القائمة الرئيسية

الصفحات

دور الجمعيات في حماية المستهلك


دور الجمعيات في حماية المستهلك

التقديم:


 يعتبر من الحقوق الدولية الأساسية للمستهلك الحق في تمثيله حين اتخاذ القرارات المتعلقة به والحق في الدفاع عن مصالحه من خلال جمعيات حماية المستهلك المنشأة بوجه قانوني سليم(1). 
يمكن تعريف  الجمعية بصفة عامة بأنها عبارة عن اتفاق يهدف إلى تحقيق تعاون  مستمر بين  شخصين أو  أكثر لاستخدام نشاطهم أو  معلوماتهم لغاية غير توزيع  الربح، وحددت المادة 152 من  القانون الجديد  لحماية المستهلك (2) أهداف  جمعيات حماية  المستهلك عندما نصت  على  انه"تتول جمعيات  حماية  المستهلك المؤسسة والعاملة وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري  بها  العمل المتعلقة بحق  تأسيس الجمعيات أن  تتولى الإعلام والدفاع  والنهوض بمصالح  المستهلك وتعمل على  احترام أحكام هذا القانون ".
وتلعب جمعيات حماية المستهلك دورا رياديا وفاعلا في الدفاع عن مصالح جمهور  المستهلكين ،حيث أصبحت من  جماعات الضغط الاجتماعي سواء على المشرع الذي كثيرا ما دفعته إلى تبني سياسة حمائية ، كما شكلت أيضا مجموعة   ضغط على المهنيين من خلال الأساليب أو  الطرق التي سلكتها لحماية المصلحة الجماعية  للمستهلكين ،وذلك من خلال الدعاية المضادة ضد  المشروعات التي تلحق الضرر بالمستهلكين أو  من خلال الامتناع عن  الشراء أو  مقاطعة  بعض المنتوجات أو الخدمات وأخيرا من خلال الامتناع عن دفع  ثمن المنتوج  أو  الخدمة(3). 
وترجع أهمية تمثيل الجمعيات المعترف بها للمستهلكين أمام القضاء للدور الذي تلعبه هذه الأخيرة في حفظ حقوق المستهلكين.
الذين يفتقدون في الغالب للخبرة والتجربة والذين كثيرا ما  يترددون في  رفع  الدعاوى  في  مواجهة  المهنيين إما  اقتناعا منهم  بان  الشروط  الواردة في  العقد  هي  تنظيمية  بمثابة   قانون لا  يمكن  الطعن  فيها أو  لعدم  جدوى  اللجوء إلى القضاء  إما لتفاهة محل  العقد أو  لضخامة  المصاريف القضائية  ومصاريف  الدفاع أو لبطء إجراءات  التقاضي .
كما تلعب هذه الأخيرة دورا مهما  في  إعلام المستهلكين بحقوقهم وتربيتهم وتوجيههم في ميدان  الاستهلاك عن  طريق  النشرات التي  تصدرها ،كما  يمكنها  أن تشارك في إعداد وتطبيق السياسة الوطنية  للاستهلاك ، وتأطير الحوار بين أطراف العملية الاستهلاكية وممثلي السلطات العامة ،وأيضا إبداء  الاقتراحات  والآراء بخصوص مشاريع ومقترحات القوانين وكذا كل التدابير المتعلقة بضمان وتحسين حماية المستهلكين.
يتبين من  كل  ذلك أن  لجمعيات حماية المستهلك دور  فعال ومهم في تاطير المجتمع  المدني وتحسيسه بحقوقه والدفاع  عن  مصالحه في  حالة  المس  بها، لكن  نجد أن  هذه الجمعيات تواجه عدة اكراهات وصعوبات في مجال  عملها .
فإلى  أي  حد استطاعت هذه  الجمعيات أن  تلعب دورا فعالا في  تأطير وحماية المستهلك رغم  تعقد وهشاشة المجتمع المغربي ؟
وهل  تتوفر جمعيات حماية المستهلك على  الميكانيزمات والآليات من اجل القيام بالدور  المنوط بها؟
لمعالجة هذا الموضوع سنعتمد التقسيم التالي:


المبحث الأول: جمعيات حماية المستهلك والحماية التي تقدمها.



لقد عرف العصر الحاضر نشاطا كبيرا لحركة حماية المستهلك، وبرز هذا النشاط في تكوين الجمعيات وإقامة المؤتمرات والضغط على الحكومات للظفر بمكاسب جديدة لصالح المستهلكين، سواء بإصدار القوانين أو توسيع دائرة اختصاص هذه الجمعيات وتخويلها صلاحية المراقبة والتفتيش.

وعلى غرار التجربة الفرنسية فان المغرب في مجال إنشاء هذا النوع من الجمعيات التي تهتم فقط بقضايا الاستهلاك فضلا عن أخرى جعلت من بين أهدافها المتعددة الاهتمام بهذه القضايا 

وإذا كانت هذه الجمعيات تبررها عدة أسباب لإنشائها فإنها تواجه على مستوى الواقع عدة عراقيل تحد من قوتها.

 المطلب الأول: جمعيات حماية المستهلك بالمغرب.

لا  شك أن  التكتل داخل جمعيات حماية  المستهلك والدفاع عنه  سيكون  له الدور الكبير في تحقيق فعالية ونجاعة هذه الجمعيات في  مواجهة الصناع المنتجين والتجار الحرفيين، خاصة أن هؤلاء يشكلون لوبي ضاغط على  معظم أجهزة الدولة، وإذا كان ظهورها جاء متأخرا بالمقارنة مع  النقابات والأحزاب والمنظمات غير الحكومية.
ورغم  أن  المغرب  شهد تأسيس  الجمعية  الإسماعيلية لضحايا الزيوت السامة سنة 1964بمكناس ،وجمعية المستهلكين بطنجة سنة 1979 فإن الجمعية  المغربية لحماية المستهلك المؤسسة سنة  1980 أول  جمعية ذات صدى على  المستوى  الوطني حيث وضعت هذه الجمعية عشرة أهداف تسعى  من  خلالها إلى  جعل  أسعار المواد  الأولية قارة تابعة  لتسعيرة  واحدة وتمكين المستهلك من  جودة  السلع والخدمات ... وعملت لتحقيق هذه الأهداف بوضع خطة عمل تتمثل في  القيام بدراسات وإعداد تقارير،تنظيم معارض تجارية تعرض المنتوجات ذات جودة وثمن معقول غير إن  هذه الجمعية توقفت عن  العمل بعد  شهور من  تأسيسها وقد ارجع  بعض الباحثين هذا الفشل إلى تشجيعها من  قبل السلطات العمومية وقلة الإمكانيات.
ورغم  غياب أية  محاولة ثانية في مجال إنشاء هذا  النوع من  الجمعيات وبعد مدة  تناهز 13 سنة برزت إلى  الوجود الجمعية  المغربية للمستهلكين سنة 1993 بالدار  البيضاء والتي شكلت نقطة التحول  الجذري في  هذا  النوع   من الجمعيات ،حيث رفضت مساعدة البنك  الدولي ومؤسسات عدة  رغم قلة مواردها من اجل  الحفاظ على استقلاليتها وقد جعلت نشاطها قائم على ثلاثة خطوات.
الخطوة 1: ضرورة توعية المستهلكين بحقوقهم والقوانين التي تحميهم.
الخطوة 2:ربط حوار  مع المنتخبين وتحسيسهم بالتزاماتهم القانونية .
الخطوة3:ربط  حوار مع السلطات العمومية المسؤولة وتسطير سعيها نحو التمكن من رفع دعاوى قضائية للدفاع حتى عن غير المنخرطين. 
وقد تمكنت الجمعية بجديتها ومثابرتها من كسب احترام الإدارة والفاعلين الاقتصاديين، واستطاعت ضمان حضورهم في كل الندوات والموائد المستديرة التي نظمتها لتحقيق أهدافها كما قدمت دراسات وأبحاث في موضوع الاستهلاك، هذا ما أهلها لأن تصبح عضوا في المنظمة العالمية للمستهلكين.
وقد لعبت أنشطة هذه الجمعية دورا مشجعا لفعاليات المجتمع المدني الذي اتجه نحو تكوين هذا النوع من الجمعيات بشكل يغطي ولايات المغرب.
كما لا يخفى على المهتمين بالموضوع الدور الذي لعبته العصبة الوطنية لحماية المستهلك التي تأسست سنة 1996 بمكناس ،حيث أعطت أهمية بالغة للتعاون مع المهنيين والسلطات عن طريق خلق عدة فروع بمجموع التراب الوطني والمشاركة في  عدة تظاهرات وملتقيات وبرامج إذاعية وتلفزية لتسليط  الضوء على مجال  الاستهلاك .كما برزت في هذا الإطار الجمعية لحماية  وتوجيه المستهلك  التي تأسست سنة 1997بالقنيطرة التي  أعطت أهمية لنظافة المواد  الاستهلاكية وقامت بتوفير حماية جد  واسعة للمستهلك ،وكذا  جمعية حماية  المستهلك بشفشاون سنة 1998،جمعية حماية المستهلك بالقصر  الكبير سنة 2000،جمعية نادي  تطوان أسمين لحماية المستهلك سنة 2001 ولتحقيق نفس  هدف هذه  الجمعيات تأسست جمعيات أخرى أخذت على  عاتقها حماية المستهلك المستعمل لمنتوج أو خدمات معينة كالجمعية المغربية لضحايا القروض  بالرباط سنة 2000،والتي تشترك في إطار نفس الهدف مع  الجمعية المغربية لمستعملي الخدمات البنكية وهو حماية مستعملي البنوك والاهتمام بمعدل الفائدة فضلا عن حمايته من  العقود  البنكية الإذعانية ومحاربة ظاهرة توقيع عقود بنكية على  بياض خاصة أن هذا النوع من  الجمعيات عبارة عن تكتل للضحايا الذين تضرروا من  طلبهم للقروض والسلفات التي  تتكلف بتقديمها شركات  متخصصة .
أيضا  تم  تأسيس المنتدى  المغربي  للمستهلك  وهي  جمعية مدنية اجتماعية مستقلة تأسست سنة2004 بالرباط هدفها توعية المستهلك بحقوقه وواجباته وتقديم  الاقتراحات للسلطات الحكومية بكل ما  من  شانه المساهمة في تطوير الأنظمة المتعلقة بالمستهلك وتسوية النزاعات الاستهلاكية بالطرق  الودية كالوساطة   والتحكيم وإجراء الدراسات والبحوث حول السوق  والاقتصاد والاستهلاك.
إلى  جانب هذه  الجمعيات المختصة بحماية  المستهلك قامت  أخرى لها أهداف متعددة من  بينها حماية  المستهلك ،ولا تختلف هذه  الأخيرة عن  مثيلاتها السابقة  سوى أن  أهدافها لا تنحصر في هذا النطاق وإنما ترمي حماية عدة مصالح اجتماعية واقتصادية مهنية معينة ويبرز بهذا الخصوص جمعية حماية  المستهلك والمحافظة على  البيئة  بوجدة وجمعية الإنصاف بحي  الرياض  بالرباط وجمعية فضاء التعاون والتضامن ببني ملال ،وجمعية اطلس سايس والتي أعدت برنامج لتدعيم القدرات المؤسساتية والعملية لجمعيات حماية  المستهلك وهو  برنامج يحضى بتمويل اللجنة الأوربية على  مدى ثلاث سنوات بعد  إطلاقه  في  أكتوبر 2005.

المطلب الثاني:مظاهر حماية المستهلك من قبل الجمعيات

تقوم الجمعيات بحماية المستهلك ورعاية مصالحه وذلك عن طريق تحسين جودة السلع وفرض أمانها، وتزويده بالمعلومات ونشر الوعي الاستهلاكي بين كل أفراد المجتمع.
1) بالنسبة لتحسين جودة السلع 
تلعب جمعيات حماية المستهلك دورا هاما في تحسين جودة السلع وذلك عبر مجموعة من التدابير من قبيل:
+ مطالبة الجهات المختصة بإشراك ممثليها في اللجان الفنية والتنفيذية لوضع المواصفات، وحث دوائر المواصفات و المقاييس للاسترشاد بمواصفات المنظمات الدولية والإقليمية.
+ عقد ندوات تحسيسية حول الجودة وتنظيم خيمات الإنصات للمستهلك، كما تسعى لإصدار بعض المواصفات للسلع المعلبة و أحجامها، وتطالب باتخاذ مواصفات خاصة بالغداء، الأوزان والمقاييس، كما تراقب التزام التجار بالأسعار المكتوبة على السلع المسعرة من الدولة كي تضمن عدم الغش.
+ مطالبة منتجي الأدوية بتبرير تفاوت أسعار الأدوية، ومراقبة الإعلان عنها بالإضافة إلى استصدار قوانين تتعلق بالجودة وذلك عن طريق النشر والإعلان عن حالات أدت إلى مخاطر ومساوئ نتيجة عدم وجود مثل هذه القوانين.
والاهم أن هذه الجمعيات تقوم بمساعدة الحكومة على رفع نوعية ومستوى جهاز الرقابة والتفتيش، حيث تضم كفاأت فنية وعلمية على مستوى عال، وتطالب بوجود قوانين صارمة تعاقب المخالفين للمواصفات الإلزامية أولا، ثم بوضع رقابة اشد على الأوزان، المقاييس وأنواع العدادات لضبط الغش ثانيا(4). 
2) بالنسبة لفرض أمان السلع
يبرز دور الجمعيات هنا في فرض مواصفات الأمان والتحذير من خطر السلع حيث تقوم بالسعي لاستصدار قانون لسحب السلع الخطيرة من السوق، وتحمل المنتج والمقاول والمستورد مسؤولية أمان السلع عند استعمالها بالطرق المقترحة.
 وتتعاون جمعيات حماية المستهلك بإعلام بعضها البعض عن السلع الخطيرة فمثلا يستخدم المكتب الأوربي لاتحادات المستهلكين تحذيرا باسم الانتربول يعلم السلطات بالسلع الخطيرة، كما تسعى لاستصدار مجموعة قوانين تقتضي التشديد على وضع المعلومات الدقيقة على السلع الجيدة والمفيدة والتي قد تكون في نفس الوقت خطيرة في حالة استعمالها بطريقة خاطئة وكذا تحدد الجمعيات مواصفات الأمان و متطلبات معينة لكل سلعة خطيرة ، كالأجهزة الكهربائية والسلع التقنية و الكيماوية و الأدوية على أن تكون هذه المواصفات مطابقة للمواصفات الدولية كي يطمئن المستهلك إلى السلع المحلية(5). 
فغياب مواصفات واليات الفحص المختبري يشكل خطورة على صحة المستهلك مع دخول أسواق العالم العربي ومن بينها أسواق المغرب في مرحلة جديدة من تبادل السلع العالمي، يفرض على الأسواق المحلية فتح أبوابها لدخول السلع ورفع عوائق الجمارك أو الضرائب أو أية عوائق أخرى تحول دون وصولها للمستهلك(6). 
3) دور الجمعيات في نشر الوعي الاستهلاكي
فالمقصود بالوعي الاستهلاكي إعداد المستهلك وتزويده بمهارات و مبادئ ومفاهيم ضرورية للمعيشة كي يصبح مشتريا واعيا ويستفيد من موارده أقصى استفادة، حيث يتمكن من إدراك عدة اختيارات هامة أمامه ويميز بين رغباته واحتياجاته ، فعليه أن يقرر أولا إن كان هو أصلا بحاجة إلى سلعة،وكم تساوي قيمتها بالنسبة لدخله لاقتنائها.
فالمستهلك عامة يتخذ قراراته نتيجة عادات و تقاليد، ويتأثر يوما بعد يوم بوسائل الإعلام من راديو،تلفزيون،صحافة،مسرح،سينما وغيرها...،أثناء صرفه لدخله لذلك فهو بحاجة إلى ثقافة عامة عن السوق التجاري وعن القوانين التي تحمي المستهلك والمؤسسات التي تخدمه وحقوقه الشرعية ،وبحاجة إلى معرفة المواصفات والجودة والقدرة على فهم المصطلحات الفنية التي يستعملها المنتجون، إضافة إلى الوعي بالدعاية الكاذبة التي ينشرها بعض التجار ومعرفة بالخدمات العامة والقدرة على تقييم حاجاته اليومية، وبحاجة كذلك لتلقي المشورة و الإرشاد في ترتيب الأولويات من احتياجاته والى ثقافة تدور حول مساهمة المستهلك نفسه في المجتمع الذي يعيش فيه.
فالوعي الاستهلاكي الذي تسعى جمعيات حماية المستهلك إلى نشره يتم عبر مجموعة من الوسائل الإعلامية لضمان وصول الخبر إلى اكبر عدد ممكن من الأفراد منها:المجلات والجرائد والإعلام السمعي البصري...

المطلب الثالث: العراقيل التي تعترض جمعيات حماية المستهلك

تعددت العراقيل التي تحول دون أداء جمعيات حماية المستهلك لدورها المنشود الذي تأسست من اجله وتتنوع هذه العراقيل بين العراقيل ذات الطابع المالي وأخرى ذات الطابع القانوني.
العراقيل ذات الطابع المالي:
 كون الموارد التي تعتمد عليها هذه الجمعيات على ارض الواقع لا تتعدى مساهمات منخرطيها ، الشيء الذي أدى إلى عدم استمرارية معظمها أو فقدان بعضها لمراكزها الاجتماعية، و بالتالي لابد من اقتراح موارد مالية قارة تستفيد منها كل جمعية أخذت على عاتقها هذه المهمة بشكل جدي، خاصة وانه من الناحية الواقعية يلاحظ غياب تفعيل حق الجمعيات في الحصول على الإعانات العمومية المنصوص عليها في الفصل 6 من ظهير تأسيس الجمعيات، فتحديد موارد مالية قارة لها هو السبيل الوحيد لنجاحها وذلك بالنظر للمصاريف التي يتطلبها رفع الدعاوي أمام القضاء فضلا عن الأعباء المادية التي تنتج عن الأنشطة التي تعمل على تنظيمها والتي غالبا ما تتجاوز قدرة المنخرطين على تغطيتها(7)، وهذا ما جعل بعض الجمعيات الاستهلاكية بفرنسا تطالب بفرض رسوم ضريبية على عائدات الإشهار والإعلانات التجارية وتخصيصها لتمويل أنشطة الجمعيات في الدفاع عن مصالح المستهلكين ، كما يقترح البعض (8) أن يكون المستهلك في حد ذاته مصدرا لهذه الموارد كما لو فرضت على سبيل المثال رسوما على فاتورة الهاتف النقال، لتستفيد منه بشكل مباشر جمعيات حماية المستهلك، مما يجعل المستهلك مساهما في وضع نظام حمائي له،مادام أن هذا المورد يساهم في انتقال هذه الجمعيات من المرحلة الأولية إلى مرحلة تحقيق أهدافها.
أمام هذه الانتقادات ذهب المشرع في القانون رقم 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك في مادته 156 إلى النص على إنشاء صندوق وطني لحماية المستهلك، وجعلت من بين أهدافه دعم جمعيات حماية المستهلك المؤسس طبقا لأحكام القانون المذكور.
كما أعطى المشرع مهمة الإشراف وتدبير الصندوق المذكور للوزارة المكلفة بالتجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة وجعل موارده المالية تتكون من:
1) مخصصات من الميزانية العامة       
2) نسبة من الغرامات المحصلة من النزاعات التي تم البث فيها بمقتضى القانون الجديد لحماية المستهلك 
3) التبرعات أو الهبات التي يتم منحها للصندوق  
أي موارد أخرى يحصل عليها بشكل قانوني.
يبقى مع ذلك إشكال تمويل جمعيات حماية المستهلك قائما لحد الساعة لان الصندوق المشار إليه في المادة 156 لم يتم إنشاءه لعدم صدور المرسوم المنظم لتسيير الصندوق وتدبير ماليته ونسبة الغرامات وطبيعة الموارد المخصصة له.
إضافة إلى ذلك أن موارد الصندوق لا تخصص فقط لتمويل جمعيات حماية المستهلك ،وإنما تخصص كذلك لتمويل الأنشطة و المشاريع الهادفة إلى حماية المستهلك وتطوير الثقافة الاستهلاكية ، وبالتالي فان المشرع لم يحدد النسبة الخاصة بجمعيات حماية المستهلك مما سيترك المجال للسلطة التقديرية للوزارة المكلفة بتحديد هذه النسبة مما قد يؤدي إلى تخصيص نسبة ضئيلة لهذه الجمعيات.

العراقيل ذات الطابع القانوني:

بالرجوع إلى المادة 157 من قانون حماية المستهلك نجدها تقضي بأنه للجامعة الوطنية و لجمعيات حماية المستهلك المعترف لها بصفة المنفعة العامة فقط الحق في رفع دعوى قضائية أو التدخل في دعاوي جارية، أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق للدفاع عن مصالح المستهلك والحصول على التعويضات عن الضرر اللاحق بالمستهلك.
في حين علق المشرع حق جمعيات المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة والتي يكون غرضها حصريا هو حماية المستهلك في ممارستها للحقوق المذكورة أعلاه الحصول على إذن خاص بالتقاضي من الجهة المختصة وحسب الشروط التي يحددها نص تنظيمي،وهذا ما جعل البعض يتساءل حول الرغبة في قطع الطريق عن هذه الجمعيات لتفعيل دورها في تحقيق حماية المستهلك عن طريق اللجوء إلى القضاء ، حيث يعد ذلك من قبيل الانصياع للضغوطات الممارسة من طرف اللوبي الاقتصادي الوطني و الإكراهات التي فرضتها السياسة الاقتصادية العالمية في إطار ما يسمى بالعولمة(9). 
إذن هذه كلها عراقيل تساهم في عدم قدرة جمعيات حماية المستهلك على توفير الحماية الفعالة للمستهلك، مما قد يؤدي إلى فقدان مصداقية هذا النوع من الجمعيات لدى المواطن المغربي.

المبحث الثاني: تمثيل جمعيات حماية المستهلك أمام القضاء في التشريع المغربي


خول قانون 31.08 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك لجمعيات المستهلكين المعلن أنها ذات منفعة عامة، أن تنصب طرفا مدنيا أو أن تحصل على تعويضات عن الضرر اللاحق للمستهلكين.
من اجل دراسة تمثيلية جمعيات حماية المستهلكين أمام القضاء التعرض أولا لشرط المنفعة العامة كشرط وحيد وضعه المشرع لاكتساب هذه الصفة، وكذلك للحصول على وكالة من طرف المستهلكين.

المطلب الأول:شرط المنفعة العامة 

نصت المادة 9 من ظهير 85/11/15 المتعلق بتنظيم حق تأسيس الجمعيات كما تم تتميمه وتعديله فيما بعد، خاصة بموجب القانون الجديد رقم 75.00، على أن كل جمعية باستثناء الأحزاب السياسية والجمعيات ذات الصبغة السياسية يمكن أن يعترف لها بصفة المنفعة العامة بمقتضى مرسوم بعد أن تقدم طلب في الموضوع وتجري السلطة الإدارية بحثا في شان غايتها ووسائل عملها.
يجب أن يتم الرد عليه بالإيجاب أو الرفض معللا في مدة لاتتعدى ستة أشهر تبتدئ من تاريخ وضعه لدى السلطة الإدارية المحلية،وتحدد الشروط اللازمة لقبول طلب الحصول على المنفعة العامة بنص تنظيمي.
ويجب على كل جمعية تطلب أن تعترف لها بصفة المنفعة العامة حسب المرسوم الصادر بتاريخ 10 يناير 2005 (10).
+ أن تكون مؤسسة طبقا لأحكام الظهير الشريف الصادر بتاريخ 15 نوفمبر 1958 وان تكون مسيرة وفقا لنظامها الأساسي.
+ أن تتوفر على القدرات المالية التي تمكنها على وجه الخصوص من انجاز المهام المحددة في نظامها الأساسي والتي تكتسي طابع المصلحة العامة.
+ أن يكون لها نظام أساسي ونظام داخلي يضمن لكل أعضائها المشاركة الفعلية في تدبير الجمعية وإدارتها وممارسة المراقبة بصفة دورية، ويحدد بشكل صريح دور أعضاء أجهزتها التداولية ومهامهم، وكذا تواريخ عقد جمعها العام وجدول أعماله.
+ أن يكون لها هدف له طابع المصلحة العامة على الصعيد المحلي أو الجهوي أو الوطني. 
+ أن تمسك محاسبة تسمح بإعداد قوائم تركيبية تعكس صورة صادقة عن ذمتها ووضعيتها المالية ونتائجها وفقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل.
+ أن تحترم الالتزام بتقديم المعلومات المطلوبة والخضوع للمراقبة الإدارية المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.

الفقرة الأولى:مسطرة الإيداع والبحث بشان منح صفة المنفعة العامة
أولا:إيداع الطلب

يجب أن يودع رئيس الجمعية أو الشخص المؤهل لهذا الغرض مقابل وصل طلب الاعتراف بصفة المنفعة العامة لدى العامل الذي يوجد في دائرة نفوذه مقر الجمعية، مرفقا بالوثائق و المستندات التالية:
+ نسخة من الوصل النهائي لإيداع ملف تأسيس الجمعية.
+ نسختين من النظام الأساسي والنظام الداخلي للجمعية يكونان محينين،وعند الاقتضاء بيان أماكن مقراته. 
ءنسختين من قائمة الأعضاء المسؤوليين عن إدارة الجمعية مع الإشارة إلى جنسيتهم ومهنهم ومحل إقامتهم ونسخة من وصل آخر تجديد لمكتب الجمعية. 
+ تقرير عن أنشطة الجمعية يبين انجازاتها منذ إحداثها ،وعند الاقتضاء برنامج عملها التقديري للسنوات الثلاثة القادمة.
ألقوائم التركيبية لذمة الجمعية ووضعيتها المالية ونتائجها وكذا قيمة الممتلكات المنقولة وغير المنقولة التي تمتلكها الجمعية والتي تعتزم امتلاكها مستقبلا.
+ نسخة من مصدر مداولات الجهاز المختص في الجمعية الذي يأذن بتقديم طلب الاعتراف بصفة المنفعة العامة لفائدة الجمعية المعنية، مصحوبة بقائمة الأعضاء الحاضرين.
ويجب أن تكون الوثائق والمستندات المشار إليها أعلاه مشهودة على مطابقتها للأصل. 

ثانيا: مسطرة البحث

يجري العامل بحثا مسبقا حول أهداف الجمعية المعنية ووسائل عملها داخل اجل أقصاه ثلاثة أشهر ابتداء من تاريخ إيداع طلب الاعتراف بصفة المنفعة العامة.
يوجه العامل طلب الاعتراف بصفة المنفعة العامة إلى الأمين العام للحكومة مرفقا بالمستندات والوثائق، ومصحوبا بنتائج البحث وبتقييمه حول صبغة المصلحة العامة للجمعية.

الفقرة الثانية:مسطرة البث في الطلب وصدور المقرر
أولا:مسطرة البث في الطلب

يحيل الأمين العام للحكومة ملف الطلب إلى الوزير المكلف بالمالية وكذا السلطات الحكومية المعنية بأنشطة الجمعية قصد إبداء الرأي بعد الاطلاع على نتائج البحث المسبق، وتأكده من أن الجمعية تستوفي جميع الشروط المنصوص عليها للحصول على الاعتراف بصفة المنفعة العامة وان وثائق الإثبات المطلوبة مرفقة بالطلب،تعرض نتائج دراسة الطلب على نظر رئيس الحكومة.

ثانيا:صدور مقرر الاعتراف بصفة المنفعة العامة

يمنح الاعتراف بصفة المنفعة العامة بمرسوم يحدد القيمة القصوى للممتلكات التي يمكن للجمعية أن تملكها،يبلغ المرسوم إلى الجمعية وينشر بالجريدة الرسمية. 
ويجب أن يأخذ بعين الاعتبار الوسائل المالية والبشرية التي تتوفر عليها الجمعية أو التي تعتزم توفيرها من اجل القيام بكيفية دائمة وناجعة بالمهام التي تبرر الاعتراف لها بصفة المنفعة العامة،وفي هذا الإطار يتعين تجنب منح هذه الصفة للجمعيات التي يبدو واضحا أن وسائلها المالية والبشرية ضعيفة ولن تمكنها من الاضطلاع بمهامها.
فضلا عن ذلك،فانه ليس من الضروري أن تكون الجمعية قد قامت منذ مدة طويلة من اجل أن تستفيد من صفة المنفعة العامة،بل يمكنها أن تطلب الاستفادة من هذه الصفة في أي وقت، وفي هذه الحالة يتعين على مؤسسيها أو مقدمي طلب الاستفادة من المنفعة العامة أن يبينوا للإدارة الوسائل المالية التي يلتزمون بتوفيرها من اجل تحقيق أهداف الجمعية.
وغير خاف أن الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة ستخضع بهذا الخصوص لمراقبة منتظمة تمكن من معرفة مدى ودرجة التزامها بتوفير الوسائل المذكورة، وإذا تبين أن الالتزام ليس كافيا، فانه يمكن للإدارة القيام في هذه الحالة بسحب هذا الاعتراف(11).  
وتبقى صفة المنفعة العامة ثابتة للجمعية متى ظلت محترمة لالتزاماتها القانونية بحيث لا يقيد منح هذه الصفة بمدة معينة، ولا بتوافر عدد معين من المنخرطين على عكس القانون الفرنسي
وتخول صفة المنفعة العامة للجمعية أن تطلب إذنا لتقوم تلقائيا بالتماس الإحسان العمومي مرة واحدة في السنة.
وإذا ما عاين العامل عدم تقيد الجمعية المعترف لها بصفة المنفعة العامة بالتزاماتها القانونية أو تلك الواردة في قانونها الأساسي، يوجه إليها إنذارا لتسوية وضعيتها داخل اجل أقصاه ثلاثة أشهر، وإذا لم تستجيب الجمعية للإنذار المذكور،يرفع العامل الأمر إلى الأمين العام للحكومة الذي يعرض الأمر على رئيس الحكومة قصد اتخاذ قرار بشأنها. 
يقرر سحب الاعتراف بصفة المنفعة العامة بمرسوم معلل، يبلغ السحب المذكور إلى الجمعية المعنية وينشر بالجريدة الرسمية. 
 ومن المهم الإشارة إلى انه يحق للجمعيات قانونا الطعن في المرسوم التنظيمي القاضي برفض منح صفة المنفعة العامة أو سحبها للشطط في استعمال السلطة أمام القضاء الإداري.
وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى صادر بتاريخ 1966/11/04 «"إن المراسيم التي تصدر عن السلطة التنظيمية هي بمثابة قرارات إدارية يجوز الطعن فيها بالإلغاء".
ولا شك أن ممارسة دعوى الإلغاء من طرف الجمعيات سيدعم الشفافية والمساواة في منح صفة المنفعة العامة بإزالة كل شطط وتعسف من قبل السلطة التنظيمية، وهو ما جعل المشرع يفرض عليها تعليل قراراتها في هذا الجانب حتى يسهل مراقبتها من لدن القضاء ،وحتى يضمن أيضا دعم وتقوية دور هذه الجمعيات من خلال الاعتراف القانوني لها بتمثيل المستهلكين والدفاع عن مصالحهم الجماعية.

المطلب الثاني: استلزام الحصول على وكالة من طرف المستهلك في حالات خاصة

ألزم مشرع في قانون حماية المستهلك على كل جمعية لحماية المستهلك المشار إليها في المادة 157 من نفس القانون في حالة ما تعرض عدة مستهلكين وكانوا أشخاصا طبيعيين معروفة هويتهم لأضرار فردية تسبب فيها نفس المورد، وكان مصدرها واحد قبل أن تقيم دعوى المطالبة بالتعويض أمام أي محكمة باسم المستهلكين أن تحصل على توكيل خاص من قبل مستهلكين اثنين على الأقل من المستهلكين المعنيين بالأمر ، و لا يغني عن هذا التوكيل أي التماس وكالة عن طريق دعوة العموم عبر الإذاعة ولا عن طريق إعلان أو منشور أو أية وسيلة من وسائل الاتصال عن بعد بل يجب أن تمنح الوكالة كتابة من قبل كل مستهلك "المادة 158 من قانون 31.08".
وتجب الإشارة أن الوكالة هنا تمارس بالمجان أي دون أي مقابل، كما يمكن لأي مستهلك أن يسحب التوكيل المشار إليه في أي وقت من الجمعية إلا أن الدعوى المثارة من طرف الجامعة الوطنية أو جمعية حماية المستهلك تبقى جارية بغض النظر عن عدد المستهلكين المرفوعة باسمهم.
والملاحظ أن استلزام الحصول على الوكالة من طرف المستهلكين بالنسبة لجمعية حماية هؤلاء هو شرط ضروري عندما تقوم الجمعية بتمثيل المستهلك المتضرر أمام القضاء للحصول على التعويض لحسابه الخاص، لكن عندما ترفع الجمعية دعوى باسمها الخاص بغية الحصول على تعويض لحسابها الخاص فانه في نظرنا لا يستلزم ذلك الحصول على التوكيل المذكور من لدن المستهلكين المتضررين. 

الخاتمة:

وحتى تقوم جمعيات حماية المستهلك بالدور المنشود، نقترح ما يلي:
+ عقد ندوات و موائد مستديرة تعالج أزمة هذه الجمعيات قبل أزمة المستهلك في حد ذاته 
ءتخصيص موارد مالية قارة لها
ألعمل على الدعوة إلى الارتقاء بالممارسة الفكرية و العملية من المستوى الفردي إلى المستوى الجماعي
+ عدم اتخاذ العمل الجمعوي كوسيلة لتمرير مطالب سياسية، وذلك بالاهتمام والعمل على
الانتقال بهذا الأخير من المرحلة الجنينية إلى مرحلة تحقيق أهدافه التي ستجهله مما لا شك فيه ضاغطا في مواجهة لوبي المهنيين و الاقتصاديين.

لائحة المراجع:

1) المراجع بالعربية 
حمد الله محمد حمد الله:حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك، ء دراسة مقارنة، دار الفكر العربي، القاهرة 1997.
نبيل بوحمدي : العمل الجمعوي في مجال حماية المستهلك ، مجلة الملف، العدد 8 مارس 2006.
جريدة الصباح، السنة الرابعة، العدد 971، الجمعة 2003/5/23، قضاء المستهلك تأسيس الاتحاد الدولي لحماية المستهلك.
ألمنظمة العربية للمواصفات و المقاييس، جمعية حماية المستهلك إنشائها، دورها و مشاكل 1984 المستهلك، الطبعة الأولى، عمان الأردن 
2) المراجع بالفرنسية 
-Abderrahim Ben Draoui, Les associations des 
 Consommateurs au Maroc.
-Serge Guinchard , Responsabilité des associations de consommateurs.
---------------------------------------------------------------------------------
(1) المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة فيما يخص حماية المستهلك الصادر سنة 1985.  
(2) القانون رقم 31/08 المتعلق بتحديد التدابير لحماية المستهلك.
(3) حمد الله محمد الله: حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك ص 112 ومابعدها.
(4) جمعية حماية المستهلك إنشاءها،دورها ومشاكل المستهلك،الطبعة الأولى، 1984ص  4-39.
(5) جمعية حماية المستهلك إنشائها ، دورها ومشاكل المستهلك مرجع سابق ،ص 40-41.
(6) جريدة الصباح عدد 941 صادرة بتاريخ 2003/5/23.
(7) نبيل بوحمدي:العمل الجمعوي في مجال المستهلك،مجلة الملف العدد 189 مارس 8 ص2006. 
(8) نبيل بوحمدي،مرجع السابق ص 189.
(9) نبيل بوحمدي،مرجع سابق، ص 183.
(10) مرسوم رقم 2 04 969 منشور بالجريدة الرسمية رقم 5339 الصادر بتاريخ غشت 2005.
(11) منشور الأمانة العامة للحكومة رقم 2005/1 الصادر بتاريخ 2 أغسطس 2005.  
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات