القائمة الرئيسية

الصفحات

السلطة التنفيذية للحكومة

السلطة التنفيذية للحكومة

السلطة التنفيذية للحكومة
السلطة التنفيذية للحكومة

مقدمة
تحتاج ترجمة السياسات العامة على أرض الواقع ،إلى إشراف الحكومة على تنفيذها والسهر على تحقيق الأهداف المرسومة ، ويعتبر التنفيذ عملية معقدة تنطوي على تفاصيل متعددة، يحتاج إلى توفر مجموعة من الوسائل والإمكانيات ، وعلى كفاءة و قدرة النخبة الوزارية ،كما ترتبط عملية التنفيذ بمدى استقلالية الجهاز المشرف عنها ، و بمدى مسؤوليته أمام البرلمان و الرأي العام.
يمكن القول بأن  السلطة التنفيذية تحيل على ذلك الجزء المهم من الحكومة المسؤول عن تنفيذ السياسات والقواعد التي تسنها السلطة التشريعية، أي أن السلطة التنفيذية هيئة تختص بتنفيذ القوانين، وبالنهود بعبء الوظيفتين الإدارية والسياسية في الدولة، تمارس من جانب عدد هائل من الموظفين، يملك كل منهم اختصاصات معينة يمنحه إياها القانون، ويمتنع عليه التنازل عنها، أو تجاوزها[1].
وانطلاقا من خصوصية النظام السياسي المغربي ، الذي ارتقى بمؤسسة الحكومة إلى سلطة تنفيذية ، بحيث لم تعد الحكومة في وضعية تبعية مطلقة للمؤسسة الملكية ، بل أضحت سلطة تنفيذية مستقلة تخضع لرئيس الحكومة ،و تتجلى استقلالية عن المؤسسة الملكية من خلال تقوية سلطتها و ترسيخ مبادئ المنهجية الديمقراطية في مجال تعيينها وتنصيبها، و تقوية اختصاصاتها في مجال تدبير الشأن العام، خاصة مع دسترة مجلس الحكومة ، وتخويل رئيسها السلطة التنظيمية.
لقد شكل تحول مؤسسة الحكومة في ظل الدستور الجديد من جهاز تنفيذي إلى سلطة تنفيذية مستقلة ،أهم ما جاء به دستور 2011 ، في مجال تحول النظام السياسي المغربي نحو الملكية البرلمانية ، حيث أصبح الفصل واضحا بين مؤسستين طالما شكلتا رأسين للجهاز التنفيذي بالمغرب، هما المؤسسة الملكية و مؤسسة الوزير الأول ، ففي ظل ذلك الوضع كان يتعذر على الباحثين في هذا المجال معرفة الجهة التي تسير الشأن العام ، وتتحكم في جهاز الحكومة الذي لم يكن يعترف له من قبل دستور 2011 ، بمكانة السلطة التنفيذية ، بل كانت مهمته فقط هي تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول و تنفيذ البرنامج الذي تتم صياغته في المجلس الوزاري برئاسة الملك.


يقتضي تحديد السلطة التنفيذية للحكومة استحضار النصوص القانونية المنظمة لها، سواء تعلق الأمر بمفهومها، تعيينها، تنصيبها، صلاحياتها، ووسائل ممارستها لاختصاصاتها، ثم معرفة مدى مطابقتها أو اختلافها مع بعض التجارب الأخرى. كما يقتضي تحديد الاختصاصات التنفيذية للحكومة، إبراز ما مدى فعاليتها في أداء وظائفها، والصعوبات التي تعيقها وتحد من فعاليتها في سبيل تحقيق تنمية سياسية، اقتصادية، اجتماعية في إطار من التضامن والانسجام والاستقلال والكفاءة والعقلانية والترشيد والقدرة على التنظيم.
لذا ارتأينا معالجة الموضوع من خلال مبحثين:
- الاول : الحكومة في الدساتير المغربية والمقارنة  
- الثاني : السلطة التنفيذية للحكومة والإشكاليات الواقعية التي تحد من فعاليتها

المبحث الأول: السلطة التنفيذية للحكومة


تختلف هيكلية السلطة التنفيذية وشروط شغل مناصب ادارات السلطة التنفيذية، فبعضها يأخذ بنظام ثنائية السلطة التنفيذية، بأن يوجد رئيس للدولة إلى جانب رئيس للوزراء. ومنها ما يوحد جهاز السلطة التنفيذية تحت قيادة رئيس الدولة، ومن الانظمة ما يعطي رئيس الدولة إختصاصات شرفية ويعفيه من المسؤولية، كما في بعض النظم الملكية[2].

المطلب الأول: الحكومة في النظام السياسي المغربي

تعتبر الحكومة الجهاز الاساسي في ممارسة السلطة التنفيذية، إلا أن هذه الممارسة لابد لها من آليات لتنظيمها وضبط اختصاصاتها.وهذا ما سنتطرق إليه من خلال الإطار القانوني للسلطة التنفيذية في المغرب و في بعض الدساتير المقارنة.

الفرع الأول: جهاز الحكومة قبل دستور 2011

تعتبر الحكومة في النظام السياسي المغربي جهازا معينا للملك على تنفيذ السياسات العامة، وباعتبارها جهازا يملك السلطة التنظيمية، ويحيك معظم القوانين، وينفلت من الرقابة السياسية الفعلية للبرلمان من جهة، في حين يراعي المراقبة الملكية، حيث الملك هو رئيس السلطة التنفيذية، يملك سلطة تنظيمية مهمة، فكأن الحكومة جزء من السلطة التنفيذية وهي مسؤولة أمام رئيسها، بل إنها حكومة جلالة الملك..
يعتبر دستور 1992، دستور مؤسسة الحكومة بامتياز، فقد قوى من مركز الحكومة برئاسة الوزير الأول بشكل متميز وملحوظ، وذلك رغم أنه لم يصل بها إلى المكانة التي تجعلها   هي المهيمنة على الجهاز التنفيذي، الا أنه أعطى الوزير الأول الحق الدستوري   لاقتراح الفريق الحكومي الذي سيعمل بجانبه، وهي إضافة جوهرية. كما أنه ولأول مرة يتم الحديث عن مؤسسة الحكومة كوحدة دستورية، حيث تم تغيير "الوزراء" بـ "أعضاء الحكومة"، بما في ذلك من دلالات وحمولات سياسية. تجعل من الوزير الأول قائدا لمؤسسة الحكومة التي  تتكون من أعضاء متضامنين، وليس وزراء متفرقين.
لقد أصبحت الحكومة برئاسة الوزير الأول مسؤولة بحق أمام الملك وأمام مجلس النواب الذي أضحى يساهم في تنصيب الحكومة، وذلك بالتصويت على البرنامج الحكومي أمام مجلس النواب، ليس على سبيل الحوار والاستئناس فقط، وإنما أصبح يتلوه نقاش ثم حكم بات عليه بالرفض أو القبول.[3] 
لقد كرس دستور 1996، نفس المقتضيات الدستورية المتعلقة بالحكومة، اذ يتمتع الملك – حسب منطوق الفصل 24 من الدستور – بحرية مطلقة في اختيار الشخص الذي يراه مناسبا لتولي منصب الوزارة الأولى، وذلك على غرار النموذج الفرنسي، حيث لا يلزم النص الدستوري رئيس الدولة بتعيين الوزيـر الأول من الحزب الحائز على الأغلبية داخل البرلمان، ولا يحدد أي مواصفات تجب مراعاتها في اختياره، كما ينص على ذلك الفصل الثامن من دستور 4 أكتوبر 1958 الفرنسي في فقرته الأولى التي تقرر ما يلي: "رئيس الدولة يعين الوزير الأول".إن ما يزيد من إطلاقية النص الدستوري بالمغرب، هو المشهد الحزبي الذي لا يشكل أي تأثير على حرية الملك اللامحدودة في اختيار شخص الوزير الأول كما يشاء. وقد  ترسخت في الممارسة السياسية المغربية ذات التقاليد والأعراف المتميزة مسألة الحياد الحزبي للوزير الأول، وذلك حتى بعد التعديل الدستوري لسنة   1992
فرغم تغيير صيغة الفصل 24 من دستور 1972، الذي كان ينص على أن الملك يعين الوزير الأول والوزراء ويعفيهم من مهامهم ويقيلهم إن استقالوا، والذي يعتبر هو نفسه في الدساتير السابقة بصيغة جديدة هكذا: "يعين الملك الوزير الأول ويعين باقي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول. وله أن يعفيهم من مهامهم.ويعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها. 
وهي نفسها الصيغة التي بقيت في دستور 1996. وبذلك ظل اختيار الوزير الأول خارج أي اعتبار أو مقياس سياسي حزبي. وقد أكد أحد الباحثين أنه ليس شرطا أن يكون من حزب الأغلبية، وليس شرطا أن يكون من حزب الأقلية، ويكفي أن يتفق مع حزب أو أحزاب الأغلبية، أو أن يضعها أمام الأمر الواقع فيأتلف – أو تأتلف معه. ولا تعوزه بعد ذلك سوى التزكية البرلمانية.[4]
و مع ما عرفته الحكومة من تدعيم لمكانتها في دستور 1992 و1996 ، فانها بقيت محدودة السلطات كجهاز تنفيذي ، ولم تتمكن من التحكم في السياسة العامة للدولة ، التي ظلت من اختصاصات الملك، الى حدود التعديل الدستوري الجوهري لمكانة الحكومة مع دستور 2011.

الفرع الثاني : الحكومة في دستور  2011

أصبحت الحكومة بفضل دستور 2011، تتمتع باسقلالية كبيرة عن المؤسسة الملكية، حيث أضحت حكومة سياسية منتخبة جراء انبثاقها عن الاغلبية البرلمانية من جهة،من جهة أخرى لا يمكنها ممارسة مهامها الا بعد حصولها على ثقة الاغلبية المطلقة لمجلس النواب.

الفقرة الاولى: تشكيل الحكومة

بالرجوع الى المقتضيات الدستورية الجديدة يمكن التمييز بين:

أولا: تعيين أعضاء  الحكومة

ألزم الدستور الجديد في فصله السابع والاربعين الملك بتعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها.أي أن رئيس الحكومة يستمد مشروعيته من الاغلبية البرلمانية التي تجسد الارادة الشعبية.كما أنه يعين باقي الوزراء بناء على اقتراح رئيس الحكومة.أما ما يتعلق باعفائهم فهو حق مخول للملك ولرئيس الحكومة على حد سواء.5
واذا كان البعض يرى أن الحكومة مازالت تابعة للمؤسسة الملكية ،الا أنه يجب الاعتراف بأن الملك مقيد في تعيين الوزراء باقتراح رئيس الحكومة،لان سلطة الاقتراح لها بعد كبير "فالذي يقرر في النهاية لا يملك الا القبول أوالرفض، لكن لا يمكنه اتخاذ المبادرة" [5] و بالتالي يعتبر التعيين الملكي تزكية لاقتراح رئيس الحكومة ، أما ما يتعلق باعفائهم فيتطلب اتباع نفس المسطرة الدستورية ، اذ يعين الملك بناء على اقتراح رئيس الحكومة.

ثانيا: التنصيب البرلماني للحكومة

بالرجوع لمقتضيات الفصل 88 الذي ينص على"تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب ، المعبر عنها بتصويت الاغلبية المطلقة للاعضاء الذين يتألف منهم،لصالح البرنامج الحكومي" وهو ما يحيل على أن ممارسة الحكومة لمهامها، رهينة بتقديم البرنامج الحكومي أمام مجلسي البرلمان مجتمعين،وحصولها على ثقة الاغلبية المطلقة  الذين يتألف منهم مجلس النواب[199 عضو].
هذا الفصل الدستوري يجعل من تعيين الملك لرئيس الحكومة وأعضائها ،مجرد اجراء أولي ، يحتاج لضرورة اتمامه باجراء تنصيب البرلمان للحكومة[6].اذ لاول مرة في التاريخ الدستوري المغربي ،يستعمل مصطلح "التنصيب" بشكل صريح ، وهو بذلك يختلف عن التعيين الذي يكون بشكل رسمي بالقصر الملكي، فالتنصيب لا يكون من طرف الملك، انما هو اختصاص حصري وأصيل  لمجلس النواب ،اذ يمكن للحكومة أن تباشر عملها في حال التصويت لفائدة البرنامج الحكومي،والا فان عدم حصولها على هذة الثقة يؤدي الى استقالتها جماعيا.في هذه الحالة يكلف رئيس الحكومة بتشكيل حكومة جديدة ،وصياغة برنامج حكومي جديد .[7]
ان التنصيب البرلماني للحكومة يترجم بشكل واضح مبدأ المسؤولية والمحاسبة –الدستوري- كما يعبر عن انبثاق حكومة عن الارادة الشعبية.وبذلك أصبحت الحكومة مسؤولة حصريا أمام مجلس النواب،بخلاف الدساتير السابقة التي كانت تنص على "الحكومة مسؤولة أمام الملك و أمام البرلمان"و يبدو أن المغرب في هذه النقطة أكثر تقدما من فرنسا التي تكون الحكومة منصبة قانونا وقت تعيينها من طرف رئيس الجمهورية.
أخيرا يمكننا القول بأن التنصيب البرلماني يدل على ان المغرب يتجه نحو ترسيخ ملكية برلمانية.

الفقرة الثانية: واقع التعيين الملكي والتنصيب البرلماني للحكومة الحالية

أفرزت انتخابات 25 نونبر 2011 عن فوز حزب العدالة والتنمية،مما جعل الملك يكلف أمينه العام بتشكيل الحكومة،التي عينت بتاريخ 3 يناير 2012، في ظل نقاش سياسي حول مدى احترام المنهجية الديموقراطية في التعيين وجدل فقهي حول التنصيب البرلماني.

أولا :احترام المنهجية الديموقراطية في تعيين الحكومة

برز تفعيل الوثيقة الدستورية من خلال تعيين الملك للامين  العام لحزب العدالة والتنمية[ الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية ل25 نونبر 2011 بحصوله على 107 مقاعد ] حيث شكل احترام  الشرعية الدستورية والمنهجية الديموقراطية في  تعيين رئيس الحكومة، قطيعة مع التعيينات السابقة التي كانت تخضع للارادة الملكية المطلقة ،فنتائج الانتخابات التشريعية هي التي أفرزت رئيس حكومة، منبثق عن الارادة الشعبية،مما يخوله ممارسة سلطة تنفيذية قوية ومستقلة.
من المسائل الايجابية التي واكبت تشكيل الحكومة الجديدة ، اعتماد رئيسها لبعض معايير تقلد المناصب الوزارية كالتجديد والتشبيب، بالاضافة الى تبني حزب العدالة والتنمية لمسطرة اختيار مرشحيه وفق مرحلتين: مرحلة الاقتراح ثم مرحلة الاختيار. [8] كما أنه لاول مرة حظيت وزارتي الداخلية والخارجية والتعاون بتعيين شخصيات حزبية، بعد ما كانت مدة طويلة حكرا على التقنوقراط .في المقابل وجهت لها انتقادات ،بضمها لست وزراء تقنوقراط وهو ما ما يتنافى مع روح الدستور الذي يقتضي اضفاء الطابع السياسي على تشكيل الحكومة.وكذلك ضعف التمثيلية النسائية، بحيث ضمت وزيرة واحدة، وهو ما يتنافى مع مبدأ المناصفة الذي أقره الدستور.

ثانيا : الجدل الفقهي والسياسي للتنصيب البرلماني

شهدت الساحة السياسية الوطنية نقاشا واسعا حول دستورية تسلم السلط من قبل وزراء الحكومة المعينة، وحول مدى دستورية انعقاد المجلس الحكومي.فهناك من اعتبر أن  "فلا يمكن أن نفهم من مصطلح التنصيب الا ما يعنيه بالضبط كمفهوم دستوري واضح يستحيل معه تصور ممارسة الحكومة لصلاحياتها الدستورية قبل تحققه" [9] . وهناك ما يرى بأن الحكومة المعينة من طرف المؤسسة الملكية ، والتي لم تحظى بعد بالتنصيب البرلماني، تكون في حكم "حكومة تصريف الاعمال" مع ما يستتبع ذلك من جواز اجراء تسليم السلط بين أعضائها وبين أفراد الحكومة المنتهية مهامها، كما يحق لها أن تعقد مجلسا حكوميا لمناقشة التصريح الحكومي، ولا مؤاخذة عليها في ذلك ما لم تخصص أشغال المجلس لاتخاذ قرارات استراتيجية قبل تنصيبها من طرف مجلس النواب.[10]
في خضم هذا النقاش أصدر المجلس الدستوري قراره رقم12-825 ،[11] الذي حسم الاشكال باقراره لدستورية انعقاد المجلس الحكومي و استلام الوزراء لسلطهم من أعضاء الحكومة المنتهية مهامها, اذ أكد على أن التشكيل الحكومي يتحقق و يستمد وجوده الدستوري بالتعيين الملكي .

المطلب الثاني:الحكومة في الدساتير المقارنة

في فرنسا، استنادا الى دستور 1958  يتمتع رئيس الجمهورية من حيث المبدأ بسلطة واسعة في مجال اختيار الوزير الأول، شريطة أن يأخذ بعين الاعتبار مسؤولية هذا الأخير وحكومته أمام البرلمان (الفصلين 20 و 49) وهو ما يعني أن رقابة نواب الأمة في مجال اختيار الوزير الأول هي رقابة بعدية وليست قبلية فالرئيس هو الذي يتخذ المبادرة. 
أما   في بريطانيا- حيث نظام الأغلبية البرلمانية، نتيجة ثنائية حزبية واضحة مرتكزة على اقتراع أغلبي في دورة واحدة،  تتمتع الحكومة بأغلبية ثابتة ومتجانسة داخل البرلمان، وتدوم عادة مدة الفترة التشريعية كاملة ،يختار الملك  رئيس الوزراء (الوزير الأول)، غير أن هذا الاختيار أصبح شكيا فقط منذ ظهور الأحزاب السياسية بفعل تنظيمها الصارم تحت سلطة زعيم واحد، فقد غدا اختيار رئيس الوزراء الذي يوجد على رأس جهاز الحكومة من الحزب الذي يحصل على الأغلبية في البرلمان أمرا إلزاميا، لأنه زعيم الحزب الحاصل على الأغلبية.[12]
أما  دستور 27 دجنبر 1978 الاسباني، ينص على أن  رئيس الحكومة الإسبانية يقترح من طرف الملك على البرلمان بعد استشارة التنظيمات السياسية الحائزة على الأغلبية في الانتخابات والمقبولة من طرف المحيط الأوروبي، وبالتالي فالملك يراعي الأغلبية التي اختارتها إرادة الشعب الإسباني، فهو يستقبل بداية جميع ممثلي الأحزاب الممثلة في الكورتيس العام، فيختار الوزير الأول الذي يتوجه، كرئيس مقترح للحكومة – للبرلمان قصد الحصول على تنصيبه له، ثم يقدم لائحة أعضاء الحكومة التي تم تعيينها وتصدر مراسيم التعيين من طرف الملك.[13] 

المبحث الثاني الاختصاص التنفيذي للحكومة والإشكاليات الواقعية


حول الدستور الجديد الحكومة من مجرد جهاز تنفيذي إلى سلطة تنفيذية، الأمر الذي يستدعي التمييز بين مؤسستين كانتا متداخلتين من حيت الاختصاصات على مر الدساتير المغربية، ويتعلق الأمر بالمؤسسة الملكية و مؤسسة الحكومة. لذا نوضح هذه الاختصاصات الجديدة، وكيفية تشكيل أغلبية حكومية منسجمة وما مدى استقلالها في ممارستها لاختصاصاتها.

المطلب الأول: السلطة التنفيذية للحكومة

تعتبر الحكومة الممارس الفعلي للسلطة التنفيذية، وتشمل رئيس الحكومة والوزراء ومساعديهم لكونهم الاداة والمحرك الرئيسي لاجهزة الدولة، بالاعتماد على مجموعة من الوسائل القانونية والمادية.

الفقرة الأولى: الاختصاص التنفيذي للحكومة

تعمل الحكومة، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين، والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية.

أولا: تنفيذ القوانين والإشراف على المؤسسات

تتولى الحكومة باعتبارها هيئة إدارية عليا، تنفيذ النصوص التشريعية الجاهزة، والمصادق عليها من طرف البرلمان،[14] وذلك عن طريق إصدار مراسيم وقرارات تنفيذية ذلك أن النص القانوني مهما كان مفصلا، يبقى في حاجة إلى مقتضيات الحكومة التطبيقية. وتنفيذ القوانين يعني أن السلطة التنفيذية مكلفة بتنفيذ كل ما تقضي به قواعد النظام القانوني في مستوياتها المختلفة ،التي تندرج صعودا من الأحكام القضائية والقرارات الفردية إلى القرارات العامة واللوائح والأنظمة التي تصدرها السلطة التنفيذية،ومرورا بالقوانين العادية والأساسية التي تصدرها السلطة التشريعية وصولا إلى قواعد الدستور في قمة هرم النظام القانوني[15].
كما تتولى الحكومة الإشراف و الوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية، مما يخول لها التدقيق والتوجيه بما يتلائم مع توجهات الوزارة و القطاع الحكومي التابعة له . وبهذا يشرف الوزير المعني على رئاسة مجالس المؤسسات العمومية أو ينوب عن رئيس الحكومة في القيام بهذه المهمة، أي أن الوزير المعني يمارس رقابة على جميع مستويات القطاع الذي ينتمي إليه[16]

ثانيا: تنفيذ البرامج والسياسات العمومية

تعمل الحكومة على تنفيذ البرنامج الحكومي ، وهو من حيث مضمونه يشير إلى أهم الخطوط الرئيسية التي تنوي الحكومة العمل على تنفيذها وانجازها[17] خاصة في مجالات السياسة الاقتصادية ،الاجتماعية، البيئية، الثقافية  والخارجية. إذ يمكن اعتباره خارطة طريق توجه العمل الحكومي طيلة فترة مدة عمل الحكومة ، و ترجمة لبرامج الأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي ، وهو ما يشكل آلية و وسيلة مهمة في عملية صنع القرار[18].

الفقرة الثانية: وسائل ممارسة السلطة التنفيذية

يمكن إبراز أهم  الوسائل التي تمارس بها الحكومة سلطتها التنفيذية ، من خلال البرنامج الحكومي،المجلس الحكومي ،السلطة التنظيمية للوزراء.

أولا: المجلس الحكومي

لأول مرة في التاريخ السياسي المغربي يعمد المشرع الدستوري إلى الرفع من مكانة مجلس الحكومة، بجعله مؤسسة دستورية يتداول في مسائل مهمة تتعلق بالسياسة العامة للدولة، خاصة في المجال القانوني والمالي،وكذا مجال حقوق الإنسان والمعاهدات والاتفاقيات الدولية بعد أن كان مجرد عرف دستوري لا يتجاوز نطاق الممارسة السياسية للحكومة ويتداول في مسائل عادية.15 ورغم أن الفصل 92 جعل عرض السياسة العامة على المجلس الوزاري أمرا ضروريا بعد مناقشتها في مجلس الحكومة،فان تهيئيها فيه يبقى أمرا مهما،لكونه يتيح لأعضاء الحكومة مناقشة مختلف البرامج التي يعدونها لتسيير القطاعات المكلفين بها.
كما يعتبر المجلس الحكومي أداة أساسية للعمل الحكومي ومركز للتنسيق بين السياسات القطاعية لمختلف الوزراء، باعتباره مكان للإعلام والإطلاع على الشؤون العامة للدولة وتكمن أهمية هذا المجلس في الدور الحاسم الذي يلعبه في القرارات التي تتخذها الحكومة خصوصا تلك التي لا تتطلب المرور إلى المجلس الوزاري سواء  تعلق الأمر بتحضيرها حيث تكون هذه المرحلة بمثابة جلسات عمل تمهيدية لاتخاذ قرارات أو لتنفيذها[19].
أما فيما يخص جدول الاعمال المجالس الحكومية  فإنه يعود أمر تحديدها إلى الامين العام للحكومة، بحيث يتلقى من الوزراء العروض والمقررات التي سيعرضونها في المجلس، وسنقوم بناء على ذلك بصياغة جدول الاعمال تحت أنظار رئيس الحكومة الذي يحيطه علما بذلك، وبعد موافقة رئيس الحكومة عليه، يرسل إلى الوزراء قبل ثمان وأربعين ساعة من تاريخ انعقاد المجلس الحكومي، الذي يحدده رئيس الحكومة، كما تقوم الامانة العامة للحكومة بإعداد محاضر جلسات المجالس الحكومية، ويتم إبلاغها وإرسالها إلى الوزارات[20].

ثانيا:البرنامج الحكومي

ان البرنامج الحكومي ،يشير الى الخطوط الرئيسية التي تنوي الحكومة العمل على تنفيذها و انجازها ،أي أنه ذلك الاطار الشكلي الذي تفرغ فيه التوجهات العامة للسياسة الحكومية في مختلف مجالات النشاط الوطني.
وقد أثبت واقع الممارسة السياسية في المغرب إلى عهد قريب ، أن تحديد التوجهات الرئيسية و الأساسية للسياسة للبرامج الحكومية[21] لم يكن نصيب الوزير الأول ولا الحكومة، بل كان من صميم الاختصاص الملكي، باعتباره المؤطر الفعلي للبرامج الحكومية ، لكن مشروع البرنامج الذي أعدته الحكومة المشكلة بعد دستور 2011 ،لم يمر بالمجلس الوزاري ، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ التجربة الدستورية والسياسية المغربية ، مما يدل على أن الحكومة شبه مستقلة عن المؤسسة الملكية في تدبير الشأن العمومي ، الأمر الذي سيؤسس لمرحلة جديدة تتحمل فيها الحكومة لوحدها مسؤولية وإعداد وتنفيذ البرنامج الحكومي[22]

ثالتا:السلطة التنظيمية للوزراء

قد عهد الدستور الجديد إلى الوزراء مسؤولية تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي ، وهو ما يعني تخويلهم ممارسة العديد من الصلاحيات لتدبير وتسيير الشؤون الخاصة بالمصالح الوزارية ويدخل في ذلك:[23]
- ممارسة جميع المهام والوظائف التي يترتب عنها في هذا المجال حق تعيين الموظفين ونقلهم وتأديبهم و ترقيتهم وعزلهم ، وتحديد اختصاصات كل منهم وتوزيعهم على فروع  و مصالح وإدارات الوزارات في العمالات والأقاليم .
- سلطة التنظيم  في المصالح الوزارية .
- سلطة التسيير: اذ يعتبر الوزير مسؤولا عن تدبير مختلف الشؤون والقضايا المتعلقة بالقطاع الذي يشرف عليه.
- سلطة التعيين:اذ يعود أمر تعيين الموظفين العاملين بالمرفق الوزاري إلى الوزير المشرف على هذا المرفق، ويستمد هده السلطة من تفويض ملكي.
- سلطة التقرير:يتمتع الوزير أيضا بصلاحية إصدار القرارات والتعليمات لمرؤوسيه، باعتباره رئيس المرفق الوزاري.
- سلطة الرقابة: بالإضافة إلى الصلاحيات السابقة يتمتع الوزير بسلطة الرقابة على الموظفين التابعين له، حيث يقوم بتكليفهم بمهام معينة وترقيتهم.                  
- التوقيع والتصديق على الصفقات الحكومية و تسيير الأملاك التابعة للوزارة.
- تمثيل الدولة أمام القضاء.
ويمارس الوزراء اختصاصاتهم بمختلف الوسائل، منها ما جاء في الدستور كالتوقيع بالعطف على المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة، في حين أن معظم الاختصاصات مستمدة من القوانين واللوائح والقواعد العامة.ويقوم الوزراء بأداء المهام المسندة اليهم من قبل رئيس الحكومة ، ويطلعون مجلس الحكومة على ذلك، مكا يمكنوا لهم أن يفوضوا جزء من اختصاصاتهم الى كتاب الدولة.
وللإشراف ومتابعة السياسات العامة، تمتلك الحكومة اختصاصات مهمة ، تتجلى أساسا في الصلاحيات الإدارية التي يمارسها رئيس الحكومة والوزراء، بالإضافة إلى أن الوزراء يمارسون صلاحيات سياسية باعتبارهم أعضاء في الحكومة ، فإنهم يمارسون مجموعة من السلط الإدارية باعتبارهم رؤساء لمرافق وزارية، ويستعينون في ذلك بمختلف الأجهزة التابعة لكل وزارة، تضمن للحكومة متابعة تنفيذ سياساتها.خاصة على العمال والولاة ، الذين يعملون باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها،وتنسيق أنشطة المصالح اللامركزية تحت سلطة الوزراء.
وفي إطار إشرافهم على تنفيذ السياسة الحكومية، يستعين الوزراء بمجموعة من الأجهزة المساعدة لإعانتهم في التسيير والتدبير، وتتوزع بين تلك التي لها طابع سياسي (الديوان الوزاري) وتلك التي لها طابع إداري ( المديرون والكتاب العامون)، ففيما يخص الديوان الوزاري يتولى إدارة مختلف ملفات الوزير المتعلقة بالقضايا ذات الصبغة السياسية، كما يساهم في رسم استراتيجية سياسة الوزارة والمساعدة على وضعها موضع التنفيذ[24]، أما المديرون والكتاب العامون فيسهرون على تنفيذ وتدبير السياسات الوزارية كل في القطاع المكلف به بالإضافة إلى إشرافهم ودورهم الرقابي باعتبارهم رؤساء على الموظفين التابعين لهم.
وانطلاقا من مسؤولية الحكومة، فإنها تتوفر على إمكانات هائلة للممارسة اختصاصاتها، وتحقيق مسؤوليتها، ومن جملة هذه الوسائل:
- حقها في بعض المبادرات التشريعية وامتيازها على جميع الأفراد والأشخاص.
- اصدار القرارت الادارية الفردية أو التنظيمية والعقود و مختلف التدابير الداخلية.
-اصدار الاوامر والتعليمات والتوجيهات المصلحية و المذكرات  والمنشورات الملزمة للمرؤوسين.
- الإدارة التي توضع رهن إشارتها في جميع المجالات والمهام.
- المال والخبرة، إذ للحكومة أن تسخر الدولة وخبرتها لتحقيق الصالح العام.
- الإمكانات البشرية والطبيعية والتي تعتبر من أكبر الوسائل فعالية في إنجاز مشاريع الحكومة.
كما تجدر الاشارة الى تكريس الدستور للمسؤولية الجنائية لأعضاء الحكومة أمام محاكم المملكة عما يرتكبونه من جنايات وجنح، أثناء ممارستهم لمهامهم، وفق المسطرة المتعلقة بهذه المسؤولية المحددة قانونا.[الفصل 94].

المطلب الثاني:الإشكاليات الواقعية التي تحد من فعالية السلطة التنفيذية

إن الحديث عن السلطة التنفيذية للحكومة يقتضي إبراز العلاقة التي تربطها بالملك باعتباره مشارك فعلي في السلطة التنفيذية، وكذا كيفية تحقيق تجانس وتضامن فعلي بين مختلف أعضاء الحكومة من أجل تنفيذ إعداد البرنامج الحكومي وتنفيذ السياسات العامة.

الفقرة الأولى:علاقة الحكومة بالمؤسسة الملكية

إن دراسة العلاقة بين الملك والحكومة في النظام السياسي المغربي لا يمكن فصلها عن المكانة المتميزة التي يحتلها الملك في النسق السياسي المغربي نظرا للسلطات العديدة التي يتوفر عليها ،إذ تميزت الدساتير السابقة بإعطاء هيمنة واضحة للمؤسسة الملكية، وإفراز تبعية الحكومة للملك في تعيينها وإعفائها، وكذلك من خلال قيادة الملك للعمل الحكومي و السلطة التنفيذية عن طريق المجلس الوزاري .
في الواقع إن رئاسة الملك للمجلس الوزاري تسمح له بالتحكم في العمل الحكومي و قيادته لأنه أعلى هيئة تقريرية على مستوى السلطة التنفيذية والذي تتبلور فيه السياسة الحكومية وتتداول فيه جميع القرارات التي تهم السياسة العامة للدولة،[25] كما أن الهامش المتروك للحكومة محدود و ضيق ينحصر في صياغة وبلورة ما تمليه التعليمات الملكية[26]
وبناء عليه يمكن القول بأن صناعة السياسة العامة تميزت ب[27]:
- توجيه الملك لعملية صنع السياسة الحكومية ،إذ شكلت التوجيهات الملكية خلال مختلف مراحل الحياة السياسية ،المرجعية الأساسية للسياسة الحكومية.
- تحكم الملك في تحرير السياسات العامة إذ أن القرار النهائي يعود للملك وحده.
- استمرار ثقافة تقليدية مؤطرة للوظيفة الحكومية ،إذ إن الوظيفة الحكومية في المنظور الملكي ، لا تعني ممارسة السلطة،بل تتحدد في مساعدته على ممارسة الحكم من خلال التسيير والتنفيذ . إضافة أن هناك مجالات خاصة للملك ولتي لا تشارك فيها الحكومة، والتقرير في بعض السياسات خارج المؤسسات الرسمية كحقوق الإنسان، الأحوال الشخصية...
إلا أنه، بعد المراجعة الدستورية، أصبحت الحكومة تتمتع باستقلالية كبيرة وبتوسيع في ممارستها لصلاحياتها، اذ لم يعد المجلس الوزاري يمارس كل الصلاحيات التي كان يمارسها في ظل الدساتير السابقة ،بل احتفظ بالصلاحيات ذات الطابع الاستراتيجي، الامني و الدبلوماسي، في المقابل فان مجلس الحكومة يتداول في العديد من القضايا والنصوص المهمة .[الفصل92]
وتكريسا للمسؤولية الكاملة لرئيس الحكومة على أعضائها، فان الدستور خوله صلاحية اقتراح تعيينهم وإنهاء مهامهم، وقيادة و تنسيق العمل و الإشراف على الإدارة العمومية[28]، وإذ كان البعض يرى أن الحكومة مازالت تابعة للمؤسسة الملكية على مستوى التشكيل[29] مستندين في ذلك إلى حق الملك في تعيين أعضاء الحكومة وفي إعفائهم ، فان البعض الأخر ، يعتبر أن الملك مقيد باقتراح رئيس الحكومة ، لان سلطة الاقتراح لها بعد كبير.
يمكن القول اذن أن السلطة التنفيذية بالمغرب،على ضوء دستور 2011، متقاسمة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة.

الفقرة الثانية: الإشكاليات السياسية

تنص المادة لثالثة من القانون التنظيمي 065.13 ،التي تعتبر تطبيقا لأحكام الفصل 89 على أن الحكومة تمارس تحت سلطة رئيسها السلطة التنفيذية ،وفق مبادئ المسؤولية والتفويض والتنسيق و التتبع والمواكبة والتقييم والتضامن الحكومي والتكامل في المبادرة. وهي بذلك تؤكد على المبادئ التي ينبغي أن تحكم العلاقات فيما بين أعضاء الحكومة،التي تتكون من تحالف مجموعة من الأحزاب بحكم التعددية السياسية التي تميز النظام السياسي المغربي، ونتائج الانتخابات التي لا تمنح الأغلبية لحزب معين،ذلك أن نمط الاقتراع الائحي النسبي بطريقة أكبر بقية الذي يعتمده المغرب لا يؤدي الى حصول حزب معين على الاغلية المطلقة ،الشيء الذي يفرض على أعضاء الحكومة المنتمين لأحزاب مختلفة، ضرورة توحيد التصور والعمل من أجل إعداد وتنفيذ البرنامج الحكومي ،وتجاوز الخلافات الضيقة والحسابات الحزبية في سبيل تحقيق المصلحة العامة للوطن.
بالرجوع إلى الحكومات التي تعاقبت على المغرب منذ الاستقلال نلاحظ أن أغلبها ، كانت تقنوقراطية أو حكومات الملك التي تعمل وتنفذ التوجيهات الملكية في كل ما يتعلق بالسياسة العامة،لكن بدأت بوادر التغيير مع حكومة التناوب التي أسست لعهد جديد ، يربط التنمية السياسية والاقتصادية بمدى مساهمة الأحزاب في بلورة السياسة العامة.
لكن المقتضيات الدستورية الجديدة ،التي رسخت مكانة الحكومة كسلطة تنفيذية ،تفرض على أعضائها أن يكونوا على قدر كبير من المسؤولية والوعي وإيثار الصالح العام، خاصة مع دستور الحكامة والديمقراطية التشاركية الذي يفرض على الحكومة الانفتاح على
المجتمع المدني وعلى الهيات الدستورية من أجل أخذ الرأي في التوجهات العامة لاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة.
يتبين من ما سبق أن أهم مستجد دستوري في مكانة الحكومة يتجلى في  تحولها من مجرد جهاز تنفيذي إلى سلطة تقريرية تنفيذية في مجال السياسات العمومية، وفي التمييز بين المؤسسة الملكية والحكومة في ممارسة السلطة التنفيذية، وذلك ما يستدعي نخبة وزارية واعية وعلى قدر كبير من المسؤولية ومساهمة حزبية متزنة وعقلانية.
في ختام هذا المبحث يمكن الاقرار بأن نجاح الحكومة في ممارسة السلطة التنفيذية وصناعة السياسة العامة،يتطلب تحقيق مجموعة من الشروط، تتجلى على سبيل المثال، في وجود حياة سياسية مفتوحة، تسمح بمساهمة أطراف متعددة في مناقشة واسعة لمختلف البدائل المطروحة، وهو ما يعني أن مجال صناعتها وتنفيذها هو المؤسسات الحكومية من جهة ، وتوفر النخبة الحكومية على درجة عالية من الفعالية والكفاءة والاحترافية،و امتلاكها لرؤية استراتيجية واقعية ملمة بمختلف المطالب والاكراهات التي يطرحها تدبير الشأن العمومي، والتي تفرض تبني قيم التجديد العقلاني من قبل مختلف الفاعلين من جهة ثانية.[30]

خاتمة

تعتبر الحكومة في النظام السياسي المغربي قبل دستور 2011 ،جهاز معين وتابع للملك على تنفيذ السياسات العامة، أما بعد التعديل الدستوري ، أصبحت جهازا مستقلا يتمتع بصلاحيات مهمة منها إعداد و تنفيذ البرنامج الحكومي ،ممارسة السلطة التنظيمية، سلطة التعيين في المناصب العليا، ممارسة الوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية، وبصفة عامة تعزيز دورها في إدارة الشأن العام .حيث أصبحت الحكومةّ، السلطة التنفيذية، بمقتضى النص الدستوري.
إن إقرار استقلالية[31] مؤسسة الحكومة عن المؤسسة الملكية والرفع من مكانتها في النظام المغربي ،يزكيه كذلك ترسيخ مبادئ المنهجية الديمقراطية التي جاء بها الدستور الجديد في مجال تعيين الحكومة وتنصيبها، حيث أصبحت صناديق الاقتراع المتحكم الوحيد في اختيار رئيس الحكومة، الذي يقوم باختيار الطاقم الوزاري الذي سيعمل إلى جانبه، وبالتالي ربط المسؤولية بالمحاسبة[32]. كما أن الحكومة ملزمة بعد تعيينها وقبل الشروع في أداء مهامها،بالحصول على ثقة الأغلبية المطلقة للنواب.
كما ان الارتقاء الدستوري بالمجلس الحكومي وتوضيح وتوسيع صلاحياته التي تعد من صميم السلطة التنفيذية، من شأنه أن ينقل الحكومة من هيئة للتشاور إلى مؤسسة جماعية للحكم والتقرير . وان كان ذلك لا يخرج عن التوجهات الإستراتيجية التي يرسمها المجلس الوزاري، فان هذا الأخير ووفقا للفصل 48 من الدستور يمكن أن يرأسه رئيس الحكومة، وهي مسألة مستحدثة ترمز لتقوية مركز رئيس الحكومة ، وهو ما قد يتأكد ويتقوى من خلال الممارسات المقبلة مع تعاقب الحكومات.
وأخيرا يمكن القول بأن النظام السياسي المغربي حقق خطوة مهمة في تدعيم وتقوية السلطة التنفيذية للحكومة، في إطار التدرج والاستقرار والحفاظ على خاصية النظام المغربي.

لائحة المراجع
* الكتب
أحمد عبد الحميد الخالدي، المبادئ الدستورية العامة للقانون الدستوري، المطبعة مطابع شتات مصر، سنة النشر 2011
كريم لحرش ، الدستور الجديد للمملكة –شرح وتحليل - سلسلة العمل التشريعي والاجتهاد القضائي، ( 3) مكتبة الرشاد سطات، سنة 2012.
محمد يحي، المغرب الإداري، مطبعة سبارطيل، طنجة، الطبعة الرابعة 2011

* الرسائل والأطروحات
حسن بوكبوس، السلطة التنفيذية في المغرب بين الأحادية والازدواجية، دراسة دستورية سياسية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في الدراسات الدستورية والسياسية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة،
محمد أشركي، الوزير الأول: مركزه ووظيفته في النظام السياسي المغربي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، كلية الحقوق جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، 1988
محمد الرضواني، التنمية السياسية في المغرب: تشكل السلطة التنفيذية وممارستها من سنة 1956 إلى سنة 2000، أطروحة لنيل الدكتوراه الوطنية في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال الرباط.
وفاء سلام، توزيع السلط في النظام الدستوري والسياسي المغربي على ضوء دستور 2011، رسالة لنيل دبلوم ماستر في القانون العام ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة.
عبد النبي كياس،توزيع السلطات في النظام السياسي المغربي على ضوء دستور 1996 ،أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية،أكدال الرباط.السنة الجامعية 2010-2011

* المقالات
احمد مفيد، الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستور المغربي الجديد، مقال منشور في المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، عدد 102، يناير-فبراير 2012
عبد النبي كياس، مؤسسة الحكومة في ظل الدستور الجديد: من الجهاز المساعد إلى السلطة التنفيذية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 104، ماي يونيو 2012.
عمر بندورو، العلاقات بين السلط، فصل أم خلط في السلط؟، مقال منشور في دفاتر وجهة نظر، العدد 24، 2011
مصطفى الصوفي، مجلة السياسات العمومية، سلسلة دفاتر حقوق الإنسان، عدد13/2014، مطبعة المعارف الجديدة الرباط
صحيفة الايام،عدد 503،23 -29 دجنبر 2011
حسن طارق، ملاحظات حول مسألة التنصيب البرلماني للحكومة، مقال منشور بجريدة الاتحاد الاشتراكي،عدد 1999، 18 يناير 2012.

* المراجع بالفرنسية
- jean massot,l’arbitre et le capitan, essai sur la responsabilité presidentielle ,flammarion,paris,1987.

[1] ) كريم لحرش،الدستور الجديد للمملكة –شرح وتحليل- سلسلة العمل التشريعي والاجتهادات القضائية، عدد 3 ، سنة 2012 ، ص 109.
[2] ) أحمد عبد الحميد الخالدي، المبادئ الدستورية العامة للقانون الدستوري، المطبعة مطابع شتات مصر، سنة النشر 2011، ص 255.
[3]  عبدالنبي كياس،توزيع السلطات في النظام السياسي المغربي على ضوء دستور 1996 ،أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية،أكدال الرباط.السنة الجامعية 2010-2011
[4] - عبدالنبي كياس، نفس المرجع السابق
[5] - jean massot,l’arbitre et le capitan, essai sur la responsabilité presidentielle ,flammarion,paris,1987,p,236.
[6]  احمد مفيد، الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستور المغربي الجديد، مقال منشور في المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية، عدد 102، يناير-فبراير 2012،ص.12
[7] كما يمكن اللجوء الى خيارات أخرى منها:حل البرلمان، حل مجلس النواب، تعديل دستوري..
[8]  صحيفة الايام،عدد 503،23 -29 دجنبر 2011 ،ص.17
[9]  حسن طارق، ملاحظات حول مسألة التنصيب البرلماني للحكومة، مقال منشور بجريدة الاتحاد الاشتراكي،عدد 1999، 18 يناير 2012 ،ص.8
[10]  سعيد اولعربي، حول دستورية انعقاد المجلس الحكومي واستلام الوزراء لمهامهم، جريدة المساء، عدد 1649 ، 12 يناير 2012،ص.9
[11]  قرار المجلس الدستوري رقم 825-12 ، بتاريخ 8 صفر 1433 [2 يناير 2012 ]، جريدة رسمية، عدد 6014،بتاريخ 25 صفر 1433 [19 يناير 2012]،ص،358
[12]  - عبدالنبي كياس،توزيع السلطات في النظام السياسي المغربي على ضوء دستور 1996 ،مرجع سابق،
[13]  - نفس المرجع السابق
[14] - كريم لحرش، مرجع سابق، ص13.
[15] - أحمد عبد الحميد الخالدي، مرجع سابق، ص 270.
[16] - كريم لحرش، مرجع سابق، ص113.
[17] -  محمد الرضواني، أطروحة لنيل الدكتورة الوطنية في القانون العام تحت عنوان: التنمية السياسية في المغرب: تشكل السلطة التنفيدية وممارستها من سنة 1956 إلى سنة 2000، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكدال- الرباط ، سنة 2003/2004.ص,137
[18] - كريم لحرش، ،مرجع سابق ص.113.
[19] ) كريم لحرش،سلسلة العمل التشريعي والاجتهادات القضائية، مرجع سابق، ص 117.
[20] )- محمد الرضواني، أطروحة لنيل الدكتورة الوطنية في القانون العام تحت عنوان: التنمية السياسية في المغرب: تشكل السلطة التنفيدية وممارستها من سنة 1956 إلى سنة 2000، جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكدال - الرباط ، سنة 2003/2004.
[21] - وفاء سلام، توزيع السلط في النظام الدستوري والسياسي المغربي على ضوء دستور 2011، رسالة لنيل دبلوم ماستر في القانون العام ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، ص114.
[22] - حسن بوكبوس، السلطة التنفيذية في المغرب بين الأحادية والازدواجية، دراسة دستورية سياسية، رسالة لنيل دبلوم الماستر في الدراسات الدستورية والسياسية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة، ص 121.
[23] - محمد يحي، المغرب الإداري، مطبعة سبارطيل، طنجة، الطبعة الرابعة 2011، ص108.
[24]- محمد الرضواني، مرجع سابق، ص205.
[25] - محمد أشركي، الوزير الأول: مركزه ووظيفته في النظام السياسي المغربي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، كلية الحقوق جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، 1988، ص33.
[26] - محمد الرضواني، مرجع سابق، ص181.
[27] - المرجع نفسه، ص234.
[28] -  مقتطف من نص الخطاب الملكي الذي وجه إلى الأمة بشأن دستور الجديد، الدستور الجديد للمملكة المغربية، دار الإنماء الثقافي،  الطبعة الثانية،2013، ص10.
[29] - - عمر بندورو، العلاقات بين السلط، فصل أم خلط في السلط؟، مقال منشور في دفاتر وجهة نظر، العدد 24، 2011، ص119.
[30]  كريم الرضواني،مرجع سابق، ص.148
[31] -  استقلالية هنا، مقارنة بالدساتير السابقة، ذلك أنه حتى في ظل دستور 2011، السلطة التنفيذية بالمغرب متقاسمة بين المؤسسة الملكية والحكومة.
[32] - عبد النبي كياس، مرجع سابق، ص121.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات