القائمة الرئيسية

الصفحات

القروض العامة وأثرها على التدبير المالي

القروض العامة وأثرها على التدبير المالي 

القروض العامة وأثرها على التدبير المالي


مــقـــدمـــة:

تعتبر القروض العامة احد مصادر الإيراد العام وهي تختلف في أنواعها من حيث كونها داخلية أو خارجية وحتى الداخلية منها فقد يكون بعضها قروضا طويلة الأجل أي قروض يكتتب فيها عن طريق سوق الأوراق المالية ،مثل السندات واذونات الخزينة ،أو قروضا قصيرة الامد تتجلى في التسهيلات الائتمانية التي يمنحها الجهاز المصرفي للدولة ولهيئاتها العامة أو لشركات القطاع العام و ذلك لمقابلة الإنفاق الجاري أو بعض الظروف الطارئة والتي تتطلب زيادة سيولة المشروع.

وبالرغم من الخلافات التي تثار بشان القروض وخطورة الاعتماد عليها كمصدر من مصادر الإيراد العام نظرا للمشاكل التي تثيرها من حيث أعبائها الاقتصادية فما زالت من المصادر الهامة لتغطية النفقات الغير العادية . بل على العكس فقد تزايدت أهميتها وتزايد حجمها بالنسبة لمعظم دول العالم ولا سيما الدول الآخذة في النمو والتي تفتقر إلى موارد تمويل مشروعاتها التنموية ، كما تعد  ظاهرة ازدياد القروض إحدى الصفات المالية للدولة في العصر الحديث، وقد زادت سرعة تكوين القروض العامة منذ الحرب العالمية الأولى. ففي الولايات المتحدة  الامريكية بلغت القروض في عام 1890 مبلغ 1.10 بليون دولار والتي ارتفعت إلى 24.3 بليون دولار عام 1920 ثم ارتفعت إلى 43 بليون دولار سنة 1940 وقدرت عام 1959 بمقدار 284 بليون دولار.

وفي انجلترا ازداد الدين العام من 656 مليون جنيه عام 1913 ليبلغ 7829 مليون جنيه عام 1920 ثم ارتفعت قيمته إلى 25608 مليون جنيه في 1949.

كذلك تتحقق هذه الظاهرة في فرنسا فقد ارتفع مقدار الدين العام من32 مليار فرنك سنة 1913 إلى 4133 مليار فرنك عام 1950 إلى إن بلغ 5796 مليار فرنك عام 1955.

وترجع هذه الزيادة إلى تعدد أسباب الالتجاء إلى الاقتراض العام، فالقرض العام أداة لمد الدولة بالمواد اللازمة  لمقابلة الظروف الموسمية أو الطارئة .وكذلك هو أداة هامة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية للإسراع في النمو الاقتصادي ودرء الأزمات وتحسين توزيع الدخول ،وتحقيق الاستقرار الاقتصادي بامتصاصه للقوة الشرائية الفائضة.

وقد تغيرت النظرة للقروض العامة فهي ليست وسيلة استثنائية لحصول الدولة على الأموال اللازمة لمجابهة النفقات غير العادية بل ينظر إليها الكتاب المعاصرون باعتبارها موردا عاديا لتغطية نفقات الدولة . من هنا يمكننا القول أن القرض العام هو عبارة عن الأموال التي تقترضها الدولة من الدائنين في داخل البلاد أو خارجها وقد يكون هؤلاء الدائنين أفراد أو هيئات أو مؤسسات مصرفية أو مالية على أن تتعهد الدولة المقترضة بدفع قيمة الدين في ميعاد استحقاقه مع دفع الفوائد السنوية المقررة عليها.

وبذلك نجد أن القرض بهذا المعنى مختلف عن الدين العام حيث يمثل هذا الأخير التزام مباشر على الدولة قبل الغير و ذلك نتيجة لقيامها بمهام محددة فعلى سبيل المثال نجد ان المرتبات والأجور والمعاشات التي يستحقها الافراد تمثل دين عام في ذمة الدولة قبل المنتفعين بها، كما أن التعويضات المستحقة لبعض الأفراد نتيجة لمصادرة أموالهم أو نزع ملكياتهم بمقتضى القوانين الاشتراكية أو لمتطلبات الصالح العام التي تعتبر من قبيل الدين العام، حيث أنها لا تمثل قرض عام حصلت عليه الدولة ولكنها تعويض مقابل استيلاء الدولة على أصول معينة كان يملكها الأفراد.

وبما ان كلا من القروض العامة و الضريبة تعتبران من اهم موارد الدولة  وجب التفريق في هذا المجال بينهما  حيث أن الضريبة لا ترد قيمتها في صورة نقدية ولا يدفع عنها فوائد، بعكس القرض. كما أن الضريبة اقتطاع إجباري بعكس القرض العام، فهو يقوم على أساس حرية التعاقد والاختيار من جانب الدائن.

ولكن أدى التطور إلى التخفيف من حدة هذه الفروق فنلاحظ مثلا وجود بعض القروض الإجبارية التي يتلاشى فيها عنصر الاختيار وتظهر فيها فكرة الإجبار والإكراه إذ تلجا إليها الدولة حينما تتزعزع الثقة فيها، أو عندما تعجز القروض الاختيارية عن توفير المال اللازم . كذلك قد لا تتحقق فكرة التخصص بالنسبة لأنواع من القروض العامة كقروض الحرب، بينما قد تخصص حصيلة بعض أنواع الضرائب لتمويل أنواع معينة من النفقات.

وامام هذه الاهمية  في توظيف القروض العامة  كأداة مالية لها مجموعة من الادوار الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية فالتساؤل الجوهري سيحيلنا  للبحث في مسالة التقسيمات التي تثيرها هذه القروض وما هي  طرق اصدارها و اساليبها ؟ اضافة الى شروط  تبديلها  ؟ من جهة و عن الاثار الاقتصادية  لهذه القروض العامة داخل المنظومة المالية من جهة اخرى ؟ وبالتالي فموضوعنا سيتم تقسيمه وفق التصميم التالي :

المبحث الاول  : تقسيمات القروض العامة و طرق اصدارها

المطلب الاول :  تقسيمات القروض العامة

المطلب الثاني:  طرق اصدار القروض العامة و اساليبها

المبحث الثاني:  الاثار الاقتصادية للقروض العامة

المطلب الاول :  ظاهرة المديونية الخارجية

المطلب الثاني:  تأثيرات المديونية الخارجية

المبحث الأول : تقسيمات القروض العامة و طرق إصدارها

يقتضي البحث في القروض العامة كمكون اساسي  للإيرادات العامة على مستوى التدبير المالي للدولة التطرق الى ابراز تقسيماتها في ) المطلب الاول ( ثم التطرق الى طرق إصدار القروض العامة وأساليبها في ) المطلب الثاني ( من الموضوع .

المطلب الأول : تقسيمات القروض العامة

تتعدد انواع القروض العامة و صورها و لبيان اشكالها الرئيسية يمكن ان ينظر اليها من زوايا مختلفة :  من ناحية مصدر الاموال أي المصدر المكاني لهذه القروض و هذا ما سيتم الحديث عنه في  -الفقرة الاولى - ثم من ناحية حرية المكتتب للمساهمة في القرض - الفقرة الثانية - و اخيرا من ناحية اصل مدته في -الفقرة الثالثة- .

الفقرة الاولى : من ناحية مصدرها المكاني

يمكن تقسيم القروض العامة من ناحية مصدرها المكاني الى قروض عامة داخلية و قروض عامة خارجية و اساس التفرقة بين هذين النوعين من القروض هو ان القروض العامة الداخلية يقتصر الاكتتاب فيها على الهيئات و الاشخاص التابعين للدولة اما القروض الخارجية فتكتتب فيها هيئات و اشخاص ليسوا من رعايا هذه الاخيرة.

اولا : القروض الداخلية

يتجلى القرض الداخلي في ذلك القرض الذي تحصل عليه الدولة من اشخاص طبيعيين أو معنويين في إقليمه بغض النظر عن جنسيتهم سواء كانوا مواطنين أو أجانب.

وتتمتع الدولة بالنسبة للقروض الداخلية بحرية كبيرة إذ أنها تضع شروط القرض المختلفة ، وتبين المزايا الممنوحة للمقترض ، وكيفية السداد، كذلك فان طاقة الدولة على الاقتراض الداخلي أكبر بكثير من طاقتها على الاقتراض من الخارج إذ أنها لا تستطيع أن تملى شروطها على دولة أخرى أو على المدخرين خارج حدود إقليمها ولكن تعمل على إغرائهم بالمزايا العديدة. إما في الداخل فتعمل الدولة على نجاح قروضها باستغلالها لكافة الاعتبارات السياسية و الاجتماعية، فتثير في نفوس المواطنين روح الوطنية والواجب الوطني لتدفعهم إلى الاكتتاب. كذلك فإنها تطرح قروضها بعد دراستها للوضع الاقتصادي السائد ومعرفة العوامل المهيأة لإنجاح القروض، كتوافر المدخرات واستعداد المدخرين على الاكتتاب في السندات الحكومية لما تهيئة لهم من استثمار مضمون بمزايا لا تقل عما هو سائد في السوق. إلى جانب ذلك فهي تخفض من قيمة إصدار السندات لإعطاء الفرصة لصغار المدخرين للاكتتاب، وتتجنب الدولة فقدان ثقة الأفراد في ائتمانها بمحافظتها على الاستقرار النقدي وعملها على عدم ارتفاع الأسعار.

ومما يزيد من طاقة الدولة على الاقتراض الداخلي انه لا يترتب على القروض الداخلية اقتطاع من ثروة الإقليم ، إذ أن ما تحصل عليه الدولة من أموال المكتتبين يعاد توزيعه بواسطة النفقات العامة ، فالقرض يؤدي إلى تعديل في توزيع واستخدام الدخول وتعديل في الهيكل الاجتماعي. ويتحدد مدى نفعه أو العبء المترتب عليه بالمقارنة بين استخدام المقرضين لأموالهم وكيفية استخدام الدولة لهذه الأموال.

ثانيا: القروض الخارجية

هو القرض الذي تحصل عليه الدولة من حكومة أجنبية أومن شخص طبيعي أو معنوي مقيم في الخارج وتلجأ الدولة إلى الاقتراض من الخارج لحاجتها لرؤوس الأموال وعدم كفاية المدخرات الوطنية كذلك لحاجتها إلى العملات الأجنبية سواء كان ذلك لتغطية عجز في ميزانها الحسابي أو لدعم عملتها وحمايتها من التدهور ،كذلك فان الدولة تقترض للحصول على ما يلزمها من سلع إنتاجية وسلع استهلاكية ضرورية، وأخيرا فان الاقتراض يمكنها من الاستفادة من الخبرات التي تنقصها.

ويلاحظ أن سلطة الدولة في حالة الاقتراض الخارجي اقل منها في حالات الاقتراض الداخلي، حيث أنها لا تستطيع أن تجبر دولة أخرى على منحها قرضا إلا في حالات استثنائية كحالات الاحتلال، كذلك فان سلطة الدولة في التخفيف من هذه القروض محدودة فالتجاؤها إلى التضخم مثلا لا يساعدها على التخفيف من عبء هذا الدين واستهلاكه إذ أن هذه الوسيلة تتوقف عند حدودها، وتتأثر الدولة المقترضة بالإحداث الاقتصادية التي تجري في الدول المقرضة كما تتأثر بتقلبات سعر الصرف فتستفيد حينما يطرأ تدهور في عملة الدولة المقرضة حين أدائها للفوائد ورد أصل الدين بعكس إذا ما زادت قيمة هذه العملة عند السداد كذلك فإنها تنتفع من ارتفاع قيمة عملة الدولة الدائنة في لحظة انعقاد القروض وغالبا لتجنب هذه التقلبات تتضمن القروض الخارجية شرط الوفاء على أساس سعر صرف محدد لعملة أجنبية تتميز بالثبات والاستقرار أو على أساس الوفاء بالسلع وتؤدي القروض الخارجية إلى المساهمة في زيادة الإنتاج في الداخل إذا أحسن استخدامها ولكنها تتضمن عبئا عند دفع الفوائد وسدادها لذا يتعين لمعرفة مدى نفع هذه القروض أن نقارن بين ناتج استخدامها في النواحي الاستثمارية وبين المبالغ التي ستدفع في الخارج لخدمة الدين ، فإذا زاد الأول عن الثاني كان نفع الدين محققا ، وكذلك فان القرض الخارجي غالبا ما يتأثر بالسياسة فعلى الدولة المتخلفة أن تعتمد أساسا على مدخراتها التي يجب أن تقوم بالدور الأكبر في التنمية إذ أن القروض الخارجية قد لا يكون من المتيسر الحصول عليها عند الحاجة أو قد تكون متضمنة بشروط قاسية مالية أو سياسية .

وفي هذا الصدد من المهم أن نشير إلى الأسباب التي تجعل الدولة أن تلجأ إلى القروض الخارجية وهي:

1  -  عدم كفاية المدخرات المحلية من اجل تمويل المشروعات الاقتصادية والاجتماعية للدولة ومن ثم فإنها لا تستطيع إصدار قرض داخلي لقلة الأموال الموجودة في السوق الداخلية.

2 -  في علاج اختلال ميزان المدفوعات ومن ثم فان الدولة تستطيع عن طريق القروض الخارجية أن تحصل على حاجاتها من العملات الأجنبية .

الفقرة الثانية: من ناحية حرية المكتتب في المساهمة في القرض

اولا : القروض الاختيارية

يقصد بها أن يكون الأفراد أحرار في تقرير الاكتتاب أو عدم الاكتتاب في القرض العام أي أن الدولة تستطيع عن طريق القرض العام الاختياري الحصول على ما تحتاج إليه من أموال دون أن تستخدم سلطة الجبر في ذلك كما هو بالنسبة للضريبة وينتج عن ذلك أن عنصر الاختيار هو الذي يميز القرض العام الاختياري عن الضريبة .

والقاعدة بالقروض العامة أن تكون اختيارية ومع ذلك تلجأ الدولة إلى القروض الإجبارية.

ثانيا: القروض الإجبارية

وهي التي تجبر الأفراد والهيئات على الاكتتاب في هذه القروض والأسباب التي تدعو الدولة إلى الاتجاه إلى القروض الإجبارية هو ضعف ثقة الجمهور في المقدرة المالية للدولة أو رغبة الدولة في سحب جزء من دخول الأفراد والهيئات بقصد تخفيض الطلب الكلي عن العرض الكلي وتقليل حدة الضغوط التضخمية، كما يحصل عادة في فترات الحروب أو التنمية الاقتصادية .

وتقترب القروض العامة الإجبارية من الضريبة من ناحية صفة الجبر والإلزام في الحصول على الإيرادات العامة ومع ذلك فان ما يفرق بينهما هو أن القروض العامة الإجبارية ترتب للمكتتب فيها فوائد خلال مدة القرض واسترداد مبلغ الاكتتاب في نهاية مدة القرض.

الفقرة الثالثة: من حيث المدة

تنقسم القروض العامة في العموم  الى قروض دائمة او مؤبدة و قروض مؤقتة تنقسم بدورها الى قروض قصيرة الامد و متوسطة و اخرى طويلة الامد.

اولا:  القروض الدائمة

يقصد بها القروض التي تلتزم فيها الدولة بدفع فوائدها دون أن تحدد تاريخ معين برد قيمة القرض للمكتتبين ومن ثم فان الدولة هي التي تحدد التاريخ الذي تقوم به بهذا الرد .

ان القروض المؤبدة تمتاز بأنها - وهي لا تلزم الحكومة بالسداد في موعد محدد-  تترك الحرية للحكومة في اختيار الوقت المناسب للسداد فانه يأخذ عليها أنها تغري الحكومات المتعاقبة على عدم السداد مما يؤدي إلى تراكم الديون على الدولة وزيادة أعباء الفوائد المدفوعة عنها مما يخشى معه التأثير في الكيان المالي للدولة.

ثانيا : القروض المؤقتة

هي القروض التي تحدد الدولة لها أجلا مقدما للوفاء بها وقت يكون هذا الأجل تاريخ معين أو يكون فترة ممتدة بين تاريخين ويعيبها أنها تفرض على الدولة الوفاء بها في المدة المنصوص عليها بالقرض سواء أكانت الدولة في ظروف مالية حسنة أم في ظروف مالية سيئة ومع ذلك فإنها تمتاز بأنها تؤدي إلى تقليل مديونية الدولة مما يزيد من قدرتها على الاقتراض في المستقبل .

- أنواع القروض المؤقتة أو القابلة للاستهلاك :

تقسم القروض المؤقتة من حيث مدتها الى قروض قصيرة الأجل وقروض متوسطة الأجل وقروض طويلة الأجل.

1  - القروض القصيرة الأجل (العائمة أو الطافية أو السائرة) : وهي القروض التي لا تتجاوز مدتها السنتين. و أوضح الأمثلة عليها هي اذونات الخزانة وهي عبارة عن سندات قصيرة الأجل (3 أو 6 أو سنه أو سنتين) تصدرها الخزانة العامة بغرض تغطية احتياجات النفقات العامة في فترات العجز الموسمي في الموازنة الناتج عن تأخير تحصيل بعض الضرائب وخصوصا منها الضرائب المباشرة.

2  - القروض المتوسطة الأجل: هي القروض التي تزيد مدتها عن سنتين وتقل عن عشر سنوات

3 - القروض الطويلة الأجل: هي القروض التي تتجاوز مدتها العشر سنوات.

وهنا يجب أن انوه انه لا توجد فواصل دقيقة بين القروض المتوسطة الأجل والقروض الطويلة الأجل ويطلق عليهما معا(القروض المثبتة) وتلجا الدولة إلى هذا النوع من القروض (المتوسطة والطويلة الأجل) لتغطية عجز لا يمكن تغطيته خلا السنة المالية وينشأ هذا العجز في الغالب بسبب القيام بمشروعات استثمارية ضرورية للتنمية الاقتصادية أو بسبب ارتفاع نفقات الحرب أو الدفاع.

المطلب الثاني : طرق إصدار القروض العامة وأساليبها

الفقرة الأولى : إصدار القروض العامة

أولا : تعريف الإصدار

يقصد به العملية التي تحصل بها الدولة على الأموال التي يكتتب بها المقرضون نظير تعهدها بدفع الفوائد ورد مبلغ القرض طبقا لشروط عقد القرض.

ثانيا : الشكل الذي تصدر به القروض العامة

تصدر القروض العامة عادة بقانون، والسبب في ذلك هو إن خدمة هذه القروض، أي دفع فوائدها ورد أصلها، يتم في الغالب من حصيلة الضرائب، وإذا كانت الضريبة لا تفرض إلا بقانون ،فان القرض هو الآخر يجب إن يصدر بقانون أيضا.

ثالثا : شكل سندات القرض

1 - السندات الاسمية: وهي السندات التي يبن فيها اسم صاحبها ،كما تقيد الدولة أسماء المكتتبين بها في سجل خاص تدون فيه جميع البيانات المدرجة في السند، ولا يحتج بنقل ملكية السندات الاسمية إلا بعد تغيير البيانات المثبتة في السجل، كما إن فوائد هذه السندات لا تدفع إلا لأصحابها أو لمن ينوب عنهم قانونا.

2 - السندات لحاملها: وهي السندات التي لا يقيد فيها اسم صاحبها، ويعتبر حائز السند هو مالكه. ومن ثم فان نقل ملكية السندات يتم بمجرد نقلها من يد إلى أخرى دون حاجة إلى أي قيد في أي سجل، ويستطيع من يحمل السند أن يقبض قيمة الفائدة عند تقديم القسائم.

3 - السندات المختلطة: وهذه السندات تكون اسمية بالنسبة للمبلغ المكتتب به وتقيد أسماء المكتتبين في سجل خاص ولا تنتقل ملكيتها إلا بتغيير البيانات المثبتة في السجل، كما أنها تكون لحاملها بالنسبة لقبض فوائدها حيث يتك دفع هذه الفوائد لمن يتقدم بالقسائم دون حاجة للتحقق من شخصيته.

الفقرة الثانية: أساليب الاقتراض

تقوم الجهة المالية المكلفة بتحديد شروط القرض وتفاصيله وتنظيم أحكامه وفقا للظروف السائدة وتلجا الدولة في  إصدارها  للقروض إلى أساليب متعددة:

1 - الاكتتاب العام: ويكون ذلك حين تتوجه الدولة مباشرة إلى الأفراد والهيئات لتعرض عليهم الاكتتاب في سنداتها. وقد تطلب الدولة دفع قيمة السندات كلية أو دفع نسبة مئوية منها، وبعد إقفال باب الاكتتاب تحصى المبالغ المحصلة أو مقدار الطلبات المقدمة للاكتتاب لمعرفة حصيلة القرض ، وقد يحدث إن يغطى القرض عدة مرات بمعنى أن تكون المبالغ المكتتب فيها أكثر من قيمة القرض. ويمكن للدولة في هذه الحالة إن تتبع سياسة التخصيص ومضمون هذه السياسة إن يخصص لكل مكتتب نسبة معينة مما طلبه فيقوم بدفع المبلغ المطلوب منه أو استرداد جزء من قيمة اكتتابه إذا كان قد دفع أكثر مما خصص له.

وتتميز هذه الطريقة بأنها توفر على الدولة العمولة التي يتقاضاها الوسطاء وتمكنها من معاملة صغار المدخرين معاملة ممتازة ، ولكن مما يؤخذ عليها إن الدولة قد تصدر القرض بأسعار لا تتفق مع سعر الفائدة السائد في السوق فيقل الإقبال عليه ، أو تقوم بمنح امتيازات وفائدة أعلى ممل يجب , فتتحمل بذلك عبئا إضافيا نتيجة عدم خبرة الإدارة المالية ولتجنب ذلك تلجا الدولة إلى الوسطاء الماليين.

2 - الاكتتاب عن طريق البنوك: في هذه الحالة تتوجه الدولة إلى البنوك لتحصل على القرض وتقوم بمهمة بيعه بعد ذلك إلى الجمهور. فالمصارف تقرض الدولة المبلغ التي هي بحاجة إليه دون انتظار البيع للجمهور، وتتقاضى مقابل ذلك عمولة معينة. وقد لا تكتفي البنوك بدور الوسيط بل قد تساهم بالاكتتاب في القرض وفق تخصصها. وتتميز هذه الطريقة بان تحصل الدولة على مبلغ القرض بأفضل الشروط نظرا لخبرة رجال البنوك بالمسائل المالية، ولكن يعاب عليها حصول البنك على عمولة كبيرة، فقد تشتري البنوك السندات بسعر اقل من سعرها الاسمي مما يفوت على الدولة حصيلة هذه الإيرادات.

 3 - الإصدار في البورصة: تبيع الدولة سنداتها شانها في ذلك شان الأفراد وتعرضها على دفعات صغيرة حتى لا يتدهور سعرها. وتتميز هذه الوسيلة بسهولتها من الناحية العلمية وتمكن الدولة من الاستفادة من تغيرات الأسعار في الأسواق. ولكن يعيب عليها انه لا يمكن للدولة إتباعها إذا كان مبلغ القرض كبيرا وإذا كانت في حاجة سريعة إلى الأموال.

الفقرة الثالثة: شروط الاقتراض

أولا : سعر الفائدة

يحصل المقرض على فائدة مقابل تنازله لمدة من الزمن عن سيولة مبلغ القرض. ويتوقف تحديد سعر فائدة القرض على ائتمان الدولة وعلى الظروف السائدة في السوق المالي. فكلما ضعفت الثقة في الدولة ارتفع سعر الفائدة والعكس صحيح. كذلك يتأثر سعر الفائدة بمقدار القرض وبمدته فهي منخفضة في القروض القصيرة الأجل ومرتفعة في القروض الطويلة الأجل. تدفع الفائدة مرة واحدة في السنة أو في الغالب على دفعتين وتعتبر الفائدة الاسمية تلك المنصوص عليها في السند الاسمي. و قد تختلف عن سعر الفائدة الحقيقي أي مقدار ما يدره السند، ونجد هذه الحالة عند إصدار الدولة لسنداتها تحت سعر التداول فمثلا: إذا كانت قيمة السند المنصوص عليها 100ل.س ويحمل فائدة اسمية قدرها 4% ولكن تحصل الدولة من قيمة السند على مبلغ 80 ل.س فقط بدلا من القيمة الاسمية وهي 100 ل.س مما يترتب عليه أن يحصل المكتتب على فائدة قدرها 5% لا الفائدة الاسمية وهي 4%.

وتلجأ الدولة إلى إصدار سنداتها دون سعر التعادل إذا لم تتوافر الثقة فيها وتخشى أن هي أصدرت السند بسعر التعادل ألا يقبل الأفراد على الاكتتاب. و هذه الطريقة تتميز بأنها تمكن الدولة من التخفيف من سعر الفائدة التي تدفع نظير المكافأة التي يحصل عليها المكتتب حين سداد القرض إذ يحصل على مبلغ اكبر مما دفعه. ولكن هذا الرأي وان كان صحيحا بالنسبة للقروض القصيرة الأجل فان الفرق بين سعر الإصدار وسعر السداد لا يكون دافعا للأفراد على الاكتتاب في القروض الطويلة الأجل إذا كان سعر الفائدة ضئيلا، ويعيب هذه الطريقة أيضا أنها تثقل كاهن الدولة إذ ترد مبلغا أكثر مما حصلت عليه.

ثانيا: مكافآت السداد و الأنصبة

يترتب على إصدار الدولة لقروضها بسعر تحت سعر التعادل أن يحظى المكتتب بمكافأة سداد تقدر بالفرق بين ما دفعه وما سيحصل عليه وقد تتعهد الدولة بدلا من إعطاء كل المقرضين مكافآت أن تقوم بدفع مبلغ كبير من النقود لبعض السندات التي تخرج بالاقتراع وميزة هذه الطريقة أنها تمكن الدولة من تخفيض سعر الفائدة إلا أنها تزيد عبء الدين وقت السداد.

ثالثا: الضمانات

عادة يعقد القرض دون ضمانات خاصة سوى التزام الدولة بالدفع، ولكن يحدث أحيانا أن يكون القرض محل ضمانات شخصية أو عينية وقلما ترضى الدولة الآن بمثل هذه الضمانات لمساسها بكرامتها وانتقاصها لسيادتها.

غير انه لدينا أمثلة تاريخية للضمان الشخصي كتعهد دولة أو اكثر بضمان الدولة المقترضة، كالدين المصري المضمون ، ومثال الضمانات العينية هو تخصيص مبلغ معين من الإيرادات (إيرادات الجمارك مثلا) للوفاء بالدين .وبلا شك أن الضمان العيني يضعف ثقة العامة في الدولة، في حين أن قيمته من الناحية العملية ضئيلة لعدم جواز الحجز على أموالها.

و لكن هناك نوع آخر من الضمانات يهدف إلى تشجيع المقرضين، وذلك بتعهد الدولة برد المبلغ بعملة ثابتة أو بالذهب.

الفقرة الرابعة: المزايا القانونية للقروض العامة

1 - الإعفاء من الضريبة: قد ينصب الإعفاء على السند نفسه أو على فوائده أو على كليهما فقد يعفى السند من ضريبة التركات وفوائده من ضرائب الدخل وقد يقتصر الإعفاء على ضريبة واحدة وقد يكون عاما وشاملا للضرائب الحالية والمستقبلية ولا شك أن هذه الضريبة تشجع الاكتتاب في السندات العامة ولكنها تجافى مبدأ العدالة في توزيع الأعباء العامة.

2 - استعمال السندات لتسديد بعض الضرائب: وتهدف الدولة من وراء ذلك إلى زيادة الثقة في سنداتها ولكن يلاحظ أن هذه الوسيلة تؤدي إلى استهلاك الدين قبل ميعاد استحقاقه وتنتقص من حصيلة الضرائب.

3 - عدم القابلية للحجز: فلا يستطيع الدائن الحصول على حقوقه لدى المدين إذا استخدم الأخير أمواله في شراء السندات الحكومية لعدم جواز الحجز عليها فلملاحظ إذا أن المزايا تتعدد كلما قلت الثقة بها فإذا كان ائتمان الدولة قويا فلا حاجة إلى منح هذه الامتيازات.

الفقرة الخامسة: استهلاك القروض العامة

في  نطاق بحثنا لاستهلاك القروض العامة ندرس النقاط التالية: إنكار الدين العام الى جانب  تعريف استهلاك القروض العامة و أساليب هذا الاستهلاك.

أولا : إنكار الدين العام

يقصد من إنكار الدين العام توقف الدولة عن دفع ما عليها من فوائد الدين أو أصلة أو كليهما معا و تتوقف الدولة عن الدفع في حالة إفلاسها أو في حالة نشوب ثورات و حروب أهلية .

من أمثلة إنكار الدين العام ما حدث في إسبانيا و البرتغال و النمسا و روسيا و اليونان و تركيا و مصر و معظم دول أمريكا اللاتينية و يعتبر الإنكار هنا إنكارا ظاهريا و هناك إنكار مستتر في الدين العام و ظهر هذا عندما تلجأ الدولة إلى التخلص من ديونها تخلصا كليا على أثر انهيار نقدها نتيجة التوسع في الإصدار النقدي الجديد و نتيجة التضخم السريع ومن الأمثلة المشهورة على هذا الشكل من إنكار الدين العام ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى إذ انخفضت قيمة المارك عام 1923 إلى الصفر و تمكنت الدولة من تسديد دينها بالماركات الألمانية الورقية التي لا قيمة لها و إنكار الدين العام ظاهرة مخلة بمبدأ الثقة في الدولة و استمرار شخصيتها بغض النظر عن تبدل الحكومات كما أنه يسئ إلى العدالة إذ أنه ينزل الظلم بحملة السندات دون ذنب اقترفوه و قد يؤدي إنكار الدين العام الخارجي إلى فقدان الدولة استقلالها.

ثانيا : المقصود من استهلاك القروض العام

يقصد الوفاء بهذه القروض أي سداد قيمة هذه القروض للمكتتبين و يميز عادة بين نوعين من استهلاك القروض العامة:

الأول: هو الاستهلاك الإجباري و يجري في حالة القروض المؤقتة التي تحدد الدولة أجلا لسدادها.

الثاني: هو الاستهلاك الاختياري و ينصرف إلى القروض الدائمة أساسا حيث تحتفظ الدولة بحقها في أن تقوم بسداد هذه القروض في الوقت الذي تراه ملائما.

ثالثا : أساليب استهلاك القروض العامة

هناك أربعة طرق لاستهلاك القروض العامة وهي:

1 - الاستهلاك دفعة واحدة : إذا كان مقدار القرض العام ضئيلا فإنه يمكن إستهلاكه دفعة واحدة في الميعاد المحدد للسداد ذلك أن القرض العام إذا كان كبيرا فلا يمكن استهلاكه دفعة واحدة لما في ذلك إرهاق لموازنة الدولة أو عدم ملائمة للظروف المالية للدولة لذا فإن غالبية الدولة تفضل الاستهلاك التدريجي للقروض عن طريق أسلوب أو أكثر من الأساليب الثلاثة التالية.

2 - الاستهلاك على أقساط سنوية محددة : وذلك بأن تدفع الدولة سنويا لكل من المكتتبين قسطا يضم الفائدة السنوية و جزء من رأس المال و بهذا تقل قيمة القروض سنة بعد سنة أخرى و يتم استهلاكه بعد دفع الدولة كل قيمة القرض و عيب هذه الطريقة أنها تضر المقرضين و خاصة الصغار منهم لأنها قد تغريهم على إنفاق كامل ما يستردونه و بذلك يبددون رأس مالهم الذي كان مستثمرا في المال العام .

3 - الاستهلاك بطريق القرعة: و ذلك بأن تخرج الدولة جزء معين من السندات كل عام و تدفع قيمتها كاملة لأصحابها و تتكرر هذه الطريقة حتى يتم استهلاك كافة سندات القرض.

و يختلف هذا الأسلوب عن الأسلوب السابق في أن الاستهلاك بطريق القرعة ينصب على عدد معين من السندات تبعا للنسبة المقررة و ليس على كل السندات كما ينصب على كل قيمة السندات التي لا تخرج بطريق القرعة و ليس على جزء من قيمتها فقط .و قد تكون هذه الطريقة ضارة بأصحاب السندات في حال ارتفاع قيمتها فوق سعر التعادل.

و يعيب طريقة الاستهلاك بالقرعة بأنها – و هي تجبر بعض حاملي السندات على استرداد قيمتها في أوقات غير محددة لا يعلمونها مقدما – قد تضر حاملي السندات لأنهم لم يعدوا العدة لتوظيف رؤوس أموالهم قي استثمارات جديدة .

4 - الاستهلاك عن طريق الشراء من سوق الأوراق المالية :تستطيع الدولة استهلاك سنداتها عن طريق شراء هذه السندات من سوق الأوراق المالية كأي مشتر آخر ثم تقوم بإعدامها و هذا الأسلوب في استهلاك سندات قروض العامة يفيد الدولة عندما تكون أسعار السندات قد انخفضت في سوق الأوراق المالية إلى ما دون سعر التعادل غير ِأن الدولة لا تستطيع استهلاك عدد كبير من السندات بهذا الأسلوب لأن ذلك يؤدي إلى ارتفاع ثمن هذه السندات و تستخدم الدولة حصيلة الضرائب للوفاء بقيمة القرض و استهلاكه و قد تخصص حصيلة بعض الضرائب لاستهلاك الدين العام كما حدث في مصر عام 1940 و قد تقوم بفرض ضريبة على رأس المال للوفاء بقيمة القرض خاصة في الفترات التي تعقب الحروب.

المبحث الثاني : الآثار الاقتصادية للقروض العامة

تعتبر القروض العامة عاملا مهما للتأثير في الاقتصاد القومي و يتوقف هذا التأثير على مصدر هذه القروض العامة فإذا كانت مصادر القروض العامة من مدخرات الأفراد المكتنزة فإن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة الطلب الفعلي و بالتالي زيادة معدلات النمو الاقتصادي و الاتجاه بمستويات التشغيل في الاقتصاد القومي نحو التشغيل الكامل أما إذا كانت مصادر هذه القروض مدخرات الأفراد و المؤسسات العامة غير المصرفية المستثمرة أصلا سوف تؤدي إلى تغير الجهة التي تقوم بالاستثمار فقط أما إذا كانت مصادر هذه القروض هي المصرف المركزي و المصارف التجارية الأخرى فإن ذلك سوف يؤدي إلى آثار انكماشية لأن هذه المؤسسات تستطيع خلق قوة شرائية جديدة .

إلى جانب ان القروض العامة تعمل  بما فيها من مزايا كبيرة كالفائدة و غيرها على تشجيع الادخار و بالتالي تقليل الميل للاستهلاك و لكن في فترات التضخم قد يحدث العكس حيث إصدار القروض العامة قد يؤدي إلى زيادة الميل للاستهلاك و ذلك لشعور الأفراد بأن القيمة الحقيقية لهذه القروض سوف تنخفض نتيجة انخفاض القوة الشرائية للنقود لذلك سيمتنعون عن الاكتتاب فيها و بالتالي سوف يزيد الميل للاستهلاك.

كما ان للقروض العامة دور مهم في توزيع الدخل القومي و هذا يتوقف على الأمور التالية:

1 - مصدر تمويل فوائد القروض : عندما تمول فوائد القروض من الضرائب التصاعدية يعني ذلك أن الفئات الغنية في المجتمع هي التي تتحمل هذا العبء أي أن للقروض العامة دورا كبيرا في إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الفئات الفقيرة في المجتمع و تقليل حدة التفاوت بين فئات المجتمع أما إذا كانت فوائد القروض تمول من الضرائب النسبية أو من ضرائب الاستهلاك فإن ذلك يعني أن الفئات الفقيرة هي التي تتحمل العبء و بالتالي للقروض العامة دور كبير في إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الفئات الغنية و بالتالي يؤدي إلى زيادة حدة التباين بين الفئات الاجتماعية .

2 - الجهة التي تملك السندات : إذا أصدرت سندات القروض العامة بقيمة عالية فإن غالبية مالكي السندات سوف يكونون من الفئات الغنية و بالتالي هم المستفيدون من فوائدها أي إن القروض العامة قد ساهمت في زيادة حدة التفاوت الاجتماعي بين الأغنياء و الفقراء لصالح الأغنياء أما إذا أصدرت القروض العامة بقيمة منخفضة فإن ذلك يعني أن الفئات الفقيرة تستطيع امتلاك هذه القروض و بالتالي سيتم توزيع الدخل القومي لصالح الفئات الفقيرة.

وتأسيسا على ما سبق فلقد اصبح للقروض العامة خاصة الخارجية منها تأثير قوي بل و موجه سواء في البنية المالية الوطنية او في النظام المالي الدولي و هذا ما سيحيلنا الى تقسيم هذا المبحث الى مطلبين اساسيين ويتعلق )المطلب الاول (بظاهرة المديونية الخارجية و) المطلب الثاني( بتأثيرات هذه المديونية و سنأخذ المغرب نموذجا لمجمل هذه التأثيرات الاقتصادية للقروض العامة.

المطلب الأول: ظاهرة المديونية الخارجية

شكلت المديونية الخارجية ظاهرة أساسية وسمة مميزة ومصاحبة لتطور المالية العامية الوطنية المغربية ، بل إن هذه الأخيرة بقيت في المجمل مرتبط أشد الارتباط بتطور اهمية وتأثير هذه الظاهرة سواء على المستوى التاريخي أو على المستويين الاقتصادي والاجتماعي . ففي الجانب التاريخي ، وفي ظل ضعف الادخار المحلي والحاجة إلى مصادر التمويل واكراهات التنمية الاقتصادية خاصة مع تبني سياسة التخطيط الاقتصادي ، كل ذلك دفع السلطات العمومية إلى اتباع سياسة إرادوية متواصلة للاقتراض من الخارج ( الاقتراض الثنائي ومتعدد الأطراف ) . وقد شكلت فترة السبعينيات أهم محطة في الجانب التاريخي للمديونية . إذ نتيجة لجملة عوامل خارجية مرتبطة بالمناخ الاقتصادي الدولي وأخرى داخلية – سيعرف المغرب خلال فترة الثمانينيات ظاهرة أزمة المديونية الخارجية – ستترافق مع برامج اقتصادية ومالية مطالب بها من صندوق النقد الدولي (برامج التقويم الهيكلي). سيكون لها تأثير كبير في طبيعة واختيارات وتوجهات السياسة الاقتصادية والمالية الوطنية.

ويمكن إرجاع أسباب وعوال أزمة المديونية الخارجية بالنسبة للمغرب إلى اسباب داخلية ذاتية وأسباب خارجية موضوعية.

الفقرة الأولى : الأسباب الداخلية

ويمكن توزيعها إلى أسباب اقتصادية- مالية و سياسية.

بالنسبة للأسباب الاقتصادية يمكن إرجاعها إلى العوامل التالية :

- الحاجة إلى المصادر التمويلية . خاصة في ظل عامل الطموح الاقتصادي للمخططات الوطنية. الذي تجسد في ارتفاع نفقات الاستثمار.

- تأثير عامل الجفاف، خاصة سنوات الفترة من سنة 1973 إلى حدود سنة 1984.

- التحول في سعر الفوسفاط. إذ ارتفع سعر هذا الأخير بشكل قياسي سنة 1974 (من 1.6 إلى 43 دولار أمريكي للطن المتري)، وابتداء من فاتح يناير 1975 تجاوز السعر 160 دولار، ليعاود الانخفاض إلى 29 دولار سنة 1976.

بالاضافة الى الأسباب المالية. وهذه الأخيرة يمكن إرجاعها إلى:

- تفاقم العجز في ميزانية الدولة،

- ضعف المساهمات الجبائية. وعجز النظام البنكي على تعبئة الادخار الوطني .

- ارتفاع تكاليف حاجيات الاستيراد وارتفاع الفاتورة النفطية.

اما الأسباب السياسية. وهذه يمكن إرجاعها بشكل أساسي إلى التكاليف المالية لاسترجاع الأقاليم الصحراوية. حيث ارتفعت هذه التكاليف بنسبة (11 مرة) وبعد أن كانت لا تمتثل سنة 1975 (2.5 مليار درهم) انتقلت سنة 1987 إلى مبلغ (5.5 مليار درهم).

الفقرة الثانية : الأسباب الخارجية

تعود العوامل الخارجية لأزمة المديونية الخارجية في المغرب كما في الدول النامية إلى الاعتبارات الاقتصادية والمالية الدولية التالية:

- تأثير النظام الاقتصادي الدولي، خاصة بفعل ظاهرة التضخم المصحوب بالركود والوضعية التي أضرت بتسعيرة المواد الاولية للمغرب وللدول النامية.

-  تأثير النظام النقدي الدولي، ويتمثل هذا التأثير في تقلبات أسعار الدولار الأمريكي وعملية تدوير فوائد البترودولار.

- ارتفاع معدلات الفائدة، مما ساهم في ارتفاع كبير للقروض الجارية.

لقد ساهمت في أزمة المديونية الخارجية بالنسبة للمغرب جملة عوامل وأسباب داخلية وخارجية، كما ان كل عامل من هذه العوامل أطرته مجموعة من الاعتبارات الموضوعية، فعلى المستوى الداخلي ساهمت الأسباب الاقتصادية والمالية والسياسية في تنامي حجم القروض الخارجية خاصة بتأثير من الطموح الاقتصادي والنقدية العالمية كان لها من جانب آخر دور فاعل في الدفع إلى اللجوء للاقتراض الخارجي. كما أن ارتفاع سعر الفائدة للقروض الموقعة او المراجعة ستكون سببا مباشرا في تنامي أحجامها الإجمالية.

وعلى الرغم من التحول في الطابع التصاعدي لحجم القروض الخارجية خاصة إلى مؤشر الناتج الداخلي الخام. فإنه ابتداء من منتصف التسعينيات سيدشن تحول في توجه تراجعي في أحجامها الإجمالية، إذ سيبلغ رصيد الدين الخارجي المغربي سنة 2000 ما مجموعه 16 مليار دولار بعد ان كان يشكل 21.3 مليار دولار سنة 1996. و ترجع أسباب هذا التحول إلى مجموعة آليات ثم اعتمادها من قبل السلطات المالية العمومية. كتحويل الديون إلى استثمارات. وتحويل ديون ذات كلفة مالية لقروض منخفضة الكلفة الى جانب التخفيض في حاجيات التمويل الخاص بالخزينة. ومع كل هذا التحول الذي طبع ولازال يطبع موضوع الاقتراض الخارجي، فإن هذا الأخير حافظ على أهميته كأداة مميزة للتمويل العمومي شكلت نسبة متوسطة بلغت حوالي 54 %  من الناتج الداخلي الخام خلال الفترة الممتدة من 1996 إلى سنة 2000.

المطلب الثاني : تأثيرات المديونية الخارجية

يتوقف التأثير الاقتصادي للقروض العامة الخارجية على مستويين اثنين:

الأول ويرتبط بطبيعة وآليات النظام الاقتصادي العالمي السائد. والذي يتميز بعدم تكافئ في غير صالح الدول النامية المدينة. اما المستوى الثاني فيمكن ربطه بالخصائص الاقتصادية والمالية والسياسية العامة المميزة لهذه الاخيرة لكل هذه الاعتبارات تشكل ظاهرة المديونية الخارجية أهم مشكل اقتصادي للدول النامية المدينة. بل إن التنامي الكبير لحجم الديون الخارجية سيجعل جانبا هاما من هذه الدول غير قادر على الوفاء بالتزاماته المالية اتجاه الدول والهيئات المقرضة. الأمر الذي ادى الى ابرام عقود ثنائية ومتعددة الأطراف اتخذت مظهر برامج للتصحيح الهيكلي. كان الغرض الرئيسي منها العمل على تنظيم ضمان ارجاع اصل وفوائد القروض المقدمة مع السماح بالتوصل بقروض جديدة، شريطة تطبيق مجموعة من التوصيات هي في حقيقة الأمر التزامات مالية واقتصادية على الدول النامية تنفيذها لأجل الوصول للهدف الرئيسي المتوخى من هذه التوصيات العمومية. وهي إعادة التوازنات المالية والاقتصادية للدول المدينة.

وتتمثل الأجرأة المالية التصحيحية لبرنامج التقويم الهيكلي في جانبين اثنين رئيسيين هما التقليل ما أمكن من مستوى الطلب الداخلي بالضغط على الإنفاق العام وإصلاح الشروط الاقتصادية العمومية للاقتصاد المدين.

أ‌-  التقليل من مستوى الطلب الداخلي: وذلك بخفض الاستهلاك الخاص والحد من النفقات العمومية خاصة ذات الطابع الاجتماعي. والحد ما أمكن من الواردات وكذلك الاستثمارات العمومية أي ان الأمر يتطلب في آخر المطاف ضبطا للإنفاق العام.

ب‌-  إصلاح الشروط الإقتصادية  للإقتصاد المدين "تشجيع العرض" وذلك بالحد من تدخل الدولة في الميدان الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المجال الاقتصادي . والانفتاح على السوق الخارجي بتحرير المبادلات والتخفيض من عملة القيمة الوطنية. 

جدول يبين عناصر برنامج التقويم والتصحيح الهيكلي الموصى بها من طرف المؤسسات المالية المقرضة

(صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)


الأسباب العامة للاختلال الاقتصادي والمالي لتطبيق برنامج التقويم الهيكلي

الأهداف المعلنة لسياسة التقويم الهيكلي

الاستراتيجية والأجرأة المالية والاقتصادية لبرنامج التقويم الهيكلي

1 – فائض بنيوي للعرض على الطلب

2 – سياسة مرنة للعروض

3 – عجزر الميزانية العامة وارتفاع اعتمادات الاجور

4 – إصدار نقدي مبالغ فيه

5 – تضخم وعجز ميزان الأداءات

6 – اقتراض مفرط وتدهور قيمة العملة

1 – إعادة التوازن لميزان الأداءات

2 – التقليص من نسب التضخم

3 – خلق إطار ملائم للتنمية الاقتصادية

أ‌-        الاستراتيجية المطلوبة

1 - الحد من تطور النفقات العامة عن طريق الوسائل النقدية والمالية

2 – تشجيع العرض بإدخال تعديلات على آليات السوق والمحيط المؤسساتي

ب‌-     الأجرأة المالية والاقتصادية لبرنامج التقويم الهيكلي

الأجرأة المالية الحد من الطلب :

1 – توازن الميزانية العامة أي اصلاح عجز الميزانية من خلال ترشيد الانفاق العام

2- الغاء الدعم للمواد والسلع الاساسية صندوق المقاصة

3 – توازن ميزان المدفوعات بالحد من الواردات وتشجيع الصادرات

4 – اصلاح النظام الجبائي الوطني

5 – تحرير التجارة الخارجية استيرادا وتصديرا.

الأجرأة الاقتصادية اقتصاد العرض

اصلاح الشروط الاقتصادية

1 – الحد من تدخل ودور الدولة في الميدان الاقتصادي

2 توازن النفقات واسعار القطاع العام من خلال اصلاح مؤسساته بالتخلي او التأجير للقطاع الخاص

3 – تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في المجال الاقتصادي


وهكذا ستهدف سياسات التقويم الهيكلي تطبيق اقتصاد العرض واعادة بناء النسيج الاقتصادي لضمان الانفتاح على السوق وعلى الخارج بما يعنيه ذلك من تفكيك للرسوم الجمركية على الواردات وتحرير مراقبة الصرف وإنعاش الصادرات وتهيئة شروط استقبال المستثمرين الأجانب وتحرير الأثمنة والرقابة وتفكيك القوانين والإجراءات والأنظمة ويدفع هذا إلى الاقرار بأن برنامج التصحيح الهيكلي هو في نهاية المطاف وضع تعمل فيه المؤثرات الخارجية بشكل يجعل الاقتصاد الوطني عبارة عن تابع للتوجهات والشروط المفروضة من قبل الجهات الدائنة خاصة الابناك العالمية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي) وقد أبانت تجربة الاقتراض الخارجي في مجموعة من الدول النامية ومنها المغرب عن تحول اقتصاديات هذه الدول إلى اقتصاديات مديونية بما يعنيه ذلك من تأثير قوي لظاهرة المديونية على هذه الاقتصاديات وارتهانها الى الخارج والحد من استقلالية قرارها الاقتصادي وخضوعها لمنطق السياسات التقشفية والتي كان لها اكثر من أثر سلبي على طموح التنمية الاقتصادية الوطنية بهذه الدول. واذا كان البعض من هذه الأخيرة كحالة المغرب مثلا قد نجح في تحقيق الشرط المالي للبرامج التصحيحية والتي تتجلى في التوازنات المالية فان ذلك كان على حساب التوازنات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت كلفتها جد مرتفعة تمثلت على الخصوص في مجموعة مظاهر ابرزها :

·  ارتفاع في الاسعار خاصة اسعار المواد الاساسية نتيجة تقليص حصة الدعم.

·  خصاص في القطاعات الاجتماعية الاساسية كالتعليم والصحة والتطبيب ...

· ركود في الأجور وتقليص في مناصب الشغل (كان العدد يفوق 41 الف منصب شغل سنة 1980 واصبح يتراوح بين 10 و 15 الف منصب شغل ابتداء من سنة 1990 وارتفاع معدل البطالة النسبة سنة 1993 كانت  19%)

الخاتمة

نلاحظ من خلال هذا البحث المتواضع أهمية و بروز القروض العامة كعنصر مهم للمساهمة في تمويل النفقات العامة مع تطور دور الدولة و تزايد نفقاتها بشكل كبير و عجز الإيرادات العامة الأخرى عن تمويل النفقات العامة ومن المفيد أن يؤخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكن أن يتم تحقيق تنمية حقيقية و مستدامة من خلال الاعتماد الدائم على القروض سواء أكانت هذه القروض محلية أو خارجية لذلك نعتقد بأن اللجوء الى القروض المحلية أن يتم ضمن حدود ضيقة و أن يكون لفترات قصيرة و بمعدلات فائدة منخفضة نسبيا و ذلك لأن المعدلات المرتفعة تدل على الحالة غير الصحية للأوضاع التي يتم فيها الاقتراض و تدل على غياب ثقة الجمهور بأذون الخزينة .

لائحة المراجع

الكتب  والمؤلفات

- د. سعيد الجفري :  تدبير المالية العمومية بالمغرب. الطبعة الاولى 2009 مطبعة اوماكراف رقم الايداع القانوني 2009/0718- سطات - المغرب .

-   د.حسين، سهير- د.حسن، السيد:" الإقتصاد المالي بين النظرية والتطبيق "،مؤسسة شباب الجامعة ،الإسكندرية،1989،ص277- ص279.

-    د.بركات، عبدالكريم صادق:" الإقتصاد المالي"، دمشق،{د.ن}،1990،ص178- ص180، ص185- ص188

-    طيارة، سعيد:" الموارد العامة والنفطية في الجمهورية العربية السورية "، حلقة بحث، جامعة دمشق،2004،ص28- ص29.

- فرهود، محمد سعيد: "مبادئ المالية العامة:،ج1،مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، جامعة حلب،2004،ص310- ص316،ص321- ص325،ص328- ص330..

الرسائل و الاطروحات

- د.طالب،عبدالحميد:"الضرورات الرئيسية للإصلاح السياسة الإقتصادية وتفعيل دورها في عملية التنمية في سورية"،أطروحة معدة لنيل درجة الدكتوراه في الإقتصاد ،جامعة حلب،2005،ص30- ص32.

- يوسف،أحمد:"أثر تطوير السياسة المالية في ترشيد قرارات الإستثمار في سورية"، رسالة معدة لنيل درجة الماستر في الإقتصاد ،جامعة حلب،2005،ص68- ص83.

التقارير

-  التقرير الإقتصادي الموحد لعام 2000.

- المجموعة الإقتصادية السورية لعام 2002.

- صندوق النقد العربي ،مؤشرات إقتصادية ،1995- 2000،ص12.

المواقع الإلكترونية

- الموقع الالكتروني لوزارة الاقتصاد و المالية بالمغرب.

بحث من اعداد الطلبة علية بلفقيه، غازي ياسر، عشاق وسيم ماستر: القانون العام و العلوم السياسية / الفصل الأول مادة : المالية العامة

تحت إشراف الأستاذة: الدكتورة فاطمة الحمدان بحير.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات