القائمة الرئيسية

الصفحات

حماية المستهلك في القانون المغربي

حماية المستهلك في القانون المغربي

حماية المستهلك في القانون المغربي
حماية المستهلك في القانون المغربي



       يعتبر تحقيق الحماية لفئة من المستهلكين في الدول النامية و أيضا المتقدمة من المشاكل التي فرضت نفسها في العصر الحالي. إلا أن هذه الحماية تجد ملامحها في العصور القديمة. وقد كانت الشريعة الإسلامية سباقة إلى حماية المستهلك في قواعدها إلا أن مصطلح المستهلك لا وجود له في قواعد و أحكام الشريعة الإسلامية إلا أنها كانت رائدة في تكريس الحماية للمسلم (المستهلك) وذلك بإنشاء أجهزة تسهر على أمنه و محاربة الممارسات المضرة بالمعاملات التجارية.[1]
       وأبرز هذه الأجهزة مؤسسة الحسبة التي تختص في المسائل المتعلقة بالأمن و راحة السكان، النظافة خاصة في الأسواق و الشوارع و أيضا قمع الغش و مراقبة صناعة المنتجات و الأطعمة و الألبسة و المكاييل. ونجد حماية المستهلك جلية في نصوص القرءان و السنة : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من غشنا فليس منا" و قوله عز و جل " يا أيها الذين امنوا لا تأكلوا أموالكم  بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم".

       آما التشريعات الحديثة فقد بادرت إلى إخراج قوانين تروم حماية المستهلك وقد كان السبق في الاعتراف بحقوق الطبقة المستهلكة لدول شمال أوروبا كما هو الشأن بالنسبة لمبادرة المشرع الألماني بمقتضى القانون المؤرخ في 9/12/1979 و المشرع الدانمركي الذي بادر إلى إخراج قانون لحماية المستهلك في 1975 أما دول الجنوب الأوروبي فلم تهتم إلا في بداية الثمانينات من القرن الماضي : مبادرة لوكسمبورغ 1983 واسبانيا 1984 و بلجيكا 1991 أما المشرع الفرنسي فقد وضع بمقتضى قانون 26/7/1993 المدونة العامة لحماية المستهلك أما التشريعات العربية فقد كانت قاصرة في هذا المجال إذا استثنينا قانوني حماية المستهلك في كل من الجزائر و تونس و التجربة المغربية المتأخرة متجلية في قانون 31.08.[2]
        وقد جاء هذا القانون نتيجة لقصور قواعد ق ل ع التي يرجع تاريخها إلى بداية القرن العشرين و التي لم تعرف وجود مصطلح المستهلك بين نصوصها وآنذاك لم يكن بالإمكان التطلع إلى حماية أكثر فعالية و أكثر جرأة للمتعاقد الضعيف.
       فالتشريع المدني المغربي لم يأخذ بانعدام التوازن في العقد الاستهلاكي وإنما اعتد بتحقيق شروط النظريات التقليدية التي تحمي المتعاقد بدون تحديده اهو مهني أو مستهلك.
لكن التطورات الاقتصادية و الاجتماعية استدعت توفير الحماية  من أخطار العقود ولعل أهمها الارتفاع المتزايد في الإنتاج وسرعة إبرام المعاملات و تزايد التعامل بعقود الإذعان.
وقد طرح أول مشروع قانون يهدف إلى حماية المستهلك  في بداية الثمانينات من القرن الماضي غير انه و نتيجة لتضارب مصالح الجهات المحتضنة للمشروع تعطل هذا المشروع حتى سنة 2010 حيث أدرج في جدول أشغال الهيئة التشريعية لموسم 2010 وهذا ما أسفر عن ولادة قانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك والذي تضمن مجموعة من القواعد الحمائية و لاسيما بعض الحقوق الجديدة كالحق في الإعلام و الحق في التمثيلية داخل الجمعيات إضافة إلى الحق في التراجع.[3]
ولكي نعالج موضوعنا ارتأينا أن نطرح الإشكالية التالية :
أين تجلى قصور النظريات التقليدية لقانون الالتزامات و العقود في حماية المتعاقد و الذي استدعى صدور قانون 31.08 وهل هذا القانون كفيل بهذه الحماية و ما هي أوجه قوته وقصور برغم التقييم  لازال مبكرا في انتظار صدور كافة النصوص التنظيمية التي تساهم في توضيح مضامين و توجيهات النص القانوني؟
- من خلال استعمال منهج وصفي تحليلي سنحاول معالجة الموضوع غبر مبحثين :
- المبحث الأول : حماية المتعاقد من خلال القواعد العامة ل ق ل ع.
- المبحث الثاني : حماية المستهلك من خلال قانون 31.08.

المبحث الأول: الحماية القانونية للمستهلك من خلال القواعد العامة للقانون المدني المغربي


       إن الدارس لقانون الالتزامات والعقود المغربي يقف على غياب لفظة المستهلك في قواعده وهذا لا يعني أن ق ل ع لم يوفر حماية للمستهلك في معاملاته ولكنه سن قواعد عامة تحمي المتعاقد دون تمييز سواء كان مستهلكا أو مهنيا و للوقوف على مدى الحماية القانونية لقواعد القانون المدني للمستهلك سنميز بين نوعين من الحماية أولاهما  قبلية أي قبل التعاقد و الثانية  بعدية.

المطلب الأول : الحماية القانونية للمستهلك قبل التعاقد على ضوء ق ل ع

      إن الحماية القانونية للمستهلك قبل التعاقد تتجلى أساسا في مبدأ سلطان الإرادة الذي الذي يعتبر بحق العمود الفقري في إنشاء و تكوين العقود. فكيف وفر هذا المبدأ الحماية القانونية للمتعاقد و كيف أصبح المبدأ قاصرا على تحقيق هذه الحماية.

الفقرة الأولى : مضمون مبدأ سلطان الإرادة :

     أفرزت نظرية سلطان الإرادة مجموعة من الأفكار تتجلى أساسا في أن الإنسان حر في أن يتعاقد ا وان يمتنع عن التعاقد وان وجود الإرادة لازم لانعقاد العقد و إلا سيكون العقد المنجز باطلا و يظهر مبدأ سلطان الإرادة من خلال نص المادة 230 التي تكرس بين ثناياها قاعدة العقد شريعة المتعاقدين و الذي يترجمها الالتزام بتنفيذ العقد.من جهة أخرى فان عبارة " تقوم مقام القانون " و لا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا.
      أي انه لا يمكن إلغاء القانون الذي هو نتاج طرفي إرادتي العقد بإرادة واحدة آي أن توافق الإرادتين الذي أنشاه ذلك القانون هو الذي من شانه أن يلغيه آي لا يمكن إلغاؤه إلا بقانون أخر أي لا يمكن للمتعاقدين التحلل من التزاماتهما إلا إذا ابرما عقدا جديدا يلغي العقد الأول [4]إلا أن عبارة " في الحالات المنصوص عليها في القانون" أعطت الحق للإلغاء بإرادة منفردة من طرف احد المتعاقدين ومن بين هذه الحالات الخاصة الفصل 689 ( إذا ابرم الكراء محدد المدة يتجدد بدون تحديد المدة يمكن نسخه من طرف أي واحد ) الفصل 754 المتعلق بعقد العمل و الفصل 796 بعقد الوديعة و الفصول 929، 931، 932 و 935 بالوكالة.[5]
وبالتالي فان القاعدة هي عدم جواز إلغاء العقد إلا بتوافق أخر للإرادتين وهو ما يعرف بالإقالة الاختيارية كسبب من أسباب انقضاء الالتزام وقد عرف الدكتور مأمون الكزبري الإقالة الاختيارية بأنها اتفاق بين المتعاقدين بعد إبرامهما عقدا ما على إقالة هذا العقد و التحلل من الالتزامات التي نشأت عنه.

الفقرة الثانية : محدودية مبدأ سلطان الإرادة في حماية المستهلك 

      يستند مبدأ سلطان الإرادة على الحرية و المساواة بين الأفراد لكن هذه الحرية و المساواة هي مسالة نظرية فقط حيث غالبا ما لا يكون للمتعاقدين نفس القوة الاقتصادية و يرفض المتعاقد القوي شروطه وأرائه على المتعاقد الضعيف  حيث يضطر الطرف الضعيف إلى التعاقد بشروط مجحفة لتلبية ضرورات الحياة كما أن الحرية التعاقدية لا تفضي دائما إلى نتائج تتوافق مع المنفعة الاجتماعية لان الأفراد لا يتجهون بالضرورة  إلى النشاطات الأكثر منفعة للمجتمع بل للأنشطة الأكثر ربحا.
هذا ما أدى إلى بروز  اختلالات على المستوى الاجتماعي  من قبيل اتساع الفوارق بين الطبقات الاجتماعية وكذا الفوضى في الإنتاج و سوء توزيع الثروات في المجال الاقتصادي وهذا ما ترتبت عنه عدة نتائج تمثلت أساسا في اتساع نطاق الالتزامات غير التعاقدية إضافة إلى تقييد الرضائية في العقود.
فالعقد لم يعد مسيطرا على الالتزامات كما في السابق حيث اتسع نطاق الالتزامات غير التعاقدية التي يتحملها الشخص دون أن يقوم بإبرام العقد أما الرضائية التي ترتبط وجودا و عدما بمبدأ سلطان الإرادة فان سيادتها  أدت إلى عدم توفير الحماية للمتعاقد الأقل خبرة في مواجهة الشروط التعسفية التي يلجأ إليها المهنيون لحماية مصالحهم هذا ما أدى إلى تراجع الرضائية في العقود لصالح شكلية جديدة تقوم أساسا على شرط الكتابة و بالتالي ظهور العقود الشكلية و التي تعتبر في الواقع قيدا حقيقيا على مبدأ الرضائية في العقود.
غير أن المشرع عندما يوجب توافر الشكلية كركن في العقد فهو لا يرمي بذلك الى تغليب عنصر الشكلية على الإرادة بقدر ما يهدف الى حماية هذه الإرادة نفسها من الأخطار اللصيقة بنوع معين من العمليات التعاقدية التي يتطلب الإقدام عليها الكثير من التروي و الحيطة و بالإضافة إلى الشكلية نلاحظ كما هائلا من القواعد القانونية الآمرة و التي تتزايد بشكل مستمر على حساب القواعد القانونية المكملة لإرادة الأطراف مما يؤدي إلى تضييق نطاق الرضائية في العقود.[6]
إضافة الى ما سبق برز التعامل بالعقود النموذجية أو عقود الإذعان بشكل لافت و قد اختلف الفقه حول الشروط التي يجب توفرها في العقد لاعتباره عقد إذعان حيث اعتبر البعض ضرورة توجيه الإيجاب فيه الى العموم وان يكون من العقود الضرورية للمتعاقد المذعن إضافة إلى ضرورة وجود احتكار قانوني او فعلي للسلعة أو الخدمة.
لكن الفقيه عبد الرزاق السنهوري ذهب الى انه يكفي إعداد العقد بشكل منفرد و سابق على المفاوضات الخاصة به وان يتمتع صائغ العقد بسلطة فرضه على الطرف الآخر.
وكل هذه العوامل أدت إلى الحد من فعالية  مبدأ سلطان الإرادة في حماية المستهلك قبل التعاقد.

المطلب الثاني:  حماية المتعاقد أثناء التعاقد

     في هذا المطلب سنحاول التطرق في فقرة أولى لنظرية عيوب الرضي كوسيلة لحماية الطرف الضعيف ثم تقييم هذه النظرية في فقرة ثانية.

الفقرة الأولى:  نظرية عيوب الرضي كوسيلة لحماية الطرف الضعيف في ظل قانون الالتزامات والعقود .

       نظرا للمكانة التي يحتلها عنصر الرضي ضمن مبدأ سلطان الإرادة فقد بادر المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود إلى حماية رضي أطراف العقد – خاصة رضي الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية – عبر مجموعة من المؤسسات القانونية وعليه سنتناولها وفق الترتيب الأتي :

أ-التدليس : لقد نص المشرع المغربي في الفصلين 52و53 من ق ل ع على أن التدليس الذي لا يكون دافعا للتعاقد يخول للمدلس عليه التعويض فقط. بينما التدليس الذي يكون دافعا للتعاقد فيخول له صلاحية الإبطال إلا انه في ظل تزايد ظاهرة الاحتكار بمختلف صورها يطرح تساؤل مفاده أليس جديرا بالمشرع أن يبقي على العقد عوض التنصيص على إبطاله .

ب-الغلط :  تطرق له  المشرع  في الفصول 40الى 45 من ق ل ع حيث تطرق لحالاته والتي تتراوح بين الغلط الذي ينصب على الشيء وبالشخص ومن الوسيط وعلى القانون . ورغم أهمية هذه المقتضيات إلا أنها تظل قاصرة على استيعاب مختلف الإشكالات التي تطرحها بعض العقود المعقدة الصياغة خاصة العقود النموذجية .[7]

ج- الإكراه : لقد قام المشرع في الفصل 46 من قلع بتعريف المقصود بالإكراه وتحديد عناصره وشروطه. وهذا ما يدفعنا الى التساؤل عن مدى صواب إقدام المشرع على الدخول في متاهات التعريفات التي تعتبر من اختصاص الفقه والقضاء. على اعتبار أن التعريف الذي أعطاه المشرع للإكراه لم يعد يستوعب التغيرات الاقتصادية التي أفرزت ما يمكن تسميته بالإكراه الاقتصادي والذي يستغل فيه المورد الطرف الضعيف دون اللجوء لأي وسيلة ترهيبية .

د- الغبن : لا تثار مسالة الغبن إلا إذا ارتبط بالاستغلال, وعليه نص المشرع في الفصل 54 من ق ل ع على إن أسباب الإبطال المبنية على حالات المرض والحالات الأخرى المشابهة متروكة لتقدير القضاة. وقد اعتبر الفقه هذا الفصل عجيبا وغريبا في نفس الوقت نظرا لاختلاف القضاة بخصوص تطبيقه, حيث ساد اتجاه قضائي يستلزم للحديث عن عيب الغبن اتحاد العنصر المادي ( عدم تعادل الثمن مع المثمن) مع العنصر المعنوي ( المرض كحالة نفسية).

الفقرة الثانية: تقييم نظرية عيوب الرضي في ظل نمط التعاقدات المستحدثة

          وعموما فانه يمكن القول – واستنادا إلى الفصل 33 من قلع – أن نظرية عيوب الرضي قامت ولو بشكل محدود بحماية الطرف الضعيف كلما كانت إرادته مدفوعة بأحد العيوب المذكورة أعلاه.
غير انه ونتيجة للتطورات الاقتصادية والتكنولوجية التي أفرزت طرفا قويا وآخر ضعيفا, فانه يمكن القول وبحق أن نظرية عيوب الرضي لم تعد قادرة على حماية الطرف الضعيف من مختلف الإشكالات التي يطرحها النمط التعاقدي القائم على اللاتوازن  العقدي.
        وما يلاحظ عن هذا كله ان المشرع المغربي تطرق في قانون الالتزمات والعقود لصحة التراضي باعتباره أساس مبدأ سلطان الارادة وذلك بتخويل المتعاقد امكانية الابطال . والتعويض في بعض الحالات رغبة منه في حمايته كطرف ضعيف ومتى وجد في مواجهة طرف مني او تجاري يفوقه خبرة ودراية بالمجال. غير ان الحكم الذي يقرره المشرع المغربي المختلف لعيوب التراضي هذه يظل قاصرا على ان يكون الوسيلة الفعالة في هذا المجال حيث لا يصل بذلك الى الوقوف بجانب الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية .

المبحث الثاني:  مظاهر قوة القانون 08-31 وأوجه قصوره


      في هذا المبحث سنتطرق في المطلب الاول لمظاهر قوة القانون 08-31 ثم في مطلب ثاني لأوجه قصور القانون 08-31.

المطلب الأول :  مظاهر قوة قانون 08-31

في هذا المطلب سنتحدث في فقرة أولى عن المقتضيات الرامية لتعزيز مكانة المستهلك ثم في فقرة ثانية عن الصلاحيات المخولة للقضاء ولجمعيات حماية المستهلك بمقتضى قانون 08-31.

الفقرة الأولى: المقتضيات الرامية لتعزيز مكانة المستهلك

          أمام تنامي الأنماط الجديدة للتعاقد التي فرضتها التكنولوجية والتي أفرزت متعاقدين – واحد يحتل مركز قوي فنيا وتقنيا  (المورد) وآخر يحتل مركز ضعيف تعوزه هاته الوسائل (المستهلك) –جاء قانون 08-31 بضمانات لهذا الأخير نستعرضها كالأتي :

أولا الالتزام بالإعلام:

وقد نصت عليه المادة 3 من قانون 08-31 على انه يجب على المورد أن يعلم المستهلك بكل ما له علاقة بالسلعة أو المنتوج موضوع التعاقد , مع تسليم هذا المستهلك فاتورة أو تذكرة حتى يتسنى له الاحتجاج بها. ويلزم المشرع علاوة على ما سبق بتضمين هاته الفاتورة أو الوثيقة الثمن الإجمالي الذي يتعين على المستهلك دفعه،[8] .بل ألزم المشرع المورد في العقود التي يتعين كتابتها بتسليم نظير للمستهلك.
ولان الإشهار يلعب دورا هاما حيث يحمل المستهلك على الإقدام على عملية التعاقد فقد حمى المشرع المستهلك من الإشهار الكاذب من خلال تنصيصه على ضرورة أن يكون الإشهار نزيها وإخباريا فحدد مجموع البيانات التي يجب أن يتضمنها ،[9] فمنع الإشهار الذي يتضمن ادعاءا أو بيانا أو عرضا كاذبا . بل حتى في التعاقد بوسائل الاتصال الحديثة ألزم المشرع وفق المادة 30 من قانون حماية المستهلك المورد بان يطلع من خلال صفحته المستهلك على الشروط التعاقدية وان يقبلها بشكل صريح مع إعطائه إمكانية استنساخها والاحتفاظ بها.

ثانيا : مهلة التفكير و حق التراجع

         كمبدأ عام إن خلو العقد من عيوب الرضي لا يمكن احد إطراف العقد من تغييره بشكل انفرادي إلا من استثناءين كتلك التي تمنح للمشتري حق نقض العقد في عقد بيع الخيار وذالك داخل اجل محدد في 60 يوما للعقار , وخمسة أيام للمنقول والحيوان الداجن (الفصلين 601 و 604 ). وكذا في عقد الثنيا الذي يمكن البائع من استرداد الشيء المبيع بعد مدة زمنية لا تتعدى ثلاث سنوات وفقا للفصل 585 وما يليه من قلع , وكذلك من خلال منح مهلة الميسرة وفقا للمادة 243 من قلع حيث يسوغ للقاضي وفق إجراءات المطالبة منح آجال معتدلة للوفاء.
       هذين الفصلين يبدو أنهما قاصرين لحماية المستهلك وبالتالي فتح المشرع نافذة أخرى استثنائية لتحلل المستهلك من التزاماته واقرن ذلك بشروط حتى لا يتعسف في استعمالها  وهي أن يمارس هذا الحق داخل اجل محدد في سبعة أيام كقاعدة عامة, وثلاثين يوما في الحالة التي لم يفي المورد بكتابة كل المعلومات المتطلبة قانونا في البيع عن بعد وقصر المشرع في الاستفادة من هذا الحق على عقود محددة حصرا والعقود المبرمة عن بعد, وعقود الاقتراض .
        وبخصوص الحق في التراجع فانه يطرح إشكالية نطاق تطبيقه حيث أن المشرع نص في ديباجة القانون 08-31 على ان الحق في التراجع يعتبر من احد الحقوق التي يتمتع بها المستهلك وفي نفس الوقت نص في القانون ذاته على ان نطاقه يسري على العقود المبرمة عن بعد وعلى العروض الاستهلاكية , وهذا ما يطرح غموضا بخصوص نطاق هذا الحق وعليه فحسب الدكتور عبد القادر العرعاري فان المشرع المغربي تعمد هذا الغموض إدراكا منه تمديد هذا الحق إلى باقي الأنماط التعاقدية بسبب غياب الوعي الاستهلاكي لدى المجتمع المغربي .[10]

ثالثا : تحمل المهني لعبئ الإثبات المضاد

حسب القواعد العامة عبء الإثبات يقع على مدعيه الفصل 399 و 400 من ق ل ع , وجاء المشرع في قانون 08-31 باستثناء على هذا الأصل العام فجعل الإثبات على عاتق المورد سواء أكان مدعيا أو مدعى عليه.
في الشروط التعسفية :  نص في المادة 18 من ق ح م على أن عبء إثبات الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع ملقى على عاتق المورد لتفوقه التقني على المستهلك بل إن هذا المقتضى من النظام العام لا يمكن للقاضي إثارته من تلقاء ذاته.
في العقود المبرمة عن بعد – بخصوص التقديم المسبق للمعلومات وكذا احترام الآجال في التسليم وقبول المستهلك بشكل صريح بها فقد اعتبر المشرع حسب المادة 34 كل اتفاق مخالف لذلك باطلا وعديم الأثر. وهذا يمكن القول أن المشرع بتنصيصه على هاتين الحالتين فقط كان قاصرا إذ كان الأجدر أن يورد مادة شاملة أو نص عام يشمل كافة النزاعات الاستهلاكية التي يضع فيها على عاتق المورد عبء الإثبات.

رابعا :  تمتيع المستهلك بالخيار في الاختصاص القضائي 

أعطى قانون 08-31 للمستهلك وجمعيات حماية المستهلك خروجا عن الأصل العام القاضي برفع الدعاوى أمام محكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه ،[11]الحق في رفع دعواهم المدنية إذا تعلقت بنزاع بين المهني والمستهلك وفقا للمادة 202 أمام :
محكمة موطن أو محل إقامة المستهلك ،
محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في وقوع الضرر بل اعتبر المشرع كل شرط أو اتفاق يحرم المستهلك من هذا الخيار عديم الأثر وربطه بالنظام العام.

الفقرة الثانية : الصلاحيات المخولة للقضاء ولجمعيات حماية المستهلك بمقتضى قانون 08-31 :

سنتطرق في هذه الفقرة أولا  للصلاحيات الممنوحة للقضاء وثانيا للصلاحيات الممنوحة لجمعيات حماية المستهلك.

أولا : الصلاحيات المخولة للقضاء :

بخصوص الصلاحيات الممنوحة للقضاء فيمكن تناولها وفق الاتي:

أ – في الشروط التعسفية :
تنص المادة 19 من قانون 08-31 على انه يعتبر باطلا ولاغيا الشرط التعسفي الوارد في العقد المبرم بين المورد والمستهلك. حيث يبطل الشرط التعسفي ويبقى العقد صحيحا فاعتبر البطلان من النظام العام (المادة 20 من ق 08-31) فتثيره المحكمة من تلقاء نفسها. ويمكن للمحكمة وفقا للفصل 264 من ق ل ع من تعديله إما بالرفع منه إذا كان زهيدا أو الخفض منه إذا كان مرتفعا, وذلك بنسبة النفع الذي عاد به على الدائن من جراء تنفيذ هذا الشرط. وهناك ما يعزز هذا المبدأ كالمهلة القضائية التي تمنح للمتوقف عن دفع أقساط الديون .[12]

ب-  تأويل العقود لفائدة المستهلك :
بتمحيص قانون 08-31 يبدو انه كلما وجد شرط غامض أو مبهم يفسر لصالح المستهلك باعتباره الحلقة الأضعف في العلاقة التعاقدية ومنه ما جاء في المادة 9 بأنه في العقود المحررة كتابة التي تتضمن شروطا غير واضحة ومفهومة يفسر مدلولها بتأويل أفيد للمستهلك فالمادة 16 من القانون السالف الذكر أعطى للمحاكم حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفيا مع مراعاة الشروط الواردة في العقود الأخرى المرتبطة بالعقد الأصلي .بمعنى آخر أن هذا التفسير تراعى فيه الظروف المحيطة بالعلاقة التعاقدية.

ثانيا :  الصلاحيات المخولة لجمعيات حماية المستهلك

        بمقتضى قانون 08-31 أعطى المشرع لجمعيات حماية المستهلك حق تمثيل المستهلك أمام القضاء, لكن قرن ذلك بضرورة توفر شروط معينة بها حتى تكون لها الصفة والمشروعية وتتمثل فيما يلي ,مطابقة نظامها الأساسي النموذجي لجمعيات حماية المستهلك .أن تتوفر على القدرات المالية التي تمكنها من القيام بدورها بل يجب أن يكون تمويلها من المنخرطين والدولة.
وحسب المادة 152 من ق 08-31 فعلى جمعيات حماية المستهلك
وضع برنامج تكوين وتعليم المستهلكين .
تلقي شكاوى المستهلكين
إرشاد المستهلكين إلى القوانين والقواعد التي تحقق مصلحتهم
الحث على إصدار تشريعات لازمة لحماية المستهلكين , ومن اجل تحقيق أهدافها تعمل على إعلام المستهلكين عن طريق إعطاء دروس في المجال الصحي وشروط سلامة المنتجات الغذائية  عن طريق نشرات , بلاغات, مقالات صحفية ,
انجاز برامج تلفزيونية
إصدار الجرائد والدوريات الخاصة بالمستهلك.

المطلب الثاني: المحاور التي قصر فيها قانون 31.08 عن بلوغ الحدود الدنيا من الحماية الواردة في  ق.ل.ع

      ان التشريع الوضعي مهما سمت ارضيته ,و حاول ان يحيط بجميع الجوانب القانونية التي يتعلق بها نطاقه , فان تطبيقه على ارض الواقع هم المحك الذي تتعرى به بعض الجوانب التي تعتبر من قبيل الثغرات التي يسدها الاجتهاد القضائي, فمهما سما أي تشريع  و مهما سعى لان يحيط بكل الجوانب المتعلقة بتنظيم مجال ما ،فانه يستحيل ان يتسم بالكمال و التنزه عن النقصان .
       وهذا ما ينطبق من طبيعة الحال على قانون 31.08 ، اذ على الرغم من الاهمية التي حظي بها هذا القانون من طرف الفقه و القضاء على حد السواء ، واقيمت مجموعة من الايام الدراسية بغرض التعريف بأهم مضامينه  و الحقوق التي جاء بها لفائدة المستهلك .
الا انه عند التعمق في مضامين هذا النص الفتي نلاحظ انه تعتريه مجموعة من النقائص و التي سوف نتناولها بشيء من التفصيل .
لكن حسبنا في هذا المقام الاشارة بان الوقت لا زال مبكرا لتقييم النتائج النهائية لهذا النص التشريعي الهام ،فنحن امام مرحلة اولية للانبهار بمضمون هذا القانون الذي يشمل على الكثير من المحاور و الاقسام التي يحتاج كل منها الى عشرات الدراسات و المناظرات و الوقفات المتأنية لفهم و تحليل هذه المضامين في وقتها المناسب ، وفي انتظار صدور النصوص التنظيمية التي ستساهم في توضيح الكثير من الابواب التي يحيل عليها القانون 31.08 ، فإننا لن نتجاوز حدود الدراسة الافقية لهذا النص الهام في شكل قراءة اولية قد تنير الطريق امام المهتمين و الباحثين لتنظيم ايام دراسية معمقة لسبر اغوار هذا النص الذي يحمل في طياته الكثير من المفاجآت السارة التي كانت الى عهد قريب مجرد اماني عصية عن التحقق ، و الغير سارة التي سوف تتطلب تجديد النضال لسنوات اخرى و انتظار فرصة تشريعية اخرى مواتية.[13]
وقبل التطرق لجوانب القصور في قانون 08.31 ارتأينا ابداء ثلاثة ملاحظات اساسية اشارة اليها استاذنا العرعاري في المرجع الذي اشرنا اليه وكلها سلبية :

الملاحظة الاولى :  عدم التناسب المنهجي بين اقسام و محاور واجزاء قانون رقم 08.31
ذلك ان من بين الملاحظات التي يمكن تسجيلها بخصوص القانون الشار اليه اعلاه انه يفتقد الى الكثير من التوازنات الهيكلية من الناحية المنهجية ،فالصياغة المقترحة لهذا القانون  كعنوان توحي بان محتواه سيكون شاملا لكل مظاهر الحماية القانونية للمستهلك في كل القطاعات التي يكثر فيها الاقبال على التعاقد بشكل دوري و روتيني من اجل اشباع المستهلك لحاجياته المتجددة ،غير انه بالرجوع الى الشكل الهرمي لنص القانون 08.31  فإننا نلاحظ ان الاهتمام كان منصبا على بعض الموضوعات دون غيرها كما هو الشأن بالنسبة لموضوع الاستدانة الذي تناوله المشرع في القسم السادس من هذا القانون في ستة فروع بمجموع 77 مادة مخصصة للقروض الاستهلاكية و العقارية الذي شكل 37 في المائة من النص الاجمالي لهذا القانون.[14]
وما تبقى من النصوص فهي موزعة بين مظاهر الحماية في عقد البيع بمختلف مظاهره الحديثة ،كالبيع الحاصل عن بعد ،الذي يتم خارج المحلات التجارية ،والبيع بالتخفيض و تصحيح قواعد و احكام الضمان القانوني و الاتفاقي للعيوب الخفية و نقص المواصفات، وكل ما يتعلق بخدمات ما بعد البيع.

الملاحظة الثانية : الافراط في الاحالة على النصوص التنظيمية
بالاطلاع على مضمون القانون 08.31 يتبين لنا ان المشرع بالغ في سرد الحالات التي تتوقف على اصدار النصوص التنظيمية،[15] اللازمة لفهم محتوى المواد الاصلية ،واذا كانت هذه التقنية التشريعية مقبولة كوسيلة لتدارك الوقت الا ان التجارب القانونية السابقة اثبتت في الكثير من الحالات ان مسالة ارجاء اصدار النصوص التنظيمية لوقت لاحق  ماهي الا ربح الوقت وهروب الى الامام بإيجاد ذريعة لتعطيل مفعول النصوص الاصلية لكل ذلك فانه يجب الاسراع لإخراج هذه النصوص  التنظيمية لحيز الوجود حتى تكتمل الفائدة الفعلية من استصدار القانون 31.08.

الملاحظة الثالثة: الافتقاد لثقافة حماية المستهلك عائق جدي لفهم مضامين ق 31.08      
مع الاسف تعرف بلادنا تردي في ثقافة حماية المستهلك التي تستلزم عشرات السنين لبنائها حتى يكون المستهلك في مستوى النصوص التشريعية و التنظيمية المحددة لحقوق و التزامات الاطراف المعنية في القانون الاستهلاكي ، فبالاضافة الى الجهل و الامية التي تعاني منها معظم الشرائح الاستهلاكية بالمغرب كمعطى سلبي فإننا  نعتبر بان هدا الانزال التشريعي المفاجئ لقانون حماية المستهلك دفعة واحدة مع الاحالة على عشرات النصوص التنظيمية الازمة لفهم و استيعاب مضامين هدا القانون، قد لا يتناسب دلك كله مع الرصيد المحدود لثقافة حماية المستهلك المغربي، و مما عقد هدا الفهم أن معظم الابواب و الاقسام الواردة في القانون المشار اليه اعلاه صيغت بتقنية عالية تفوق امكانات الشخص المخاطب بها ، و هناك الكثير من الابواب التي خاطب فيها المشرع مستهلكا من نوع خاص عندما يتم التعاقد عن بعد باستعمال التقنيات الحديثة في التواصل وفقا لما هو منصوص عليه في ق 53.05 المتعلق بتبادل المعطيات بشكل الكتروني ، التي تتطلب مستوى عال من الثقافة التعاقدية .
وما قيل عن هذا النمط التعاقدي يقال ايضا عن عقود البيع او تقديم الخدمات بشكل هرمي [16] ،الذي يعتبر بمثابة اخر موضة عقدية يتم بها التحايل بإغراء المستهلكين بالحصول عل المنتوجات او السلع او الخدمات بالمجان او بسعر يقل عن قيمته الحقيقية ان هم ساهموا في جلب اكبر عدد من المستهلكين الاخرين بتزايد هندسي يساهم بدوره في الرفع من ارباح و مداخيل شركة او تجمع تجاري معين .[17]
-وتتمثل اوجه القصور ضمن محاور قانون 31.08 في أكثر من مظهر قانوني من ذلك :
·تناوله لبعض النظريات التي كان لها أصل في قانون الالتزامات والعقود إلا أن هذا التناول لم يكن في مستوى التطلعات التي انتظرها المهتمون بهذا القانون الأمر الذي يشكل خيبة أمل جديدة قد تستلزم تجديد النضال لعشرات السنين من أجل تحسين  مردودية هذه القواعد ورفعها إلى مستوى التطور الذي عرفه قانون حماية المستهلك على النطاق الواسع.
·إغفاله الكلي لبعض المحاور البارزة في مجال حماية المستهلك التي حملت القضاء في وقت سابق الكثير من المشقة والجهد لاستخلاص النوايا والتأويلات المناسبة للفصل في المنازعات المتعلقة بهذه الجوانب التي كان يتعين على الجهاز التشريعي استغلال الفرصة المتاحة له للفصل فيها برأي واضح  وصريح .

الفقرة الأولى :الموضوعات التي لم تنل حظها من التعمق والتوسع التشريعيين

    -هناك الكثير من المحاور التي قصر فيه القانون (31.08) عن بلوغ ما وصل إليه القانون  ل ع منذ ما يقارب المائة عام وسنكتفي بذكر نموذجين اثنين يتعلق الأول منها بنظرية استغلال الضعف والجهل لدى المستهلك والثاني يتعلق بنظرية الإمهال القضائي للمقترض المعسر الذي يتواجد في وضعية صعبة تبيح المحكمة إمهاله لبعض الوقت لسداد دينه .

أولا:نظرية استغلال الضعف والجهل لدى المسهلك :

      - لقد تناول القانون (31.08) نظرية  الإستغلال في المادة 59 على الشكل التالي "يقع باطلا بقوة القانون كل التزام نشأ بفعل استغلال ضعف أو جهل المستهلك مع حفظ حقه في استرجاع المبالغ المؤداة من طرفه وتعويضه عن الأضرار اللاحقة ".
-وبقراءتنا لمضمون هذا النص فإننا نستنتج ما يلي [18]:
(أ) أن موضوع استغلال المستهلك لم ينل حظه من العناية والاهتمام من طرف القانون (31.08) إذا تناوله بشكل عارض ضمن أبواب القسم الرابع المتعلق بذكر بعض الممارسات التجارية التي تستوجب حماية المستهلكين ضد المخاطر الناجمة عنها , فالمشرع عندما خصص لهذه النظرية مادة واحدة معزول عن غيرها
الإبقاء على مضمون العقد في حدوده الدنيا من غير الترتيب لأي عقوبة زجرية لردع الطرف المهني

ثانيا: نظرية الإمهال القضائي

    -إن نظرية الإمهال عن طريق القضاء ليست بالأمر الجديد في القانون (31.08) فهي منصوص عليها في الكثير من النصوص التشريعية ذات الطبيعة الموضوعية 424 والإجرائية 225 على حد سواء , وقد كان الهدف دوما من هذا المقتضى هو منح المدين فرصة إضافية تمكنه من تنفيذ الالتزامات التي تعهد بها إذا اعترضته بعض الصعوبات القانونية أو الواقعية وحالت دون تنفيذه لهذه الالتزامات في وقتها المحدد لها وفي الوقت الذي كانت الآمال معلقة على القانون (31.08) لتطوير وتوسيع نطاق الاستفادة من هذا الامتياز القضائي ليشمل كل الفئات الاستهلاكية في مجال العقود الإذعانية التي يتعذر فيها على هذه الفئات مقتضى نص فريد تناول فيه تنفيذ التزاماتها لأسباب اقتصادية واجتماعية تتجاوز إمكانيتهم المحدودة فغننا نلاحظ على العكس من ذلك أن القانون (31.08) كرس مرة أخرى سياسة التضييق بمقتضى نص فريد تناول فيه أحكام هذا الإمهال القضائي وأحاطه بالكثير من القيود التي تحول دون استفادة كل المستهلكين بمقتضياتهم .
    -وبقراءة مضمون المادة 149 من القانون الجديد فإننا نستنتج ما يلي :
1)أن المادة 149  المتعلقة بالإمهال القضائي وردت بخصوص عقود القرض الاستهلاكية والعقارية التي يجد فيها المقترض نفسه محاصرا بصعوبات غير متوقعة تمنعه من أداء الأقساط التي تعهد بها في وقتها المحدد لها , بسبب:
(1)-تعرض المقترض للفصل عن العمل أو الوظيفة
(2)-أو وجود حالة اجتماعية غير متوقعة تحول بينه وبين وفائه بالالتزامات المترتبة عن عقد القرض ففي مثل هذه الحالات يمكن لرئيس المحكمة المختصة أن يصدر أمرا لوقف تنفيذ الالتزامات الملقاة على عاتق المقترض ,وله أن يشير في هذا الأمر إلى عدم ترتيب المبالغ المستحقة على المدين لأي فوائد طيلة مدة الإمهال القضائي.
(ب) الاستفادة من الإمهال يجب أن لا يتجاوز فترة السنتين المواليتين لآخر دفعة كانت مقررة بمقتضى عقد القرض , ويمكن المحكمة أن يرجئ مسألة البث في كيفية التسديد الجديدة إلى غاية انتهاء أجل وقت التنفيذ الذي يراه مناسبا لتمكين المقترض من تدبير أموره  لاستئناف الأداء المنتظم لأصل الدين.[19]
(ج) لرئيس المحكمة أن يحدد في الأمر الصادر عنه الكيفية والطريقة التي يتعين على المقترض أن يسلكها لأداء أجل الإمهال القضائي .
(د) وإذا كانت مقتضيات المادة 149تقتصر على عقود القرض فإن التساؤلات ستبقى مطروحة بخصوص باقي العقود الأخرى التي يواجه فيها المدين (المستهلك) نفس الصعوبات التي أشارت إليها المادة 149.
-ورغم الإحالة الضمنية المنصوص عليها في مقدمة هذه المادة التي تقتضي بمراعاة مضمون الفقرة الثانية من الفصل 243 المتعلقة بمنح القضاة مهلة للميسرة للمدين الذي تعذر عليه تنفيذ الالتزام الذي تعهد به إلا أن تفويت المشرع لهذه الفرصة لتعميم حق الاستفادة من الإمهال القضائي على كل المستهلكين.
الذين يتواجدون في نفس الظروف التي يتواجد فيها الطرف المقترض قد يفتح على المشرع باب الانتقاد على مصراعيه من طرف الفقه والقضاء الذين سينتهزان لا محالة هذه الفرصة لإثارة المزيد من الجدل والنقاش حول المواضيع التي لم تنل حظها من العناية اللازمة أثناء صياغة هذا القانون الذي انتظره المغاربة لما يقارب ثلث القرن نت الزمان.

 الفقرة الثانية: الموضوعات التي أغفلها المشرع رغم أهميتها في مجال حماية المستهلك

    بالإضافة للجوانب الباهتة في القانون (31.08) التي لم تأخذ حقها من التعمق والتوسع فإن هناك بعض الجوانب الأخرى التي أغفلها القانون الجديد ولم يعرها اهتمام يذكر بالرغم من أنها تعتبر جزءا لا يتجزأ من المشروع الاستهلاكي الهادف لحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والصحة لطبقة المستهلكين ببلادنا .
فقد سبق وقلنا بأن الاهتمام كان منصبا على الحماية المتعلقة بعقد القرض بمختلف أنواعه الذي استحوذ على (37 بالمائة) من نصوص هذا القانون في الوقت الذي لا يشكل فيه هذا العقد سوى واحدا من العقود الإذعانية التي ما فتئت تتنامى بتنامي التكتلات الاقتصادية التي تملك الاحتكار اللازم لإخضاع الفئات الاستهلاكية في مجال العقود النموذجية التي تقل أو تنعدم فيها المنافسة كعقود النقل الجوي والسككي وبعض عقود التأمين إذ لا زالت الدولة تحتكر استغلال وتسيير هذه المرافق الاقتصادية بكيفية مباشرة أو غير مباشرة وبانعدام المنافسة الفعلية تتقلص كل الضمانات الكافية لحماية المستهلك .
-وما قيل عن العقود المشار إليها أعلاه يقال أيضا عن العقود المرتبطة بالحق في الصحة 426 التي أصبحت تتزايد يوما  بعد يوم الأمر الذي تسبب في نشوء كيان استهلاكي جديد للأدوية والخدمات الطبية يحتاج لحماية استثنائية خاصة وهو ما لم تشر إليه نصوص القانون (31.08) أصلا [20] .
 - وفي الوقت الذي تناول فيه هذا القانون بعض المستجدات المتعلقة بضمان عيوب الأشياء المعيبة من الناحيتين القانونية والاتفاقية وخدمات ما بين البيع 427 فإنه كان يتعين عليه أن يتمم هذه المهمة بعرض مختلف المسؤوليات التي يتحملها المهني سواء كان صانعا أو تاجرا أو موردا عن سوء ترويجه لبعض السلع والمواد الخطرة التي تضر بصحة المستهلك أو تلك التي تعرض سلامته للخطر في الحال أو الاستقبال, وهذا ما ينطبق على الأضرار البيئية والأضرار النووية 428 وترويج المواد القابلة للانفجار التي  يكون فيه المستهلك واحدا من الأشخاص المتضررين 429 ,وإذا كان القانون (31.08) قد اعتبر الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية غير المتوقعة سببا يبرر إمهال المقترض المدين قضائيا فإنه كان يتعين تعميق كل مظاهر الحماية التي تصب في هذا الاتجاه لتشمل كل الحالات الطارئة التي تجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للطرف المدين خصوصا في الحالات التي يكون فيها هذا الأخير مستهلكا ولو تبنى القانون الجديد هذا النهج التشريعي لقدم بذلك خدمة جليلة لجهاز القضاء الذي تحمل من المشقة على مدار عقود من الزمن في البحث عن الحلول الملائمة لإعادة التوازن للعلاقات العقدية التي يعاني فيها الطرف المدين من تبعات هذا الإرهاق وذلك نتيجة لوجود فراغ تشريعي واضح في قانون الالتزامات والعقود بخصوص هذه المسألة ,وقد كان بودنا أن يأخذ هذا القانون زمام المبادرة لسد هذا الفراغ الذي عانى منه ق م لما يناهز 100 عام.[21]
الالتزامات والعقود بخصوص هذه المسألة, وقد كان بودنا أن يأخذ هذا القانون زمام المبادرة لسد هذا الفراغ الذي عانى منه ق م لما يناهز 100 عام.

الخاتمة

       يمكن القول في نهاية هذه الدراسة، أن القانون 31.08 يعتبر من أبرز القوانين التي استجاب فيها المشرع لضغوطات العولمة التي فرضت عليه التحلي باليقظة و نقض غبار الجمود الذي طبع حركته التشريعية لسنوات طويلة، وذلك بإصداره قوانين اقتصادية و اجتماعية اقل ما يقال عنها أنها يجب أن تكون في مستوى لائق و ذا جودة عالية كشرط مسيق لتأهيل المغرب للاندماج في بوثقه الاتحاد الاوربي.
     أما بالنسبة للصياغة التي أنتجها المشرع عندنا فقد لا تكون الصياغة المثالية التي تناسب حجم و مستوى المستهلك المغربي الذي ينقصه الكثير من عناصر التأهيل لفهم الثقافة التي ينوي المشرع ترويجها عن طريق قانون حماية المستهلك و بالتالي لكي نفهم مضامين هذا القانون من الناحية العلمية و العملية معا فإننا قد نحتاج لمزيد من الوقت من أجل اشاعة ثقافة المستهلك و تنمية الدور الذي تقوم به جمعيات حماية المستهلك المعترف لها بالمصلحة العامة في هذا المجال.
   و اذا كان المستهلك ملكا في اطار التشريعات التي قطعت اشواطا بعيدة في مجال حماية المستهلك، فان هذا الاخير عندنا  قد يكون في الوقت الراهن عبدا مملوكا يحتاج لكثير من الوصاية و الدفع لرفع مستواه حتى يفهم الحقوق و الالتزامات التي يكفلها له القانون 31.08 هدا ما تيسر اعداده و تهيئ ايراده [22]

---------------------------------------------------------------------------
1  يوسف الزوجال : مقالة بعنوان "المفهوم القانوني للمستهلك" دراسة تحليلية مقارنة على ضوء القانون رقم 31.08 سلسلة دراسات وأبحات العدد 4 حماية المستهلك ص33
2 الدكتور عبد القادر العرعاري :وجهة نظر خاصة في القانون المدني المعمق بين الفقه والقضاء المقال بعنوان :" أسطورة الحماية القانونية للمستهلك في النظام التشريعي المغربي ص 62 و 63 .
3 عبد القادر العرعاري مقالة بعنوان  : قراءة انطباعية أولية بخصوص القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك سلسلة دراسات و أبحاث العدد 4 ص  12
4 محمد شيلح سلطان الإرادة في ضوء ق ل ع أسسه و مظاهره في العقد رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص الرباط 1983 ص 121[4]
5 عبد الرزاق السنهوري الوسيط في القانون المدني المجلد الأول ص 157[5]
6 مأمون نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات و العقود المغربي الجزء الثاني أوصاف الالتزام و انتقاله و انقضاءه  1970 ص 595
7عبد الرحمان الشرقاوي , القانون المدني , دراسة حديثة للنظرية العامة للالتزام على ضوء تاثير المفاهيم الجديدة للقانون الاقتصادي, ص 77
8 المادة 5 من القانون 08-31
9 المادة 21 من قانون 08-31
10  د عبد القادر العرعاري , حماية المستهلك ..., مجلة القضاء المدني ص 16-17 الطبعة الاولى دفاتر الايام الدراسية القانونية للماستر , العدد 1 كلية الحقوق اكدال , ص 2
11 ادريس الفاخوري – حماية المستهلك من الشروط التعسفية ح م ق ق عدد 3 يونيو 2001, ص 77
12 دفاتر الايام الدراسية القانونية للماستر , العدد 1 كلية الحقوق اكدال , ص 2
13 مقتطف من مقال الدكتور عبد القادر العرعاري منشور بمجلة القضاء المدني -العدد 4- حماية المستهلك الصفحة 12[13]
14مقتطف من مقال الدكتور عبد القادر العرعاري منشور بمجلة القضاء المدني -العدد 4- حماية المستهلك الصفحة 13 [14]
15 هناك ما يناهز 13 حالة تستوجب استصدار نصوص تنظيمية لفهم مضامينها وقد اشار المشرع الى هذه الحالات في المادة 197 من ق 08.31  
[16] انظر المادة 58 من قانون حماية المستهلك.
[17] مصادر الالتزام الكتاب الاول طبعة 2013 صفحة 314 الدكتور عبد القادر العرعاري  
[18] عبد القادر العرعاري، م.س، ص 16 
[19] عبد القادر العرعاري، م.س، ص 17
[20] عبد القادر العرعاري، م.س، ص 19
[21] عبد القادر العرعاري، م.س، ص 20.
[22] عبد القادر العرعاري، م.س، ص 22.
------------------------------------------------------------------
مواضيع أخرى ذات صلة:
  •  دور الجمعيات في حماية المستهلك.
  • حماية المستهلك في القانون الفرنسي والمغربي.
  • هل اعجبك الموضوع :

    تعليقات