القائمة الرئيسية

الصفحات

الحق في التراجع بين قوة المبادئ التقليدية وضعف أسس الندم العقدي


 الحق في التراجع بين قوة المبادئ التقليدية وضعف أسس الندم العقدي


مقدمة:

يعتبر القانون ظاهرة إجتماعية بإمتياز مواكبة للإنسان منذ ولادته الى حين الوفاة بل حتى بعد الوفاة .
وبتطور الحياة للإنسان إقتصاديا و إجتماعيا وسياسيا و ثقافيا يواكبه تطور تشريعي للقاعدة القانونية لمحاولة الاستجابة لمستجدات العصر، وإعتبارا لذلك فالعقد أهم تصرف قانوني و أهم صورة يبدو من خلاله تطور القاعدة القانونية وإنسجامها والواقع المعاش . 
ويعتبر القانون المدني هو الشريعة العامة الأساسية لباقي القوانين مجسدا في العقد .
و في المغرب يعتبر  ق.ل.ع  هو الشريعة المنظمة لجميع التصرفات القانونية بين الافراد ومن   أهمها العقد وق ل ع  صدر أثناء الحماية سنة  1913 وإستمد قواعده الاساسية من مدونة نبليون لسنة 1904 والمشرع المغربي إختصر الطريق  وأخد الترجمة من المدونة التونسية 1906 كما أنه إستمد قواعده من الفقه الاسلامي وبعض الاعراف المحلية .
وفي العصر الحالي ونتيجة لرياح العولمة وتغير الظروف الاقتصادية العالمية ولظروف فرضتها معطيات دولية لحقت العلاقات التعاقدية بين الاطراف  بالاعتماد على طرق تقنية حديثة ومتطورة خلقت نوع  من الا تكافئ بين المتعاقد ين مما نتج عنه ظهور طرف ضعيف الذي هو" المستهلك" وطرف قوي هو "الموريد" هذه الوضعية حتمت وفرضت على المنتظم الدولي الاقتصادي الاهتمام بمصالح الطرف الضعيف – المستهلكء أمام" الموريد أو المنتج" كطرف قوي.
و تاريخيا يعتبر خطاب الرئس الامريكي كيندي لسنة 1962 أول مهتم بالمستهلك مقرا له بمجموعة حقوق منها – الحق في السلامة الحق في التفاهم الحق في الاختيار الحق في الاعلام – وتوالت الاهتمامات التشريعات الدولية للمستهلك (الكبيك  1978 و بلجيكا 1991 مصر 2006 قطر 2008 الجزائر 2009 تونس 1992) . 
وقانون الاستهلاك الفرنسي لسنة 1993 الذي يعتبر الأساس التشريعي للقانون المغربي رقم 31.08  لسنة 2011 المتعلق بحماية المستهلك الذي رئ النور بعد مخاض عسير وكان الخطاب الملكي والمنتظم الدولي و إنخراط المغرب في المنظومة الاقتصادية الدولية من الأسباب التي عجلت بالمشرع لإصداره وبالتالي يمكن إعتباره كقانون تشريعي فوقي 
أو تشريع ممنوح فقط ورغم ذلك فالمشرع المغربي حاول حماية المستهلك كطرف ضعيف في علاقة تعاقدية اقتصادية غير متكافئة من خلال إقراره مجموعة من الحقوق من بينها الحق في التراجع .
وهذا يجعلنا نتساءل عن دور القواعد الموجودة في –ق ل ع – ومدى إنسجامها أو تكملتها أو عدم قدرتها على تقرير حماية خاصة للمستهلك مما يجعلنا نتناول من خلال هذا العرض حق تراجع كمقتضى تشريعي جديد ومحاولة البحث له عن مكان ضمن قواعد المنظومة التقلدية ؟   



 المبحث الأول : ماهية حق التراجع:


يعتبر حق التراجع إحدى الوسائل الحديثة التى املتها ظروف إقتصادية مما جعل كل التشريعات المهتمة بالمستهلك تهتم به لمحاولة خلق توازن في العلاقات بين المهني من جهة والمستهلك من جهة اخرى وهذا الحق تطرق اليه المشرع المغربي في القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك .
ومن خلال هذا المبحث سنحاول التطرق الى ماهية حق التراجع من خلال  التعريف اللغوي والاصطلاحي والتعريفات الفقهية وخصائص حق التراجع في" المطلب الاول" وفي" المطلب الثاني " سنميز بين حق التراجع ومؤسسات المشابهة له 

 المطلب الأول : مفهوم حق التراجع وخصائصه

سنحاول في هذا المطلب التطرق الى مفهوم حق التراجع من الناحية اللغوية والاصطلاحية وكذا التعريفات الفقهية من خلال "الفقرة الاولى" وسنحاول في "الفقرة الثانية" تبيان خصائص حق التراجع 

 الفقرة الاولى : التعريف بحق التراجع 

يلزم لتعريف حق التراجع تحديد معناه من حيث اللغة أولا ومن حيث الاصطلاح ثانيا .
أولا : التعريف اللغوي : التراجع مصدر تراجع تراجعا فهوا متراجع ويطلق في اللغة على عدة معاني :
*بمعني الانسحاب ويقال تراجع الجيش إذا انسحب 
*وبمعنى التدهور يقال تراجعت أحوال فلان بمعنى تدهورت وسأت 
*بمعنى العدول أي تراجع الشخص عن الامر أي عدل عنه يقال تراجع فلان عن الهبة اي اعادها الى ملكه 
*والتراجع في العقد  في اللغة يعني: رد ما إنصرف إليه إيجاب وقبول المتعاقدين ونحوهما .
ثانيا التعرف الاصطلاحي : ويشمل المفهوم العام والمفهوم الخاص 
المفهوم العام :والمقصود بالتراجع الذي يشمل كافة العقودء كالهبة والوكالة والوصية الخ... ء أي كل العقود التي منح فيها المشرع الحق لاحد الطرفين بالتراجع عن العقد
وفي المفهوم الفقهي العام " سلطة أحد المتعاقدين في الانفراد بنقض العقد والتحلل منه دون توقف ذلك على إرادة ومشيئة الطرف الأخر" .
المفهوم الخاص: " الحق في التراجع هو ذلك الحق الذي يبرز في مجال العقود الاستهلاكية والمقررة لفائدة المستهلك ". 
تعريف فقهي " حق التراجع هو ميزة قانونية أعطها المشرع للمستهلك في التراجع عن التعاقد ، بعد أن ابرم العقد صحيحا – أو قبل إبرامه – دون ان يترتب عن ذلك مسؤولية المستهلك عن ذلك التراجع أو مسؤولية المتعاقد الاخر عما قد يصيبه من أضرار بسب التراجع "
ويمكن ان نخلص للقول بالمقصود بحق التراجع في العقد الاستهلاكي الى تعريف شامل " حق منحه المشرع للمستهلك لتراجع عن العقد المبرم بينه وبين المورد  خلال مدة معينة محددة سلفا وغير مرتبة لاي مسؤولية للمستهلك عن إستعمال هذا الحق "
والمشرع المغربي تناول حق التراجع بمقتضى المادة 36 .37. 38 من قانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك دون تعريفه إعتبارا أن التعريف من إختصاص الفقه .

الفقرة الثانية : خصائص حق التراجع 

يتضح من خلال المادة 36 من ق 31.08 المتعلق بحماية المستهلك أن حق التراجع يمتاز بعدة خصائص :
1) حق التراجع من النظام العام :
النظام العام هو مايفرضه القانون بمقتضى نص تشريعي لا يجوز للأطراف الاتفاق على مايخالفه وكل تنازل عن هذا الحق يعتبر باطل وعديم الاثر حسب المادة 49 من قانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك والمادة 44 تنص "احكام هذا الباب من النظام العام " وبذلك فحق التراجع مقرر بمقتضى نص تشريعي بموجب قواعد امرة من النظام العام " المقصود بالنظام العام الاقتصادي الحمائي " وغاية المشرع هو الحفاظ على التوازن العقدي بين طرفين غير متكافئين في علاقة تعاقدية مستهلك ضعيف وجاهل كما ينص على ذلك الفصل 59 من قانون 31.08 ومنتج أو مورد قوي إقتصاديا وفنيا وماليا .
2) الصيفة التقدرية لحق التراجع :
ميزة وخاصية الحق في التراجع أنه يخضع لسلطة التقدرية للمستفيد منه "المستهلك " لكونه طرف ضعيف في علاقة إقتصادية يظهر فيها المورد قوي فليس عليه أي إلتزام بتبرير قراره وغير ملزم بتعليل قرار تراجعه عن إلتزامه ولا تترتب عليه أي مسؤولية في حالة إستعماله المادة 36 من قانون 31.08 . كما أنه "المستهلك " غير ملزم ان يعرض على البائع الاسباب والدوافع الى الرجوع في التعاقد كما لا يستطيع البائع إلزامه بذلك ويتحمل المستهلك مصاريف الارسال فقط ويكون حق التراجع حسب مقتضيات المادة 36 من ق 31.08 "7 أيام من تاريخ تسليم أو قبول العرض و 30 يوم في حالة ما لم يفي المورد بإلتزماته بالتأكيد الكتابي للمعلومات .
3) مجانية ممارسة حق التراجع 
يمارس المستهلك حق التراجع بشكل مجاني أي دون دفع أي مقابل مالي جراء ذلك بإستثناء مصروفات إرجاع السلعة إذا كان لها مقتضى" المادة 50" من ق 31.08  ودون دفع أي غرامة المادة 36 من ق 31.08  
والمجانية يضمن فعالية ممارسة هذا الخيار من قبل المستهلك .

الفقرة الثالثة : تمييز حق التراجع عن بعض البيوع 

أولا: تمييز حق التراجع عن البيع مع العربون

- تتنازع موضوع العربون مدرستان فقهيتان الأولى ذات أصل لاتيني ترى بأن العربون مجرد أداة للعدول عن عملية التعاقد يمكن بمقتضاه لكل من المتقاعدين أن يتراجع عن العقد مقابل فقد العربون من طرف من أعطاه أو رده مضاعفا اذا كان  العدول ممن تسلمه أي إذا عدل من أعطاه فقده و إذا عدل من قبضه دفع ضعفه) .

أما المدرسة الثانية، فذات أصل جرماني فذهبت الى القول بأن العربون وسيلة لتأكيد العقد أو تراجع عنه،ومن تم لا يحق لأي من الطرفين العدول عن العقد فان لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ العقد تعرض لجزاء المسؤولية العقدية حيث يحق للطرف الآخر أن يطالبه بالتنفيذ العيني مع التعويض إذا كان له محل وقد سلك هذا الاتجاه الأخير المشرع المغربي في ظهير الالتزامات والعقود و قد عرفه في الفصل 288 " ما يعطيه أحد المتعاقدين للآخر بقصد ضمان تنفيذ تعهده "
- ومن خلال التمعن في صيغة الفصلين 289 و 290 فإن العربون يعتبر بمثابة دفعة أولية من الثمن الإجمالي الأمر الذي يعني أنه لا يحق لأي من الأطراف أن يتراجع بصورة انفرادية عن إتمام العقد و التراجع في هذه الحالة يعد إخلالا بالالتزام الناتج عن العقد و يدخل ضمن الأخطاء العقدية التي تستوجب التعويض و يبقى للمحكمة السلطة التقديرية في تحديد التعويض المناسب لجبر الضرر.
- من خلال ما سبق يتبين لنا أنه لا مجال للمقارنة بين حق التراجع عن العقد مع العربون في التشريع المغربي الا ان هناك بعض مظاهر الشبه بينهما في التشريع الفرنسي والمصري التي تعتبر العربون أداة للعدول عن التعاقد حيث أنهما يتشبهان من حيث تمكين المشتري من أخذ فرصة للتدبر  بخصوص أمر التعاقد و التفكير مليا قبل الإقدام عليه، و يختلف عنه في كون البيع مع العربون لا يتسم بالمجانية فإذا عدل المشتري فقده أما اذا عدل البائع رد العربون يضاف اليه مقدار مساوي لهذا المبلغ أي ثمن عدوله في حين أن ممارسة حق التراجع تكون دون تبعة مالية باستثناء مصاريف الرد والتسليم و إرجاع البضاعة.
-  كما أن البيع بالعربون يمكن طرفي العقد ( البائع والمشتري) من العدول عن  العقد و هذا بخلاف حق التراجع الذي يهدف الى تمكين المستهلك وحده حق التراجع دون غيره .
- العربون يرد على العقود بشكل عام أما حق التراجع هو الرجوع القانوني المقرر لحماية المستهلك فهو محصور في أنواع محددة من العقود ورد النص عليها كما سنتطرق إليها بالتفصيل في المبحث الثاني .



ثانيا: تمييز حق التراجع عن بيع الخيار
تمييز حق التراجع عن بيع الخيار أو البيع المعلق على شرط واقف لمصلحة أحد المتعاقدين  المنظم بمقتضى الفصول من601 الى 612 من ظهير الالتزامات والعقود وهذا النوع من البيوع يتيح الفرصة لكل من البائع والمشتري في أن يرجع في الصفقة التي أجراها مع الطرف الآخر.
ء و بيوع الخيار هي التي تمكن أحد المتعاقدين من إجازة العقد أو نقضه و لها أكثر من مظهر قانوني ففي ميدان عقد البيع مثلا قد يتقررالخيار للبائع أو المشتري أو هما معا فنكون أمام بيع الثنيا في الوضع الاول و أمام بيع الخيار المجرد في الوضع الثاني ، أما ادا كان البيع وفقا لعينة معينة أو لنمودج معين فإنه يتوجب على البائع أن يسلم للمشتري مبيعا يتوفر على نفس مواصفات النمودج أو العينة المتفق عليها مسبقا و قد عرض المشتري لهذا النوع من البيع و هو بصدد الكلام عن ضمان العيب الخفي في الفصل 551 من ق.ل.ع (1)
ء فإذا كان  بيع الخيار يتشابه مع حق التراجع في كون المتعاقد له الحق في إنهاء العقد بالإرادة المنفردة و  أن يتم داخل مدة محددة، إلا أنه يتعين أن يضمن عقد البيع شرط الخيار صراحة، وهذا بخلاف حق التراجع المنصوص عليه قانونا و الذي يمارسه المستهلك دون تنصيص على ذلك في العقد( خيار الشرط عقدي مترتب عن عقد نهائي ).
ء أما من حيث تحديد المدة فان المشرع ترك للمتعاقدين حرية تحديد مدة الخيار  و هذا على خلاف حق التراجع الذي يجب ممارسته داخل أجل قصير محدد بشكل قانوني لا يجوز الإنقاص من مدته حتى و إن كان من الممكن الزيادة فيه إتفاقا إذا كان في ذلك مصلحة للمستهلك .

ثانيا: تمييز حق التراجع عن بيع الثنيا

- بيع الثنيا هو البيع مع الترخيص للبائع باسترداد المبيع،  و قد سمي كذلك لأنه استثناء من عقد البيع، و قد نظمه المشرع المغربي في الفصول 585 إلى 600 من قانون الإلتزامات و العقود و هو عقد بمقتضاه يلتزم المشتري بعد تمام انعقاده بأن يرجع المبيع الى البائع في مقابل رد الثمن سواء كان المبيع عقارا أو منقولا غير أن مدة الاسترجاع أو الاسترداد لا يمكن أن تتجاوز ثلاثة سنوات غير قابلة للتمديد و يبقى للمشتري حق في التمتع والانتفاع بالمبيع واستعماله وممارسة الدعاوى المتعلقة به ، و إذا توفي البائع بالثنيا قبل الاسترداد انتقل حقه الى ورثته لما بقي من أجل، و يستنتج مما سبق أن بيع الثنيا  هو بيع معلق على شرط فاسخ .
- و إذا كان حق التراجع كما هو معلوم يمارسه المشتري فإن حق الاستراد في بيع الثنيا يمارسه البائع .
- بيع الثنيا يجوز فيه للمشتري التمتع و الإنتفاع بالمبيع عكس المستهلك الذي لا يسمح له بالإنتفاع بالمبيع أو إستعماله و إلا سقط حقه في التراجع.

المطلب الثاني : حق التراجع في المنظومة التقليدية  
الفقرة الأولى : حق التراجع في الفقه الإسلامي:
أولا: خيار الرؤية

- الفقه الاسلامي كان له السبق في تقرير هذا النوع من الحقوق، من خلال خيار الرؤية وخيار المجلس، و يقصد بخيار الرؤية أن يكون  للعاقد حق فسخ العقد أو امضاءه اذا رآه وفي قول آخر هو حق يثبت به   الفسخ أو الامضاء عند رؤية العقد ، أما خيار المجلس فللعاقد الخيار و الرجوع في العقد ما  لم يفترق بدنيا مع البائع و قال البعض ما لم يتواريان المتابيعان عن بعضهما البعض  حد رؤية العين.
-  و يعرفه بعض الفقه بأنه حق المشتري الذي لم ير ى المبيع  في إمضاء العقد أو فسخه ، لذلك فان الهدف من اعمال هذا الخيار هو انتفاء الجهالة الفاحشة بالمعقود عليه  والمفضية للنزاع،  و دليلهم في ذلك هو قوله صلى الله عليه و سلم " من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه "
- أما بخصوص خيار الرؤية فهو عام لكل متعاقد لم يسبق له رؤية المبيع،رؤية مميزة فله أن يفسخ العقد بعد الرؤية حتى ولو جاء المحل مطابقا.
- كما نجد فقهاء الشافعية والحنابلة يقولون بخيار المجلس الذي يقول فيه ابن القيم رحمه الله " ان الشارع أثبت خيار المجلس في البيع حكمة ومصلحة للمتعاقدين، ويحصل تمام الرضا الذي شرطه الله تعالى فيه، فان العقد قد يقع بغتة من غير ترو ولا نظر في القيمة، فاقتضت محاسن هذه الشريعة الكاملة أن يجعل للعقد يتروى فيه المتبايعان ويعيدان النظر، ويستدرك كل واحد منهما عيبا كان خفيا فلا أحسن من هذا الحكم ولا أرفق لمصلحة الخلق" بمعنى أن الهدف من هذا الخيار هو التروي، وهو في ظل التباين الواضح الحاصل في وقتنا الحالي لن يكون الا من مصلحة المستهلك باعتباره المتعاقد الضعيف  (2)
-  و الشريعة الاسلامية  أعطت للعاقد على شيء لم يره متى رآه الحق في الرجوع على عاقده إكمالا لخيار الرؤية المقرر شرعا، أي أنه حق يثبت به الفسخ أو الإمضاء عند رؤية العقد.
- و لا يثبت الخيار عند المالكية الا بمقتضى شرط في العقد، فهو يعتبرونه خيارا إراديا لعدم جواز البيع الذي لم يتمكن المشتري فيه من رؤية محل العقد لبعده ولمشقة رؤيته...
- خيار الرؤية كما هو الحال في خيار الرجوع مقرر بنص خاص و الغاية منه تتشابه الى حد بعيد مع ما تتبناه التشريعات الاسلامية حيث يمنح للمستهلك خيار امضاءه العقد أو نقضه في حال عدم تمكن المشتري من رؤية المبيع قبل التعاقد ويهدف لمنح المشتري فرصة للتفكير والتروي.
ء خيار الرؤية : الرجوع في العقد لعدم رؤية المبيع .
ء حق التراجع :  الرجوع في العقد حتى ولو رآى المبيع .
ء حق الرؤية: يفسخ العقد و لا تستبدل السلعة .
ء حق التراجع: له حق استبدال السلعة بأخرى متطابقة .

ثانيا:خيار  شرط المذاق
ء يكون ذلك عادة بأن يشترط المشتري على البائع أن لا يتم البيع الا اذا ذاق المشتري المبيع وقبله،وهذا الشرط قد يكون صريحا، وقد يكون ضمنيا يستخلص من الظروف والملابسات، ومن أهم الظروف التي سيخلص منها هذا الشرط طبيعة الجميع، فمن المبيعات ما لا يدرك لكنه لكنه ادراكا تاما الا بمذاقه وذلك كالزيت ،الزيتون.
ء البيع بالمذاق ليس بيعا معلقا على شرط قاسخ، بل على شرط واقف وفي هذا يختلف عن بيع التجربة.
ء البيع بالمذاق هو جر ووعد بالبيع وهذا الوعد صادر من المالك يراد به التثبت من ملائمة الشيء لذوق المشتري ويحصل ذلك قبل التسليم.  
ثالثا : خيار شرط التجربة
ء في البيع بشرط التجربة يجوز للمشتري أن يقبل المبيع أو يرفضه وعلى البائع أن يمكنه من التجربة فإذا رفض المشتري المبيع وجب أن يعلن الرفض في المدة المتفق عليها فان لم يكن هناك اتفاق على المدة ففي مدة معقولة يعينها البائع، فان انقضت هذه وسكت المشتري مع تمكينه من تجربة المبيع اعتبر سكوته قبولا.
ء ويعتبر البيع شرط التجربة معلق على شرط واقف هو قبول المبيع الا اذا تبين من الاتفاق أو الظروف أن البيع معلق على شرط فاسخ.
ء ويعلق البيع على شرط التجربة عادة بأن يشترط المشتري أن يجرب المبيع ليتبين صلاحيته للغرض المقصود منه أو ليستوثق من أن المبيع هو الشيء الذي يطلب و لا يكون مجرد رؤية المبيع كافيا للاستيثاق من ذلك (مثال شراء سيارة مستعملة..).
ء  كما يقع البيع بشرط التجربة عادة على الأشياء التي لا يمكن الاستيثاق منها الا بعد استعمالها كالملابس و الآلات الميكانيكية،  ، فإذا قبل المشتري المبيع أو رفضه خلال مدة التجربة،اعتبر البيع من وقت إعلان القبول أو الرفض ومتى تحقق الشرط الواقف أصبحت ملكية المشتري للمبيع ملكيته بأثر رجعي.
ء كل من خيار التراجع وخيار التجربة يمنح المستهلك فرصة التحليل من العقد بعد تسلم البضاعة محل العقد، كما أنهما ممنوحان معا للمشتري دون البائع حيث يتقرر مصير العقد بناء على ارادة المشتري في استعماله .
ء خيار التجربة قد يرد في أي عقد بيع تتطلب طبيعة المبيع فيه التجربة بينما تقتصر خيار  الرجوع على عقود محددة  ينص القانون بكون أحد أطرافها مستهلكا والآخر تاجرا.
رابعا : خيار العيب
ء  هو أن يكون لأحد العاقدين الحق في فسخ العقد أو إمضائه إذا وجد عيب في أحد البدلين، ولم يكن صاحبه عالماً به وقت العقد. فسبب هذا الخيار: هو ظهور عيب في المعقود عليه أو في بدله، ينقص قيمته، أو يخل بالغرض المقصود منه، ولم يكن صاحبه مطلعاً على العيب عند التعاقد، فسمي خيار العيب. وثبوت هذا الخيار مشروط دلالة أو ضمناً؛ لأن سلامة المعقود عليه أو بدله مطلوبة للعاقد، وإن لم يشترطها صراحة. فإذا لم تتوافر السلامة اختل رضا العاقد بالعقد، والرضا أساس العقود، فشرع له الخيار لتدارك الخلل الحادث. 
و  ضابط العيب في المبيع عند الحنفية، والحنابلة أنه ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجارة، لأن التضرر بنقصان المالية. انتهى.
خامسا : خيار الوصف
 و هو  حقّ الفسخ لتخلّف وصف مرغوب اشترطه العاقد في المعقود عليه ، ‏ومثاله‏:‏ أن يشتري إنسان شيئاً ويشترط فيه وصفاً مرغوباً له، كمن اشترى حصاناً على أنّه عربيّ أصيل فإذا هو هجين، ، وكذلك شراء البقرة على أنّها حلوب ‏"‏ كثيرة اللّبن زيادةً عن المعتاد في أمثالها ‏"‏‏.‏
و يسمّى هذا الخيار أيضاً بخيار خلف الوصف المشروط،  ‏و يدعى ‏"‏ تخلّف الصّفة و لا سبيل إلى إثبات مشروعيّة هذا الخيار إلاّ بإثبات موضوعه وهو ‏"‏ اشتراط صفة مرغوبة في المعقود عليه ‘' 
‏ و قد ذهب إلى إثبات هذا الخيار الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في الأصحّ، ويستند ثبوته على ثبوت خيار العيب، وبيان ذلك أنّ فوات الوصف المرغوب بعد أن حصل في العقد الالتزام من البائع به، 
يشترط لكون الوصف معتبراً‏،أن يكون المطلوب وجوده وصف اًو أن يكون الوصف المرغوب مباحاً في الشّرع و  أن يكون الوصف منضبطاً ‏‏ ليس فيه غرر ‏وذلك بحيث يمكن معرفته والحكم بوجوده وعدمه‏ و أن يكون الوصف مرغوباً فيه‏ و  ذلك بحسب العادة،فلو اشترط ما ليس بمرغوب أصلاً، كأن يكون معيباً فإذا هو سليم فلا خيار له‏.‏ ‏
ولأصحاب المذاهب تفصيل في ضبط الوصف المرغوب، فالمالكيّة يرون أنّه ما فيه غرض للعاقد سواء كان فيه ماليّة أم لا، لأنّ الغرض أعمّ من الماليّة، والشّافعيّة يرون أنّه ما فيه ماليّة لاختلاف القيم بوجوده وعدمه، وأوجزه ابن حجر بقوله‏:‏ الّذي يدلّ عليه كلامهم‏:‏ أنّه كلّ وصف مقصود منضبط فيه ماليّة‏.‏‏ و خامساً  و أخيرا أن يشترط المشتري الوصف المرغوب، ويوافق على ذلك البائع في العقد، فلا يعتبر حال المشتري قرينةً كافيةً عن الاشتراط‏.‏
ولذلك فإن خيار الوصف يستحقّ في العقد بالشّرط ء لا بمجرّد العقد ء فلولاه لما استحقّ، على أنّه تعتبر حال المشتري في تفسير الوصف فيما إذا حصل اشتراطه بصورة مقتضبة‏.، وكذلك يؤخذ حال المشتري بالاعتبار في الحكم على الوصف الموجود في البيع، هل هو أفضل من الوصف المشروط فيسقط خياره ، فإذا وجد المشتري في المبيع بعد قبضه أدنى ما ينطلق عليه اسم الوصف المشترط فلا يكون له حقّ الرّدّ، أمّا إن لم يجد الوصف أصلاً أو وجد منه شيئاً يسيراً ناقصاً بحيث لا ينطلق الاسم عليه فله حقّ الرّدّ‏.‏
سادسا : الرجوع في الهبة  ‘'الإعتصار : 
ء المالكية، الشافعية،الحنابلة لم يبيحا الرجوع في الهبة ( حرام ) ولو كانت بين الإخوة أو الزوجين الا في حالة هبة الوالد لولده وتسمى عند المالكية بإعتصار الهبة ، و يستدل أصحاب هذا الرأي بالحديثين الشريفين "  العائد في هبته كالعائد في قيئه " و قوله صلى الله عليه و سلم  "ليس لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها الا الوالد فيما يعطي ولده"  و بأن الهبة عقد تمليك منجز كالبيع فلا يجوز الرجوع فيها بعكس الصدقة لا رجوع فيها مطلقا، لا للأب ولا للأم و لا لغيرهما)
ء وقد نظمها المشرع المغربي في م 283  من مدونة الحقوق العينية و التي جاء فيها أنه يراد بالاعتصار رجوع الواهب في هيبته ويجوز في الحالتين التاليتين :1 ء فيما وهبه الب او الأم لولدهما قاصرا كان أو راشدا ء2ء اذا أصبح الواهب عاجزا عن الانفاق على نفسه أو على من تلزمه نفقته .

 الفقرة الثانية : حق التراجع في قانون الالتزامات و العقود :
ء المشرع المغربي جعل العقد شريعة المتعاقدين، فإذا انعقد العقد لا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، والتراجع في العقد هو تراجع عن الرضا و الإرادة.
ء كما أن المبدأ المنصوص عليه في الفصل 230 ق ل ع يرتبط بمبدأ القوة الملزمة للعقد و مبدآ نسبية آثار العقد ما لم يكن الأمر أي العقد مشوبا بعيوب الرضا و الحالات الموجبة للإبطال أو البطلان.
ء و يتجسد حق التراجع في قانون الإلتزامات و العقود في بيع الخيار ، الذي يجد أصله كما رأينا في في الفقه الإسلامي وهو أنواع خيار الشرط وخيار عدم المطابقة أو ما يسمى بخيار الوصف و يمثل ذلك في حق المشتري ازاء عدم مطابقة المبيع للأوصاف المشترطة في العقد في الاختيار بين إمضاء العقد أو فسخه و هنا يجب التفرقة بين صورتي عدم المطابقة الوصفية والوظيفية من جانب وصورة عدم المطابقة الكمية من جانب آخر.

ء  و نظم قانون الالتزامات و العقود بيع الخيار لا ڢينتي ا چونديتيون  في الفصول من 661 الى غاية 612 مستمدا أحكامه من الفقه الإسلامي و قد أخذت بهذا النوع من البيوع فرنسا  في المادة 602  حيث جعلت منه بيع معلق على شرط واقف هدفه إتاحة الفرصة لأحد التعاقدين الرجوع في الالتزام داخل أجل معين سواء كان مشتريا أو بائعا.
ء و حددت المادة 604 من ق ل ع أجل العدول في 60 يوما بالنسبة  للعقارات الحضرية و الفلاحية تبتدأ من تاريخ العقد و في 5 أيام بالنسبة الحيوانات الداجنة والأشياء المنقولة.

المبحث الثاني : النطاق الموضوعي لحق التراجع


فإذا كان القانون قد حدد للمستهلك بعض العقود المشمولة بحق التراجع فإن ممارسة هذا الحق يجب أن يكون داخل آجال محددة بشكل قانوني بعد أن يكون  المستهلك قد  تمكن من تفحص المبيع و الاستيثاق من صحته بشكل جيد  مستشيرا في ذلك أهل الخبرة و المعرفة إن كان عاجزا عن إتخاذ القرار  النهائي.

المطلب الأول  : العقود المشمولة بحق التراجع 

يعتبر نطاق حق التراجع مجالا وظيفيا محددا في فكرة حماية المستهلك و تم تطبيق هذا الحق على عقود محددة على سبيل الحصز مع بعض الاستثناأت في إطار الموازنة بين مصالح المورد و المستهلك. 

أولا  : في العقود المبرمة عن بعد. 

إذا كان التعاقد عن بعد – كآلية جديدة لإبرام العقود – يوفر للمستهلك عدة فوائد خاصة و يجنبه عناء التنقل إلى المحلات و المتاجز و يسمح له بالتفكير قبل اتخاذ قرار الاقتناء نظرا لغياب الحضور المادي أو الشخصي للمورذ فإن هذا النوع من العقود يتضمن العديد من المساوئ منها:  أن المستهلك يقدم طلب توريد السلعة أو المنتوج أو الخدمة بناء على صور و مواصفاث و في مناخ تسطع فيه الأضواء و تغلفه الأصوات و تزينه الألوان بما يوهم المستهلك و هو في منزله بأن السلعة أو المنتوج ذو نوعية خاصه مما يجعله يتوصل بسلعة لا تتطابق مع ما كان يريده. و لعل هذا ما يبرر بالأساس منحه الحق في التراجع كآلية لحماية رضى المستهلك من تسرع و عدم تمهل في التعبير عن إرادته و هذا     ما كرسته المادة 36 من القانون القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك حيث منح للمستهلك الحق في التراجع عم العقود المبرمة عن بعد. 
و المحدد الأساسي للتعاقد عن بعد هو تقنية الاتصال عن بعذ هذه الأخيرة التي عرفها المشرع المغربي:" كل وسيلة تستعمل لإبرام عقد بين المورد أو المستهلك بدون حضورهما شخصيا و في آن واحد". 

وعليه فالعقود التي لا تتم بواسطة تقنية للاتصال عن بعد لايمكن للمستهلك أن يمارس فيها حق التراجغ كما هو الشأن بخصوص البيع بالمراسلة الذي يتم عن طريق إيفاد رسول. حيث لا يمكن اعتبار هذه الأخيرة تقنية للاتصال عن بعد. أما البيوع بالمراسلة عن طريق البريد و البرق و ما يقاس عليها من وسائل الاتصال فإنها تمنح للمستهلك إمكانية ممارسة حق التراجع. 

ثانيا : في البيع خارج المحلات التجارية. 

في ظل الإنتاج المتدفق من السلع و المنتوجات و الخدمات بالمقارنة مع احتياجات المستهلكين الأساسية اللازمة للإنتاچ و جد الموردون أن حركة للاستهلاك في مكان البيع الطبيعي غير كافية لتحقيق أهدافهم في تسويق و ترويج منتوجاتهم – فتم خلق تقنية البيع خارج المحلات التجارية. 
فالبائع الطواف يكون متمرسا على هذا النوع من الممارسات التجاريه مما يدفعه     إلى انتزاع رضى المستهلك أمام فقدان المستهلك لحرية المفاضلة بين السلع و المنتوجات      و الخدمات بالإضافة إلى ذلك فإنه يكون غير مؤهل أيضا للوصول إلى أفضل الشروط التعاقدية في سبيل الحصول على السلعة أو المنتوج أو الخدمة المقدمة. 
و إزاء هذه التداعيات عمد المشرع المغربي إلى تنظيم هذه الممارسة في الباب الثالث من القسم الرابع من القانون القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك و مواجهة كل ما   من شأنه أن يؤثر على رضى المستهلڭ من خلال إقرار حق التراجع عن هذا النوع من البيغ بمقتضى المادة 49 من نفس القانون. 
و بالرجوع إلى المادة 45 من القانون القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك نجد المشرع حدد لنا العديد من المؤشرات الموضوعية التي يمكن من خلالها تحديد مجال حق التراجع   في البيع خارج المحلات التجارية و هي: 
المؤشرات المتعلقة بمكان إبرام العقد 
اشترطت المادة 45 من 31/08 أن يتم إبرام العقد في مواطن ثلاثة: 
إما في موطن المستهلك أو في محل إقامته أو مقر عمله. 
كما أضافت الفقرة الثانية من ذات المادة أن مقتضيات البيع خارج المحلات التجارية تطبق حينما تتم هذه العملية في الأماكن غير المعدة لتسويق المنتوج أو السلعة أو الخدمة المقترحه و ذكرت لهذا الشرط أمثلة تتمثل في البيع التام 

بالاجتماعات أو الرحلات التي تنظم من قبل المورد أو لفائدته بغاية إتمام العمليات المذكورة بالفقرة الأولى من المادة 45 السالف نصها .
المؤشرات المتصلة بالعقود المراد إبرامها. 
بعد أن حدد المشرع بعض المؤشرات المتعلقة بمكان إبرام العقذ أردفها بمؤشرات متصلة بالعقود المراد إبرامها' حيث ذكرت المادة 45 السالفة الذكر جملة من العقود  أو العمليات التي تبرم في إطار ما يصطلح عليه هذا القانون بالبيع خارج المحلات التجاريه و هي على فئتين:  فئة تضم البيع و الشراء و الإيجار المفضي إلى البيع و الإيجار مع خيار الشراء'  و فئة ثانية تتضمن تقديم الخدمات. 
و هكذا فالعقود التي أوردتها المادة 45 هي التي يمكن للمستهلك أن يمارس حق التراجع فيها إذا تمت خارج المحلات التجارية.

ثالثا : القروض الاستهلاكية 

تمثل القروض الاستهلاكية مكونا أساسيا لإقتراضات الأسر المغربية ' و هذا أتى نتيجة تبسيط مسطرة الحصول عليها' في وقت تطورت فيه و سائل الإغراء و الحث عليها'    كما اتسع عدد الممارسين لها بشكل ملفث و هذا ما حمل المشرع إلى التدخل لإقرار حق التراجع لفائدة المقترض لوسيلة علاجية لتنقية إدارة هذا الأخير من إحدى عيوب الإدارة.
و إذا كان المشرع المغربي قد منح للمستهلك حق التراجع عن القروض الاستهلاكيه فإن هذا الحق محصور في هذا النوع من القروض مما يدفعنا إلى التساؤل عن المقصود بالقروض الاستهلاكية ؟
بالرجوع إلى المادة 74 من القانون القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك نجده عرف القرض الاستهلاكي بكونه: " كل عملية قرض ممنوحة بعوض أو بالمجان  من مقرض إلى مقترض يعتبر مستهلكا وفقا للمادة 2 و كذا على كفالته المحتملة. و تدخل في عمليات القرض عمليات الإيجار المفضي إلى البيع و الإيجار مع خيار الشراء و الإيجار المقرون بوعد البيع و كذا البيع أو تقديم الخدمات التي يكون أداؤها محل جدولة أو تأجيل      أو تقسيط".
و يلاحظ انطلاقا من التعريڤ أن القروض الاستهلاكية تكون مخصصة لتلبية الحاجيات الشخصية أو العائلية للمستهلك و تشكل هذه الخاصية الجوهرية لتمييز القروض الاستثمارية أو الإنتاجية و يمكن أن يكون القرض الاستهلاكي بعوض أو بالمجان.  

رابعا  : في التامين على الحياة 

لا شك أن فكرة حماية المستهلك كانت قائمة قبل صدور القانون القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلڭ و من بين أهم القوانين التي جاءت لحماية فئة معينة من المستهلكين مدونة التأمينات التي كرست العديد من المقتضيات الهادفة إلى توفير حماية الطرف الضعيف في عقد التأمين الذي هو المؤمن له. 
وتتجلى أهم مظاهر حماية المؤمن له في هذه المدونة من خلال محاربة الشروط التعسفية وتكريس الالتزام بالإعلام في جل عقود التأمين على اختلافها غير أن المشرع    رفع من سقف هذه الحماية في عقد التأمين على الحياة بإقراره لآلية حق التراجع في المادة 97 من مدونة التأمينات. 
وعرف المشرع في الفقرة 31 من المادة 1 من مدونة التأمينات عقد التأمين على الحياة على أنه: " عقد يضمن بمقتضاه تعويضات يتوقف تسديدها على بقاء المؤمن له على قيد الحياة أو وفاته و ذلك بمقابل دفعات مالية تسدد مرة واحدة أو بصفة دورية". 
وتشكل الفقرة 31 من المادة 1و المادة 97 من مدونة التأمينات المحدد الأساسي للنطاق الموضوعي لحق التراجع في عقد التأمين على الحياه و الملاحظ أن المادة 97 مددت الحماية للاستفادة من حق التراجع ليس فقط لعقد التأمين على الحياة الذي يتم من خلال عرض الاكتتاب بالمنزل أو بمحل العمل' وإنما أيضا لجميع حالات الاكتتاب التي تتم بجميع الأمكنة العامة أو الخاصة و ذلك لتوسيع الحماية أو إضفاء الفعالية عليها لتشمل مختلف حالات الاكتتاب.
ونشير إلى أن حق التراجع لا يشمل كافة عقود التأمين' و لا يستفيد منه المؤمن      له إلا في عقد التأمين على الحياة  كما هو محدد في المادة 97 ' فالمأمول حقا من المشرع التدخل مستقبلا لتمتيع المؤمن لهء المستهلك كما حددنا معناه 
سالفا – في باقي عقود التأمين الأخرى ما دامت ترتب التزامات مالية كبيرة لم يكن لهم أن يتوقعوها و تخل بميزانيتهم ونشير إلى أنه إذا كنا نأمل في التوسيع من دائرة عقود التأمين المشمولة بحق التراجغ فإنه لا يجوز منح هذا الحق في التأمينات الإجبارية المتناقضة مع طبيعة أهداف هذا التأمين .

المطلب الثاني: آجال ممارسة حق التراجع و الاستثناأت الواردة عليه 
الفقرة الأولى : في العقود المبرمة عن بعد 

حسب المادة 36 من القانون 08ء31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلڭ يتوفر المستهلك على 7 أيام لممارسة حقه في التراجع في العقود المبرمة عن بعذ و ذلك حتى يتمكن من تفحص المبيع و الاستيثاق من صحته بشكل جيد و التشاور مع أفراد عائلتة    و مدة 30 يوما لممارسة حقه في التراجع في حالة ما لم يف المورد بالتزامه بالتأكيد الكتابي المنصوص عليه في المادتين 29 و30 ويظهر من خلال المادة 36 أن المستفيد من هذا الحق هو مستهلك السلعة و مستهلك الخدمات. 
و في بعض الالتزامات لا يمكن ممارسة حق التراجع إلا إذا اتفق الطرفان على ذلڭ وتنص المادة 38 من 31/08 أنه لا يمكن ممارسة حق التراجع إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك في العقود المتعلقة بما يلي: 
الخدمات التي شرع في تنفيذها بموافقة المستهلك قبل انتهاء أجل 7 أيام. 
التزويد بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يكون ثمنها أو تعريفتها رهينا بتقلبات السوق .
التزويد بالمصنوعات المصنوعة حسب مواصفات المستهلك أو المعدة له خصيصا أو التي لا يمكن بحكم طبيعتها إعادة إرسالها أو تكون معرضة للفساد أو سريعة التلف. 
التزويد بتسجيلات سمعية أو بصرية أو برامج معلوماتية عندما يطلع عليها المستهلك 
التزويد بالجرائد أو الدوريات أو المجلات .

الفقرة الثانية :  في البيوع خارج المحلات التجارية   

نظمت المادة 49 من 08/31 المتعلق بتحديد تدابير لحماية المستهلك حق التراجع في البيع خارج المحلات التجارية بقولها: " استثناء من أحكام الفصل 604 من ق.ل.ع المغربي يجوز للمستهلك التراجع داخل أجل أقصاه 7 أيام ابتداء من تاريخ الطلبية أو الالتزام بالشراء عن طريق إرسال الاستمارة القابلة للاقتطاع من العقد بواسطة أي وسيلة تثبت التوصل.  يعتبر كل شرط من شروط العقد يتخلى المستهلك بموجبه عن حقه في التراجع باطلا و عديم الأثر. لا تطبق أحكام هذه المادة على العقود المبرمة وفق الشروط النصوص عليها في م 51».
حدد المشرع الفرضيات المستثنات من الخضوع لحق التراجع في المادة 46 من قانون 31/08 و ذلك في ثلاث استثناأت: 
الأنشطة التي يكون فيها البيع خارج المحلات التجارية منظما بنص خاص.  و ذلك ما نصت عليه المادة 112 من مدونة الأدوية و الصيدلة المنظمة تحت قانون 04ء17 بمثابة مدونة الأدوية و الصيدلة الصادر في 7 ديسمبر 2006 تنص:  " مع مراعاة الاستثناأت المنصوص عليها في هذا القانون لا يمكن لأي شخص تقديم الأدوية  والمنتجات الصيدلية غير الدوائية أو عرضها للبيع أو بيعها للعموم خارج الصيدلية و خصوصا على الطريق العام أو في الأسواق أو المنازل أو في متاجر غير مخصصة لمزاولة مهنة الصيدلة". 
البيع بالمنازل لمنتوجات الاستهلاك العادي الذي يقوم به المورد داخل المجموعة العمرانية التي توجد بها مؤسسة. 
بيع المنتوجات المتأتية بصفة حصرية من صنع أو إنتاج شخصي للمورد خارج المحلات التجارية أو لعائلتة و يتعلق الأمر مثلا بالبيع الذي يجريه الحرفيون أو الفنانون بشأن أعمالهم أو أعمال عائلاتهم.

و من الفرضيات المستتناة كذلك ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 49 : " لا تطبق أحكام هذه المادة على العقود المبرمة وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 51". 

الفقرة الثالثة : في القروض الاستهلاكية 

منحت المادة 85 من قانون 08/31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك للمقترض الحق في التراجع عن التزامه أو قبوله داخل أجل 7 أيام تبتدئ من تاريخ قبوله العرض الأولي المسبڨ و لممارسة هذا الحق يرفق العرض المسبق باستمارة قابلة للاقتطاع مقابل وصل يحمل توقيع المقترض. 

أورد المشرع في المادة 75 من 31ء08 العمليات المستثنات من حق التراجع 
+ القروض الممنوحة لمدة إجمالية تقل عن 3 أشهر أو تعادلها. 
و يرجع ذلك إلى أن المشرع لا يريد تعقيد منح القروض القصيرة الأجل و ذلك لقلة مخاطر. 
+ القروض المخصصة لنشاط مهني: 
و يرجع استبعادها إلى كونها تتمتع بطابع إنتاجي و استثماري و ليس استهلاكي. 
القروض العقارية حصرتها المادة 113 في: 
العقارات المعدة للسكنى و المعدة لنشاط مهني: 
التي يتم اقتنائها من أجل تملكها أو الانتفاع بها. 
الاكتتاب في حصص أو أسهم الشركات أو شراؤها إذا كان الغرض منها امتلاك هذه العقارات أو الانتفاع بها. 
النفقات المتعلقة ببنائها أو إصلاحها أو صيانتها. 
شراء القطع الأرضية المخصصة لبناء العقارات المعدة للسكن أو المعدة لنشاط مهني .


الفقرة الرابعة : في التأمين على الحياة
منح المشرع للمؤمن له مدة خمسة عشر يوما للاستيثاق من رضاه و مراجعة  ما إذا كان من مصلحته الاستمرار في العملية التعاقدية أو التراجع عنها حتى يتم التعاقد عن بينة و إلمام كامل بظروف التعاقد لتفادي الرضى المتسرع. 
ورغم قصر المدة في التشريع المغربي عن التشريع الفرنسي الذي حددها في 30 يوما كما نص على ذلك الفصلL. 132.51  من مدونة التأمين الفرنسيه فإن المشرع حاول حسب بعض الفقه الموازنة بين المصالح المتضاربة للمهنيين الذين يمتعضون من كل مدة طويلة للتراجع قد تسبب في اضطراب المعاملات و بين المستهلكين الذين هم الآخرون يمتعضون من كل مدة قصيرة جدا لا تحقق الأهداف المرجوة من الحق. 
و يعتبر حق التراجع في عقد التأمين على الحياة أجلا كاملا طبقا للمادة 331 من مدونة التأمين التي تنص على ما يلي:  " إن الآجال المنصوص عليها في هذا القانون آجال كاملة ". 

   خاتمة :

نتيجة إختلاف و إختلال المراكز القانونية والاقتصادية للمتعاقدين في عقود الاستهلاك يعتبر عنصر كافي للقول بأنه لم يعد بالامكان الاحتكام الى القواعد التقلدية لتقرير حماية كافية للمستهلك بإعتباره طرف ضعيف يستوجب الامر حمايته من بطش الطرف المنتج القوي إقتصاديا وفنيا وماليا لذا فالقوانين الاستهلاكية الاقتصادية الحديثة ومن ضمنها القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك هي لوحدها الكافية لتقرير حماية للمستهلك وذلك من خلال تأطيره بعدة قواعد حمائية ومن ضمنها الحق في التراجع وتبسيط إجرأته من أجل ممارسته بشكل سلس وفعال من طرف المستهلك وفي ظل ذلك يحق لنا أن نورد مجموعة من التساؤولات للبحث والتأمل .
- هل بحلول نظرية الاستهلاك الاقتصادي والمؤطرة بقوانين حديثة ضامنة لحماية أكثر للمستهلك نعمل على تقبير أو إعلان أفول النظريات التقلدية للعقد ؟
- هل حين نقر بضعف المستهلك ونقرر حمايته هل ننفي عنه صفة التطور والتقدم والوعي الاقتصادي ونركنه في خانة الضعف الابدي ام ان الامر مرحلي فقط ؟
- لماذا لم تتم صياغة العناصر او الأركان التي تجعل الضعف له معيار قانوني محدد لكي نحافظ على العلاقة الاقتصادية بين المنتج والمستهلك ؟
- هل سيتم فيما ياتي من السنوات الاقرار  بنظرية عدم الاعتداد بجهل قانون الاستهلاك بحجة ان العالم قرية صغيرة ؟
- ألا يمكن العمل على تطوير نظرية الغبن الاستغلالي لتزكية فكرة حق التراجع كشكل من أشكال المحافظة على بعض النظريات التقلدية او محاولة لتطويرها ؟

لائحة المراجع:

القوانين:
• قانون الإلتزامات و العقود
• قانون رقم 08 31  المتعلق بحماية المستهلك
• مدونة التأمينات قانون رقم 99ء17

الكتب:

• عبدالقادر العرعاري،عقد البيع ، الكتاب الأول ، الطبعة الثالثة 2011
• عبدالقادرالعرعاري ، ‘'وجهة نظر في القانون المدني المعمق بين الفقه و القضاء''  مقال تحت عنوان ‘'أسطورة الحماية القانونية للمستهلك  الطبعة الاولى 2011
 عبدالرحمان الشرقاوي ، قانون العقود الخاصة ، الكتاب الأول الطبعة 2  السنة 2015
• نورالدين الرحالي ،'' التطبيقات العملية الحديثة في قضايا الاستهلاك طبعة 2014
• زكرياء العماري ‘'حماية المستهلك منشورات مجلة القضاء المدني 2014 القانونية والاقتصادية و الاجتماعية –جامعة محمد الخامس باكدالء السنة الجامعية – 20132014 .
• المهدي العزوزي تسوية نزاعات الاستهلاك ‘' مطبعة المعلرف الجديدة  الطبعة الأولى 2013
• عكاشة حوالف ‘'نظام الحسبة في الاسلام و أثره في حماية المستهلك ‘'2008
• عمر عبدالباقي ‘' الحماية العقدية للمستهلك دراسة مقارنة بين الشريعة و القانون  مطبعة القدس 
• حسنة الرحموني الشروط التعسفية في القروظ الاستهلاكية 
 الرسائل : 
-  رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون   الخاص حول موضوع  "حق التراجع عن العقد" من انجاز الطالب يوسف صدقي.
-  رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون الخاص وحدة قانون الاعمال و المقاولات "الحق في التراجع بين قانون حماية المستهلك و قانون الالتزامات و العقود"



-----------------------------------------------------------------------------
(1) عبدالقادر العرعاري،عقد البيع ، الكتاب الأول ، الطبعة الثالثة 2011 ص 107
 (2)  عبدالرحمان الشرقاوي ، قانون العقود الخاصة ، الكتاب الأول الطبعة 2  السنة 2015 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات