القائمة الرئيسية

الصفحات

الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة

الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة

الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة
الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة

تقديم
شهد العالم في مطلع القرن العشرين حربين عالميتين في أقل من أربعة عقود ، انهار خلالها السلم و الأمن الدوليين و سقط خلالها الملايين من الضحايا و الجرحى , ناهيك عن مجموعة من الخسائر الاقتصادية ، كل ذلك دفع الدول الكبرى بعد فشل عصبة الأمم في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية عام  1939. إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة , التي أكد ميثاقها على أن الهدف الأسمى الذي تسعى لتحقيقه هو حفظ السلم و الأمن الدوليين , فحظر ميثاقها حظرا مطلقا استخدام القوة أو التهديد بها على أي نحو يمس باستقلال الدول و سلامتها الإقليمية , و علاقاتها الخارجية . ومن أجل ذلك يلتجئ مجلس أمنها  إلى العديد من الوسائل المتعددة لحفظ السلم والأمن الدوليين تضمنها الميثاق, وهي وسائل سلمية وغير سلمية ، فإذا كان الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة يركز بالأساس على الوسائل السلمية بما تشمله من عمليات دبلوماسية وسياسية , كالمفاوضات  والوساطة وتحيق وتوفيق , أو الوسائل القانونية كاللجوء للتحكيم الدولي أو القضاء الدولي . فإن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والمتكون من المادة 39 إلى المادة 51 تحت عنوان " فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان " , يتضمن مجموعة من الوسائل الزجرية , والغير السلمية لحفظ السلم والأمن الدوليين , فما هو نطاق تطبيق السلطات المنصوص عليها في الفصل السابع ؟ التدابير التي يتخذها مجلس الأمن تطبيقا للفصل السابع ؟ وما هي أهم الصعوبات التي تواجه مجلس الأمن لتطبيق الفصل السابع ؟


للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها عمدنا إلى تقسيم بحثنا على النحو التالي:

المبحث الأول : المقتضيات والتدابير التي يتخذها مجلس الأمن تطبيقا للفصل السابع .


بالرجوع إلى نصوص ميثاق الأمم المتحدة نجدها تتضمن العديد من الوسائل الغير السلمية لحفظ السلم والأمن الدوليين، وهذه الوسائل تضمنها الفصل السابع من الميثاق بدءا من المادة 39 إلى 51، وأيا ما كانت السلطات التي يتخذها مجلس الأمن من التوصية للأطراف المتنازعة باتخاذ أو إتباع ما يرونه ملائما لحل النزاع إلى سلطة اتخاذ تدابير مؤقتة لمنع تفاقم النزاع إلى سلطة اتخاذ تدابير المنع أو القمع، فإنه يتعين أن يستند في ممارسته لهذه السلطات على واحدة من الحالات الثلاثة , تهديد السلم أو الإخلال به أو وقوع عمل من أعمال العدوان. وعلى أساس ذلك سنحاول في هذا المبحث أولا معرفة نطاق  تطبيق السلطات المنصوص عليها في الفصل السابع وثانيا التدابير التي يتخذها مجلس الأمن تطبيقا للفصل السابع.                                                                  

المطلب الأول : نطاق  تطبيق السلطات المنصوص عليها في الفصل السابع.

ورد النص على هذه السلطات في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وذلك إذا لم تفلح الإجراءات المنصوص عليها في الفصل السادس في وضع نهاية للمنازعات التي من شأن استمرارها أن تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر.    
واستنادا إلى المادة 39 من الفصل السابع، يفترض أن يعقد مجلس الأمن اجتماعا ليقوم من خلاله بفحص وتشخيص الحالة التي أمامه, ويقرر بأنها فعلا تشكل تهديدا للسلم والأمن الدولي أو إخلالا بهما ، أو أن ما وقع هو عمل من أعمال العدوان، والمادة 39 السالفة الذكر لا تضع أي حد للسلطة التقديرية لمجلس الأمن في تكييف ما يعرض عليه من وقائع ، فهو لا يخضع لأي رقابة قضائية أثناء ممارسته لهذه السلطة، كما لا يوجد أي تعريف محدد للإخلال بالسلم أو تهديده أو العدوان.وفيما يلي سنتناول كل حالة من الحالات السالفة الذكر على حدة على النحو التالي :                                                         :                  

الفقرة الأولى: تهديد السلم.

لقد كان صمت الميثاق عن تحديد مفهوم تهديد السلم الوارد في المادة 39 من الميثاق مقصودا من جانب واضعيه ، وذلك بهدف ترك الحرية لمجلس الأمن في توسيع مجال نشاطه ، فهو وحده الذي يقرر الشروط التي تبرر استخدامه للسلطات المنصوص عليها في الفصل السابع ، فهذا التعبير يمكن أن يمتد ليشمل وقائع وحالات جد مختلفة باعتبارها تشكل تهديدا للسلم.                             
والتهديد في مفهومه العام يعتبر كمؤشر ودليل على حالة خطيرة مقلقة يجب مـن خلالهـا اتخاذ الإجراءات المناسبة لوقفها ووضع حد لها ، وبالتالي يمكن القول بأن تهديد السلم الـوارد في المادة 39 من الميثاق يتحقق عندما تهدد دولة بالدخول في الحرب مع دولة أخرى أو القيام بالتدخل في شؤونها الداخلية أو التهديد باستخدام العنف ضدها ، حتى  ولو لم يتبع ذلك استخدام العنف بالفعل لأن من شأن ما سبق قد يدخل الروع والهلع في نفس الدولة المهـددة بوجــود خطــر حــال مــن شــأن حدوثــه الإخــلال فعليــا بحالــة الــسلم .  كما أن وجود صراع على درجة كبيرة من العنف والجسامة داخل إقليم إحدى الدول يتحقق به وجود تهديد للسلم ،  وبخاصة إذا كان هذا الصدام يؤدي إلى تعريض تجارة الـدول الأخـرى ومصالحها للخطر.                                                           
 وقد أشار بيان مجلس الأمن في القمة المنعقدة في الواحد والثلاثين من يناير  1991 إلى "إن السلم والأمـن الدوليين لا ينبث قان فقط من غياب الحـروب والنزاعات المسلحة بين الدول ، فثمة تهديدات أخرى ذات طبيعة غير عسكرية للسلم تجد مصدرها في عدم الاستقرار في المجالات الاقتصادية والاجتماعية و الإنسانية والبيئية " .                                                                    

الفقرة الثانية  الإخلال بالسلم .

الإخلال بالسلم في مفهوم المادة 39 من الميثاق يقوم عند وقوع عمل من أعمـال العنف ضد دولة معنية، أو وقوع صدام مسلح داخل إقليم دولة من شأن استمراره أن يؤدي إلى خلق حالة جديدة أشد من حالة تهديد السلم ، وبذلك يعد الإخلال بالسلم مرحلة تتوسط تهديد السلم ووقوع عمل من أعمال العدوان ، فالإخلال بالسلم هو أخطر من مجرد تهديد السلم ولكنه أقل خطورة من وقوع العدوان .     ومن الملاحظ أن  القرارات  الصادرة عن مجلس الأمن التي يشير فيها الإخلال بالسلم الدولي وأعمال العدوان نادرة جدا، بخلاف حالات تهديد السلم الدولي التي تشير إليها أكثر القرارات الصادرة عن المجلس في إطار الفصل السابع.           ولقد حدد   مجلس  الأمن  الدولي المقصود بالإخلال بالسلم في القرار رقم 54 الصادر في 15 يوليو  عام 1948 بشأن القضية الفلسطينية حيث اعتبر عدم الإذعان لقرار وقف إطلاق النار في فلسطين يمثل مظهر من مظاهر الإخلال بالسلم وفقا للمادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة. كما ذهب مجلس الأمن إلى تكييف قيام كوريا الشمالية بغزو كوريا الجنوبية عام  1950 بأنه إخلال بالسلم. .            
وتؤكد السوابق الدولية أن مجلس الأمن لم يلتزم بمعايير واضحة في تكييفه للأوضاع الدولية التي عرفت نزاعات دولية، بل أن الاعتبارات والظروف السياسية المحيطة بكل حالة هي المحددة لطبيعة العمل .                                                   

الفقرة الثالثة: العـدوان

 أورد الميثاق في الفقرة الأولى من مادته الأولى وجوب اتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لقمع العدوان، وترك البث  في أمر وجود عمل من أعمال العدوان لمجلس  الأمن وفقا للمادة 39 . ولما كان العدوان هو أبلغ صور الاستخدام غير المشروع للقوة, خطرا وخطورة من حيث أنه يحمل في ثناياه إمكان التهديد بنزاع عالمي مع كل ما يترتب عليه من كوارث، فقد ظل المجتمع الدولي يبحث عن صيغ  مبادئ أساسية يسترشد بها في مثل هذا البحث من عهد عصبة الأمم وقد بذلت محاولات عديدة للوصول إلى تعريف محدد لأعمال العدوان إلا أنها كانت غير مثمرة ، حيث جاء ميثاق الأمم المتحدة خاليا من أي تعريف للعدوان وذلك نظرا لطبيعة مواقف الدول الأعضاء في المنظمة، حيث أن كل دولة تعرف العدوان بما يتلاءم وسياستها.                                                              ولذلك فشلت محاولات الأمم المتحدة في تعريفه إذ فشلت لجنة خاصة تكونت بناء على توجيه من الجمعية العامة للأمم المتحدة من خمسة وثلاثين عضوا في الفترة من الرابع من شهر يونيو إلى السادس يوليوز 1968، روعي في تكوينها التمثيل الجغرافي العادل للبلدان . وبالرغم من ذلك ظلت مسألة تعريف العدوان مدرجة في جدول أعمال الجمعية العامة منذ سنة 1950، وتوجت جهودها بإصدارها للقرار رقم  3314 في 12 ديسمبر  1974 بشأن تعريف العدوان الذي جاء على النحو التالي : « العدوان هو استخدام القوة من قبل دولة ما  ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة".
وقد أكتسب هذا التعريف أهمية كبيرة في إطار النظام القانوني الدولي، بالرغم من صدوره في صورة توصية ، و ترجع هذه الأهمية إلى أنه يتعلق بتوضيح وتفسير بعض أحكام الميثاق المتعلقة بالأهداف الأساسية للأمم المتحدة وهي المحافظة على السلم والأمن الدوليين و بوظائف مجلس الأمن وسلطاته في تحديد العدوان واتخاذ الإجراءات الضرورية لقمعه، وكذلك نظام الأمن الجماعي الذي أنشأه الميثاق من أجل منع العدوان وردعه.             

المطلب الثاني: التدابير التي يتخذها مجلس الأمن تطبيقا للفصل السابع.

في إطار الفصل السابع من الميثاق لمجلس الأمن بعد أن يقرر وجود تهديد للسلم أو إخلالا به , أو عمل من أعمال العدوان , أن يصدر التوصيات أو يقرر ما هي التدابير المناسبة طبقا للمادة 41 و 42 من أجل الحفاظ أو إعادة السلم والأمن الدوليين  . 

الفقرة الأولى : توصية مجلس الأمن  للأطراف المتنازعة بما يراه مناسبا لحل النزاع .

في إطار الفصل السابع لمجلس الأمن أن يختار بين إصدار التوصيات أو اتخاذ القرارات ولا يخضع لأية قيود في ممارسته لهذه الصلاحية ، ولقد مارس مجلس الأمن هذا الإجراء في حالات عدة منها مثلا في النزاع الكوري سنة 1950 حيث أصدر توصية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتقديم مساعداتها العسكرية لكوريا الجنوبية تحت علم الأمم المتحدة لكي تتمكن من رد العدوان عن أراضيها. وكان اختيار مجلس الأمن لأسلوب التوصية دون غيره من الأساليب يعود إلى الظروف الخاصة التي أحاطت بهذا النزاع، وإن كان ذلك لم يمنع الكثير من الفقهاء من انتقاد هذا الاختيار استنادا إلى أن أسلوب التوصية الوارد في المادة 39 لا يتعين استخدامه في مجال تطبيق تدابير القمع العسكرية. من ناحية أخرى، فإن لمجلس الأمن أن يوصي الدول الأعضاء بتطبيق أية جزاءات بعد ما يقـوم بوصف الوقائع المعروضة عليه بإحدى الأوصاف الواردة في المـادة 39 من الميثاق ومن الأمثلة في هذا الصدد القرار رقم 746 والذي أصدره مجلس الأمن في 17مارس 1992 بشأن المسألة الصومالية، فبعد أن عبر مجلس الأمن عما يشعر به من انزعاج بالغ لعظيم المعاناة الإنسانية الناتجة عن النزاع بين الفرقاء في الصومال و ما يمثله استمرار هذه الحالة من تهديد للسلم والأمن الدوليين آثر المجلس استخدام أسلوب التوصية التي عبر عنها بعبارات يحث أو يطلب، يناشد، يدعو.

الفقرة الثانية: التدابير المؤقتة

 طبقا للمادة   40 ، من الميثاق لمجلس أن يدعو الأطراف المتنازعة إلى الأخذ بما يراه ضروريا أو مستحسنا من تدابير مؤقتة على ألا تخل هذه التدابير بحقوق الأطراف المتنازعة أو مطالبهم أو مراكزهم القانونية ، وبذلك تسمح المادة 40 لمجلس الأمن قبل تفاقم الوضع دعوة الأطراف المتنازعة للأخذ بالتدابير المؤقتة بما يراه ضروريا ومستحسنا .

 وبصفة عامة تستخدم التدابير المؤقتة لمواجهة الاعتداءات المستمرة و الدعوة بعد ذلك إلى التأسيس لوقف إطلاق النار بإعلان الهدنة أو سحب القوات خارج منطقة المواجهات . ومنها أيضا الأمر بإيقاف التجنيد ، أو الأمر بالامتناع عن استيراد الأسلحة أو دعوة الأطراف المتنازعة إلى إتباع الطرق السلمية لتسوية النزاع ، وقد يطلب مجلس الأمن من الدول التي ليست أطرافا في النزاع تطبيق ما يرى اتخاذه من تدابير مؤقتة، كأن يطلب منها الامتناع عن مساعدة أطراف النزاع أو مدهم بالأسلحة. ومن ثم فإن التدابير المؤقتة هي مجموعة من الإجراءات التي يوصي بها مجلس الأمن للحد من تداعيات نزاع دولي ما ومنعه من بلوغ مرحلة تهديد السلم والأمن الدوليين أو الإخلال بهما، وهي أيضا وسيلة من وسائل الإنذار والتهديد الوقائي لأطراف النزاع يمارسها مجلس الأمن قبل اللجوء إلى وسائل الردع والعلاج طبقا للمادتين 41 و 42 من الميثاق.            
وبذلك فإن التدابير المؤقتة هي إجراء مؤقت, الهدف منه حصر النزاع في بدايته وإبعاده من الوصول إلى درجة تهدد السلم والأمن الدوليين بانتظار حله بالوسائل السلمية وقبل اللجوء إلى التدابير غير العسكرية والعسكرية.                        
والإجراءات أو التدابير التي يتخذها المجلس طبقا للمادة 40 ليس لها طبيعة قسرية أي لا يفرضها المجلس بالقوة ، فإذا لم تفلح التدابير المؤقتة في ثني الأطراف المتصارعة عن القتال وقبولها بلغة الحوار بدل الحرب فإنه من حق المجلس اتخاذ التدابير العسكرية .

الفقرة الثالثة: التدابير غير العسكرية . 

 وهي التدابير التي ورد ذكرها في المادة 41 من الميثاق ، حيث أنه من حق المجلس أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتضمن استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته والتي من بينها تعزيز الصلات الدبلوماسية وقطع العلاقات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبرية والاتصالات البريدية  وغيرها من وسائل المواصلات قطعا جزئيا أو كليا.                       وبذلك فإن تدابير المنع هي تدابير جماعية قسرية تنفذها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بناء على قرار يصدره مجلس الأمن منفردا بموجب الفصل السابع، ولا يتطلب تطبيقها عموما استخدام القوات المسلحة. إنها جزاءات دولية تستهدف مباشرة المقومات الاقتصادية والمالية في الدولة المستهدفة، وهي وسيلة من وسائل الضغط ألأممي غايتها حمل الدولة المهددة أو المخلة بالسلم والأمن الدوليين على الإذعان و التراجع عن الأسباب المفضية لذلك التهديد أو الخلل.     والقرار الذي يصدره مجلس الأمن طبقا لهذه المادة هو قرار ملزم وواجب التنفيذ من جانب جميع أعضاء الأمم المتحدة، ولا يمكن لأي دولة أن تتملص من تنفيذ بعضه أو كله تحت دعاوى وجود معاهدات أو اتفاقيات مع أحد أطراف الأزمة. 

الفقرة الرابعة: التدابير العسكرية 

 وهي التدابير التي يجوز لمجلس الأمن أن يتخذها إذا رأى أن التدابير غير العسكرية ليست مجدية ، أو ثبت عدم جدواها , فله أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبرية والبحرية، من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه، وهذا ما أوضحته المادة  42 من الميثاق. على هذا يدخل في السلطة التقديرية الكاملة لمجلس الأمن تقرير اتخاذ التدابير العسكرية عندما يرى عدم وفاء التدابير غير العسكرية بالغرض الذي اتخذت من أجله، سواء كان قد سبق للمجلس تقرير اتخاذ التدابير الأخيرة أم لم يسبق له ذلك، بمعنى أنه يمكن لمجلس الأمن أن يأمر باتخاذ التدابير العسكرية بداية دون أن يسبق ذلك اتخاذ أية تدابير  غير عسكرية . وبذلك خول الميثاق مجلس الأمن سلطة القيام بالعمل المباشر وإعطائه الحق في استخدام القوة المسلحة لإعادة السلم والأمن الدولي إلى نصابه.
 ويتميز ميثاق الأمم المتحدة في هذا الشأن عن عهد عصبة الأمم من ناحية أن هذا الأخير لم يكن ينظر إلى استخدام القوة المسلحة كوسيلة للقمع والردع الجماعي إلا بصفة اختيارية وثانوية، فقد كان يعطي للتدابير والضغوط الاقتصادية الأولوية والأفضلية، بينما يعطي الميثاق للتدابير العسكرية الأهمية الرئيسية ويكسبها وجهة إلزامية.      
ويفترض للقيام بعمل عسكري مباشر لحفظ السلم والأمن الدوليين وجود تنظيم عسكري ملموس للأمم المتحدة ، وتطبيقا لذلك تتعهد الدول الأعضاء بوضع وحدات مسلحة وطنية تحت تصرف مجلس الأمن أو تقديم المساعدات والتسهيلات الضرورية بما في ذلك حق المرور. وقد نصت المـادتان  46 و 47 على أن مجـلس الأمـن يتولى قيادة هذه القوات العسكرية، وتساعده في ذلك هيئة الأركان العسكرية التي يتمثل بها رؤساء الأركان العسكرية للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. إلا أن مجلس الأمن يواجه العديد من الصعوبات في تطبيق الأمن الجماعي , وهو ما سنحاول توضيحه في المبحث الثاني .

المبحث الثاني : صعوبات تطبيق الأمن الجماعي وبعض ممارسات مجلس الأمن  لتطبيق الفصل السابع .


في هذا المبحث سنحاول تبيان أهم الصعوبات التي يواجهها مجلس الأمن عند تطبيقه للأمن الجماعي , ثم بعض الحالات التي تدخل فيها مجلس الأمن تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .

المطلب الأول : صعوبات تطبيق الأمن الجماعي .

اعتمد نظام الأمن الجماعي الوارد في الميثاق على اشتراك المجموعة الدولية ككل للتدخل في أي بقعة من العالم ضد أي معتد وباسم المجموعة الدولية , إلا أن بوادر الانشقاق الإيديولوجي وتضارب المصالح بدأت تظهر بدلا من استمرار التفاهم والتعاون بين الأعضاء الدائمين . ويمكن إجمال أهم هذه الصعوبات في عدم القدرة على تشكيل جيش دولي و تجميد عمل هيئة الأركان الأممية, وهذا ما سنوضحه في الفقرات التالية:                                                        

الفقرة الأولى : عدم تشكيل جيش دولي .

وفقا لنص المادة 43 من ميثاق الأمم المتحدة يتعهد جميع الدول الأعضاء بالمشاركة في القوات المسلحة للأمم المتحدة و ذلك بأن توضع وحدت مسلحة من قواتها تحت تصرف مجلس الأمن , وكذلك تقديم  التسهيلات والمساعدات الضرورية لهذه القوات بما في ذلك حق المرور , وتتم هذه المشاركة بناء على طلب من مجلس الأمن طبقا لاتفاقيات خاصة يبرمها مع الدول الأعضاء على أن تجري المفاوضة في ذلك بأسرع ما يمكن وذلك بناء على طلب من مجلس الأمن , وتصدق عليها الدول الموقعة وفقا لمقتضيات أوضاعها الدستورية , ويحدد هذا الاتفاق عدد القوات التي ستشارك بها الدولة وأنواعها ومدى استعدادها و أماكنها ونوع التسهيلات التي تقدمها .                                                        
واعترافا بأهمية القوات الجوية في الحروب الحديثة , تطلب المادة 45 من الدول الأعضاء الإبقاء على وحدتها الوطنية في القوات الجوية مستعدة لاستعمالها في إعمال القمع , بموجب خطة يضعها مجلس الأمن بمساعدة لجنة أركان الحرب تتألف من رؤساء أركان حرب الأعضاء الدائمين في المجلس.                    
إلا أنه لم يتم إعمال الأحكام السابقة بشان تنظيم القوات المسلحة للأمم المتحدة , فلم يشكل جيش دولي من خلال هذه المادة 45 وذلك بسبب ظهور خلافات حادة حول العديد من الأمور والتي سوف نتطرق لها على النحو التالي :                

- الخلاف حول المساهمة العسكرية للدول الأعضاء.
فالمبدأ المطروح ينطلق من ضرورة أن يؤمن الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن القسم الأكبر من هذه القوات , فقد انقسمت الدول الكبرى حول هذه المسالة فمثلا الاتحاد السوفياتي لم ير مبررا للاحتفاظ بقوة عسكرية كبيرة تحت تصرف الأمم المتحدة.

- الخلاف حول كيفية تشكيل الجيش الدولي .
كانت بعثة الاتحاد السوفياتي ترى أن تشكيل القوات الدولية يكون على أساس مبدأ التساوي المطلق لتفادي السيطرة العسكرية لأي من الأعضاء الدائمين , لكن الدول الغربية دافعت عن فكرة المشاركة المتمايزة , حيث رأت ترك مسالة تحديد عناصر هذه القوة برا وبحرا وجوا بحسب ظروف كل دولة على حدة.           

- الخلاف حول أماكن تواجد القوات الدولية.
اختلفت الدول الكبرى حول أماكن تواجد الجيش الدولي , حيث رأت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض الدول الأخرى إمكانية وضع القوات التي تتبع الأمم المتحدة في قواعد خارج الدول التي تتبعها هذه القوات , ومن ثم تمكين هذه القوات من تامين التدخل الفوري لمجلس الأمن في أي نقطة من الكرة الأرضية , بينما دافع الاتحاد السوفياتي عن الفكرة القائلة بأنه طالما لا تستخدم القوات الدولية في عملية مسلحة , فانه لا يجب أن تقيم إلا على أراضي الدولة التي جهزتها لان وجود قوات على أراضي دول أجنبية ليس ملائما للسلام الدولي.                   

الفقرة الثانية : تجميد عمل لجنة الأركان الأممية 

نصت المادتان 46 و 47 من الميثاق على كيفية عمل القوات الدولية وقياداتها , حيث نصت المادة 46 على أن " الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس الأمن بمساعدة لجنة أركان الحرب " , فوفقا لهذه المادة فإن خطط استعمال القوات يضعها مجلس الأمن بمساعدة هيئة الأركان وقد حددت المادة 47 , كيفية تشكيل لجنة أركان الحرب واختصاصاتها وما يحق لها أّن تنشئه من لجان فرعية أو إقليمية .                                                                     
فهيئة الأركان مكلفة بتقديم أرائها إلى المجلس وبمساعدته في جميع المسائل ذات الصبغة العسكرية حتى يتمكن من المحافظة على السلم والأمن الدوليين , ولضبط القواعد القانونية المتعلقة بالتسلح ونزع السلاح , وبذلك فإن هيئة الأركان مسئولة عن التوجيه الاستراتيجي لأية قوات مسلحة موضوعة تحت تصرف مجلس الأمن . ثم  أشارت نفس المادة إلى تركيبة هيئة الأركان من رؤساء أركان الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن أو من ممثليهم مع إمكانية إشراك أي عضو في الأمم المتحدة في أعمالها إذا كانت هناك فائدة من المساهمة في هذه الأعمال .   
 لكن نظرا لاختلاف وجهات النظر بين أعضاء مجلس الأمن  بالنسبة للمادة 11 من التقرير الخاصة بالمساهمة العسكرية من جانب الأعضاء الدائمة في مجلس , وجد هذا الأخير نفسه عاجزا عن مواصلة دراسة باقي النصوص التي تضمنها التقرير .
وفي خضم هذا المناخ  الدولي أبانت اللجنة عن عجزها في تحقيق المهام المنوطة بها , فمن الصعوبة بمكان للجنة مكونة  في الأساس من رؤساء أركان حرب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أن تعمل بتناغم و بانسجام وبفعالية لما بينهم من اختلافات وتناقضات .
ومن ثم عجزت منظمة الأمم المتحدة عموما , ومجلس الأمن بصفة خاصة عن اتخاذ إجراءات عسكرية فعالة لقمع العدوان أو لفرض نوع التسوية المرغوب فيها على أطراف النزاع , و كان من اللازم على الأمم المتحدة التصدي للأزمات وفد نجحت المنظمة إلى حد ما في استحداث آلية جديدة للعمل على منع نشوب النزاعات أو إنهائها وهي عمليات حفظ  السلام .                                   

المطلب الثاني : بعض ممارسات تطبيق مجلس الأمن للفصل السابع .

في هذا الصدد سوف نتطرق إلى تدخل مجلس الأمن في كل من العراق وليبيا , من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين , وما سنركز عليه هو كيفية تدرج قرارات مجلس الأمن في  نطاق تفعيل  الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة , على أساس أننا لن ننتقد بشكل جوهري عمل مجلس الأمن  لأن هذا قد يتطلب منا بحوثا مطولة لتفسير ذلك .                                        

الفقرة الأولى : الحالة العراقية .

من الأمور التي هددت الكيان العربي النزاع العراقي الكويتي , فبعد وقف النزاع العسكري المسلح  بين العراق وإيران في ثمانية  أغسطس 1988, ثار نزاع بين العراق والكويت , حول إطفاء الديون الكويتية على العراق , على أساس أن العراق كان يحارب ضد إيران من أجل حماية دول الخليج العربي , وقد وصل النزاع إلى مرحلة الصراع العسكري المسلح في شهر يوليو من عام 1988.إثر غزو القوات التابعة للدولة العراقية واحتلال أراضي الكويت  بالكامل في الثاني من أوت عام 1990 , ليتدخل مجلس الأمن مدينا بذلك الغزو العراقي ومعتبره عدوانا مسلحا على دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة كما اعتبره خرقا لنصوص الميثاق , الأمر الذي توجب معه اتخاذ كافة الإجراءات التي ينص عليها الميثاق في مثل هذه الحالة , فأصدر مجلس الأمن القرار رقم 660 (1990) , يقرر فيه وجود خرق للسلم والأمن الدوليين فيما يتعلق بهذا الغزو العراقي على الكويت . 
بعد أربعة أيام من صدور القرار 660 لسنة (1990) , قرر مجلس الأمن وبموجب الفصل السابع من الميثاق , فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية شاملة ضد العراق لإجباره على الانسحاب من الكويت . وقرر المجلس عدم الاعتراف بأي نظام تقيمه العراق في الكويت , بإصداره القرار رقم 661 (1990) .
ولضمان فعالية هذه العقوبات قرر مجلس الأمن إنشاء لجنة تابعة له تتكون من جميع أعضاءه تتمثل في لجنة للعقوبات بهدف مراقبة تنفيذ الجزاءات التي كانت تشمل بيع وتوريد جميع المنتجات والسلع بما في ذلك الأسلحة واعتبرها من المعدات العسكرية , وكذلك تحويل الأموال , حيث  سمح للدول المتعاونة مع الكويت التي تنشر قوات بحرية في المنطقة بان تتخذ من التدابير ما يتناسب مع الظروف المتعددة وحسب الضرورة في إطار مجلس الأمن لإيقاف جميع عمليات الشحن البحري القادمة أو المغادرة إلى كل من العراق والكويت بغية تفتيش حمولتها , والتحقق من وجهتها لضمان  التنفيذ الصارم للأحكام المتعلقة بهذا الشأن والذي ينص عليها القرار 661 , كما يدعوا القرار 665 الدول الأعضاء إلى استخدام  التدابير السياسية والدبلوماسية بأقصى قدر ممكن لإدراك الأهداف التي يتوخاها القرار رقم 661 , ولتحقيق هذه الأهداف قرر مجلس الأمن من خلال القرار 670 (1990) , توسيع نطاق العقوبات ليشمل كل وسائل النقل الجوي بما فيها الطائرات .                                                            
أمام إمعان العراق المستمر في انتهاك مبادئ الأمم المتحدة , وعدم الامتثال لقرارات مجلس الأمن الصادرة بشأن الأزمة الكويتية  , أصدر مجلس الأمن القرار رقم 678(1990) , أذن بمقتضاه للدول الأعضاء المتعاونة مع حكومة الكويت باستخدام كافة الوسائل الضرورية لدعم وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة , في حال عدم امتثال العراق لتلك القرارات بالكامل قبل 15 يناير 1990. ولقد أشار القرار رقم 678 (1990) , ضمنا إلى استعمال القوة المسلحة لوضع قرارات مجلس الأمن موضع التنفيذ , وهو ما حدث فعلا حيث تم استعمال القوة المسلحة ضد العراق إلى أن تم إجباره على الانسحاب من الكويت , ليتم تحريره بعد إيقاف النار في مارس 1991 .                                                   
تجدر الإشارة إلى أنه بموجب القرار 678 (1990) , انتقل مجلس الأمن من دائرة تطبيق المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة , إلى دائرة تطبيق المادة 42 من نفس الميثاق , أي تطبيق الجانب العسكري من نظام الأمن الجماعي وذلك لضمان الالتزام بتطبيق العقوبات المفروضة على العراق , وهكذا نجد تداخل للعقوبات الاقتصادية ووسائل القهر العسكري .                                     
وما يعاب على مجلس الأمن في تدخله  في الغزو العراقي على الكويت , أنه كان بإمكانه أن يقوم بتسوية النزاع بالطرق السلمية, لكن ما يظهر من خلال القرار (660) , والقرارات الصادرة بعده أن مجلس الأمن أراد إبقاء الحالة دون أن يقدم الحلول السلمية لهذا النزاع , وقام بالتدخل عسكريا بشكل لم يسبق له أن اتخذه من قبل , ويشير الباحثون إلى أن الحرب التي استخدمها مجلس الأمن ضد العراق ليست حرب الية لقتل المواطنين فحسب بل إنها حرب بيئية مدمرة لأجيال عديدة , كان هدفها الأساس تدمير بيئة العراق وتعريض الشعب لإبادة جماعية على مختلف الأزمنة والعصور , حيث استخدم مجلس الأمن مجموعة متنوعة من الأسلحة الثقيلة ضد الشعب العراقي الأمر الذي خلف العديد من الخسائر المادية والبشرية التي لم يسبق للعراق أن عاين مثلها من قبل .

الفقرة الثانية : الحالة الليبية .

إثر الاحتجاجات والمظاهرات السلمية التي قام بها الشعب الليبي فبراير 2011 والتي شملت معظم المدن الليبية اندلعت ثورة شعبية في ليبيا , ومع  تطور الأحداث وقيام الكتائب التابعة لمعمر القذافي باستخدام الأسلحة النارية الثقيلة  والقصف الجوي لقمع اغلبهم المتظاهرين  أدت إلى ظهور مأساة إنسانية لم تشهدها البلاد من قبل , وإلى حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني , حيث قتل الآلاف أغلبهم مدنيين من جراء العمليات العسكرية , كما اضطر الكثير لمغادرة ليبيا إلى دول أخرى كلاجئين خاصة إلى تونس ومصر.                                                                                
أمام تقاعس النظام الليبي في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير الحماية للمدنيين من جراء الهجمات التي شنتها كتائب القذافي , ازداد الوضع تأزما , ووجد المجتمع الدولي نفسه من خلال منظمة الأمم المتحدة مطرا لاتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذ المدنيين الليبيين من ويلات النزاع المسلح في ليبيا.                          
واستنادا لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وبتطبيق المادة 41 منه أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1970 (2011) , يدين فيه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بما في ذلك العنف والقمع واستخدام القوة ضد المدنيين في أجزاء كثيرة من ليبيا , مما يشكل تهديدا للسلم والأمن الدولي , وطالب مجلس الأمن الحكومة الليبية بوقف العنف فورا ويدعوا إلى اتخاذ الخطوات الكفيلة بتلبية المطالب المشروعة للسكان , كما  يهيب بالسلطات الليبية القيام باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني , وكذا ضمان مرور الإمدادات الإنسانية والطبية ووكالات الإغاثة الإنسانية وعمالها , مرورا آمنا إلى داخل البلد . 
ما يلاحظ على هذا القرار أنه لم يخول لأي دولة بالدفاع عن المدنيين الليبيين أو اللجوء إلى القوة لحمايتهم من بطش الآلة العسكرية التابعة لمعمر القذافي , بل ألقى المسؤولية على عاتق السلطات الليبية لحماية السكان المدنيين والذي يعد الركن الأول لمبدأ الدولة الحامية .                                                   
ومن جهة يدعوا جميع الدول الأعضاء إلى أن تقوم بالتنسيق فيما بينها وبالتعاون مع الأمين العام بتيسير ودعم عودة الوكالات الإنسانية إلى ليبيا وتزويد هذه الأخيرة بالمساعدة الإنسانية وما يتصل بها من أشكال العون الأخرى .           
وتطبيقا للركن الثالث من مبدأ مسؤولية الحماية فقد وافق مجلس الأمن بالإجماع على فرض العقوبات على ليبيا بما في ذلك فرض حظر على بيع أو نقل الأسلحة أو المعدات العسكرية وحظر السفر على الزعيم معمر القذافي بالإضافة إلى مسئولين , أخريين , وتجميد الأصول الأجنبية والتي هي بحيازة الحكومة , وكذلك إحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية .                      
وبسبب عدم امتثال السلطات الليبية للقرار 1970 (2011) , وإزاء تدهور الوضع وتصاعد العنف والخسائر الفادحة في صفوف المدنيين , أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1179 (2011) , يدين فيه الانتهاكات الجسيمة و الممنهجة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني , ويقرر أن الحالة في ليبيا مازالت تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين , ويكرر تأكيد مسؤولية السلطات الليبية عن حماية السكان المدنين , كما يؤكد من جديد أن أطراف النزاعات المسلحة تتحمل المسؤولية الأساسية في اتخاذ التدابير الممكنة لكفالة حماية المدنيين , وطالب من السلطات الليبية الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي , بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان  والقانون الدولي للاجئين , باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين وتلبية احتياجاتهم الأساسية وضمان مرور إمدادات المساعدة الإنسانية بسرعة وبدون عراقيل .                        
وأعطى مجلس الأمن بموجب الفقرة الرابعة من القرار رقم 1973 (2011) , الإذن للدول الأعضاء أن تتصرف على الصعيد الوطني أو عن طريق منظمات أو ترتيبات إقليمية , وبالتعاون مع الأمين العام باتخاذ جميع التدابير اللازمة , رغم أحكام الفقرة 9 من القرار 1970 (2011) , لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المعرضين لخطر الهجمات في ليبيا , مع استبعاد أي قوة احتلال أجنبية أيا كان شكلها وعلى أي جزء من الأراضي الليبية . وبموجب الفقرة السادسة من القرار 1970 قرر مجلس الأمن فرض منطقة حظر الطيران فوق الأجواء الليبية عدا طائرات الإغاثة , و أذن للدول الأعضاء اتخاذ كافة التدابير الأخرى لحماية المدنيين واستعمال القوة لقصف القوات الموالية للعقيد معمر القذافي , وسرعان ما قامت كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بتطبيق هذا الحظر , ضمن أحد الخطوات التي تبناها حلف الناتو فيما بعد في 19 مارس 2011 بعد يومين فقط من تبني القرار رقم 1973 (2011) , قام حلف الناتو بكل ما يلزم لحماية المدنيين , وانتهت عملياته العسكرية في 31 أكتوبر 2011 بعد مقتل العقيد معمر القذافي في 20 أكتوبر 2011 .                       

خاتمة

يبرز من خلال ما سبق أن تحقيق الأمن والسلم الدوليين هو الهدف الرئيسي للأمم المتحدة , وأن ميثاق المنظمة يمنع على الدول الأعضاء اللجوء إلى القوة أو التهديد على نحو يمس باستقلال الدول وسلامتها الإقليمية , وأحل وسائل التسوية السلمية محل الحرب في تسوية المنازعات الدولية , كذلك تصور واضعو الميثاق نظاما للأمن الجماعي بإسناده إلى مجلس الأمن مسؤولية تقرير طبيعة التدابير الدولية الجماعية التي يتعين تطبيقها في مواجهة كل تهديد للسلم أو إخلال به أو ما يعد عملا من أعمال العدوان وله في ذلك سلطة تقديرية واسعة .
وسواء اتبعت الأمم المتحدة هذه الوسائل أو تلك فإن المنظمة فشلت في حفظ السلم والأمن الدوليين في الكثير من الحالات فهي لم تستطع إيجاد تسويات للنزاعات الدولية إلا في حالات محدودة , ولم تستطع في حالات كثيرة منع الحروب وردع المعتدي وتنفيذ قراراتها وتوصياتها وذلك بسبب الخلافات بين الدول الكبرى داخل مجلس الأمن , حيث تعذر إعمال نظام الأمن الجماعي بسبب الإسراف في استخدام حق الفيتو , ومن  جهة  ثانية عدم استكمال آليات النظام نفسه كما ورد في الميثاق , فلم تتمكن لجنة أركان الحرب المشكلة من الدول الدائمة العضوية من الاتفاق على كيفية تشكيل الجيش الدولي على النحو الذي ورد في المادة 43 , ومن ثم انتهى الأمر بتجميد لجنة الأركان . وإزاء هذا العجز ابتكرت آلية جديدة لمواجهة الأزمات والصراعات المسلحة أطلق عليها اسم عمليات حفظ السلام .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات