القائمة الرئيسية

الصفحات

أي تأثير لجائحة كورونا على أمد التقادم في المادة المدنية؟

أي تأثير لجائحة كورونا على أمد التقادم في المادة المدنية؟

أي تأثير لجائحة كورونا على أمد التقادم في المادة المدنية؟
أي تأثير لجائحة كورونا على أمد التقادم في المادة المدنية؟

يعتبر التقادم من الأمور المؤثرة على انقضاء الالتزام بشكل عام، وقد نضمه المشرع المغربي في مجموعة من الفصول في قانون الالتزامات والعقود وكذا نصوص أخرى،  وحدد له مدد معينة، بمرورها يسقط أو يكتسب الحق، كما أن بحلول أجل التقادم لا تسمع بعدها بعض الدعاوى المدنية، بمعنى أنه يجب لكل من له المصلحة، والصفة، والأهلية المنصوص عليهما في قانون المسطرة المدنية ، أن يتقدم بدعواه خلال هذه المدة، فإن تأخر في تقديم دعواه، والمطالبة بحقه داخل الأجل القانوني، فإن دعواه الناشئة عن الالتزام المتقادم لا تُسمع ، ويكون مصيرها السقوط ورفض طلب المدعي اذا أثير من طرف الطرف الآخر ، وإن وضع المشرع استثناأت على هذه القاعدة ءفي بعض الأحوالء، إذ يُجيز سماع الدعوى بشرط أن يتقدم المدعي بعذر تقبله الجهة القضائية التي تنظر في النزاع.  
ويتبادر إلى الذهن سؤال بشأن هذه المدة المحددة في القانون التي لا تسمع الدعوى بعدها، هل هي مستمرة لا يقطعها أي شيء مطلقاً؟ أم أن هناك أسباباً تؤثر عليها؟ وما حجم ذلك الأثر؟ 


إن المستقر عليه قانوناً أن مدة التقادم مستمرة من حيث الأصل الى حين انقضائها، إلا أن هناك بعض الحالات أو الأسباب القانونية التي قد تعرض لهذه المدة فتؤدي إلى التأثير عليها، وذلك بحسب نوع ذلك السبب:
فهناك أسباب تؤدي إلى انقطاع التقادم وهو يعني أن يحدث خلال هذا السريان سبب من الاسباب التي اعتبرها المشرع قاطعة للتقادم بحيث تؤدى إلى زوال كل اثر للمدة التي مضت منذ بدء التقادم حتى تحقق سبب الانقطاع فتعتبر كأن لم تكن ليبدأ تقادم جديد في السريان بعد زوال السبب الذي ادى إلى انقطاع التقادم الأول، وقد حدد المشرع أسباب انقطاع التقادم كقاعدة عامة في الفصل 381 من ق.ل.ع، ومنها المطالبات القضائية، فإن إقامة الدعوى من الدائن، تؤدي إلى انقطاع التقادم.
 كما أن هناك أسباباً أخرى تؤدي إلى وقف التقادم، يقصد به تعطل سريان احتساب التقادم خلال مدة معينة، وذلك نتيجة أحد الموانع التي يتعذر معها على الدائن أن يطالب بحقه، على أن يستمر احتساب مدة التقادم متى زال هذا المانع، دون احتساب المدة التي توقف فيها عن السريان، بمعنى، حصول سبب من الأسباب القانونية أثناء مدة التقادم، ويؤدي إلى عدم احتساب المدة التي استمر فيها وقوع ذلك السبب ضمن مدة التقادم، مع احتساب المدة السابقة واللاحقة. بمعنى تعليق مؤقت لمدة التقادم، في حين أن انقطاع التقادم يعني إلغاء كل المدة الماضية والبدء في احتساب مدة تقادم جديدة.
وتستند مبررات وقف التقادم في الرغبة في حماية الدائن الذي لا يستطيع المطالبة القضائية بحقه، بالنظر لوجود مانع قاهر، وليس نتيجة إهماله لأن الدائن المهمل يستفاد من سكوته قرينة الوفاء أو التنازل عن حقه، وقد حدد المشرع المغربي أسباب وقف التقادم بمقتضى الفصلين 378 و379.
وقد حاول مجموعة من شرّاح القانون تبيين مبررات وقف التقادم  في أسباب شخصية وأخرى مادية تؤدي إلى تجميد مدة التقادم، والظروف المادية تعني أن هذا السبب لا يرجع إلى وصف في شخص أحد الطرفين، وإنما إلى ظرف مادي، وذلك كالقوة القاهرة، والتي تمنع صاحب المصلحة من المطالبة بحقه أمام المحكمة، بسبب توقف المحاكم لمباشرة أعمالها، لقيام حرب أو أي سبب من الأسباب. 
وارتباطا بذلك، يمكن القول بأن ما يمر به العالم اليوم من جائحة فيروس كورونا هو أحد الظروف المادية القاهرة التي من شأنها وقف التقادم، وبالتي فلا تحتسب المدة التي تأثر بها الأطراف بسبب الإجراأت الاحترازية التي اتخذت من الجهات المختصة للحماية من هذا الفيروس ضمن مدة التقادم. وقد اكده رأي قديم جداً لمجلس الدولة في فرنسا ذلك، حيث صدر في 27 يناير 1814م، وتضمن التأكيد على أن الوباء والحرب يوقف التقادم ما دام أنه يترتب عليه استحالة مطلقة للمطالبة بالحق، وهذا الرأي يؤكد أن الوباء يوقف التقادم، بشرط أن يؤدي إلى الاستحالة المطلقة للمطالبة بالحق، وفي واقعنا الحالي، ينطبق نفس الأمر ما دام مرسوم الطوارئ قد فرض تجميد جميع الانشطة الاقتصادية، وبعض مرافق الدولة من بينها القضاء، وأصبح معه المطالبات القضائية لا يمكن اللجوء اليها في هذه الظرفية، لأن تقديم الدعوى أو المطالبة القضائية يتطلب القيام بالعديد من المساطر القضائية المجمدة حاليا، وما دام أن حالة الطوارئ التي أعلن عنها المغرب ترتب عنها تجميد جمبع الآجلات، من بينها أجل التقادم، فإنه ونتيجة لذلك يتعين على كل صاحب مصلحة التمسك بوقف سريان التقادم للمدة التي استمر تأثير حالة الطوارئ لمكافحة جائحة كورونا.
وبناء على ما سبق بشأن (التقادم)، فإننا نعتقد بأن جائحة فيروس كرونا تعتبر من الأسباب القانونية المقبولة للجهات القضائية في المملكة لوقف التقادم، ما دامت حالة الطوارئ من الظروف التي تجعل من المستحيل المطالبة بالحقوق خلال الأجل المقرر للتقادم، وذلك في سياق الفقرة الأخيرة من الفصل 380 من ق.ل.ع، ولهذا فإننا نعتقد أن الدفع بهذه الجائحة في التأخير لتجنب انقضاء الالتزام يكون مقبولاً لدى الجهات القضائية.
 وفي الأخير حفظنا الله من هذه الجائحة. 
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات