القائمة الرئيسية

الصفحات

القرار الضريبي والعدالة الجبائية

القرار الضريبي والعدالة الجبائية

القرار الضريبي والعدالة الجبائية
القرار الضريبي والعدالة الجبائية

مقدمة
يعد موضوع الضريبة من المواضيع التي تشغل بال جل الباحثين والمهتمين، لما له من تأثير بالغ الأهمية على حياة الفرد داخل الجماعة الاجتماعية، إضافة إلى كونه شكل من أشكال ضبط العلاقة القائمة بين الحرية والسلطة، أو الفرد والدولة وبمعنى أدق العلاقة بين الملزم والإدارة الضريبية، وهو ما جعل منه يحتل مكانة خاصة لدى الحكومات والدول على مر الزمان لكون الضريبة هي الرابط المادي بينها وبين الأفراد داخل الدولة، وبكل تأكيد الحديث عن الضريبة هو حديث عن مسلسل مأسسة النظام الديمقراطي البرلماني على اعتبار أن اتساع صلاحيات واختصاصات المؤسسة البرلمانية وأساسا من خلال التجربة البريطانية التي كان محط الصراع فيها هو أحقية الملك في إحداث ضرائب جديدة أو تغير ضرائب محدثة سابقا دون ما الرجوع إلى البرلمان وأخذ موافقته، كما أن موضوع الضريبة هو قديم قدم الزمان وإن تغيرت الأشكال و المسميات فإن روح الفكرة حاضرة منذ القدم، ومن هنا يمكن استحضار الضريبة بكونها تلك المساهمة الاختيارية يحددها التضامن الشخصي بين الجماعات السياسية البدائية، فكانت بداية أشبه بالخدمة  الشخصية لتنتقل لتكون منحة مالية من الرعايا إلى الحكام . ومع تغير بنية القبيلة  والانتقال إلى منطق تمركز الحياة القبلية ونمو المرافق العامة والحياة الجماعية، فقدت الضريبة طبيعتها الاختيارية لتصبح إجبارية، كفريضة على الأشخاص أولا لتنتقل إلى الاموال ثانيا[1].وبالرجوع إلى التعريفات الواردة بشأن الضريبة والتي بكل تأكيد اختلفت سماتها حسب سياق  الفكر الضريبي السائد، واختلاف الأنظمة الاقتصادية سواء منها الاشتراكية أو الرأسمالية، نجد الفقيه " كاستون جيز" عرف الضريبة بكونها عبارة عن أداء نقدي تقتطعه السلطة العمومية من الأفراد وبشكل جبري ونهائي وذلك لتخصيصه لتغطية الأعباء العامة[2]، هذا التعريف تبناه الفقيه " لافيريير وفالين" وآخرون، إلا أن هذا الأخير أضاف مسألة ربط الاقتطاع الضريبي بالقدرة التكليفية للملزمين بها، وهو ما بات معه تعريف الضريبة بالنسبة لهذا الأخير متمثل في كونها، اقتطاع نقدي جبري ونهائي يتحمله الممول بدون مقابل وفقا لمقدرته التكليفية، وذلك مساهمة في الاعباء العامة ولتدخل السلطة العمومية لتحقيق أهداف معينة [3]. وبالرجوع الى المغرب نجد أن المشرع لم يعطي تعريف واضح وصريح للضريبة إلا أنه من خلال ما ورد في جل الوثائق الدستورية المتعاقبة ومن بينها دستور 2011 نجد أن الفصل 39 طرح أبرز المضامين التي يقوم عليها تعريف الضريبة، حيث انطلق من مبدأ المساواة في تحمل التكاليف العمومية، واعتبر الفصل أن على الجميع بصفة الإطلاق تحمل التكاليف العمومية، وفي نفس الوقت أقر مبدأ العدالة، أي عنصر الاستطاعة في تحمل هذه التكاليف، ومن جهة أخرى نجد أن الفصل 39 حدد الجهة ذات الإختصاص في إحداث هذه التكاليف وتوزيعها، وأعطى هنا للقانون ذلك وهو ما يتناسب مع مبدأ لا ضريبة ولا إلغاء إلا بنص القانون وذلك وفق اجراءات نص عليها الدستور وأساسا ما ورد في الفصل 71 من كون النظام الضريبي هو مجال من مجالات القانون يعود فيها الاختصاص لسلطة التشريعية، إضافة إلى سلطة البرلمان في إيجاز قانون المالية حسب الفصل 75 من نفس الدستور. وبالرجوع إلى الخلفية التاريخية للضريبة بالمغرب نجد أن المسار الذي عرفه النظام الضريبي بالمغرب تميز بكونه مر من ثلاث مراحل أساسية، قائمة على تطور الإدارة قبل وأثناء الحماية، ثم بعد الاستقلال، كل هذه التحولات أدت إلى ما بات يعرف اليوم بالنظام الجبائي المغربي سواء في بعده المحلي أو الوطني، وإذا كانت المرحلة الأولى أي فترة ما قبل الحماية تميزت بغياب جهاز جبائي قائم بذاته يخضع لسلطة المخزن، حيث كان هذا الأخير يعتمد على مجموعة من الجبايات المباشرة منها ما هو ديني أو سيادي ثم أخرى غير مباشرة متمثلة أساسا في الضرائب التجارية ويمكن إجمال هذه الضرائب في :
الزكاة[4]،العشر، الجزية، الخراج، الهدية، الحركة، المونة، التويزة، المكوس واخيرا الترتيب الذي يمكن اعتباره بمتابة إصلاح جبائي حديث جاء مع مولاي عبد العزيز يهدف إلى إقامة ضريبة جديدة على الأموال تحل محل النظام القديم [5]  وفي نفس الوقت كمحاولة لتجاوز أزمة النظام المالي المغربي والتي مردها على وجه الخصوص عدم إهتمام الناس بما عليهم من ضرائب[6]. فإن مرحلة الحماية تميزت بمحاولة اصلاح النظام الجبائي نتيجة للتدهور التدريجي للمالية وهو ما دفع الحماية إلى اعتبار الضريبة الاداة الاساسية للتدخل الاقتصادي وهو ما تمت ترجمته عبر اقامة نظام جبائي مستوحات من النظام الفرنسي، حيث عرف هذا النظام نوعين من الضرائب مباشرة ضمت ضريبة الترتيب بعد ما تم تعديلها سنة 1915 بمقتضى ظهير، الضريبة الحضرية القائمة على القيمة الكرائية للأملاك المبنية الواقعة في المدار الحضري المحدثة يموجب معاهدة الجزيرة الخضراء والمعدلة سنة 1918، ضريبة البتانتا على الانشطة ذات الدخل، رسم السكن، الاقتطاع من الاجور والرواتب سنة 1939، ضريبة على أرباح الأنشطة الخاضعة للباتنتا، بالاضافة إلى الرسوم الجمركية والضرائب الداخلية، إلا أن هذه الضرائب لم تشكل سوى 1/5  من الايرادات في الوقت التي  شكلت الضرائب غير المباشرة والمتمثلة في رسوم الأسواق القروية ورسوم الوكالات المالية .. 4/5 من الايرادات[7]. أما مرحلة الاستقلال فيمكن استخضار تميزها بوجود محطتين أساسيتين، الاولى يمكن تحديدها في الفترة الممتدة من بعد حصول المغرب على الاستقلال إلى حدود منتصف الثمانينات والثانية تلث منتصف عقد الثمانينات إلى حدود اللحظة، فإذا كان ما يجمع بين هاتين المرحلتين، هو حيازة الضريبة لمشروعيتها في النص الدستوري، انطلاقا من الفصل 53 في دستور 1962 مرورا بباقي الدساتير وصولا إلى دستور 2011 في فصله 39 حسب ما ورد في ما سبق، فإن جوهر الاختلاف بين المرحلتين تمثل في طبيعة البنية الضريبية المعتمدة، حيث اعتمد المغرب غداة الاستقلال على مجموعة من الضرائب متمثلة أساسا في : الضريبة على الاستهلاك، الضريبة على رقم الاعمال، الضريبة على الشغل( مفروضة على الساكنة النشيطة العاملة في القطاعين العام والخاص عبر الخصم من المنبع بأسعار تراوحت بين%  6  و35%  )، البتانتا، الضريبة على الارباح، وواكب هذه المرحلة صدور مدونة 31 دجنبر 1960 والتي كان هدفها السياسي خلق مقاولات وتجهيزها وذلك عبر من التميزات التي حاول منحها اياها. أما المرحلة الثانية بعد الاصلاح الذي عرفته البنية الضريبة، تميزت بكونها حرصت على وضع نظام جبائي حديث، ومتجانس، وأكثر ملائمة مع ما هو معمول به على الصعيد العالمي[8]، وعليه تميز هذا الاصلاح بمحاولة تبسيط المقتضيات الجبائية، تحقيق الانسجام فيما بينها، ووضع نظام تركيبي مع مجموعة من التعديلات على السياسة الجمركية[9]  قائم أساسا على ثلاث ضرائب وطنية رئيسية:
ـ الضريبة على القيمة المضافة [10]( تعد من أهم الضرائب الغير مباشرة نظرا لحصتها الجبائية وقد حلت مكان الضريبة على المنتجات والضريبة على الخدمات التي كانت تعرف سابقا بالضريبة على المعاملات من بين أبرز مميزاتها أنها ضريبة عامة على الانفاق، ضريبة موحدة تقوم أداءات متفرقة، تحدد أسعارها في 7%  السلع ذات الاستهلاك الواسع أساسا، 10% و14% المركبات السياحية وبعض المواد الغذائية وقطاع الاشغال).
ـ الضريبة على الشركات[11] ( تشكل الضريبة على الشركات الشق الثاني من الاصلاح الجبائي المقرر في ابريل 84 والتي أحدثت بمقتضى القانون رقم 86ـ24 وقد حلت محل الضريبة على الارباح المهنية التي كانت تطبق على الاشخاص الذاتيين والمعنوين على حد سواء، لذلك اتجه الاصلاح الجبائي إلى إحداث ضريبة خاصة على الشركات، نظرا لتفردها بعدة خصائص كاستقلال ذمة المساهمين عن ذمة الشركة، المقدرة التكليفية، وكذلك بهدف تجاوز التغرات التي كان يحتويها نظام الضريبة على الارباح المهنية.


ـ الضريبة العامة على الدخل[12]( أخر نص قانوني صدر لتتويج مسلسل الاصلاح الضريبي، حث حل محل عدة ضرائب نوعية، ويتميز بعدة خصائص مشتركة مع قانون الضريبة على الشركات بالنسبة للمقاولات الفردية التي تخضع لنظام الضريبة العامة على الدخل، ومن بين مميزاتها أنها ضريبة إجمالية، ضريبة شخصية..)
أما في ما يخص الضريبة المحلية فالحديث عنها انطلق مع فرض الحماية على المغرب من خلال مختلف الاصلاحات الاساسية التي تهدف الى التدبير الاستعماري للشأن الجبائي المحلي[13]، وبعد حصوله على استقلاله شكلت الاصلاحات الجبائية واحدة من الاهتمامات الكبرى للدولة وهو ما ترتب عليه ظهير 30 شتنبر 1976 والذي يعد مرحلة مهمة في تاريخ الادارة الجبائية، ليليه القانون رقم 89ـ30 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية وهيئاتها، إلا أنه لم ينجح في تأهيل المنظومة الجبائية وهو ما حاول المشرع العمل عليه من خلال القانون 06ـ47 [14]والذي حدد مبادئه  في تبسيط الجبايات المحلية وتحسين مردوديتها، مطابقة الجبايات المحلية لإطار اللامركزية، ملاءمة الجبايات المحلية بجبايات الدولة، وهو ما ترجم عبر تقليص عدد الرسوم لتنخفض من 40 رسم إلى 17 رسم موزع بين الجماعات(11) والعمالات (3) والجهات (3) وذلك عبر إدماج بعض الرسوم مع بعضها البعض أو لإلغاء أخرى التي من شأنها أن توقع في الازدواج الضريبي، كما أن النظام الجديد ميز بين الملزم والادارة الضريبة وحدد اختصاص كل منهما في تحديد الوعاء الضريبي، مع اعطاء الغلبة لمبدأ التصريح في تحديد الرسم عوض الاحصاء.
إن هذه الخلفية التاريخية ستساعدنا لا محال في فهم النظام الضريبي المغربي، سواء تعلق الامر بالبعد الوطني أو المحلي، إلا أن هذا النظام بكل تأكيد يعرف مجموعة من الاشكالات، لعل أبرزها هو تعدد الفاعلين والمتدخلين سواء على مستوى التحديد أو التحصيل، كما أن الضريبة هي بكل تأكيد مدخل أساسي لتحديد التوجهات العامة الاقتصادية لدولة، لما لها من قدرة على دعم نشاط اقتصادي دون أخر أو إثقال كاهن ملزمين دون أخرين، وهو ما قد يكون خادما للنموذج الاقتصادي المراد اتباعه داخل  الدولة، بقدر ما قد يجعل منه أداة في خدمة مصالح فئة معينة دون أخرى داخل الدولة نفسها، وهو ما يجعلنا أمام الحاجة في التوفيق بن المصلحة العامة للدولة وتحقيق العدالة الضريبة . إلا أن هذا الأمر يواجه بإشكال حقيقي مرتبط بطبيعة صانعي القرار الضريبي والمتدخلين في هذا القرار وكيف له أن يكون منسجم مع أبرز مبادئ الضريبة ألا وهو مبدأ العدالة الجبائية ؟ وهو ما يجعلنا أمام التساؤل حول مصدر القرار الضريبي؟ هل السلطة التشريعية أم السلطة التنفيذية؟ أي حدود للإدارة الضريبية في صناعة القرار الضريبي؟ ماهو دور باقي الفاعلين في التأثير على القرار الضريبي؟ ماهو أولا مفهوم العدالة الضريبية ؟ وما هي مستويات هذه العدالة؟ 

المبحث الأول: صناعة القرار الضريبي.


يستمد القرار الضريبي سواء في بعده المحلي أو الوطني  شرعيته أساس من نص الدستور، حيث أعطى هذا الاخير للقانون وحده الحق في إحداث الضريبة أو تعديلها، وذلك من خلال إقراره الاطار القانوني المنظم للضرائب ( المدونة العامة للضرائب، قانون الجبايات المحلية) و من خلال ما يضمه  قانون المالية لكل سنة، إلا أن هذا لا يفيد احتكار السلطة التشريعية لهذا الاختصاص حيث عمليا يمكن الحديث عن محدودية تدخل البرلمان في هذا المجال من خلال وجود فاعلين أخرين.

 المطلب الأول: القرار الضريبي بين السلطة التنفيذية والإدارة الضريبية.

إذا كانت الحكومة تتحمل من المسؤولية القسط الكبير في تحديد القرار الضريبي (فقرة أولى) فإن الادارة الضريبة كذلك لها من الصلاحيات الواسعة في التأثير على القرار الضريبي ( فقرة ثانية).

فقرة أولى: دور الحكومة في اتخاذ القرار الضريبي.

قبل الخوض في دور الحكومة باعتبارها تمتل  السلطة التنفيذية حسب الباب الخامس من الدستور، وجبت الإشارة إلى دور الملك في القرار الضريبي، حيث أنه وبالرجوع إلى دستور 2011 نجد أن مشروع القانون المالي قبل تقديمه للبرلمان يتم التداول فيه داخل المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك[15] وهو ما يفيد تدخل الملك على مستوى القرار الضريبي وإن على المستوى العام والاستراتيجي من خلال تحديد الخيارات الكبرى للسياسة الضريبة، إضافة إلى ما منحه الدستور من سلط في علاقته بالسلطة التشريعية وأساسا من خلال افتتاح السنة التشريعية بنص خطاب أمام البرلمان بغرفتيه[16]، وما قد يتضمنه هذا الخطاب من توجيه للبرلمان بخصوص السياسة الجبائية، كما أن للملك الحق في طلب قراءة جديدة لمشروع أو مقترح قانون [17] وهو ما يبرز تدخل الملك بمقتضى الدستور في صياغة القرار الضريبي. وبالعودة أيضا إلى التجربة في هذا المنوال نجد أن للملك دور أساسيا في تحديد القرار الضريبي، خاصة من خلال استعمال الفصل 19 من الدساتير السابقة حيث قام الملك سنة 1985 بإعفاء القطاع الفلاحي من الضريبة  وذلك بإصدار ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.84.46 [18] من بين ما جاء فيه " تعفى أنواع الدخل الفلاحي المحدثة بمقتضى الظهير الشريف رقم1.61.438 الصادر في 22 من رجب 1381( 30 ديسمبر 1962) من جميع الضرائب المباشرة المفروضة حالا أو التي تفرض استقبلا.. إلىغاية 31 ديسمبر 2000" ، وبالاضافة إلى القطاع الفلاحي يجد تدخل الملك مكانته بشكل أكبر على مستوى القطاع العقاري، خاصة في الاوقات التي يعرف فها القطاع درجته القصوى من الاختاق، وعلى خلفية الاضراب الذي شنه محترفو البناء بعد اعلان القانون العقاري لسنة 1978 والضغط الذي مورس على الجهاز الحكومي والتشريعي تدخل الملك وقال في خطابه بمناسبة ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 1980 :"... أما الأن أريد أن أقول شيء لا رجعة فيه .. المطلوب من وزارة المالية أن تغض الطرف لمدة 15 عاما عن المواطنين الذين يبنون ويشيدون دورا وعمارات للسكن" وهو ما اعتبر بمثابة ترخيص مباشر لاستفادة القطاع لأول مرة من قانون الاستثمارات العقارية[19]. نفس الامر حدث في أواخر سنة 1987 حيث نتيجة لتضمين الحكومة في مشروع قانون المالية لسنة 1988 ما من شأنه تقليص مجال النفقات الجبائية التي تستفيد منها مختلف قوانين الاستثمار، طفى صراع قوي بين الحكومة وارباب العمل الممثلين في الكنفدرالية العامة للمقاولات المغرب، واساسا المنعشين العقارين منهم وهو ما ادى إلى نقل الصراع إلى صفوف الأغلبية الحكومية ما ترتب عليه تدخل الملك حيث طالب بفصل تلك الاجراءات عن قانون المالية وامر الوزير الاول بالدعوة لعقد  دورة استثنائية للبرلمان لدراسة التعديلات الواردة على قانون الاستثمار وذلك خلال المجلس الوزاري المنعقد بتاريخ 18 دجنبر 1987 ، وهو ما ترتب عليه استفاذة قطاع العقار من امتيازات مهمة مدرجة بالقانون المالي لتك لسنة 1988[20]
ومن خلال  ما سبق وحالات أخرى عديدة لا يتسع المجال لذكرها، يظهر بشكل جلي المكانة المهمة التي يحتلها الملك في الصياغة القرار الضريبي، إلا أن هذا لا يلغي دور الحكومة وأساسا مع دستور 2011 الذي ارتقى بالحكومة ووسع من مجال اختصاصاها وأساس في الدائرة المرتبط بنفوذ الملك في الدساتير السابقة. يبرز دور الحكومة في اتخاذ القرار الضريبي  في الاختصاصات المسندة إليها صراحة في الباب الخامس من دستور 2011 ، ويمكن اعتبار الخطوط العريضة التي يتضمنها البرنامج الحكومي والذي يتم عرضه على البرلمان لتنال الحكومة ثقتها بعد التصويت عليه من بين التجليات الاساسية لهذا الدور وللإشارة فقط فجل التصاريح الحكومية المقدم من قبل الوزراء الأولون  أو ما جاء في البرنامج الحكومي  تجد للضريبة مساحة مهمة فيها وقد ركز البرنامج الحكومي على إصلاح المنظومة الضريبية بغرض تحقيق العدالة الضريبة، وذلك بالرفع من مردودية النظام الضريبي من خلال توسيع الوعاء وتحسين أداء الإدارة الضريبية وبناء علاقات الثقة بين الملزم والإدارة والتقليص المعقلن  والمتدرج للاستثناءات والإعفاءات الضريبية، وكذا تقوية مجهودات الدولة في محاربة الغش والتملص الضريبيين عبر  تعزيز الموارد البشرية وتطوير نظام المراقبة،  ويتمتع  رئيس الحكومة ايضا بدور مهم في توجيه الحكومة لأهم الأمور التي يجب أن تستحضر في الضريبة  سواء من خلال الكلمات الموجهة إلى اللقاءات أو المناظرات الوطنية ذات الصلة بهذا الباب[21] أو من خلال الرسائل التأطيرية التي يوجهها إلى أعضاء الحكومة والمؤسسات التابعة لدولة قبيل البدأ في إعداد مشروع قانون المالية ، ويظهر دور الحكومة المركزي في اتخاذ القرار الضريبي ايضا من خلال احتكار سلطة الاقتراح لمشروع قانون المالية، إذ أوكل المشرع مسألة تحضير الميزانية العامة إلى الحكومة إذ نص الدستور الجديد على أنه “يتداول مجلس الحكومة في مشاريع القوانين ومن بينها مشروع قانون المالية، قبل إيداعها لدى البرلمان من أجل التصويت عليها كما نص الفصل 75 من الدستور على اختصاص الحكومة في ايداع مشروع قانون المالية قصد مناقشته والتصويت عليه من قبل البرلمان ، وهو الذي يعد أبرز تجلي للسياسة الجبائية للدولة، حيث يتضمن هذا المشروع في شقه المتعلق بإرادات الدولة الاجراءات الضريبة للسنة المالية المقبلة، كما أن للحكومة أن ترفض المقترحات والتعديلات المقدمة من قبل اعضاء البرلمان إن كان من شأنها تخفيض مورد عمومي أو إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود، وفق الفصل 77، كما أنه للحكومة فتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة، والبداية في استخلاص  الضرائب وفق ما جاء في مشروع القانون الذي قدم من قبل الحكومة كما يمكن إلغاء تحصيل الضرائب التي لم يوردها المشروع  أو تحصيل ضرائب اخرى وفق الاسعار الجديدة المقترحة[22]   هذا الذي  يبرز الدور المهم للحكومة في اقرار قانون المالية ومن تمة دورها الاساسي في صياغة القرار الضريبي.
إضافة إلى ما سبق يمكن استحضار دور الحكومة في صياغة القرار الضريبي عبر ألية التفويض إذ خول الفصل 70 من الدستور للحكومة الحق في استصدار تشريعات لا تندرج في مجال السلطة التنظيمة، بل هي من مجالات  التشريع التي حددها الفصل 71 ومن بينها النظام الضريبي، وعاء الضرائب، ومقدارها وطرق تحصيلها،  وهو ما يعطي للحكومة إمكان أخر للتدخل في صياغة القرار الضريبي ينضاف إلى باقي الصلاحيات والاختصاصات التي تتوفر عليها.
 وتمارس  الحكومة وظيفتها عبر ما تحتله وزارة المالية من دور طلائعي في هذا المنوال، باعتبارها القطاع الحكومي المكلف بالسهر على اعداد مشروع قانون المالية، إذ يعود لها هذا الاختصاص بموجب المادة 32 من القانون التنظيمي للمالية 98-07  ( المادة 46 من القانون التنظيمي  130.13 المعروض على المجلس الدستوري) إذ تنص على مايلي: «يتولى الوزير المكلف بالمالية تحضير مشاريع قوانين المالية تحت سلطة الوزير الأول..» كما ينص الفصل الأول من المرسوم رقم 2.78.532 في ما يخص اختصاص وتنظيم وزارة المالية على أنه يتولى وزير المالية إعداد السياسة المالية والنقدية، وسياسة القروض والمالية الخارجية للدولة ويتتبع تنفيذها، إلا أن هذا لا يعني استئثار وزير المالية بهذا الدور لوحده بل تساهم معه في ذلك  مختلف الوزارات ولكن بدرجة أقل، حيث نجد أن دور وزير المالية ينبع من كونه المسؤول الأول على السياسة المالية للدولة وبكل تأكيد السياسة الجبائية على أعتبار أن موضوع الايرادات والتي تندرج ضمنه الضرائب يبقى من بين الاختصاصات الكبرى لوزارة المالية، ويظهر دور وزارة المالية أيضا في ما تقوم به من محاولات توفيقية بين الفاعلين في هذا الباب سواء في علاقتها بالملزمين وأساسا أصحاب المقاولات والشركات، أو في علاقتها بباقي الوزارات التي تحاول كلها الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب للقطاع الوزاري المسير من قبلها.
وبالاضافة إلى الدور المهم لوزارة المالية نجد مجموعة من الوزارة الاخرى التي تتدخل بشكل قوي في صياغة القرار الضريبي خاصة تلك الوزارات التي تعتبر جبائيا بمثابة الحليف الاداري يدافع عن المطالب الجبائية لمجموعات المصالح والمنظمات السوسيو ـ مهنية التي تعمل في مجال اختصاص تلك الوزارة[23]. ( يمكن استدعاء العلاقة بين المنعشين العقارين والقطاع الحكومي المكلف بالقطاع العمل على تمكينهم من مجموعة من الامتيازات الجبائية، اعداد مشاريع سكنية، ابرام اتفاقات شراكة مع المهنيين...)
يتضح بشكل جلي من خلال ما تقدم المكانة المهمة التي تحتلها الحكومة في صياغة القرار الضريبي إلا أن هذه الاختصاصات والصلاحيات قد تبدو غير قابلة تحقق في غياب وجود ادارة ضريبة، قد تتجاوز في بعض الاحيان أدوارها التقنية لتنتقل إلى فاعل أساسي في صياغة القرار الضريبي.

فقرة ثانية: دور الادارة الضريبية في صناعة القرار الضريبي

إن الحديث عن دور الإدارة الضريبية في صناعة القرار الضريبي، هو حديث عن الجهة التي اعتبرها الدستور تحت تصرف الحكومة بغية تنفيذ البرنامج الحكومي والسهر على تفيذ القانون، وفق ما جاء في الفصل 89 من الدستور، وهو ما يفيد أن الإدارة يقتصر دورها على تنفيذ ما تقره الحكومة، إلا أن الممارسة قد لا تتبت هذا الامر حيث نجد الادارة تتعدى في كثير من الأوقات هذه المهمة، لتكون في مجالات عدة صاحبة القرار، ولا يتعدى دور المسؤول الحكومي اتخاذ القرار السياسي من بين مجموعة من القرارات المقترحة والمعدة من قبل الادارة، فبالرغم من الطابع التقني لتدخل الإدارة في تدبير المالية العمومية، ورغم الطابع السياسي لعمل الحكومة، فإن هذه الأخيرة تجد نفسها رهينة توجيهات الإدارة وذلك بغض النظر عن البرنامج الحكومي السياسي الذي يكون في الغالب صعب الإنجاز .
تحدد الادارة الضريبية بالمغرب أساسا في إدارة الجمارك و الضرائب غير المباشرة، الخزينة العامة والتي تتكلف بتحصيل الايرادات الضريبية التي تدخل في اختصاصها بالاضافة إلى المديرية العامة للضرائب  وتتكلف بتنفيذ السياسة الجبائية حسب توجيهات وزير وزارة الاقتصاد و المالية ، حيث تقوم ب :
تقديم أي اقتراح وإنجاز أية دراسة من شأنها توضيح الاختيارات الاستراتيجية للوزير في مجال السياسة الجبائية، دراسة وإعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الطابع الجبائي، دراسة وإعداد مشاريع الاتفاقيات الجبائية المبرمة بين المملكة المغربية والدول الأجنبية والتفاوض بشأنها والسهر على تطبيق التشريع المتعلق بها،  ربط العلاقات مع المنظمات الدولية في المجال الضريبي.
دراسة وإعداد ونشر المذكرات الدورية التطبيقية المتعلقة بالنصوص التشريعية والتنظيمية ذات الطابع الجبائي، دراسة الأسئلة و الاستفسارات المتعلقة بتأويل المقتضيات الجبائية، تلقي ودراسة شكايات الملزمين المتعلقة بالمنازعات الضريبية أو بطلب تخفيضها أو الإعفاء منها على وجه الاستعطاف وإصدار قرارات بشأن تخفيض الضرائب أو إلغائها أو وقف المطالبة بقوائم الضرائب التي تعذر استخلاصها، متابعة المنازعات الضريبية أمام اللجان المحلية لتقدير الضريبة واللجنة الوطنية للنظر في الطعون الجبائية، متابعة المنازعات الجبائية أمام المحاكم إحصاء وتحديد الوعاء الضريبي ، وتلقي تصاريح الملزمين ، ووضع وإصدار الضرائب والجبايات التي تتكلف بتحصيلها، تدبير العمليات المتعلقة بالتنبر والضريبة على السيارات ( الفنييت ) وسائر القيم الصادرة في المجال الضريبي، تحصيل الرسوم والضرائب الداخلة في اختصاص المديرية العامة للضرائب وحيسبتها ، مراقبة المادة الضريبية وإعداد الوسائل الوقائية لمحاربة الغش الضريبي، القيام بالمراجعات الضريبية والدراسات والمونوغرافيات المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية الخاضعة للضريبة ، ووضع برامج لهذا الغرض،وضع وتدبير نظام المعلومات بانسجام مع سياسة تدبير الموارد والمعلومات الموضوعة من طرف الوزارة،تدبير الموارد البشرية، والمعدات ، والاعتمادات المالية المرتبطة بإدارة الضرائب[24][25]
ويبرز دور المديرية العامة للضرائب في تحضيرها لمشاريع القوانين في المادة الجبائية وتفسير الصعوبات التقنية بالإضافة إلى إجراء المشاورات مع الشركاء السوسيو اقتصاديين  ترسم صورة القرار الجبائي، ومن خلال وظائفها فهي مكلفة بتقديم مختلف السناريوهات الممكنة للوصول إلى الأهداف السياسية المحددة من قبل الحكومة. الخبرة والاختصاصات التي تتوفر عليها  المديرية والمتجلية في ترجمة السياسة الجبائية إلى تدابير عملية وتنفيذها أيضا يتيح لها  هامشا واسعا من الفعل والتدخل وكذا التحكم في حمولة القرار الجبائي وتوجيهه[26].
ويمكن ابراز حجم أثر الادارة الضريبة على القرار الضريبي من خلال مستويين يتعلق الأول بالسلطة التنفيذية، والثاني بالسلطة التشريعية.
وفي هذا الصدد يرى نور الدين بنسودة الخازن العام للملكة " أن الوزير الذي لا يشارك الادارة المعنية في رسم سياسة قطاعه منذ المرحلة الأولى، يشكل ذلك خطرا تقنيا وسياسيا، فلديها القدرة على تأويل وتحليل الوقائع وتعطيهم شرعية ناتجة عن تدخلهم في القرار النهائي، كما أن تعقد الوقائع والتعليمات تعطيهم شرعية ثانية تظهر في صياغة الدوريات الضريبية "[27].
إن الهيمنة التي تمارسها مديرية الضرائب على العديد من مراحل صناعة القرار الجبائي يجد تفسيره في العديد من العوامل، فهناك التوفق اللوجستيكي، ثم إن أي قرار جبائي يكون مسبوق بدراسات تقنية تقوم بها المديرية، حيث يمكن اعتبارها بمثابة أوراق توجهية للقرار، ومع التعقيد الذي يطبع المادة الجيائية وكثرة الارقام لا يبقى أمام المقرر السياسي سوى هامش قليل من الحرية ويجعله يخضع لقناعات المديرية[28] .
ويظهر دور المديرية في القرار الضريبي عبر حيازتها لسلطة اعداد النصوص التطبيقية التي تصاحب اي قرار جبائي وذلك في شكل مذكرات دورية يوقعا المدير العام وتحوز هذه الاخيرة أهمية بالغة بالنسبة للفاعلين الاقتصادين أكثر من اهتمامهم بصدور القوانين نفسها، وهذا ما يعزز مكانة المديرية تجاه الفاعلين[29].
وتبرز خطورة دور الإدارة الضريبية في ما تعقده من لقاءات تشاورية مع الفاعلين الاقتصادين لإستصدار المذكرات التفسيرية والتي قد تعطي لتفسير نص تشريعي جبائي  مضمونا متناقضا مع روحه الأصلية[30].
أما في ما يتعلق بالإدارة الضريبية في علاقتها بالسلطة التشريعية والتي يفترض فيها أن تكون أصل النص الجبائي فيلاحظ أن الإدارة الضريبية تحوز سلطة كبيرة في تأثيرها على المشرع حيث أن البرلمان بكل المواصفات التي يحوزها، يجعل الإدارة بكل ثقلها ووفرة المعلومات التي لديها تمثل قوة لا يستهان بها ضمن معادلة صناعة القرار المالي والجبائي، حيث أن عدم  توفر البرلمان على مصادر أخرى للمعلومات غير الإدارة، ولأسباب ذاتية تتعلق بمستوى تكوين النواب، وموضوعية ترتبط بعدم رغبتهم في ممارسة رقابة فعلية على الحكومة، فإنهم يعتمدون على الإدارة كمصدر وحيد للمعلومات، وهي وضعية غير مريحة، تؤكد تبعية البرلمان للإدارة. فكيف يتمكن البرلمان من ممارسة مراقبة فعلية وجادة للإدارة مصدر معلوماته التي يستند عليها لممارسة هذه الرقابة.
يتضح مما تقدم أن الادارة الضريبة عبر المديرية العامة لضرائب أساسا تحتل مكانة مهمة في البنية العامة لصناعة القرار الضريبي وهو ما دفع البعض إلى أن الإدارة الضريبية هي المشرع الحقيقي وهي صاحبة الاختصاص الفعلي في القرار الضريبي، إلا أنه في المقابل لا يمكن إلغاء باقي الفاعلين .

المطلب الثاني: القرار الضريبي بين السلطة التشريعية وجماعات المصالح.
فقرة أولى: لاضريبة  إلا بنص القانون.

يعود أصل الضريبة في كونها وسيلة من الوسائل الاساسية لإتبات صفة المواطنة، والتي تجب على الجميع كل حسب قدرته التكليفية كما سبقت الاشارة إلى ذلك في ما سبق، إلا أن قبول أفراد المجتمع بهذه الضريبة مرتبط أساسا بمدى إحساس الملزم بأثر الضريبة على الحياة العامة سواء في شقها الاقتصادي أو الاجتماعي، ثم مدى إقرارها من لدن سلطة مفوضة لتلك العملية، والتي بكل تأكيد لن تخرج عن السلطة التشريعية بإعتبارها أبرز تعبير عن الإرادة العامة، ومما لا غبار عليه أن جوهر اختصاص البرلمان على مر التاريخ وأساس تطور البرلمان مع التجربة البريطانية كان هو الحد من اختصاص الملك في فرض الضرائب، واسناد هذا الاختصاص إلى البرلمان.
ويبرز دور البرلمان باعتباره صاحب الاختصاص الاصيل في إقرار الضريبة من خلال عدة فصول دستورية بداية ، حيث وفق الفصل 70 يمارس البرلمان السلطة التشريعية ويصوت على القانون، وبالعودة إلى  الفصل 71  نجده يحدد المجالات التي يختص بها القانون والتي من بينها  النظام الضريبي، ووعاء الضرائب، ومقدارها وطريقة تحصيلها، وهو ما يفيد أن المادة الضريبية لا تندرج ضمن الاختصاص التنظيمي بل هي تبقى من مجالات التشريع التي للبرلمان وحدة الحق في التشريع فيه، مع استحضار الحالات التي حدده الدستور والتي يمكن للحكومة أن تتدخل فيها على مستوى التشريع في المجالات التي لا تدخل ضمن اختصاصها من خلال قوانين الإذن ومراسيم القوانين[31]  والتي يمكن أن يكون موضوع الضريبة من موضوعاتها . ويستمد البرلمان  اختصاصه الضريبي أيضا من خلال ما جاء به الفصل 39 حيت أكد هذا الأخير على اعتبار الضريبة واجبة على الجميع وكل على قدر استطاعته، والتي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها وفق الاجراءات المنصوص عليها في الدستور، وهذا الذي يحيلنا على مبدأ لا ضريبة  إلا بنص القانون.
وبيرز اختصاص البرلمان أيضا في اقرار الضريبة من خلال مناقشة و التصويت على مشاريع قانون المالية والذي يشتمل في جزئه المتعلق بالإرادات على الضرائب بشكل كبير، وهو في أصله اختصاص حصري وفق الفصل 75  من الدستور حيث يعود للبرلمان حق التصويت على مشروع القانون المالي المودع لديه من قبل الحكومة وفق مجموعة من الشروط والاجراءات، وتعد هذه المناقشات من بين الأوقات الاكتر أهميى في الحياة النيابية، على اعتبار أنها ابرز ترجم لما يفتعل داخل المجتمع كما أنها ترجم لتوترات المصالح الاجتماعية الممثة في البرلمان، كما أنها فترة لإعادة تحديد العلاقة بين التشريعي والتنفيذي[32] ، كما أن الاختصاص البرلماني لإقرار المادة الجبائية يجد سنده في مجموعة من القوانين الأخرى ولعل أبرزه القانون التنظيمي للمالية سواء في نسخة السابقة ( القانون التنظيمي للمالية 7ـ98  المادتين 2 و3 ) أو القانون التنظيمي المصادق عليه والمحال على المحكمة الدستورية ( 13ـ130) .
يبرز بشكل جلي من خلال ما تقدم قوة تأثير البرلمان على إقرار المادة الضريبة وأن السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص الأول والأخير  في إقرار هذه المادة الضريبة حيث لا يمكن اعتبار أي ضريبة محدثة شرعية إذ لم تصدر عن البرلمان،   إلا أن هذا لا يعني قدرة هذا الأخير على التأثير في مضمون المادة الضريبية بالشكل الكبير حيث يمكن إعتبار سلطة البرلمان قد لا تكون سوى سلطة شكلية في بعض الحالات  لها الحق فقط في إضفاء طابع الشرعية على المادة الضريبية وذلك من خلال مجموعة من الحدود سواء في شقها الدستوري أو السياسي بل حتى الفعلي والوقعي.
إذا كان الدستور هو من أقر سلطات البرلمان في اقرار الضريبة، فهو نفسه بمقتضى فصول أخرى جعل لذلك الاختصاص حدود، وهو ما يندرج ضمن مفهوم العقلنة البرلمانية  وتتمثل ابرز الحدود الدستورية في :

أولا: على مستوى مصدر القانون المالي بإعتباره أبرز تجلي للمادة الضريبة حيث نجد بمقتضى الفصل 75 أن هذا الأخير لم يعطي للبرلماني الحق في التقدم بمقترح قانون للمالية وجعله حكرا على الحكومة باعتبارها هي التي تتقدم بمشاريع القوانين.

ثانيا: ما اقره الفصل 77 من حق للحكومة في رفض  بعد بيان الاسباب المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، إو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود، يظهر من خلال هذا الفصل مدى قوة الحكومة في تحديد المادة الضريبية في مقابل البرلمان، حيث أنه حتى على مستوى الاختصاص المتروك للبرلمان في مناقشة المشروع وتقديم التعديلات فيبقى أمر قبولها أو رفضها من اختصاص الحكومة، كما أن لهذه الأخيرة أن ترفض كل تعديل لم يقدم في اللجنة المعنية.

ثالثا: يمكن للحكومة وفق الفصل 75 ألى تنتظر موافقة البرلمان على مشروع قانون المالية، وأن تشرع في تنفيذ ما جاء فيه بفتح مرسوم اعتمادات لسير المرافق العمومية والقيام بالمهام المنوطة بها.
بالإضافة إلى ما سبق نجد معطى ثاني قد لا يقل أهمية عن المعطى الدستوري وهو  المعطى السياسي، والذي من شأنه الاسهام في الحد من سلطة البرلمان في اقرار المادة الضريبية ، حيث توفر الحكومة على أغلبية مريحة تعطي لهذه الأخيرة السلطة الكاملة لتنفيذ برنامجها الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يجعل من الاغلبية داخل البرلمان تعطي موافقتها اللمشروط للحكومة من أجل إقرار السياسة الضريبية التي تريد والتي تنسجم مع قناعتها السياسية واختيارتها الاقتصادية والاجتماعية.
كما أن الحدود المفروضة على سلطة البرلمان تتجاوز السياسي والدستوري إلا ما هو فعلي واقعي، حيث المستوى الثقافي المتواضع لبعض البرلمانين  وعدم تخصصهم ولو بشكل نسبي في المادة الضريبية يؤثر لا محالة على جودة التعديلات والمقترحات المقدمة، إضافة إلى تعقد المادة الضريبية وإشكال مصدر المعلومة الذي لا يتعدى الإدارة الضريبة كما سبق ذكر ذلك، ومن بين الاشكالات الاساسية التي تجعل من سلطات البرلمان محدودة أو على الأقل لا تجعل من البرلمان قادر على إقرار ضريبة عادلة نجد طبيعة البنية المكونة للبرلمان حيث يضم مجموعة من أصحاب المصالح العقارية أو الفلاحية أو على الأقل إرتباط هؤلاء البرلمانين بذوي المصالح سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي أخر هذه الفقرة يمكن اعتبار أن سلطة البرلمان في صناعة القرار الضريبي رغم كل ما جاء به نص الدستور من صلاحيات للبرلمان قد لا ترقى لسلطة باقي المتدخلين على الأقل على مستوى إعداد المشروع تحديد اختياراته الكبرى حيث يبقى للبرلمان فقط إقرار ما جاء به ورضوخ إلى سلطة الواقع.

فقرة ثانية: اثر جماعات الضغط على القرار الضريبي.

بكل تأكيد أن القرار السياسي لا يقتصر على الجانب المؤسساتي فقط، بقدر ما يمكن أ، يتدخل فاعلون أخرون، ولعل القرار الضريبي من بين أبرز المجالات التي تعرف تدخل قوى ضاغطة سواء منها المحلية أو الدولية ، وقبل التطرق إلا موضوع الجماعات الظاغطة على المستوى الداخلي وجبت الاشارة بداية إلى الدور المركزي الذي قد  تلعبه المؤسسات المالية الدولية في التأثير على السياسة الجبائية للدولة، وذلك راجع إلى تنامي دور هاته المنظمات حيث بات لها ما يكفي لتدخل في رسم الحدود التي لا ينبغي للسياسة الجبائية للدولة أن تزيغ عنها، وذلك في ارتباط وطيد بين دعم هاته المؤسسات والشروط المحدد للإستفاذة من هذا الدعم[33]، والمغرب لا يخرج عن هذا النطاق، حيث الارتفاع المهول في مديونية المغرب اتجاه المؤسسات المالية أساسا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، جعل من هاته المؤسسات أكثر تحكما في القرار السياسي الجبائي، وذلك عبر فرض أرائه على السلطات الضريبية، وهو ما دفع هذه الأخيرة لتخلي على جزء من سيادته الجبائية[34]( ما جاء به برنامج التقويم الهيكلي).
أما على المستوى الداخلي فإن ما تعرفه مراحل صياغة القرار الضريبي من تعدد المتدخلين تجعل من هامش تأثير جماعات المصالح أكثر اتساعا وأكثر مناورة حيث تتاح لهذه الأخيرة مجموعة من الفرص لجعل القرار الضريبي يتجه في ما تصبوا إليه، وإن لم يأتي بامتيازات جديدة من حين إلى أخر، فعلى الأقل يحافط على المكتسبات، ومجموعات المصالح كما يذل على ذلك من خلال إسمها لا تسعى إلى أن تكون الضريبة تعبيرا عن العدالة الضريبية بالمغرب أو شكلا من اشكال تحقيق شرط المواطنة بقدر ما تسعى إلى دفع السلطة التشريعية والتنفيذية إلى إقرار نص ضريبي يكون خادما لمصالحها، وإن لم تستطع الوصول إلى ذلك فهي تتجه نحو الإدارة الضريبة لتفرغ النص الضريبي في جزء منه من المحتوى الاصلي عبر الدوريات التطبيقية والتي بكل تأكيد تكون محط مشاورة مع هذه المجموعات، ويعد في المغرب أبرز تجلي لمجموعات المصالح " الكونفدرالية العامة لمقاولات المغربC.G.E.M  وتشتغل هذه الأخيرة وفق تنظيم محكم وعبر تمثلية تضم كبار رجال الأعمال والمال بالمغرب ما يجعل منها شريك قوي في صناعة القرار الجبائي بالمغرب، وبنية الاتحاد العام للمقاولات تبرز بشكل جلي ما لهذا الأخير من قوة لضغط على صانع القرار الضريبي، ويتجلى ذلك أولا من خلال الحضور المباشر لممثلي هذا اللوبي خلال كل مراحل اتخاذ القرار الضريبي، حيث أنه على مستوى الادارة الضريبية يمكن الحديث عن طبيعة العلاقات التي تنسج بين بعض كبار موظفي الادارة الضريبية وكبار المقاولين، وهو ما يجعل من هؤلاء مصدرا رئيسيا للمعلومة ، ثانيا قد نجد في مجموعة من الحكومات المتعاقبة بعض كبار المقاولين، والذين سبق لهم أن شغلوا مناصب منهم داخل الاتحاد، ( ادريس جطو،مصطفى الساهل،عزيز أخنوش، مولاي حفيظ العلمي..)[35]. كما أن هذا الأخير يجد بعض المدافعين الشرسين على مصالحه داخل البرلمان، ( بعض المقاولين الكبار هم في نفس الوقت برلمانين)، البنية الحزبية أيضا في المغرب هي مساعدة على الحفاظ على مصالح هذه الفئة المتحكمة في الاقتصاد، ويبرز حجم قوة هذه الفئة من خلال حجم الاعفاءات الجبائية التي تحصل عليها برسم كل سنة مالية حيث بلغ عدد التدابير الاستثنائية على سبيل المثال برسم السنة المالية 2013  412 تدبير مقابل 402 سنة 2014[36]. ولعل أبرز دليل على قدرة  هذه الجماعات على التأثير البالغ في صياغة القرار الضريبي وتوجيهه لصالحها هو ما يعرفه المجال العقاري والفلاحي، حيث لا زال قطاع الفلاحة ومع كل ما يحصده من أرباح وخاصة على مستوى المقولات الكبرى يستفيد من الاعفاء الضريبي مع استحضار ما تم إقراره بمقتضى قانون المالية لسنة 2014 حول المقاولات الفلاحية التي يعادل أو يتجاوز رقم معاملاتها 35 مليون درهم، نفس الأمر بالنسبة للمجال العقاري والذي بدوره يستفيد من مجموعة من الاعفاءات الضريبية حيث يستفيد منها بالاساس كبار المعنشين العقاريين.
إن قوة الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب، وقدرته على التنظيم والإشتغال بشكل جماعي بغية الدفاع على مصالحه الخاصة، جعلت منه فاعل رئيسي في القرار الضريبي المغربي حيث بات من غير الممكن ألا تستشير الحكومة هذا الأخير وتشركه عبر إبدائه لمقترحاته وأراءه بخصوص السياسة المالية والجبائية للدولة .

المبحث 2 : العدالة الجبائية كأساس لكل تشريع ضريبي


يعتبر البرلمان السلطة الرئيسية في كل تشريع ضريبي، و لتحقيق العدالة الجبائية يجب توفر برلمان قوي يتمتع باستقلالية أكبر في ميدان القرار الجائي، و مراعاة جانب العدالة الضريبية بالمغرب و إبراز مدى تأثيرها في تحديد المسار التنموي الإجتماعي يقتضي ضرورة الإحاطة بمدلول العدالة من حيث المفهوم و الإشكالات التي يطرحها. و أيضا ما مدى وجود عدالة ضريبية على مستوى القطاعات و مستويات فرض الضريبة.  

المطلب 1 : مفهوم العدالة الجبائية

لدراسة مفهوم العدالة الجبائية و الإحاطة بمدلولات المفهوم يجب دراسته من خلال نقطتين أساسيتين، الأولى تتجلى في تحديد مفهوم العدالة و ثانيا أبرز مظاهر العدالة الجبائية و هو ما سنراه من خلال الفقرتين التاليتين :

الفقرة 1 : تعريف العدالة الجبائية

نجد صعوبة في تحديد و إيجاد تعريف متفق عليه بالإجماع للعدالة الجبائية نظرا لنسبيته، ودلك أن كل تعريف للعدالة يظل محكوما باختيارات سياسية و ثقافية. و بالعودة إلى إعلان الإنسان و المواطن لسنة 1789 نجدها تقول أن الضريبة هي مساهمة موزعة بشكل متساوي بين المواطنين حسب مقدرتهم[37] و قد نص دستور 2011 على دلك أيضا من خلال المادة 39 التي جاءت فقرتها الأولى على الشكل التالي " على الجميع أن يتحمل على قدر استطاعته التكاليف العمومية"[38] لكن رغم وجود صعوبة في تعريف العدالة الجبائية فقد حاول مجموعة من الفقهاء تعريفها مثل الفقيه " jaque perce bois " و الذي يقول أن العدالة الجبائية هي التي تعمل أن تكون منصفة و دلك بتوزيعها للعبئ الضريبي بحيث يتحمل كل واحد منهم الجزء العادل. أما رولز فيعتبر العدالة الضريبية هي تلك العدالة التوزيعية التي تعتمد على الفكر أن المجتمع يجب أن ينظم بمقتضى بنيان التوزيعي و لا يسمح بالتضحية ببعض الأفراد باسم تحقيق المنفعة العامة لعدد أكبر من أفراده.
أما الفقيه بيرنارد ديفيناي فقد دهب لربط العدالة الضريبية بدخول المكلفين حيث يرى أن هدا المفهوم يتحقق عندما يساهم كل الخاضعين لضريبة لتغطية النفقات العام بما يتناسب مع دخل كل منهم[39]. حسب التعاريف التالية يقصد بالعدالة الجبائية مستويين :
العدالة أمام الضريبة : المساواة أمام الضريبة هي من مبادئ الديمقراطية، يعني المساواة كل المواطنين أمام حدث ضريبي أي مساهمة الجميع في مجهود ضريبي و العبئ الضريبي.
العدالة بواسطة الضريبة : بإمكان الدولة التدخل لتقليص اللامساواة الإجتماعية والإقتصادية الناتجة عن المساهمة في العمليات الإقتصادية التي تتميز بالتفاوتات الشديدة بين دخول فئات مجتمعية.
إذن فالعدالة الجبائية تعتبر من الأهداف السياسية التي تسعى التشريعات المالية الحديثة إلى تحقيقها بغية خلق نظام ضريبي ينسجم مع متطلبات الحياة السياسية. فمفهوم العدالة عرف تطورا ملحوظا عبر التاريخ فمدلولها يختلف عن مفهومها في العصر الحديث.[40]

الفقرة 2 : مظاهر العدالة الجبائية

تتجلى المبادئ و قواعد العدالة من خلال مجموعة من الأسس وضعها أدم سميث و هي كالتالي :

1 - المساواة و العمومية : نقوم المساواة من خلال قيام السياسة ضريبية جديدة تقوي توجه العدالة الإجتماعية، و توسيع قاعدة التقريب، كما تعني المساواة المساهمة في التضحية الضريبية في تحمل العبئ الجبائي. بالنسبة لكل الملزمين دون إقرار اعفاءات جبائية سخية، ما من شأنه أن يحقق المردودية و العدالة، في الان ذاته بواسطة إخضاعه لكل مصادر الدخل و الثروة.

2 - اليقين : يقصد به علم الملزم بطرق احتساب الضريبة و موعد استغلالها حتى لا يصبح تحث رحمة أعوان الإدارة الجبائية. ولن يتأتى اليقين إلا من خلال الإعلام و التوعية بطرق التصفية و التحصيل. مع إقرار الوضوح في صياغة الأحكام الضريبية، و تجنب النصوص الغامضة و المتناقضات أو تعدد الثغرات التي تترك الباب مفتوحا لتنوع الإجتهادات.

3 - الملاءمة : يقصد بها اختيار الوقت المناسب لتصفية الضريبة و تحصيلها، و أن يكون التضريب ملائما لوضعية الملزمين، و جلب الأموال بطرق مشروعة حسب أحول الناس.و هدا ما من شأنه أن يخفف العبئ على الملزم و يحقق السيولة المالية للجماعات المحلية.

4 - الإقتصاد : و تعني عدم الإسراف في تكاليف التحصيل، تجنبا لتبذير الطاقات و الأموال و تفاديا لهدر جهود و ضياع الطاقات.

و إلى جانب هده المبادئ التي قارب بها ادم سميث العدالة. هناك جوانب أخرى للعدالة، وتتجسد في التمييز بين العدالة العمودية و العدالة الأفقية.[41]
العدالة العمودية : تقتضي التشخيص و التصاعد الجبائي عن طريق تحميل المداخيل المرتفعة عبئا أكبر من المداخيل المنخفضة، أي معاملة الملزمين دوي الوضعيات الإقتصادية الغير مماثلة.
العدالة الأفقية : يقصد بها إخضاع أو مماثلة الملزمين من دوي الوضعيات الإقتصادية المماثلة معاملة جبائية مماثلة.
إن وضعية العدالة الضريبية تختلف حسب ضروف تاريخية و سياسية و إقتصادية في كل بلد. كما يثير الكثير من النقاش و الجدل بسبب نسبيته. و على العموم تبقى الضرائب العادلة هي تلك التي تتبنى أحكاما و قواعد غنية خالية من الغموض و التعقيد القانوني و القائمة على تشخيص سعر و الوعاء و على مرونة استخلاص و التي تستهدف أداة حادة من الفوارق الإجتماعية، فالقواعد الفنية التي تحكم الضريبة من وعاء و أسعار و إعفاءات كلها عوامل تساعد على تشخيص الضريبة هل هي عادلة أم لا ؟

و لا تكفي هده القواعد لوحدها بل لابد بالإضافة إلى دلك من تشخيص الواقع الحالي ليبقى المعطى السوسيولوجي محددا أساسيا لمدى عدالة الضريبة ما من عدم عدالته.[42]

المطلب 2 : العدالة الجبائية على مستوى الضرائب الرئيسية

لقد شهد المغرب حركية شاملة كباقي بلدان، إصلاح نظامه الضريبي و دلك لضمان فعالية كبيرة على المستوى الإقتصادي، و تأسيس عدالة موسعة بين الملزمين و تحسين جاذبية البلد كالإهتمام رئيسي تساهم فيه الضريبة بشكل غير مشكوك فيه.
و قبل إيلاء الإهتمام بأي اصلاح جبائي ثم القيام به، فمن الأساسي التذكير بأن المغرب عرف أكبر إصلاح جبائي خلال الثمانينات و القانون الإطار لسنة 1984. و هو ما أسفر عن نظام ضريبي يقوم على ثلاثية ضريبية و هي الضريبة على القيمة المضافة سنة 1986، و الضريبة على الشركات 1987، و الضريبة العامة على الدخل سنة 1990، وقد نتج عنها سلسلة من الإصلاحات نتيجة التقويم الهيكلي جراء الأزمة الحادة في المالية العمومية و الحاجة إلى مجابهة الديون الخارجية و سنقوم بدراسة مستويين اثنين و هما الضريبة على الدخل و الضريبة على القيمة المضافة لنستشف و نرصد مدى عدالة هاتين الأخيرتين 

الفقرة 1 : الضريبة على الدخل

إن الأساس الدسي تنبني عليه العدالة الجبائية هو تكييف ما أمكن الضريبة مع مقدرة التكليفية للملزم، وهو تطبيق لمبدأ كل دخل مماثل يساوي ضريبة مماثلة. و العدالة إدن هي مبدأ أساسي لتطبيق ضريبة عامة على الدخل و تحليلها يتطلب الإحاطة بكل مدا خيل فرض الضريبة.[43] إن المشرع المغربي قد حاول اعتماد التوجيهات العامة التي رسمها القانون الإطار للإصلاح الجبائي الصادر سنة 1984/04/23، و دلك بتجاوز الضرائب النوعية، لأنه تتمخض عنها ضرائب تزيد من العبئ الضريبي. وهنا نستخلص أن الهدف الرئيسي من الإصلاح هو هدف اقتصادي بامتياز لأنه جاء في ظرفية حساسة و هي مرحلة التقويم الهيكلي و هو ما أدى بهده الضرائب إلى تحقيق أهدافها، والنتائج المنتظرة منها و يتحدد أدني دخل تفرض عليه الضريبة هو ابتدءا 2501 درهم إلى حدود 4166 إد تفرض في هدا المستوى بنسبة 10%  و يتم اقتطاع 250 درهم كمستخلصات. وما يؤكد طرح عدم العدالة هو أن الدخل المحدد من 4167 درهم إلى 5000 درهم تفرض عليه نسبة 20% من الضريبة،أي نسبة ضعف المستوى الأول، و تكلف صاحب هدا الدخل 666 درهم شهريا و مع ارتفاع المعيشة و ارتفاع نسبة الضرائب الغير المباشرة سيؤدي حتما إلى إضعاف القدرة الشرائي لطبقات دوي الدخول المحددة. أما ما يؤكد هشاشة النطام التصاعي هو أن الدخل المحدود من 5001 درهم إلى 6666 درهم تفرض عليه 1166 درهم أي بنسبة 30% ، أما الدخل المحدود من 6667 درهم إلى 15000 درهم تفرض عليه فقط 34%، و بزيادة أربع نسبة أي 38% تفرض على ما فوق 15000 درهم.
نلاحظ من خلال هده الأرقام وجود خلل أو لا عدالة في النظام التصاعدي الخاص بالدخل و على الدولة إعادة هيكلة و إصلاح هدا النظام، لأن هدا الأخير هدفه و دوره الأساسي هو تحقيق العدالة الجبائية. فغياب إرادة سياسية يؤكد بالملموس اللاعدالة إذ أن العمال و الأجراء يساهمون ب 75% من العبئ الضريبي على الدخل، فيما يساهم الأثرياء بمساهمات بسيطة فإن كان مبدأ العدالة يقتضي جدولا تصاعديا حقيقيا فإن الجدول الضريبة على الدخل من الناحية العملية يسير في اتجاه لبتضحية بهده العدالة لصالح المردودية.
بالإضافة إلى هدا فإن الأسعار المطبقة يلاحظ عنها أنها دائما في مصلحة الدخول المرتفعة، و يتجلى دلك من خلال انخفاض السعر التصاعدي من 62% إلى 38.%  في حين أن أصحاب الدخول الضعيفة لم تستفد بشكل كافي من هده الأسعار نظرا لأن النسبة المخفضة هي 1%  أي من 14% إلى 13 " وفقا لقانون المالية لسنة 2007. مع الإشارة أن الأسعار التصاعدية لا تطبق على نفس الدخول العقارية يطبق عليها فقط سعر 20%، و أن المداخيل العقارية عن طريق الكراء فيما يخص الدخول الأكثر من 5500 درهم تطبق عليه نسبة 1.45% و يبلغ مبلغ الإقتطاع 80 درهم، و دخل 8000 درهم 3.68% أي بمبلغ إقتطاع يبلغ 294 درهم. عكس العامل فهو تفرض عليه نسبة 30% إن كان يتقاضى 8000 درهم، و هنا تكمن اللاعدالة و اللامساواة.إذن لكي يكون هناك توزيع عادل للعبئ الضريبي، يجب أن يرتفع السعر بارتفاع المادة الخاضعة لضريبة، ووسيلة لتشخيص الضريبة، فالإشكال هو أنه لا توجد تصاعدية مثالية، فهدا المفهوم تتحكم فيه القيم السائدة، بما فيها نظرته إلى طبيعة التفاوتات في ظل نظام اجتماعي معين، و يرى "بول لوروي" أن الضريبة التصاعدية نظرية عاطفية و ليست عقلانية.
وأيضا من المصادر المتعددة لعدم المساواة في النظام الضريبي المباشر و على الخصوص الضريبة العامة على الدخل يتأتى من أنظمة ضريبية جزافية مرتكزة على تقدير جزافي للمداخيل، إلى جانب التضريب الحقيقي المبني على نظام محاسبة المداخيل، و يزكي هدا النمط عدم المساواة بين الأشخاص الخاضعين لنظام تضريب حقيقي كالأجراء[44]
ولتجاوز كل هده المعيقات و الإكراهات التي تساهم في عدم وجود عدالة ضريبية اقترح المجلس الإقتصادي و الإجتماعي و البيئي في ما يخص الضريبة على الدخل مجموعة من التوصيات و هي كالتالي :
  • يجب توسيع وعاء الضريبة بإدماج الخاضعين لضريبة في القطاع الغير مهيكل.
  • احتساب حصص الضريبة على الدخل في ارتباط مع نسب التضخم حفاظا على القدرة الشرائية.
  • توسيع دائرة التخفيض من الإقتطاعات حسب الأشخاص المعالين.
  • رفع تدريجيا الشريحة المعفاة على الدخل إلى خدود 4000 درهم.
  • تشحيع أصحاب المهن الحرة على أداء الضريبة.
  • على التجار و أصحاب المهن الحرة تحمل العبئ الضريبي الدي يتحمله الأجراء.


الفقرة 2 : الضريبة على القيمة المضافة

يعتبر أغلبية الباحثين بأن الضريبة على القيمة المضافة كضريبة غير مباشرة غير عادلة و فعلا فإنه بمجرد إلقاء نظرة خاطفة على الأسعار المطبقة نستشف مدى تأثيرها السلبي على القدرة الشرائية للمواطنين فسعر 7% يطبق على المواد الأساسية التي لا يمكن للمواطن الإستغناء عنها كالمنتجات الصيدلية التي كان على المفروض أن تعفى كما هو الحال في بعض البلدان، بل أكثر من دلك من دلك حتى الأطفال الرضع لم يسلموا من تطبيق هدا السعر على مسحوق الحليب الذي يشربونه.
فبقراءتنا لعائدات الضرائب الغير المباشرة و تحديدا الضريبة على القيمة المضافة تجدها سجلت ارتفاعا صاروخيا، فسنة 2008 عرفت عائدات الضريبة على القيمة المضافة ما مقداره 39087 مليون درهم، ووصلت سنة 2012 إلى 76367 مليون درهم. فإننا نلاحظ أن الضريبة على القيمة المضافة و عائداتها تساوي سنوات 2009 و 2010 و 2011 و 2012 أكثر من عائدات جميع الضرائب المباشرة. فمثلا سنة 2011 عرفت الضرائب المباشرة عائدات بحوالي 69.367 مليون درهم بينما بلغت الضريبة على القيمة المضافة لوحدها ما معدله 71.857 مليون درهم. و سنة 2012 عرفت الضرائب المباشرة عائدات بقيمة 73414 مليون درهم، بينما الضريبة على القيمة المضافة سجلت 76.857 مليون درهم، دون احتساب عوائد الإستهلاك الداخلي و الرسوم الجمركية و التسجيل و التمبر.
و ينبغي الإشارة إلى تفوق الضريبة على القيمة المضافة الخاصة بالواردات قياسا بالضريبة على القيمة المضافة المتعلقة بالداخل، و هو تفوق تعززه بمرور الوقت لكي يمثل أكثر من 60% من العائدات الإجمالية لضريبة على القيمة المضافة المتوقعة سنة 2012 و يعكس هدا التطور و النمو المستمر الواردات و بالتالي توجيه الطلب على المنتوجات الأجنبية على حساب المنتجات الداخلية و هدا يبين أن النظام الضريبي على القيمة المضافة يساهم في ركود المنتوج المحلي.
كما قلنا في الفقرة الماضية فإن 73% من عائدات الضريبة على الدخل يتم تحصيلها من أجراء القطاعين العام و الخاص الدين يؤدون الضريبة مرتين الأولى على الدخل و المرة الثانية الضريبة على القيمة المضافة أو الضريبة الغير مباشرة، وهنا تكمن لا عدالة ضريبية و هدا المشكل سيؤدي إلى ارتفاع موجات الإحتجاج من طرف الفئات الإجتماعية التي تشعر أنها ضحية مقارنة مع الطبقات الغنية و بالتالي سيؤدي إلى إضعاف القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة و الفقيرة.
واخر إجراء مس بالقدرة الشرائية هو رفع نسبة الضريبة على القيمة المضافة من 7%  إلى 20%  على الشاي، و هما نلمس عدم وجود عدالة لأنها تفرض على السلع دون مراعاة الظروف الشخصية للملزم.
وما يزكي هدا الوضع هو سيطرة الطبقات الغنية على المؤسسات السياسية و بالتالي نجد هيمنة الضرائب الغير المباشرة التي يقع عبؤها على الطبقات الفقيرة،عكس الدول الديمقراطية.
وقد خلص المجلس الإقتصادي و الإجتماعي إلى وجود تفاضل الضريبة على القيمة المضافة بين المنتوجات الفلاحية و المنتوجات الصناعية. فالفاعل الصناعي يتحمل عموما الضريبة على القيمة المضافة الفلاحية و القيمة المضافة الصناعية.
ونتيجة لدلك فمن أجل إنعاش صناعة تحويل المواد الفلاحية، يمكن التفكير في إرجاع نسبة الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على الصناعات الغدائية الفلاحية إلى نسب دنيا، و هو ما سيزيد من هامش ربح رجال الصناعة و بالتالي سترتفع المداخيل الضريبية لدولة، و تخفيض نسبة الضريبية على المنتوجات الصناعية الفلاحية من شأنها أن ترفع نسب الطلب الداخلي، و بالتالي تكبح القطاع الغير المهيكل.
ويجب أيضا إقرار نسبة 30% من الضريبة على القيمة المضافة على السلع الإستهلاكية الفاخرة. و تحوبل مداخيلها للمساهمة الإجتماعية و أيضا دعم صندوق التكافل الإجتماعي.[45]

المطلب 3 : أثر الإعفاءات الضريبية على العدالة الجبائية

للقيام بأي إصلاح جبائي ناجح لابد أن يمر عبر إقرار نوع من العدالة في توزيع العبئ الجبائي عبر مجموعة من الملزمين. و على كل الطبقات الإجتماعية، و بالتالي العمل على خلق نوع من التوازن في المساهمة في الضرائب المباشرة و الغير المباشرة في رفع رهان التنمية.و لا يتم هدا الإصلاح إلا عبر البحث عن استراتيجيات جديدة ، تقتضي بتفاصيل الضرائب القديمة و المتواجدة في النظام الجبائي المغربي و لكنها في شبه راحة أو سبات.[46]
يشهد المغرب مجموعة من التحفيزات الجبائية مما يؤدي إلى وجود بعض التعقيدات الإدارية فضلا عن تقليل العدالة و المساواة في النظام الضريبي، بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه تصميم الحوافز الجبائية و تطبيقها في الدول النامية.
والمغرب مند زمن يعاني على المستوى الضريبي من خلال ضريبتين الفلاحية و العقارية، و هما قطاعان يبلغان أهمية كبيرة لما يدرانه من أرباح ضخمة و يشغلان يد عاملة.فالعدالة تقتضي فرض الضريبة على هادين القطاعين، و يمكن أن نلمس نوعا من العدالة في تحميل و توزيع العبئ الجائي بين كل الطبقات. و سندرس تأثير القطاعين على الوعاء الضريبي المغربي من خلال فقرتين.

الفقرة 1 : القطاع الفلاحي

بعد حصول المغرب على الإستقلال امتلكت العائلات البرجوازية أجود الأراضي و أكثرها مردودية، فقرابة 40 ألف هكتار كانت تمتلكها العائلات العريقة، و فئات قليلة من التجار. و أصبحت إذن 500 ألف هكتار بين يدي ممثلي النخبة المتموقعة في الحكم ابتداءا من سنة 1979 في إطار سياسية الإسترجاع الأراضي من المعمرين، دوت أن ننسى 7500 باشا و قائد و قائدة كانوا قد استولوا مند التلاثينات على حولي ربع الأراضي البمغربية أي ما يمثل مليون و 800 ألف هكتار من الأراضي القابلة لزراعة. الشيء الذي يوضح المقاومة الشرسة الدي يمارسها اللوبي الفلاحي لينتزع الإعفاء الضريبي، إذن فهده السياسة الجبائية جاءت بفعل التطور الإجتماعي و التطورات تاريخية حاسمة. وقد ناضل الاتحاد المغربي للفلاحة من أجل إلغاء نظام التركيب حيث طالب في البداية بمجرد إصلاح، و بعد القيام بمحاولة الإصلاحات نادى الإتحاد بالغائها، و هو ما تم الإعلان عنه لتنهار بعد دلك الأداة الجبائية في العالم القروي و ثم نقل العبئ للمدن. و تصير الفلاحة و العالم القروي عالة على الملزمين الأخرين من الناحية الجبائية و تضيع الخزينة من الدخول الجبائية الفلاحية و أيضا على مستوى القيمة المضافة في استيراد المعدات الفلاحية و الالات.
كما ينبغي الإشارة إلى ضرورة التركيب شكلت نهاية المداخيل الفلاحية السخية و بداية تدهور المداخيل لكثرة الإعفاءات التي تضمنها هده الضريبة. في سنة 1972 عرفت حصيلة المداخيل الضريبية الفلاحية 76 مليون درهم و شكلت نسبة 9.8% من الناتج الداخلي لدولة. و بدأت العوائد الضريبية في انخفاض حيث عرفت سنة 1974 و حققت 40 مليون درهم أي بنسبة 1.8 % من الناتج الداخلي، أي بنقصان نسبة 8% من الناتج الداخلي الخام في مدة سنتين. و بدأت في النقصان إلى أن بلغت سنة 1983 حصيلة 60 مليون درهم بنسبة 1% من الناتج الداخلي، و اكتسبتها من خلال الضرائب الغير المباشرة، وهي نسبة ضعيفة مقارنة مع الدور الدي تلعبه الفلاحة في بلد كالمغرب الذي يصنف ضمن البلدان الفلاحية.
وعموما فقد استمرت مشاركة القطاع الفلاحي في الضريبة في تناقص إلى حدود سنة 1984 حين ثم إعفاء القطاع الفلاحي من أي مجهود ضريبي مما جعلها تستقطب رساميل و قطاعات تشتغل. ففي بداية تقرر إعفاؤها إلى حدود سنة 2000. و ثم تمديد هدا الأجل إلى حدود سنة 2020، ليتقلص بعدها إلى حدود 2010 ليعود القرار الجبائي لتمديد مدة الإعفاء إلى سنة 2013.
لقد حان الوقت لوضع حد لتخاذل القطاع الفلاحي و التهرب من المشاركة في مجهود التنمية، فالإقلاع الإقتصادي في حاجة لكل الفاعلين، و الفلاحة هي رأس هؤلاء الفاعلين باعتبارها محركا حقيقيا لتنمية في بلدان العالم، و بالتالي يجب القيام بالإجراءات التالية :
  •  ضرورة إعفاء المستغلات الفلاحية الصغير ذات الطبيعة المعيشية مع الأخذ بعين الإعتبار نسبة الدخل التي من الممكن تحقيقها.
  •   كل مستغلة صغيرة مهما بلغت فإن مكنت صاحبها من تحقيق دخل يفوق الجد الأدنى لدخل الخاضع لضريبة لا يمكن إعفاؤه.
  •  الإعفاء من الضريبة يجب أن ينبني على معيار مزدوج تختلط فيها مساهمة المستغلة بحجم الدخل المحقق.
  •  الضريبة الفلاحية يجب أن تعتمد المعدلات الضريبية التصاعدية و بشكل يؤدي في النهاية إلى التوزيع العادل العبئ الضريبي، وهو ما عبر عنه الملك محمد السادس سنة 2008 و بدأ العمل به في قانون المالية لسنة 2014.
  •  يجب توفير العدالة من خلال تركيز اليات الإشتغال و الإنتاج لصغار الفلاحين كما هي متوفرة في الضيعات الكبرى، و تفعيل التأمين الفلاحي من الجفاف و الفيضانات و الحرائق.
  •  توفير المناخ المناسب لتسويق المنتوجات الفلاحية إد لا يمكن أن يترك الفلاح عرضة ليد السوق الخفية.

إدن فإعادة النظر في الضريبة الفلاحية هو أمر أساسي و حيوي للخزينة العامة طالما لأنه يختزل إمكانيات لا تتوفر في القطاعات الأخرى و خصوصا الضيعات الكبرى التي تعتمد الوسائل المتطورة في الإنتاج و التسويق قصد تحقيق عدالة ضريبية حقيقية.[47]

الفقرة 2 : الإعفاءات العقارية

من التابث أن القطاع العقاري غير معفى من الضريبة، إذ لا يحق أن نقول فيه ما قلناه على القطاع الفلاحي، غير أن إشكالية القطاع العقاري هو ضعف المردودية الضريبية، و لا تلعب الدور المنوط بها، سواء من حيث الحد من المضاربة العقارية، أو القيام بتعبئة الادخار الداخلي.إذن فالعدالة الضريبية بالمغرب تقتضي الدفع بالقطاع العقاري لتحمل نصيبه من العبئ الجبائي كباقي القطاعات الأخرى.[48]
فاللوبي العقاري يتكون من الفيدراليات المهنية الممثلة للقطاع الإقتصادي، و تضم أكبر رجال المال و الأعمال، فالواضح أن القطاع العقاري ممثل بتلاث فيدراليات و هي فيدرالية البناء و الأشغال العمومية، و الفيدرالية الثانية فيدرالية صناعة مواد البناء، و الفيدرالية الوطنين للمنعشين القضائيين،و الشركات العقارية مند السبعينات تمتلك 30% من الأراضي أساسا على قاعدة عقارية توسعت مع المدة. فتحيل هده المعلومات يدفعنا للقول أن البرجوازية العقارية تضغط بكل ثقلها لمعارضة كل إجراء ضريبي يحد يقلص من ثرواتهم. فهدا اللوبي بم يتوانى عن الدفاع عن مصالحه مند سنة 1977، و عندما تقرر إجراء أول إجراء لفرض الضريبة على القطاع العقاري فقد قامو بإضراب و امتنعوا عن البناء لأنهم كانوا يعتبرون أنهم في وضعية قانونية على أساس أن إعفاءهم من الضريبة حق بحكم الواقع.
فالفيدرالية  طالبت غير ما مرة بتخفيض المعدل الأعلى لضريبة العامة على الدخل، من 44%  إلى 41.5%، لكي يمكن للمواطنين امتلاك سكن لائق.و ثمة الاستجابة لهم حيث ثم حذف واجب التضامن الوطني على الأراضي الحضرية غير المبنية في قانون المالية النصف السنوي سنة 2000، فبعدما كان سعر هده الضريبة محددا في 1% على قيمة العقار في السوق، فثم الإقدام على حذفها و حرمان الدولة من مداخيل مستحقة.[49]
فرغم أن الدخول و الأرباح العقارية تخضع للضريبة وفق النظام التصاعدي، فدلك يتم بعد تطبيق مجموعة من التنازلات نصت عليها المدونة العامة للضرائب و القوانين المنظمة لهده الضريبة، في حين نجد أن أعلى سعر يخضع له الموظف برسم الضريبة على الدخل هو 38 %، و ما يزيد الطين بلة هو التخفيض المنصوص عليه في المادة 64 من المدونة العامة لضرائب و الذي يبلغ نسبة 40%، بالنسبة لضريبة العقارية و الذي يبقى شيئا غير مبرر صراحة بالإضافة للإعفاءات الأخرى المتعلقة بهده الضريبة و التي نجدها بالجملة.
وهدا الحيف في احتساب الضريبة العقارية يعني أن الموظف الدي يساوي دخله أكثر من 15000 درهم  سيدفع واجبا أقرب للمستثمر العقاري الدي يفوت عمارات بملايين السنتيمات مما يتنافى حتما مع مقوم العدالة الضريبية التي تنبني أساسا على مقدار التكليفية للملزمين.
للحد من مظاهر اللاعدالة هده يجب علينا القيام بمراجعة الأسعار و الوعاء الضريبي العقاري و محاولة إصلاحه بشكل يضمن مساهمة القطاع العقاري في المجهود الضريبي بقدر يوازي مقدرته التكليفية التي تتجاوز بشكل كبير مساهمته الجبائية الحالية، كما أن إصلاح الجباية العقارية سيكون له أثر كبير على العدالة الإجتماعية و على الرفع من القدرة الشرائية لباقي الملزمين طالما أن توسيع الوعاء الجبائي العقاري سيؤدي حتما إلى إنحصار المجهود الضريبي المضاعف المبذول من طرف الطبقات الأخرى و بالتالي تخفيض الضغط الضريبي عليها مما يساعهدها على تكوين نوع من الادخار يمكن أن توجهه نحو الإستهلاك أو الإستثمار.
وإضافة إمكانيات إعادة النظر في الأسعار الحالية لضريبة العقارية يجب أن يعاد النظر حتى في الوعاء الضريبي العقاري.فالزيادة على ما تنص عليه المدونة العامة لضرائب في ما يخص الضريبة على أرباح و دخول عقارية يجب إضافة ضريبتين جديدتين إلى وعاء جبائي متعلق بالعقارات أو الأراضي الغير المبنية و كدلك الضريبة على المساكن الفارغة أو الشاغرة.
فالمنعش العقاري يقوم بشراء أراضي صالحة للبناء، و يقوم بتجميدها، حتى يرتفع ثمنها بفعل عامل النذرة، ليحقق المضاربون أرباحا خيالية. و هده الظاهرة متمركزة في المدن الكبرى، بحيث يفوق ثمن المثر المربع 10.000 دره، و هو ثمن ليس في متناول الجميع.
وهنا يتأسس دور الجباية في إعادة التوازن للمشهد الإقتصادي في المجال العقاري، بفرض الضريبة على هده الأراضي بشكل تصاعدي يتناسب مع قيمة الأراضي.و ارتفاع نسبة الضريبة بعد سنة من التملك.و بالتالي يدفع المنعش العقاري ثمن احتكاره لتلك الأرض فإما أن يقوم ببنائها ليتخلص من ثقل الضريبة.و تستفيد الدولة في كلتا الحالتين فإن ثم بناؤها سيخلق رواج اقتصادي، و إن لم تبنى فالمنعش يساهم في التكاليف العمومية عن طريق الضريبة.
وشيء اخر على مستوى الضريبة على المساكن الفارغة التي أصبحت هده المساكن موضة في أوساط الطبقات الغنية، التي تكلف الدولة اختلالا كبيرا ما بين العرض و الطلب، طالما أن المشاريع الإنمائية في المجال السكني تتخد عدد السكان كمرجع تبنى عليه توقعاتها و خططها المستقبلية.
إدن فإقرار الضريبة على المساكن الفارغة في المغرب لا بد له أن يقلل من ظاهرة تملك المساكن الفارغة، و يجب أن تفرض الضريبة بشكل تصاعدي بحسب عدد السنوات التي ترك فيها المسكن شاغرا، و سيحل هده الإجراء حل أزمة الضغط الجبائي المتراكم على الطبقات الوسطى و الفقيرة، و ستساهم في العدالة الإجتماعية التي لا تقل أهمية عن العدالة الضريبية.و يفتح المجال لطبقات المسحوقة في أن يصير بامكانها تملك سكن لائق بثمن لائق.
وحينها يمكن أن نقول أننا أمام عدالة ضريبية حقيقية على المستوى الضريبي، و لتحقيق العدالة أيضا يجب فرض ضريبة على رأس المال و ضريبة على الثروة المتراكمة جراء النشاطات الإقتصادية التي سبق و أن ذكرتها.[50]

الخاتمة

لقد حاولنا من خلال هدا العرض أن نتعرض بالدراسة و التحليل ما مدى مساهمة القرار الضريبي في تحقيق العدالة الجبائية، و استخلصنا أن موضوع العدالة الضريبية من بين المواضيع الهامة التي تشغل الباحثين و الدارسين، فالدولة تسعى دائما جاهدة نحو إقرار عدالة ضريبية تحترم المقادير التكليفية للملزمين لكن رغم كل هدا فمبدأ العدالة الضريبية يبقى غير معتمد بشكل شمولي بواسطة مجموعة من الإعفاءات السخية التي يستفيد منها الطبقات الغنية و يقع العبئ الضريبي على باقي الطبقات المتوسطة و الفقيرة مما يجعلهم دائما في نفس المستوى الذي هم فيه و يزيد من تأزيم وضعيتهم المادية.

لائحة المراجع

المؤلفات و الكتب :
•  عبد السلام أديب،السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية،أفريقيا الشرق،الطبعة الأولى،1998.
•  المجلس الاقتصادي والاجتماعي، النظام الضريبي المغربي،2012.
•  شكري محمد، التشريع الضريبي، الطبعة الثانية،1997.
•  كريم لحرش، النظام الجبائي المحلي المغربي، الطبعة الاولى،2010، طوب بريس،الرباط.
•  التقارير و النصوص القانونية :
•  الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432( 30 يوليو 2011) ظهير شريف رقم 1.11.91.
•  الجريدة الرسمية عدد 3727 الصادرة بتاريخ 2 رجب 1402 ( 4 ابريل 1985).
•  كلمة السيد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران بمناسبة افتتاح أشغال المناظرة الوطنية حول الإصلاح الضريبي (الاثنين 15 جمادى الأولى 1435هـ الموافق لـ 29أبريل 2013م).
•  الموقع الاكتروني لوزارة المالية: http://www.finances.gov.ma.
•   تقرير النفقات الجبائية المرفقة مع مشروع قانون المالية لسنة 2015 المقدم من قبل وزير الاقتصاد والمالية.
•   دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
•  أحمد حضراني ، قانون الجبايات المحلية الجديد و ضمانات مبدأ العدالة الجبائية.

الرسائل و الأطروحات الجامعية
•  هشام لحرش، النظم الجبائية التفضيلية و إشكالية العدالة الضريبية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون النازعات، جامعة مولاي إسماعيل مكناس، 2007،2008.
•   محمد بجنون، السياسة الضريبية و دورها في ترسيخ دولة الحق و القانون، رسالة لنيل ماستر القانون العام، كلية الحقوق سطات، 2009-2010
• الطاهري توفيق، اتخاد القرار الجبائي و العدالة الجبائية، أطروحة لنيل الدكتوراه من كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية أكدال، 2008/2009،
• البازل بدر: السياسة الضريبية في المغرب دراسة سوسيو سياسية للنفقات الجبائية العقارية، أطروحة دكتوراة، كلية العلوم القانونية أكدال ـ الرباط،2007.
--------------------------------------------------------------------
[1] عبد السلام أديب،السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية،أفريقيا الشرق،الطبعة الأولى،1998، ص11.
[2]  نفس المرجع،ص12.
[3]  نفس المرجع،ص 12
[4]  المجلس الاقتصادي والاجتماعي، النظام الضريبي المغربي،2012، ص53.
[5]  نفس المرجع، ص 54.
[6]  نفس المرجع، ص56.
[7]  نفس المرجع، ص 57.                            
[8]  المرجع السابق، ص 59.
[9]  مرجع سابق، عبد السلام أديب،ص 106.
[10]  شكري محمد، التشريع الضريبي، الطبعة الثانية،1997،ص6.7.8.
[11]  نفس المرجع، ص 10،11.
[12]  المرجع السابق، ص14،15،16.
[13]  كريم لحرش، النظام الجبائي المحلي المغربي، الطبعة الاولى،2010، طوب بريس،الرباط، ص13.
[14]  نفس المرجع، ص 13
[15]  الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر الصادرة بتاريخ 28 شعبان 1432( 30 يوليو 2011) ظهير شريف رقم 1.11.91 ، الفصل 49.
[16]  نفس المرجع، الفصل 65، 68.
[17]  نفس المرجع، الفصل 95.
[18]  الجريدة الرسمية عدد 3727 الصادرة بتاريخ 2 رجب 1402 ( 4 ابريل 1985).
[19]  البازل بدر: السياسة الضريبية في المغرب دراسة سوسيو سياسية للنفقات الجبائية العقارية، أطروحة دكتوراة، كلية العلوم القانونية أكدال ـ الرباط،2007، ص 76
[20]  نفس المرجع،ص76.
[21]  كلمة السيد رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران بمناسبة افتتاح أشغال المناظرة الوطنية حول الإصلاح الضريبي
(الاثنين 15 جمادى الأولى 1435هـ الموافق لـ 29أبريل 2013م)
[22]  مرجع سابق، الجريدة الرسمية عدد 5964، الفصل 75.
[23]  مرجع سابق، البازل بدر، ص 82.
[24]  الموقع الاكتروني لوزارة المالية: http://www.finances.gov.ma
[26]  مرجع سابق، البازل بدر، ص 83.
[27]  نفس المرجع، ص 84.
[28]  نفس المرجع، ص 84.
[29]  نفس المرجع، ص85.
[30]  المرجع السابق، ص 85.
[31]  مرجع سابق، دستور المملكة المغربية، الفصول 70،81.
[32]  مرجع سابق، البازل بدر، ص 87.
[33]  المرجع السابق، ص 109.
[34]  المرجع السابق، ص109.
[35]  المرجع السابق، ص103.
[36]  تقرير النفقات الجبائية المرفقة مع مشروع قانون المالية لسنة 2015 المقدم من قبل وزير الاقتصاد والمالية.
[37]  الطاهري توفيق، اتخاد القرار الجبائي و العدالة الجبائية، أطروحة لنيل الدكتوراه من كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية أكدال، 2008/2009، ص 8
[38]  دستور المملكة المغربية لسنة 2011.
[39]  هشام لخرش، النظم الجبائية التفضيلية و إشكالية العدالة الضريبية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون النازعات، جامعة مولاي إسماعيل مكناس، 2007،2008.
[40]  الطاهري توفيق ، نفس المرجع ، ص9
[41]  هشام لحرش، نفس المرجع، ص 25
[42]  محمد بجنون، السياسة الضريبية و دورها في ترسيخ دولة الحق و القانون، رسالة لنيل ماستر القانون العام، كلية الحقوق سطات، 2009-2010
[43]  أحمد حضراني ، قانون الجبايات المحلية الجديد و ضمانات مبدأ العدالة الجبائية.
[44]  تقرير المجلس الإقتصادي و الإجتماعي، نفس المرجع، ص 273
[45]  أحمد الحضراني ، نفس المرجع
[46]  تقرير المجلس الإقتصادي و الإجتماعي، نفس المرجع، ص 125
[47]  هشام لحرش، نفس المرجع، ص205
[48]  هشام لحرش ، نفس المرجع ص 208 و ص 209
[49]  البازل بدو، السياسة الضريبية في المغرب دراسة سوسيو سياسية للنفقات الجبائية العقارية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة،  أكدال الرباط، ص 107
[50]  هشام لحرش، نفس المرجع، ص 217.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات