القائمة الرئيسية

الصفحات

مبدأ سمو الدستور

إشكالية سمو الدستور
مبدأ سمو الدستور


مقدمة

يعتبر الدستور القانون الأعلى الذي يرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة ، ويحدد سلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ، ويقرر الحريات والحقوق ويرتب الضمانات الأساسية .

فالدستور القانون الأسمى في الدولة إنه بمثابة وثيقة عهدين قائمين على سلطة العامة وبين الشعب لضمان أن سلطات تشريعية وتنفيذية والقضائية لضمان أن سلطات التشريعية و التنفيذية والقضائية لن تنحرف عن مبادئ والقيم والقواعد ا0لسياسية والإجتماعية والإقتصادية التي يرى الشعب أنها تجسيد لشرعية التي يعتقد ويؤمن بها لزمن أو مكان معين .

إن الدستور هو إبتداءاً قيد على إرداة سلطة التشريعية يمنعها من سن تشريعات تتعارض مع المبادئ والقواعد التي يضمنها الدستور، وهو أيضا قيد على إرادة الحاكم وأعوانه يمنعهم من تجاوز سلطات التعسف في إستعمال تلك السلطات .

ويحترم القضاء الدستوري ويتولى الرقابة على سلطات الأخرى ويبطل تصرفاتها المخالفة للدستور لذلك الدستور يسمو على إرادة الحاكم وعلى جميع قوانين الدولة.

إلا أن هناك إستثناء يرد على مبدأ سمو الدستور ، يعطل تطبيقه جزئيا لحماية الدولة والمجتمع في أوقات عصيبة التي تمر بها الدولة ، ويعرف هذا الإستثناء في فقه القانون بنظرية الضرورة ، وتكتسب هذه النظرية مقولة رومانية قديمة مفادها '' سلامة الدولة فوق القانون وسلامة الشعب فوق القانون '' . 

وإذا كان خضوع الدولة لجميع سلطاتها بمبدأ سمو الدستور أصلا مقررا وحكما لازما لكل نظام ديمقراطي سليم ، فإنه يكون لزاما على كل السلطات العامة ، أيا كان شأنها وأيا كانت وظيفتها وطبيعة الإختصاصات المسندة إليها النزول عند قواعد الدستور ومبادئه ، وإلتزام حدوده وقيوده ، فإن هي خالفتها أو تجاوزتها شاب عاملها عيب مخالفة الدستور ، لذلك يجب إخضاعها لرقابة الدستورية التي تستهدف ضمان الشرعية الدستورية بصون الدستور القائم وتأكيدا لإحترامه وحمايته ، والرقابة قد تكون إما سياسية أو قضائية .

من خلال معالجتنا لهذا الموضوع ، سنقوم بالتصميم التالي :

المبحث الأول : ماهية مبدأ سمو الدستور والإستثناءات الواردة عليه

المطلب الأول : مبدأ سمو الدستور

الفقرة الأولى : السمو الموضوعي للدستور

الفقرة الثانية : السمو الشكلي للدستور

المطلب الثاني : الإستثناءات الواردة على مبدأ سمو الدستور

الفقرة الأولى : ماهية نظرية الضرورة ومبرراتها

الفقرة الثانية : موفق الفقه و القضاء من نظرية الضرورة

المبحث الثاني : كفالة إحترام مبدأ سمو الدستور ( الرقابة على دستورية القوانين)

المطلب الأول : الرقابة السياسية 

الفقرة الأولى : ماهية الرقابة السياسية 

الفقرة الثانية : تطبيقات للرقابة السياسية ( النموذج الفرنسي والمغربي )

المطلب الثاني : الرقابة القضائية 

الفقرة الأولى : صور الرقابة القضائية

الفقرة الثانية : الفروق الجوهرية بين هذه الصور

المبحث الأول : ماهية مبدأ سمو الدستور والإستثناءات الواردة عليه

المطلب الأول : مبدأ سمو الدستور

إن القواعد القانونية التي يتضمنها النظام القانوني ، ليست في مرتبة واحدة وإنما هي مراتب متدرجة، ويترتب عن ذلك أن كل قاعدة ينبغي للقاعدة التي تعلوها وعلى هذا النحو يمثل النظام القانوني في الدولة بأنه كالهرم الذي تقف على قمته القواعد الدستورية ، ومن جانب آخر فإن الدستور هو الذي ينشئ سلطات الدولة المختلفة ، وهو الذي يحدد إختصاصاته ، وكذلك طبيعة العلاقة بين كل سلطة وسلطات الأخرى في الدولة ، إن هاتان الخاصيتان تجعلان ذو سمو عرف في فقه القانون الدستوري بمبدأ سمو الدستوري.

لقد وجدت فكرة سمو الدستور أساسها في كتابات مفكري نظرية العقد الإجتماعي في القرنين 17 و 18 إلا أنه لم يترخص كمبدأ إلا بعد إنتصار الثورتين الفرنسية والأمريكية ، فقد نص على المبدأ لأول مرة في الدستور الأمريكي سنة 1787 في المادة 6 ، وبعد الثورة الفرنسية ساد المبدأ ونصت عليه أغلب دساتير العالم .

و سمو الدستور يكون سموا موضوعيا أو سموا شكليا .

الفقرة الأولى : السمو الموضوعي للدستور

مقتضى السمو الموضوعي أن نشاط سلطات الدولة المختلفة، يجب أن يكون محكوما بدستور في كل مايصدر منه من قوانين وأنشطة مختلفة ، لأن خروج كل تلك السلطات عن القواعد الدستورية التي أوجدتها ونظمت طريقة ممارستها للسلطة يعد  هدراً  لسن وجود تلك السلطات، والأساس القانوني لإختصاصها ، وبالتالي يعتبر مساسا بجوهر الدستور وإنتهاكا لسموه الموضوعي .

ويتمتع الدستور بالسمو سواء أكان دستوراً جامدا أو مرنا ، ذلك أن المشرع العادي وإن كان يملك حق تعديل الدستور المرن بنفس التعديلات للقانون العادي ، إلا أنه ملزم بإحترام الأساس النظري الذي يقوم عليه الدستور ، ويترتب على السمو الموضوعي عدة نتائج :

1 - أن القواعد الدستورية ملزمة لجميع سلطات الدولة ، وأن أي نشاط يكون مخالفا لهذه القواعد لايتمتع بأي قيمة قانونية ؛

2 - تدعيم مبدأ المشروعية ، فإذا كان المبدأ يعني في مدلوله الضيق إحترام القوانين العادية الصادرة عن سلطة التشريعية ومطابقتها لأحكام الدستور، فإن أي تصرف يكون مخالفا لهذه القوانين يكون مجرد من أي أثر قانوني ، سواء صدر هذا التصرف من أفراد أو من جانب سلطات الدولة ؛

3- منع تفويض الإختصاصات الدستورية : بما أن الدستور هو مصدر جميع سلطات في الدولة ، فهذا يعني أن هذه السلطات لاتمارس حقا شخصيا تتصرف به كما تشاء ، وإنما تمارس وظيفة تحددها النصوص الدستورية ويترتب على ذلك أن هذه السلطات لا تستطيع تفويض تصرفاتها للغير ، إلا أن ينص الدستور ويبيح ذلك تطبيقا للمبدأ الذي يقول '' أن الإختصاصات المفوضة لاتقبل تفويض " .

إن مبدأ سمو الدستور لاينتج أثره القانوني ، إلا بوجود رقابة على دستورية القوانين ، ولايمكن تنظيم هذه الرقابة مالم يتحقق للدستور السمو الشكلي إلى جانب السمو الموضوعي .

الفقرة الثانية : السمو الشكلي للدستور

يقصد بالسمو الشكلي للدستور أن عملية تعديله تتطلب إجراءات خاصة أشد تعقيداٌ من إجراءات تعديل قانون عادي ، وعلى هذا النحو لايتحقق السمو الشكلي للدساتير المرنة رغم تمتعها بالسمو الموضوعي ، لأن إجراءات تعديل الدستور المرن والقانون واحدة ، وهذا يعني أن صفة الجمود هي التي تضفي على الدستور سمواُ شكليا على القوانين العادية إضافة إلى السمو الموضوعي .

و تتمتع جميع القواعد الدستورية الشكلية سواء كانت قواعد شكلية أو موضوعية بالسمو الشكلي في الدستور الجامد ، أما الدستور المرن فلايتحقق له هذا السمو الشكلي ، فإن السلطة التشريعية تستطيع أن تعدله بإتباع ذات الإجراءات والأشكال المقررة لتعديل القوانين العادية و نخلص من ذلك أن الدساتير الجامدة تتمتع بميزة السمو الموضوعي والشكلي معا ، أما الدساتير المرنة فلاتتمتع إلا بالسمو الموضوعي دون السمو الشكلي ، ويترتب عن السمو الشكلي للدستور عدة نتائج :

ويترتب على إشتراط الإجراءات الخاصة لتعديل قواعد الدستور و أحكامه وجود طائفتين من القوانين :

أولا الطائفة الأولى وهي القوانين الدستورية ، تعدل أو تلغى وفق لإجراءات خاصة مشدودة تحددها عادة الوثيقة الدستورية ، أما الطائفة الثانية وهي القوانين العادية تعدل أو تلغى وفقا لإجراءات البرلمانية المتعارف عليها .

ويرتب فقهاء القانون الدستوري على التفرقة السابقة بين طائفتين من القوانين الدستورية و القوانين العادية مجموعة من النتائج ، وأهمها:

أولا : ثبات القوانين الدستورية ، تتصف القوانين الدستورية بأنها أكثر ثباتا ، وإستقراراً من القوانين العادية ، غير أن هذا الثبات ليس مطلقا لكونه يؤدي إلى الجمود الكلي للدستور ، ولهذا كان لابد من قبول فكرة عدم تجميد النصوص أو القواعد الدستورية ، تجميدا أبديا وإمكانية تعديلها بصفة دائمة من أجل الملائمة مع متغيرات المجتمع ؛

ثانيا : القوانين الدستورية لاتنسخ ولاتلغى إلا بقوانين دستورية مماثلة ، لما كانت القوانين الدستورية أسمى من القوانين العادية ، و تتبوأ مقام الصدراة في هرم النظام القانوني فإنه لايكون بمقدور القوانين العادية تعديل قوانين الدستورية ، على إعتبار ان الأولى تقع في المرتبة الأدنى من القوانين الدستورية ، والقاعدة في هذا الخصوص أن القانون الأدنى لايستطيع أن يعدله أو يلغيه قانون أسمى .

والقاعدة عدم جواز إلغاء القانون الدستوري إلا بقانون دستوري آخر هي من القواعد التي أوجدتها الثورة الفرنسية ، و القصد تأكيد مبدأ سمو الدستور وعلى قواعد وأحكامه ، على سائر القواعد القانونية المطبقة في الدولة ، غير أن بعض الفقهاء يعتبرون أنه إذا قامت ثورة في بلاد وتم لها النجاح فإن الدستور القائم يسقط فوراً من تلقاء نفسه ، لأن الشعب بقبوله الثورة بإرادته أو بدون مقاومة منه قد أظهر رغبته في إلغاء الدستور السابق؛

ثالثا : دستورية القوانين، ضرورة مطابقة القوانين للدستور وعدم تعرضها مع أحكامه ، لما كانت القوانين العادية تلي القواعد الدستور ، من ناحية المرتبة فإنه يجب على السلطة التشريعية عندما تسن القوانين ان تقرها على مقتضى أحكام الدستور نطاقا و روحا ، فإذا تجاوزت في ما تسنه من قوانين ، الضوابط والقيود الورادة في الدستور عد ذلك إنحرافاُ منها في الأداء و وظائفها وأعتبر تشريعا مخالفا للدستور ، قانون غير دستوري .

المطلب الثاني : الإستثناءات الواردة على مبدأ سمو الدستور

هناك إستثناء يرد على مبدأ سمو الدستور ، يعرف بنظرية الضرورة وتكتسب هذه النظرية أهمية خاصة في الأوقات العصيبة التي تمر بها الدولة .

الفقرة الأولى : ماهية نظرية الضرورة ومبرراتها

مفاد هذه النظرية أن المبادئ الدستورية إنما شرعت للظروف الإعتيادية الطبيعية ، وإذا تعرضت الدولة لخطر جسيم أو ظروف إستثنائية أو خارجية أو داخلية ، مثل عصيان مسلح أو لعمليات إرهابية أو عصفت بإقليم دولة مظاهرات عنيفة غير سلمية ، أو مرت به أزمة إقتصادية أو كوارث طبيعية أو وباء عام ، هذه قد تهدد كيان الدولة و المجتمع ، ومثل هذه الأحوال من الاخطاء لاتعد القواعد الدستورية كافية أو ملائمة لمواجهة الخطر ، لما تتضمنه من قيود على إرادة السلطات العامة ، وماتتيحه من حريات وعصيان لمواطنيها ، مما تضطر معه السلطات العامة وفقا لشروط وقيود قانونية ، إتخاذ تدابير إستثنائية، ولو أدى ذلك للخروج على مقتضى القواعد الدستورية بما في ذلك تقييد الحريات العامة بقدر اللازم لمواجهة الخطر ، ودفع ضرره العام .

في ضوء ذلك ظهرت في الفقه القضاء المعاصر نظرية الضرورة التي إستندت إلى مبدأ روماني قديم مفاده " أن سلامة الدولة فوق القانون " .

تشير نظريات الضرورة إمكانية السلطات العامة المكلفين بها الخروج عن مقتضى قواعد الدستورية والقانونية بناءا على شروط إنقاذ الدولة من خطر أو أزمة ، وذلك بإعطائها قدر من الحرية في التصرف أو الوقوع في اللامشروعية .

مبررات نظرية الضرورة :

يمكن بصورة عامة تبرير خروج السلطات العامة على مقتضى الشرعية الدستورية في اوقات الأزمات بما يلي:

1-    إن سلامة الدولة فوق كل اعتبار ، ويقوم جوهر نظرية الضرورة على إفتراض قيام خطر جسيم وحال يهدد كيان الدولة و المؤسسات الدستورية ، بحيث لاتجدي القواعد القانونية التي وضعت للظروف العادية في مواجهته ، فتجد نفسها مضطرة لمخالفة الدستور من أجل مواجهة الخطر الذي يهدد كيانها .

2-    لو أجبرت السلطات على تطبيق القواعد الدستورية والقانون في ظل الاخطار التي تهدد كيان الدولة ، لأدى ذلك إلى زوال الدولة ذاتها ، وذلك أن من مقتضى مبدأ المشروعية ذاتها الإبقاء على الدولة ، لأنه يفترض أن هناك قاعدة أساسية تنظم قوانين جميع مقتضاها وجوب الإبقاء على الدولة . لذلك عندما يكون مصير الدولة أو وجودها معرضا للخطر ، ويصبح إجبار الإدارة على الإلتزام بحرفية النصوص القانونية القائمة ، لاقيمة ولاجدوى منه لأنه سيؤدي إلى التضحية بالكل من أجل البعض .

الفقرة الثانية : موفق الفقه و القضاء من نظرية الضرورة

أولا : موفق الفقه

توجد عدة نظريات لتحديد طبيعة الضرورة ، وأهمها الفقه الألماني والفرنسي.

الفقه الألماني : يعتبرها نظرية قانونية ورتب على ذلك عدة آثار منها :

إذا ما واجه المجتمع والدولة خطر أزمة تهدد سلامتها ، فإن للسلطات العامة مطلق الحرية لإتخاذ ما تراه مناسبا لمواجهتها ولو أدى ذلك إلى الخروج عن الدستور و القانون المعتمد في الدولة وكذلك القانون الدولي ، وقد تبنى هتلر هذه النظرية في الحرب ، حين غزا دول الجوار الألمان بحجة أن سياستها هاته سياسة ألمانية ؛

كلما تقوم به السلطات في ظل الأزمة والخطر يعتبر سليما وقانونيا ومشروعا ولو خالف الدستور ودون حاجة لأخذ موافقة من أحد ؛

بما أن نظرية الضرورة نظرية قانونية فلا يتولد لأية جهة أو أي مواطن حق التعويض عن الأضرار التي تلحقه جراء أعمال الضرورة ، كالسؤال عن الأعمال أو الأضرار التي تلحق ممتلكاته . ويعتبر هيكل و آهرنك من المدافعين عن هذه النظرية '' الدولة إنما تلتزم بالقانون بمحض إرادتها وأنه يوجد إلى جانب القانون المكتوب قانون عرفي يعطي للدولة الحق في إتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للمحافظة على سلامتها بما في ذلك مخالفة القواعد القانونية القائمة ، وانها حين تخالفها إنما تكون إرادتها قد تكون اتجهت إلى إحلال قواعد أخرى تلائم الظروف الإستثنائية لتحل محل القواعد السابقة.

الفقه الفرنسي : إختلف الفقه الفرنسي حول نظرية طبيعة الضرورة حيث يوجد إتجاهين وهما :

الأول : وهو القانوني : من أنصار هذا الإتجاه ديكي و هورير ، إلا أنهما بخلاف الفقه الألماني وضع روابط وشروط قانونية لتطبيقها ، ويرى هورير أن الحكومة ليس فقط لها الحق في إتخاذ اٌلإجراءات اللازمة لمواجهة الظروف الإستثنائية كالحرب ، وإنما عليها واجب إتخاذ هذه الإجراءات لحماية الدولة إستنادا إلى حق الدفاع الشرعي ، فإذا كانت الدولة في مواجهتها لهذه المخاطر تخرج عن إطار المشروعية ، فإنها لاتخرج عن إطار القانون طالما كانت هي في حالة الدفاع الشرعي .

ثانيا : الإتجاه السياسي 

وهو الإتجاه الغالب في الفقه والقضاء الفرنسي ، إلا أن الضرورة لاتخلق قواعد قانونية ولاتحل محل القوانين القائمة ، وإن الحكومة إذا إتخذت تحت ضغط الضرورة ، إجراءات تخالف الأنظمة القانونية القائمة ، فإن هذه الإجراءات تعتبر بحكم الأصل إجراءات غير مشروعة ، فالإدارة يبنغي أن تلتزم بمبدأ المشروعية ليس فقط في الظروف العادية ، وإنما كذلك في الظروف الغير عادية ، وبذلك تكون الضرورة نظرية واقعية لاقانونية ، ويترتب المفهوم السياسي للنظرية عدة آثار وهي :

1-    إخضاع نظرية الضرورة لعدد من الشروط وهي كمايلي :

الشرط الأول : أن يكون هناك ظرف إستثنائي حقيقي ، ينتج عنه خطر يهدد سلامة وأمن الدولة أو النظام العام ، كالحرب أو العصيان المسلح ؛  

الشرط الثاني : أن تكون الإجراءات التي تتخذها الإدارة ضرورية لمواجهة هذا الخطر وإستحالة مواجهة هذا الخطر بالطرق العادية ؛

الشرط الثالث : أن تكون الإجراءات التي تتخذها الإدارة متناسبة مع محالة الضرورة ولاتتجاوزها .

2-    تخضع إجراءات وأعمال الإدارة الإستثائية لرقابة القضاء ، ولكل مصلحة أن يطعن بإجراءات السلطات الإسثنائية أمام القضاء

3-    أن تتوقف السلطات عن هذه الإجراءات بمجرد إنتهاء الظروف الإستثنائية .

ثانيا : تطبيقات نظرية الضرورة في التشريع والقضاء .

نظرية الضرورة في العصر الحديث بناء قانوني شيد سرحه قضاء مجلس الدولة ، حقا هناك قوانين خاصة لمعالجة الظروف الإسثنائية توسع من صلاحيات السلطات العامة ، وإختصاصاتها في أحوال الضرورة ، إلا أن السلطات الإسثنائية المستمدة من النظرية القضائية أوسع مدى من السلطات المستمدة من هذه القوانين الخاصة ، كما أن مشرع القوانين الخاصة لايمكن أن يتوقع كل الظروف الإسثنائية لذلك كانت النظرية القضائية هي مصدر الأساسي لسلطات الإدارة الإسثنائية تحت مختلف الظروف .

وتغطي نظرية الضرورة النظام القانوني برمته وقد نصت عليها دساتير معظم الدول : دستور فرنسا 1958 ، الدستور المصري 1971.

المبحث الثاني : كفالة إحترام مبدأ سمو الدستور ( الرقابة على دستورية القوانين)

إن الدستور سواء أكان عرفيا أم مكتوبا ، فهو على أية حال يبقى القانون الأسمى في الدولة ، هذا السمو الذي يستوجب أن تتقيد بأحكامه السلطات العامة في الدولة ، وان تكون جميع القواعد القانونية غير متعارضة مع القوانين الدستورية.

ولكن كيف السبيل إلى ضمان إحترام مبدأ سمو الدستور ؟ هذا الإشكال هو ما أدى إلى ضرورة قيام سلطة تستهدف حماية الدستور القائم وتاكيد إحترامه ، ومن هنا نشأت فكرة " الرقابة ".

وتعددت إتجاهات النظم الدستورية سبلا متعددة في هذا الصدد ، من ما أخذ بنظام رقابة دستورية منوطة بهيئة سياسية ، ومنها ما أوكل المهمة إلى هيئة قضائية التي يطلق عليها إسم الرقابة القضائية .

المطلب الأول : الرقابة السياسية 

الفقرة الأولى : ماهية الرقابة السياسية و سلبياتها

أولا : ماهية الرقابة السياسية 

الرقابة السياسية هي رقابة وقائية تسبق صدور القانون ، ومن ثم تحول دون صدوره إذا خالف نطاق الدستور، وتقوم به لجنة سياسية يتم إختيار أعضائها بواسطة السلطة التشريعية أو بالإشتراك مع السلطة التنفيذية ، فالرقابة تمارس على مشروعات القانون .

وتنظم الدساتير عادة كيفية تشكيل هذه الهيئة السياسية ، وتتميز الرقابة على دستورية القوانين بواسطة هيئة سياسية بالأمور التالية :

الأمر الأول : أنها رقابة سابقة على صدور القانون ، أيضا أنها تباشر بعد إقراره من البرلمان وقبل إصدار رئيس الجمهورية له ، وينتج عن ذلك أن هذه الرقابة ينتهي أمرها إذا ما تم إصدار القانون ، وينجو القانون بذلك من أي منازعة قد تثور حول دستوريته ؛

الأمر الثاني : أنها رقابة وقائية ، حيث تستهدف منع صدور أي قانون يثبت مخالفته لأحكام الدستور، وبالتالي تكون هذه الرقابة أكثر فاعلية من غيرها من صور الرقابة اللاحقة لصدور القانون ،

الأمر الثالث : أن من يتولى هذه الرقابة ليس هيئة قضائية تتكون من قضاة متخصصين وإنما هيئة سياسية حيث يغلب الطابع السياسي على الأعضاء المكلفين بمباشرتها .

ثانيا : مساوئ الرقابة السياسية على دستورية القانون

و رغم ماتمتاز به هذه الرقابة السياسية إلا أنها تعرضت لساهم النقد من قبل فقهاء القانون وأهم تلك الإنتقادات :

1-    إن الهيئة السياسية التي تقوم بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ليست بمنأى من الخضوع للنزوات السياسية ، وهذا يفسد الغاية من تقرير الرقابة ، حيث إن تشكيل هذه الهيئة قد يتم بالتعيين من جانب البرلمان ، أو بالإنتخاب من قبل الشعب وبلاشك الأخذ بهذه الطريقة في تشكيل هذه الهيئة يشكل خطورة على إستقلال هذه الهيئة ، وأيضا حيادها ونزاهتها ؛

2-    إفتقار القائمين على أمر هذه الهيئة للقدرة الفنية على بحث ودراسة المشاكل القانونية ، حيث إن هذه الرقابة تتميز بطبيعة قانونية خاصة تفترض في القائمين بها ، ضرورة التوفر فيهم الكفائة القانونية لإمكان تحديد مدى تطابق القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية مع أحكام الدستور ؛

3-    كيفية تشكيل هذه الهيئة ، حيث أنه حتى يمكن أن تتحقق الفاعلية لما تقوم به لابد أن تتوافر لدى أعضائها الحيادية والإستقلال عن باقي السلطات .

ومن بين الدول التي تبنت هذا النوع من الرقابة هي فرنسا ودول إشتراكية سابقة وكذلك المغرب .

وسنحاول من خلاله تبيان بعض التطبيقات للرقابة السياسية على دستورية القوانين ، وذلك من خلال النموذج الفرنسي الذي من خلاله نشأ هذا النوع من الرقابة وأيضا ، سنحاول تبيانها في النموذج المغربي .

الفقرة الثانية : تطبيقات للرقابة السياسية ( النموذج الفرنسي والمغربي )

أولا : النموذج الفرنسي

تعتبر فرنسا من الدول التي تميل تقليديا إلى إبعاد القضاء من معترك الرقابة على دستورية القوانين، وتتكفل هيئة سياسية بمهمة التحقق من مطابقة القانون للدستور ، وقد شهدت فرنسا عدة تطبيقات لأسلوب الرقابة السياسية ، بداية من دستور السنة الثامنة للجمهورية **** سنة 1799 ، والذي بناءاً على إقتراح الفقيه ساييس sieyes  تم إحداث هيئة أطلق عليها إسم "مجلس الشيوخ الحامي للدستور" ، وكانت أول هيئة تمارس الرقابة السياسية، وتتكون من 80 عضوا يعينون مدى الحياة ، وأعطي لهذا المجلس الحق في رقابة القوانين قبل إصدراها بحيث يملك إلغاء مايعد منها مخالفا لأحكام الدستور ، إلا أن هذا المجلس قد فشل في مهمته فلم يحدث أن قرر هذا المجلس إبطال عمل واحد من أعمال السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية ، بل العكس من ذلك عمل على تعديل أحكام الدستور وفقا لماتمليه عليه أهواء نابليون بونابارت الذي فرض سيطرته الكاملة فيه .

بعد ذلك تم إحداث مجلس الشيوخ الحامي للدستور في ظل الإمبراطورية الفرنسية الثانية من طرف الإمبراطور لويس نابليون بونابارت ، ذلك من خلال دستور الإمبراطورية الفرنسية الثانية لسنة 1852 ،وبالرغم من منح هذا المجلس إختصاصات أوسع إلا أن أيضا مهمته باءت بالفشل لنفس السبب وهو سيطرة الإمبراطور على المجلس و أعضائه فلم يذكر أنه ألغى أي قانون لعدم دستوريته .

في عام 1946 صدر دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة ، وقد أحدث هيئة سياسية أطلق عليها إسم "اللجنة الدستورية " ، ونص على أن تشكل اللجنة برئاسة رئيس الجمهورية ، وعضوين رئيس الجمعية الوطنية ورئيس المجلس الجمهوري (مجلس الشيوخ) ، و 7 أعضاء تختارهم الجمعية الوطنية من غير أعضائها و 3 أعضاء يختارهم من المجلس الجمهوري من غير أعضائه . إلا أن هذه اللجنة أيضا حكم على ضآلة مهمتها لكون أن المشرع قد قصر مهمتها في النظر فقط في المسائل التي تتضمنها أحكام الأبواب العشرة من الدستور وهي التي تضم السلطات العامة في الدولة ، وخرج لذلك من نطاق الرقابة القوانين التي تصدر مخالفة لمبادئ الحرية أو لأحكام الباب الحادي عشر خاصة لبيان الإجراءات الواجب إتباعها لتعديل الدستور.

بيد أن دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الحالية ، الصادر في 4 أكتوبر 1958 أخذ بنظام رقابة دستورية بواسطة هيئة سياسية أيضا وأطلق على هذه الهيئة إسم المجلس الدستوري ، وقد أقر له بابا خاصا هو الباب السابع ، وطبقا لنص المادة 56 فإن المجلس الدستوري الفرنسي يتكون من 9 أعضاء تستمر عضويتهم لمدة 9 سنوات غير قابلة للتجديد ، ويتجدد ثلث أعضائه كل ثلاث سنوات ، ويعين رئيس الجمهورية 3 أعضاء من بينهم الرئيس ، و3 أعضاء من طرف رئيس الجمعية الوطنية و 3 أعضاء من طرف رئيس مجل الشيوخ .

كما أوضح الدستور أن إختصاصات المجلس الدستوري تتركز في فحص دستورية القوانين قبل إصدارها (المادة 61) ، والفصل في المنازعات المتعلقة بصحة إنتخاب أعضاء مجلس البرلمان النواب والشيوخ (المادة 59) ، وكذلك الفصل في الطعون الخاصة بعملية إنتخاب رئيس الجمهورية (المادة58) والإستفتاءات الشعبية عند إجرائها (المادة 60) . وأيضا طبقا للمادة 61 فإنه يجب أن تعرض على المجلس الدستوري قوانين العضوية اّلأساسية قبل إصدراها ولوائح مجلس البرلمان قبل تطبيقها ليقرر مدى مطابقتها للدستور .

وقد نصت المادة 62 من الدستور أنه إذا أعلن المجلس الدستوري عدم دستورية نص من النصوص المعروضة عليه ، فلايجوز إصداره أو تطبيقه كما نصت أيضا على أن قرارات المجلس الدستوري نهائية وملزمة أي لايقبل الطعن فيها بأي وجه من اوجه الطعن ، ومن ثم تصبح واجبة التطبيق من قبل السلطات العامة والهيئات الإدارية والمحاكم القضائية.

ثانيا : النموذج المغربي

أخذ أيضا المغرب بهذا النوع من الرقابة من خلال دستور 1996 ، وأطلق على هذه الهيئة التي ستتولى الرقابة إسم " المجلس الدستوري" ، وقد أفرد الدستور المذكور بابا خاصا وهو الباب السادس لهذا المجلس ، نص فيه الأحكام المتعلقة لهذا المجلس وطبقا للفصل 79 يتألف المجلس الدستوري من 12 عضوا ، يعين الملك 6 منهم من بينهم الرئيس ، و3 يعينهم رئيس مجلس النواب ، و 3 رئيس مجلس المستشاريت ، تستمر عضويتهم تسع سنوات غير قابلة للتجديد ، ويتم تجديد ثلث أعضائه كل ثلاث سنوات .

كما أوضح الدستور 1996 أن إختصاصات المجلس الدستوري تتركز في فحص دستورية القوانين قبل إصدراها ( الفصل 81 الفقرة الثالثة ) [1]، والفصل في المنازاعات المتعلقة بصحة إنتخاب أعضاء البرلمان و عمليات الإستفتاء ، وكذلك تحال إليه القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها ، ونظام الداخلي لكل من مجلسي البرلمان قبل الشروع في تطبيقه للبث في مدى مطابقته للدستور .

وقد نصت المادة 81 في الفقرة ماقبل الأخيرة أنه إذا أعلن المجلس الدستوري عدم دستورية نص من النصوص المعروضة عليه ، فلا يجوز إصداره أو تطبيقه كما نصت أيضا أن قرارات المجلس نهائية وملزمة أي لاتقبل الطعن بأي وجه من أوجه الطعن .

وقد أنتقد هذا النوع من الرقابة لغلبة الطابع السياسي على تكوينه ، ومن جهة أخرى فإن المجلس لايستطيع أن يباشر من تلقاء نفسه مهمة الرقابة ، وأخيراُ ليس للأفراد الحق في الطعن أمام المجلس بعدم دستورية مشروعات القوانين المعروضة على البرلمان .

أما في ظل الدستور الجديد 2011 ، فقد أحدثت محكمة أطلق عليها إسم " المحكمة الدستورية "، خصص لها باب خاص هو الباب الثامن ، ومن حيث تكوينها فهي تتألف من 12 عضوا يعين لمدة 9 سنوات ، 6 أعضاء يعينهم الملك من بينهم الرئيس ومن بينهم عضو يقترحه رئيس المجلس العلمي الأعلى و 6 أعضاء ينتخب نصفهم من قبل مجلس النواب ، والنصف الآخر من طرف مجلس المستشارين، من بين المترشحين الذي يقدمهم كل مجلس، و أن يتم ذلك بإقتراع سري وبأغلبية ثلثي الأعضاء .

ويتم كل ثلاث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المحكمة ، اما من حيث إختصاصاتها ، فهي نفس الإختصاصات التي كان يمارسها المجلس الدستور ،إضافة إلى إختصاص جديد وهو ماجاء به الفصل 133 حيث أضحت المحكمة الدستورية تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية القوانين ، أثير أثناء النظر في قضية معينة وذلك إذا دافع أحد الأطراف بأن القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور ، وهو مايطرح سؤالا للنقاش ، هل المحكمة الدستورية الحالية تمارس رقابة سياسية فقط أم رقابة قضائية فقط أم هما معا ؟ ، خصوصا وأن طريقة التكوين ترجح كفة أنها رقابة سياسية ، وهي رقابة وقائية قبلية  ، أم قضائية ؟ خصوصا مع الإختصاص الجديد الذي أسند لها المشرع الدستوري في الفصل 133 حيث أضحت تمارس رقابة الإمتناع وهي تندرج ضمن الرقابة القضائية على دستورية القوانين .

المطلب الثاني : الرقابة القضائية 

نظراُ للإنتقادات التي صاغها الفقهاء لرقابة السياسية والتي أيضا أثبتها الواقع العملي ، إتجه الفقه الدستوري إلى الرقابة القضائية كملاذ لضمان دستورية القوانين من خلال ما تتصف به هذه من حيدة وإستقلالية ، وعدم تأثر أعضائها بالأهواء السياسية وأيضا نظرا لتكوين القانوني الذي يؤهلهم لممارسة هذه الرقابة بأكمل وجه .

والرقابة القضائية يقصد بها ، أن يتولى القضاء فحص دستورية القوانين الصادرة عن البرلمان لتحقق من مدى مطابقتها أو لمخالفتها لقواعد الدستور ، ولذلك فإن الفرق بين الرقابة السياسية والقضائية ، هي أن الأولى رقابة قبلية أي قبل أن يصدر القانون ، أما الثانية فهي تفرض صدور ذلك القانون الغير دستوري ، وبالتالي فإن الرقابة القضائية تعطي القاضي الحق في التحقق من تطابق القانون مع الدستور وأيضا لكي يفعل مبدأ فصل السلط أي مدى إلتزام البرلمان لإختصاصاته ، وتعد فرنسا المثال البارز للرقابة السياسية وفي المقابل تعد الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى مهد لنشأة النظام القضائي لهذه الرقابة على دستورية القوانين .

ومن خلال تعرضي لهذه الرقابة وتبيانها ، سأتطرق في الفقرة الأولى لصور هذه الرقابة ، والجهات التي تملك حق الطعن لعدم دستورية القوانين ، وفي الفقرة الثانية الفروق الجوهرية بين صور هذه الرقابة.

الفقرة الأولى : صور الرقابة القضائية والجهات التي تملك حق الطعن

يصنف الفقه الدستوري هذه الصور في صورتين ، إلا أن هناك صورة ثالثة تجمع بين صورتين :

أولا : الرقابة عن طريق الدعوى الأصلية

ففي هذه الطريقة تكون الرقابة مركزية ، فيعهد بالرقابة لجهة قضائية واحدة ، فيعهد بالرقابة لجهة قضائية واحدة يكون الحق للمواطن رفع الدعوى الأصلية مباشرة أمام المحاكم الدستورية العليا ، أو المحكمة العليا ، ففي هذه الحالة يقوم صاحب الشأن بمهاجمة القانون الذي يدعي بعدم دستوريته طالبا إلغائه لمخالفة نصوص الدستور ، وهكذا فإن هذه الطريقة هجومية وليست دفاعية ، بمعنى أن صاحب الشأن لحين تطبيق ذلك القانون ، بل يبادر بالطعن فيه ، كما أن الحكم يتميز بأنه حاسم لمسألة دستورية القوانين بصفة نهائية ، وبالتالي لايثار مرة أخرى ، ويجب أن ينص صراحة على هذه الرقابة المركزية صراحة في الدستور ، ومن أمثلة دساتير الدول التي أخذت بهذه الرقابة : دستور سويسرا وإيطاليا وإسبانيا 1931.

تتميز هذه الصورة التي تكون فيها الرقابة مركزية ، بأنها لاتثير ماتثيره الرقابة اللامركزية من إشاعة القلق وعدم الإستقرار في المعاملات والمراكز القانونية ، وذلك من خلال تضارب القوانين .

وأيضا فإن التنصيص على المحكمة في الدساتير من شأنه أن يرفع ذلك الشبه الذي يثار عادة  على أن المحاكم العادية تتعرض لأعمال السلطة التشريعية ، لأنها تحدث خارج نطاق السلم القضائي أي إحداث المحاكم العادية .

وإعطاء حق الطعن في هذه الصورة لكل ذي مصلحة في هذا الطعن ، سواء من هيئات عامة أو أفراد وهو ما أخذت به بعض الدول ، دستور سويسرا وأيضا أمريكا ، أخذت بحق الطعن لكن في صورة أخرى وهناك أيضا تحديد حصري لهيئات يحق لها الطعن ومنصوص عليها في بعض الدساتير مثل الدستور السوري حيث نص بإقتصار حق الطعن لرئيس الجمهورية و ربع أعضاء مجلس النواب ، وربع أعضاء اللجنة الدائمة في الدستور 1950 ، اما الدستور الحالي السوري لسنة 1973 فقد قصر حق الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا ، على رئيس الجمهورية ، وربع أعضاء مجلس الشعب .

ثانيا : الرقابة عن طريق الدفع  

في هذه الصورة لاترفع الدعوى من أجل إلغاء قانون لعدم دستوريته ، و إنما يثار ذلك بطريقة فرعية حيث في هذه الطريقة يفترض وجود قانون أمام محكمة جنائية أو مدنية إو إدارية معين مطلوب ، فيقوم شخص برفض تطبيقه لعدم دستورية ذلك القانون ، وإذا ما تأكد القاضي بعدم دستوريته فإنه لايقوم بإلغاء ذلك القانون ، وإنما يتمتنع عن تطبيقه في القضية المطروحة ولذلك يبقى القانون قائما وموجوداُ ، بل أكثر من ذلك يمكن لمحكمة أخرى ان تطبق ذلك القانون إذا لم يدفع بعدم دستويته ، و طريقة الدفع هذه هي طريقة دفاعية تستهدف فقط إستبعاد تطبيق القانون في قضية ما ، ولاتستهدف إلغائه وهذه الطريقة لا تستدعي أن تكون هناك محكمة مختصة ، بل من جوهر هذه الصورة أن القاضي يرجح كفة الدستور بإعتباره التشريع الأعلى عند تعارضه مع القانون ، وقد أخذت المحاكم الأمريكية بهذه الطريقة رغم عدم نص الدستور الأمريكي عليها .

ويمكن أيضا الجمع بين طريقتي الإلغاء والإمتناع ، ومن الدساتير التي تبنت هذا الجمع هي دستور مصر بحيث أنه يمكن أثناء نظر الدعوى القضائية يراد فيها تطبيق قانون معين أن يدفع أحد أفراد الدعوى بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه في هذه الدعوى امام المحاكم العادية ، فتقبل الدعوى إلا أنها ترفض البث فيها إلى أن يبث من طرف المحكمة العليا

الفقرة الثانية : الفروق الجوهرية بين هذه الصور

يمكن إجمال أهم هذه الفروق بين الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق دعوى الإلغاء  والرقابة عن طريق الدفع ، بالنواحي التالية :

-         في طريقة الإلغاء تختص محكمة واحد في الرقابة ، سواء كانت محكمة عليا ، أم كانت محكمة دستورية أنشئت خصيصا للقيام بهذه المهمة ، أما في طريقة الدفع فإن جميع المحاكم على إختلاف أنواعها ودرجاتها ، تختص في الرقابة ؛

-         إن طريقة الإلغاء تفرض وجود نص صريح يجيز ممارسة الرقابة ويحدد الهيئة المختصة والمدة التي يجب مراجعة محكمة لها ، أما طريقة الدفع فلا تحتاج لمثل هذا النص الدستوري الصريح ، وممارستها لاتتقيد بمدة معينة ، بل يمكن أن يثار الدفع في كل مرة ؛

-         رقابة الإلغاء هي وسيلة هجومية يتقدم بها صاحب الشأن مباشرة أمام محكمة مختصة طالبا إلغاء هذا القانون بصفة نهائية ، في حين أن دعوى الدفع يلجأ إليها صاحب الشأن عندما تعرض دعواه أمام القضاء الذي يراد تطبيق ذلك القانون المخالف للدستور ؛

-         في دعوى الإلغاء تكون الدعوى موضوعية  لا شخصية ، بمعنى أن الطاعن لايختصم خصما معينا ، إنما قانونا ينطبق على الجميع ، في حين أن دعوى الإمتناع لا يتمتع سوى بحجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع المراد تطبيق ذلك القانون عليهم ، بل لا يلزم المحكمة ذاتها بحيث يمكنها أن تصدر في دعوى لاحقة ذلك القانون والعدول عن رأيها الأول؛

-         إن ممارسة الرقابة عن الدعوى الأصلية ومايترتب عليها من إلغاء القانون المخالف للدستور وإعتباره كأن لم يكن سواء بأثر رجعي أو مباشر قد يثير حساسية المشرع تجاه القضاء بحجة أنه يعرقل تطورات التي تريد سلطة التشريع إحداثها عن طريق القوانين بما يواكب متطلبات العصر في حين نجد أن ممارسة هذه الرقابة عن طريق الدفع بعدم الدستورية ، لا يثير حساسية سلطة التشريع ولا تؤدي إلى حدوث تصادم بينها وبين المحاكم القضائية لأن هذه الأخيرة لاتدخل في عمل السلطة التشريعية ولاتقوم بإلغاء القانون المخالف للدستور ، بل إنها تمتنع عن تطبيقه فقط .

[1]   تنص الفقرة الثالثة من المادة 81 : للملك أو الوزير الأول أو رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو ربع أعضاء مجلس النواب أو أعضاء مجلس المستشارين أن يحيلوا القوانين قبل إصدار الأمر بتنفيذها إلى المجلس الدستوري ليبت في مطابقتها للدستور .

مواضيغ ذات صلة:

تنزيل مبادئ الدستور من خلال القوانين التنظيمية

إختصاصات الملك في ظل دستوري 1996 و2011

 السلطة التنفيذية للحكومة 


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات