القائمة الرئيسية

الصفحات

عقد الحساب الجاري بشكل مختصر

عقد الحساب الجاري بشكل مختصر 

ورقة علمية حول عقد الحساب الجاري
ورقة علمية حول عقد الحساب الجاري

يعتبر عقد الحساب الجاري أحد أهم النظم القانونية التي شيدتها العادات التجارية. فهو من أهم العمليات المصرفية على الإطلاق نظرا للمزايا والفوائد التي يحققها للأفراد.

وللحساب الجاري أهمية لا تخفى على أحد. وتتجلى أساسا في أهميته في تسيير العمليات المتبادلة بين الأطراف،. فقد نشأ واستقرت أحكامه عن طريق العرف التجاري عموما. والعرف المصرفي خصوصا حيث يتسم هذا الأخير بجملة من الخصائص. جعلته مميزا عن غيره من الحسابات الأخرى.

كما يعتبر الحساب الجاري نوعا خاصا من الحسابات البنكية. ونظام من أهم الأنظمة التجارية الذي ابتدعه التعامل التجاري والعرف المصرفي. ووضع بعض أحكامه القضاء ثم بعد ذلك تناوله المشرع بالتنظيم. بعد أن انتشر العمل به واستقرت قواعده وأصبح من أهم وأدق مواضيع القانون التجاري. ويفترض الحساب الجاري وجود مجموعة من العمليات المتصلة والمتتالية بين طرفين. يكون أحدهما في الغالب بنك يتفقان على تسوية العمليات الناشئة بينهما بعد مدة معينة. وتصبح نتيجة التسوية دينا مستحقا للطرف الذي ظهر هذا الرصيد لمصلحته.

I.شروط تكوين عقد الحساب الجاري

1.  الشروط العامة: 

طبقا لتعريف المشرع التونسي لعقد الحساب الجاري. الوارد بالفقرة الأولى من الفصل 728. من المجلة التجارية على أنه: "يتكون حساب جاري. كلما اتفق شخصان بينهما معاملة مسترسلة. على أن يدخلا في حساب بطرق دفعات القبض التي يقدمها كل منهما للآخر."

ويظهر من نص الفصل أن عقد الحساب الجاري. من العقود الرضائية الملزمة للجانبين،. إذ أنه يتم بموافقة طرفيه وباتفاقهما. وبالتالي يلزم شرط الرضا عند إبرام العقد. ,كما يشترط عند إبرام العقد بين طرفيه. أن تتوفر فيهما الأهلية اللازمة لإجراء التصرفات القانونية.

وبما أن عقد الحساب الجاري. يبرم بين طرفين هما طالب الخدمة وهو ما يعرف بالحريف ومقدم الخدمة وهو البنك. وبما أن البنك يقدم أثناء التعاقد عقودا نموذجية تتضمن مجموعة من الشروط،. ففي هذه الحالة يعتبر الحريف طرفا في العقد وبذلك يعتبر مستهلكا لهذه الخدمة المقدمة. من طرف البنك. ولما كان الحساب الجاري تصرفا قانونيا يتطلب من طرفيه التوفر على الأهلية الكاملة.

واعتبارا وأن البنك أهليته لا غبار عليها ولا تثير الجدل. باعتباره شخصا معنويا فإنه في المقابل فإن التثبت من أهلية طالب فتح الحساب الجاري تقع على كاهل البنك. وباعتبار وأن عقد الحساب الجاري يقوم أساسا على الاتفاق بين طرفيه. ومن ثمة لا بد لصحته صدوره من حريف يتمتع بأهلية كاملة. فقد استوجب المشرع التونسي صلب الفصل الثاني من مجلة التزامات وعقود. لصحة العقد توفر أربعة أركان أساسية وهي" الأهلية، الرضا، السبب والمحل." 

والأصل أن يتم عقد الحساب الجاري برضا الطرفين. ويكون ملزما لطرفيه بمجرد انعقاده. وبالتالي يرتب اثارا لكل منهما، ومبدئيا. فإن صفة الرضائية في العقد تقتضي أن يكون الطرفين كاملا الحرية في تحديدهما الاثار الخاصة بالعقد. وبعبارة أوضح يقتضي أن ينص الرضا على فكرة التسوية والضمان. وما تجدر الإشارة إليه أن شخصية كل طرف في عقد الحساب الجاري. تبقى محل اعتبار ذلك لأن الاعتبار الشخصي قائم بمقتضى هذه العلاقة التبادلية. من العمليات المستمرة التي اتفق الطرفان على إدخالها في الحساب الجاري.

وبنظرة أعم فإن الاعتبار الشخصي هو السبب الدافع لكل من الطرفين لإبرام عقد الحساب الجاري. باعتبار وأن اثاره تتضمن مخاطر لا يقبل عليها الطرفان إلا إذا توفرت بينهما الثقة الكافية،. فهذه الاثار تجعل كل منهما يعطي شيئا مؤكدا مقابل شيء غير مؤكد . حيث يرتضي انقضاء الحق المستقل الناشئ عن العملية الأصلية مقابل مجرد قيد في الحساب.

أما محل عقد الحساب الجاري. فهي المدفوعات النقدية التي يتبادلها الطرفان والتي تدخل في الحساب الجاري. ويجب أن تتوفر فيها الشروط العامة بأن تكون مشروعة. كما يجب أن يتوفر في العقد. السبب الذي من أجله تم فتح الحساب بالنسبة لطرفيه،. ويجب أن يكون السبب مشروعا غير مخالف للقانون

2.الشروط الخاصة

وجب تأسيس عقد الحساب الجاري على رضا طرفيه،. وبالتالي يجب أن تنصرف إرادة طرفيه بحرية كاملة. لإبرام العقد سواء كانت هذه الإرادة صريحة أو ضمنية. وهذا ما نص عليه القرار التعقيبي عدد 11848 المؤرخ في 17 جوان 1985,. حيث جاء فيه:" أن تكييف الحساب البنكي حسابا جاريا يتطلب توافر عنصرين أولهما معنوي وهو نية الأطراف في فتح حساب جاري، تلك النية التي يمكن أن تكون صريحة أو ضمنية." 

ويستشف من ظاهر القرار المذكور أن نية الأطراف. يمكن أن تكون صريحة أو ضمنية حيث يستمد هذا القول شرعيته من الفصل 728 من م ت الذي أقر صراحة أن الحساب الجاري "يتكون كلما اتفق شخصان بينهما معاملة مسترسلة...". 

ولهذا العنصر الخاص طبيعة خاصة حيث أنه لا يقتصر فقط على تبادل الرضا بين طرفي العقد وإنما هناك قصد معين وهو انصراف نية الأطراف للاشتغال بالحساب الجاري، كما يتميز هذا العنصر الإرادي بالاستمرارية التي تتوفر في العقود العادية بمعنى أن تظل هذه النية كامل مدة سريان الحساب الجاري.

وتجدر الإشارة إلى أن الديون التي تدخل في الحساب الجاري تختفي وتفقد كل مميزاتها الأصلية المتعلقة بها وبذلك يمتزج الدين بالرصيد كل لحظة يتكون فيها الرصيد الذي يكون مستحقا للأداء بمعنى اخر فإن طرفا الحساب الجاري يتفقان مسبقا على أن ديونهما المستقبلية أو المحتملة ستندمج في الرصيد حيث تتحكم في الديون قاعدة عمومية قبل أن تكون محققة.

وتتكون العناصر المادية للحساب الجاري من المدفوعات المتبادلة التي تغذي الحساب الجاري القائم بينهما وتختلف هذه الدفوعات باختلاف مصادرها، فقد تكون مادية عندما تكون مثلا مبلغا من النقود يمثل ثمن البيع، أو قرضا أو كمية من البضائع. كما يمكن أن تكون قانونية عندما يكون هناك دين للمسلم على المتسلم في أعمال الوساطة أو الوكالة مثلا.

II .اثار عقد الحساب الجاري 

1.الأثر التجديدي للمدفوعات

أورد فقهاء القانون التجاري مجموعة من التعاريف بشأن مبدأ تجديد المدفوعات وهذه التعاريف تكاد تكون متقاربة في المضمون وإن اختلفت في الألفاظ. وقد عرفه جانب من الفقه بأنه فقدان الديون المقيدة في الحساب الجاري لصفاتها الأصلية وكيانها الذي يحل محلها قيد في الحساب يكون طرفاه الدائن والمدين، كما عرفه جانب اخر من الفقهاء بأنه يحول الدين إلى مجرد مفرد يندمج في الحساب الجاري ويمتنع عن الدافع المطالبة بالمدفوع ويقتصر حقه فقط على المطالبة بالرصيد عند قفل الحساب.

فبمجرد دخول المدفوع في عقد الحساب الجاري فإنه يتحول من دين مستقل له كيانه الذاتي إلى مجرد بند في هذا الحساب لا ذاتية له ولا استقلال أي أن هناك تجديد بسبب تحويل المدفوع إلى البند. وهذا التجديد ينتج صراحة من العقد لأنه لا يمكن للدافع أن يحتفظ في أن واحد بالدائنية والمديونية المسجلة في الحساب، فالتجديد هو الأثر المباشر للحساب الجاري فإن كان مثلا المدفوع في الأصل ذات طبيعة مدنية وأدرج في حساب جاري من طبيعة تجارية اكتسبت منذ قيده الصفة التجارية تبعا لطبيعة الحساب الجاري الذي أدرج فيه.

ويستنتج مما سبق أن الدائنية الأصلية تختفي مع ضماناتها الشخصية والعينية، بمعنى أن تحويل المدفوعات إلى بنود يؤدي إلى فقدان كل التأمينات العينية والشخصية التي تتمتع بها المدفوعات قبل تسجيلها في الحساب غير أن التجديد لا يفترض وإنما يعبر الأطراف عن نيتهم في ذلك صراحة.

وقد نص على ذلك صراحة الفصل 737 من المجلة التجارية حيث جاء فيه:" الديون المترتبة لأحد الفريقين إذا أدخلت في الحساب الجاري لا تبقى خاضعة للقواعد الخاصة بها المتعلقة بمرور الزمن وسريان الفوائض...", ويقصد بذلك أن الديون التي تتضمنها المدفوعات التي أدخلت في الحساب الجاري تنقضي وتزول عنها صفاتها الخاصة وتخضع للقواعد الخاصة بالحساب الجاري,

فلو كان المدفوع عبارة عن مبلغ لوفاء دين, أو كان ثمن بضاعة باعها العميل أو كان عبارة عن وديعة فإنه في هذه الحالة يتحول هذا المدفوع عند دخوله في الحساب الجاري إلى مفرد حسابي وبذلك تتغير صفته ويصبح له كيان جديد مستقل عن كيانه الأصلي الذي نشأ عنه لأنه بدخوله للحساب الجاري لا ينظر إلى طبيعة المدفوع أو صفته, كما ينقضي الالتزام الذي ينشأ عنه المدفوع ويصبح المدفوع بعد القيد مجرد عنصر من عناصر الحساب ومن ثمة يخضع للقواعد التي تحكم الحساب الجاري.

2 عدم تجزئة مفردات الحساب الجاري

إن عقد الحساب الجاري هو حساب يخص بعض المعاملات التجارية والمالية وذلك على عكس حساب الودائع، وتتميز العلاقة الموجودة بين طرفيه بجريان العمليات المتبادلة حيث يتفقان على تحويل حقوقهما وديونهما الناشئة عن هذه العمليات إلى عناصر دائنيه ومديونية تختلط ببعضها البعض في وحدة لا تتجزأ بحيث يكون الرصيد الناتج حين غلق الحساب هو وحده المستحق الأداء.

وترتبط قاعدة عدم تجزئة الحساب الجاري بقاعدة التجديد في الحساب الجاري بمعنى أن الديون التي تدخل في الحساب تتحول إلى بنود أو إلى مفردات تندمج في كتلة لا تقبل الانقسام أو التجزئة بحيث لا يمكن اعتبار أن أحد طرفي العقد دائنا أو مدينا للطرف الأخر مادام الحساب مفتوحا.

وقد تناول الفصل 728 من المجلة التجارية مبدأ عدم تجزئة مفردات الحساب الجاري حيث نص على ذلك صراحة:" لا تكون معه قابلة للتفكيك الديون المترتبة لكليهما والمتولدة عن عمليات يجريانها مع بعضهما على أن يعتمدا عوضا عن تخصيص كل عملية يجريانها بتسوية على انفراد تتكرر بتكرر التعامل بينهما تسوية نهائية واحدة تكون منوطة بفاضل الحساب عند غلقه."

فأهم ما يترتب على مبدأ عدم تجزئة الحساب الجاري هو أنه لا يجوز استخلاص أحد مفردات الحساب لكي نجعل له أثر خاص بين الطرفين، فلا يجوز المطالبة به ولا الاعتداد بحالة المديونية التي كان يؤدي إليها لولا دخوله في الحساب.

ولما كان التطبيق لمبدأ عدم تجزئة المفردات في الحساب الجاري يؤدي إلى العديد من الصعوبات والمشكلات التي تكاد تذهب بالغرض الذي وجد من أجله الحساب الجاري، حيث من شأن ذلك تعطيل مصالح طرفي الحساب والإضرار بالغير الذي يريد الحجز على أي منهما لذلك فقد اجتهد فقه القضاء منذ عهد بعيد للتخفيف من اثار هذا المبدأ بعد أن وجهت له سهام النقد. فقد وردت عليه جملة من الاستثناءات تتمثل أساسا في تتمثل هذه الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم تجزئة الحساب الجاري أساسا في حق التصرف في الرصيد المؤقت للحساب الجاري، والحجز على الحساب الجاري أثناء فترة سريانه.

مواضيع ذات الصلة:

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات