القائمة الرئيسية

الصفحات

الطعن في القرارات التحكيمية

الطعن في القرارات التحكيمية

الطعن في حكم التحكيم
الطعن في القرارات التحكيمية

المقدمة

حكم التحكيم هو طريقة خاصة لفصل بعض النزاعات بين الأطراف من قبل هيئة تحكيمية أوكل لها الأطراف مهمة البت فيها بموجب اتفاقية التحكيم [1].
لقد عزز المشرع مكانة التحكيم في عديد المجالات[2] من خلال إرساء سياسة لتشجيع على اللجوء للتحكيم وذلك من خلال التوسيع في المجالات التي يمكن أن يتسلط عليها التحكيم وذلك خاصة بصدور مجلة التحكيم التي جاءت بسياسة تحررية [3] آخذة بمختلف التطورات و التحولات الجذرية التي يشهدها النظام العالمي الجديد .
ومن البديهي أن يحظى التحكيم بهذا القدر من المكانة إذ أن اللجوء إليه بات ضرورة حتمية لتلافي عيوب قضاء الدولي من تعقد إجراءاته وطول الفصل وكذلك أمام مزايا التحكيم المتعددة على مستوى التطبيق وذلك باعتبار انه يوفر الفرصة للأطراف  لعرض نزاعاتهم على محكمين أكفاء ويفصلون النزاع وفقا لإجراءات مرنة ومبسطة تضمن الحياد والسرية والسرعة في الفصل كما تحترم مبدأ المواجهة وحق الدفاع.[4]
إذ يتجه التشريع الوطني و مختلف التشاريع الحديثة نحو التسليم بجدوى التحكيم والاعتراف بصدقية قضاءه إذ انه لم يعد قضاء فرعيا بالتنسيب مع القضاء الرسمي هذا مع التسليم ببقائه قضاء خاصا في مقابلة القضاء العمومي .
ومهما يكن من أمر فان الثابت كون العدالة التحكيمية تحظى اليوم بالسند الرسمي للدولة إذ أن هيئة التحكيم تعتبر هيئة قضائية[5]  نظرا لما أوكلت لها من صلاحيات  وهو ما أكده فقه القضاء في العديد من القرارات من ذلك ما جاء بالقرار ألتعقيبي عدد 8 الصادرة بتاريخ 28 فيفري 1996 وقد جاء به ؛" حيث أن الأصل في الأمور الصحة والمطابقة للقانون كما أن هيئة التحكيم تعتبر بحكم القانون هيئة قضائية ".
إذ يتضح وعلى غرار الحكم القضائي أن القانون يعترف للحكم التحكيمي بقوة و فاعلية يصبح بمقتضاها حجة على الخصوم في المسائل التي فصل فيها المحكم [6].
إذ تجتمع فيه كل العناصر الفاعلة سواء المستمدة من الطبيعة الإجرائية أو المستمدة من الوظيفة التحكيمية القضائية والتي أعطته سلطة الحكم وأكسبت رأيه قوة الإلزام و أهلته ليكون مفترضا للسند التنفيذي المستقل بذاته [7].
على انه بالرغم من الإقرار بالطبيعة الإجرائية والوظيفة القضائية للعمل ألتحكيمي للعمل القضائي فهو يبقى في نظر الفقه والمشرع على السواء خروجا عن القضاء العادي مما يفترض بسط نوع من الرقابة والوصاية عليه كلما حاد عن المطلوب و أو مس بحقوق الأطراف لذلك فان المشرع كرس جملة من الضمانات حتى ينفذ حكم التحكيم .
فالقول باستقلالية العمل ألتحكيمي لا يمنع من تدخل القاضي العادي حتى يلعب دور "الرقيب والمنقذ" كلما دعت الحاجة إلى ذلك .
لذلك خول المشرع للأطراف و الغير حق الطعن  والقيام بدعاوى ا مام القضاء  لتلافي أي نقص في السند ألتحكيمي حتى يكمله قضاء الدولة.
إن ممارسة أحد الأطراف حقه في الطعن في القرار ألتحكيمي يشكل و لاشك مظهر من مظاهر تدخل القضاء في الخصومة التحكيمية وقد تبدو المعادلة هنا غريبة إذ قد يستساغ تدخل القضاء في الخصومة التحكيمية بما ان رغبة الأطراف قد اتجهت إلى حل نزاعاتهم خارج إطار القضاء.
غير انه يجب التسليم بان اللجوء احد الأطراف الخصومة التحكيمية للقضاء أمر لا بد  منه بل انه مسالة حتمية لمراقبة مدى احترام القواعد القانونية و إجراءات التحكيم وفي ذلك حماية للطرف المتضرر في الخصومة التحكيمية من الاخلالات التي قد ترتكبها هيئة التحكيم في حقه وهو ما يبرر إمكانية الطعن في القرارات التحكيمية .
ويرى بعض الفقهاء وجوب إخضاع حكم التحكيم لطرق الطعن بما انه بالأخير عبارة عن حكم وان كان صادرا عن جهة غير قضائية.
إذ أن أحكام التحكيم وان كانت ذاتية تعاقدية نظرا لأنها تأسست على إرادة الإطراف من خلال اتفاقية التحكيم فانه ينتهي بحكم يطعن فيه كما يطعن في الأحكام وينفذ كما تنفذ الأحكام [8].
على أن القرارات التحكيمية قد تكون داخلية أو دولية ولهذا التصنيف أهمية كبرى في تحديد أوجه الطعن المخولة للأطراف والغير بحسب طبيعة القرار.
وفي حين حدد المشرع التحكيم الداخلي اعتمادا على المعيار الترابي والذي نصت عليه المادة 32 من مجلة التحكيم بان التحكيم الداخلي هو التحكيم الذي يصدر داخل التراب التونسي فان التحكيم الدولي يصعب حصره فقد حدده المشرع صلب الفصل 48 من نفس المجلة[9] الحالات التي يعد فيها التحكيم دوليا و اعطاه تعريفا موسعا.
ويطرح موضوعنا الذي يتسم بطابعه الإجرائي إشكالية طرق الطعن المسلطة على كل من القرارات  التحكيمية الدولية والداخلية والإجراءات المتبعة  في ذلك.
وللإجابة عن هاته الإشكالية سوف نتعرض في جزء أول إلى الطعن في القرارات التحكيمية الداخلية وفي جزء ثان إلى الطعن في القرارات التحكيمية الدولية لخصوصية  الطعون المسلطة على كلا القرارين .

الجزء الأول  : الطعن في القرارات التحكيمية الداخلية


يعد التحكيم داخليا عند صدوره داخل التراب التونسي ولقد أخضعه المشرع لجملة من الطعون من الفصول39 إلى الفصل 43 من مجلة التحكيم .
سوف نتعرض في مبحث أول إلى الطعون الأصلية وفي مبحث ثاني إلى الطعون الاستثنائية

المبحث الأول ألطعون الأصلية ؛

وهي الطعون التي أجازها المشرع صراحة وهي طعنين الطعن بالإبطال (فقرة أولى ) والطعن بالاعتراض (فقرة ثانية ).

الفقرة الأولى الطعن بالإبطال ؛

إن تدخل القضاء في إطار رقابة المشروعية على الحكم التحكيمي وخصوص من خلال الطعن بالإبطال فهو يعد تدخل عارضا والرقابة التي يمارسها تكتسي طابعا شكليا إجرائيا ساندا للتحكيم .
إن الطعن بالإبطال لا يجوز معه للمحكمة المتعهدة أن تراقب صحة القرار التحكيمي من حيث الأصل فلا يجوز لها أن تتولى مراجعته أو أن تقبل دعوى معارضة وبالتالي تقتصر مهمتها على مراقبة صحة الحكم من الناحية الشكلية فقط.
وبغض النظر عن طبيعة التحكيم فقد ذكرت محكمة الاستئناف بتونس أنها لما تعهدت بطلب إبطال قرار تحكيمي فإنها لا تنتصب كمحكمة استئناف تعيد النظر في الجوانب الواقعية للقضية و لا تنظر كمحكمة التعقيب في مدى سلامة تأويل هيئة تحكيم للقانون وتطبيقه وإنما تسلط رقابة شكلية على القرار الصادر عن هيئة التحكيم فتراقب سلامة تأويل هيئة التحكيم للقانون وتطبيقه وانما تسلط رقابة شكلية على القرار الصادر عن هيئة التحكيم فتراقب سلامة تركيبة هيئة التحكيم ومدى احترام قواعد النظام العام.
.نظمه المشرع صلب الفصول 42-43-44 من مجلة التحكيم والتي حددت من خلالها الأسباب الممكنة للإبطال و الإجراءات المتبعة في رفع طلب الإبطال لتحدد أخيرا الآثار المنجرة عنه سواء بقبول طلب الإبطال أو برفضه.

أ‌- حالات الطعن بالابطال ؛

تعرض المشرع الى حالات الطعن بالإبطال وهاته الحالات هي حصرية وبالتالي لايجوز الأخذ بصورة من الصور التي لم يقع ذكرها بالفصل 42 من مجلة التحكيم.
لقد ورد بهذا الفصل ست حالات للطعن بالإبطال في القرار التحكيمي الداخلي .

1/ صدور حكم التحكيم دون اعتماد على اتفاقية تحكيم أو خارج نطاقها ؛

إن أساس وجود الحكم التحكيمي هي اتفاقية التحكيم ومتى صدر حكم لم يعتمد عليها فانه يكون باطلا وهو ما قد ذهبت إليه محكمة الاستئناف عندما قامت بإبطال قرار تحكيمي وذلك لعدم إجراء المحكمين محاولة صلحية بين الطرفين وفق الشرط التحكيمي وقد جاء به ؛ " حيث يترتب على ذلك أن الشرط التحكيمي المضمن بعقدي الصفقة قد اوجب على المحكمين أن يقوما قبل تعيين محكم ثالث بمحاولة صلحية وحيث لم يتضمن ملف القضية أي معطى من شأنه  أن يثبت وقوع المحاولة الصلحية المذكور وحيث انه إزاء ذلك القرار المطعون فيه يكون قد صدر دون اعتماد على مقتضيات الشرط التحكيمي وخارجا عن إطاره وهو من المبطلات على معنى الفصل 42 من مجلة التحكيم "[10]

2/ صدور القرار بناءا على اتفاقية تحكيم باطلة أو خارج آجال التحكيم ؛

متى اتفق الأطراف على فصل النزاع في أجل ممنوح للهيئة التحكيم فان القرار يكون قابلا للإبطال متى ثبت أن الحكم تجاوز الآجال الممنوحة من قبل صاحب المصلحة وهو ما أكده فقه القضاء في العديد من القرارات ؛ لا تكون مدة التحكيم موكولة لأمر المحكمين و لو وقع التفويض لهم في ذلك.
يبدأ سريان الأجل إذا وقع تحديد أجل البت في الخصومة بداية من تداخل آخر المحكمين في قبول مهمته وإذا لم يحدد الأطراف الأجل وجب البت في الخصومة في أقرب وقت ممكن وعلى كل حال في أجل لا يتجاوز ستة أشهر على أنه يمكن لهيئة التحكيم بقرار أن تمدد مرة واحدة أو مرتين في اجل التحكيم إذا تعذر البت في الخصومة و هذه الآجال يمكن التمديد فيها باتفاق الأطراف أو عملا بنظام التحكيم ".[11]
كما جاء بقرار آخر ؛ " حيث يتبين أن تعيين المحكم الثالث لم يكن في الآجال المتفق عليها من قبل الطرفين وذا ما يعد إخلالا في تكوين هيئة التحكيم حسب الشرط التحكيمي وموجبا من موجبات الإبطال على مقتضى الفصل 42"[12].

3/إذا شمل حكم التحكيم أمورا لم يقع طلبها ؛

كأن يقضي القرار بما لم يطلبه الخصوم أو كأن يكون قد بت في مسائل لم يطرحها وفي ذلك تجاوز لإرادة الأطراف المنشئة لهيئة التحكيم.
ومن البديهي أن يقع إبطال هذا القرار وذلك حماية لإرادة الأطراف التي حددت مسبقا مجال تدخل المحكم وما يتسلط عليه حكم التحكيم.

4/ خرق القرار التحكيمي  لقاعدة من قواعد النظام العام :

كان يصدر القرار في مسائل لا يمكن أن تطرح على التحكيم وهو ما جاء به الفصل 7 من مجلة التحكيم التي استثنت بعض المواد التي لا يمكن للأطراف الاتفاق في شانها وعرضها على التحكيم نظرا لمساسها بالنظام العام.
وفي الحقيقة فان مفهوم النظام العام يتسم بالعمومية ولا يمكن حصره ولمحكمة الاستئناف أن تقضي بإبطال القرار التحكيمي متى خرق مسالة لها صلة بالنظام العام كأن يخرق مسائل إجرائية وفقا لما نص عليه الفصلان 13و14 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية [13].

5/ إذا لم تكن هيئة التحكيم مركبة بصفة قانونية :

كأن يكون الإخلال بتركيبة هيئة التحكيم خلافا لما نص عليه الشرط التحكيمي فيصدر في هذه الحالة قابلا للإبطال من صاحب المصلحة أو كأن يصدر القرار عن هيئة منقوصة العدد وقد جاء بقرار صادر عن محكمة الاستئناف بتونس في ذلك المعنى ؛" حيث اقتضى الفصل 20 انه تنحل هيئة التحكيم إذا توفي المحكم أو أحد المحكمين أ وقام مانع من مباشرته أو امتنع عن مباشرته اوتخلى اوعزل عنه أو انتهت مدة التحكيم على انه يجوز للأطراف الاتفاق على التمادي في التحكيم بتدارك الموانع الواردة بالفقرة المقدمة .. إن مواصلة المحكمين الآخرين النظر في الموضوع بمفردهما وإصدارها القرار المطعون فيه بإمضائهما فحسب فيه خرق لمقتضيات الفصل 20المشار إليه والفصل 30من ذات المجلة الذي اوجب أن يوقع حكم التحكيم من جملة المحكمين وإذا رفض واحد منهم أو أكثر الإمضاء او كان عاجزا عنه ينص بالحكم على ذلك وقد انتهى ذلك القرار إلى اعتبار تخلف احد المحكمين بمثابة التخلي التلقائي الذي يقتضي إتباع إجراءات الواردة بالفصلين 20 و30 وهو الأمر المنتفي في قضية الحال  "
ثم خلصت محكمة الاستئناف إلى القول" وحيث يترتب على ذلك ان القرار المطعون فيه باعتباره قد صدر خارقا لمقتضيات الفصلين 20و 30 المشار إليها فانه أضحى با طلا ".[14]
ولقد ذهبت محكمة التعقيب إلى هذا المنحى بالقرار عدد 2000-3846 الصادر بتاريخ 5 ديسمبر 2000 ونقضت القرار الاستانافي ألاستعجالي الذي عين محكما ولقد ورد بالقرار ألتعقيبي المذكور ؛" ان ما انتهجته محكمة القرار المنتقد في حكمها وذلك بتعيين محكم على المعقبة باعتباره قد وقع عليه اختيارها يشكل خرقا صارخا للأحكام الفصل 20 من م. ت طالما أن هيئة التحكيم تعتبر منحلة بتخلي محكم الطاعنة عن مهامه ولم يثبت أن ذلك التخلي كان القصد منه تعطيل التحكيم وإطالة إجراءاته" [15].

6/ عدم مراعاة القواعد الأساسية للإجراءات  التحكيم :

يمكن لهذه الحالة أن تنضوي أيضا تحت الحالة المذكورة المتعلقة بخرق القرار التحكيمي لقاعدة من قواعد النظام العام بما أن الإجراءات هي من النظام العام ما لم يكن الإجراء الواقع خرقه قد شرع لمصلحة شخص وتنازل عنه كان يقع الإخلال في حقه بآجال الحضور فيحضر وبالتالي فهو يصحح الإجراء أو كان يكون التبليغ مختلا كان يشوب اسمه أو لقبه أو عنوانه خطا لكنه  يحضر رغم  ذلك ليتولى الدفاع عن مصالحه مباشرة أو بواسطة نائب له.
ولقد ذهبت محكمة الاستئناف بتونس إلى إبطال قرار تحكيمي شمل بعض القصر ولم يقع الاستئذان في حقهم من حاكم التقاديم فقد جاء بذلك القرار الاستئنافي ؛ "حيث يستخلص مما سبق بسطه أن القرار  المطعون فيه جاء مفعما بجملة من الاخلالات المتعلقة بمؤسسة الأهلية ضرورة انه من بين أطراف التحكيم غير المميزين ولم يسبق الاستئذان في حقهم من حاكم التقاديم لإبرام الاتفاق التحكيمي وكذلك المتعلق بالمبادئ الأساسية لم م م ت ضرورة انه لم تقع الإجابة على أن إيداع القرار التحكيمي وقع لدى المحكمة الابتدائية في حين انه من الواجب إيداعه لدى محكمة الاستئناف المتعهدة بالنزاع زمن إبرام الشرط التحكيمي عملا بأحكام الفصل 33 من م.ت وتعين تبعا لذلك قبول الطعن شكلا وفي الأصل الإبطال  ."[16]
كما ذهب قرار استئنافي آخر إلى اعتبار هضم الحكم  لحقوق الدفاع من الأسباب الموجبة لإبطاله لخرقه إجراءا أساسيا فقد ورد به في ذلك المعنى ؛ "حيث لم يتضمن ردا على ذلك الدفع وبذلك يكون قد هضم حق الدفاع كما خالف قاعدة اساسية من القواعد الاجرائية المنصوص عليها بالنصوص التشريعية التونسية وهي قاعدة لزوم تعليل الاحكام والقرارات القضائية المنصوص عليها بالفصل 123 من م.م.م.ت الذي يوجب التنصيص بالحكم على المستندات الواقعية و القانونية وحيث أن خرق قواعد الإجراءات الأساسية توجب إبطال القرار التحكيمي عملا بالفصل 42 من م.ت"
وحيث أن القرار التحيكمي تعتريه اخلالات جوهرية عديدة تجعله مخالفا لمبادئ نظام التقاضي التونسي وهو ما يتوجب إبطاله عملا بأحكام الفصل 42 من م.ت "[17].
وحسب رأي أحد الفقهاء[18] فانه يدخل في عدم احترام حقوق الدفاع عدم اطلاع الخصم على المستندات المقدمة من الطرف الآخر أو عدم اطلاعه على تقرير الخبير أو عدم إعلامه بجلسات المرافعة أو المعاينة.
كذلك عدم تمكين هيئة المحكمين المدعى عليه من إبداء طلبات عارضة ناشئة عن نفس الطلب كطلب المقاصة القضائية.

فقرة ثانية ؛ اجراءات الطعن بالابطال في القرار التحكيمي الداخلي ؛

عملا باحكام الفصل 43 من المجلة فان المحكمة المختصة بالنظر في دعوى االبطلان هي محكمة الاستئناف التي صدر بدائرتها حكم التحكيم كما يقع تطبيق القواعد المنظمة للطعن بالاستئناف المنظم بمجلة المرافعات المدنية والتجارية .

اولا رفع المطلب ؛يرفع مطلب الطعن بالابطال بواسطة محام غير متمرن فإنابة المحامي وجوبية أمام محكمة الاستئناف ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ويجب أن يكون الطعن كتابة ومعللا بعد تامين معلوم الخطية .

ثانيا ـامين معلوم الخطية ؛ يجب تامين الخطية المالية بقباضة المالية قبل تسجيل مطلب الطعن الذي يكون مروقا بوصل ففي التامين ويحجز معلومها اذا خاب الطاعن في طعنه وله استرجاعها ان وفق فيه .

والملاحظ ان محكمة الاستاناف بتونس قد ذهبت بقرارها عدد 51 الصادر بتاريخ 15 فيفري 2000 الى ان الطاعن بالابطال في القرار التحكيمي غير مطالب بتامين الخطية بالقباضة المالية .[19]

اجل رفع الطعن بالإبطال ؛

يرفع طلب الابطال الى محكمة الاستاناف خلال ثلاثين يوم يحتسب من يوم الاعلام بالحكم وبانتهاء هذا الاجل يسقط حق الطرف في رفع دعوى البطلان .[20]

 فقرة ثالثة مآل الطعن بالإبطال على الحكم التحكيمي الداخلي

أ-على تنفيذ الحكم ؛
طلب الإبطال لايوقف التنفيذ إلا اذا طلب الطرف ذلك في هاته الحالة فان المحكمة تأذن بتوقيف التنفيذ  على أن إيقاف التنفيذ لايتم الا بعد تامين مبلغ الذي تحدده ضمانا للتنفيذ[21].

ب-في حال قبول المطلب متى ثبت للمحكمة توفر حالة من الحالات التي يترتب عليها الطعن ففي ذهه الحالة تقضي ببطلان قرار التحكيم وبالتالي يعدم اثره.
على ان حكم البطلان قد يتسلط على كامل القرار كما يتسلط على جزء من القرار ففي هذه الحالة تحكم ببطلان جزء من الحكم كما ان للمحكم ان تنظر في الأصل ولكن بشرط ان يقوم الأطراف بطلب ذلك منها ويكون لها صفة المحكم المصالح ان توفرت هذه الصفة لدى هيئة التحكيم.[22]
ج-في حال رفض مطلب الإبطال ؛
اذا قضت المحكمة بصحة حكم التحكيم فانها تقضي برفضه وفي هذه الحالة يعد حكم الرفض بمقام الامر بتنفيذه المطعون فيه .[23]

فقرة ثانية الطعن بالاعتراض في الحكم التحكيمي الداخلي :

سوف نتعرض  إلى الشروط  الواجب توفرها حتى يتسنى ممارسة هذا الطعن ثم  مآل هذا الطعن

أ شروط الطعن بالاعتراض على الحكم التحكيمي  الداخلي :
مكن الفصل 41 من مجلة التحكيم الغير الذي تضرر من التحكيم من الاعتراض عليه ونظرا لان مجلة التحكيم لم تنظم اجراءات الطعن فانها تتم مبدئيا وفقا لاحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية المنظمة لاعتراض الغير على الاحكام القضائية اي بالفصول 168ال الفصل 174 حيث مكن الفصل 168من نفس المجلة كل شخص لم يسبق استدعاءه للتداخل في نازلة من الاعتراض على الحكم الصادر فيها والمضر بحقوقه.
وتختص طبقا للفصل 41 محكمة الاستئناف التي صدر بدائرتها الحكم وهذه الخاصية هي استثناء للقاعدة الواردة بالفصل 170 من المجلة والتي تقتضي رفع الاعتراض امام المحكمة التي اصدرت الحكم المعترض عليه بحيث يكون القاضي العدلي هو المختص بالنظر في الاعتراض وليست هيئة التحكيم .
فالاعتراض حسب الفصل 41 يمكن الغير من تحويل النزاع الى سلطة قضائية وطنية الامر الذي يريد الاطراف تجنبه منذ البداية ولهذا فعلينا ان نفهم مغزى المشرع الا وهو جعل النزاعات التحكيمية الوطنية فقط معرضة للاعتراض من قبل الغير .[24]
على ان الاعتراض وان اشترط تقديمه من قبل الغير فانه يشترط كذلك ان يكون هذا الغير له مصلحة في الطعن .
اذ على رافع الطعن ان يبين لمحكمة الاستاناف صفته في الطعن وهي صفة يفترض انه يستمدها من احكام الفصل 168من مجلة المرافعات المدنية والتجارية اذ يتحتم لقبول اعتراضه شكلا ان لا يكون طرفا في الخصومة التحكيمية وان القرار التحكيمي الصادر فيها قد اضر بحقوقه.

مآل الاعتراض على الحكم التحكيمي الداخلي:
اولا في حال قبول الطعن ؛في هذه الحالة فان هذا الطعن يوقف تنفيذ الحكم المعترض عليه الا ان رئيس المحكمة او الحاكم الراجع له النظر يمكن له تعطيل تنفيذ الحكم المطعون فيه بقرار مبني على مطلب كتابي مستقل عن مطلب الاعتراض يقع النظر فيه طبقا لاجراءات القضاء ألاستعجالي. [25]
وينظر القاضي في القضية شكلا واصلا نظرا لاعادة نشرها من جديد تطبيقا لاحكام الفصل 173 من م.م.م.ت .
ويترتب على الحكم بقبول الاعتراض اثر لا يتجاوز حقوق المعترض ولا ينتفع بذلك من صدر عليه الحكم المعترض و لا ينتفع بذلك من صدر عليه الحكم المعترض عليه اذا كان موضوع النزاع غير قابل للقسمة .
وهو اثر محدود تم نقده من قبل تيار من الفقه الفرنسي بينما ايده فقه القضاء الفرنسي في قرار ها الصادر في 8 جويلية 2004 ان ؛ " الاعتراض والقرار الذي يقره لا اثر لهما ازاء الغير المعترض بينما يحتفظ القرار الأصلي على قوته الملزمة و يواصل التمتع بحجية الامر المقضي به بين الاطراف"[26]

ثانيا في حال رفض الطعن ؛في هاته الحالة يحكم على الغير بخطية مؤمن مبلغها بقباضة التسجيل كما يمكن ان يحكم عليه بغرم الضرر لخصم [27].

الطعون الاستثنائية في القرار التحكيمي الداخلي ؛
تعد طعون استثنائية وهي الطعون التي لم يجيزها المشرع بصفة صريحة من ذلك الطعن بالاستئناف وكذلك الطعن بالتماس إعادة النظر  كما هناك من بين الطعون التي تم استبعادها نهائيا من الطعون المخولة للتحكيم الداخلي وهو الطعن بالتعقيب.

الفقرة الأولى الطعن بالاستئناف في حكم التحكيم الداخلي :

جاء بالفصل 38 من مجلة التحكيم انه لا يجوز الطعن بالاستئناف في أحكام المحكمين المصالحين ثم في أحكام التحكيم مالم تنص اتفاقية التحكيم على خلاف ذلك"
وحسب منطوق هذا الفصل يتبين أن الأصل حسب التشريع التونسي أن قرار التحكيم لا يخضع إلا للطعن بالإبطال غير انه باستثناء من ذلك يمكن أن يكون محل طعن بالاستئناف متى اتفق الأطراف على ذلك صراحة ..
على ان بعض الفقه يبرر ضرورة إخضاع الحكم التحكيمي للطعن بالاستئناف إلى مبدأ التقاضي على درجتين وهو الأصل في التقاضي فمن حق كل متقاضي عرض أمره على العدالة في طورين مختلفين وقد نظم المشرع طرق الطعن حماية لحقوق المتقاضين من تعسف القضاة أو خطئهم [28].
لكن النظام الإجرائي للتحكيمي كرس عكس هذا التوجه فالفصل 39 يقر منعا مبدئيا للاستئناف حكم التحكيم فلا يجوز الطعن فيه استانافيا ما لم تنص اتفاقية التحكيم على ذلك صراحة [29].
لذلك فالسكوت عن هذا الطعن معناه أن يصدر نهائي الدرجة فلا يقبل سوى الطعن بالإبطال طبقا للفصل 42 وفي هذا الصدد اعتبرت محكمة الاستئناف بتونس أن ؛"المبدأ في ميدان التحكيم هو أن اختيار التحكيم كطريقة لفض النزاعات يعني التخلي عن الدرجة الثانية من درجات التقاضي إلا إذا صرح الأطراف بخلافه...بما أن التقاضي على درجتين هو استثناء ضيق لا يجب التوسع فيه وان المشرع بإقراره لمبدأ التقاضي على درجة واحدة في الميدان ألتحكيمي لم يخرق أي قاعدة دستورية أو ما إلى ذلك من القواعد الأسمى درجة من التشريع العادي إنما كرس قادة منطقية مقتضاها ان ميدان التحكيم يتسم بخصوصية تتمثل في تمتيع الأطراف بحرية كبيرة في تنظيم التحكيم كما يشاءون وهي خصوصية تبرر التقليص في نطاق حق الطعن في القرارات الصادرة على هذا النحو "[30].
فالمبدأ في القانون التونسي هو منع الاستئناف بما يدعم حصانة القرار التحكيمي ويحول دون إمكانية المساس به أمام محكمة الطعن سواء كان ذلك بمراجعته جزئيا او بنقضه ومحو جميع آثاره بصورة نهائية لان الاستئناف ليس طعن مراجعة فقط قد تؤول الرقابة الموضوعية على حكم التحكيم من قبل محكمة الاستئناف إلى إلغائه وهو ما يبرر منع المشرع التوارد بين الاستئناف والإبطال  لذلك فان المشرع جعله استثناء موكول لإرادة الأطراف فإذا ما تضمنت اتفاقية التحكيم  بندا يجيز صراحة الطعن بالاستئناف ففي هاته الحالة يقبل مطلب الاستئناف .
على أن المشرع منع الطعن بالإبطال كلما كان الحكم  محل طعن بالاستئناف وهو ما اكدته المادة 40 من مجلة التحكيم.[31]

محدودية آثار الاستئناف إزاء القوة التنفيذية للتحكيم الداخلي :
جاء بالفصل  33 انه  ؛"ينتج عن الاستئناف قانونا إن كان ممكنا الطعن في الإذن بالتنفيذ او التخلي من قبل قاضي التنفيذ المشار إليه في خصوص ما تسلط عليه الطعن"[32].
ويعتبر إقرار هذا الأثر طبيعيا بالنظر إلى طبيعة الاستئناف فهو يتعلق بمراجعة الحكم المطعون فيه بجميع جوانبه الواقعية والقانونية ومن ثمة يكون منطقيا ترتيب إيقاف تنفيذ حكم التحكيم المطعون بالاستئناف.
إلا أن إيقاف التنفيذ كأثر للطعن بالاستئناف لا يجب أن يحجب محدودية آثار هذا الطعن على القوة التنفيذية لحكم التحكيم فالفصل 33 من المجلة جاء صريحا في تضييق نطاق المفعول التعليقي للاستئناف ذلك أن التخلي من قبل قاضي التنفيذ لا يكون إلا في خصوص ما تسلط عليه الطعن فإذا تضمن حكم التحكيم عدة فروع ولم يقع استئناف إلا بعضها فان إيقاف التنفيذ أو التخلي قاضي التنفيذ عن النظر في مطلب الاكساء لا يمكن أن يتسلط إلا ما وقع الاستئناف في شانه [33].
يستبعد المفعول التعليقي للاستئناف إذا كان حكم التحكيم او بعض فروعه مأذون فيه بالنفاذ العاجل ففي هذه الصورة لا يؤدي الاستئناف إلى وقف تنفيذ الحكم التحكيمي عملا بأحكام الفصل 31 من مجلة التحكيم الذي أحال في خصوص أحكام التنفيذ الوقتي إلى مجلة المرافعات المدنية والتجارية .[34]
وهو الأصل في التحكيم وذلك لان الحكم يصدر نهائيا ويمكن أن ينفذ مباشرة دون حاجة إلى إذن هيئة التحكيم بالتنفيذ الوقتي إلا إذا أذنت هيئة التحكيم بالتنفيذ على المسودة تحسبا لإمكانية استغراق عملية استخراج نسخة رسمية من الحكم وقت طويل مما يؤدي إلى تلاشي الحق المحكوم ب هاو تلاشي ضمانات الحصول عليه خلالها[35].

الفقرة الثانية الطعن في القرار ألتحكيمي بالتماس إعادة النظر ؛

لم ينظم المشرع هذا الطعن على عكس ما هو عليه الأمر بمجلة المرافعات المدنية والتجارية على خلاف ما قام به بعض القوانين الأخرى التي تنص صراحة على إمكانية الطعن بالتماس إعادة النظر من ذلك ما جاء بالمادة 808 من أصول المحاكمات المدنية اللبناني ؛" يقبل قرار التحكيم الطعن بطريق إعادة المحاكمة للأسباب وبالشروط المعينة للطعن في الأحكام بهذا الطريق يقدم هذا الطعن إلى محكمة الاستئناف التي صدر في نطاقها ويكون القرار الصادر عن محكمة الاستئناف قابلا للطعن بطريق النقض وبطريق اعتراض الغير ".
على أن الطعن بالتماس إعادة النظر أمام محكمة الاستئناف يبقى جائزا طالما أن المشرع لم يمنعه صراحة [36]وهو ما جاء بصريح الفصل 46 من مجلة التحكيم الذي يترك تلك الإمكانية ولقد نصت المادة عل انه ؛" تنطبق أحكام م م م ت في ما لا يتخالف مع أحكام هذا الباب وفي الصور التي لم تتعرض إليها أحكامه "
يجب على محكمة الاستئناف أن تقبل الطعن بالتماس إعادة النظر في القرار إن تحققت الحالات والشروط المنصوص عليها قانونا فيما يتعلق بذلك الطعن الاستثنائي.
ولقد ضبط المشرع ثلاث حالات حصرا تخول الطعن في الأحكام بالتماس إعادة النظر وهي كالآتي ؛

أولا إذا وقعت الخديعة من الخصم كان لها تأثير على الحكم ولم يكن المحكوم عليه عالما بها أثناء نشر القضية المطعون في حكمها

ثانيا إذا ثبت زور الرسوم أو البيانات الأخرى التي انبنى عليها الحكم بإقرار الخصم أو بحكم وكانت هي السبب الأصلي أو الوحيد في صدوره بشط أن يكون هذا الثبوت واقعا بعد الحكم وقبل القيام بطلب إعادة النظر.

ثالثا إذا ظفر الطاعن بعد الحكم بورقة قاطعة في الدعوى كانت ممنوعة عنه بفعل الخصم على شرط أن يكون تاريخ الظفر بها ثابتا.

وحدد اجل الطعن بثلاثين يوما من تاريخ الظفر بالسب الداعي للالتماس وبمضيها يسقط الحق في الطعن تطبيقا لأحكام الفصل 158من م م م ت.
يكون من الأجدى إفراد التحكيم بنظام متكامل للطعن يقر جواز الطعن بالتماس إعادة النظر كطعن مستقل أمام هيئة التحكيم أو توسيع حالات الطعن بالبطلان حتى تستوعب الحالات المبررة للالتماس.

الطعن بالتعقيب في القرارات التحكيمية الداخلي :
لقد نص المشرع بالفصل 45من م ت أن أحكام هيئة التحكيم لا تقبل الطعن بالتعقيب وهو نفس التمشي الذي سار فيه المشرع الفرنسي بالفصل 1481 من قانون الإجراءات المدنية إلى انه لا يمكن الطعن بالتعقيب في القرارات التحكيمية
La sentence arbitrale n est susceptible d’oppositions ni de pourvoi en cassation
Elle peut être frappe de tierce opposition devant la juridiction qui eut été compétente à défaut d arbitrage sous réserve des dispositions de l’article 588 al 1.
على أن المشرع أجاز الطعن بالتعقيب في القرارات النهائية الصادرة عن المحاكم في مادة التحكيم وذلك طبقا لمقتضيات م م م م ت.
يلاحظ مما تم بسطه أن المشرع ولان خول للطرف المتضرر من حكم التحكيمي كلما تضمن خرقا لحق أو مبدأ  أساسي  حق الطعن فيه وأوكله لقضاء الدولة إلا أن تدخل القضاء يظل محدودا بالتضييق من طرق الطعن وهو ما يعكس التوجه التشريعي نحو التضييق من رقابة القاضي على عمل المحكم ضمانا لاستقلالية مؤسسة التحكيم .
على أن هذا التضييق يتجلى من خلال إقصاء كل أنواع الطعونات الممكنة لدى الحكم ألتحكيمي الداخلي ليبقي على قضاء الإبطال فقط كوسيلة مخولة للأطراف للطعن في الأحكام التحكيمية الدولية..

الجزء الثاني الطعن في القرارات التحكيمية الدولية ؛ قضاء الابطال


للطبيعة الدولية للأحكام أهمية في تحديد طرق الطعن المخولة قانونا للأطراف .
ولقد أعطى المشرع تعريفا موسعا لأحكام التحكيم  الدولية فالحكم يعد دوليا طبقا لأحكام الفصل 48 من مجلة التحكيم  أولا اذا كان محل عمل أطراف اتفاقية التحكيم زمن انعقادها واقعا في دولتين مختلفتين ثانيا اذا كان مكان التحكيم واقعا خارج الدولة التي فيها محل عمل الأطراف وكذلك اذا كان مكان تنفيذ جزء هام من الالتزامات الناشئة عن العلاقة أو المكان الذي يكون لموضوع النزاع أوثق صلة واقعا خارج الدولة التي فيها محل عمل الأطراف .
كما يعد التحكيم دوليا إذا تعلق التحكيم بالتجارة الدولية كما أن التحكيم يكون دوليا إذا كان موضوع اتفاقية التحكيم متعلق بأكثر من دولة واحدة..
ويبرز من خلال هذا التعريف أن المشرع أعطى مفهوما موسعا للقرارات التحكيمية الدولية [37].كما خول للأطراف حق الطعن في هاته القرارات كلما ثبت أنها لم تحترم حقوقهم أو مست بمبدأ من المبادئ.
يبدو أن المشرع ارتأى إلى إقصاء كل شكل من أشكال الطعن في حكم التحكيم ليبقي على قضاء الإبطال كإمكانية وحيدة متاحة للأطراف حتى يتمكنوا من ممارسة حقهم في الطعن وذلك للطبيعة الدولية للقرار .
إذ يختلف الطعن بالإبطال عن بقية الطعون المقررة لحكم التحكيم من خلال الحد من سلطة محكمة الطعن فبقية الطعون الأخرى تنقل النزاع أمام محكمة جديدة لإعادة النظر في جميع ما تسلط عليه الطعن فبقية الطعون الأخرى تنقل النزاع أمام محكمة جديدة لإعادة النظر في جميع ما تسلط عليه الطعن في حين ميز الطعن بالإبطال بانعدام الأثر الانتقالي .
فمحكمة الإبطال لا تعيد النظر في وقائع القضية ووجاهة وسائل الإثبات ومدى كفايتها ولا في مدى سلامة تطبيق هيئة التحكيم للقانون أو للقواعد العرفية أو الأحكام التعاقدية بل تقتصر على إجراء رقابة استقر الفقه والقضاء على وصفها بالشكلية.
وقد دأب فقه القضاء على اعتبار رقابة الإبطال التي كرسها المشرع صلب الفصل 78 طريقة خاصة بنظام القضاء ألتحكيمي ولا تتلاءم مع التقاضي على درجتين كما تخرج عن نظام الرقابة القانونية للطعن بالتعقيب باعتبارها رقابة على حكم التحكيم وليست رقابة على قضاء المحكمة التحكيمية.
فرقابة محكمة الاستئناف على القرارات التحكيمية ينحصر في اغلبه في الجوانب الشكلية وخاصة منها الإجرائية المتعلقة بتكوين هيئة التحكيم وبسير الإجراءات إمامها..
إلا أن المشرع فتح إلى جانب ذلك بابا ضيقا للرقابة على أصل الموضوع من خلال حرصه على حماية النظام العام عملا بأحكام الفصلين 51و78من مجلة التحكيم [38]
وهو ما جعل هذه الرقابة رقابة جدية على كل ما يتعلق بشكليات التحكيم من صحة التعهد وسلامة تشكيل هيئة الحكيم وصحة الإجراءات المعتمدة من حيث احترامها للقواعد الإجرائية التي لا تزول عنها .
فالصبغة الشكلية لرقابة الإبطال لا تبلغ أقصاها لان القانون يقتضي أن القضاء يمارس رقابة تهم الأصل في خصوص بعض الجوانب وذلك للتحقق من وجود اتفاقية التحكيم صحيحة وثابتة طبق القانون لتلافي إصدار حكم تحكيم دون وجود إرادة تعاقدية حقيقية كما يتحقق من احترام النظام العام.
فرقابة الإبطال هي رقابة شكلية بالأساس ولكنها ليست رقابة شكلية صرفة[39] وهو المبدأ الذي أكدته محكمة الاستئناف بتونس كمبدأ عام منذ قرارها عدد 25 الصادر بتاريخ 10 فيفري 1998 حين اعتبرت أن محكمة الاستئناف عند انتصابها للنظر في دعوى إبطال القرارات التحكيمية لا تنتصب كمحكمة درجة ثانية تعيد النظر في الجوانب الواقعية للقضية و لا تنظر كمحكمة تعقيب في مدى سلامة تأويل هيئة التحكيم للقانون و تطبيقه وإنما تسلط رقابة شكلية على الحكم ألتحكيمي فتراقب سلامة تركيبة هيئة التحكيم ومدى احترام قواعد النظام العام
ولقد حدد المشرع صلب الفصل 78 من المجلة حالات التي يجيز فيها القانون الطعن وهي حالات حصرية ( المبحث الأول ) إلا أن التضييق من حالات الطعن لم يخفي محدودية آثار الطعن بالإبطال في القرارات التحكيمية الدولية ( مبحث ثاني ).

المبحث الأول ؛ حالات الطعن بالإبطال في الحكم ألتحكيمي الدولي ؛


حدد المشرع حالات الطعن الواردة حصرا  بالفصل 78 من مجلة التحكيم وقد اعتبرت محكمة الاستئناف أن أسباب الطعن بينها القانون حصرا ولا تنظر المحكمة إلا في الأسباب ذكرها الطاعن .[40]
ولعل هذا ما يفسر اشتراط بيان الطلبات والأسانيد القانونية بما يعفي المحاكم من عناء البحث في حالة الإبطال الملائمة ولقد انتهت محكمة التعقيب الفرنسية في هذا الشأن إلى أن محكمة الاستئناف غير ملزمة بالبحث عن سند الإبطال إذا لم يبينه الطالب في عريضة دعواه.
تعرض المشرع لحالتين يمكن أن يستند إليها الطرف حتى يقبل طعنه وهما الأولى شكلية والثانية تهم الأصل
كما حمل عبئ الإثبات على الطرف الذي يروم إبطال الحكم [41] .
كما حدد اجل تقديم مطلب الإبطال بثلاثة أشهر من يوم تسلم الطالب لحكم التحكيم أو من يوم البت في المطلب  إصلاح الغلط في الرسم أو في الحساب أو أي غلط مادي تسرب إلى الحكم أو شرح جزء من الحكم أو إصدار حكم تكميلي في جزء من الطلب وقع السهو عنه في الحكم من قبل هيئة التحكيم .[42]

 فقرة اولى الطعون المتعلقة بالشكل ؛

تعرض لها المشرع صلب الفقرة الأولى من الفصل 78 من مجلة التحكيم والتي في غياب احترامها يبطل حكم التحكيم وقد شملت اغلب الحالات التي يمكن أن تكون حالات طعن بالنسبة للحكم ألتحكيمي الداخلي.

أ- توفر شرط الأهلية في أطراف الخصومة التحكيمية ؛
اشترط المشرع أن يكون لأطراف اتفاقية التحكيم الأهلية الكاملة حتى يتسنى للحكم ألتحكيمي أن يكون صحيحا ويرتب جميع آثاره ولقد جاء بالفصل 8 انه يجب أن تتوفر في أطراف اتفاقية التحكيم الأهلية التصرف في حقوقهم " وهذا الشرط يعد من الشروط الوجوبية التي بانتفائها يترتب عنه إبطال الحكم ألتحكيمي.

ب- أن طالب الإبطال لم يقع إعلامه على وجه صحيح بتعيين احد المحكمين او بإجراءات التحكيم أو انه تعذر عليه لسبب آخر الدفاع عن حقوقه ؛
ومن الأمثلة التي يمكن أن نسوقها من خلال مجلة التحكيم ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 69  من عدم إشعار هيئة التحكيم الأطراف خلال اجل كاف بموعد أي عمل إجرائي تقوم به.
كما ورد أيضا بالفقرة 3 من ذات الفصل انه على هيئة المحكمين أن تبلغ إلى الأطراف جميع الملحوظات الكتابية والأوراق والمعلومات التي يقدمها احدهم كما يجب أن يبلغ إليهم أي تقرير اختبار أو أي مستند تستند إليه هيئة التحكيم في حكمها وعليه فان عدم احترام هيئة المحكمين لتلك المقتضيات يجعل قرارها عرضة للإبطال بطلب من صاحب المصلحة في ذلك لهضمه حقوق دفاعه وفقا لما نص عليه المشرع بالفصل 78فقرة 2 من نفس المجلة.
يقصد بوجوب احترام حقوق دفاع الطرفين لزوم تقصيها اهم ما يثار لديها من دفوعات والرد عليها خاصة إذا كان لها تأثير على فصل النزاع وبالتالي فعلى هيئة التحكيم أن تتحرى من طلبات أي طرف وان تناقشها وان تستجيب للطلب كلما كان وجيها كما عليها أن تعلل قرارها تعليلا مستساغا قانونا سليما عند استعراضها لطلبات الخصوم وأسانيدهم .
يجب احترام مبدأ المساواة بين الأطراف أمام هيئة المحكمين وكذلك وجوب احترام مبدأ المواجهة بين اطراف الخصومة  و لقد أكد على ذلك صراحة بالفصل 63من مجلة النحكيم الذي اقتضى انه يجب أن يعامل الأطراف على قدم المساواة وان تهيئ لكل منهم فرصة كاملة لدفاع عن حقوقه وهو ما نصت عليه المادة 26 من مجلة التحكيم المصري الذي جاء بها ؛ يعامل طرفا التحكيم على قدم المساواة وتهيأ لكل منهما فرصة متكافئة وكاملة لعرض دعواه.
ولقد اقتبس كل من المشرع التونسي والمشرع المصري أحكام المادتين من المادة18 من قواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي والتي وردت تحت عنوان المساواة في المعاملة بين الطرفين والتي تنص على انه يجب ان يعامل الطرفان على قدم المساواة وان تهيأ لكل منهما الفرصة لعرض قضيته.

ج -حكم تحكيمي استند على اتفاقية غير صحيحة في نظر القانون الذي أخضعه له الأطراف أو في نظر قواعد القانون الدولي الخاص اذا لم يعينوا القانون المنطبق ؛
إن أساس الحكم ألتحكيمي وحتى أساس هيئة التحكيم هي اتفاقية التحكيم وبالتالي فان متى ثبت أن اتفاقية التحكيم باطلة فان الحكم بأساسه يكون باطلا.

د - -تجاوز اتفاقية التحكيم ؛
متى ثبت أن حكم التحكيم تناول نزاعا لا يقصده الاتفاق على التحكيم أو لا يشمله الشرط ألتحكيمي أو انه يشتمل على الحكم في مسائل خارجة عن نطاق الاتفاق على التحكيم أو الشرط ألتحكيمي فان الحكم يكون محل طعن بالإبطال وهذا مرده انه تجاوز إرادة الإطراف التي هي أساس التحكيم فمهمة المحكم مناطة بالشرط التحكيم وباتفاقية التحكيم وبالتالي لا بد من احترامها .

هـ- الإخلال بإجراءات تركيبة هيئة التحكيم ؛
إذا ثبت أن تشكيل هيئة التحكيم أو ما وقع إتباعه في إجراءات التحكيم كان مخالفا لمقتضيات اتفاقية التحكيم بصفة عامة أو لنظام تحكيم مختار أو لقانون دولة وقع اعتماده أو للأحكام المتعلقة بتشكيل هيئة التحكيم فان هذا الحكم يكون باطلا لأنه يمس بإجراءات فرض المشرع احترامها.

ثانيا  الاخلالات المتعلقة بالاصل ؛ مخالفة حكم التحكيم للنظام العام ؛

جاز المشرع للقاضي إبطال حكم التحكيم كلما ثبت له مخالفته لأحكام النظام العام وهو ما يجعلنا نقر بان ؛
L’ arbitrage serait prohibé dés l’ instant que le rapport de droit litigieux met en jeu une législation d’ ordre public »
وهو ما أكده الفصل 7 من المجلة عندما استثنى من نطاق التحكيم النزاعات التي تمس النظام العام على ان التوسع في نطاق النظام العام وترك هذا المفهوم غير محددة قد يؤدي الى قتل التحكيم [43].
وهذا ما حدى بفقه القضاء الى إعطاء مفهوم ضيق للنظام العام عندما يتعلق بالحكيم الدولي .[44]
ويعرف النظام العام بانه " مجموع القواعد الآمرة التي لا يجوز للاطرافمخالفتها والتي ترمي الى تنظيم المصالح العامة والخاصة الخادمة لمصلحة المجموعة والساعية الى حمايتها".
على ان المشرع حدد مفهوم النظام العام بان ربطه بالقانون الدولي الخاص وعلى ذلك الاساس يعد النظام العام القوانين المادية ذات التطبيق المباشر سواء كانت قوانين الامن او البوليس او القواعد ذات التطبيق الضروري المتعلقة بميادين حيوية للدولة كقوانين الجباية والصرف والقوانين الاجتماعية والقوانين السياسيةوهي القواعد التي وقع اقرارها كضوابط لتوزيع الاختصاص القانوني للدول مثلما تستوجبه مقتضيات السيادة او المصلحة الوطنية.
ويتجلى أن النظام العام الدولي هو أضيق نطاقا من النظام العام  الداخلي وفي هذا تأكيد على إرادة المشرع في فرض رقابة محدودة على القرارات التحكيمية الدولية[45].
يتجلى من خلال تعداد حالات التي يجوز فيها الطعن في القرارات التحكيمية الدولية عدم ذكر حالة عدم تعليل القرار من قبل هيئة التحكيم على الرغم من ان المشرع فرض وجوبية التعليل [46]ضمن الفصل 75 فقرة ثانية الذي جاء فيه يجب ان يكون حكم التحكيم معللا.
ويفسر ذلك بتوقي محكمة الإبطال عدم تعطيل العدالة التحكيمية عبر غض الطرف عن أحكام غير معللة تعليلا جديا .
كما يفسر ذلك بالحد من تدخل القضاء على ان غض الطرف على الأحكام الغير معللة من شانه أن يهز الثقة في العدالة التحكيمية.

المبحث الثاني ؛ محدودية قضاء الإبطال؛

يرد قضاء الإبطال جنوحه نحو هذه الحدود إلى طبيعة الطعن ذاته والى احترام إرادة الأطراف إذ غالبا ما يصرح بأنه قضاء مراقبة لا مراجعة وبأنه يفسح المجال لمفاعيل العدالة التحكيمية حتى يتحمل أطراف اتفاقية التحكيم تبعة اختيارهم[47].
يتجلى محدودية قضاء الإبطال من خلال الأثر المحدود لهذا الطعن على تنفيذ القرار ألتحكيمي من جهة (فقرة أولى ) وعلى إمكانية تلافي هذا الطعن (فقرة ثانية).

 فقرة أولى آثار الطعن بالابطال على تنفيذ  الحكم التحكيمي:


تتمثل آثار الطعن بالإبطال في انه لايوقف تنفيذ الحكم ألتحكيمي (أ) كما أن المحكمة تنظر في مطلب الطعن وفق دفوعات الأطراف والواردة حصرا بالفصل  من المجلة (ب) :

أ الطعن بالإبطال لايوقف تنفيذ القرار ألتحكيمي الدولي :
إن الطعن بالإبطال لا يوقف آليا تنفيذ الحكم .
الأصل أن ممارسة الطعن في السند التنفيذي يوقف تنفيذه اذا كان طعنا عاديا ويبدو ان المشرع قد ذهب الى اعتبار الطعن بالابطال طعنا غير عادي بما انه لايوقف تنفيذ حكم التحكيم .
فحكم التحكيم الذي لا يجوز الطعن فيه الا بابطال يحرز على قوة اتصال القضاء بمجرد صدوره ودون لزوم انتظار مرور اجل الطعن لانه لا يمكن الطعن فيه بوسيلة معطلة للتنفيذ وقد اعتبر بعض شراح القانون انه في هذه الصورة يصبح حكم التحكيم مشابها للحكم الماذون فيه بالتنفيذ الوقتي حيث ينفذ الحكم بعد اكسائه الصيغة التنفيذية دون لزوم انتظار مرور اجل الطعن.
ويختلف التشريع التونسي عن نظيره الفرنسي الذي اكد صراحة بالفصل 1489من المجلة الجديدة للمرافعات ان الطعن بالابطال في حكم التحكيم يوقف تنفيذه .
ولان انتقد بعض الفقه موقف المشرع الفرنسي معتبرا ان فاعلية حكم التحكيم تقتضي ان لا يؤدي الطعن بالابطال آليا الى وقف التنفيذ مقترحا ان يكون ايقاف التنفيذ كاثر للطعن بالابطال مقتصرا على الحالات التي يؤدي فيها التنفيذ الى نتائج مشطة او يصعب تلافيها في صورة الحكم بابطال حكم التحكيم.
فالحكم بالابطال يلغي حكم التحكيم ويزيل كل آثاره بما في ذلك أثره التنفيذي ويكون ذلك بصفة رجعية ونظرا لصعوبة اعادة الحال لما كانت عليه وخاصة ازالة كل الاعمال التنفيذية التي تمت بموجب السند التنفيذي التحكيمي فقد خول المشرع للمحكمة ان تاذن بتوقيف التنفيذ كلما طلب منها.
على ان طلب إيقاف التنفيذ لا يكون تلقائيا بل بطلب من الأطراف في نطاق قضية للاعتراف بالحكم أو قضية بتنفيذه.[48]

ب مآل مطلب الطعن بالإبطال على حكم التحكيم الدولي ؛
يسلط قضاء الدولة على القرار ألتحكيمي رقابته ثم يصدر قراره إما بقبول مطلب الإبطال أو برفضه.

أولا -قبول مطلب الإبطال؛

جاء بالفقرة الخامسة من الفصل 78 من المجلة اذا قضت المحكمة المتعهدة ببطلان الحكم كلا او جزء فانه يجوز لها عند الاقتضاء وبطلب من جميع الاطراف ان تحكم في موضوع النزاع .
وفي هذه الحالة يمكن للقاضي أن يحكم في موضوع النزاع بصفته محكما مصالحا إذا طلب منه الأطراف ذلك وهو ما يعني انه بإمكان القاضي أن يبتعد عن تطبيق القانون ليعتمد مبادئ الإنصاف والعدالة.
ويمكن أن يتسلط حكم الإبطال على الحكم بأكمله وبالتالي يمحو أثره نهائيا كما انه بإمكان أن يتسلط على جزء من الحكم وفي هذه الصورة يصدر القاضي حكمه بإسناد القوة التنفيذية في جزء من الحكم وإبطاله في جزءه الآخر.

ثانيا- رفض مطلب الإبطال ؛

إذا رفضت المحكمة مطلب الإبطال فان هذا الحكم يقوم مقام الأمر بتنفيذ حكم التحكيم والاعتراف به إذا كان تنفيذه سيتم بمكان صدوره .[49].
ولقد ربط المشرع التونسي إلزامية حكم الرفض بمكان صدور القرار الحكمي فالأمر بالتنفيذ لا يرتب آثاره إلا متى كان التنفيذ في مكان صدوره.



فقرة ثانية إمكانية تلافي الطعن بالإبطال ؛

تكمن خصوصية التحكيم في انه ينبني على إرادة الأطراف ولهاته الإرادة أهمية سواء في تأسيسه أو في تحديد إجراءات واختصاص الحاكم كما أن لهاته الإرادة دور كبير كذلك في الطعن بحيث أمكنها المشرع صراحة من تلافي الطعن بالإبطال متى اتفق الأطراف على ذلك وهو ما جاء بالفقرة السادسة من نفس الفصل ؛ "يجوز للأطراف الذين ليس لهم بتونس مقر أو محل إقامة أصلي أو محل عمل أن يتفقوا صراحة على استبعاد الطعن كليا أو جزئيا فيما تصدره هيئة التحكيم "
لقد توخي المشرع منهجا حذرا لتضييق من تدخل القاضي لرقابة التحكيم وجعل من استبعاد الطعن مبدأ وتجلى ذلك بصفة صريحة ولقد أجاز المشرع للأطراف الاتفاق على الاستبعاد الكلي للطعن في حكم التحكيم أو الاستبعاد الجزئي بحصره في بعض الصور وذلك إذا لم يكن للأطراف على تراب الدولة مقرا أو محل إقامة أصلي أو محل عمل .
كما أجاز المشرع تلافي الطعن بطلب من الأطراف إذا قدم هذا الطلب للمحكمة المتعهدة بطلب الإبطال بان توقف إجراءات الإبطال لمدة تحددها تمكينا لهيئة التحكيم من استئناف إجراءات التحكيم أو اتخاذ ما ترى من شانه إزالة أسباب الإبطال.
فالقاضي بإمكانه أن يوقف إجراءات الإبطال بطلب من الأطراف لتمكين هيئة التحكيم من فرصة لمواصلة النظر في الخصومة أو لإنقاذ الحكم ألتحكيمي من البطلان .
ويتبين جليا من خلال حصر نطاق الطعن في حالة وحيدة وهو الطعن بالإبطال وكذلك من خلال استبعاده كلما أراد الأطراف ذلك أن السياسية التشريعية التي يتوخاها المشرع في القرارات التحكيمية الدولية وهي عدم المساس بهذه المؤسسة من قبل قاضي الدولة .
فيما يتعلق بحصر حالات الطعن في الحكم ألتحكيمي الدولي يفسر مرجعه مراعاة لخصوصية مؤسسة التحكيم وبالتالي هو تكريس لإرادة المشرع التي تسعى لاستقلالية واكتمال التحكيم نظاما وتنظيما[50]..

الخاتمة

لقد كرس المشرع التونسي و اغلب التشاريع جملة من الطعون في القرارات التحكيمية الداخلية و الدولية فكان لقضاء الدولة سلطة رقابة النزاع التحكيمي برمته ومراجعة الحكم التحكيمي جملة وتفصيلا وهكذا "أخضع التحكيم لنظام من الرقابة الكاملة والشاملة جعلته يذوب في قضاء الدولة ويتشتت بين النظم الوطنية ما افقد  لنظامه الوحدة و الاستقلالية و قضاءه التناسق و الأمن القانوني أي افقده مقومات المؤسسة "[51].
كما أن إخضاع التحكيم لرقابة خارجية عنه ولقضاء الدولة قد تبعده شيئا فشيئا عن مهمته الأولى المتمثلة في إحداث مؤسسة قانونية تتفادى هفوات القضاء العادي من طول وتكلفة الإجراءات ومن الواضح أن هذه التدخلات لن تكون الأخيرة نظرا للجوء الشبه الآلي إلى التحكيم خاصة في المادة التجارية وفي قانون الاستثمار وإدماجه شيئا فشيئا في الأنظمة القضائية الوطنية وهو الأمر الذي كان متوقعا لوظيفة القانون الأولى ألا وهي وضع قواعد تحكم الواقع.
ومن الثابت أن ماحققه التحكيم كقضاء مستقل وذاتي تؤكد تحرره من الولاء للدولة ومن تحكم قانونها واستقراره كقضاء مواز لقضائها بل وبالأحرى كمنشئ لعدالة بديلة عن عدالة الدولة كما تؤكد تفوق التحكيم على قضاء الدولة .
بات يخيف قضاء الدولة ويؤكد إرادة المشرع في محاولة الحد من مكتسبات التحكيم حتى يخضعه تحت وصايته من خلال فر ض أشكال مختلف للرقابة قد تجرده من خصوصياته.
على أن القول بضرورة وواقعية إعطاء رقابة على الأحكام التحكيمية هو اعتمادا على أن الحكم التحكيمي هو كالحكم القضائي هو عمل إنساني قد يشوبه عيوب لا يبرر القط منح هذه الرقابة لسلطة أجنبية وخارجة عن نطاقه إذ أن الإرادة التي عزفت عن اللجوء إلى المحاكم واعتمادهم على اتفاقية يعبرون من خلالها عن إرادتهم لفض نزاعاتهم قد تتلاشى أمام تدخل قضاء الدولة وبسط هيمنته على هاته المؤسسة التي لطالما سعت مختلف التشاريع إلى جعلها محكمة مستقلة بأتم معنى الكلمة في جميع المجالات.
لذا كان بالأحرى على المشرع إعطاء سلطة الرقابة لهيئة التحكيم حتى يتسنى الحفاظ على خصوصياته وأهمها سرعة الفصل وسرية المداولات .على أن هذا التدخل وان كان محدود خاصة بالنسبة للأحكام التحكيمية الدولية  إلا انه يخفي إرادة محتشمة لفرض وصاية قضاء الدولة على التحكيم.

المراجع

المجلات:
مجلة التحكيم
مجلة المرافعات المدنية والتجارية

المراجع العامة:
الحسين السالمي "تطور التقاضي على درجتين "مؤلف الاستئناف " نشر كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس -1993.
نور الدين قارة " قانون التحكيم – مقدمة عامة –التحكيم الداخلي " مركز النشر الجامعي تونس-2007.
هشام زوبلي السبيع" تطبيق مجلة المرافعات المدنية والتجارية في مادة التحكيم الداخلي "  منشأة دار المعارف -2002.
أحمد محمد حشيش " القوة التنفيذية لحكم التحكيم " دار الفكر الجامعي الإسكندرية -2001.
أحمد أبو الوفاء" التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري " منشاة المعارف بالإسكندرية " الطبعة  الخامسة 1988.
احمد الو رفلي  " التحكيم الداخلي " منشورات مركز الدراسات  القانونية والقضائية -2006.
Phillipe Fouchard E.Gaillard B Goldman « Traité de l’arbitrage commercial International « LITEC 1996.
Ahmed Werfelli « L’ arbitrage dans la jurisprudence tunisienne « LATRACH , LGDJ 2010.
Lotfi Chedly dans une discution avec Ericloquin « sur l’arbitralité des litiges FDSPT 2004-2005.

المذكرات والأطروحات :
الحسين السالمي "التحكيم وقضاء الدولة " أطروحة دكتوراه دولة كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 2003-2004.
محمد الاسعد باكير "الرقابة القضائية على قرارات التحكيمية من خلال فقه قضاء محكمة الاستئناف بتونس " مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 1999.
زياد سويدان " الطعن بالإبطال في مجلة التحكيم " مذكرة ختم دروس بالمعهد الأعلى للقضاء-1996-1997.

المقالات والملتقيات :
أكرم الزريبي " التحكيم وفض النزاعات الرياضية " ملتقى علمي نظمته الجمعية التونسية رياضة وقانون منشور بمجلة القانونية جوان 2009.
حسين السالمي " حجية الحكم التحكيمي " مجلة القضاء والتشريع ماي 2006.
نور الدين قارة " أسباب إبطال القرارات التحكيمية أمام محكمة الاستئناف بتونس" مجلة القضاء والتشريع ماي 1999.
محمد العربي الهاشمي " القرارات التحكيمية أمام محكمة الاستئناف أعمال ملتقى الاستئناف المنعقد بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 1993.
عبد الوهاب الباهي "تعليل أحكام التحكيم "المجلة العربية  للتحكيم جانفي2000.
مصطفى الصخري " عوارض الخصومة التحكيمية "القضاء والتشريع عدد4 لسنة 2002.
احمد الورفلي " استقلالية الاجراءات التحكيمية "مجلة القضاء والتشريع عدد 4 افريل 2002.
قد يهمك أيضا:

  1. المبادئ العامة للتحكيم
  2. الإطار القانوني للتحكيم الإلكتروني
  3. التحكيم التجاري الدولي

----------------------------------------------------------------------------------------------
[1] الفصل الأول من مجلة التحكيم 
[2] المشرع التونسي يشجع على اللجوء إلى التحكيم وذلك من خلال ما سنه من قانون عدد56 لسنة 1994 مؤرخ في 16 ماي 1994 يتعلق بإعفاء عمليات التحكيم من إجراء التسجيل .
تعززت مكانة التحكيم كذلك في المجال الرياضي  يراجع في خصوص ذلك "التحكيم وفض النزاعات الرياضية "ملتقى علمي نظمته الجمعية التونسية رياضة وقانون " منشور بمجلة القانونية جوان 2009 .
[3] صدرت مجلة التحكيم بقانون عدد42 لسنة 1993 في 26 افريل 1996
[4] أكرم الزريبي " التحكيم وفض النزاعات الرياضبة مقال منشور بالمجلة القانونية لشهر جوان 2009 ص 14.
[5] احمد محمد حشيش " القوة التنفيذية لحكم التحكيم " دار الفكر الجامعي بالاسكندرية " 2001ص 57
[6]  يراجع الفصول 80 و الفصل 32  .
[7]  حسين السالمي " حجية الحكم التحكيمي " مجلة القضاء والتشريع ماي 2005 ص 122.
[8] أحمد أبو الوفا " التحكيم الاختياري والتحكيم الإجباري" منشاة المعرف بالإسكندرية الطبعة الخامسة 1988 ص 18. 
[9] الفصل 48 : يكون التحكيم دوليا في احدى الحالات التالية :
اذا كان محل عمل اطراف اتفاقية التحكيم زمن انعقادها ولقعا في دولتين مختلفتين .
اذاكان احد الاماكن التالية واقعا خارج الدولة التي فيها محل عمل الاطراف :
أ مكان التحكيم اذا نصت عليه اتفاقية التحكيم او وقع تحديده وفقا لها .
ب اي مكان ينفذ فيه جزء هام منالالتزامات الناشئة عن العلاقة او المكان الذي يكون لموضوع النزاع اوثق صلة به .
ج اذا اتفق الاطراف صراحة على ان موضوع اتفاقية التحكيم متعلق باكثر من دولة واحدة .
د بصفة عامة اذا تعلق التحكيم بالتجارة الدولية.
[10]   قرار عدد 14 بتاريخ 20 نوفمبر 1996 قرار غير منشور يراجع مصطفى الصخري مؤلف تعليق على مجلة المرافعات المدنية والتجارية.
[11]  قرار تعقيبي عدد55988 صادر بتاريخ 14 ماي 1998 بمجلة القضاء والتشريع عدد5 ماي 1999 ص 147.
[12]  قرار استئنافي مدني عدد 14 بتاريخ 20 نوفمبر 1996 صادر عن محكمة الاستئناف بتونس
[13]    الفصل 13من م م م ت ؛ المسقطات كلها وجوبية تتمسك بها المحكمة من تلقاء نفسها.
الفصل 14 ؛ يكون الاجراء باطلا اذا نص القانون على بطلانه او حصل بموجبه مساس بقواعد النظام العام او احكام الاجراءات الاساسية وعلى المحكمة ان تثيره من تلقاء نفسها .
اما مخالفة القواعد التي تهم غير مصالح الخصوم الشخصية فلا يترتب عليها بطلان الاجراء الا متى نتج عنها ضر للمتمسك بالبطلان وبشرط ان يثيره قبل الخوض في الاصل.
[14]  قرار استانافي عدد 16 بتاريخ 16 اكتوبر 1996 قرار غير منشور مصطفى الصخري مرجع سابق.
[15]   قرار غير منشور
[16]   قرار عدد 15465 صادر بتاريخ 13 جويلية 1994 غير منشور.
[17] قرار عدد 25 صادر عن محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 10 فيفري 1998 قرار غير منشور.
[18] عبد المجيد ميز" التنظيم القانوني للتحكيم الدولي والداخلي منشاة المعارف الإسكندرية مصر 1997 ص 152-153
[19] قرار غير منشور
[20] الفصل 43 من مجلة التحكيم.
[21]  الفصل 43 فقرة اخيرة .
[22]  الفصل 44 
[23]   الفصل 44 فقرة اخيرة .
[24]وهو ما أكده قرار محكمة التعقيب الفرنسية الصادر في 09 اكتوبر في قضية  
Affaire de la société historique et littéraire Polonaise
حيث تم فض النزاع بين الشركة المذكورة والاكادمية البولونية للعلوم والفنون بكركفيا وطالب بعض شركاء الشركة بابطال الحكم التحكيمي الشيئ الذي رفضته المحكمة معتبرة التحكيم الدولي غير قابل للاعتراض.
[25] يراجع الفصل 172 من م.م.م.ت
[26] Cour de cassation française 2ème  chambre civile arrêt n°02-14.358 du 8 juillet 2004 Bulletin 2004 II p 337.
[27] الفصل 174 من م.م.م.ت
[28] Selmi Hossein « Le double degré de juridiction en droit privé » mémoire D.E.A droit prive FDSPTp19.
[29]   يمكن الابقاء على الاستئناف من خلال اختيار نظام مؤسسة تحكيم يبقي على إمكانية استئناف الاحكام الصادرة عنه كنظام مركز الانصاف الذي جاء بالفصل 84 منه على من له مصلحة اعلام الطرف الاخر بالحكم التحكيمي لتجري اجال الطعن فيه وفق لاحكام الفصل 141 من م.م.م.ت
[30]  قرار استئنافي عدد 33 صادر عن محكمة الاستئناف بتونس 26 اكتوبر 1999 مجلة القضاء والتشريع افريل 2001 ص 205.
[31] الفصل 40 ؛ أحكام هيئة التحكيم القابلة للاستئناف لا يجوز الطعن فيها بالابطال.
[32]يراجع في هذه ا لمسالة هشام زوبلي "تطبيق مجلة المرافعات المدنية والتجارية في مادة التحكيم" منشاة دار المعارف 2002.
[33] Le Charny (JL) «  l’appel des sentences arbitrales Revu arabe 1980 p71.
[34] يحيل الفصل 31 من م.ت بالأساس على أحكام الفصول 125و126و146و209 من م.م.م.ت إلى جانب الفصل 317 من المجلة التجارية الذي تنص الفقرة الثانية منه على إمكانية استصدار أمر بالدفع ضد قابل الكمبيالة ينفذ بعد 24 ساعة وبقطع النظر عن الاستئناف.
[35] احمد الو رفلي " مجلة التحكيم معلق عليها  منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية تونس 2006 ص 275.
[36] نورالدين قارة " قانون التحكيم " مقدمة عامة التحكيم الداخلي " مركز النشر الجامعي تونس 2007ص 201.
[37] Ph (Fouchard), GUILLARD(E), et Galdman (B) « Extrait de l’ouvrage Trairé de l’arbitrage commercial international litac 1996 p47.
[38]    قرار استئنافي عدد 101 صادر عن محكمة الاستئناف بتونس بتاريخ 23 أكتوبر 2001 قرار غير منشور.
[39]    احمد الورفلي  " التحكيم الدولي في القانون التونسي والقانون المقارن"  ص 227
[40] قرار تعقيبي عدد 44857 بتاريخ 3 جويلية 1995 المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي عدد 13 ص 25.
[41] الفصل 78 من مجلة التحكيم
[42] الفصل 77 ؛ خلال ثلاثين يوما من صدور حكم التحكيم يجوز لهيئة التحكيم من تلقاء نفسها اصلاح الغلط في الرسم او في الحساب او اي غلط مادي تسرب الى الحكم
2- إذا قدم احد الأطراف خلال ثلاثين يوما من اتصاله بالحكم مطلبا لهيئة التحكيم واعلم به الطرف الأخر ولم يسبق الاتفاق على ما يخالف الأجل المذكور فانه يجوز لهيئة التحكيم ان تباشر الاعمال التالية ؛
أ اصلاح الغلط في الرسم او في الحساب او اي غلط مادي تسرب الى الحكم.
ب شرح جزء معين من الحكم.
ج اصدار حكم تكميلي في جزء من الطلب وقع السهو عنه في الحكم.
وتصدر هيئة التحكيم الحكم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تعهدها بالطلب اذا كان حكما اصلاحيا اوتفسيريا وخلال ستين يوما اذا كان حكما تكميليا.
ويجوز لها التمديد عند الاقتضاء في اجل اصدار حكم الشرح او الحكم التكميلي.
3- يكون الحكم الصادر في احدى الصور المبينة بهذا الفصل جزء لايتجزأ من الحكم الاصلي.
[43] M.Mezger cours d’arbitrage .
[44] La notion d’ordre public sera plus restreinte que celle de l’ arbitrage interne et ca se justifie par le fait que les conditions d’arbitrabilité sont moins contraignantes dans le domaine de l’arbitrage internationale que dans celui de l’arbitrage interne dans la mesure ou l’arbitrage internationale béneficie d’un régime plus libérale que l’arbitrage interne.
[45] عبد الوهاب الباهي "تعليل احكام التحكيم  المجلة العربية للتحكيم جانفي 2000
[46]" مذكرة دراسات معمقة في  القانون  كلية  الحقوق والعلوم السياسية بتونس.ص 40. كمال دراويل "تعليل القرارات التحكيمية الداخلية
[47] قرار عدد 99-73538 بتاريخ 23 فيفري 200 منشور تعليق احمد الورفلي
Revue de l arbitrage n 3 de 2001 p 597.
[48] الفصل  82من م ت ؛ إذا قدم طلب بإبطال حكم تحكيم  أو بإيقاف تنفيذه إلى المحكمة جاز لمحكمة الاستئناف بتونس المقدم إليها طلب الاعتراف أو التنفيذ تأجيل حكمها ويجوز لها أيضا بناء عل طلب الطرف الطالب الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه أن تأذن الطرف الأخر بتقديم الضمان المناسب.
[49] يراجع الفصل 78 من المجلة فقرة 5.
[50] حسين السالمي " التحكيم وقضاء الدولة  " أطروحة دكتوراه دولة كلية الحقوق والعلوم السياسية تونس 2003-2004 ص 549.
[51] يراجع الحسين السالمي "التحكيم وقضاء الدولة " مرجع سابق  ص 531.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات