القائمة الرئيسية

الصفحات

كفالة الأطفال المهملين في القانون الدولي الخاص

كفالة الأطفال المهملين


مقدمة

اعترفت المجتمعات الإنسانية بحاجة الطفل إلى الحماية والرعاية منذ القدم، وخاصة المجتمع الإسلامي الذي أولى أهمية بالمبادئ الاجتماعية المتصلة بالحماية اللازمة للطفل،فقد حرم التبني وأباح  الكفالة بسند قوله سبحانه وتعالى"ادعوهم  لآبائهم هو اقسط عند الله ،فان لم تعلموا أبائهم،فإخوانهم في الدين ومواليكم"[1]. قبل أن تسعى الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان  إلى توفير إطار قانوني ذي بعد دولي يكفل لهذه الفئة الحق في الاستفادة من مختلف الحقوق والمزايا اعتبارا لعدم نضجهم البدني والعقلي.

وتتفق كلها على حق  الطفل في الرعاية والمساعدة، وان توضع مصلحته الفضلى فوق كل اعتبار، وهذا هو الهدف الأساسي الذي جاءت به اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي تعتبر تتويجا لكل المواثيق في هذا الموضوع ،هذا وقد  نصت الاتفاقية المتعلقة بالاختصاص والقانون الواجب التطبيق والاعتراف والتنفيذ والتعاون في مجال المسؤولية الأبوية وبإجراءات حماية الطفل الموقعة بلاهاي في 19 أكتوبر 1999 ،والتي صادق عليها المغرب بتاريخ 20 مارس 2002 في فصلها الثالث على الكفالة كتدبير من تدابير حماية الطفل،.

ولعل ما يمكن أن تشمله رعاية الطفل ومساعدته، جملة من الأمور تتمثل في الحضانة ،التبني وإقامة مؤسسات مناسبة للرعاية،ثم الكفالة الواردة في الفقه الإسلامي التي أضحت كمؤسسة بديلة للأسرة ومساوية للتبني, والتي يقصد بها عمل إنساني يرمي بالأساس إلى ضمان حياة عادية سليمة لطفل محروم من الأسرة وتوفير الرعاية اللازمة له[2]،وقد نظم المشرع المغربي مقتضيات الكفالة سابقا بموجب  الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم :165-193-1 الصادر بتاريخ 22 ربيع الثاني 1414 الموافق ل 10-09-1993، قد تم تغييره بظهير شريف بموجب قانون رقم 01-15 أحكام كفالة الأطفال المهملين الصادر في 19غشت 2002[3].

وقد عرف المشرع مفهوم الكفالة في المادة الثانية بأنها"الالتزام برعاية طفل مهمل وتربيته وحمايته والنفقة عليه كما يفعل الأب مع ولده ولا يترتب عن الكفالة حق النسب ولا حق في الإرث".كما يعتبر الطفل مهملا حسب المادة الأولى من نفس القانون "الطفل من كلا الجنسين الذي لم يبلغ سن  ثمان عشرة سنة شمسية كاملة إذا وجد في إحدى التالية :

- إذا ولد من أبوين مجهولين، أو ولد من أب مجهول وأم معلومة تخلت عنه بمحض إرادتها؛

- إذا كان يتيما أو عجز أبواه عن رعايته وليست له وسائل مشروعة للعيش؛

-إذا كان أبواه منحرفين ولا يقومان بواجبهما في رعايته و توجيهه من أجل اكتساب سلوك حسن، آما في حالة سقوط الولاية الشرعية، أو كان أحد أبويه الذي يتولى رعايته بعد فقد الآخر أو عجزه عن رعايته منحرفا ولا يقوم بواجبه المذكور إزاءه.

كما حدد شروط كفالة طفل مهمل في المادة التاسعة، حيث تسند كفالة الأطفال الذين صدر حكم بإهمالهم إلى الأشخاص والهيئات الآتـي ذكرها:

1- الزوجـان المسلمان اللذان استوفيا الشروط التالية:

أ) أن يكونا بالغين لسن الرشد القانوني، وصالحين للكفالة أخلاقيا واجتماعيا ولهما وسائل مادية كافية لتوفير احتياجات الطفل؛

ب) ألا يكون قد سبق الحكم عليهما معا أو على أحدهما من أجل جريمة ماسة بالأخلاق أو جريمة مرتكبة ضد الأطفال؛

ج) أن يكونا سليمين من كل مرض معد أو مانع من تحمل مسؤوليتهما؛

د) أن لا يكون بينهما وبين الطفل الذي يرغبان في كفالته أو بينهما وبين والديه نزاع قضائي، أو خلاف عائلي يخشى منه على مصلحة المكفول.

2- المرأة المسلمة التي توفرت فيها الشروط الأربعة المشار إليها في البند الأول من هذه المادة.

3- المؤسسات العمومية المكلفة برعاية الأطفال، والهيئات والمنظمات والجمعيات ذات الطابع الاجتماعي المعترف لها بصفة المنفعة العامة المتوفرة على الوسائل المادية والموارد والقدرات البشرية المؤهلة لرعاية الأطفال وحسن تربيتهم وتنشئتهم تنشئة إسلامية[4].

وتتميز الكفالة عن بعض المؤسسات المشابهة لها، فهي تشترك مع الحضانة في جوانب ولكن تختلف نواحي أخرى فالكفالة تستغرق الحضانة،وهي منظمة بنص خاص سبق ذكره أعلاه،بينما الحضانة منظمة بموجب مدونة الأسرة وهي حق ثابت لكل طفل على حاضنه،وأما الكفالة وجودها مرتبط بوجود موضوعها الذي هو الطفل المهمل ووجود الراغب فيها،وتلتقي الكفالة مع الإقرار بالنسب من حيث الطبيعة ويختلفان من حيث الأثر فالكفالة لا يترتب عليها حق في النسب والإرث بينما الإقرار بالنسب يترتب عنه نفس اثر النسب الثابت شرعا،وتختلف الكفالة عن التنزيل الذي يقصد به إلحاق شخص غير وارث بشخص وارث وإنزاله منزلته في الإرث ويخضع لأحكام الوصية،وتتجلى التفرقة بين الكفالة والتبني في كون هذا الأخير يؤثر في النسب إذ يحدث نسب جديدا ويصبح المتبنى وارثا كلما توفرت شروط الإرث.

وقد منع المشرع المغربي التبني أسوة بباقي التشريعات الإسلامية حيث جاء في المادة 149من مدونة الأسرة المغربية على انه" يعتبر التبني باطلا ولا ينتج أي أثار من أثار البنوة الشرعية"،كما أن التبني ينقسم إلى نوعين،هناك التبني البسيط الذي يبقي الصلة والقرابة بين الطفل المتبني وأسرته الأصلية على خلاف التبني التام يقطع هذه الصلة .

وهذا الاختلاف في الأنظمة القانونية لرعاية الطفل نتج عنه العديد الإشكالات أعطت لموضوع الكفالة أهمية في القانون الدولي الخاص في ظل الإقبال المتزايد للأجانب المسلمين على طلب كفالة الأطفال المسلمين المغاربة ، مما أدى إلى طرح العديد من التساؤلات عن القواعد التي تسري على الكفالة في القانون الدولي الخاص، سواء تعلق الأمر بتنازع القوانين أو بالاختصاص القضائي الشيء الذي يدفعنا للتساؤل عن القانون الواجب التطبيق على الكفالة والمحكمة المختصة دوليا بالنظر في المنازعات المتصلة بها والآثار الدولية للأحكام القضائية في مجال الكفالة؟

وللإجابة على هذه الإشكالية سوف نتناول بالتحليل الموضوع من خلال مبحثين:

المبحث الأول :تنازع القوانين بشان كفالة الأطفال المهملين.

المبحث الثاني :الاختصاص القضائي الدولي والآثار الدولية للأحكام في موضوع الكفالة.

المبحث الأول: تنازع القوانين بشأن الكفالة في القانون الدولي الخاص المغربي

عندما يعرض النزاع على القاضي بشان علاقة ذات طبيعة دولية خاصة يتخللها عنصر أجنبي فان القاضي يلجا إلى قواعد الإسناد التي حددها مشرعه في قانونه الوطني لأجل إرشاده نحو القانون الواجب التطبيق، الذي قد يكون إما قانون القاضي أي قانونه أو قانون أجنبي،ولكن قد يصادف القاضي صعوبات في تكييف بعض المسائل التي تعرض عليه عندما لا يضع لها المشرع قاعدة إسناد خاصة ،على سبيل المثال مؤسسة الكفالة التي لم ترد في ظهير وضعية المدنية للأجانب 12غشت1913 أي قاعدة إسناد خاصة بها ،الأمر الذي يطرح إشكال أمام القاضي الوطني في تحديد القانون الواجب التطبيق على رابطة الكفالة التي يكون أطرافها غير مسلمين (المطلب الأول)،وأمام هذا قد يضطر القاضي إلى تطبيق قانونه الوطني مباشرة على النزاع إذا احد أطراف النزاع يحمل جنسيته أو مسلما معطلا بذلك المنهج تنازعي أو يستبعد القانون الواجب التطبيق لمخالفته النظام العام الدولي المغربي (المطلب الثاني).

المطلب الأول :  القانون الواجب التطبيق على الروابط الدولية بشان الكفالة (التبني) على الأجانب الغير مسلمين

باستقرائنا  لمقتضيات ظهير وضعية المدنية للأجانب نلاحظ غياب أي قاعدة إسناد خاصة تعالج إشكالية القانون الواجب التطبيق على أحكام الكفالة ،مما يستدعي تكييف هذه المؤسسة في إحدى الطوائف لاستجلاء ضابط الإسناد الذي يرشد لحل إشكالية القانون الواجب التطبيق عليها، إذن باعتبار الكفالة تدخل في حالة الشخص فإنها تعد من موضوعات الأحوال الشخصية وليست من الأحوال العينية ،يطبق بشأنها القاعدة العامة الواردة في المادة الثالثة من ظهير وضعية المدنية لأجانب التي تخضع" الحالة والأهلية الأجانب لقوانينهم الوطنية"[5].

فإذا كانت الكفالة بين مغاربة لا تثير أي إشكال من ناحية القانون الواجب التطبيق حيث يطبق القانون المغربي، فان الأمر على خلاف ذلك عندما يكون أطراف العلاقة أجانب، يثار إشكال القانون الواجب التطبيق ؟ يكون الجواب هو الرجوع إلى المادة الثالثة من ظهير الوضعية المدنية للأجانب التي تطرح في عموميتها إشكالات عديدة أمام القاضي المغربي [6].

فاستنادا إلى مضمون المادة الثالثة فان القانون المطبق هو قانون الوطني للكافل والمكفول على الشروط الموضوعية تطبيقا موزعا أي كل فيما يخصه وهذا يطرح أمام القاضي الاحتمالات التالية :

إذا كان قانون جنسية طالب الكفالة والمكفول لا يسمحان بالكفالة فان القاضي  يرفض الإذن  بالكفالة تطبيقا لقاعدة الإسناد أعلاه.

في حالة إذا كان قانون جنسية طالب الكفالة لا يسمح بها وقانون جنسية المكفول يسمح بذلك فانه ليس على القاضي سوى الرفض .

إذا كان كلا من القانونين يسمحان بها فان القاضي ملزم بالقبول وتطبيق قانونهم الوطني إعمال لقاعد الإسناد الواردة في المادة الثالثة.

ولكن الإشكال هنا في الحالة التي يكون فيها طالبي الكفالة زوجين  من جنسية مختلفة  حيث يصطدم القاضي  بتزاحم عدة قوانين  تدعي أحقية حكم العلاقة ،فالمادة الثالثة لا تغطي هذا الإشكال الذي قد يطرح في جميع المواضيع التي تدخل في إطار الأحوال الشخصية والذي نرى أن الحل هو اللجوء إلى إعمال الموطن المشترك الحقيقي بينهم،و يطرح الإشكال أيضا في حالة تعدد جنسيات أطراف العلاقة ولا تكون إحداهم جنسية القاضي ،فهنا أيضا يبقى الحل الصواب هو إعمال مبدأ  الجنسية الفعلية  لتحديد القانون الواجب التطبيق.

أما الشروط الشكلية فالراجح هو تطبيق قانون القاضي استنادا إلى القاعدة القائلة أن تصرفات من ناحية الشكل يسري عليها قانون مكان الإبرام العقد، وهو ما نصت علي المادة العاشرة من ظهير الوضعية المدنية للأجانب[7].

وبالنسبة للآثار التي ترتبها  الكفالة من واجبات وحقوق، الظاهر من المادة الثالثة أن القانون الشخصي للكافل والمكفول هو الذي ينظمها،وان كنا نرى أن الآثار يجب أن تخضع للقانون الوطني للكافل زمن وقوع الكفالة باعتباره هو الذي يتحمل القسط الأكبر من الالتزامات وكذلك تفاديا لإشكالية التنازع الانتقالي والمتحرك الذي قد يفضي إلى التحايل على القانون الواجب التطبيق في الحالة التي يكون فيها القانون القديم  أكثر تشددا على خلاف القانون الجديد الذي يقدم ضمانات مخففة ،كما يطرح إشكال آخر لا تغطيه المادة الثالثة في حالة كان الكافل زوجين من جنسية مختلفة،وقد سبق أن قلنا يجب تطبيق القانون الموطن المشترك للزوجين ولكن زمن وقوع الكفالة بالنسبة للآثار المترتبة عن الكفالة.

إذن القاعدة المثالية التي يجب أن تطبق بشان تحديد القانون الواجب التطبيق على الكفالة في نظرنا هي أن يسري على الكفالة القانون الوطني للكافل والمكفول وفي حالة كان الكافل زوجين من جنسية مختلفة يطبق قانون موطنهم المشترك الحقيقي،ويطبق بشان الآثار قانون الوطني للكافل أو الموطن المشترك الحقيقي للزوجين زمن وقوع الكفالة.

وهذا هو التوجه الذي ذهبت إلى إعماله بعض القوانين المقارنة العربية في تحديد القانون الواجب التطبيق على الكفالة أو التبني، فمجلة القانون الدولي الخاص التونسي تضمنت قواعد خاصة بالكفالة والتبني، حيث ورد في الفصل53 "تخضع شروط التبني لقانون المتبنى والمتبني كل فيما يتعلق به.وتخضع آثار التبني للقانون الشخصي للمتبني،إذا قام بالتبني زوجان من جنسية مختلفة فان أثار التبني ينظمها قانون مقرهما المشترك وتخضع الكفالة لنفس الأحكام[8]"

أما المشرع الجزائري فقد وضع قاعدة إسناد خاصة كذلك تعالج الإشكاليات التي يمكن أن تطرح على صحة الكفالة وكذلك الآثار،حيث ورد في المادة 13 من القانون المدني"يسري على صحة الكفالة قانون جنسية كل من الكافل والمكفول وقت إجرائها،ويسري على أثارها قانون جنسية الكافل،"وتطبق نفس الأحكام  على التبني"[9].

ويبقى الإشكال الذي تطرحه الكفالة على الصعيد الدولي  يتمثل في جهل العديد من الأنظمة القانونية  لهذه المؤسسة مثل البلدان الأوروبية،وهو ما يفهم بكون الكفالة مؤسسة من الفقه الإسلامي ،جعلت لتقوم مقام التبني الغير المعترف به،بالتالي يطرح إشكال مدى التزام الدول الأوروبية بالاعتراف بمؤسسة الكفالة  وبتطبيق القانون المختص في حالة نزاع معروض على محاكمها.في ظل مصادقتها على الاتفاقيات الدولية التي تعترف بهذه المؤسسة.

المطلب الثاني : القانون الواجب التطبيق على الروابط الدولية بشان الكفالة على الأجانب المسلمين

إن امتيازي الجنسية والديانة في الروابط المختلطة يؤديان إلى ترجيح تطبيق قانون على حساب قانون آخر دون أدني احترام لقواعد التحليل ألتنازعي السليم التي تقتضي إعطاء القوانين المنافسة نفس فرص تطبيق وتعيين اختصاص احدها في أخر المطاف بناء على إسناد موضوعي محايد[10],ومادامت الكفالة تعتبر من مواضيع الأحوال الشخصية ولا تسند إلا لمسلم سواء كان مغربيا أو أجنبيا فانه من المؤكد أن القاضي المغربي سيطبق القانون المغربي بناء على امتياز الجنسية و امتياز  الديانة (الفقرة الثانية) حيث تصبح كل الروابط الدولية في مجال الأحوال الشخصية تخضع للقانون المغربي استنادا إلى المادة الثانية من مدونة الأسرة التي كرست هذه النزعة الوطنية ومنطق الأمة الإسلامية[11].كما تطرح مؤسسة الكفالة لدى المسلمين أمام الدول الأوروبية مشكلة الاعتراف بها (الفقرة الثانية) وقد يدفع القاضي بالنظام العام الدولي في بعض الحالات إذا كان القانون الواجب تطبيق مخالفا للأسس والمبادئ الاجتماعية لدولته (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى :امتياز الجنسية والديانة

يقصد بضابط امتياز الجنسية في الأحوال الشخصية تطبيق القانون القاضي على كل رابطة دولية مختلطة يكون فيها طرف يحمل القاضي جنسيته ، إذ لا يواجه القضاء المغربي أي إشكال عندما يعرض عليه نزاع متعلق بكفالة طفل مهمل،ضمن رابطة كل أطرافها مغاربة،إلا أن  الأمر ليس على حاله إذا كان النزاع بين طرفين احدهما مغربي والثاني يحمل جنسية أجنبية، ففي هذه الحالة يكون القاضي المغربي أمام امتياز جنسية الذي يسمح له بتطبيق القانون الوطني للمكفول،معطلا بذلك قاعدة الإسناد المغربية المنصوص عليها في الظهير الوضعية المدنية للأجانب في المادة الثالثة[12]،وهذا الأمر يشكل خرقا لمبدأ احترام شخصية القوانين في مادة الأحوال الشخصية التي تلازم الأفراد في جميع بقاع العالم.

وقد نصت مدونة الأسرة الجديدة صراحة على امتياز الجنسية حين أقرت في المادة الثانية منها على أن أحكام المدونة تسري على الروابط الدولية الأسرية المتضمنة عنصرا مغربيا، وهكذا فالقانون الواجب التطبيق في هذه الحالة هو القانون المغربي،

يعتبر امتياز الديانة امتيازا يتم بمقتضاه ترجيح قواعد نظام قانوني مستمد من الفقه الإسلامي على حساب قواعد نظام قانوني غير إسلامي أثناء تنافسهما على حكم رابطة دولية خاصة في مادة الأحوال الشخصية[13]،وعليه فان المحكمة المعروض عليها النزاع تعود في هذه الفرضية لا إلى القانون الأجنبي الذي عينته قاعدة الإسناد الوطنية بل يتعين عليها تعطيل هده الأخيرة وان تطبق على هذا الأجنبي المعتنق الديانة الإسلامية قواعد ذات المصدر الإسلامي على  حساب القانون الأخر المنافس[14]،وهذا يتحقق في حالة نشوء نزاع بين الكافل الأجنبي مسلم والمكفول المغربي ،استنادا إلى أن القانون المنظم لكفالة الأطفال المهملين،نجد أن القانون المذكور يشترط في المادة التاسعة إسلام الكافل إذا كان شخصا ذاتيا،لأنه لا يمكن أن يسلم طفل مسلم لكافل غير مسلم[15].

الفقرة الثانية :كيفية تعامل القوانين الأجنبية مع  مؤسسة الكفالة

في ظل عدم الاعتراف اغلب الدول الأوروبية بمؤسسة الكفالة إلا انه كانت هناك بعض المبادرات إلى إقرار معادلة بين الكفالة والتبني البسيط كما تنظمه التشريعات الايطالية  حيث تم في عام 2003 بالرباط إعداد مشروع اتفاق بين الجمهورية الايطالية والمملكة المغربية  لغرض إقرار هذه المعادلة،وقد جاء في ديباجة النص أن التبني البسيط مثل الكفالة ،لا يؤدي إلى انقطاع الروابط بين الطفل وأسرته الأصلية ويحفظ للطفل المتبني اسمه  العائلي وجنسيتهم التزم الطرفان بعد تبادل الاعتراف بإمكان تحويل التبني البسيط إلى تبني كامل بواسطة نظام سلطات مركزية قريب من النظام الذي أقرته لاهاي لعام 1993( المادتان4و5) والتي استلهم منها مشروع المغربي الايطالي في مواده الثماني عشرة.

أما  القضاء الفرنسي قبل التعديل الذي ادخل على المادة 370 من القانون المدني الفرنسي في قرار صادر عن محكمة النقض في 10 ماي 1995 في قضية "FANTHOU" قرر السماح لزوجين فرنسيين بتبني طفل مغربي في شكل التبني البسيط،ولم يتقيد بالقانون المغربي الذي لا يقبل سوى الكفالة و لا يعترف بالتبني ،واستغنى عن مقتضيات القانون المغربي[16]،في تحايل صريح على القانون الأجنبي.

إلا انه بعد مصادقة فرنسا على الاتفاقية الدولية الصادر سنة  29ماي1993  المتعلقة بحماية الأطفال والتعاون الدولي في مجال التبني الدولي سنة 1998، تم تعديل المادة 370 من القانون المدني في فقرتها الثانية حيث جاء فيها « القانون الفرنسي لا يسمح بتبني قاصر أجنبي يمنع قانون جنسيته هذه المؤسسة ما لم يكن هذا القاصر مولودا أو مقيما على الإقليم الفرنسي [17] ،وهذا يوضح أن القانون الفرنسي يستبعد المنع الأجنبي إذا كان ميلاد الطفل وإقامته في فرنسا.

والجدير بالذكر أن النظام الفرنسي قد عرف تطورا في مسالة تعامله مع الكفالة،حينما أصبح يكيفها على أساس أنها "ولاية"أو"تفويض للسلطة الأبوية" على اثر دورية صادرة عن وزارة العدل الفرنسية  إلا أن مشكلة التي تطرح في أي طائفة يمكن إدراجها ،هل يمكن نسبها في نظام الوصاية أو نظام الولاية مما يطرح مشكل تحريف هذه المؤسسة قانونيا.

أما المملكة المتحدة فان للقاضي السلطة التقديرية أن يعتبر قواعد التطبيق الفوري للقانون الأجنبي و يأخذ في اعتباره المنع الأجنبي المستند على أسباب دينية.

أما لوكسمبورغ فالتطبيق المسبق لقانون جنسية المتبني على الطفل المرشح للتبني وهذا ما تنص عليه قاعدة الإسناد اللوكسمبورغية على أن " الشروط المطلوبة للتبني طفل ينظمها قانون جنسية المتبنى إلا إذا كان التبني سيكسب الطفل جنسية المتبني فيسري عليها في هذه الحالة قانون جنسية المتبني (المادة370).وللإشارة  أن الكفالة المعترف بها في لوكسمبورغ هي الكفالة القضائية فقط وليس عقود الكفالة  العدلية.

أما ألمانيا  هناك جواز استبدال القانون الأجنبي  لمصلحة الطفل إذا استوجبت ذلك المصلحة العامة للطفل وهذا ما جاء في مضمون المادة 23 من مدونة المدونة المدنية" يرجع أيضا في تحديد وجوب الموافقة وتقديمها من طرف الطفل وشخص يرتبط معه الطفل بعلاقة محكومة بالحق العائلي.... إلى قانون الدولة التي يحمل القاصر جنسيتها،ويطبق القانون الألماني بدله إذا استوجبت ذلك مصلحة الطفل.

أما القانون البلجيكي فالمنطلق الأول هو الاختصاص المشترك القانون الوطني للمتبنى أو المتبنيين حسب المادة 67 من مدونة القانون الدولي الخاص البلجيكية وفي غيابها يطبق قانون محل الإقامة الاعتيادية المشتركة إذا كان لا يحملان جنسية مشتركة وفي حال انعدام محل إقامة الاعتيادية مشتركة يطبق قانون اختصاص القاضي البلجيكي،إلا انه توجد حالات استثنائية مقبولة يجوز للقاضي البلجيكي تطبيق القانون البلجيكي إذا كان من شان تطبيق القانون الأجنبي الأضرار بالمصلحة العليا للطفل المتبنى،وان هناك روابط وثيقة واضحة تشد المتبنى أو المتبنيين إلى بلجيكا،طبق قانونه على شروط تأسيس التبني حسب المادة 67 ،الفقرة [18]3.

أما سويسرى فالمادة 77 من القانون الدولي الخاص الفدرالي السويسري تنص على أن شرط التبني المسند في سويسرا ينظمها مبدئيا القانون السويسري ،ولا يرجع إلى قانون جنسية الطفل عندما يقوم شخص سويسري مقيم في سويسرا بتبني طفل أجنبي،إما إذا كان المتبني أجنبيا مقيما في سويسرا(المادة 75) أو سويسريا مقيما بالخارج (المادة 76)وارد أن يتبنى طفلا في سويسرا فعندئذ تؤخذ بعين الاعتبار مقتضيات القانون الشخصي ولكن تفرض المادة 77 شرطين :1) إذا كان التبني لن يحظى بالاعتراف  في دولة الإقامة أو دولة الجنسية للزوج المتبنى أو الزوجين المتبنيين،وكان سيرتب عن ذلك ضرر كبير يلحق الطفل.

أما اسبانيا تتجه إلى  أعمال القانون الاسباني بشان الطفل المستقدم تحت الكفالة والمقيم في اسبانيا على نحو اعتيادي حاليا أو مستقبلا  وهذا ما ورد في المادة 14 من القانون رقم 2007/54 التعلق بالتبني بين الدول،إلا أن هذه القاعدة ترد عليها استثناءات وردت في المادة 19،بناء على نصها يسري على أهلية المتبني وعلى موافقات الأشخاص المعنيين،قانون جنسية الطفل المرشح للتبني بدل القانون الموضوعي الاسباني وذلك في حالتين التاليتين[19] :

-كان مقر الإقامة الاعتيادية للطفل المرشح للتبني خارج اسبانيا لحظة تأسيس التبني.

-إذا كان لم يكتسب الطفل المرشح للتبني الجنسية الاسبانية بحكم التبني رغم إقامته باسبانيا.

خلاصة القول أن القوانين الأوروبية في ظل القواعد الإسناد التي تضعها تتجه إلى حماية المصلحة الفضلى للطفل وذلك من خلال اعتماد معيار الإقامة الاعتيادية كأساس لتطبيق قانونه واستبعاد تطبيق القانون المختص أصلا بناء على معيار الجنسية الذي ترى انه لا يحقق هذه المصلحة للطفل وخاصة في  مسالة الكفالة.

وإذا كانت معظم الدول الأوروبية لا تعترف بمؤسسة الكفالة وتعمل على تمديد مقتضيات القوانين المحلية المتعلقة بحماية الأطفال الطبيعيين لتشمل الأجانب استنادا إلى أن أحكام الكفالة لا تتمشى مع الطابع الآمر لقواعد التبني في الدول الأجنبية[20].

إلا أن هذا يتناقض مع الاتفاقيات الدولية التي تقضي بحماية الطفل، كالاتفاقية المتعلقة بالاختصاص والقانون الواجب التطبيق والاعتراف والتنفيذ والتعاون في مجال المسؤولية الأبوية وبإجراءات حماية الطفل الموقعة بلاهاي في 19 أكتوبر 1999 ،والتي صادق عليها المغرب بتاريخ 20 مارس 2002 تنص في فصلها الثالث على الكفالة كتدبير من تدابير حماية الطفل، وكذلك المادة 20 من اتفاقية حقوق الطفل الواردة التي تعترف بنظام الكفالة الواردة في القانون الإسلامي[21].

الفقرة الثالثة :دور النظام العام الدولي في استبعاد القانون الواجب التطبيق

مما لاشك فيه إن القاضي المغربي يستبعد تطبيق  القانون الأجنبي الذي ينص على مخالفة أحكام مؤسسة الكفالة كل ما كان النزاع فيه طرف منتسب إلى الديانة الإسلامية مهما كانت جنسيته  فلا يجوز التكفل بطفل مسلم في المغرب من قبل أجانب لا ينتسبون إلى الديانة الإسلامية، فبصدد النظر في قضية تتعلق بتبني طفل مسلم بالمغرب من جانب زوجة فرنسية الجنسية بموافقة زوجها، ورد في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 15يناير1969ان"..ما قضى به الحكم المطعون فيه من قبول التبني لا يوجد قانونا لا في الشريعة الإسلامية ولا في الشريعة الموساوية.."وفي نفس الاتجاه نقض المجلس الأعلى بتاريخ 1997/12/17 قرار محكمة الاستئناف التي قبلت تبني طفل مغربي من قبل زوجين فرنسيين وذلك بحجة مخالفة هذا التبني لقانون الأحوال الشخصية للطفل المتبنى[22].

فيما ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قرار لها في 28يناير2009 إلى رفض طلب تحويل  قرار الكفالة إلى تبني البسيط بسند انه لا يجوز النطق بتبني قاصر أجنبي إذا كان قانونه الشخصي يحظر هذا النظام، ما لم يكن القاصر مولودا في فرنسا ويقيم فيها بصورة اعتيادية[23].

وكان هذا بعد التعديل الذي عرفته المادة 370 من القانون المدني في فقرتها الثانية التي جاء فيها « القانون الفرنسي لا يسمح بتبني قاصر أجنبي يمنع قانون جنسيته هذه المؤسسة ما لم يكن هذا القاصر مولودا أو مقيما على الإقليم الفرنسي [24] .

المبحث الثاني:  الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المغربية في مجال الكفالة

عندما تكون العلاقة محل النزاع علاقة وطنية بأطرافها و موضوعها و سببها، فإن الأمر لا يطرح أي إشكال في تحديد المحكمة المختصة نوعيا و محليا من بين المحاكم المغربية، لكن عندما تكون العلاقة المتنازع بشأنها ذات طبيعة دولية خاصة أي مرتبطة بدولتين أو أكثر ، فإنه يتعين على القاضي أولا التأكد من أن النزاع يدخل ضمن دائرة ولاية القضاء المغربي ككل[25] .فما هي إذن قواعد الاختصاص القضائي الدولي المعمول بها في القانون المغربي(المطلب الأول) و الآثار الدولية للأحكام المتعلقة بالكفالة(المطلب الثاني).

المطلب الأول: اختصاص المحاكم الوطنية في النزاعات الدولية المتصلة بالكفالة

إن غياب نصوص و قواعد خاصة تنظم الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المغربية سواء في مجال الكفالة أو في باقي المجالات، جعل المغرب يسير في ركب الدول التي قامت بالعودة إلى المبادئ العامة المعمول بها في القوانين المقارنة[26]، وذلك من خلال اعتماد المعيار الإقليمي.

فبناء على هذا المعيار تستمد المحاكم المغربية اختصاصها بخصوص النزاعات المتعلقة بالكفالة، كلما كان موضوع النزاع مرتبطا بالمغرب، كأن ينشأ في إقليمه الالتزام أو محل تنفيذه،بناء على موطن المدعى عليه أو محل إقامته.

إلا أن هذا المعيار لوحده غير كاف، الشيء الذي يحتم على المشرع أن يأخذ بالمعيار الشخصي، الذي بناء عليه يتم قيام ولاية المحاكم المغربية بخصوص النزاعات الدولية المتعلقة بالكفالة، كلما كان أطراف العلاقة تربطهم علاقة بالمغرب، كأن يحمل أحد أطرا ف النزاع الجنسية المغربية كافلا كان أم مكفولا مقيما بالمغرب أو خارجه.

الفقرة الأولى :الاختصاص المحلي للمحاكم المغربية في النزاعات الدولية المتعلقة بالكفالة

خلافا للاختصاص القضائي المحلي الداخلي  الذي نظمه المشرع في الفصول 27و 28و 29 من قانون المسطرة المدنية، فإن المشرع المغربي لم يتطرق لمسألة الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المغربية، حيث لم يتضمن قانون المسطرة المدنية أي مقتضيات بهذا الخصوص، و لم يشر القانون المنظم لكفالة الأطفال المهملين بدوره إلى اختصاص المحاكم المغربية في المنازعات الدولية التي قد تنشأ عن الكفالة ، رغم تنصيصه على حق الأجنبي في التكفل[27].

و كون التشريع المغربي لم يضع قواعد تحدد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المغربية في النزاعات التي تشتمل على عنصر أجنبي، حتم تبني مبدأ تمديد قواعد الاختصاص المحلي إلى الصعيد الدولي بما فيها  النزاعات المتعلقة بالكفالة، الشيء الذي يستخلص من قراءة الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية و خاصة الفقرة الثالثة منه[28].

وحسب مقتضيات الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية ، يتضح أن الاختصاص المحلي يعود مبدئيا لمحكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه ، و تطبيقا لهذه القاعدة تختص المحاكم المغربية بالنظر في المنازعات المتعلقة بالكفالة كلما كان للمدعى عليه موطن أو محل إقامة بالمغرب و كذلك في حالة عدم توفر المدعى عليه على موطن بالمغرب أمكن رفع الدعوى أمام محكمة موطن المدعي.

ويكون المشرع المغربي من خلال اعتماده المعيار الإقليمي قد سلك مسلكا مغايرا لذلك الذي أخذت به بعض التشريعات المقارنة من بينها التشريع الفرنسي الذي أخذ في إسناد الاختصاص القضائي الدولي إلى المحاكم الفرنسية على أساس الجنسية الفرنسية لأحد الأطراف سواء المدعي أو المدعى عليه[29] .

ويثبت الاختصاص للمحاكم المغربية أيضا في المنازعات المتعلقة بالكفالة، في الحالة التي يكون فيها المدعى عليه سواء الكافل أو المكفول يحمل الجنسية المغربية، تطبيقا للقاعدة العامة المعمول بها في القانون المقارن،حيث سلمت أغلب التشريعات المنظمة للاختصاص القضائي الدولي،باختصاص المحاكم الوطنية بالدعاوى المرفوعة على المواطنين أي الأشخاص  الذين يحملون جنسية الدولة، و هي قاعدة عامة من قواعد الاختصاص. و تقرير الاختصاص حسب جنسية المدعى عليه هو تأكيد لسيادة الدولة على رعاياها[30].

الفقرة الثانية :الاختصاص النوعي  للمحاكم المغربية في النزاعات الدولية المتعلقة بالكفالة

لقد أسند الاختصاص للمحكمة الابتدائية بالنظر في جميع القضايا التي لم يسند فيها المشرع صراحة النظر إلى نوع آخر من المحاكم و لم يفرق بين المغربي و الأجنبي، و لا بين الأحوال الشخصية و غيرها من المواد، و بما أن المشرع المغربي لم يحدد المحكمة المختصة في النزاعات المتعلقة بالكفالة ذات العنصر الأجنبي، فطبقا للفصل 18 من قانون المسطرة المدنية، يخضع هذا النوع من القضايا للمحكمة الابتدائية ، و كل الإجراءات المتبعة لسير الدعوى المتصلة بالكفالة و الحكم فيها، يطبق عليها قانون المسطرة المدنية المغربي[31].

المطلب الثاني: الآثار الدولية للأحكام المتعلقة بالكفالة

إن إشكال الاختصاص القضائي الدولي لا يقف عند تحديد قواعد تنظمه بالنسبة للمحاكم المغربية سواء في مجال الكفالة أو في مجالات أخرى، بل إن الأمر يتجاوز ذلك ليشمل أيضا الحكم الصادر بخصوص الكفالة الذي قد لا يحمل الصفة الوطنية، إذ من الممكن أن يكون أجنبيا، و بالتالي ترتيبه مجموعة من الآثار[32]، كما أن هناك العديد من الأحكام التي تصدر عن المحاكم المغربية و يراد تنفيذها بالخارج ، ومنها الأحكام المتعلقة بالكفالة.

وعليه فإننا سنتناول مسألة تنفيذ القرارات الأجنبية المتصلة بالكفالة في المغرب(الفقرة الأولى) و الآثار الدولية لبعض للأحكام المغربية المتعلقة بالكفالة في بعض الدول الأوروبية(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تنفيذ القرارات الأجنبية المتصلة بالكفالة في المغرب

لقد استقر التشريع المغربي على شروط معينة لتنفيذ الأحكام الأجنبية، و من بينها تلك المتعلقة بالكفالة ،هذه الشروط منصوص عليها في الفصل 430 من قانون المسطرة المدنية ، و المتمثلة في أن تكون صادرة عن محكمة مختصة، و أن تكون صحيحة، ثم أن لا تخالف النظام العام المغربي، هذا بالإضافة إلى الشروط الشكلية المنصوص عليها في الفصل 431 من نفس القانون.

وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم النظام العام في نطاق تنفيذ الأحكام الأجنبية يضطلع بوظيفة أساسية تتمثل في منع تخويل الصيغة التنفيذية، إذا لاحظ القاضي الوطني أن الحكم الأجنبي المطلوب تنفيذه يتعارض مع المقومات الأساسية التي يقوم عليها مجتمعه.

وبما أن الكفالة تعتبر من موضوعات الأحوال الشخصية، فلأحكام  الأجنبية المتعلقة بها، يمكن الاعتراف بها في بعض الحالات دون الحاجة إلى استصدار أمر بمنحها الصيغة التنفيذية، و هذا التوجه هو الذي كرسته الاتفاقية الفرنسية المغربية لسنة 1981 في الفصل 14[33]، الذي جاء بإمكانية تنفيذ بعض الأحكام الأجنبية الفرنسية المتعلقة بالحالة و الأهلية بالمغرب دون ضرورة اللجوء إلى مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية، وذلك من أجل تبسيط النظام القانوني للتنفيذ بين المغرب و فرنسا.

وتعد الأحكام المتصلة بالكفالة بمثابة أوراق رسمية حيث يستشف من الفصل 418 من قانون الالتزامات و العقود ، أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بما في ذلك الأحكام المتعلقة بالكفالة تعتبر أوراقا رسمية بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها، فالحكم الأجنبي في هذا الموضوع حتى ولو لم يذيل بالصيغة التنفيذية يشكل دليلا قاطعا على ما تضمنه من وقائع، و هذا ما أكده المجلس الأعلى في العديد من قراراته[34].

هذا فيما يتعلق بالأحكام الأجنبية المتصلة بالكفالة المراد تنفيذها بالمغرب، فماذا عن الآثار الدولية للأحكام القضائية المغربية المتعلقة بالكفالة؟

الفقرة الثانية: الآثار الدولية للأحكام القضائية المغربية المتعلقة بالكفالة

إن تذييل الأحكام القضائية المغربية بخصوص الكفالة في الخارج، تجد من الصعوبات ما قد يصل إلى الاستحالة في التنفيذ، وذلك راجع إلى عدم اعتراف غالبية الدول الأجنبية بمؤسسة الكفالة التي تعتبر مؤسسة إسلامية محضة تقتصر على الدول الإسلامية دون غيرها، الشيء الذي يجعلها تتعارض مع النظام العام لهذه الدول، كونها لا تقر إلا بمؤسسة التبني.

ففي فرنسا مثلا لا ينتج الحكم المتعلق بالكفالة آثاره لكون هذه المؤسسة غير معروفة في القانون الفرنسي ، فالاجتهاد القضائي الفرنسي تبنى موقف الرفض للأحكام المتعلقة بالكفالة، بعلة أن الكفالة المنصوص عليها في التشريعات الإسلامية عموما و التشريع المغربي على الخصوص، ليست سوى تعهد بالالتزام بالنفقة على الطفل المكفول و حمايته ورعايته  في غياب رابطة نسب بين الكافل و المكفول من جهة و حرمانه من حقه في الإرث من جهة أخرى، وهكذا تكون مؤسسة الكفالة مخالفة للنظام العام الفرنسي عكس مؤسسة التبني التي تخول الحق في النسب و الإرث.

ورغم انضمام فرنسا لاتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي جعلت من مؤسسة الكفالة المتعارف عليها في الفقه الإسلامي و التبني مؤسستين متساويتين الغرض منهما تحقيق الرعاية و الحماية و المصلحة الفضلى للطفل في إطار الأسرة البديلة، إلا أن القضاء الفرنسي يرفض الاعتراف بالأحكام المتعلقة بالكفالة و تنفيذها لكون القانون الفرنسي لا يعترف بها كمؤسسة بديلة لرعاية الطفل المهمل بل يشبهها بالوصاية أو بتفويض السلطة الأبوية[35] اللتين لا تنشأ عنهما رابطة نسب جديدة و تتوقفا عند بلوغ سن الرشد.

وهو نفس النهج الذي سار عليه القضاء الإسباني بشأن استبعاد الأحكام المغربية الخاصة بالكفالة، في حالة اندماج الطفل في محيطه القانوني الجديد، ففي حكم صادر عن المحكمة الإقليمية بغرناطة بتاريخ 25 أبريل 1995 ورد ما يلي"إن استمرار عقد الكفالة لمدة تزيد عن السنة فترة كافية للقول بارتباط لطفل بقانون الإقامة الاعتيادية و بالتالي تطبيق القانون الاسباني على دعوى التبني".

أما بلجيكا فعلى الرغم من أنها وسعت من نطاق بالأحكام المرتبطة بالحالة و الأهلية  دون اللجوء إلى إجراءات الأمر بالتنفيذ، إلا أن قضاءها كرس مبدأ الرفض للأحكام المغربية المتعلقة بالكفالة لمخالفتها للنظام العام البلجيكي، الذي يعترف بدوره بمؤسسة التبني و اعتباره مؤسسة الكفالة محددة المدة، من أسباب انقضائها بلوغ المكفول سن الرشد و لا يترتب معها حق المكفول في النسب و الإرث و بالتالي لا تتحقق المصلحة الفضلى للطفل التي تسعى إليها الاتفاقيات الدولية[36].

الخاتمة

رغم أن اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989  جعلت من مؤسسة الكفالة المتعارف عليها في الفقه الإسلامي مؤسسة الغرض منها تحقيق الرعاية و الحماية و المصلحة الفضلى للطفل في إطار الأسرة البديلة، إلا أن اختلاف الأنظمة القانونية الدولية من حيث قبول أو رفض الاعتراف بهذه المؤسسة ضيق من مساحة العمل بها على المستوى الدولي، فمؤسسة الكفالة لا تنتج آثارها في الدول الأوروبية و تأخذ في مقابلها بمؤسسة التبني التي لا يقرها التشريع المغربي، الأمر الذي يجعل وضعية الكافل و المكفول غير واضحة عند تجاوز العلاقة المتصلة بالكفالة  حدود الدولة الواحدة، و على اعتبار أن موضوع الكفالة يلامس قضية اجتماعية إنسانية تتعلق بفئة عريضة من الأطفال داخل المجتمع المغربي و خارجه، يتوجب على المشرع المغربي إعادة النظر في القانون المنظم لكفالة الأطفال المهملين بما يتناسب و المصلحة الفضلى لهؤلاء على مستوى القانون الدولي الخاص، و كذا إبرام اتفاقيات اعتراف مع الدول الأوروبية لتسهيل حل الكثير من المشاكل التي يواجهها الأطفال المكفولين و الأسر الكافلة.

قائمة المراجع

مؤلفات باللغة العربية

ü    أنه كينيونيس اسكاميث،اندريس رودغيث بينوت،هدى زكري،جميلة أوحيدة :"الكفالة والتبني في العلاقات الثنائية المغربية-الاسبانية،مشروع عدل،فيلاب،مدريد، اسبانيا،2009-2005.

ü    العربي امحمدي:"القاضي الأوروبي و مؤسسات مدونة الأسرة المغربية"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال الرباط 2006-2007.

ü    محمد الوكيلي:"محاضرات في القانون الدولي الخاص المغربي 2007-2008"، جامعة محمد الخامس-أكدال.

ü    محمد تكمنت:"الوجيز في القانون الدولي الخاص"، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية سلا، طبعة 2005.

ü    الحسن لحلو الملوخي:"القانون الدولي الخاص المغربي والمسطرة المدنية"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الدولي الخاص،1997­­­-1998، جامعة محمد الخامس-أكدال.

ü    بشرا برا : "كفالة الأطفال المهملين في القانون الدولي الخاص"، رسالة لنيل ماستر في القانون الدولي الخاص،20096-2010،جامعة محمد الخامس أكدال.

ü    مسعودي العياشي:"محاضرات في القانون الدولي الخاص"، جامعة محمد بن عبد الله، السنة الجامعية 1991-1992

ü    محمد الشافعي :"كفالة الأطفال المهملين،دراسة في القانون المغربي التبني في القانون فرنسي،الطبعة الأولى ،مطبعة الوراقة الوطنية،مراكش.

ü    جميلة أوحيدة :"آليات تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص المغربي"، الطبعة الأولى، المعارف الجديدة الرباط.

ü    خالد البرجاوي :"تقييم مدونة الأسرة من زاوية القانون الدولي الخاص،مجلة المرافعة،العدد16،أكتوبر.

ü    جميلة أوحيدة :"نظام الأحوال الشخصية للجالية المغربية بهولندا واقع وأفاق، الطبعة الأولى، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط.

ü    بشورة فتيحة : "محاضرات في القانون الدولي الخاص"،جامعة أكلي محند أولحاج-البويرة كلية الحقوق والعلوم السياسية نقسم الحقوق،غير مطبوعة،2017.1016.

ü    خالد البرجاوي :"القانون الدولي الخاص في مجال قانون الأسرة،الحلول المقررة لتنازع القوانين في الدول الإسلامية بين منطق الانتساب إلى الأمة الإسلامية ومنطق الانتماء إلى الجماعة الدولية،دراسة تطبيقية مقارنة في روابط الدولية الخاصة المغاربية الطبعة2،مطبعة دار القلم2006.

ü    موسى عبود :الوجيز في القانون الدولي الخاص المغربي"،المركز الثقافي العربي،الطبعة الأولي،1994.

مؤلفات باللغة الاجنبية

ü Daniel GUTMANN, Droit international privé, 3ème édition, Dalloz, 2002.

ü FERRAND CELINE, KATELL, «L'adoption en droit internationale

prive »revue juridique de l’Ouest, 2002.

المواقع الالكترونية

ü www.mahkamaty.com/category /اجتهادات-مقارنة/اجتهادات-فرنسية :

28avril2017/12h00.

قوانين

ü    ظهير شريف رقم 1.02172 صادر في فاتح ربيع الاول1423 موافق13 يونيو2002 بتنفيذ القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين منشورا بالجريدة الرسمية عدد 5031-10جمادى الأخر 1423 موافق 19 غشت 2002.

-------------------------------------------------------------------

[1]  الآية 5 من سورة الأحزاب.

[2]  محمد الشافعي : "كفالة الأطفال المهملين، «دراسة في القانون لمغربي التبني في القانون الفرنسي الطبعة الأولى 2007،ص 8.

[3] -ظهير شريف رقم 1.02172 صادر في فاتح ربيع الاول1423 موافق13 يونيو2002 بتنفيذ القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين منشورا بالجريدة الرسمية عدد 5031-10جمادى الأخر 1423 موافق 19 غشت 2002.

[4] - المادة التاسعة من ظهير شريف رقم 1.02172 صادر في فاتح ربيع الاول1423 موافق13 يونيو2002 بتنفيذ القانون رقم 15.01 المتعلق بكفالة الأطفال المهملين منشورا بالجريدة الرسمية عدد 5031-10جمادى الأخر 1423 موافق 19 غشت.

 موسى عبود:"الوجيز في القانون الدولي الخاص المغربي"،المركز الثقافي العربي،الطبعة الأولي،1994،ص260[5]

[6]  بشرى برا :"كفالة الأطفال المهملين في القانون الدولي الخاص"،رسالة دبلوم الماستر،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال،الرباط،2009 2010،ص16،

[7]  المادة العاشرة من ظهير 12غشت 1913 بشان الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب"إن التصرفات القانونية التي ينجزها الفرنسيون أو الأجانب في منطقة الحماية الفرنسية بالمغرب تكون صحيحة من حيث الشكل إذا أبرمت بمقتضى القواعد التي يعينها أما القانون الوطني للطرفين وإما القانون الفرنسي وأما التشريع الموضوع لمنطقة الحماية الفرنسية وإما القوانين والأعراف المحلية.

[8]  مجلة القانون الدولي الخاص التونسي،27.11.1998،الفصل 54.

[9]  بشورة فتيحة : "محاضرات في القانون الدولي الخاص"،جامعة أكلي محند أولحاج-البويرة كلية الحقوق والعلوم السياسية نقسم الحقوق،غير مطبوعة،2017.1016،ص"38.

[10] جميلة أوحيدة :"آليات تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص المغربي"، الطبعة الأولى،المعارف الجديدة الرباط 2007ص115.

[11]   خالد البرجاوي :"تقييم مدونة الأسرة من زاوية القانون الدولي الخاص،مجلة المرافعة،العدد16،أكتوبر 2005،ص36.

[12]  المادة الثالثة من ظهير المنظم للوضعية المدنية للأجانب بالمغرب"تخضع حالة الأجانب الشخصية وأهليتهم لقانونهم الوطني".

 [13] خالد البرجاوي :"القانون الدولي الخاص في مجال قانون الأسرة،الحلول المقررة لتنازع القوانين في الدول الإسلامية بين منطق الانتساب إلى الأمة الإسلامية ومنطق الانتماء إلى الجماعة الدولية،دراسة تطبيقية مقارنة في روابط الدولية الخاصة المغاربية الطبعة2،مطبعة دار القلم2006،ص47.

[14] -جميلة أوحيدة :"نظام الأحوال الشخصية للجالية المغربية بهولندا واقع وأفاق، الطبعة الأولى،دار أبي رقراق للطباعة والنشر،الرباط ،2012،ص308.

[15]   بشرى برا :"كفالة الأطفال المهملين في القانون الدولي الخاص"،رسالة دبلوم الماستر،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال،الرباط،2009 2010،ص30.

[16]  FERRAND CELINE ,KATELL, «L'adoption en droit internationale prive »revue juridique de l’Ouest,2002,p 209,210 .

[17]   Daniel GUTMANN «Droit international privé», 3ème édition, Dalloz, p165,2002.

[18]  انه كينيونيس اسكاميث،اندريس رودغيث بينوت،هدى زكري،جميلة أوحيدة :"الكفالة والتبني في العلاقات الثنائية المغربية-الاسبانية،مشروع عدل،فيلاب،مدريد، اسبانيا،2009-2005،ص من 119 الى 123.

[19] - انه كينيونيس اسكاميث،اندريس رودغيث بينوت،هدى زكري،جميلة أوحيدة :"الكفالة والتبني في العلاقات الثنائية المغربية-الاسبانية،مرجع سابق ص 126و127.

[20]   بشرى برا :"كفالة الأطفال المهملين في القانون الدولي الخاص"،رسالة دبلوم الماستر،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال،الرباط،2009 2010،ص35،

[21] -محمد الشافعي :"كفالة الأطفال المهملين،دراسة في القانون المغربي التبني في القانون فرنسي،الطبعة الأولى ،مطبعة الوراقة الوطنية،مراكش،2007،ص63.

[22]   جميلة أوحيدة :"آليات تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص المغربي"،الطبعة الاولى،المعارف الجديدة الرباط 2007ص320.

[23]  www.mahkamaty.com/category /اجتهادات-مقارنة/اجتهادات-فرنسية : 28avril2017/12h00.

[24]   Daniel GUTMANN, Droit international privé, 3ème édition, Dalloz, p165,2002.

[25] ‑ محمد تكمنت:"الوجيز في القانون الدولي الخاص"، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية سلا، طبعة 2005، ص 95.

[26] ‑ الحسن لحلو الملوخي:"القانون الدولي الخاص المغربي والمسطرة المدنية"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الدولي الخاص،1997­­­-1998، جامعة محمد الخامس-أكدال، ص17.

[27] ‑ بشرا برا : كفالة الأطفال المهملين في القانون الدولي الخاص، رسالة لنيل ماستر في القانون الدولي الخاص،20096-2010،جامعة محمد الخامس أكدال، ص 41.

[28] ‑ مسعودي العياشي:"محاضرات في القانون الدولي الخاص"، جامعة محمد بن عبد الله، السنة الجامعية 1991-1992، ص 165-166.

[29] ‑ بشرا برا، مرجع سابق، ص 42.

[30] ‑ محمد تكمنت:"الوجيز في القانون الدولي الخاص"، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية سلا، طبعة 2005، ص 106.

[31] ‑ بشرا برا : مرجع سابق، ص 44-45.

[32] ‑ محمد الوكيلي:"محاضرات في القانون الدولي الخاص المغربي 2007-2008"، جامعة محمد الخامس-أكدال، ص 86.

[33] ‑ ينص الفصل 14 من الاتفاقية الفرنسية المغربية لسنة 1981 على ما يلي:"يمكن خلافا لمقتضيات الفصل 17 من اتفاقية التعاون القضائي و تنفيذ الأحكام المؤرخة في 5 أكتوبر 1957 نشر الأحكام المتمتعة بقوة الشيء المقضي به المتعلقة بحالة الأشخاص و تسجيلها في سجلات الحالة المدنية دون حاجة إلى تذييلها بالصيغة التنفيذية". 

[34] ‑ بشرا برا، مرجع سابق، ص 49-50.

[35] ‑ العربي امحمدي:"القاضي الأوروبي و مؤسسات مدونة الأسرة المغربية"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال الرباط 2006-2007،ص 73.

[36] ‑ بشرا برا، مرجع سابق ، ص 59.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات