن بالنسبة للعقارات الغير مسجلة
يتم إشهار الرهن في العقار غير المسجل بواسطة التنصيص عليه برسم الملكية تطبيقا لأحكام الفصل 279 من م.ح.ع (1) غير أن هذه الطريقة المعتمدة في إشهار الرهون تنطوي على جملة من النقائص(2).

1 -  الإشهار طبق أحكام الفصل 279 من م.ح.ع:
ينص الفصل 279 من م.ح.ع أنه "بالنسبة للعقار غير المسجل فإن الترسيم بسجل الملكية العقارية يعوّض بالتنصيص على الرهن برسم الملكية بواسطة عدلين".
وإن هذا التنصيص على الرهن برسم الملكية هو شكل من أشكال الإشهار البسيطة و الناجعة في الآن نفسه فهي تمكن المتعاقد مع المالك المرهون من الاطلاع على وضعيته القانونية بمجرد إلقاء نظرة سريعة على رسم الملكية.
و يعد هذا التنصيص بمثابة الحجة الرسمية ممّا يجوز معه مواجهة الكافة به.
و لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل أن للتنصيص باعتباره شكلا من أشكال إشهار الرهن مفعولا إنشائي على غرار المفعول الجديد للترسيم أم أن التنصيص يبقى محتفظا بمفعوله الاحتجاجي فحسب.
و لقد تباينت الآراء حول هذه الإشكالية فإنقسمت إلى شقين فاعتبر الشق الأول أن تكريس مبدأ المفعول المنشئ للترسيم المدرج بقانون 4 ماي 1992 لا يتجاوز ميدانه العقارات المسجلة و بأن لا مفعول له خارج هذا الإطار.
في حين أكد مؤيدوا الشق الثاني أن الترسيم بالسجل العقاري يعوّض بالتنصيص على الرهن برسم ملكية العقار غير المسجل، فالتنصيص يقوم مقام الترسيم و يواكبه في جميع آثاره و وظائفه.
ويمكن تفسير موقف المشرع المتمثل في تنقيح الفصل 278 دون الفصل 279 بكونه يعتبر التنصيص مسايرا ضمنيا للترسيم في مفعوله سواء الاحتجاجي أو الإنشائي.[34]
ولعلّ التمحّص فيما سبق بسطه يؤدي حتما إلى الاقتداء بالرأي الثاني لوجاهته خاصة وأن الإقرار بالمفعول الاحتجاجي للتنصيص دون سواه سيخلق تعقيدا في النظام القانوني للرهن العقاري و لا نخال أن المشرع قد قصده بتكريسه للمفعول المنشئ للترسيم.

2 -  نقائص التنصيص:
لقد اقتصر الفصل 279 من م.ح.ع على تحديد كيفية الإشهار في العقارات غير المسجلة دون مراعاة الصعوبات الجمة التي تعترض تطبيقه.
فكثيرا ما تتعدد رسوم الملكية لعقار واحد (فيوجد الرسم الأصلي العتيق الذي كثيرا ما يتلاشى، عندئذ يمكن استخراج نسخة مطابقة للأصل منه و يتم إبطال الرسم الأصلي، كما يمكن استخراج مضمون من الأصل...) فتتكون لذات العقار أكثر من حجة رسمية.
 ولا شك أن هذه الوضعية من شأنها أن تؤثر سلبا على إشهار الرهن العقاري و إذ أنها تفتح المجال أمام التلاعب فيتمكن المدين مثالا من رهن عقاره أكثر من مرة دون علم الدائن و هنا يكون التنصيص شكلية غير مجدية و غير ناجعة لضمان حقوق الدائن.
هذا من جهة ومن جهة ثانية، فيمكن أن يفقد الرسم سند الملكية و ينعدم معه كلّ أثر مكتوب من شأنه أن يثبت ملكية المدين للعقار موضوع الرهن و حينها تتشعب الأمور فإذا كان الرسم المفقود حجة عادلة فبإمكان المدين أن يحصل على نسخة منها إلا انه يتعذر في بعض الأحيان البحث عنها إذا كانت قديمة جدا.
أما إذا كان الرسم المفقود كتبا خطيا مسجلا، فيمكن استخراجه من قباضة المالية، إلا أن هذه الحلول كثيرا ما تغيب عن الراهن لجهله إيّاها.
أما الحالة الأكثر تعقيدا فهي حالة غياب السند المكتوب تماما و يعني ذلك أن المدين هو مجرد حائز للعقار المرهون.
ففي هاته الحالة كيف يمكن لنا إيجاد الرسم المطلوب في الفصل 279 من م.ح.ع؟
هنا الحل يكمن في الحصول على شهادة حوز تكون أساسا ماديا لإشهار الرهن المسلط على العقار أو في إستصدار حكم استحقاقي يكون قاعدة للإشهار فيقع التنصيص على الرهن فوق النسخة التنفيذية.
ولعلّ جملة هذه النقائص هي التي تقلص من نجاعة إشهار الرهن العقاري في العقارات الغير المسجلة.

الفقرة الثانية: الغاية من إشهار الرهن 

تكمن الغاية من إشهار الرهن في إعلام  الغير بالحق المرسم (أ) حتى يتمكن من الاطلاع على الوضعية الحقيقية للعقار.
و في الاحتجاج بهذا الحق تجاه الغير (ب).

أ) -  الإعــــــــــلام:
إن الهدف من إعلام الغير في الرهن العقاري يكمن في إبراز الحالة الاستحقاقية للعقار، أي مدى ملكية المدين له و طبيعة تلك الملكية   (مفرزة أم شائعة...) و ما إذا كانت هناك رهون أخرى موظفة عليه، فتحثه على التعاقد مع المدين بإطمئنان.
ومسألة الإشهار تطرح بالضرورة باعتبار أنه وسيلة لإخبار الغير من أجل حمايته من ناحية ومن أجل تشجيعه على التعاقد مع المدين من ناحية أخرى.
فلا يمكن حثّ الدائن على التعامل مع المدين دون منحه الثقة الكافية حتى يكون على بصيرة من أمره و في مأمن من المفاجآت، فيحثه ذلك على الإقدام على التعامل مع المدين و إقراضه و لو كانت هناك رهون أخرى موظفة على نفس العقار.[35]  
ولئن تولى الفصل 398 من م.ح.ع تجديد التنصيصات التي يجب ذكرها عند إشهار الرهن فإن القائمة التي وردت فيه ذكرية لا حصرية و أساسها هو تفادي تثقيل رسم الملكية بتأشيرات متكاثفة و لا فائدة منها.[36]
وتبعا لذلك فقد رأى كثير من الفقهاء إمكانية إضافة عدة معلومات أخرى تكون مفيدة للغير كمقر الدائن الذي لم ينص الفص 398 من .م.ح.ع إلى ضرورة إشهاره رغم أهميته فكيف يمكن مثلا لواضع اليد توجيه عرض التطهير إليه عملا بأحكام الفصل 292 من م.ح.ع.
وكيف يمكن استدعاء الدائنـــين المرسمين لحضور عمليـــة توزيع ثمـــن التبتيت عليهم طبقا لما جاء بالفص 477 من م.م.م.ت هذا، و يمكن تحديد إن كانت الملكية مفرزة أو مشاعة تامة أو منجزأة[37] إضافة إلى التنصيص على الشرط أو الأجل اللذين يقترنان بالدين.

ب) -  الاحتجاج بالرهن تجاه الغير:
تترتب عند الرهن آثارا شتى لعلّ أهمها حق التنفيذ على العقار في حالة عدم الخلاص.
وقد نص الفصل 201 من م.ح.ع أن الرهن يخول للدائن الحق في استيفاء دينه  من ذلك الشيء قبل غيره من الدائنين إذا لم يوف له المدين بما عليه وهو ما يؤسس حق الأفضلية.
ولئن كان حق الأفضلية هو جوهر الرهن فإن تحقيقه يقترن وجوبا بتاريخ الترسيم أو التنصيص كما سبق وأن بينا.
فأما بالنسبة للدائنين العاديين فلا شك في أن الأفضلية تكون للدائن المرتهن لأن الرهن يخرج حتما صاحبه من دائرة المساواة بين الدائنين. أمّا بالنسبة إلى تزاحم الدائنين المرتهنين فيما بينهم فان الأفضلية تحدد حسب تاريخ إشهار الرهن.
وإذا تم الإشهار في يوم واحد فإن المساواة بينهم هي المبدأ إذ نص الفصل 278 من م.ح.ع أن: "الرهون التي ترسم في يوم واحد تكون متساوية في المرتبة".
إلا أن أهمية ترسيم الرهن تبقى محدودة إذ أن الدائن المرتهن لا يمكنه الاحتجاج برهنه العقاري على الدائن الممتاز. إذ نص الفصل 195 من م.ح.ع في فقرته الأولى على أن:" الدين الممتاز مفضل على غيره من الديون و حتى على الديون الموثقة برهن عقاري".
وهو ما يعني أن الدائن المرتهن يتأخر عن الدائن الممتاز عند توزيع الثمن المنجر عن عملية بيع العقار دون اعتبار لأسبقية ترسيم الرهن على نشأة الامتياز.
كما أن الدائن الحابس يفضل على الدائن المرتهن.
أجل إن حق الحبس يمنح لصاحبه أفضلية فإذا تزاحم دائن حابس و دائن مرتهن فإن الأولوية ترجع للحابس اعتمادا على مقتضيات الفصــــل 323 من مجلة الالتزامـــات و العقود إذ خول فيه المشرع لهذا الأخير "خلاص دينه من الثمن قبل غيره من الغرماء".
إلا أن هذا التوجه مردود، إذ أن الأفضلية بين الدائن الحابس و المرتهن للعقار يجب أن تحسم على أساس أسبقية الإشهار فتكون الأولوية للدائن الحابس إذا كان حبسه سابقا عن إشهار الرهن و للدائن المرتهن إذا ثبت أن إشهار الرهن سابق لنشأة حق الحبس.
لكن و بالتأمل في النصوص القانونية تلوح أهمية الإشهار أيضا من خلال قيام حق آخر إلى جانب حق الأفضلية وهو حق التتبع.
فقد نص الفصل 270 من م.ح.ع أن: "الرهن المرتب على عقار يتبع العقار في أيّة يد ينتقل إليها".
و حق التتبع يمارس في مواجهة المالك الجديد للعقار المرهون و يخول للدائن المرتهن إمكانية عقلته، و بيعه جبريا إذا لم يؤد المدين الدين بعد حلول أجله و بالتالي توزيع ثمنه على الدائنين.[38]

الجزء الثاني: انقضاء الرهن العقاري


إن الرهن العقاري لا يعدو أن يكون في حقيقة الأمر سوى ضمانا لتنفيذ إلتزام شخصي وهو ما يجعل من مولد الرهون و انقضاؤها موكول في حدّ كبير إلى إرادة الأطراف و على الرغم من ذلك فإن هذه الإرادة لا تكون كافية بمفردها لزوال الرهن.[39]
أجل إن زوال الرهن مقترن بعملية التشطيب عليه وقد نص الفصل 290 من م.ح.ع أنه: "يقع التشطيب على الرهون بتقديم كتب ممضى من الدائن في رفع اليد أو بحكم أحرز على قوة ما إتصل به القضاء".
وبالتالي فإن إنقضاء الرهن يستوجب البحث في مسألتين متلازمتين أولهما: صور إنقضاء الرهن (المبحث الأول) و ثانيهما التشطيب عليه (المبحث الثاني).

المبحث الأول: حالات الانقضاء 

ينتهي الرهن العقاري طبقا للمبادئ العامة للقانون إما بصورة تبعية أو بصورة أصلية.
و سنتعرض في ما يلي إلى بسط حالات انقضاء الرهن بصفة أصلية (الفقرة الأولى) أي أن الرهن ينقضي بغض النظر عن انقضاء الالتزام الأصلي، ثم لإنقضائه بصورة تبعية (الفقرة الثانية) بما أن هذا النوع من الرهون حق عيني تبعي يساير جميع الحالات التي يعرفها الإلتزام الأصلي بما فيها حالة إنقضاء هذا الإلتزام.

الفقرة الأولى: انقضاء الرهن بصورة أصلية 

ينقضي الرهن بصورة أصلية، أي بالإستقلال عن الدين المضمون به بأحد الأسباب التالية التي نستخلصها من أحكام الفصل 290 من م.ح.ع:
- انقضاء الالتزام الأصلي
- تنازل المدين
- إجراءات التطهير
وهو ما يعني أن زوال الرهن مرتبط إما بانقضاء الإلتزام(أ) أو بخضوعه لإجراءات التطهير (ب) .

أ) -  انقضاء الرهن بموجب الالتزام:
يزول الرهن باتفاق كل من الراهن و المرتهن على إنهاء الرهن مع بقاء الدين المضمون به.
و يمكن أن يكون هذا الإتفاق لقاء ضمانات أخرى يقدمها المدين للدائن أو حتى بدون ضمانات.
و بإنقضاء الرهن يلتزم المرتهن بإعادة المرهون إلى الراهن و يتحول الدين المضمون إلى دين عادي يتساوى فيه الدائن مع غيره.
كما يمكن للرهن أن ينقضي أيضا بصورة أصلية، و ذلك بتنازل المرتهن عنه بإرادته المنفردة.
و لقد أكدت المجلة التجارية اللبنانية أن النزول عن الرهن يمكن أن يكون صريحا أو ضمنيا، و يمكن أن نستشف هذا التنازل الضمني من أي موقف أو تصرف يدل عليه دلالة قاطعة كتخلي الدائن المرتهن مثالا بإختياره عن حيازة الشيء المرهون.[40]
في حين لم تتطرق مجلة الحقوق العينية لمثل هذا الموقف و لكنها أوجبت تقديم ما يفيد التنازل حتى يتم التشطيب على الرهن.
هذا، وقد أجمع الفقهاء على أنه إذا تعلق للغير حق بالرهن، فإن نزول المرتهن عن الرهن لا يزيل الرهن إلا إذا أقره هذا الغير.[41]

ب) -  انقضاء الرهن بموجب التطهير:
لقد نص الفصل 281 من م.ح.ع أنه: "إذا لم يقم من وضع يده على العقار  المرهون بالإجراءات المبينة فيما بعد قصد تطهير ملكيته فإنه يكون بموجب الترسيم ملزما بآداء الديون الموثق فيها ذلك العقار و ينتفع بنفس الآجال الممنوحة للمدين الأصلي".
كما نص الفصل 282 من م.ح.ع أنه: "يكون واضع اليد ملزما في تلك الحالة بدفع الدين أصلا و فوائد مهما بلغ مقداره أو بالتخلي عن العقار المرهون بدون أي احتراز".
يستخلص إذا مما سبق بسطه أن عدم قيام واضع اليد بإجراءات التطهير، تجعله ملزما بموجب الترسيم بأداء الديون الموثق فيها العقار علما و أنه يتمتع في ذلك بالآجال الممنوحة للمدين الأصلي.[42]
ويمكن أن يكتسي التطهير من الناحية العملية أشكالا مختلفة:
كأن يتولى واضع اليد بإعتباره أصبح مديـنا إعلام الدائنين بإستعداده لخلاص الديـــن و في هذه الحالة فإن الدائنين يترقبون حلول أجل الدين حتى يتم خلاصه.
وقد نص الفصل 292 من م.ح.ع أنه: "على المالك الجديد الذي يريد تطهير ما على العقار من رهون مرسمة أن يوجه في ظرف عام من تاريخ ترسيم سنده أو من خلال  شهر من تاريخ أول إنذار يصدر له طبق الفصل 283 إعلاما إلى جميع الدائنين".
على أن يشتمل هذا الإعلام على جملة من التنصيصات وهي:
مضمون من سند الملكية مبين به تاريخه و أسماء الطرفين و تاريخ ترسيمه، بيان الثمن و التكاليف التابعة له و قيمتها و كذلك قيمة العقار إذا كان انتقاله بغير البيع، شهادة فيما على العقار من رهون مرسمة إذا كان العقار مسجلا و أخيرا إختيار مقر بدائرة المحكمة الإبتدائية لمكان العقار.
هذا وإن الآجال الواردة بالفصل 992 آجال مسقطة لا تقبل القطع أو التعليق.
والبيانات و الوثائق التي حددها المشرع في الإعلام وجوبية و ينجر عن غيابها بطلان إجراءات التطهير.
كما أنه لكل دائن طلب بيع العقار بالمزاد العلني لإستيفاء الدين بعد إعلام المدين الأصلي و إنذار واضع اليد.
فقد نص الفصل 296 من م.ح.ع أنه لكل دائن مرسم أو صاحب إعتراض تحفظي أن يطلب في أجل قدره أربعون يوما من تاريخ الإعلام بيع العقار بالمزاد العلني لدى المحكمة.
لكن هذا الفصل أوجب الزيادة في الثمن بقدر ما لا يقل عن السدس و ذلك لحماية المالك الجديد من تعسف الدائنين و طلبهم غير المبرر لبيع العقار عند كفاية الثمن المعروض عليهم للوفاء بديونهم.
علما وأن هذا الفصـل قد اشـــــترط أن يقدم الدائن طالب البيع ضامـــنا لدفع الثمن و التكاليف و إلا كانت الإجراءات باطلة.
و في هذه الحالة وإن لم يعرب واضع اليد (بإعتباره أصبح مدنيا) إستعداده للخلاص فإنه يجب عليه التخلي عن ملكية العين وجوبا فتصبح العملية عملية تطهير وجوبية بعد أن كانت في الحالة الأولى إختيارية.
وإجراءات التطهير يمكن أن تعلق إبتداءا من قيام الدائن بدعوى الفسخ و لا يمكن استئنافها إلا بعد رجوع الدائن في دعوى الفسخ أو بعد رفضها (الفصل 295 من م.ح.ع) إلا انه ومن الناحية العملية يمكن لهذه الإجراءات  الهادفة إلى تطهير العقار المرهون أن تصطدم بعدة مصاعب و ذلك بإختلاف إن كانت العقارات مسجلة أو غير مسجلة، مجمدة أو غير مجمدة.[43]
هذا فيما يتعلق بإنقضاء الرهن بصورة أصلية لكن يمكن للرهن أن ينقضي بموجب أسباب خارجة على أحكام الفصل 291 من م.ح.ع.

الفقرة الثانية:  انقضاء الرهن بصورة تبعية

إن الرهن حق تابع للدين المضمون به، فإذا انقضى الدين المضمون بأي سبب من الأسباب يفقد الرهن وجوده و ينقضي بذلك بالتبعية.
فيمكن للرهن أن ينقضي بهلاك العقار المرهون (أ) أو بالتقادم بالنسبة للرهون القديمة (ب).

أ) -  هلاك العقار المرهون:
ينص الفص 276 من م.ح.ع أنه: "إذا هلكت العقارات المرهونة أو تعطبت بحيث أصبحت غير كافية لضمان الدين كان للدائن الحق في طلب الوفاء بالدين على أنه إذا كان الهلاك أو العطب بغير فعل المدين جاز لهذا الأخير أن يعرض لدائنه رهنا عقاريا إضافيا".
إن هلاك العقار المرهون يجعل للدائن المرتهن الحق في طلب الوفاء بالدين بصفة فورية.
ولا يحق للمدين في هاته الحالة، أن يقوم بتأجيل موعد الوفاء الذي سقط بمفعول القانون.
إلا انه إذا هلك العقار المرهون نتيجة سبب خارج عن إرادة المدين يبقى للدائن المرتهن الحق في المطالبة بالدين حالا، في حين يسمح للمدين بعرض منح رهن إضافي للدائن و تأجيل موعد أداء الدين المستحق حالا.
وبالرجوع إلى القوانين المقارنة كالقانون اللبناني مثالا فقد حقق الفقيه حسين عبد اللطيف حمدان أن الرهن ينقضي إذا هلك الشيء المرهون، بشرط أن يكون الهلاك كليا.
أما إذا كان الهلاك جزئيا، فلا ينقضي الرهن، بل يبقى على ما بقي الشيء المرهون، و يكون ضامنا للدين كله عملا بقاعدة عدم تجزئة.

ب) -  التقادم:
يعتبر الفصل 307 من م.ح.ع  أن الحق المرسم لا يسري عليه مرور الزمن.
كما أكد الفصل 390 من م.ح.ع أن الدعوى القائمة على رهن منقول أو غير منقول لا تنقرض بمرور الزمن.
فهذه الرهون القديمة غالبا ما تحول دون تطهير الرسوم العقارية، فكثيرا ما يكون الدائن المرتهن غير معروف المقر أو أنه توفي مما يستوجب البحث عن ورثته، كما أن مبلغ الدين يمكن أن يكون بالفرنك فيصعب احتسابه و احتساب فوائضه.[44]
فهل يمكن في هذه الحالات المستعصية للمحكمة العقارية الإذن بتشطيب هذه الرهون القديمة؟
إن القانون التونسي لم يمنح للمحكمة العقارية الوسائل الكافية لتجاوز الرهون القديمة على عكس العديد من التشريعات المقارنة التي أباحت صراحة إزالة الرهون القديمة كالقانون المصري مثلا أو القانون اللبناني الذي خوّل لمدير الملكية العقارية إذا ما إفترض أن الرهن قد سقط بمرور الزمن أن يتقدم للمحكمة بطلب قصد الحصول على إذن بالتشطيب و إذا ما رأت المحكـــمة جدية في مطلبـــه تأذن بذلك و تطهر العقار.[45]
وأخيرا فإن ما تجدر ملاحظته هو أن انقضاء الرهن لا يعدو أن يكون سوى مرحلة أولى يجب أن تليها مرحلة ثانية وهي مرحلة التشطيب حتى ينقضي الرهن بصفة قانونية.

المبحــث الثانـي: التشطيـب علـى الرهــن

من الواضح أن انقضاء الرهن يتوقف من الناحية القانونية على تشطيبه.
وقد عرّف الفقهاء التشطيب بأنه "إلغاء كامل الحـق العيني المرسم بعد التسجيــل" و بأنه "إلغاء كلي أو جزئي للترسيم نتيجة لزوال مفعوله ببطلانه أو بإبطال الحق المرسم أو انقضائه وهو يتميز عن الإصلاح و التعديل".
كما يمكن تعريف التشطيب و ضبط مفهومه بدقة من خلال القول بأنه إجراء يستهدف الترسيم الموجود بالسجل العقاري و يؤدي إلى إلغائه كليا و إنهاء كافة آثاره القانونية بسبب انعدام ما يبرر إستمرار وجود ذلك الترسيم قانونا.
وسنتناول بالدرس في مرحلة أولى الإجراءات الواجب إتباعها للتشطيب على الرهون (الفقرة الأولى) ثم و في مرحلة ثانية الصعوبات المادية التي يمكن أن تعترضنا عند طلب التشطيب (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:  إجراءات التشطيب على الرهن العقاري

يتم التشطيب على الرهون العقارية بإتباع مرحلتين: تكمن المرحلة الأولى في توفير ما أقره المشرع صلب أحكام الفصل 290 من م.ح.ع من وجوب توفر معايير معينة (أ) ثم بالتأكــــد من توفـــــر شروط أخرى خاصـــة بكل من طالب الترسيــــم و مطلبه(ب).

أ) -  الشروط القانونية:
يقتضي الفصل 290 من م.ح.ع أن التشطيب يقع على الرهون: "بتقديم كتب ممضى من الدائن في رفع اليد أو بحكم أحرز على قوة ما اتصل به القضاء أما التنقيص منها فلا يقع إلا بموجب اتفاق".
ويتمثل التشطيب من الناحية المادية في إشارة يتم إدراجها بهامش الترسيم تفيد إلغاءه.
ويتم التشطيب عادة بمقتضى كتب ممضى من الدائن في رفع اليد، و يعكس هذا الكتب بصفة مباشرة موافقة الدائن على تشطيب الرهن.
ولقد أولى المشرع للتشطيب عناية خاصة لما لهذه المؤسسة من مساس بمصالح الأفراد فأخضعه لشروط التحرير الشكلية تفاديا للغش و التدليس.
هذا وإن رفع اليد ليس سوى صكا من بين الصكوك المقدمة للترسيم بل هو يخضع بالضرورة إلى شروط التحرير المنصوص عليها بأحكام الفصول 377 و 377 مكرر و 377 ثالثا من م.ح.ع.
إلا أن شكليات رفع اليد يمكن أن تخرج عن هذه القواعد بالنسبة لما يتعلق بالدولة و الجماعات المحلية و عقود الرهـــــن التي تبرمجها المؤسســــات البنكـــية و المالية.
هذا فيما يفيد شهادة رفع اليد أما بالنسبة لحكم أحرز على قوّة ما اتصل به القضاء فإن ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع اشترط حكما يقضي بانقضاء الدين المؤسس لوجود الرهن.
فيمكن تقديم حكم مدني اتصل به القضاء، يقضي بإبطال العقد الأصلي و فسخه أو انقضائه حتى يتسنى التشطيب على الرهن.
لكن تثير فكرة التشطيب على الرهن بمقتضى حكم أحرز على قوة ما اتصل به القضاء جملة من التساؤلات الفرعية.
فهل يجب أن يصدر الحكم على أساس طلب بطلان عقد الدين أم على أساس طلب بطلان عقد الرهن أم على أساس الإثنين معا؟
ولئن لم يحاول المشرع تلافي هذه النقائص بتوضيحها حتى يتيسر العمل من الناحية التطبيقية إلا أنه يمكن الإشـــارة إلى أن القيــــام بدعوى على أساس انقضاء الديـــن و الإحراز على حكم اتصل به القضاء كافيا لطلب التشطيب.
كما أن لا شيء يحول قانونا دون القيام على أساس طلب نسخ الرهن إذ يمكن أن ينقضي الدين و يبقى النزاع قائما على أساس الرهن.
ويمكن أن يتخذ التشطيب شكل دعوى أصلية يتولى القاضي بمناسبتها التأكد من وقوع زوال الرهن أو إنقضائه مع التصريح بذلك في الحكم و الإذن لمدير الملكية العقارية بإجراء التشطيب.
لكن وإضافة إلى ما سبق بيانه فإن هناك غموض يمكن إثارته من ناحية الإختصاص الحكمي، و لقد كان من الأجدر على المشرع أن يورد تحديدا لهذه المسائل في آخر الفصل 290 من م.ح.ع أو في فصل مستقل.
فمن البديهي أن هذا الاختصاص يعود إلى المحكمة الإبتدائية و لكن لنا أن نتساءل هل يمكن رفع مثل هذه الدعوى أمام محاكم النواحي.
لقد انقسم الفقهاء إلى شقين حول هذه المسألة فمنهم من تمسك بعدم إختصاص حاكم الناحية قولا بأن دعوى بطلان الرهن هي دعوى غير مقررة مما يبقيها دوما من أنظار المحكمة الابتدائية.
في حين يرى الشق الثاني أن دعوى بطلان الرهن هي دعوى قابلة للتقدير إذ يمكن تقدير الرهن انطلاقا من قيمة الدين كما أن القيام أمام محاكم النواحي يمكن أن يكون قياما عرضيا بمناسبة دعوى إبطال دين مثالا.
إلا أن فقه القضاء لم يرجح إحدى التيارين فتماشى تارة مع وجوب قيام الدعوى أمام المحاكم الابتدائية و طورا مع إمكانية قيامها أمام محاكم النواحي وهو ما يشكل صعوبة مادية يجب تجاوزها.

ب) -  الشروط الشكلية:
ينص الفصل 392 من م.ح.ع أنه:" لكل شخص أن يطلب من مدير الملكية العقارية[46] مع تقديمه للوثائق التي توجب هذه المجلة تقديمها، ترسيم حق عيني أو تشطيب ترسيم هذا الحق إلا إذا كان منجرا مباشرة ممن سبق ترسيمه بإسمه.
أما إذا كان الحق العيني موضوع عدة نقل أو اتفاقات متوالية فإن النقل أو الإتفاق الأخير لا يقع ترسيمه قبل ترسيم ما سبقه من نقل و إتفاقات".
وقد أكد هذا الفصل على مبدأ التسلسل الذي يرتكــــز عليه النظام العيني التونســـي و الذي يقوم على أساس انه لا يقع ترسيم حق إلا إذا كان منجرا مباشرة ممن سبق ترسيمه بإسمه.
وفي صورة ما إذا كان الحق العيني موضوع عدة نقل و إتفاقات فإن ترسيم النقل أو الإتفاق الأخير لا يتم إلا بعد ترسيم النقل و الاتفاقات السابقة.
ولقد أقرت محكمة التعقيب على هذا المبدأ في العديد من قراراتها التي نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر:
"القرار التعقيبي المدني عدد 30445 المؤرخ في 28 أفريل 1992 الناطق بقبوله:
"نصت الفقرة الثانية من الفصل 392 من م.ح.ع على أنه يقع ترسيم الحق إلا إذا كان منجرا مباشرة ممن سبق ترسيمه بإسمه و عليه فلما رسمت الإدارة للمعقب ضده حقا لم ينجر له مباشرة من البنك المالك و المتصرف الوحيد في ذلك الحق تكون قد خرقت مبدأ التسلسل و خالفت القانون".
هذا فيما يتعلق بالمطلب أما فيما يتعلق بالطالب فقد أقرّ المشرع بأن لكل ذي حق الحق في طلب التشطيب بقوله صلب الفصل 394 من م.ح.ع أنه: "على كل من يطلب ترسيما أو تشطيبا على ترسيم أو خطأ من ترسيم أو تعديلا لترسيم أن يقدم نسخة أصلية من العقد أو السند مع المؤيدات الواجبة بعد إخضاعها لإجراءات التسجيل طبق أحكام قانون التسجيل و الطابع الجبائي.
ويتم إدراج العمليات المشار إليها بالفقرة المتقدمة بالتاريخ الذي يودع فيه الملف بإدارة الملكية العقارية".
وقد أعفى هذا الفصل في فقرته الأخيرة الدولة من معلوم الترسيم بالنسبة لجميع عمليات الترسيم أو التشطيب أو التعديل أو الحطّ التي تطلبها هذه الأخيرة لفائدتها في العقارات و الحقوق العينية التي تملكها.
يستخلص مما سلف بسطه أن الإجراءات الشكلية لطلب التشطيب الواردة بمجلة الحقوق العينية تبدو سلسة و يسهل تطبيقها إلا أن الواقع يعكس صورة مغايرة تماما فهناك عديد من العوامل التي تعيقها و تحول بالتالي دون عملية التشطيب المنشودة.

الفقرة الثانية: صعوبات التشطيب على الرهن

لتجاوز الصعوبات التي تحول دون التشطيب على الرهن لا بد من تحديد تلك الصعوبات تحديدا واضحا حتى يتسنى للطالب معالجتها.
ولعلّ من أهم الصعوبات التي تعترض الطالب هي الصعوبات المادية (أ) إضافة إلى الصعوبات المتعلقة بعدم إمكانية تجاوز المبادئ العامة (ب).

أ) -  الصعوبات المادية التي تحول دون تشطيب الرهن:
إن الصعوبات المادية هي من أكثر الصعوبات انتشارا فكثيرا ما تكون عقود الرهن معيبة من الناحية الشكلية فلا يقع تحديد العقار المسلط عليه الرهن بصفة دقيقة من حيث موقعه و مساحته و معرّفه  كما أنها غير مسجلة و في هاته الحالة  يصعب التشطيب إذ يجب أن تأذن المحكمة العقارية بترسيم عقد الرهن أولا بعد إجراء الأبحاث العينية اللازمة لتتمكن بعدها من إجراء التشطيب عليه طبقا للإجراءات المعمول بها قانونا.
كما يمكن أن يكون العائق الحائل دون التشطيب متمثلا في عدم التطابق في المساحة المضمنة بالعقد و المساحة الواردة بالرسم العقاري أو أن الرهن صادر عن غير مالك و ذلك في صورة رهن شخص لكامل العقار في حين أنه لا يملك فيه إلا جزءا مشاعا.
إن هذه الصعوبات المادية الناتجة عن عدم التطابق بموجب أخطاء في الرسم يمكن تجاوزها على أساس الفصل 391 من م.ح.ع الذي أكد أنه:
"إذا وقع سهو أو غلط في رسم الملكية أو في الترسيمات فإن للمعنيين أن يطلبوا إصلاحه".
والمقصود بالسهو هو إغفال إدراج بيان ما له أصل ثابت بالوثائق المقدمة برسم الملكية، أما الغلط في رسم الملكية فهو الخطأ الغير مؤثر في صحة الرسم فإن كان كذلك فإن التشطيب لا يمكن أن يتم إلاّ بواسطة التقاضي.
كما أكد الفصل المذكور آنفا في فقرته الثانية أنه لحافظ الملكية العقارية كذلك أن يتولى من تلقاء نفسه إصلاح الخلل الصادر عنه و تدارك الأخطاء المادية الحاصلة في العقود المحرّرة من طرفه أو من طرف أعوان إدارة الملكية العقارية المكلفين بذلك.
إلاّ انه في صورة امتناع إدارة الملكية العقارية فإنه يمكن لرئيس المحكمة العقارية إذا طلب منه ذلك أن يأذن بالإصلاح على نحو  ما تقدم.
هذا فيما يتعلق بتجاوز الصعوبات الناتجة عن أخطاء في الرسم.
أما بالنسبة لرفض مطلب التشطيب أو السكوت عنه فقد إقتضى الفصل 388 من م.ح.ع أنه لا يسوغ لإدارة الملكية العقارية ما لم يكن هنالك مانع قانوني أن ترفض بصفة نهائية و لا أن تؤجل ترسيما أو تشطيبا عن ترسيم وقع طلبه بصفة قانونية.
وقرار إدارة الملكية العقارية برفض أو تأجيل ذلك يقبل الطعن لدى المحكمة العقارية في أجل شهر من تاريخ الإعلام به.
هذا وإن سكوت إدارة الملكية العقارية بعد انقضاء أربعة أشهر يعدّ رفضا تبت على إثره المحكمة العقارية في الطعن بعد أخذ رأي إدارة الملكية العقارية كما أن لها عند الاقتضاء أن تقوم بالإجراء المطلوب علما وأن قراراتها معفاة من الإعلام كما أنها قابلة للتنفيذ حالا.
غير أنه يجب التأكيد أن حقوق المعنيين تبقى محفوظة فيما يتعلق بالأصل.
وبالإضافة إلى ما سبق بسطه فإن الفصل المذكور آنفا مكن الطاعن من طلب الإذن من رئيس المحكمة العقارية أو من ينوبه بتقييد طعنه احتياطيا.
ويحال المطلب على إدارة الملكية العقارية لإبداء رأيها فيه و تأذن المحكمة العقارية في صورة إجراء القيد الاحتياطي بالتشطيب عليه.
نستنتج إذا من أحكام هذا الفصل أن لإدارة الملكية العقارية أن ترفض مطلب التشطيب بشرط تواجد مانع قانوني يكمن مثالا في تعارض المطلب مع البيانات الواردة بالسجل العقاري، أو في غياب الرسوم المثبتة لترسيم الرهن مثلا.
ولئن كان للمحكمة العقارية السلطة الكافية لتجاوز الإجراءات المطلوبة لدى إدارة الملكية العقارية و إجراء التشطيب إلا أن هذه الأخيرة تبقى مقيدة بعدم إمكانية المساس بالحقوق المكتسبة بصفة شرعية من قبل الغير و بذلك يكون تطبيق مبدأ الشرعية عملا ملزما للمحكمة و ضابطا لكل أعمالها.[47]

ب) -  الصعوبات المتعلقة بعدم إمكانية تجاوز المبادئ العامة:
المقصود بالمبادئ العامة هي واجب احترام مبدأ التحقيق المشار إليه صلب الفصل 389 من م.ح.ع و مبدأ التسلسل.
فعلا، يفرض مبدأ الشرعية على الجهاز الإداري المكلّف بالقيام بأي عملية ترسيم أو تشطيب أو غير ذلك من العمليات العقارية القيام بكلّ التحريات و التحقيقات التي تتطلبها العملية المطلوبة و ذلك من خلال مراقبة صحة السند المقدم و غير ذلك من البيانات الواجبة طبق القانون.
وقد نصّ الفصل 306 من م.ح.ع أن إدارة الملكية العقارية تتولى قبل قيامها بأية عملية، مباشرة التحقيقات اللازمة التي تقتضيها مجلة الحقوق العينية.
وأضاف الفصل 389 من نفس المجلة بعض التدقيق بقوله أن إدارة الملكية العقارية ملزمة بأن تتحقق من هوية الأطراف و أهليتهم ومن صحة الوثائق المدلى بها.
كما أن عليها التحقق من أن الترسيم أو القيد أو التشطيب المطلوب لا يتعارض مع البيانات الواردة برسم الملكية وأن لا شيء يمنع المعني من التصرف  في الحق الذي تمت إحالته أو إنشاؤه.
فلا يمكن إذا لإدارة الملكية العقارية قبول أي مطلب تشطيب إلا بعد إجراء التحقيقات اللازمة التي يمكن أن تؤدي في آخر المطاف إلى رفض المطلب لوجود مانع قانوني كما سبق وأن أشرنا.
إلا أن هذه الأخيرة بإمكانها طلب إتمام الإجراءات المطلوبة، إذا لم يكن لها مساس بالأصل حتى يتسنى لها القيام بعملية التشطيب، في حين لا يمكنها تجاوز هذه الإجراءات كما هو الشأن بالنسبة للمحكمة العقارية.
فللمحكمة العقارية الحق في تجاوز الشكليات كأن تتجاوز مثلا الإخلالات المستمدة من مخالفة أحكام الفصل 377 مكرر من م.ح.ع المتعلق بتحرير الصكوك و كان ذلك بعد أن أجاز المشرع بمقتضى قانون 10 أفريل 2001 المتعلق بتحيين الرسوم العقارية إمكانية تجاوز إتمام الإجراءات المطلوبة لدى إدارة الملكية العقارية دون قيد أو تمييز (وهو ما يجيز مثلا ترسيم عقود الرهن و التشطيب عليها رغم عدم تحريرها من المحررين المعتمدين).
إذا يبقى طالب تشطيب الرهن مقيدا أمام إدارة الملكية العقارية بجملة من المبادئ العامة  التي لا يمكن لهذه الأخيرة أن تتجاوزها في حين بإمكانه اللجوء إلى التقاضي لتجاوز ما لا يمكن لهذه الأخيرة إداريا و في ذلك  عناء  سواء من الناحية المادية أو المعنوية.
لكن هذه الصعوبات لا تقف عند هذا الحدّ بل تتجاوزه إلى صعوبة أخرى خاصة بموجب احترام مبدأ التسلسل المنصوص عليه صلب الفصل 392 من م.ح.ع.
فإدارة الملكية العقارية مجبرة على رفض أي مطلب تشطيب لا يحترم مبدأ التسلسل على الرغم من إدراكها في بعض الحالات استحالة توفير هذا الشرط خاصة فيما يتعلق بالرهون القديمة أو الغير مسجلة وهو ما دفع المحكمة العقارية في بعض الحالات و في إطار قضايا التحيين، لتجاوز هذه المعضلة بعد إجراء الأبحاث المكتبية و العينية و غيرها من الوسائل الكفيلة بإثبات وجوب التشطيب على الرهن.

الخاتمـــــــــــــــة

لقد أولى المشرع التونسي لمؤسسة الرهن العقاري أهمية فائقة منذ صدور مجلة الحقوق و العينية سنة 1965 خاصة أن هذا الأخير يعتبر من أكثر التأمينات العينية انتشارا بما أنه من آليات تأمين المعاملات بين الأفراد كما أنه يساعد على دفع النشاط الاقتصادي.
إلا أن أهمية هذه المؤسسة القانونية لا يمكن أن تحجب تعقيدها رغم قدمها في الزمن خاصة و أنها تمتد إلى عدة فروع قانونية كالالتزامات و الأموال و القانون البنكي...
ولا يخفى على الباحث في هذا المجال أن هذه المؤسسة تشكو من صعوبات عديدة على المستوى التطبيقي.
فإن كانت في ظاهرها تنم عن توازن و اكتمال إلا أنها في باطنها تعاني من خور فضيع يوهن من مرد وديتها.
فلئن أرسى المشرع التونسي هذه المؤسسة لحماية مصالح الدائن المرتهن فإنه لم يحميه بما فيه الكفاية خاصة و أنه أكد صلب الفصل 195 من م.ح.ع أن: "الدين الممتاز مفضل على غيره و حتى على الديون الموثقة برهن عقاري".
وليست هذه هي المعضلة الوحيدة التي يمكن لمؤسسة للرهن العقاري أن تعاني منها، ذلك أن العقارات الغير مسجلة مازالت قائمة و مشاكلها الاستحقاقية متواصلة  مما يتعذر معه في بعض الحالات إشهار الرهن لغياب الرسم، كما أن الحق المرهون يمكن أن يكون منابا مشاعا فيتعذر ترسيم الرهن.
هذا وإن غياب نص تشريعي صريح خاص بالرهون القديمة يطرح إشكالا هاما على المستوى العملي خاصة وإن كانت هذه الأخيرة غير مرسمة.
كما أن الرسوم المجمدة لازالت عقبة كبيرة لا يمكن تجاوزها في الميدان العقاري بصفة عامة و بالنسبة للرهون العقارية بصفة خاصة.
ولنا أن نتساءل إن تدخل المحكمة العقارية و اتخاذها لجملة من التدابير اللازمة لتجاوز الصعوبات التي تحول دون ترسيم الرهن أو تشطيبه كاف؟
طبعا لا، وإن أقل ما يمكن أن يقال في هذا الشأن أن المحكمة العقارية تعجز في الحالات المستعصية عن تجاوز ما لا يمكن تجاوزه في غياب نص قانوني مستساغ ينظم هذه الإشكاليات و يقنن ما يجب تقنينه.
إن هذه الحدود الواقعية توجب إذا التفكير في إيجاد حلول عملية لها من قبل المشرع حتى يتسنى تجاوز ما لا يمكن تجاوزه بغير نصّ صريح.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]  يراجع في هذا الصدد: (المجلد الأول، لعبد الله العلايلي، ص 499.
[2]  حسين عبد اللطيف حمدان، التأمينات العينية: دراسة تحليلية شاملة لأحكام الرهن و التأمين و الامتياز، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت 2005 ص 21.
[3]  شمس الدين الوكيل، نظرية التأمينات في القانون المدني، الطبعة الثانية، 1959 ص  33.
[4]  يراجع في هذا الصدد: احمد بن طالب، لمحة عن التأمينات في الفقه الإسلامي في دراسات في قانون التأمينات، عمل جماعي الطبعة الثانية تونس 2003، ص177 و ما بعدها.
[5]  حسين عبد اللطيف حمدان مرجع مذكور ص50.
[6]  المجمع الوسيط أو اللغة العربية ج1 دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان
[7]  علي حيدر، درر الحكام، شرح مجلة الأحكام، تعريب فهمي الحسيني، المجلد الثاني ص65
[8]  عبد المنعم عبود، مجلة الحقوق العينية المعلق عليها ص،272.
[9]  حسين عبد اللطيف حمدان مراجع مذكور.
[10] يراجع في هذا الصدد: فتحي الورتتاني، العقد الموقوف في القانون المدني، مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص العام، كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس 1990-1991 ص 54 و ما يليها
ليليا بو ستة، الكفالة العينية، مذكرة للإحراز على شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية، كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس، 1996-1997 ص 106 و ما يليها
CHarfeddine Mohamed Kamel, les droits des tiers et les actes translatifs de propriété immobilière, C.E.R.O Tunis 1993, p252 et suivants.
[11] شكري الشيخ، الشروط الشكلية لتكوين الرهن، في دراسات في القانون التأمين عمل جماعي، تونس 1997 ص419 و 420.
[12]  أحمد بن طالب، ما الرهن العقاري؟ مجلة القضاء و التشريع، نوفمبر 2005، ص 22.
[13]  عبد المنعم عبود، الشروط الشكلية لصحة العقد رهن العقاري، مجلة القضاء و التشريع، مارس 1998، ص 127.
[14]  يراجع مقال، الشكلية في تكوين الرهون العقارية للسيد كمال العياري المنشور بمجلة القضاء و التشريع، نوفمبر 2005، ص 52 و ما بعدها.
[15]  تعني هذه القاعدة أن يحكم قانون المحل شكل العقد.
[16]  عادل البراهمي، الرهن عقاري الاتفاقي، مجلة القضاء و التشريع، جوليلية 1989، ص 24.
[17]  كمال العياري، الشكلية في تكوين الرهون العقارية، مجلة القضاء و التشريع، نوفمبر 2005، ص 52 و ما بعدها.
[18]  حامد النقصاوي، الوجيز في قانون السجل العيني، دار الميدان للنشر، تونس مارس 2002، ص 177 و ما بعدها.
[19]  أنظر الأمر العلي المؤرخ في 4 جوان 1957 المتعلق بالعمليات العقارية في الأراضي الفلاحية الرائد الرسمي التونسي الصادر في 4 جوان، 1957، ص 755.
[20]  انظر الرائد الرسمي للجمهورية التونسية المؤرخ في 18 جوان 1996، عدد 49 ص 1266.
[21]  عرف الفصل الأول من القانون المؤرخ في 13 فيفري 1995 المتعلق بالعقارات الدولية الفلاحية هذه الأخيرة بأنها الأراضي التي تملكها الدولة و المعدّة للإنتاج الفلاحي أو التي يمكن أن تصبح صالحة لذلك الإنتاج أو التي وقع ترتيبها كأراض فلاحية طبقا للتشريع الجاري به العمل مهما كان موقعها، و كذلك المباني التابعة لها.
[22]  أنظر كمال العياري، المرجع المذكور ص 66 و عبد الوهاب الجويني، المرجع المذكور ص 465.
[23]  أنظر عبد الوهاب الجويني، الشكليات في تكوين الرهون، دراسات في قانون التأمينات، عمل جماعي لهيأة تدريس قانون التأمينات بكلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس، تونس 1997، ص 465.
[24]  عامر بورورو، الرهون القانونية العقارية، مجلة القضاء و التشريع نوفمبر 2005، ص 93.
[25]  أنظر أحمد بن طالب، المرجع المذكور ص 30 و 31.
[26]  أنظر عبد الوهاب الجويني، المرجع المذكور ص 468.
[27]  عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، الجزء العاشر، رقم 193، ص 437 و ما بعدها.
[28]  تجدر الإشارة إلى أن هذه الصور ليست حصرية بل إن لكل شخص له مصلحة من الترسيم أن يطلبه كورثة الدائن المرتهن إثر وفاته أو محرري الصكوك أو حافظ الملكية العقارية أو أمين الفلسة.
[29]  يراجع الفصل 382 من م.ح.ع.
[30]  يراجع الفصلان 389 و 390 من م.ح.ع.
[31]  السنهوري، الوسيط الجزء العاشر، ص 271 و ما بعدها.
[32]  ومن المعروف عمليا أن فترة التسجيل العقاري تطول و يمكن أن تتطلب سنوات حتى تتم. في هذا الصدد يمكن مراجعة الهادي سعيد، في رياض البحث و القانون، النظام التونسي في التسجيل العقاري و الشهر العيني، ص 80.
[33]  يراجع في هذا العدد: محمد كمال شرف الدين، النظام العام للقيد الاحتياطي. الأحداث القانونية التونسية، عدد 3، 1990 السداسي الأول، ص 83.
[34]  عبد المنعم عبود، مجلة الحقوق العينية المعلق عليها.
[35]  حاتم بن عبد الحميد الرواتبي، إشهار  رهن عقاري، دراسات في قانون التأمينات، تونس 1997، ص 315.
[36]  جاك شمامة، الرهون العقارية بتونس، ص 309.
[37]  إن الملكية المجزأة تعني التفريق بين حق الانتفاع وحق الرقبة (أنظر الفصل 272 من م.ح.ع).
[38]  يراجع في هذا الصدد حاتم بن عبد الحميد الرواتبي، إشهار الرهن العقاري، ص 343 و ما بعدها.
[39]  منير الفرشيشي، أسباب انقضاء الرهون، مجلة القضاء و التشريع، نوفمبر 2005، ص 145.
[40]  الفصل 481 و 521 من مجلة التجارة اللبنانية.
[41]  حسين عبد اللطيف، التأمينات العينية دراسة تحليلية شاملة لأحكام الرهون و التأمين: منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2005، ص 188.
[42]  يعتبر واضعا يده على العقار كلّ من انتقلت إليه بأي سبب من الأسباب ملكية هذا العقار أو حق عيني آخر قابل للرهن كحق الانتفاع، لكن لا يعتبر واضعا يده على العقار من أشهر إنتقال الملكية إليه قبل ترسيم الرهن لأنه لا يمكن الاحتجاج عليه بذلك الحق العيني.
[43]  لمزيد التعمق في هذا الموضوع يرجى مراجعة، منير الفرشيشي، مرجع سابق ص 154 و ما بعدها.
[44]  الفصل 123 من قانون الموجبات و العقود اللبناني.
[45]  الحبيب الشطي، الرهون العقارية القديمة، مجلة القضاء و التشريع، نوفمبر 2005، ص 73 و ما بعدها.
[46]  حسين عبد اللطيف حمدان، مرجع مذكور، ص 184و 185.
[47]  تم تعويض مصطلحات مدير الملكية العقاري و حافظ الملكية العقارية و المدير الجهوي للملكية العقارية الوارد ذكرها بمجلة الحقوق العينية بمصطلح إدارة الملكية العقارية و ذلك بموجب الفصل 4 من القانون عدد 68 لسنة 1997 المؤرخ في 27 أكتوبر 1997 المتعلق بتنقيح و إتمام مجلة الحقوق العينية.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات