القائمة الرئيسية

الصفحات

بحث عن الغش الضريبي

جريمة الغش الضريبي
بحث عن الغش الضريبي

بحث يعالج موضوع الغش الضريبي الذي يعد جريمة لها انعكاسات سلبية على الدولة وعلى مناخ الأعمال قراءة ممتعة.

مقدمة:
يعتبر مبدأ مساهمة الجميع في التكاليف العمومية من المبادىء التي حرصت غالبية الدول على التنصيص عليه ضمن دساتيرها ، ونجد أن المشرع المغربي لم يخرج عن هذا المنوال و نص في الفصل 39 من الدستور على أن " الجميع يتحمل التكاليف العمومية كل على قدر استطاعته ، وما يجسد المساهمة في التكاليف العامة هي الضريبة باعتبارها فريضة مالية يدفعها الفرد جبرا إلى الدولة أو إحدى الهيئات العامة المحلية ، بصورة نهائية ،مساهمة منه في التكاليف و الأعباء العامة دون أن يعود عليه نفع خاص مقابل دفع الضريبة". [1]
إن الشرعية التي أصبحت تكتسيها الضريبة هي نتاج لمراحل عديدة مرت منها ، فالضريبة في بادئ الأمر عرفت في شكل مساهمة إختيارية يحددها التضامن الشخصي بين الجماعات السياسية و البدائية ، ثم أصبحت كمنحة مالية من الرعايا إلى الحاكم ، و نتيجة لتمركز الحياة القبلية و نمو المرافق العامة والحياة الجماعية فقدت الضريبة صفتها الإختيارية لتصبح إجبارية تجسد الرابط الذي يربط الفرد بحكومته وبقية أفراد المجتمع ، و في نفس الوقت شكلت أداة سياسية في المجال المالي و الإقتصادي .
إلا أن هذا لا يعني إنتفاء أية مقاومة للضريبة ، فمحاولة التملص من أداء الضريبة يعد من المواضيع التي شغلت بال السلطات العامة ،كما أثارت إهتمام المواطنين بسبب إرتباطها بحياتهم المعيشية و تأثيرها على قدراتهم لإشباع حاجياتهم الاقتصادية ، و يعد التهرب الضريبي صورة من صور مقاومة الضريبة بإعتباره ظاهرة سلوكية و اجتماعية عالمية ، وينتج عنها أضرار وخيمة على خزينة الدول، ما جعلها مجالا خصبا للدراسة و الأبحات العلمية .
وقد إختلف الفقهاء في تحديد مفهوم الغش الضريبي ، فمنهم من يأخد بالمفهوم الضيق ، فيعرفه على أنه كل تملص من ضريبة مستحقة للخزينة بوسائل محضورة قانونا سواء اكتسى ذلك شكل تقليص لأسس الضريبة أو شكل تملص من فرض الضريبة الذي ينجم عن إحدى الوسائل المحضورة.
بينما يذهب البعض الآخر الذي يأخد بالمفهوم الواسع للغش الضريبي، و يعتبرونه متوافر كلما تم اللجوء لطرق تتيح التملص من الضريبة سواء اقترن ذلك أو لم يقترن بمخالفة نص جبائي .
وأمام هذا المفهوم الأخير يمكن أن نتسائل عن الحدود الفاصلة بينه و التهرب الضريبي و ما يشكله من تداخل بين المعطيين، حيث يعرف التهرب الضريبي على أنه "تحاشي السقوط في حقل جاذبية القانون الضريبي " ويتجلى هذا الفن في تفادي الممول أنشطة مشمولة بوعاء ضريبي ، أو مفروض عليها ضرائب مرتفعة ".
وبذلك يبدو أن التهرب الضريبي منطوي على قصد التملص الذي يشترك فيه مع الغش الضريبي ، و يختلف عليه في أنه خال من أي عرقلة أو مخالفة للقانون الضريبي .
و يتضح من خلال كل ما سبق الأهمية التي يحظى بها هذا موضوع ، و الذي سنحاول دراسته معتمدين على منهج تحليلي ، و منهج مقارن من خلال الإنفتاح على التجارب المقارنة في هذا الخصوص.
كما أن أهمية هذا الموضوع تبرز بشكل جلي في خصوصية هذه الجريمة و راهنيتها ، و ارتباطها الوثيق بمجال الأعمال و تداعياتها الوخيمة على الإقتصاد الوطني ، الأمر الذي يثير الكثير من الإشكالات ، و التي تتمحور أساسا حول الأسباب و العناصر المكونة لقيامها . و الآليات المخولة للمشرع من أجل الحد من هذه الظاهرة و زجر مرتكبيها و مدى نجاعته في ذلك .
و محاولة منا للإحاطة بهذه الإشكالية سنعمل على تقسيم عرضنا على الشكل التالي:
- المبحث الأول : أسباب  الجريمة وأركان قيامها.
- المبحث الثاني: خصوصيات الإجراءات المسطرية لجريمة  و العقوبات المقررة لها.

المبحث الأول : أسباب ارتكاب جريمة الغش الضريبي و أركانها 


إن انتشار جريمة الغش الضريبي مرده وجود بيئة توفرت فيها الشروط الملائمة لها و التي ساعدت في نموها و اتساعها ، لذلك فإن وجود هذه الظاهرة يعتبر نتاج لأسباب معينة تختلف من مكلف للآخر و من نظام جبائي لآخر حسب السياسة المتبعة في هذا المجال (المطلب الأول) بحيث أن هذه الأسباب تكون وراء نموها و ارتفاع معدل ارتكابها ، مما ينبغي معه التساؤل عن الأركان المكونة لهذه الجريمة (المطلب الثاني).

المطلب الأول : الأسباب 

إن أسباب تفشي هذه جريمة عديدة و متنوعة نظرا لتطور أساليب ارتكاب هذه الجريمة وقصور الأنظمة الجبائية في الإحاطة بها ، إلا أنه يمكن إجمال هذه الأسباب في أسباب تعود إلى الملزم نفسه (فقرة أولى) و أسباب خارجة عن إٍرادته أي تعود إلى الإدارة الضريبية أو التشريعات الضريبية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : الأسباب العائدة إلى المكلف .

قبل التطرق إلى هذه الأسباب  لابأس بإعطاء تعريف للمكلف الملزم و الذي لم يعرفه المشرع المغربي إلا أن الفقه يعرفه بأنه : "الشخص الذي عينه المشرع الضريبي بأن تفرض عليه الضريبة ، أي الشخص الذي يتحمل العبىء القانوني بغض النظر عن إمكانية  نقل عبئها إلى شخص آخر " [2]
و بالتالي فإن المكلف بأداء الضريبة غالبا ما يكون السبب في تفشي جريمة الغش الضريبي ، نظرا لعدة اعتبارات من بينها :
- ضعف الوعي الضريبي : حيث يعتبر ضعف الوعي الضريبي من أبرز الأسباب ، بحيث نقص شعور الأفراد بواجبهم تجاه الدولة يدفعهم لبعض الإعتقادات الخاطئة عن الضريبة ، كاعتبارها اقتطاع مالي دون مقابل و بالتالي أداة تعسف على أملاك الأفراد ، واعتباره لا يضر بمصلحة الأفراد بقدر ما هو سرقة شريفة للدولة ، و أيضا الإعتقاد بعدم شرعية الضريبة لعدم استنادها على منطلقات عقائدية عكس الزكاة مثلا التي نصت عليها الشريعة الإسلامية .[3]



- ضعف المواطنة الجبائية : و يقصد بالمواطنة الجبائية مدى احساس الملزم بأنه حينما يقوم بأداء الضريبة المفروضة عليه وفقا للمقتضيات القانونية ،فإنما يشارك في واجب وطني ألا و هو المساهمة في الأعباء العامة للدولة[4] . وبالتالي فإن هذا الشعور قد يصيبه الفتور لدواعي عدة ، من قبيل تجاوز الضريبة للحدود المعقولة و التي تولد لدى الملزم إحساسا بأنه يشتغل من أجل الدولة ، و الإنطباع الذي يرتسم لديه بشأن عدم اهتمام الدولة بموضوع الجباية مع انعدام الثقة في سياسة الإنفاق العامة ، كل هذه المبررات يمكن اعتبارها من دوافع لجوء الملزم إلى التهرب غير المشروع عن أداء الضريبة .[5]
وارتباطا بمجال الأعمال نجد أن بعض الملزمين يتولد لديهم شعور بانعدام العدالة الجبائية و عدم تحقق منافسة شريفة بين الشركات مما يدفعهم إلى اعتبار الغش الضريبي مشروعا و لا يشكل القيام به عملا إجراميا.

الفقرة الثانية: الأسباب الخارجة عن إرادة المكلف

توجد عدة عوامل تزيد من اتسلع دائرة الغش الضريبي تعود للإدارة الضريبية (أولا) و منها ما يرتبط بالتشريعات الضريبية ذاتها (ثانيا ) أو لأسباب مرتبطة بالإقتصاد (ثالثا).

أولا : الأسباب المتعلقة بالإدارة الضريبية :

تشكل الإدارة الضريبية أداة فعالة داخل النظام الضريبي ، لذلك فإن ضعف الإدارة الجبائية و عدم نزاهتها يفتح الباب أمام انتشار جريمة الغش الضريبي ، و يرجع هذا الضعف إلى عدة أسباب منها ما يرتبط بالجانب التنظيمي كتعقد الإجراءات الإدارية و التنظيمية للإدارة الضريبية، و عدم فاعلية فرق الأبحاث و التحقيقات في محاربة هذه الظاهرة و المتمثل في ضعف الفاعلية و الحجم في نشاط هذه الفرق بالإضافة إلى المركزية الشديدة في جمع المعلومات [6]، و منها ما هو مرتبط بالإمكانيات المادية  والبشرية للإدارة كضعف آليات العمل الضرورية من معلوميات ووسائل حديثة لمعالجة المعلومات و الإحصائيات الجبائية ، و كذا نقص التجهيزات الأساسية بخلاف المصالح المركزية الأخرى .
إضافة إلى قلة الموظفين ذوي الخبرة في هذا المجال و كفائتهم دون أن ننسى الجانب الخلقي للموظف العمومي و تفشي ظاهرة الرشوة في المصالح الضريبية .

ثانيا : الأسباب المتعلقة بالتشريعات الضريبية :

أما فيما يخص التشريع الجبائي أو النظام الضريبي فهو يعتبر من أهم أسباب تفشي هذا النوع من الجرائم ، إذ في حالة كان التشريع الضريبي تشريعا مضبوطا و حازما فإن الجباية الضريبية تكون سلسة و تكون الإدارة على كفاءة عالية للقيام بمهامها ، أما عندما يكون القانون متساهلا و يعفي الكثير من القطاعات من الضريبة أو لا يشملها ، يؤدي ذلك إلى ظهور فئة تسعى إلى الغش الضريبي ، و في هذا الإطار يدخل التشريع الجبائي المغربي و الذي يتسم بتعدد القوانين الضريبية و التعديلات المتكررة التي تتضمنها قوانيين المالية كل سنة ، مما أفقد الجباية معناها الأصلي و الأهداف المتوخاة منها و بالتالي عدم استقرار النظام الجبائي و كثرة التعقيدات و التغيرات على مستوى النصوص المنظمة له ، مما يؤدي حتما إلى استفحال ظاهرة الغش و التهرب الضريبي .[7]

ثالثا : الأسباب الإقتصادية :

أظهرت النظريات في الميدان الجبائي أنه كلما ارتفعت حدة الضغط الضريبي أو ثقل عبء الضريبة ، كلما أدى ذلك إلى التملص من الإلتزام بدفع الضرائب المستحقة ، فطبيعة النظام الجبائي لكل بلد تقاس بالجانب الإقتصادي أي قدرة المكلف على الأداء ، فالاقتطاعات الإجبارية لدخل الشخص سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا تؤثر في مستويات الغش الضريبي وكلما كان مستوى الاقتطاع الضريبي مرتفعا كلما ارتفعت مستويات الغش والعكس صحيح ،وقد يؤدي هذا الأمر حتى الى اغلاق بعض المؤسسات الانتاجية ،ولعل ما يفسر ارتفاع نسبة التهرب الضريبي في المغرب هو حدة الضغط الضريبي في هذا البلد بامتياز [8].
كما يعتبر القطاع غير المهيكل أحد أبرز الأسباب الاقتصادية للغش الضريبي إذ يشكل هذا القطاع نسبة ما يعادل ربع حجم الاقتصاد الوطني ،وليس هناك رقابة جبائية على هذا القطاع ،حيث من شأن هذا الاخير أن يشكل دعامة أساسية لا يستهان بها ،إذ تؤكد المعطيات أن نسبة قليلة من المجتمع المغربي هي المعنية بالاقتطاعات الضريبية ،وبالتالي فالمؤسسات غير المنظمة لا تتحمل تكاليف الضرائب ،وهذا قد يجعل المؤسسات التي تخضع للضريبة تقدم محاسبة زائفة وبالتالي ممارسة الغش الضريبي ،مما يجعل الدولة تفقد مداخيل ضريبية هامة[9].
ومن هنا يمكن القول أن الأسباب باختلافها وتنوعها تؤدي لا محالة الى آثار وخيمة على خزينة الدولة حيث تفقدها موارد مالية مهمة ،مما يؤدي الى تعطيل المشاريع التنموية وتخفيض نفقات الاستثمار ،هذا الامر من شأنه أن يزيد من حدة البطالة ،كما أن من بين الآثار المباشرة للغش الضريبي انتفاء العدالة الضريبية بين الملزمين وكذا المساس بالمنافسة الحرة والنزيهة بين الشركات ،ذلك أن الشركة المتملصة باستحواذها على الأموال العامة بالطرق غير المشروعة تستطيع حينئذ تخفيض تكلفة إنتاجها وبالتالي الإضرار بباقي الشركات .

المطلب الثاني : أركان الجريمة  

نظرا لكون الضريبة فريضة نقدية يتحملها المكلف بصفة نهائية و جبرية و دون مقابل بهدف تحقيق السياسات المالية  العامة للدولة  فإن مخالفة هذه القاعدة يرتب جزاء في جل التشريعات الحديثة . وبما أن الغش الضريبي هو مخالفة صريحة لهذه القاعدة، فإن هذا الفعل يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون[10].
وبما أن القانون الجنائي لا يعاقب على ما في ضمير الفرد من أفكار و إنما يهتم بالمظهر الخارجي لهذه الأفكار أو السلوك فإن الجريمة تستدعي توفر الركن المادي (الفقرة الأولى ) إلا أن هذا الركن لم يعد كافيا لتشكيل هذه الجريمة بل يجب أن تكون هناك إرادة آثمة أي القصد الجنائي لدى الملزم (الفقرة الثانية) و بديهي أنه لقيام أية جريمة يستدعي توفر الركن الثالث ألا و هو تجريم هذا الفعل  غير المشروع ، و هذا الركن لن يتم التطرق إليه باعتبار أن الركن القانوني لأي جريمة مهما كان يتمثل في النص القانوني ، و الذي سنتعرض له عند الحديث عن الجزاءات .

الفقرة الأولى : الركن المادي.

يتمثل الركن المادي لجريمة الغش الضريبي في مخالفة الإلتزام الجبائي ، و قياسا على ذلك لا يمكن تصور حدود الجريمة ما لم يقم الملزم الخاضع للضريبة بارتكب إحدى الأفعال التي تؤدي إلى مخالفة الإلتزام الضريبي اتجاه المصلحة المالية للدول ، و أن تكون هذه الأفعال مرتكبة في إحدى الضرائب الثلاث التي وردت في القوانين المنظمة للضرائب و هي : الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات ، و الضريبة على الدخل و واجبات التنبر .[11]
وهكذا فإننا سنحاول من خلال هذه الفقرة تحديد الأفعال المشكلة للركن المادي على أن نحدد بعد ذلك أحكام المساهمة و المشاركة و المحاولة في هذه الجريمة .

أولا : الأفعال المشكلة للركن المادي :

لقد عدد المشرع المغربي الأفعال المشكلة لجريمة الغش الضريبي في المادة 192 من المدونة العامة للضرائب و حصرها في خمسة أفعال و هي :
- تسليم أو تقديم فاتورات صورية
- تقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية
- البيع بدون فاتورات بصفة متكررة
- إخفاء أو إتلاف وثائق المحاسبة المطلوبة قانونا
- إختلاس مجموع أو بعض أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسية في خصومها قصد انتحال عسرها
إن الغاية من هذه الأفعال بالدرجة الأولى هو تضخيم التكاليف التي تفوق حجمها الحقيقي لتقليص صافي الربح أو زيادة حجم الخسارة، و ذلك للحيلولة دون أداء المستحقات  على الوجه الصحيح و افتعال إعتسار الشركة ، مما يعتبر اعتداء على الخزينة العامة في الحصول على الأموال اللازمة لتنفيذ سياساتها في الميدان الإقتصادي و الإجتماعي .
و بالتالي فإنه لابد لقيام الركن المادي لجريمة الغش الضريبي من توفر ثلاث عناصر أساسية و هي : إثبات الأفعال المجرمة على الملزم ، ثم إلحاق الضرر بالمصلحة الضريبية الذي يعتبر كنتيجة ، ثم  العلاقة السببية بين هذا النشاط و النتيجة المحققة .

ثانيا: المساهمة والمشاركة و المحاولة 

لايتوقف قيام الجريمة على مرتكبيها فقط بل أيضا على أفعال المساهمة و المشاركة فيها .
فعلى مستوى المساهم في جريمة الغش ، فإن المشرع المغربي عاقب على المساهمة في ارتكاب الأفعال المجرمة بنفس العقوبة التي تطال الفاعل الأصلي ، حيث تنص المادة 231 من المدونة العامة للضرائب على " أنه يتعرض لنفس العقوبة كل شخص ثبت أنه ساهم في ارتكاب الأفعال المذكورة أو ساعد أو أرشد الأطراف على تنفيذها" ، و هذا ما سار عليه أيضا المشرع الفرنسي في المادة 1772 من المدونة العامة للضرائب الفرنسية.[12]
أما فيما يخص المشاركة في الغش الضريبي فالمادة 131 نصت على أنه" يعتبر مشاركا كل من ساعد في أعمال تحايل ترمي إلى التملص من دفع الضريبة "، كالتحفظ على وثائق محاسبية مزيفة لشركة .
و يمكن طرح التسائل عن إمكانية تصور المحاولة في تنفيذها ؟ و هل المشرع المغربي يعاقب عليها ؟
بما أن هذه الدريمة من الجرائم الإقتصادية الواجب عقاب من يحاول ارتكابها ، فإنه يكفي لقيام الجريمة استعمال إحدى الطرق الإحتيالية ، سواء تحققت النتيجة أو لم تتحقق.
وبالرجوع إلى المشرع المغربي نجد أنه لم يقرر أي عقوبة لمحاولة الغش الضريبي التي لم تكتمل و لو توافرت مؤيدات ثبوتها ، و لئن كان في استبعاد المحاولة في نطاق التجريم ما يبرره باعتبار ما يطرحه من مشاكل التمييز بين الأعمال التحضيرية للمخالفة و بداية التنفيد ، فإنه لا مبرر لعدم تجريم عدم الإدلاء بالإقرارات في ثبوت سوء نية الملزم ، أو على الأقل معاقبة ما يشوبها من نقص متعمد في بياناتها ، و هي الحالة التي لم تتوانى بقية التشريعات المجرمة للغش الضريبي على إخضاعها لجزاءات جنائية ، و من بينها التشريع الفرنسي و الجزائري و المصري [13]، واللذين جرموا المحاولة ، أما المشرع المغربي فاكتفى بربط أساس الضريبة ربطا حقيقيا من طرف الإدارة مع غرامة إضافية دون اللجوء إلى تجريم هذه المحاولة .

الفقرة الثانية: الركن المعنوي

إن الجريمة عموما لا تقع قانونا ما لم تتوفر الإرادة الآثمة لدى الجاني ، أي أنه يجب أن يكون الفعل أو الإمتناع قد نتج عن إرادة واعية و أن يكون الهدف من ذلك هو مخالفة القانون .
وباعتبار جريمة الغش الضريبي من الجرائم العمدية فإنه لا بد لقيامها من توفر على ما يتبث القصد الجنائي بنوعيه ، العام بحيث أن المتملص يكون على علم بارتكابه فعلا من الأفعال المجرمة ، و الذي من شأنه أن يؤدي إلى الإفلات من الخضوع للضريبة أو التملص من دفعها ، أو الحصول على خصم منها ، أو استرداد مبالغ بغير حق ، و قصد خاص بأن تتجه إرادة الجاني إلى التخلص من أداء الضريبة كلها أو بعضها ، أي حرمان الإدارة الضريبية من الحصول على حقها من هذه الضريبة .
والتساؤل المطروح هنا ، هل يمكن الإكتفاء بتوفر الخطأ غير العمدي لتكوين الركن المعنوي ، أم لابد أن تتجه إرادة الجاني إلى التخلص الكلي أو الجزئي من الضريبة المستحقة ؟
بخصوص الجواب الجواب على هذا السؤال فقد تضاربت بشأنه الآراء حيث نص المشرع الفرنسي ، في الفصل 1729 من المدونة العامة للضرائب أن الغرامات المنصوص عليها في هذا القانون لا تطبق على الممول إلا إذا ثبت وجود سوء نية لديه .و لقد ورد استثناء واحد يتعلق برسوم التسجيل حيث يفترض وجود سوء النية لدى المكلف عندما يصرح ببيع عقار تقل قيمته عن 50 بالمئة من قيمته الحقيقية ، و ذلك رغبة في التملص من دفع رسم التسجيل ، و هذا الحق الممنوح للإدارة ثم ربطه بضمان عدم تعسفها في استخدامه عن طريق حملها على الإدلاء بما يتبث الصورية التي تدعيها أو لجوئها إلى استشارة لجنة التعسف في استعمال الحق قبل قيامها بالمطالبة بالضريبة و ذعائر الغش الضريبي المقترنة بها .[14]
و في نفس الإتجاه ذهب بعض الفقه المصري إلى القول بأن هذه الجرائم هي جرائم اقتصادية عمدية لا تقوم إلا بتوفر القصد الجرمي العام كركن معنوي لها ، و بالتالي يؤدي عدم توفره إلى انتفاء قيامها ، إذ أن مجرد الخطأ بمفهومه الضيق ، لا يشكل ركنا معنويا كافيا لها .[15]
بينما المشرع المغربي يكتفي بتوفر الخطأ غير العمدي لتحقيق الركن المعنوي في جريمة الغش الضريبي ، حيث أنه يفرض غرامات مالية على المخالفين بمجرد وقوع التصرف المخالف لهذه الأحكام دون البحث عما إذا كان هذا الخطأ قد ارتكب عن سوء نية أو وقع نتيجة إهمال ، كما أنه يقرر عقوبات مالية أشد عندما يثبت أن المكلف قد خالف عن سوء نية أحكام القانون.[16]
ومن هنا فإن التوجه الذي صار عليه المشرع المغربي في نظرنا غير سليم حيث نجد في بعض الأحيان على مستوى المعاملات التجارية بين التجار مثلا أنهم يهملون بعض الإجراءات ، كالبيع بدون فاتورات نظرا لعوامل عدة كالسرعة في ابرام الصفقات ووجود أعراف بين التجار تقوم على أساس الثقة في المعاملات ،و بالتالي لا ينبغي أن تقوم الجريمة الضريبية في هذه الحالة إلا إذا أثبتت الإدارة الضريبية أن هؤلاء الملزمين قد قصدوا الإفلات من الخضوع للضريبة أو التملص منها.

المبحث الثاني : خصوصيات المتابعة و الجزاء في جريمة الغش الضريبي


يعتبر قانون المالية لسنة 1996 1997 [17] ، الإطار المرجعي الذي تم بموجبه تجريم الغش الضريبي لأول مرة ، و قد أتى بمقتضيات تهم إجراءات مسطرية و زجرية مقررة للجريمة و التي تم إدماجها في الفصلين 192 و 231 من المدونة العامة للضرائب .
وفيما يلي سنقوم بدراسة خصوصيات الإجراءات المسطرية المتبعة في هذا الخصوص (المطلب الأول) على أن نعالج الجزاءات الخاصة المقررة لهذه الجريمة في (المطلب الثاني).

المطلب الأول : خصوصيات مسطرة المتابعة 

إن مسطرة المتابعة في جريمة الغش الضريبي لها خصوصيات تختلف عن باقي المتابعات الجنائية ، بحيث لا يمكن إدانة الملزم المرتكب للمخالفة إلا بعد استنفاد مسطرة المتابعة الخاصة المتضمنة لمجموعة من الإجراءات و التي تنقسم إلى ماهو إداري (فقرة أولى )وما هو قضائي (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : المسطرة الإدارية

من خلال استقراءنا للمادة 231من المدونة العامة للضرائب ، نجد أن المرحلة الإدارية الأولية من المسطرة تتضمن إجرائيين أساسيين :
إجراء خاص بضبط المخالفات و التي يجب أن تكون بموجب محضر يحرره مأموران محلفان بإدارة الضرائب من درجة مفتش ينتدبان لهذا الغرض ، و محلفين و فقا للتشريع الجاري به العمل و المخولة لهم  الصفة الضبطية بموجب الفصل 27 من المسطرة الجنائية [18].
وتبعا لذلك فإن الجرائم الضريبية التي يتم اكتشافها من قبل عناصر الشرطة القضائية حين قيامهم بأبحات تمهيدية لا يمكن أن تكون محل متابعة ، طالما أن تلك الجرائم لم تثبت خلال المراقبة الضريبية .
إجراء خاص بعرض الشكاية التي ترمي إلى تطبيق العقوبة من طرف  وزير المالية أو من ينوب عنه لهذا الغرض ، على لجنة تسمى لجنة المخالفات الضريبية و التي لها دور استشاري يرأسها قاضي و تضم ممثلين اثنيين عن إدارة الضرائب و ممثلين عن الملزمين يتم اختيارهم من القوائم التي تقدمها المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا ، و يعني أعضاء هذه اللجنة بقرار من رئيس الحكومة [19].
وما يلاحظ من الناحية العملية أن هذه اللجنة توجد في سبات عميق بحيث لم يسبق لها أن  انعقدت مند إحداتها إلى يومنا هذا ، و هذا الأمر من شأنه أن يضر بمصالح الأفراد و الملزمين  بحيث أن هذه المؤسسة كان عليها أن تلعب دورا أساسيا في فض المنازعات دات الطابع الزجري ، و من جهة ثانية فإن الطابع الإستشاري لهذه اللجنة لا يؤثر على قرار وزير المالية في تقديم الشكاية ، بخلاف القانون الفرنسي الذي يمنع على الإدارة تقديم شكايتها للنيابة العامة قصد المتابعة ، إلا إذا جائت إستشارة لجنة المخالفات الضريبية لفائدة الإدارة ، وأن عدم التقييد بموقفها يجعل مآل شكاية وزير المالية عدم القبول [20].

الفقرة الثانية: المسطرة القضائية

تتضمن هذه المسطرة ثلاث إجراءات أساسية :
1-تخويل المشرع لوزير المالية أو الشخص المفوض إليه بعد استشارة اللجنة المدكورة سابقا ، إمكانية تحريك الدعوى العمومية و ذلك بإحالة الشكاية على وكيل الملك المختص تبعا لمكان ارتكاب المخالفة .

2-إلزام المشرع وكيل الملك بإحالة الشكاية مباشرة على المحكمة المختصة تبعا لقواعد الإختصاص المحلي ، هذه المحكمة يتعين عليها أن تقوم بإجراء بحث تكميلي كي تتأكد من الطبيعة الجنائية للمخالفة .

3-بعد إجراء البحث التكميلي ، يفسح المجال للمرافعات و خاصة للدفاع و التي تنتهي بإصدار الحكم وفقا لما ينص عليه القانون في هذا الإطار و هذا الحكم قد يقضي بإدانة الملزم و تحديد المسؤولية ، كما قد يقضي بتبرأ ة ساحة المتهم .
ولعل ما يثير الإنتباه ، هي المكانة المخولة لوزير المالية أو الشخص المفوض إليه من حيث تحريك المتابعة إو حفظ الملف[21]. ويبدو أن غاية المشرع من ذلك تروم إقرار مبدأ العدالة التصالحية حيث يمكن للإدارة الضريبية تسوية المنازعات مع الملزم عن طريق الصلح ، و بالتالي الحفاظ على العلاقة الجيدة بين الإدارة الضريبية و الملزم دون الإحالة على المحكمة الجنائية .
وما يلاحظ أيضا أن النيابة العامة المتمثلة في وكيل الملك ملزم بإحالة الشكوى الضريبية فورا على قاضي التحقيق و لا يملك حفظها أو ملائمة المتابعة ، لكون الشكاية المتعلقة بجريمة الغش الضريبي تتضمن كافة عناصر الإثبات التي حصلت عليها الإدارة الضريبية ، بخلاف المشرع الفرنسي الذي منح النيابة العامة بعد تلقي طلب الإدارة بتحريك الدعوى الجنائية سلطة تقديرية تتمثل في طلب إجراء بحث تكميلي قبل مباشرة المسطرة ، أو حفظ ملف الدعوى بصفة نهائية إذا لم تقتنع بجدية المخالفات الضريبية[22]

المطلب الثاني : الجزاءات المقررة  

لقد اعتمد المشرع المغربي لزجر مرتكبي هذه جريمة على نظام ازدواجي في توقيع العقوبات و تنقسم إلى جزاءات جبائية (فقرة أولى ) و جزاءات جنائية (فقرة ثانية)

الفقرة الأولى : الجزاءات الجبائية

بالرجوع إلى المدونة العامة للضرائب ، و كدا تعديلات قانون المالية لسنة 2016، نجد أن الإدارة الضريبية تفرض جزاءات على الملزم دون اللجوء إلى المحكمة ، و بما أن المشرع المغربي حصر الغش الضريبي فقط فيما يتعلق بالضرائب الثلاث : الضريبة على القيمة المضافة، الضريبة على الشركات ، الضريبة على الدخل وواجبات التنبر . فإننا سنقتصر على بعض الجزاءات المشتركة بين هذه الضرائب ، و التي تنقسم  إلى جزاءات متصلة بالإدلاء بالتصريح (أولا) و جزاءات متصلة بمسطرة المراقبة (ثانيا)

أولا : الجزاءات المتعلقة بالإدلاء بالتصريح

هذه الجزاءات واردة في المواد 184 و 188و189 من المدونة العامة  للضرائب .
-المادة 184 : تتعلق بجزاءات متمثلة في زيادة قدرها 15 بالمئة عن عدم الإدلاء أو الإدلاء المتأخر بالإقرارات المتعلقة بالحصيلة الخاضعة للضريبة و زائد القيمة و الدخل العام ، و الأرباح العقارية و رقم الأعمال و العقود و الإتفاقات ، غير أنه عند كل إقرار ناقص أو غير كاف ، لا تطبق هذه الزيادة ، إذ لم يكن للعناصر الناقصة أو المتضاربة تأثير على أساس الضريبة أو تحصيلها .وقد لحق هذه المادة تعديل بموجب قانون المالية لسنة 2016[23]، بحيث أصبحت الزيادات تنقسم مابين 5 بالمئة في حالة إيداع الإقرارات و الإتفاقات داخل أجل لا يتجاوز 30 يوما من التأخير وفي حالة إيداع إقرار تصحيحي خارج الأجل يترتب عنه أداء واجبات تكميلية ، زيادة 15 بالمئة في حالة في حالة الإدلاء بالإقرارات و العقود و الإتفاقات بعد أجل 30 يوم المدكور . ثم زيادة 20 بالمئة في حالة فرض الضريبة بصورة تلقائية في حالة عدم إيداع الإقرار الضريبي أو في حالة إيداع إقرار ناقص أو غير كاف و غرامة قدرها 500 درهم في حال لم يكن تأثير لهذه العناصر على أساس الضريبة أو تحصيلها .
-المادة 188 و المتعلقة بغرامة قدرها 1000 درهم يتعرض لها كل خاضع للضريبة لا يودع في الآجال المحددة التصريح بالتأسيس المنصوص عليه في المادة 148 أو إقرار غير صحيح .
-المادة 189 متعلقة بغرامة قدرها 500 درهم يتعرض لها كل خاضع للضريبة لا يقوم بإشعار الإدارة الجبائية بتحويل مقره الإجتماعي  أو إقامته ، كما هو منصوص عليه في المادة 149 .

ثانيا : الجزاءات المتعلقة بمسطرة المراقبة

هذه الجزاءات ثم التنصيص عليها في المواد 185، 186، 187 من المدونة العامة للضرائب .
-المادة 185: متعلقة بالمخالفات الخاصة بحق الإطلاع بحيث تطبق غرامة قدرها 2000 درهم و إن اقتضى الحال غرامة تهديدية قدرها 100 درهم ، غير أنه بالنسبة للضريبة على الدخل يتراوح مبلغ هذه الغرامة ما بين 500 درهم إلى 2000 درهم هذا و قد طرأت على هذه المادة تعديلات بمقتضى قانون مالية   2016. حيث أصبحت الغرامة التهديدية اليومية 500 درهم على ألا تتجاوز في مجموعها 50 ألف درهم .
-المادة 186 : متعلقة بزيادة 15 بالمئة عند تصحيح حصيلة الأرباح أو رقم الأعمال لسنة محاسبية ، وكذا عند تصحيح حصيلة فيها عجز مادام العجز قائما ، و أيضا الخاضعة للضريبة وكل خصم بغير حق أو تحايل يرمي إلى الحصول بغير موجب على الإستفادة من إعفاء أو إرجاع ، و ترفع نسبة ذعيرة إلى 100 بالمئة إذا أثبت  سوء نية الخاضع للضريبة .
هذه المادة أيضا دخلت عليها بعض التعديلات حيث أصبحت الزيادة تصل إلى 20 بالمئة بدل 15 بالمئة و ترتفع إلى 30بالمئة بالنسبة للخاضعين للضريبة على القيمة المضافة و الخاضعين لإلزامية حجز الضريبة في المنبع.
-المادة 187 : متعلقة بغرامة تساوي 100بالمئة  من مبلغ الضريبة المتملص منها على كل شخص ثبت أنه ساهم في أعمال تهدف إلى التملص من دفع الضريبة ، أو ساعد الخاضع للضريبة أو أشار عليه بخصوص تنفيد الأعمال المذكورة بصرف النظر عن العقوبات التأديبية إذا كان يمارس وظيفة عمومية و هذه المادة لم يلحقها تغيير.
و من خلال هذا الجرد لبعض النصوص المتعلقة بالجزاءات الجبائية يتبين بالملموس أن سياسة المشرع المغربي في هذا الإطار تروم إلى الرفع من الغرامات المطبقة في هذا المجال و بالتالي الرفع من المداخيل الضريبية .

الفقرة الثانية : الجزاءات الجبائية  

إن تجريم الغش الضريبي شكل الملاذ الأخير للمشرع لزجر الأفعال التي ترمي إلى التحايل على الإدارة الضريبية قصد محاربة هذه الآفة الإقتصادية التي تلقي بظلالها بانعكاسات سلبية على الإقتصاد الوطني.
وفيما يتعلق بالجزاءات الجنائية فقد تم تحديدها في المادة 192 من المدونة العامة للضرائب التي تنص على أنه بغض النظر عن الجزاءات ذات الطابع الإداري المنصوص عليها في الباب الرابع من المدونة ، يعاقب مرتكب الجريمة بغرامة تتراوح ما بين 5000 درهم  و 50 ألف درهم .و في حالة العود قبل مضي 5 سنوات على الحكم بالغرامة الذي اكتسى قوة الشيء المقضي به ، يعاقب مرتكب المخالفة بالإضافة إلى  الغرامة المشار إليها بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر .
وقد اعتمد المشرع المغربي مبدأ شخصية المسؤولية و شخصية العقوبة بحيث عاقب كل شخص طبيعي ارتكب المخالفة ، و كل مسؤول عن الشخص المعنوي إذا ما ارتكبت المخالفة ، و كل مسؤول عن الشخص المعنوي إذا ما ارتكبت المخالفة بموافقة إو تنفيدا لتعليماته، و كذا كل شخص ثبتت مساهمته أو مشاركته في ارتكاب الجريمة ، كالمحاسبين مثلا أو كل من أمسك حسابات الملزم[24].

وبناءا على ما سبق يمكن إبداء بعض الملاحظات:
- محدودية الأفعال المجرمة في نطاق النظام الجبائي المغربي بحيث أن المشرع قام بتحديد لائحة المخالفات على سبيل الحصر في المادة 192 و هو أمر لا يستقيم مع الواقع المعقد و المتشابك للعمليات التي تعرفها الممارسات التجارية و المهنية و الصناعية ، بالإضافة إلى إقصاء العديد من الضرائب في مجال التجريم و الإقتصار على الضرائب الرئيسية الثلاث  مما يدفعنا إلى التساؤل حول أنواع الضرائب الأخرى إذا ما كانت مخالفتها تستوجب الزجر ، فعلى مستوى رسوم التسجيل مثلا لا يتم التصريح بالثمن الإجمالي الحقيقي لإقتناء عقار في عقد البيع و هو ما يعرف بظاهرة "النوار" و بغض النظر عن كون هذا السلوك يعد تهربا أو غشا فإنه يضيع على خزينة الدولة مبالغ طائلة ، مما يستوجب التصدي له[25].
- ضعف الجزاءات الجنائية المقررة لهذه الأفعال بالمقارنة مع ما يجري العمل به في نطاق القانون المقارن ، فالغرامة في القانون المغربي لا يتجاوز حدها 50 ألف درهم ، و لم يقضي بتطبيق العقوبة الحبسية التي لا يزيد حدها الأقصى عن 3 أشهر إلا في حالة العود في ارتكاب المخالفة ، عكس العود في القانون الجنائي الذي يشدد من العقوبة ، و مما تجدر الإشارة إليه أن العقوبة الحبسية قد تم التنصيص عليها في مشروع قانون المالية لسنة  [26] 2016 إلا أنه أثناء مداولة المشروع تم إلغاء العقوبة الحبسية والإكتفاء بالغرامات في حين نجد بعض التشريعات المقارنة نصت على العقوبات الحبسية كإجراء زجري و من بينها التشريع الفرنسي [27] و المصري[28].

خــــــــاتمــــــة

إن جريمة الغش الضريبي ظاهرة عالمية تستنزف اقتصادات الدول ، لذا فهي جريمة ذات طبيعة خاصة من جرائم الأعمال ، حيث خصصت لها كل التشريعات عقوبات جزائية و جبائية لردع من قام بها قصد حرمان الدولة من المداخيل التي ستغني الخزينة العامة لها .
و يتبين لنا من خلال ما سبق ذكره في هذا العرض أن وجود جريمة الغش الضريبي في المجتمع دليل على خلل في العلاقة بين الملزم و الإدارة ، و أن سياسة الضغط الضريبي تؤدي حتما إلى الغش في أداء الضريبة .
وبذلك لا يسعنا إلا أن ندعو القائمين على النظام الجبائي المغربي إلى لعب أدوار تواصلية مع الملزمين لتحسين العلاقة المتوترة و الشاحبة التي تطبع الملزم بالإدارة الجبائية  و الإنفتاح أكثر على تجارب الدول التي نجحت ولو نسبيا في الحد من هذه الظاهرة و جعل الشفافية في الإنفاق العام و ترشيده السمة الغالبة بالنسبة لموارد الدولة من الضرائب ، و التي لها تأثير على نفسية المكلفين ، حيث إذا كانت هذه الإيرادات تصرف في مجالات سيستفيد منها الملزم فإنه يشعر بالراحة و الإطمئنان ، مما يشجعه على دفع الضريبة أما إذا بددت هذه اللأموال في وجوه غير صحيحة فإن الملزم يتحين الفرصة للتهرب من أداء الضريبة .

المراجع المعتمدة

الكتـــــــب :
- طارق السلومي ، تجريم الغش في المادة الضريبية ، السلسلة المغربية للعلوم و التقنيات الضريبية ، العدد السادس ، مطبعة الأمنية – الرباط 2014
- محمد عبد الرحمان أبليلا ، الإثبات في المادة الجبائية بين القواعد العامة و خصوصيات المادة ، مطبعة الأمنية – الرباط  2013
- يحيى الصافي . الغش الضريبي . مكتبة الهلال العربية للطباعة و النشر – الرباط . السنة 1996.

الرسائل و الأطروحات :
- أحمد رفيع ، إشكالية توازن العلاقة الجبائية بين الإدارة الضريبية و المكلف ، رسائل لنيل الماستر في القانون الخاص ، جامعة عبد المالك السعدي كلية الحقوق – طنجة.السنة الجامعية 2007-2008
- زغدوني أمال ، جريمة الغش الضريبي ، مذكرة تخرج لنيل شهادة الإجازة جامعة 8 ماي . كلية الحقوق و العلوم السياسية ، قسم العلوم القانونية ، السنة 2013 -2014
- صفوان اليعقوبي . الغش الضريبي و انعكاساته على أطراف العلاقة الجبائية ، رسالة لنيل الماستر في القانون العام ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله . كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية – فاس-السنة الجامعية 2011-2012

المقالات :
-  محمد شكيري . أهمية التواصل في تدبير الضريبة ، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية .عدد 43. مارس 2002
قد يهمك أيضا


---------------------------------------------------------------------
[1]  طارق السلومي "تجريم الغش في المادة الضريبية " السلسلة المغربية للعلوم و التقنيات الضريبية ، العدد السادس ، مطبعة الأمنية – الرباط 2014 .ص 5
[2]  محمد عبد الرحمان أبليلا ، "الإثبات في المادة الجبائية بين القواعد العامة و خصوصيات المادة " ، مطبعة الأمنية –بالرباط ، 2013،ص 58
[3] زغدوني أمال "جريمة الغش الضريبي " مذكرة تخرج لنيل شهادة الإجازة جامعة 8 ماي كلية الحقوق و العلوم السياسية ، قسم العلوم القانونية سنة 2013-2014،ص 18
[4] طارق السلومي ،م.س.ص73
[5]  أحمد رفيع ، "إشكالية توازن العلاقة الجبائية بين الإدارة الضريبيةو المكلف" رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي . كلية الحقوق – طنجة السنة الجامعية 2007-2008 ص .98
[6]  بالنسبة لضعف الفعالية و الحزم في نشاط هذه فيظهر في الشكليات العديدة التي تتوصل بها الإدارة الضريبية بسبب ارتفاع نسب الأخطاء التي تقع فيها ، أما فيما يخص المركزية الشجيدة في جمع المعلومات فيظهر في اتساع البعد الجغرافي بين المصالح المحلية للمراقبة، و هذه الفرق و كذا زيادة عدم اتصالها على مستوى الربط المعلوماتي.
[7] محمد شكيري أهمية التواصل في تدبير الضريبة ، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ، عدد43.مارس .2002.ص 91
[8] طارق السلومي .م.س.ص62
[9]  زغدوني أمال .م.س.ص23
[11]  صفوان اليعقوبي .م.س.ص18
[12]  تنص المادة 1772 من المدونة العامة للضرائب الفرنسية على أنه "تطبق نفس العقوبة على كل من الفاعل الأصلي والمساهم والتي تصل إلى 7 سنوات سجنا إضافة إلى غرامات مالية تصل إلى حدود 4500أورو"
[13] المشرع الفرنسي جرم المحاولة في الفصل 1741 التي تنص على ".....معاقبة كل إغفال عمدي للإدلاء بالإقرارات داخل أجل محدد قانونا و تتراوح هذه العقوبة بين 500ألف أورو و 2 مليون أورو
[14]  يحيى الصافي . الغش الضريبي ، مكتبة الهلال العربية للطباعة و النشر ، الرباط سنة 1996.ص 25
[15] طارق السلومي م.س.ص113
[16]  طارق السلومي ، م.س.ص 194، و كذا المادة 186 من م.ع.ض
[17] قانون المالية الاطار الصادر سنة 1996-1997،
[18]  تنص المادة 27 من المسطرة الجنائية
[19]  عبد الرحمان أبليلة .م.س.ص239..240
[20]  طارق السلومي .م.س.ص119
[21]  لا يجوز تحريك الدعوى من طرف النيابة العامة إلا بعد صدور طلب من وزير المالية
[22]  طارق السلومي .م.س.ص102
[23]  ظهير شريف رقم 150،15،1 صادر في 7 ربيع الأول 1437 (19 دسمبر 2015) بتنفيد قانون المالية رقم 15.70 للسنة المالية 2016 صادر بالجريدة الرسمية عدد6423
[24] عبد الرحمان أبليلا .م.س.ص 240
[25]  صفوان اليعقوبي م.س.ص 30. 31
[26]  المادة 192 من مشروع قانون مالية سنة 2016 ."بصرف النظر عن الجزاءات الضريبية المنصوص عليها في هذه المدونة ، يعاقب بالحبس بمدة تتراوح من شهر إلى سنتين و بغرامة قدرها 50 ألف درهم ، كل شخص ثبت في حقه قصد الإفلات من إخضاعه للضريبىة أو التملص من دفعها....."
[27]   المادة 1741 من المدونة العامة للضرائب الفرنسية : "يعاقب على هذه المخالفات بغرامة لا تقل عن 500ألف أورو و لا تتجاوز 2 مليون أورو كحد أقصى ، و الحبس 5إلى 7 سنوات" و بالنسبة للعقوبة التكميلية (المادة 1743 من نفس المدونة) تتراوح بين إشهار العقوبة و الإقصاء من تنفيد الصفقات العمومية و الحرمان من ممارسة مهنة سحب رخصة السياقة .
[28]  المادة  133 من قانون رقم 91 لسنة 2005 ." تتحدد العقوبة في الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر و لا تتجاوز 5 سنوات ، و غرامة تعادل مثل الضريبة التي لم يتم أدائها أو إحدى هاتين العقوبتين ،لمن يرتكب جريمة التهرب من أداء الضريبة" .
مواقع صادقة لتعميق البحث

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات