القائمة الرئيسية

الصفحات

الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة

الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة

الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة
الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة

مقدمة
فضلا عن اختصاصاته في مجال التشريع فإن إحدى أهم الوظائف المنوطة بالبرلمان تكمن في ممارسة الرقابة على السلطة التنفيذية سواء تجسدت في الحكومة كمبدأ عام مميز للأنظمة البرلمانية أو في الحكومة ورئاسة الدولة كما في حالة الانظمة شبه الرئاسية. أو تجسدت في رئيس الدولة لوحده كما هو الشأن بالنسبة للأنظمة الرئاسية التي تمارس فيها الرقابة على السلطة التنفيذية في شروط وبأشكال مغايرة لما هو عليه الأمر في النظم البرلمانية. ذلك أن الوظيفة الرقابية للبرلمان أسبق في الواقع على وظيفته التشريعية.
ويمكن تعريف الرقابة البرلمانية بأنها شكل من أشكال الرقابة السياسية ، تمارس من طرف أعضاء الجهاز التشريعي على الجهاز التنفيذي، بشكل فردي أو جماعي ، وفقا للآليات التي يحددها الدستور من أجل إلزام الحكومة بالتقيد بالمشروعية في أعمالها، وتنفيذ التزاماتها، ومراعاة المصلحة العامة في مختلف تصرفاتها.
وتؤكد قراءة سريعة للوثيقة الدستورية في بلادنا، أن الدساتير المغربية قد تأثرت إلى حد بعيد في مجال الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة بالدستور الفرنسي للجمهورية الخامسة، لا سيما في ما يتعلق بتقييد اختصاصات البرلمان في هذا المجال، في إطار توجه نحو عقلنة تدخلات المؤسسة التشريعية في المجال التنفيذي حرصا على ضمان الاستقرار السياسي، وتفادي وضعية الاضطراب التي يمكن أن تترتب عن الإسقاط المتكرر للحكومات، مع ما يمكن أن يجره ذلك من آثار وتداعيات يصعب التنبؤ بها على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية...الخ.
وتنبع أهمية سؤال الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في المغرب في ظل الدستور الحالي من جهة من المكانة التي خصصها الدستور للمعارضة ذلك أنه ولأول مرة في تاريخ القانون الدستوري في بلادنا تم إفراد أحكام خاصة بالمعارضة كما هي محددة في الفصل 10 من الدستور، والتي تؤكد وجودها ليس الفعلي فحسب بل والدستوري بما يترتب عنه من حقوق تتمثل أساسا في المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق بالإضافة إلى مجموعة من الحقوق الأخرى على مستوى التشريع، والحضور الإعلامي، والاستفادة من التمويل العمومي، ...الخ.
ومن ناحية أخرى فإن دراسة موضوع الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة تكتسي في ظل الدستور الحالي أهمية خاصة بالنظر إلى التعديلات التي أقرها هذا الدستور على وضعية الحكومة، لا سيما في مواجهة مجلس النواب حيث أصبحت الحكومة مسؤولة بشكل كامل منذ تعيينها وإلى غاية انتهاء مدة انتدابها وهذا  الأمر ناجم عن وضعيتها الدستورية طالما أنه لا يمكن طوال مدة الانتداب التشريعي إنهاء مهام الحكومة بشكل جماعي إلا في أعقاب استقالة رئيس الحكومة وهذا ما يشكل فرقا واضحا بالمقارنة مع الدساتير السابقة.
وتستمد أدوات الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة شرعيتها من الدستور في المقام الأول ثم من القوانين التنظيمية، و من القانون الداخلي لمجلس النواب والقانون الداخلي لمجلس المستشارين، وفقا لتسلسل خاضع لتراتبية هرمية. وبالنتيجة فإن أدوات الرقابة البرلمانية على الحكومة هي أدوات محدودة بموجب الدستور، حيث لا يمكن للبرلمان أن يبدع من تلقاء ذاته أدوات جديدة خارج ما تم التنصيص عليه دستوريا. وهذا ما أكدته أحكام القضاء الدستوري في أكثر من مناسبة.
غير أنه لابد من التأكيد على أن الدستور الحالي لم يعمل في الغالب سوى على استثمار تقنيات مراقبة الحكومة من خلال إعادة استعمال وإغناء ما نصت عليه الدساتير السابقة، باعتبار هذه الوسائل أدوات للحوار الدائم بين المؤسستين. إن الأمر يتعلق على حد تعبير الأستاذ محمد أمين بنعبد الله بما يمكن أن نسميه بباروميتر يسمح بمعرفة ما إذا كانت العلاقات بين الحكومة والبرلمان في وضعية جيدة، أم أنها تحتاج إلى بعض من التحسين والتقويم والتصحيح. وعلى هذا المستوى فبالإضافة إلى الوسائل الكلاسيكية المتمثلة في الأسئلة الشفوية والكتابية الموجهة إلى أعضاء الحكومة والتي نجدها في دستور 1996، أو أيضا اللجان الدائمة أو لجان التحقيق، وإثارة المسؤولية السياسية بصيغة سحب الثقة وملتمس الرقابة، نسجل وجود مستجدات في مجال الأسئلة والاستطلاع، كما على صعيد شروط وكيفيات إعمال هذه الوسائل.


لذلك سنحاول من خلال هذا الموضوع أن نتطرق إلى مختلف الوسائل التي يمكن بها للبرلمان أن يسائل الحكومة مع استعراض الشروط المطلوبة لذلك، و فحص فعالية ومحدودية هذ الوسائل من الناحيتين القانونية والواقعية، وكذا تحديد الفروق والتماثلات الموجودة بين غرفتي البرلمان على هذا المستوى، كل ذلك في إطار تمثل مقارن يستقرئ التجربة المغربية في هذا الميدان في ضوء مسارها التاريخي من أول دستور إلى غاية الدستور الحالي من جهة، وبالمقارنة مع الأنساق الدستورية الأخرى لا سيما منها الدستور الفرنسي باعتباره مرجعية لا غنى عنها في هذا المجال.
وبصفة عامة يمكن التمييز في هذا المجال بين أدوات الرقابة التي لا يترتب عنها إسقاط الحكومة، مع أنها تكون أحيانا ممهدة لإثارة مسؤولية الحكومة سياسيا، وبين وسائل أخرى يمكن أن تؤدي إلى إسقاط الحكومة إذا استوفت شروطا صارمة في هذا المجال.

I-  آليات مواكبة العمل الحكومي من طرف البرلمان


تنص دساتير مختلف الدول ذات الأنظمة البرلمانية على آليات وميكانيزمات لتتبع ومواكبة عمل الحكومة من طرف البرلمان لذلك لم يحد الدستور المغربي عن هذه القاعدة من خلال إقامة جسور للتواصل العادي والمستمر بين هاتين المؤسستين الدستوريتين عبر وسيلة الأسئلة الشفوية والكتابية، مع إقرارا مستجدات تتمثل في التنصيص على أسئلة موجهة لرئيس الحكومة وفق شروط مميزة، وفي إطار هذا المنحى لتتبع عمل الحكومة والمؤسسات الخاضعة لها أقر الدستور أيضا حق البرلمان بغرفتيه في تشكيل لجان للبحث وتقصي الحقائق.
ولعل من أبرز المستجدات المسجلة في هذا الإطار ما جاء به الدستور من مقتضيات تتعلق بإحداث آليات للمراقبة على مستوى اللجان الدائمة لغرفتي البرلمان من خلال جلسات الاستماع لمسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، وكذا منح اللجان الحق في المبادرة إلى القيام بمهام استطلاعية وإخبارية.

1-    الأسئلة البرلمانية

تعتبر الأسئلة المكتوبة والشفوية أقدم الأدوات البرلمانية لمراقبة عمل الحكومة، وهي تكتسي طابعا شخصيا أو فرديا وتسمح بحصول النواب على معلومات تهمهم من دون أن تؤدي إلى تحريك المسؤولية السياسية للحكومة. و تشهد هذه الوسيلة حاليا إقبالا مهما عليها خاصة وأنها تستفيد من البث الإعلامي، من جهة، ومن جهة أخرى لأنها تكتسي طابعا بسيطا. وتنقسم الأسئلة البرلمانية طبقا للمادة 186 من النظام الداخلي لمجلس النواب إلى خمسة أنواع:
-         الأسئلة الشفهية؛
-         الأسئلة الآنية؛
-         الأسئلة التي تليها مناقشة؛
-         الأسئلة الكتابية؛
-         الأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة حول السياسة العامة.

 الأسئلة البرلمانية الشفوية
تمثل الأسئلة الشفوية الشكل الأكثر مباشرة وسرعة لمراقبة نشاط الحكومة من قبل البرلمان. وهي من الناحية المبدئية تطرح من طرف نائب على وزير، وينبغي أن تكون محررة بصيغة مختصرة وأن تقتصر على العناصر الأساسية لفهم السؤال.
وفي إطار ترسيم العلاقة بين هاتين المؤسستين الدستوريتين، ينص الدستور المغربي في الفصل 100 منه على تُخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة. تُدلي الحكومة بجوابها خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها. وهو نفس الأجل الذي كان منصوصا عليه أيضا في دستور 1996 في فصله 56. ورغم أن مبدأ المساءلة الشفوية للحكومة من طرف البرلمان في المغرب يماثل نظيره الفرنسي إلا أن هناك اختلافات بين النظامين باعتبار أن الفصل 48 من الدستور الفرنسي نص على جلسة أسبوعية على الأقل بما يعني أن هناك إمكانية لعقد أكثر من جلسة واحدة خلال كل أسبوع، هذا بالإضافة إلى أن الدستور الفرنسي أكد صراحة على أن جلسة الأسئلة الشفوية تتم برمجتها حتى خلال الدورات الاستثنائية للبرلمان ولا تقتصر على الدورات العادية فقط.
وتعرف هذه الوسيلة في المغرب إقبالا مهما فعلى سبيل المثال عرفت الولاية الحالية طرح أعضاء مجلس النواب ما مجموعه 9582 سؤالا شفويا إلى غاية آخر دورة عادية، غير أن هذه الأسئلة لا تتم الإجابة عليها جميعا إما بالمرة أو على الأقل في الأجل الدستوري، بحيث لا يشكل أجل 20 يوما سوى التزاما معنويا غير ملزم من جانب الحكومة، لذلك ففي غياب جزاء دستوري على الحكومة يلاحظ أن إجابات الوزراء على أسئلة النواب البرلمانيين غالبا ما لا تتقيد بهذا الأجل، بل الأنكى من ذلك أن الغالبية الكبرى من الأسئلة تظل بدون جواب، حيث لم تجب الحكومة الحالية سوى على 2543 سؤال شفوي وبقي 7039 سؤال بدون إجابة إلى حدود اليوم، هذا بالإضافة إلى عدم الإجابة على 769 سؤال مقدمة من طرف أعضاء مجلس المستشارين وذلك على الرغم أنه من المفروض أن تلتزم الحكومة بأجل 20 يوما في هذا المجال.
لكن لا بد من توضيح نراه مهما في هذا المجال، وهو أن الحق في تقديم أسئلة شفوية من قبل النواب البرلمانيين يطرح صعوبات على مستوى منح هذا الحق لعموم المنتخبين البرلمانيين، لذلك فقد حاول مشروع القانون الداخلي لمجلس النواب تنظيم هذا الحق من خلال التنصيص على توزيع الأسئلة تبعا للتمثيلية النسبية للفرق البرلمانية، وهو اقتراح يدافع عن فكرة أن يكون حجم  أسئلة كل فريق مناسبا لحجم قوته داخل البرلمان.
وبالرغم من أن مثل هذه الفكرة ليست مطابقة لروح الدستور، خصوصا في ظل الدستور الجديد الذي يمنح للمعارضة مكانة متميزة فقد كان البرلمان أمام السؤال التالي هل يتطلب طرح سؤال ضرورة الانتماء إلى فريق؟ وهل يعتبر الانتماء الحزبي ضروريا من أجل الانتماء إلى فريق؟ إن هذا يعني أن المنتخبين غير المنتمين أو المنتمين إلى تشكيلات سياسية صغرى لا يمكنهم طرح أسئلة.
وعلى غرار المجلس الدستوري الفرنسي في قراره D-C 69-031 بتاريخ 20 نونبر 1969 فإن المجلس الدستوري المغربي قد تمسك بالتفسير الحرفي  لفصول  الدستور ورفض التمييز بين النواب في طرح الأسئلة الشفوية، وحتى مع إدراكه أن منح الحق في طرح الأسئلة على أساس التمثيل النسبي يمكن أن ينظم عمل البرلمان بشكل جيد. فبالنسبة للمجلس الدستوري وطبقا للدستور فإن جميع النواب سواء كانوا منخرطين في أحزاب أم لا، أو منتمين إلى فريق سياسي أم لا، يجب أن يستفيدوا على قدم المساواة من نفس الحق بالنسبة لتفسير التصويت أو بالنسبة لإيداع تعرضات وملاحظات حول محاضر الجلسات أو في حق التعديل أو في المشاركة في النقاشات اللاحقة للأسئلة بل والحق في اقتراح مرشحين لشغل عضوية المجلس الدستوري. ذلك لأن المجلس الدستوري يعتبر بأن الاسئلة الموجهة إلى الحكومة هي حق شخص لأعضاء المجلس يمارسونه بدون وساطة من أي كان، ولعل هذا الموقف من قبل القضاء الدستوري هو الذي أدى بالنظامين الداخليين لمجلس النواب ومجلس المستشارين إلى التنصيص بوضوح على أن كل نائب  له الحق في طرح أسئلة شفوية" .
وفي إطار تأكيده على أهمية هذا الحق الممنوح للنواب البرلمانيين لطرح الأسئلة الشفوية فقد رفض المجلس الدستوري  مادة تم إدراجها في القانون الداخلي لمجلس المستشارين تنص على تحويل الأسئلة الشفوية إلى أسئلة كتابية.
لكن ونظرا لأن جلسات الأسئلة الشفوية المنقولة إعلاميا كانت تشهد سيلا من الأسئلة وخلافات بين النواب، فإن مجلس النواب قد وجد نفسه مضطرا إلى البحث عن وسيلة لتنظيم الجلسات ومن ثمة فإن معيار التمثيل النسبي قد فرض نفسه عمليا، وهذاما حذا بمجلس النواب إلى تضمين نظامه الداخلي  مقتضى يوازن بين الحفاظ على هذا الحق للجميع، ويعمل على تقنين ممارسته من خلال المادة 189 منه التي نصت على أن يحدد مكتب المجلس الغلاف الزمني المخصص للجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفهية... توزع بالتمثيل النسبي بين الفرق والمجموعات النيابية والأعضاء غير المنتسبين.
وفي هذا الإطار فقد أصبحت الممارسة تنحو إلى تقنين الأسئلة الشفوية من خلال تحديد 10 قطاعات وزارية بالنسبة لكل دورة برلمانية هي التي تواجه بالأسئلة الشفوية سواء كانت عادية، أو متبوعة بمناقشة.
عموما يمكن القول بأن الأسئلة الشفوية تمثل نوعا من الإحراج بالنسبة للوزراء خصوصا في حالات عدم توخي المصلحة العامة في تدبيرهم للقطاعات المعنية وتوفر النائب البرلماني صاحب السؤال على معطيات دقيقة ومضبوطة يكون أثرها فعالا بالنسبة لتقويم الانحرافات في تدبير القطاعات الوزارية المعنية.

الأسئلة المتبوعة بالمناقشة
يتعلق الأمر هنا بصنف خاص من الأسئلة الشفوية والتي لا يتم فيها التواصل فقط بين النائب البرلماني صاحب السؤال والوزير المسؤول عن القطاع المعني بالسؤال وإنما يتم فتح لائحة لمختلف النواب لمناقشة جواب الوزير بعد إخبار الحكومة بذلك يبلغ الرئيس الفرق والمجموعات النيابية والنواب غير المنتسبين ويفتح لائحة الراغبين في المناقشة، ويخبر الحكومة بذلك، ويشارك نواب البرلمان في حصة المناقشة على أساس التمثيل النسبي للفريق المعني، ويلاحظ من الناحية العملية أن هناك إقبالا من طرف مجلس النواب على هذا النوع من الأسئلة، حيث تم تلقي 63 سؤال، وجرت المناقشة بخصوص 60 سؤالا من بينها في حدود الولاية البرلمانية الحالية، بينما لم يعرف مجلس المستشارين طرح أي سؤال من هذا النوع بعد.  

الأسئلة الآنية
وهي نوع من الأسئلة التي لا تتقيد بالشروط المطلوبة في الأسئلة العادية لا سيما من ناحية المدة الزمنية، وكما تدل على ذلك تسميتها فهي تتعلق بقضايا مستعجلة أو طارئة تتطلب مساءلة الحكومة بشأنها أن بخصوص الإجراءات المتخذة لمواجهتها، غير أن ما يميز هذا النوع من الأسئلة هو أن الإجابة عليها تخضع لتقدير الحكومة التي يمكن أن تقبل أو ترفض الإجابة على هذا النوع من الأسئلة، وفي حالة قبول السؤال يخبر رئيس الحكومة رئيس المجلس المعني ويتم إدراج الجواب عليه ضمن أول جلسة عامة للمجلس المعني تنعقد بعد تلقي السؤال. وينص القانون الداخلي على إمكانية تحويل السؤال الآني إلى سؤال شفهي عادي بعد تقادمه.

الأسئلة البرلمانية الكتابية
بالنظر إلى الإكراهات التي تحيط بممارسة النواب البرلمانيين لحق طرح الأسئلة الشفوية يتم اللجوء إلى طريقة الأسئلة الكتابية والتي تمثل امتيازا فرديا للنواب وهي تمارس خارج الجلسات، يشترط فيها هي الأخرى الاقتصار على العناصر الضرورية لفهم السؤال، من دون اتهامات ذات طابع شخصي إزاء الغير المعين باسمه، تلجأ فرنسا بالنسبة لهذا النوع من الأسئلة إلى النشر الأسبوعي لأسئلة النواب وأجوبة الوزراء في الجريدة الرسمية. أما في المغرب فتتميز الأسئلة الكتابية وفقا لأحكام القانون الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين بجملة من الخصائص تتمثل في الإعلان عنها في بداية جلسات البرلمان، ونشرها في الجريدة الرسمية، وأيضا في نشر أجوبة الحكومة عليها في الجريدة الرسمية خلال الشهر الموالي لنشرها.
وبسبب بساطتها وطابعها غير المحدود بالمقارنة مع الأسئلة الشفوية التي يميل القانون إلى تقنين عددها فإن هذه التقنية تعرف نجاحا كبيرا من ناحية اللجوء إليها، حيث تسمح للنواب باستعمالها متى شاءوا وغالبا من أجل قضايا تهم ناخبيهم. لكن ما يلاحظ بالنسبة لهذه الأسئلة هو أنها  تعاني هي الأخرى من عدم التزام الحكومة بتقديم أجوبة عليها ضمن الآجال المنصوص عليها قانونيا، وهوما يمكن أن تعكسه أرقام الولاية البرلمانية الحالية على مستوى مجلس النواب حيث تم تقديم ما مجموعه  23009 سؤال كتابي أجابت من ضمنها الحكومة فقط على 12069 سؤال في حين أن ما مجموعه 10940 سؤال لم تتم الإجابة عنها.

الأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة حول السياسة العامة وتقديم الحصيلة السنوية
أدخل المشرع الدستوري لسنة 2011 مستجدا يهدف إلى تقوية وسائل المراقبة البرلمانية على الحكومة، وركز بوضوح على مفهوم مسؤولية رئيس الحكومة.
فالبند الثالث من الفصل 100 ينص على أن الأجوبة على الأسئلة البرلمانية المتعلقة بالسياسة العامة تقدم من طرف رئيس الحكومة" كما ينص هذا الفصل  على تخصيص جلسة شهرية للأسئلة والأجوبة المتعلقة بهذا الأمر تقدم أمام الغرفة المعنية خلال 30 يوما الموالية لتاريخ توجيهها إلى الحكومة. وقد تم بالفعل عقد أزيد من 20 جلسة شهرية في هذا المجال.
إن العنصر المهم في هذه النقطة يكمن في أن رئيس الحكومة شخصيا هو الذي يجب أن يجيب. وهذا ما لم يحدث سوى نادرا إن لم نقل أبدا في الماضي أي في ظل مختلف الدساتير التي عرفها المغرب من سنة 1962 إلى غاية دستور 1996. لقد أراد المشرع الدستوري من وراء هذا الأمر تجاوز ثغرة في مجال مراقبة الحكومة من خلال إلزام رئيس الحكومة بتصدر الدفاع عن الحكومة. ولأن الامر يتعلق بجلسة منقولة من طرف وسائط الاتصال المختلفة فإنه يمثل تمرينا يؤسس لنمط تقييم مباشر من طرف الناخبين، وبالنتيجة لتحميل المسؤولية لرئيس الحكومة في ما يتعلق بتفعيل البرنامج الذي تم على أساسه انتخاب حزبه وفوزه في الانتخابات.
إن هذا المقتضى على أهميته وبالنظر إلى طابعه المستجد وغير المسبوق يثير حاليا بعض الخلافات بشأن كيفية تنزيله، خصوصا من ناحية الفرز بين الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة، والأسئلة القطاعية من جهة، وبخصوص كيفية توزيع الوقت خلال هذه الجلسات بين رئيس الحكومة والأغلبية والمعارضة.
في نفس السياق فإن الفصل 101 ينص على أن رئيس الحكومة يقدم أمام البرلمان حصيلة مرحلية للنشاط الحكومي، ويتم تخصيص جلسة سنوية من طرف البرلمان لمناقشة وتقييم السياسات العمومية إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين، وذلك لتكريس تواصل الحكومة مع البرلمان. لكن ما يلاحظ من الناحية العملية هو أن رئيس الحكومة لم يقدم بعد أية حصيلة في هذا المجال.
بدون شك لا يوجد في الدستور ما يشير إلى أن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، غير أنه عند فحص مقتضيات الفصلين 100 و 101 يمكن أن نكتشف أن هذه المسؤولية تنبع من هذين الفصلين من خلال مراقبة منتظمة شهرية وسنوية. شهريا من خلال مراقبة لصيقة للسياسة التي يقودها رئيس الحكومة وفريقه. وسنويا من خلال مراقبة الالتزام بالتصريح الذي قدمه رئيس الحكومة عند تنصيبه، وحتى في حالة تغيير أهدافه يقدم رئيس الحكومة سنويا خارطة الطريق التي يعتمد عليها لتجسيد الوعود التي قدمها.

الرقابة على أعمال الحكومة من طرف اللجان الدائمة بالبرلمان

تمارس هذه الرقابة إما في إطار اللجان الدائمة داخل كل غرفة من غرفتي البرلمان، وذلك وفقا لمستجدات أقرها دستور 2011، وإما في إطار لجان مؤقتة هي ما يعرف بلجان تقصي الحقائق
جلسات الاستماع إلى مسؤولي المؤسسات والمقاولات العمومية
طبقا للفصل 102 من الدستور يمكن للجان الدائمة المعنية سواء داخل مجلس النواب ، أو داخل مجلس المستشارين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين، وتحت مسؤوليتهم. وما يميز هذه الجلسات هو أنها تنعقد فقط أمام اللجان المعنية داخل البرلمان، وليس أمام الجلسات العامة، هذا فضلا عن أنها غير متبوعة بتصويت، وتعتبر فرصة لإبداء النواب لملاحظاتهم ومؤاخذاتهم على تدبير المؤسسات والمقاولات العمومية. وجدير بالذكر إلى أن النظام الداخلي لمجلس النواب قد حاول أن يوسع من مجال هذه الجلسات من خلال التنصيص على تخصيص  اجتماعات داخل اللجان الدائمة للمجلس لتقييم السياسات العمومية للقطاعات التي تدخل ضمن اختصاصاتها" ،غير أن  المجلس الدستوري قد اعتبر مقتضيات هذه المادة غير مطابقة للدستور.

المهام الاستطلاعية والإخبارية
تستطيع اللجان الدائمة التابعة لمجلس النواب إنجاز مهام استطلاعية، حيث يمكن لكل لجنة دائمة وفقا لهذه الوسيلة، وطبقا للمادة 40 من النظام الداخلي لمجلس النواب، أن تكلف بناء على طلب من رئيسها بعد موافقة مكتب اللجنة أو رئيس فريق أو ثلث أعضاء اللجنة، عضوا أو أكثر من أعضائها، للقيام بمهمة استطلاعية مؤقتة حول شروط وظروف تطبيق نص تشريعي معين، أو موضوع يهم المجتمع، أو يتعلق بنشاط من أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية باتفاق مع مكتب مجلس النواب.  وتتوج هذه المهام الاستطلاعية بإعداد تقرير يعرض على اللجنة المعنية للمصادقة عليه، قبل إحالته على مكتب المجلس للتقرير في إمكانية مناقشته في جلسة عامة.
وبالموازاة مع ذلك يستطيع مجلس المستشارين من خلال لجانه الدائمة المعنية تكليف بعض أعضاء اللجنة بالقيام بمهمة إخبار بخصوص شروط وظروف تطبيق نص تشريعي معين أو موضوع يهم المجتمع أو يتعلق بنشاط الحكومة وذلك وفقا لأحكام الفصل 67 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين، وتزاول المهمة الإخبارية في شروط مماثلة لأداء المهام الاستطلاعية من قبل مجلس النواب خصوصا في ما يتعلق بالتقرير المترتب عنها.   

لجان تقصي الحقائق
لجان تقصي الحقائق هي هياكل مؤقتة، يجوز أن تشكل بمبادرة من الملك، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين يناط بها تجميع عناصر الخبر حول وقائع محددة، أو حول تدبير مرافق عمومية، أو مقاولات وطنية من أجل عرض خلاصاتها على المجلس الذي أحدثها.، وفق الشروط الواردة في الفصل 67 من الدستور والقانون التنظيمي الذي يحدد تسييرها. (القانون التنظيمي رقم 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق).
أما في فرنسا فقد أحدثت هذه اللجان بموجب الأمر القانوني رقم 58- 1100 بتاريخ 17 نونبر 1958، ولم تتم دسترتها سوى مع المراجعة الدستورية ل 23 يوليوز 2008. يتم إحداثها في شروط قانونية مخففة بالمقارنة مع بلادنا، وذلك بمبادرة من نائب برلماني أو أكثر، ويعرض اقتراح إحداثها على اللجنة البرلمانية الدائمة المعنية، وبناء على تقرير هذ اللجنة يعرض الطلب على الجلسة العامة، ولا يمكن الاعتراض على الطلب إلا بأغلبية ثلاثة أخماس 5/3 نواب المجلس المعني.
تاريخيا تعود أول المطالب في المغرب لإحداث لجان تقصي الحقائق إلى سنة 1963 في أعقاب فضيحة الزيوت المسمومة بمكناس، وبعد ذلك على إثر الأحداث الدامية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء سنة 1965،  ولكن عمليا كان ينبغي انتظار سنة 1979 تاريخ تشكيل أول لجنة لتقصي الحقائق، وقد تأخر اعتماد هذه الوسيلة لفائدة البرلمان للرقابة على أعمال الحكومة في الدستور المغربي حيث لم يقع التنصيص عليها سوى في التعديل الدستوري لسنة 1992، وعلى الرغم من أن إحداث لجان تقصي الحقائق في المغرب يعود إلى سنة 1979، التي شهدت في 30 ماي من نفس السنة تشكيل أول لجنة برلمانية للبحث والتقصي حول تسريب مواد امتحانات الباكالوريا لدورة مايو.
وقد تم  تشكيل هذه اللجنة بمبادرة من الملك على غرار تشكيل لجنة التقصي في أعقاب أحداث فاس سنة 1990، حيث أن البرلمان لم يكن بإمكانه وإلى غاية سنة 1992 إحداث لجان للتقصي، إذ وعلى الرغم من أن البرلمان قد حاول تجاوز حالة الفراغ الدستوري هذه من خلال تضمين نظامه الداخلي مقتضى ينص على أحقيته في تشكيل لجان للبحث والتقصي، فإن الغرفة الدستورية قد اعترضت على هذا الأمر وأصدرت قرارها بعدم دستورية المادة 44 من النظام الداخلي لمجلس النواب سنة 1985 لما ورد فيها من مقتضيات تتعلق بتشكيل لجان لتقصي الحقائق، بالنظر إلى أن الدستور لم يكن قد نص عليها بعد، وجاء في نص القرار أن الدستور قد حدد على سبيل الحصر اختصاصات مجلس النواب والحكومة، وأن كل واحدة من هاتين السلطتين تتمتع بكامل الحرية في نطاق اختصاصاتها، وقد أحدث الدستور نوعا من التعاون بينهما ونظمه بحيث أسند كذلك لمجل النواب مراقبة عمل الحكومة، غير أنه لم يجعل هذه المراقبة مطلقة، وبدون حدود، بل نظمها هي الأخرى ونص على سبيل الحصر على وسائل ممارستها، وحدد كيفية استعمال هذه الوسائل وذلك في الفصول 49 و55 و74 و75، أما لجان البحث والتقصي، فإنه لم ينص عليها في أي فصل من فصول الدستور، لذلك لا يسوغ ان تضاف إلى هذه الوسائل للرقابة وسائل أخرى بواسطة القانون الداخلي، إذ ان الاختصاص في هذا الميدان الخاص بالعلاقة بين السلطة التشريعية والحكومة والذي يمس بالتوازن بينهما يرجع إلى الدستور. 
وإلى غاية تاريخه عرفت بلادنا تشكيل ما مجموعه سبع لجان  للتقصي فحسب في هذا المجال اثنتان منهما بمبادرة من الملك، وواحدة من طرف مجلس المستشارين وأربع من قبل مجلس النواب كما يلي:
-         لجنة برلمانية للبحث والتقصي حول تسرب مواد امتحانات الباكالوريا لدورة ماي 1979،بتاريخ 30 ماي 1979؛
-         لجنة تقصي الحقائق عقب أحداث فاس على إثر الإضراب العام، بتاريخ 11 دجنبر 1991؛
-         لجنة نيابية لتقصي الحقائق في موضوع المخدرات، بتاريخ 28 دجنبر 1995؛
-         لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول وضعية مؤسسة القرض العقاري والسياحي، ماي 2000؛
-         لجنة لتقصي الحقائق، بشأن اختلاسات صندوق الضمان الاجتماعي ، مجلس المستشارين في نونبر 2001؛
-         لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول الأحداث التي عرفتها مدينة سيدي إفني، بتاريخ 18 يونيو 2008؛
-         لجنة نيابية لتقصي حقائق أحداث كديم إيزيك وأعمال العنف والشغب بمدينة العيون، بتاريخ 27 نونبر 2011.
وهذا ما يعكس هامشية تفعيل هذه الوسيلة خصوصا من طرف المؤسسة البرلمانية بغرفتيها، بالمقارنة مع الدول الأخرى كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا التي تعرف حركية نشيطة في هذا المجال، فمثلا في الفترة من 2002 إلى 2007 فقط عرفت إحداث 12 لجنة تحقيق 9 من بينها تم تشكيلها على مستوى الجمعية الوطنية، و3 من طرف مجلس الشيوخ.
إن ظاهر النص الدستوري يفيد أنه بالإمكان تشكيل لجان للبحث والتقصي في أي موضوع يرغب فيه النواب، ولكن الواقع والمنطق يفرضان ألا يتم تشكيلها سوى بالنسبة لقضايا على قدر مبرر من الأهمية والخطورة، وتحظى بصدى قوي لدى الرأي العام.
ومهما يكن من أمر فعالية هذه اللجان في مجال الرقابة على أنشطة الحكومة، فإنها تظل محدودة ليس في بلادنا فحسب، بل في كثير من الدول التي تعتمد هذه الآلية وذلك بسبب وجود مجموعة من القيود التي تكرس عدم فعاليتها، والتي تجد  مصدرها في المغرب مثلا في الدستور وفي القانون التنظيمي لهذه اللجان، فهي بموجب المادة 4 من القانون التنظيمي لا يمكن أن تتشكل في حالة ما إذا كانت القضية موضوع التحقيق قد فتحت بشأنها متابعة قضائية، وإذا حدث وتم تشكيلها ثم فتحت مسطرة للمتابعة القضائية بعد ذلك فإنه يتم وضع حد لعمل اللجنة بقوة القانون وهو مقتضى موجود في القانون الفرنسي كذلك؛
وعلى الرغم من أن المادة 8 من نفس القانون التنظيمي تنص على حق اللجنة في الاطلاع على كل المعلومات التي تيسر مهمة عمل اللجنة، وفي الحصول على الوثائق، والاستماع إلى إفادات الأشخاص أو الشهود. إلا أن هذه الأمور بدورها محاطة بقيود تحد من عمل اللجنة فبموجب نفس المادة تستثنى الوثائق التي تكتسي طابعا سريا يتعلق بالدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، كما أن المادة 9 من هذا القانون التنظيمي تسمح لرئيس الحكومة في الحالة التي ترتئي فيها اللجنة جمع معلومات حول وقائع تتعلق بالدفاع الوطني أو بالأمن الداخلي أو الخارجي أو بعلاقات المغرب مع الدول الخارجية أن يعترض بسبب الطابع السري للوقائع المراد جمع المعلومات حولها، وله أيضا أن يرفض تسليم الوثائق المطلوبة إلى اللجنة، وأن يمنع الأشخاص المعنيين من الإدلاء بشهاداتهم أمام اللجنة، في استلهام للمقتضيات القانونية الفرنسية التي تفرض السرية على القضايا ذات الصلة بالدفاع الوطني والشؤون الخارجية وأمن الدولة الداخلي والخارجي.
وفضلا عن القيود القانونية السابقة لابد من الإشارة إلى وجود قيد زمني على عمل لجان التحقيق بموجب المادة 16 من القانون التنظيمي الخاص بها، حيث تكون مطالبة بإنهاء أشغالها في غضون ستة أشهر من تاريخ إحداثها، وإيداع تقريرها لدى رئاسة المجلس التابعة له، مع إمكانية تمديد الأجل لمدة 30 يوما إضافية في انتظار فصل المجلس الدستوري، في الخلاف الذي يمكن أن يحدث بين الحكومة ومجلس النواب على النحو الذي تقتضيه أحكام المادة 20 من القانون التنظيمي، التي تنص على أنه إذا حدث خلاف حول تطبيق أحكام هذا القانون التنظيمي وحال ذلك دون سير أعمال اللجنة بصورة عادية، جاز للوزير الأول أو لرئيس مجلس النواب عرض الخلاف على المجلس الدستوري ويبت هذا المجلس في الأمر داخل أجل لا يزيد على ثلاثين يوما من تاريخ رفعه إليه" مما يعني أن المدة الممكن تمديد عمل اللجنة خلالها لا تتجاوز في أقصى الحالات شهرا واحدا، ويمكن أن تنزل إلى ما دون ذلك، علما بان اللجنة في هذه الحالة تكون في وضعية عالقة بسبب عدم وضوح موقعها إزاء القانون، وبالتالي لا يمكن تصور عملها بشكل فعال في ظل خلافات مع الحكومة.
ويبقى أبرز ما جاء به لتنظيمي رقم 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق من خلال المادة 6 منه هو أنه قد أناط مهمة رئاسة اللجن، أو مهمة المقرر حسب الحالة وجوبا بنائب ينتمي إلى المعارضة.

II- إثارة المسؤولية السياسية للحكومة


بالنسبة للوسائل القانونية لتأكيد مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، فإن الدستور الحالي قد أدخل تحولات جذرية ومهمة في هذا المجال، ويمكن القول بصفة عامة أنه بقدر ما جاء بمستجد مهم يؤطر مسؤولية الحكومة أمام البرلمان منذ تعيينها، وحتى قبل أن تباشر مهامها بشكل فعلي وحقيقي من خلال آلية التنصيب، فإن الدستور الحالي قد عمل من ناحية أخرى على تطوير الآليات المتعلقة بسحب الثقة وملتمس الرقابة بالمقارنة مع ما كان منصوصا عليه في دستور 1996 بالأساس.

1- تنصيب الحكومة

طبقا للفصل 88 من الدستور فإن الحكومة تقدم أمام غرفتي البرلمان المجتمعتين في مجلس واحد البرنامج الذي تتطلع إلى تطبيقه بمجرد تعيينها.   وبعد مناقشة البرنامج أمام كل غرفة على حدة يتم التصويت عليه بغرفة النواب، ولا يمكن تنصيب الحكومة سوى بعد الحصول على ثقة هذا المجلس، المعبر عنها بالأغلبية المطلقة لأعضائه.
وجدير بالذكر أن الحكومة يمكنها أنتباشر بعض المهام مباشرة بعد تشكيلها وقبل التنصيب باعتبار أن  البند الأخير من الفصل 47 من الدستور، ينص على أن الحكومة المنتهية ولايتها تستمر في تصريف المهام العادية إلى غاية "تشكيل" وليس "تنصيب" الحكومة الجديدة. ذلك أن هاجس ضمان استمرارية سير مؤسسات الدولة، قد دفع المشرع الدستوري إلى إلزام الحكومة المنتهية ولايتها بالاستمرار في تدبير قضايا الدولة. ومن هذا الفصل يمكن أن نفهم بوضوح أنه بمجرد تبادل السلط يمكن للحكومة الجديدة أن تباشر القضايا اليومية للتدبير الحكومي وذلك إلى غاية تنصيبها.
لكن وبالرغم من ذلك فإنها لا تعتبر قائمة بشكل كامل سوى بعد استيفاء شرط التنصيب الذي يمكن اعتباره بمثابة مسطرة تتوجه إلى إثارة مسؤولية الحكومة أمام البرلمان. وهي مسألة ليست جديدة بالكامل، بل وجدت أيضا في النصوص الدستورية السابقة خاصة سنتي 1992 و 1996، غير أن مصطلح التنصيب لم يكن له أبدا وجود دستوري. وحول هذه النقطة يقول الأستاذ فوديل أن الدستور المغربي يبرز الطابع البرلماني للنظام أكثر من نظيره الفرنسي، لأنه في فرنسا فإن الحكومة بعد تسميتها ليست ملزمة بان تقدم برنامجها أمام البرلمان، كما أن تصويت النواب على البرنامج ليس إلزاميا، وفي كثير من الحالات باشرت الحكومة الفرنسية مهامها بمجرد تعين أعضائها دون أن تتقدم بأي تصريح أمام البرلمان، وهو ما يعتبر الأستاذ فوديل أن الدستور الفرنسي مدعو إلى التأسي بهذا التغيير الدستوري بالمغرب.
ففي إطار دستور 1996 والذي استعاد في هذا المجال مضامين دستور 1992 فإن تقديم البرنامج الحكومي يرتبط بنيل الثقة وليس بالتنصيب.  فبعد تعيينها تقوم الحكومة بتقديم برنامجها، ولكي يتم استبعاده  وبالتالي إقالة الحكومة كان الأمر يتطلب الأغلبية المطلقة للأعضاء المشكلين لمجلس النواب. أي أن مصير البرنامج وبالتالي الحكومة كان مشروطا بأغلبية سلبية، وتبقى الحكومة قائمة ما لم تجتمع ضدها أغلبية مطلقة. لكن حاليا العكس هو الصحيح، لأن التنصيب سابق على الثقة.
دستوريا وإذا تمسكنا بمقتضيات الفصلين 49 و 92 من الدستور، فإن هذا البرنامج يجب أن يتم التداول بشأنه أمام المجلس الوزاري، ولكن كما رأينا مع تعيين أول حكومة بعد دستور 2011 فإن الأمر لم يتم بهذا الشكل. فالبرنامج الحكومي تمت المصادقة عليه في المجلس الحكومي المنعقد يوم الثلاثاء 17 يناير 2012 وتم تقديمه أمام غرفتي البرلمان المجتمعتين معا يوم الخميس 19 من نفس الشهر، في حين أن أول مجلس وزاري بعد تعين أعضاء الحكومة لم ينعقد سوى يوم الاثنين 7 فبراير 2012. فهل يتعلق الأمر بعرف دستوري يتوافق مع روح الدستور وليس مع منطوقه؟ أم أن الأمر يتعلق بإرادة لمنح الحكومة مزيدا من الاستقلالية؟ . إن الحكومة باعتبارها منبثقة عن انتخابات، تتطلع إلى تطبيق برنامجها وإلى أن تكون مسؤولة عنه أمام المؤسسة التي تحوز ثقتها. وهذا ما يظهر من خلال مراقبة نشاطها.

2- سحب الثقة من الحكومة

يترتب الحق في سحب الثقة من الحكومة من قبل مجلس النواب بداهة بكون تنصيبها مرتبط بحصولها على ثقته  وحسب الفصل 88 من الدستور فإن الحكومة وبمجرد تعيينها تقدم أمام غرفتي البرلمان المجتمعتين في مجلس واحد برنامج العمل الذي تتطلع إلى تطبيقه، وبعد مناقشة البرنامج أمام كل غرفة على حدة يتم التصويت عليه بغرفة النواب، ولا يمكن تنصيب الحكومة سوى بعد الحصول على ثقة هذا المجلس، المعبر عنها بالأغلبية المطلقة لأعضائه.
في النظام السياسي الذي لا تبدأ فيه الحكومة في ممارسة اختصاصاتها سوى بعد التنصيب، فإن المسطرة المنصوص عليها في الدستور واضحة أي أن الحكومة لا يمكن أن تباشر مهامها سوى بعد تنصيبها من طرف البرلمان هكذا ففي إسبانيا وطبقا للفصل 99 من الدستور فإن المرشح المقترح من طرف الملك لتولي منصب رئيس الحكومة  يعرض أمام غرفة النواب البرنامج السياسي للحكومة التي ينوي تشكيلها ويطلب ثقة المجلس، وبعد الحصول على هذه الثقة فقط يشرع في تشكيل حكومته. لكن الأمر مختلف بالنسبة للمغرب لأن الفصل88 من الدستور المغربي ينص على أن تقديم البرنامج أمام البرلمان لا يتم سوى بعد تعيين أعضاء الحكومة. ومن هنا نستنتج أن الحكومة توجد قانونيا منذ تعيينها، ولكنها غير مؤهلة لتنفيذ برنامجها سوى بعد تنصيبها بناء على ثقة مجلس النواب.
لقد أثير نقاش واسع بين فقهاء القانون الدستوري في ظل دستور 1996، بشأن ما إذا كان الوجد القانوني للحكومة يرتبط بتعيينها أم بتنصيبها، ورغم أن بعض الآراء قد مالت إلى كون التصويت على برنامجها يمثل تنصيبا، فإن الأغلبية من الفقهاء رجحت أن وجود الحكومة رهين بتعيينها فقط، وليس بتنصيبها، على اعتبار أن دستور 1996 قد ورد خاليا من تعبير التنصيب الذي يبرز بوضوح من خلال الفصل 88 من الدستور الحالي الذي جاء في فقرته الأخيرة " تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي"
لقد استأثر مجلس النواب تاريخيا بالحق في سحب الثقة من الحكومة عبر مجموع الدساتير التي عرفتها بلادنا منذ دستور 1962 (الفصل 80) أو بموجب دستور 1996 (الفصل 75). وإلى غاية الدستور الحالي (الفصل 103) .
وبذلك فإن إثارة مسؤولية الحكومة، ليست مستجدة في إطار الدستور الحالي، فقد كان منصوصا عليها في الدساتير السابقة، ولكنها حاليا قد أخذت معنى مستجدا على اعتبار أن الحكومة تنبثق من أغلبية برلمانية داخل الغرفة الأولى، وأنها إذا لجأت إلى إثارة مسؤوليتها أمام هذه الأغلبية، فإن الرباط أو العلاقة التي جمعت بينهما عند تنصيب الحكومة قد عرفت نوعا من الهشاشة، أو التلاشي، وإثارة مسؤولية الحكومة يمكن أن يحدث بمناسبة تصريح حول السياسة العامة، أو بمناسبة التصويت على مشروع نص قانوني معين، وتتخذ مبادرة إثارة مسؤولية الحكومة أم مجلس النواب بعد التداول بشأنها في مجلس الحكومة دون الرجوع إلى مجلس الوزراء، وهذا ما لم يكن منصوصا عليه في الدساتير السابقة. إن الأمر يتعلق إذن في هذه الحالة بعلاقة مباشرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، أي بين جهازين دستوريين هما مجلس النواب والحكومة، وذلك على خلاف ما كان معمولا به في إطار دستور 1996، حيث كان يتم التداول حول طلب الثقة من البرلمان داخل المجلس الوزاري.
لكن من الناحية العملية يستبعد لجوء رئيس الحكومة إلى هذا الإجراء حيث لا يتصور أن يلجأ إلا إذا كان واثقا من أغلبيته، وعلى الرغم من أن هذه الوسيلة قد نصت عليها الدساتير المغربية بأكملها، فإنه لم يسبق أبدا أن قام الوزير الأول بتفعيلها.
في مقابل هذا السلاح الذي يملكه مجلس النواب في مواجهة الحكومة فإن الدستور قد أقر مستجدا هاما يكمن في قدرة رئيس الحكومة على حل المجلس بموجب مرسوم، يتخذ في مجلس الوزراء، بعد استشارة الملك ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية، واتخاذ قرار الحل بموجب مرسوم يعني أن رئيس الحكومة هو الذي يوقعه، ومثل هذا المقتضى نادر في الدساتير المقارنة كإسبانيا حيث يكتفي رئيس الحكومة بتقديم مقترح للملك الذي يرسم قرار الحل، وفي الدستور الإيطالي تعود مبادرة حل البرلمان إلى رئيس الدولة على غرار ما هو معمول به في فرنسا وفي البرتغال مثلا.
لقد منح المشرع الدستوري هذا الامتياز لرئيس الحكومة من أجل إحداث توازن بين الجهازين التشريعي والتنفيذي، ولمواجهة السلطة التي يتوفر عليها مجلس النواب لسحب الثقة من الحكومة، ويمكن استعمال سلطة حل مجلس النواب بشكل استباقي كما في حالة في حالة المعارضة الاعتيادية لمشاريع الحكومة مثلا، أو بشكل استباقي للحيلولة دون تحريك ملتمس الرقابة. إذ يمكن لرئيس الحكومة أن يحل الغرفة الأولى، ويربط إعادة تشكيلها بإجراء انتخابات جديدة.
صحيح أن هذا الإجراء لا يمكن اتخاذه سوى في مجلس الوزراء وبعد استشارة الملك، ولكن هذا لا يجب أن يحجب كونه يتعلق بقرار لرئيس الحكومة، مع كل ما يستتبعه من آثار سياسية، والتي يمكن أن تترجم بواسطة نتائج الانتخابات التي قد تفضي إما إلى موافقة الناخبين على قراره من خلال تصويتهم لفائدة حزبه ومنحه الفوز ولم لا أغلبية المجلس، وإما بدفعه إلى الرحيل بعدم التصويت على الهيئة السياسية التي ينتمي إليها.
وفي الحالتين معا، فإن اللجوء إلى حل مجلس النواب من طرف رئيس الحكومة يختلف عن الحل الذي يقوم به الملك، بموجب الفصل 96 من الدستور بصفته حكما للعبة السياسية، حيث يحل الملك الغرفتين معا بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، وتوجيه خطاب إلى الأمة.
إن صدور قرار الحل عن رئيس الحكومة بنفسه له دلالة واضحة، ويمثل مظهرا مهما لاستقلالية  مؤسسة الحكومة التي يهدف المشرع الدستوري إلى تقويتها، علما بأنه كان بمقدوره أن يترك هذه الإمكانية للملك ليمارسها بمبادرة منه، أو بطلب من رئيس الحكومة عندما يستشعر خطر تحريك ملتمس للرقابة.    

3- ملتمس الرقابة

في ما يتعلق بصلاحية تقديم ملتمس الرقابة يسجل وجود تباين أو مد وجزر في هذا المجال. ففي الوقت الذي حصر فيه دستور 1962 في فصله 65 مبدأ مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب، وليس أمام مجلس المستشارين، على غرار ما هو منصوص عليه في الفصل 46 من الدستور الفرنسي الذي أقر مسؤولية الحكومة أمام الجمعية الوطنية دون مجلس الشيوخ، فإن دستور 1996 قد ساوى بين المجلسين في ما يتعلق بإثارة مسؤولية الحكومة بواسطة ملتمس الرقابة، حيث منح هذه الإمكانية لمجلس النواب، بموجب الفصل 75 منه، ولمجلس المستشارين وفقا لأحكام الفصل 77 مع اختلاف في الشروط المطلوبة لتحريك كل منهما لهذه الأداة الرقابية.
وفي هذا الإطار فإن الملتمس الذي يقدم من طرف مجلس النواب يتطلب توقيع ربع ¼ أعضاء المجلس، مقابل ثلث 3/1 من الأعضاء عندما يتعلق الأمر بطلب المقدم من طرف مجلس المستشارين، أما بالنسبة للتصويت على الملتمس فيتطلب الأغلبية المطلقة من لدن مجلس النواب وأغلبية الثلثين 3/2 من أعضاء مجلس المستشارين.
بالموازاة مع التقنيات الكلاسيكية للمراقبة فإن المشرع الدستوري تمسك بمسطرة معروفة سلفا في دستور سنة 1996 لفائدة الغرفة الثانية تحت  تسمية "ملتمس التنبيه" (الفصل 77 من دستور 1996) قد أعاد الأخذ بها مع تسميتها ب "ملتمس المساءلة"، مع إدخال تعديلات عليها من أجل جعلها أكثر سهولة للولوج والاستعمال، حيث يجب أن يتم توقيعها من طرف خمس5/1 أعضاء مجلس المستشارين على الأقل، بعد أن كانت في ظل دستور 1996 توقع من طرف ثلث 3/1 أعضاء المجلس، ويتعين حاليا أن يتم التصويت عليها من طرف الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس والهدف منها هو أن يتقدم رئيس الحكومة خلال ستة أيام بجواب عن الالتماس، لكن هذه المسطرة لا تمثل أي خطر مادام أنها في جميع الحالات متبوعة بنقاش وبدون تصويت، وفي حد ذاتها فإن هذه المسطرة لا تنطوي على خصوصيات مميزة إذا ما استثنينا كونها تسمح بفتح نقاش مع رئيس الحكومة باعتباره مسؤولا عن سياسته، وبتوجيه رسائل خاصة إليه بشأن ما إذا كانت أجوبته غير كافية أو تبريراته غير مقنعة، مع ما قد يترتب عن ذلك من خدش أو مساسا بصورته في عيون الرأي العام، واحتمالا لدى نواب الغرفة الأولى، بشكل قد يؤدي إلى تحريك ملتمس سحب الثقة منه في الغرفة الأولى.  
من خلال ملتمس الرقابة يملك مجلس النواب سلاحا مدمرا تجاه الحكومة ويرتبط كل شيء بداهة بشروط تفعيل هذا الملتمس، فهو مقيد بقواعد للنصاب موجبة لإبطال هذا الطلب وبدلك فهو لا يشكل سوى فزاعة أو طعما مخادعا. ويمكن ان يكون موضوع دراسات فقهية رائعة ومفيدة ولكن لا يمكن أن يكون له معنى فعلي إلا إذا كان بالإمكان ممارسته من دون صعوبات كبيرة، وأن يتم تحريكه دون الحاجة إلى الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس، وفي هذا الاتجاه عمل المشرع الدستوري المغربي على تخفيف شروط قبول ملتمس الرقابة حيث ينبغي أن يكون موقعا من طرف خمس 5/1 أعضاء مجلس النواب على الأقل أي 79 عضوا من أصل 395 نائبا، في حين أن دستور 1996 كان يحدد النصاب في ربع 4/1 عدد الأعضاء أي 77 من أصل 355 نائبا ومن أجل المصادقة على الملتمس فإن المشرع الدستوري قد اشترط الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس أي 198 من أصل 395 هو العدد الإجمالي لأعضاء مجلس النواب.
واشتراط الأغلبية المطلقة يبدو متجانسا مع الأغلبية المحصل عليها عند التنصيب، فعلى أساس الأغلبية المطلقة تم منج التنصيب وتطبيقا لمبدأ توازي الأشكال يتعين اعتماد نفس الأساس لسحب هذه الثقة سواء تم ذلك بموجب إثارة مسؤولية الحكومية أو بواسطة مجلس الرقابة وفي الحالتين معا فإن النقاش لا يحدث سوي بين مجلس النواب والمؤسسة الحكومية التي تنبثق عنه وتعتبر مسؤولة أمامه.
وبالإضافة إلى ملتمس الرقابة الذي يمارس من قبل مجلس النواب، يتوفر مجلس المستشارين على الحق في تقديم ملتمس مساءلة لا تترتب عنه أي مسؤولية سياسية، وهذا ما تنص عليه المادة 106 من الدستور، والتي تقر بأن “لمجلس المستشارين أن يسأل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على الأقل خمس أعضائه، ولا يقع التصويت عليه، بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه، إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء هذا المجلس”، و “يبعث رئيس مجلس المستشارين، على الفور، بنص ملتمس المساءلة إلى رئيس الحكومة، ولهذا الأخير أجل ستة أيام ليعرض أمام هذا المجلس جواب الحكومة، يتلوه نقاش لا يعقبه تصويت”.
وبالنظر إلى أن تنصيب الحكومة منوط بمجلس النواب فقط، فإنه من الطبيعي ألا يتوفر مجلس المستشارين على أية صلاحية لإسقاط الحكومة بواسطة ملتمس المساءلة الذي وإن كانت تترتب عنه مناقشة، فإنه لا يكون متبوعا بتصويت.
إن ما يقابل ملتمس الرقابة ليس هو سلطة حل مجلس النواب من طرف رئيس الحكومة بل هو الحل الذي يتم من طرف الملك وهي صلاحية تم التنصيص عليها  في كل الدساتير المغربية السابقة والتي تفرض نفسها كضرورة لإحداث التوازن بين السلطات فالملك يتصرف بوصفه حكما وهو عند قيامه بحل احدى غرفتي البرلمان أو كليهما يقوم في الواقع بإشراك المواطنين أو الناخبين على وجه الخصوص في إعادة توازن المشهد السياسي.
يجب هنا أن نوضح أنه عمليا فإن حل  مجلس النواب من طرف رئيس الحكومة لا يمكن أن يتم سوى بشكل سابق على إثارة ملتمس الرقابة وليس بعده لأنه من طبيعة الأمر أنه إذا تم ايداع ملتمس للرقابة وإقراره بالأغلية المطالبة فإن الحكومة بأكملها تسقط أما إذا تم ايداع الملتمس ولم يحصل على الأغلبية فلن يوجد هناك ما يدعو إلى حل مجلس النواب من طرف رئيس الحكومة وهو متأكد من دعم الأغلبية له.
من الناحية العملية لم يتم تحريك ملتمس الرقابة في المغرب سوى مرتين الأولى في يونيو 1964 ضد حكومة أحمد با حنيني والثاني في سنة 1990 ضد حكومة عز الدين العراقي ويجب أن نوضح أن هذين الملتمسين قد تم تقديمهما في ظروف سياسية مشحونة وكان الغرض منهما هو فتح نقاش سياسي أكثر منه إسقاط الحكومة باعتبار أن الملتمس قد من طرف أقلية  في الحالتين معا وهي أقلية كانت تدرك استحالة إسقاط الحكومة ولكنها استعملت هذه الأداة لمحاكمة الاختيارات السياسية للحكومة.
وقد قدم الملتمس الأول مستندا على مقتضيات الفصل 81 من دستور 1962 الذي يتيح، لمجلس النواب، إمكانية معارضة مواصلة الحكومة لمهامها بالمصادقة على ملتمس رقابة يكون موقعا، على الأقل، من عشر الأعضاء. حيث أعلنت المعارضة ممثلة في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية معارضتها للاختيارات الاقتصادية للحكومة والتي أدت حسب المعارضة إلى انخفاض الإنتاج الوطني. والرفع من أسعار المواد الاستهلاكية، وعجز في خزينة الدولة و انخفاض احتياطي المغرب من العملة الصعبة. ولكن رغم ظاهره الاقتصادي فإن عمق الصراع كان سياسيا بسبب التطورات السياسية التي أعقبت إعفاء حكومة عبد الله إبراهيم سنة 1960، ومقاطعة الاتحاد الوطني للاستفتاء حول دستور 1962، ثم ما يعرف بمؤامرة 1963، وتأسيس جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية سنة 1963 والتي فازت بأغلبية مقاعد مجلس النواب رغم حداثة نشأتها. وبالنظر إلى قوة تمثيلية الأغلبية في البرلمان، ورغم انضمام حزب الاستقلال إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في التصويت لصالح الملتمس، فإنه لم يتوفق في الحصول على الأغلبية المطلوبة، حيث صوت له فقط 60  عضوا وكان يلزمه 13 عضوا إضافيا حتى يمكن أن يؤدي إلى إسقاط الحكومة لأن مجلس النواب كان يتكون آنذاك من 144 عضوا.
وتم تقديم الملتمس الثاني في الملتمس في 14 ماي 1990. وقدمه السيد عبد الحق التازي رئيس الفريق الاستقلالي باسم المعارضة ضد ما أسمته بالأزمة الاقتصادية والسياسية في المغرب، وهذا الملتمس بدوره لم يؤد إلى إسقاط الهدف منه ولكنه فتح المجال أمام مناقشات سياسية متميزة.       
وينبغي أن نوضح أنه حتى وإن لم يؤد ملتمس الرقابة إلى إسقاط الحكومة، فإن اللجوء إليه يكتسي أهمية كبرى، فقد كان في الواقع عاملا أساسيا ساهم في فتح نقاش عميق بشأن الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية، وفي إحداث تحولات كبرى في المشهد السياسي الوطني خلال العشرية الأخيرة من القرن الماضي وعلى المستوى الحقوقي بالأساس من خلال إعطاء دينامية لوضعية حقوق الإنسان بعد تشكيل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورجوع المنفيين وصولا إلى تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات