القائمة الرئيسية

الصفحات

تدبير الموارد والنفقات العامة للدولة بالمغرب

تدبير الموارد والنفقات العامة للدولة بالمغرب


تقديم  
الموارد و النفقات  العامة، أداة من أدوات السياسة المالية، التي تستخدمها الدولة والهيئات التابعة لها لبلوغ أهدافها، والوسيلة التي تتيح للحكومة تنفيذ برامجها الاقتصادية والاجتماعية وممارسة دورها التدخلي في مختلف مجالات الحياة. فبالنسبة للنفقات فإنها تتحدد في شكل مبالغ نقدية ينفقها شخص عام بهدف إشباع حاجات عامة. 
وتتجلى أهميتها, باعتبارها الضامن الأساسي لاستمرار الدولة, وتحريك عجلة نموها, في مختلف المجالات, في ظل تزايد النشاط المالي للدولة, وما يتسم به من تطور وتعقيد. بالإضافة إلى ما يتطلبه من موارد لتغطية حجم النفقات المرتفعة.
وفي هذا الإطار, فإن الموارد و النفقات العامة في المغرب تخضع لأحكام الدستور خاصة الفصول 39،75،76،77 ،القانون التنظيمي للمالية ، وقانون المالية.
لذلك فإشكالية موضوع الموارد والنفقات العامة، يمكن النظر إليها من زاوية تحصيل الموارد النتائج وصرف النفقات، أي مدى مساهمة النفقات العامة في تحقيق المنفعة العامة، بأقل التكاليف مع مراعاة جودة الخدمات.


ولما كانت النفقات العامة تحتاج إلى إيرادات عامة لتغطيتها حتى تتمكن الدولة من القيام بوظيفتها في إشباع الحاجات العامة، وتعمل الدولة على تدبير الموارد اللازمة لتغطية نفقاتها، باتباع سياسة مالية معينة تأخذ بعين الاعتبار حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تسودها في فترة معينة من مراحل تطورها، فإن الإيرادات العامة تصبح هي وسيلة الدولة في أداء دورها لتحقيق الإشباع العام.
وقد أدى تطور الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة، وازدياد نفقاتها العامة إلى تطور نظرية الإيرادات العامة، الأمر الذي تجلت أثاره في تطور حجم هذه الإيرادات و تعدد أنواعها وأغراضها و مصادرها، وتقوم المالية الحديثة بتقسيم الإيرادات العامة، على أساس التمييز بين أنواعها المختلفة، إلى أقسام يضم كل منها الموارد المتحدة في الطبيعة أو المتشابهة في الخصائص.

المبحث الأول: الموارد والنفقات العامة للدولة


في دراستنا للموارد العامة والنفقات سنقوم بتقسيم هذا المبحت إلى مطلبين : (المطلب الأول) يتعلق بالموارد العامة أما (المطلب الثاني) فسنتطرق فيه االنفقات العامة بالمغرب .

المطلب الأول : الموارد العامة

تتألف الموارد العامة للدولة من مجموعة من العائدات منها ما يدخل في إطار الموارد الجبائية والتي تحصل عليها الدولة بحكم ما تملكه من السيادة والسلطة على المواطنين ومنها موارد أخرى تحصل عليها الدولة بحكم ما تمارسه من أنشطة اقتصادية وأخرى تحصل عليها من مداخيل القروض أو ما يسمى بالموارد الاستثنائية أو غير الجبائية.

الفقرة الأولى: الموارد الجبائية

تدخل الموارد الجبائية  في إطار الموارد العادية التي تشكل أساس إيرادات الدولة، وتتسم بصفة الديمومة والتكرار والسنوية، وتتألف هذه الموارد من عائدات الضرائب والرسوم.
 وتعرف الضرائب باعتبارها فريضة مالية يدفعها الفرد جبرا إلى الدولة أو إحدى الهيئات العامة المحلية، بصورة نهائية مساهمة منه في التكاليف والأعباء العامة دون أن يعود عليه نفع خاص مقابل دفعها.
ومن خلال هذا التعريف يتضح أن الضريبة تشتمل على العناصر الرئيسية التالية:
1-   الضريبة فريضة مالية.
2-   الضريبة تدفع جبرا.
3-   الضريبة تدفع بصورة نهائية.
4-   الضريبة تدفع بدون مقابل.
وتنقسم الضرائب إلى نوعين أساسيين، ضريبة مباشرة وأخرى غير مباشرة.

I الضرائب المباشرة: هي التي تقتطع مباشرة من الدخل أو رأس المال المكلف،و تنصب مباشرة على ذات الثروة» و أشهر أنواعها الضرائب على الدخل و الضرائب على رأس المال .

أ- الضرائب على الدخل: تعتبر من أفضل أنواع الضرائب عدالة و مرونة لأنها ترتكز على المقدرة الحقيقة للمكلف المتمثلة بدخله من مختلف المصادر ومما لا شك فيه أن هذا النوع من الضرائب يعتبر مصدر هام من مصادر تمويل الموازنة العامة و توجيه النشاط الاقتصادي، و باعتبار أن ضرائب الدخل ذات طبيعة تصاعدية فهي تساعد على إعادة توزيع الدخل بين فئات المجتمع المختلفة، وحتى نتمكن من معرفة أنواع الضرائب المباشرة لابد من معرفة مفهوم الدخل.
تعريف الدخل: الدخل كما عرفه علماء المالية حسب نظرية المنبع (المصدر) هو: " كل ثروة قابلة للتقويم النقدي ويتأثر بصفة دورية من مصدر، يتمتع بقدر من الثبات خلال فترة زمنية معينة.
أما حسب نظرية الإثراء: هو كل زيادة في المقدرة الاقتصادية للمكلف بين فترتين أيا كان مصدر هذه الزيادة سواء اتسمت بالدورية أو لم تتسم بذلك و عموما يمكن اعطاء تعريف للدخل على أنه : " زيادة النقدية في قيمة السلع و الخدمات التي يستهلكها الشخص في خلال فترة زمنية معينة ومن هنا يمكننا أن نستخلص عناصر الدخل و هي
* أن يكون الدخل نقديا أو قابل للتقويم كالرواتب و الأجور.
* الدورية، يجب أن تتصف الدخول بصفة دورية كالرواتب التي يحصل عليها الأفراد و الموظفين و يمكن تقسيم الضريبة على الدخل إلى قسمين ، ضرائب تفرض على فروع الدخل وهي ما يطلق عليها الضريبة النوعية على فروع الدخل أو تفرض الضريبة واحدة على مجموع الدخل الذي يحققه الفرد من مصادر متعددة و هي ما يطلق عليها الضريبة العامة على الدخل .

1- - الضرائب النوعية على فروع الدخل:
تفرض الضرائب النوعية على فروع الدخل، الدخل المختلفة على أساس مصدر كل الدخل .
وفي هذا النوع تتعدد الأوعية الضريبية التي تفرض على أساسها الضريبة، فالشخص الواحد من الممكن أن يقوم بعدة أنشطة و بالتالي تتعدد الضرائب المفروضة عليه بحسب كل مصدر و يمتاز هذا النوع بتنوع أحكام الضريبة المطبقة بحسب مصدر وطبيعة كل دخل من حيث أسلوب تقديره و تحصيله أو سعر الضريبة ذاتها و يؤخذ على هذا النظام أنه يكلف الدولة الكثير من النفقات و إن الحصيلة عادة تكون قليلة بالإضافة إلى عدم إمكان تطبيق نظام الضريبة التصاعدية لعدم اتساع حجم الأوعية الضريبية.
2- - الضريبة العامة على الدخل:
وفقا لهذا النظام فإنه تفرض الضريبة الواحدة على مجموع الدخل المكلف، و هو يتميز بالبساطة و قلة النفقات نظرا لعدم تعدد عمليات الربط و التحصيل، وان كان يتطلب في الإدارة المالية قدرا كبيرا من الكفاءة الفنية و الإدارية و المحاسبية فضلا عن ذلك يمكن إدخال الظروف الشخصية للمكلف في الاعتبار الذي يستوجب النظر إلى إجمالي الدخل الذي يحققه، و من ثم إعادة الحد الأدنى اللازم للمعيشة و الإعفاء للأبعاد العائلية، إلا أنه يعاب على هذه الضريبة أنها تشكل عبء ثقيلا على المكلف.
ب - الضرائب على رأس المال:
و هي النوع الثاني من أنواع الضرائب المباشرة حيث تصيب هذه الضرائب رأس المال و هو وعاء يتصف بالثبات و عدم التجديد ، حيث يعرف الفكر المالي الحديث رأس المال على انه : « مجموع الأموال التي يمتلكها الشخص في لحظة معينة، سواء كانت أموالا عقارية أو منقولة، مادية أو معنوية تنتج دخلا نقديا أو عينيا أو خدمات أو لا تنتج شيئا».
و سنوضح فيمايلي أهم أنواع الضرائب التي تفرض على راس المال
1- - الضريبة الاستثنائية على رأس المال :
و تفرض بناءا على ملكية رأس المال و تهدف إلى التقليل في الفوارق المالية بين الأغنياء و الفقراء، وغالبا ما تتم في الحالات الاستثنائية كالحروب و الكوارث الطبيعية، مما يضطر بالدولة لمواجهة الزيادة في النفقات إلى فرض ضريبة مرتفعة السعر على رؤوس الأموال للحصول على ما تحتاج إليه من إيرادات وتتميز هذه الضريبة بغزارة حصيلتها الضريبية في وقت قصير لا يتأتى للدولة بالنسبة لأي ضريبة أخرىٍ
2- - الضريبة على زيادة رأس المال :
تفرض هذه الضريبة على أي زيادة تحدث في قيمة رأس المال سواء كان عقار أو منقولا، ولا يكون لإدارة المالك دخلا فيها، على اعتبار أن تلك الزيادة في قيمة رأس المال لم تحصل نتيجة جهل الممول و إنما بسبب ظروف طارئة غالبا ما تكون ظروف تحسينية وأيضا يبنى على اعتبار التغير الحاصل في الضروف الاقتصادية.
3- - ضريبة التركات :
تعتبر الضريبة على التركات من ضرائب رأس المال لأن وعاء هذه الضريبة تركة المتوفي، كما أنها تفرض في لحظة زمنية معينة عند حدوث واقعة الوفاة و انتقال هذه التركة إلى الورثة و سندها الاعتبارات العدلية بوجوب مساهمة من يملك أموالا لأسباب لا تعود لنشاط ، و إنما نتيجة حدوث ظروف غير عادية كالوفاة.

I I الضرائب الغير المباشرة :
و هي التي تقتطع بطريقة غير مباشرة من دخل أو رأس مال المكلف، و تنصب على استعمالات الثروة حيث أن الضرائب غير المباشرة لا تنصب على وجود المال و إنما على استعمالاته فهذه الضريبة تتبع الثروة في تنقلاتها و مراحل استعمالها.
و ماهو جدير بالذكر أن الضرائب الغير مباشرة تحتل مكانة بارزة في الأنظمة الضريبية المختلفة لغزارة حصيلتها بإضافة إلى سهولة جبايتها، كما أنها تتناسب مع فكرة العدالة الضريبية . و من أمثلة الضرائب الغير المباشرة نجد الضرائب الإنفاق، الضرائب على التداول، و الضرائب على الإنتاج و الرسوم الجمروكية.
أ- الضرائب العامة على الإنفاق:
و هي تلك الضرائب التي تفرض على جميع السلع و الخدمات، و هي ما يسمى أحيانا بالضرائب على الاستهلاك و هي تمتاز بأنها تراعي ظروف المكلف المالية وتأخذ بعين الاعتبار ظروف المنتج و التاجر و المستهلك، و قد تفرض هذه الضريبة على مرحلة ما من مراحل إنتاج السلعة أو نفرض ضرائب إجمالية على كافة مراحل الإنتاج التي تمر بها السلعة.

ب- الضرائب على التداول:
أساس فرضيتها هو انتقال الثروة، فبعد أن يحصل الفرد على دخله فإنه قد يقوم باستهلاك جزء منه و هذا الجزء من الدخل هو الذي يفرض عليه الضريبة عل الاستهلاك. أما الجزء الباقي من الدخل فإما إن يدخره أو يقوم باستثماره أو يقوم بالتصرف بالبيع في الأموال الموجودة لديه إلى شخص آخر، و في كلتا الحالتين فإن المشرع الضريبي يفرض ضريبة على التداولة وانتقال الأموال بين الأفراد و يطلق عليها الضرائب على التداول، و من أمثلة الضرائب على التداول ضريبة الدمغة و الضريبة على التسجيل.

ج- الضرائب على الإنتاج :
و تعني ربط الضريبة على السلعة في مرحلة الإنتاج حيث يستطيع المنتجون نقل الضريبة إلى المستهلكين عن طريق إضافتها إلى سعر السلعة، و تجري العادة أن يتم ربط الضريبة على السلعة في مراحل إنتاجها النهائية لأن ربطها في مراحل إنتاجها الأولى يؤدي إلى تكرارها، وأيا كانت المرحلة التي تفرض و تحصل فيها الضريبة فإن المنتج هو الذي يقوم بدفع الضريبة و يضيف مقدارها إلى ثمن السلعة أي أن المستهلك هو الذي يتحمل عبئها في النهاية.
و تتصف الضرائب على الإنتاج بعدة صفات ايجابية من أهمها :
- سهولتها بعيدا عن الإجراءات المتعلقة بفرض الضرائب الأخرى.
- غزارة حصائلها نظرا لتعدد و كثرة أوعيتها الإنتاجية و في العادة يفرض هذا النوع من الضرائب على السلع المنتجة محليا و بهذا تختلف عن الرسوم الجمركية التي تفرض على السلع المنتجة و المستوردة من الخارج

د- الرسوم الجمركية:
تعد من أهم أنواع الضرائب غير المباشرة على الإطلاق و خاصة الضرائب على استهلاك سلعة معينة، و يرجع ذلك إلى غزارة الحصيلة الضريبية بسبب ضخامة حركة التجارة الدولية على المستوى العالمي. و تهدف الضرائب الجمركية إلى تحقيق عدد من الأهداف المالية بقصد زيادة حصيلة الإيرادات العامة وأهداف اقتصادية لتحقيق حماية الصناعات الوطنية و أهداف اجتماعية للحد من استهلاك الكماليات و التشجيع على استهلاك الضروريات و تقسم هذه الضرائب إلى نوعين أساسيين :
- ضرائب الاستيراد: و تفرض بمناسبة دخول السلع الأجنبية إلى داخل حدود الدولة.
- ضرائب التصدير: وتفرض بمناسبة خروج السلع الوطنية خارج حدود الدولة
أما بالنسبة لتحصيل الضرائب الجمركية فإنه يفرق بين نوعين من الضرائب:
- الضرائب القيمية :
تفرض على القيمة النقدية للسلع المستوردة و تشمل ثمنها وكلفة نقلها و تأمينها. وتكون عادة بنسبة مئوية من قيمتها و تتسم بالسهولة و الوضوح و المرونة و قلة التكاليف
- الضرائب النوعية:
وتفرض هذه الضريبة على أساس تحديد مبلغ معين على كل وحدة من وحدات السلعة سواء كانت وحدة قياس أو وزن أو حجم أو عدد. و تتميز بالبساطة و سهولة تحصيلها لأن سعرها يكون ثابتا لا يتغير بتغيير النوع.
ويظهر من المعطيات الرسمية المقدمة خلال مناقشة مشروع القانون المالي لسنة 2015،أن بنية المداخيل الجبائية عرفت خلال السنوات الأخيرة تحولات لصالح الضرائب المباشرة، حيث بلغت حصة  الضرائب المباشرة في إجمالي المداخيل الجبائية 44,8 % في المتوسط ما بين سنتي 2005 و 2012 مقابل % 38,8 ما بين سنتي 2001 و 2004 ،مما يبرهن على تحسن توزيع العبء الضريبي على الملزمين.
وارتفعت حصة مداخيل الضريبة على الشركات في مجموع المداخيل الجبائية منتقلة إلى 24,4 % ما بين 2006 و 2012 ، مقابل 17,1 % ما بين 2001 و 2005 ،مع تسجيل نسب عالية بلغت 27,7 % سنة 2008 و 28,1 % سنة 2009 ، وذلك، رغم التخفيض التدريجي لمعدل الضريبة من 35 % سنة 1995 إلى 30 % سنة 2008  ،ويعزى هذا الأداء الإيجابي إلى النتائج الجيدة التي حققتها الشركات وإلى المجهودات المبذولة من طرف الإدارة الضريبية.
وبالرغم من هذا الأداء،لا تزال الضريبة على الشركات تهم عددا محدودا من الملزمين، حيث تتأتى 80 % من الإيرادات برسم هذه الضريبة من 2% فقط من الملزمين. وارتفعت هذه المداخيل سنة 2012 بنسبة 9,7 % لتبلغ 43,2 مليارات درهم، ويعزى الانخفاض المسجل لمداخيل الضريبة على الشركات، عند متم الأشهر الثمانية الأولى لسنة 2013 ، إلى تراجع إيرادات خمس شركات من بينها المكتب الشريف للفوسفاط، مما يدل على اعتماد هذه الضريبة على مساهمات كبار الملزمين. وهكذا، يعد وضع نظام ضريبي يراعي خاصيات النسيج الإنتاجي الذي تطغى عليه المقاولات الصغرى والمتوسطة من الأولويات الأساسية.
أما بالنسبة للرسوم الجمركية، فقد استمر تراجع مداخيلها نتيجة استمرار التأثير السلبي للتفكيك الجمركي.
وفيما يلي مبيان يبرز تطور الموارد الجبائية (التقرير الاقتصادي والمالي لسنة 2015 ص91)

الفقرة  الثانية: الموارد غير الجبائية

وتتنوع الموارد غير الجبائية للدولة ، فهناك مداخيل من أملاكها العامة والخاصة من جهة، وهناك القروض من جهة أخرى. ويقصد بأملاك الدولة كل ما تملكه الدولة كانت ملكية عامة أو خاصة ويسمى  "الدومين" والذي ينقسم إلى "دومين  عام " و "دومين خاص".
أما بالنسبة للقروض فتحدد حسب مجموعة من المعايير ،فهناك القروض الخارجية والداخلية، وهناك القروض المثمرة و غير المثمرة،وهناك القروض المؤبدة والقروض المؤقتة، وهناك القروض الإجبارية والقروض الاختيارية.
وتشمل مداخيل أملاك الدولة العامة ممتلكاتها المخصصة للاستعمال العام مثل الطرق والمستشفيات والمدارس والتي تحقق نفعا عاما، والأصل في هذه الممتلكات هو استخدامها من طرف العامة بالمجان وبدون إذن مسبق، لكن قد تعمد الدولة إلى فرض رسوم مقابل الانتفاع بها، فنجد الدولة في بعض الأحيان تفرض رسوما مقابل دخول الحدائق والمنتزهات العامة، وذلك بغية تنظيم هذه الممتلكات أو تغطية بعض النفقات العامة أو صيانتها.
أما مداخيل أملاك الدولة الخاصة فتهم ممتلكات الدولة الخاصة من منشآت إنتاجية وزراعية وتجارية وهي منشآت تهدف إلى الربح وتحقيق عائد مادي للدولة، وتخضع لأحكام القانون الخاص، وتأخذ ممتلكات الدولة الخاصة عدة أشكال، منها ممتلكات الدولة العقارية ، وهي الأقدم حيث كانت الدولة في عهد الإقطاع تعتمد عليها بشكل أساسي في تمويل خزينتها، وذلك من خلال استغلالها بنفسها أو تأجيرها للأفراد، ويتكون هذا الدومين من الأراضي الزراعية والمناجم والغابات.
ثم هناك ممتلكات الدولة المالية،وهي عبارة عن ممتلكات  من الأوراق المالية، وتمثل الأسهم والسندات، وتدر هذه الأوراق أرباحا وفوائد تشكل جزءا من الإيرادات العامة، ويمكن إدخال مساهمة الدولة في شركات الاقتصاد المختلط ضمن هذا الدومين .
بالإضافة إلى ممتلكات الدولة الصناعية والتجارية (ما يسمى الدومين الصناعي والتجاري)، ويدخل في هذا الإطار جميع الأنشطة الصناعية والتجارية التي تقوم بها الدولة، فانتقال دور الدولة من الحارسة إلى الدولة المتدخلة ثم المنتجة أدى إلى تطور كبير في مجالات تدخل الدولة خاصة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية مما نتج عنه تملك الدولة لمرافق عامة صناعية وتجارية تمارس من خلالها أنشطة تجارية وصناعية شبيهة بأنشطة الأفراد.
وبخصوص  القروض العامة، فهي مبلغ من النقود تحصل عليه الدولة من السوق الوطنية أو الأجنبية وتتعهد برده ودفع فائدة عنه لشروط معينة، ويعتبر هذا النوع من القروض من موارد تغذية الخزينة العامة.
وقد كان الفكر المالي التقليدي يعتبر القرض العام من قبيل وسائل التمويل الاستثنائية التي تلجأ الدولة إليها لمواجهة بعض الظروف الطارئة أو الموسمية مثل الحروب والكوارث، لكن مع تطور الفكر المالي تحولت النظرة إلى هذه الأداة من مجرد وسيلة لتمويل بعض النفقات غير العادية إلى وسيلة لتغطية نفقات الدولة العادية وتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والقرض الداخلي هو ذلك المبلغ المالي الذي تحصل عليه الدولة من مقرضين مقيمين داخل الوطن ويكون عبارة عن دين يجري الاكتتاب في سنداته من قبل المواطنين. وتلجأ الدولة إلى هذا النوع من القروض عندما ترى أن هناك حاجة ماسة لاستثمار مدخرات الأفراد لتغطية نفقات الحروب أو تمويل مشاريع إنمائية حيوية كما تكون القروض الداخلية مصحوبة بإغراءات وفوائد مالية للمقترضين مما يشجعهم على الاكتتاب في هذا النوع من القروض.
أما القرض الخارجي فهو الذي تحصل عليه الدولة من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين خارج الدولة وذلك من خلال الأسواق المالية الخارجية والمؤسسات المالية الأجنبية أو الدولية.
والقرض المؤقت هو ما تلتزم الدولة بسداده في زمن معين وقد يكون قصير الأجل من ثلاثة أشهر إلى عامين أو متوسط الأجل من عامين إلى أقل 10 سنوات أو طويل الأجل من 10 سنوات إلى خمسين سنة.
ويقصد بالقرض المثمر ذلك القرض الذي يخصص لتنفيذ مشروع استثماري تنتج عنه موارد كافية لتسديد مبلغ القرض وفوائده، أما القروض غير المثمرة فهي القروض التي توجه للاستهلاك أو لتمويل الحروب فهي ديون تصبح عبئا ماليا ثقيلا على مالية الدولة.
أما القروض الإجبارية فهي اقتطاعات ذات طابع قسري بموجبه تقوم الدولة بإجبار الأفراد  والهيئات الخاصة بالتنازل عن جزء من دخولهم لفائدة الخزينة العامة مقابل تعهد بإرجاع أصل القرض والفوائد المستحقة لأصحابها بعد انتهاء مدة القرض.
وبالإضافة إلى كل ما سبق من الموارد العامة التي تقوم الدولة باستخلاصها تبقى هناك موارد متنوعة مثل:
-         حصيلة الغرامات.
-         الأجور عن الخدمات المقدمة والأتاوى.
-         أموال المساعدات والهبات والوصايا.
-         حصيلة بيع المنقولات والعقارات.
-         حصيلة الاستغلالات المالية للدولة وكذا الراجع من أرباح المؤسسات العمومية.
-         المبالغ الراجعة من القروض والتسبيقات والفوائد المترتبة عليها.

المطلب الثاني: النفقات العامة للدولة

اعتبارا لتتعدد أشكال الدولة حسب اختلاف النظم السياسية، فإن النفقات تنقسم وتتعدد لتناسب الدولة نظرا للارتباط الوثيق بين شكل الدولة وطبيعة الإنفاق، ففي ظل الدولة الحارسة لم يكن تقسيم النفقات العامة موضوعا يثير شغف الباحثين والاقتصاديين حيث كانت النفقات محدودة وموجهة لتقديم خدمات معينة، إلا أنه مع تطور الدولة وتحولها من خانة الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة ثم إلى دولة موجهة، ازدادت أهمية تقسيم النفقات العامة نظرا لتنوعها وتزايدها واختلاف آثارها.
بالنسبة لهذا المطلب سنقوم بتقسيمه إلى فقرتين حيت سنتناول في
الأولى معايير تقسيم النفقات العامة أما في الثانية فسنتطرق لأنواعها.

الفقرة الأولى: معاييرتقسيم النفقات العامة

تعددت أنواع النفقات العامة, بتعدد واختلاف معايير تصنيفها, حيث نجد ثلاث معايير أساسية في تقسيم النفقات العامة :
1-    معيار التكرار: التكرار الدوري للنفقة ويمكن التمييز وفق هذا المعيار بين النفقات العادية والنفقات الغير العادية
النفقات العادية هي تلك النفقات التي تتكرر كل سنة ويتم إقرارها بكيفية منتظمة في الميزانية السنوية للدولة ومن أمثلتها نفقات تسيير المرافق العامة كالنفقات المتعلقة بأجور الموظفين ونفقات صيانة البنيات الإدارية.
النفقات الغير العادية فهي التي لا تتكرر كل سنة لكونها نفقات طارئة واستثنائية ولا يمكن توقعها مسبقا ومن أمثلتها النفقات الاستثمارية نظرا للطابع الاستثنائي  لهذا النوع من النفقات فإنها تنتهي بمجرد زوال الظروف التي فرضتها وإذا استمرت هذه الظروف لعدة سنوات فان النفقات الغير العادية تتحول إلى نفقات عادية بحكم تكرارها سنويا.

2-   المعيار الوظيفي : تصنف النفقات بالاستناد عليه حسب الوظائف التي تقوم بها الدولة حيث يتم التميز بين النفقات الإدارية والنفقات العسكرية والاقتصادية والنفقات الاجتماعية ويمكن هذا التقسيم من سهولة التعرف على حجم النفقات التي تتطلبها مختلف الوظائف التي تقوم بها الدولة خاصة في حالة قيام أكثر من وزارة بنفس الوظيفة.

3 -المعيار الاقتصادي: تقسم النفقات بالاعتماد على هذا المعيار إلى نفقات حقيقية أو غير ناقلة وأخرى تحويلية أو ناقلة.
فالنفقات الحقيقية هي التي تنفقها الدولة مقابل الحصول على سلع وخدمات تؤدي إلى الزيادة في حجم الموارد المالية للدولة مثل بناء السدود وتشيد الطرق والقنوات وإنتاج الطاقة وغيرها، أو التي لا تدر عائدا ماليا مباشرا لاقتصارها على ضمان تسيير الجهاز الإداري كالنفقات المترتبة على أداء مرتبات الموظفين ومصاريف صيانة البنيات الإدارية.
أما النفقات التحويلية فهي التي تنفقها الدولة دون أن تحصل مقابلها على سلع أو خدمات حيث تقتصر على إعادة توزيع جزء من الدخل الوطني بين أفراد المجتمع، ويتم اللجوء إليها لإحداث التوازن الاقتصادي والاجتماعي، قد تكون نفقات تحويلية ذات طابع اقتصادي أو ذات طابع اجتماعي.
والواقع أن تقسيم النفقات العامة إلى مختلف هذه الأنواع حسب المعايير السالفة الذكر يكتسي طابعا نظريا صرفا حيث غالبا ما لا تأخذ به الدول في تحضير ميزانيتها حيث يتم الأخذ بتقسيمات مختلفة تتأثر بالظروف التاريخية والسياسية والإدارية لكل دولة أكثر من الاعتبارات العلمية.

الفقرة الثانية : أنواع النفقات العامة في المغرب

تنقسم النفقات العامة للدولة، إلى نفقات الميزانية العامة، والتي تشمل نفقات التسيير ونفقات الاستثمار ونفقات خدمة الدين العمومي. إضافة إلى نفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة. ونفقات الحسابات الخصوصية للخزينة، دون أن ننسى التطرق إلى نوع هام من الفقات ألا وهو النفقة الجبائية  .

1-    نفقات الميزانية العامة
v   نفقات التسيير:

التي تندرج ضمن نفقات الميزانية العامة، يتم التمييز داخلها بين نوعين من النفقات، نفقات الموظفين وهي نفقات متكررة ويتم احتسابها من خلال النفقات المسجلة في ميزانية السنة الماضية ويتم تحيينها عن طريق خصم أجور المناصب التي أحيل أصحابها على التقاعد، وتضاف إليها الأجور التي تتطلبها المناصب الجديدة وتشكل هذه النفقات من ميزانية الدولة حوالي 50% .
وهناك نفقات المعدات أو النفقات المختلفة والتي تتعلق بتسيير الإدارة والتي تتطلب عدد من الأدوات (ملفات، أوراق ، صيانة ، كهرباء ، وقود سيارات...) أي كل ما يتعلق بحياة الإدارة وهي نفقات متكررة وبالتالي يسهل التحكم في تقديرها ، وتجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة لوحظ ميل إلى التقليص من هذه النفقات.

v   نفقات الاستثمار:

نفقات تخصص لانجاز البنيات التحتية من طرق وسدود ومدارس ومستشفيات وغيرها، وبالتالي فتقديرها مرتبط أساسا بالمشاريع التي تعتزم الحكومة القيام بها في السنة المالية وتقدير هذه المشاريع صعب ومعقد لأن نفقاتها ليست مكررة وبالتالي ضرورة التخطيط الجيد لهذه المشاريع.
ويقابل نفقات الاستثمار مسألة الموارد والاعتمادات  المخصصة لهذه النفقات ومدى قدرة الدولة على الاستعداد في الخوض في التجارب والمشروعات الكبرى حيث لوحظ في الميزانية العامة لسنة 2013 التي تم تخصيص ما يناهز 59 مليار للنفقات الاستثمارية وقد تم وقف 15 مليار درهم من هذه النفقات وبالتالي يطرح أكثر من تساؤل عن طبيعة هذا الإجراء .

v   نفقات الدين القابل للاستهلاك:

   هي تلك القروض التي تلجأ إليها الدولة لمواجهة العجز الإقتصادي والمالي ، عن طريق إحداث مشاريع تنموية. وتصنف نفقات خدمة الدين العمومي إلى فصلين الفصل الأول يشمل النفقات من فوائد والعمولات المتعلقة بالدين العمومي والفصل الثاني يشمل النفقات المتعلقة باستهلاكات الدين العمومي المتوسط والطويل الآجال .

2-  نفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة:
خلال سنة 2014، وللسنة الثالثة على التوالي، لم يعرف عدد مرافق الدولة المسيرة
بصورة مستقلة أي زيادة تذكر. ھكذا فإن عددھا ظل محصورا في 204 مرفقا ( بعد حذف
مرفق "قسم حوادث الشغل" ) موزعة على 8 مجالات وھي:
·       مجال النقل و المواصالت(16 مرفقا)  
·        الصحة (90 ) ومجال التعليم والتكوين المھني(مرفقا 55 مرفقا
·       ومجال السلطات العمومية (8 مرافق)
·       ومجال أنشطة اقتصادية أخرى (19 مرفقا
·       ومجال األنشطة الترفيھية (7 مرافق)
·       ومجال أنشطة اجتماعية أخرى (5 مرافق)،
·        ثم مجال الفلاحة والغابات و الصيد البحري (4 مرافق).
في سنة 2013، سجلت موارد مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة ما يقارب
6.358,26 مليون درھم في حين كانت التوقعات في حدود 7.063,37 مليون درھم، أي
بنسبة إنجاز تقدر ب 90%. ھكذا سجلت الموارد الذاتية ما مجموعه 1.905,4 مليون درھم
مقارنة بتوقعات في حدود 2.416,16 مليون درھم، وھوما يعادل نسبة تحصيل في حدود
78,9 %. في السياق ذاته، تقدر االعانات برسم الميزانية العامة للدولة لفائدة مرافق الدولة
المسيرة بصورة مستقلة حوالي 886,08 مليون درھم. في حين سجل فائض ميزانيات
االستغالل واالستثمار عند نھاية سنة 2012، التي تم ترحيلھا للسنة الموالية، نحو 3566,78
مليون درھم.
على مستوى النفقات، بلغت االعتمادات التي تم تنفيذھا
بالنسبة لنفقات الاستغلال والاستثمار الخاصة بميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والتي تم التنصيص عليها في المادة 13 من القانون التنظيمي الجديد فقد بلغ عددها 205 مرفقا برسم سنة 2013.
وتجدر الإشارة إلى أن مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة قد تم تأسيسها للمرة الأولى من طرف المشرع من خلال المادة الأولى من المرسوم الملكي بتاريخ 1968/07/31.
وتتوزع نفقات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة إلى نفقات الموظفين والتي تتعلق بالأجور المؤداة لفائدة الأعوان المؤقتين العالميين  بالمرافق المعنية، ونفقات المعدات والنفقات المختلفة وكذا نفقات الاستثمار.
وتمثل نفقات المعدات والنفقات المختلفة نسبة 73 % من خلال إحصائيات سنة 2012 في حين أن نفقات الاستثمار 22 % ونفقات الموظفين 5 % .

3-  نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة:

حيث هناك نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة والتي يتم تحديد طبيعة نفقاتها بمقتضى النصوص المحدثة لكل حساب ، وتبعا لذلك فهي لا تخضع لنفس التبويب الذي تخضع له ميزانية الدولة بالرغم من تحديد المبالغ القصوى لنفقاتها في القانون المالي ، ولقد عرف عدد الحسابات الخصوصية للخزينة انخفاضا ملحوظا خلال العشرية الأخيرة اذ انخفض عددها من 130 حسابا سنة 2003 الى 97 سنة 2005 والى 78 سنة 2006 قبل أن يعرف استقرارا نسبيا انطلاقا من سنة 2007 تماشيا مع منطق الترشيد والعقلنة.

4-  نفقات خارج هيكلة الميزانية:

يتضمن النظام الضريبي عدة استثناءات في شكل إعفاءات وتخفيضات ضريبية وإسقاطات من القاعدة الضريبية، إلى   جانب  أسعار تفضيلية.
و تشكل الاستثناءات الضريبية نقصا ماليا هاما في الميزانية العامة للدولة و هي تشبه النفقات العمومية
من حيث الانعكاسات التي تخلفها على الميزانية، و لهذا سميت "بالنفقات الجبائية".
و من أجل تحقيق الشفافية في الميزانية العامة للدولة و ترشيد أحسن لتوظيف الموارد كان من الواجب
الإلمام التام بالكلفة المالية للنفقات الجبائية وإعطائها بالتالي تقييما ماليا ملائما. ويدخل هذا العمل في
إطار دعم الإصلاح الضريبي والحرص على ضرورة تحديثه وتعزيز الموارد الضريبية عن طريق
توسيع الوعاء.
وقد أسفرت الجهود المبذولة من أجل توسيع الوعاء الضريبي عن تعزيز حصة الموارد الضريبية
. ضمن الموارد العادية التي ارتفعت من 33,9 % سنة 1331 إلى 86,9 % سنة 1311
و يتجلى هذا الارتفاع بوضوح في تحسين موارد الضرائب المباشرة التي انتقلت حصتها ضمن
مجموع الموارد الضريبية من 11 % سنة 1331 إلى 38,2 % سنة 1311 ، أي بمعدل زيادة سنوية
قدرها 9,5 % ، في الوقت الذي تطور فيه الناتج الداخلي الخام الجاري بمقدار 6,7 % بالنسبة لهذه
الفترة.
إن مواصلة سياسة تحسين الموارد الضريبية الداخلية تتطلب تعبئة كافة الوسائل التي تمكن من
استغلال أفضل للطاقة الضريبية خصوصا عن طريق تخفيض النفقات الجبائية.
ولتقدير كلفة هذه النفقات تم خلال سنة 1311 إعداد جرد 131 تدبيرا استثنائيا مقابل 111 سنة 1311
. و 131 سنة 1311 و 133 سنة 1311
و تجدر  الإشارة إلى أن بعض المعطيات المقدمة برسم سنة 1311 هي معطيات فعلية. أما بالنسبة لسنة
1311 فبعض  المعطيات المقدمة هي مجرد تقديرات.

المبحث الثاني: الموارد والنفقات العامة بين الإكراهات وعقلنة التدبير


سنحاول أن نعالج في هذا المبحث الجوانب المتعلقة بالإكراهات التي تواجه الموارد والنفقات العامة للدولة، ثم تحديد بعض أساليب عقلنة تدبيرها.

المطلب الأول : الموارد العامة للدولة بين الإكراهات وعقلنة التدبير

سنتطرق في هذا المطلب إلى الإكراهات التي تواجه الإرادات العامة في الفقرة الأولى على أن نبحث سبل عقلنتها في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: الإكراهات التي تواجه الموارد العامة.

إن الموارد العامة للدولة خاصة ما يتعلق بالضرائب تعاني من إكراهات كبيرة في المشروعية الضريبة،و في هذا الإطار من الضروري  توضيح ما المقصودة بالمشروعية: تعتبر المشروعية الضريبة مجموعة من القناعات المستمدة من مبادئ قانونية، اجتماعية، سياسية، دينية، وتاريخية، تجعل المواطن ينخرط تلقائيا وعن طواعية في أداء الضريبة كواجب وطني، والنظام المغربي كباقي الأنظمة يرتكز على المبادئ الآتية.
المبدأ الكلاسيكي والممثل في موافقة الشعب على الضريبة وعمليا مصادقة البرلمان على جميع الضرائب.
1-   المساواة أمام القانون أو بصيغة أخرى المساهمة في النفقات العمومية بالتساوي، وحسب القدرة الإسهامية، ولكن لاعتبارات اقتصادية كتشجيع الاستثمار والادخار التي منحت إعفاءات وامتيازات لصالح ذوي النفوذ السياسي،الإقتصادي، المالي (اللوبيات).
2-   شفافية المالية العمومية أي من يؤدي الضرائب وكم يؤدي وأين تصرف؟
وحين يعرف المواطن بأن ما يدفعه ينفق من أجل الصالح العام يحس بأن الضريبة واجب وطني.
إلا أن النظام الجبائي المغربي كجزء من المالية العامة يعمه غموض كبير لا يتوفر على الشفافية الكافية.
وهكذا فمن خلال ما سبق نستنج أن الضريبة بالمغرب لا تتوفر على المشروعية الكافية، ومما زاد من هذا وجود إدارة ذات مساطر معقدة وتواصل ضعيف ولغة غالبا ما تكون مبهمة، وهذه الوضعية خلقت نتائج سلبية نذكر منها:
-         غش،تهرب وتملص ضريبيين مرتفعين .
-         انتشار القطاع الغير المهيكل، والذي يتسبب في خسائر فادحة لخزينة الدولة.
ويمكن أن نسجل، بأن النظام الضريبي المغربي في بنياته غير المتكافئة وفي تركيبته غير المتجانسة وفي مشروعيته الضعيفة يحتاج إلى مجهود فكري كبير لملاءمته مع خصوصيات المجتمع المغربي واقتصاده وذلك في إطار إستراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية ككل.
وعلاوة على ذلك، فالنظام المغربي يعرف اختلالات بنيوية والتي يزيد من استفحالها، الغش وكثرة الإعفاءات ولامتيازات مما يترتب عنه:
-         النقص من الفعالية الاقتصادية للضريبة .
-         عدم المساواة بين الضريبة والقدرة الاسهامية .
-         توزيع العبء الضريبي توزيعا غير عادل .
كل هاته النتائج السلبية ساهمت في خلق ريع ضريبي استفاد منه الرأسمال الكبير على حساب الرأسمال المتوسط، والمأجورين والقطاع الصناعي المنظم والقطاع المالي.
ومن أهم مظاهر الإكراهات نجد ظاهرة الرشوة، يؤثر في أداء الإيرادات الضريبية للدولة،وفي دراسة للأمم المتحدة اعتبرت العناصر الآتية بمثابة أسباب مباشرة لتفشي هذه الظاهرة:
-         غياب مراقبة الموظفين.
-         تأثير تيارات حزبية وعائلية.
-         الرواتب الهزيلة للموظفين .
-         النموذج السيئ لبعض السياسيين.
-         اعتبار الرشوة مكافأة معنوية تقدم للموظف.
ومع التأكيد على العامل السياسي، يمكن العودة إلى  أبرز خلاصات (ترانسبرنسي  المغرب) الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، على اعتبار أن أهم عناصر هذه الظاهرة يمكن إرجاعها إلى:
-         ضعف التربية على مقاومة الرشوة من طرف المواطن.
-         الظروف المادية وظروف العمل (ضعف الأجور + ضعف المستوى التعليميي+ الفوارق الاجتماعية).
-         عدم شفافية مراحل تنفيذ المساطر الإدارية.
-         عجز جهاز المراقبة عند أداء مهامه، (الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة).
-         عدم وجود إرادة سياسية.
-         قصور أوعية بعض الضرائب.
-         ضعف المواطنة الجبائية.
-         انتشار البيروقراطية داخل الإدارة.
-         اتسام النظام الجبائي بمظاهر  التقليد الضريبي تجاه الأنظمة الغربية .
أما إذا اعتمدنا على المنهجية الحديثة، فالنظام المغربي ما زال في حاجة إلى الكثير من المعالجة، فهو عبارة عن أنظمة مختلفة، نظام ضريبي تسيره مديرية الضرائب ،ونظام تسيره إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، وأنظمة محلية تسيرها الجماعات الترابية، بالإضافة إلى رسوم ضريبية تتكلف بها بعض المؤسسات العمومية، وكل نظام من هاته الأنظمة يطرح ضرورة ملحة للتنسيق، والتبسيط، والمساواة، وجمع الشتات في إطار مدونة متماسكة للضرائب وذلك من أجل الوصول إلى نظام ضريبي ديمقراطي جيد.

الفقرة الثانية : سبل عقلنة تدبير الموارد العامة

تعتبر الموراد المالية للدولة الوسيلة الأساسية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والتنموي،وتحقيق الإشباع العام،ونظرا لكون المغرب يواجه العديد من الإكراهات في هذا الجانب كان لزاما عليه محاولة عقلنتها وإضفاء الحكامة عليها وذلك لتجنب "السكتة القلبية" ،لذلك هناك مجموعة من الإصلاحات، يجب القيام بها،لأنه من شأنها المساهمة في تحسين الموارد المالية، وتهم ستة محاور كبرى، تتوزع على معالجة الاقتصاد غير المهيكل،و إصلاح الضريبة على القيمة المضافة،و إعادة التوازن للمالية العمومية وضمان استقرار الموجودات الخارجية، وتحسين حكامة تدبير العقار،و إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، و إجراءات تعزيز ثقة المستثمرين الخواص..
بالنسبة للنقطة الأولى، يمكن الانطلاق من  تفعيل التدابير التي جاء بها قانون المالية لسنة 2011 والتي من شأنها تشجيع العاملين في هذا القطاع للكشف عن هوياتهم لدى الإدارة الجبائية والعمل بكل شفافية في القطاع المنظم وبالتالي الاندماج في النسيج الاقتصادي الوطني والتكييف مع متطلبات التحولات الاقتصادية وهذه التدابير تتمثل في:
-         تبسيط التشريع الضريبي: وقد شكل إصدار المدونة العامة للضرائب في شكلها الحالي مكسبا مهما في هذا الاتجاه.
 تخفيض الضغط الجبائي: وفي هذا الصدد نجد أن نسبة الضغط الجبائي قد تقلصت بدرجة كبيرة بالنسبة لجميع الضرائب لاسيما الضريبة على الدخل التي تقلص سعرها من 44% إلى 40 والضريبة على الشركات التي تقلص سعرها من 35% إلى 30.. 
-         تعزيز العمولة الجبائية: تعتبر من المبادئ الأساسية التي يجب أن تتحلى الضريبة بها لكي تكون ملائمة وتقوم على مجموعة من المظاهر من بينها الحياد الضريبي وفرض الضريبة حسب طبيعة الدخول ومراعاة المقدرة التكليفية ولتفعيل العمولة الجبائية لابد من مراجعة الحد الأدنى والأقصى لفرض الضريبة على الدخل.
-         تعزيز الضمانات المخولة للملزم: وذلك بتفعيل الإجراءات المتعلقة بإقرار إجبارية مسك سجل تسجل فيه جميع المبالغ المدفوعة برسم عمليات الشراء مشفوعة بوثائق الإثبات وكذا عمليات البيع بالنسبة للخاضعين للضريبة حسب نظام الربح الجزافي حتى يتسنى للإدارة الجبائية الحد من تفاقم ظاهرة التملص الضريبي والقطاع غير المنظم والمساعدة على عدم تفشي المنافسة غير المشروعة واختلال العدالة الجبائية .
أما بخصوص النقطة الثانية فقد شرع في إصلاح الضريبة على القيمة المضافة،ابتداء من قانون المالية لسنة 2005 وذلك من الإختلالات الناجمة بالأساس عن تكاثر الأنظمة الاستثنائية حيث يعتبر هذا الإصلاح أحد الركائز الأساسية لعصرنة النظام الجبائي وتعزيز فعاليته.
وحسب التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية حول الجبايات فإن المجهودات المستقبلية يجب أن تتمحور حول عدة إجراءات يمكن تلخيصها في ما يلي.
أ‌-       توسيع الوعاء: عن طريق فرض الضريبة على المواد والخدمات المعفاة حاليا وذلك لكون الإعفاءات تأثر على ثمن الإنتاج باعتبار أن المنتج الذي يتأثر له خصم الضريبة على القيمة المضافة التي تمثلها عوامل الإنتاج يعمد على إدخال هذه الضريبة كعنصر في التكلفة عما تؤدي إلى سوء توزيع الموارد وتحد من حياد هذه الضريبة وتشكل عقبة أساسية لفعالية الضريبة من حيث المداخيل ولتفادي هذا الوضع يستحسن تطبيق سعر 10% أو 20% على العمليات والموارد المعفاة حاليا أو الخاضعة للسعر المخفض بنسبة الإبقاء على سعر الصفر فقط بالنسبة لعمليات التصدير وانقل الدولي وبعض العمليات المماثلة أو ذات الطابع الخاص مثل السكن الاجتماعي.
ب‌- الاحتفاظ ببعض الإعفاءات: نظرا لاعتبارات اقتصادية وثقافية تبقى بعض الإعفاءات سارية المفعول خاصة منها البيوع والخدمات التي ينجزها صغار الصناع وصغار مقدمي الخدمات الذين يساوي رقم أعمالهم السنوي 500.000درهم أو يقل عنه، وكذا البيوع الواقعة على الطوابع الجبائية والأوراق والمطبوعات المرموقة التي تصدرها الدولة
أ‌-       ملا ئمة تطبيق الضريبة على القيمة المضافة على المنتجات الفلاحية
ب‌- حذف الحق في الخصم عند انصرام الشهر الموالي: 
ت‌- إحداث نظام الأداء الذاتي بالنسبة للمقاولات غير المقيمة، وذلك لمعالجة الإشكاليات المتعلقة بتطبيق المادة 115 من المدونة العامة للضرائب.. 
ث‌- تعميم الإرجاع ومعالجة الضريبة غير القابلة: يراد به تثبيت الحياد الاقتصادي والمالي لهذه الضريبة.
ويعتبر هذا الإجراء من أهم أهداف إصلاح الضريبة على القيمة المضافة غير أنه لا يمكن تحقيق هذا الإصلاح دون القيام بالإجراءات الناجعة في مجال توسيع الوعاء الضريبي وحذف الإعفاءات غير المبررة والتقليص من عدد الأسعار.
وهكذا فإن الضريبة الممكن خصمها المحققة ابتداء من تاريخ إحداث هذا الإصلاح من الممكن أن يشملها الإرجاع دون أي شروط وذلك لأجل الوصول إلى إحدى الأهداف الرئيسية لهذه الضريبة والمتمثل في تحقيق الحياد الضريبي.
غير أن تعميم إرجاع الضريبة الممكن خصمها بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة يطرح مشكل معالجة الدين الضريبي المرحل غير القابل لإرجاع والذي يقدر ب 12 مليار درهم.
في ما يتعلق بإعادة التوازن للمالية العمومية وضمان استقرار الموجودات الخارجية، فيمكن النظر إلى هذه العملية على الشكل التالي :
أ‌-       تحسين  الموارد من خلال:
-         تعزيز إمكانيات المصالح الضريبية والجمركية على مستوى المراقبة الضريبية والاستخلاص.
-         التصفية التدريجية للباقي استخلاصه.
-         الخفض التدريجي للاستثناءات الضريبية.
-         تحسين الوضعية المالية للمنشآت والمؤسسات العمومية.
-         تفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص في إطار تطوير آليات التمويل البديلة للمشاريع والسياسات العمومية.
ب‌- ضمان استقرار الموجودات الخارجية: عن طريق دعم العرض التصديري من خلال تسريع وثيرة إنجاز برامج إستراتيجية "مغرب التصدير" وذلك عبر مجموعة من العمليات من أهمها تأسيس 15 إتحادا للتصدير عن طريق برنامج دعم اتحادات الصادرات،وتسريع وثيرة تفعيل النظام المتعلق بوضعية المستوردين ، ومواصلة محاربة عمليات إغراق الأسواق المغربية والتهريب والتقليص من قيمة الفواتير عند الاستيراد..
وبالنسبة للنقطة الرابعة فتشمل :
-         تعبئة أراضي الدولة لتشجيع الاستثمار وإنجاز التجهيزات العمومية
-         تصفية الوضعية القانونية للملك الخاص للدولة
-         حماية الموروث العقاري من خلال تأمين وثائق الملكية
-         التدبير الدينامي للموروث العقاري يهدف إعادة بناء الوعاء العقاري.
-         تصفية الوضعية القانونية للأراضي المستغلة دون حق أو سند.
وبخصوص إصلاح قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، فيجب أن يتوزع على ما يلي :
-         إصلاح منظومة الحكامة والمراقبة المالية للدولة على المؤسسات والمقاولات العمومية .
-         تقوية الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
-         تطوير أدوات تسيير المؤسسات والمقاولات العمومية .
-         الملاءمة مع المعايير المحاسباتية الدولية.
وبالنسبة لإجراءات تعزيز ثقة المستثمرين الخواص فتهم :
-         تيسير الولوج إلى العقار .
-         تبسيط المساطر. 
-         مواصلة إصلاح القطاع المالي.
-         مواكبة إنجاز المشاريع الاستثمارية الموافق عليها في إطار لجنة الاستثمارات.

المطلب الثاني: تطور النفقات العامة وآليات تدبيرها

في ظل تزايد النفقات العامة أصبح شعار " العقلنة الرشيدة في مجال تدبير الأموال العمومية"  متداولا سواء من طرف الحكومات المتعاقبة أو البرلمان أو من طرف الأحزاب السياسية لا سيما مع الأزمة العالمية التي يعيشها المجتمع الدولي، ولكن قبل التعرض لآليات ترشيد الإنفاق العمومي لا بد من تشخيص حالة تطور النفقات العامة .

الفقرة الأولى : تطور الإنفاق العمومي

إن ظاهرة تطور الإنفاق العمومي وازدياده تشهده جل الدول كيفما كانت درجة تقدمها باعتبار أن زيادة النفقات العامة قانون عام للتطور الاقتصادي والاجتماعي ويمكن إرجاع سبب زيادة النفقات العامة إلى الأسباب التالية.

1-     الأسباب الحقيقية لزيادة الإنفاق العام
إن الأسباب الحقيقية لزيادة النفقات العامة هي التي تؤدي إلى زيادة المنفعة الفعلية التي تحصل عليها الدولة وتتمثل في:
الأسباب الاقتصادية : زيادة الدخل القومي وتطور الفلسفة الاقتصادية والتوسع في المشروعات العامة والمنافسة الاقتصادية.
الأسباب الاجتماعية: أدى تطور الوعي الاجتماعي وتزايد حاجيات المواطنين، لا سيما في عصر الانفتاح التكنولوجي وتطلع شعوب الدول النامية إلى تحقيق حياة الرفاهية كما هو حاصل لشعوب الدول المتقدمة إلى زيادة النفقات العامة.
الأسباب السياسية: إنتشار مبادئ الديمقراطية والعدالة الإجتماعية ونمو مسؤولية الدولة له كلفة على ميزانيات الدول ، فمشاركة الدول في المنظمات الدولية وما تدفعه من إشتراكات بسبب عضويتها يمثل جزء من نفقاتها العامة ، وعلى المستوى الداخلي فتطور الحياة الديمقراطية وترسيخ مبدأ الإنتخابات أدى إلى زيادة النفقات.
الأسباب الإدارية : توسع حجم الإدارة الحكومية يؤدي إلى زيادة في عدد الموظفين وزيادة الأدوار والمصالح الحكومية لتتماشى مع مهام ووظائف الدولة الحديثة بالإضافة إلى مستلزماتهم المكتبية والتشغيلية والإستهلاكية كل ذلك يتطلب زيادة في النفقات العامة.
-الأسباب المالية : يؤدي سهولة الإقتراض في العصر الحديث إلى كثرة اللجوء للقروض لوجود عجز في موازنة الدولة وهذه القروض يترتب عليها زيادة النفقات العامة.
كذالك وجود فائض في الإيرادات أو مال إحتياطي غير مخصص لغرض معين إلى إغراء الحكومة بإنفاقه في وجوه غير ضرورية وبذلك تزداد النفقات العامة.

2 ) أسباب ظاهرية لزيادة النفقات العامة.
يقصد بالأسباب الظاهرية تلك الأسباب التي تقود إلى زيادة النفقات العامة وبشكل لا يغير مستوى ونوع الخدمات العامة الموجودة أصلا ويمكن إجمال الأسباب الظاهرية لزيادة النفقات العامة لثلاث أسباب:
تغير الرقعة المكانية والسكان : تتجه النفقات العامة للزيادة في حالة توسع الرقعة الجغرافية المأهولة بالسكان و تتجه الزيادة كذلك عندما يزداد عدد السكان
 فعند توسع أقاليم الدولة وزيادة عدد السكان يجب شق الطرق وتوسع شبكات الماء الصالح للشرب وإيصال الكهرباء....
تطور الحسابات الحكومية : إن تطور الحسابات الحكومية من خلال إعداد الموازنة العامة يتطلب ظهور جميع النفقات العامة وجميع الإيرادات العامة ، وليس كما كان معمولا به سابق في ما يسمى بالميزانية الصافية حيث حلت محلها الميزانية الإجتمالية.
وأخيرا فإن النفقات العامة تزداد نتيجة لتغير أساليب الحسابات الحكومية عند تبديل بداية السنة المالية، إذ تضاف نفقات بقية السنة المالية السابقة إلى حسابات السنة  الجديدة وهذا مما يؤدي إلى زيادة ظاهرية للنفقات العامة.

الفقرة الثانية: آليات ترشيد النفقات العامة .

إن ترشيد النفقات العامة يعني قيام الإدارات المكلفة بالإنفاق باتخاذ مجموعة من التدابير من أجل تأهيل النفقة العامة لتحقيق المنفعة العامة بأقل التكاليف الممكنة ، مع مراعات جودة الخدمات والسلع بكيفية تؤدي إلى رفع مردودية النفقة العامة ، وبالتالي سنقوم بتحديد المبادئ الأساسية لترشيد النفقات العامة والأنظمة الخاصة بالترشيد.

1 )المبادئ الأساسية لترشيد النفقات العامة
إن ترشيد النفقة العامة لا يتحقق بمجرد رفع الشعارات أو بمحض الصدفة وإنما هو سلوك واع ومدروس مبني على قواعد ومبادئ مضبوطة وبالتالي فهناك مبادئ أساسية يجب إتباعها والتقي دبها لتحقيق الترشيد وهي كالأتي:
-         تحقيق المنفعة العامة : بمعنى أن الترشيد ينضوي على أن تحقيق المنفعة العامة حيث لا يمكن تبرير النفقة إلا بمقدار ما تحققه من نفع عام للمجتمع وهذا ما يقتضي عدم صرفها لتحقيق المصالح الخاصة لبعض الأفراد أو المجموعات أو فئات المجتمع دون البعض الأخر، لذا ينبغي الحرص ال\د على الإلتزام بتحقيق المنفعة العامة بل والمنفعة القصوى.
-         الإقتصاد في التكلفة : هذا الإقتصاد يرتبط بتحقيق المنفعة إرتباطا عضويا بحيث أنه كلما إنخفضت تكلفة النفقة العامة إلا وتحقق النفع العام بكيفية أكثر لكن لا يعني ذلك التقشف بل حسن التدبير والإبتعاد عن الإسراف وتبذير الأموال العامة وهو ما يستلزم بالضرورة الإبتعاد عن النفقات غير المنتجة أو التي تكون إنتاجيتها ضعيفة كما يقتضي تحديد أولويات الإنفاق العام بحسب الأهمية النسبية للخدمات المراد تقديمها.
-         الحرص على ضمان الجودة والرفع من المردودية : حيث يجب أن تعكس المردودية النتيجة التي تترتب عن النفقة العامة، أي المردودية الإقتصادية والإجتماعية للنفقة العامة، فالحرص على جودة الخدمات والسلع يمكن من تجنب المصاريف الإضافية الكثيرة التي تثقل كاهل الدولة وبالتالي فكل مصلحة ينبغي أن تبحث عن أعلى درجة من الفعالية مقابل أقل تكلفة ممكنة.

2-   التقنيات والأنظمة الخاصة بالترشيد.
لقد جرى العمل في عدد من الدول على إخضاع تنفيذ الميزانية العامة لنظام مراقبة يهدف إلى التأكد من صحة وسلامة النفقة العامة بالنسبة للقوانين الجاري بها العمل ، ونظرا لأن هذه الرقابة كانت تتصرف أساسا إلى مراقبة شرعية النفقة ولا تمتد إلى تقييم تكلفتها وتحليل أهدافها ومعرفة مردوديتها ، الأمر الذي أدى إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بترشيد النفقات ، نظرا لكل هذا ظهرت تجارب أجنبية حاولت تفادي هذا القصور من خلال إنشاء أنظمة خاصة للترشيد:

-         نظام التخطيط والبرامج للميزانية العامة:

ينطلق هذا النظام من تحديد الأهداف والبرامج بدقة بغية تحديد الأولويات ومن تم تحديد المبالغ التي تتطلبها المنجزات بمعنى التدبير المبني على النتائج والأهداف وبالتالي يتم ربط النفقة العامة بتحقيق النتائج.

-         نظام ترشيد إختيارات الميزانية:

يبدأ هذا النظام باختيار الأهداف ثم يختار بعد ذلك الوسائل ثم يراقب النتائج.
ففي إختيار الأهداف يتم تحيد الهدف بدقة من حيث مداه وبناء على معايير ، فأي جهاز إداري لا يستطيع تحقيق أهدافه كلها دفعة واحدة وفي وقت واحد إذ عليه أن يحدد الأولويات والأعمال المستعجلة ويرتبها بدقة.
أما إختيار الوسائل فيتم المرور بمرحلتين : مرحلة إحصاء وتعداد الوسائل أي مرحلة إختيار وإنتقاء الوسائل ثم تأتي مرحلة مراقبة النتائج لتقدير مدى درجة تحقق الهدف ويتم تسجيل الفوارق وتحليلها.
-         تقوية أنظمة الرقابة :
خاصة الرقابة السياسية والقضائية
-         الإلتزام بالمخططات الإقتصادية والإجتماعية
وبالتالي فهذه التقنيات الخاصة بترشيد النفقات ظهرت منذ فترة بدءا من اليابان وإنجلترا وإعتمدتها فرنسا في القانون التنظيمي المالي لها لسنة 2005 ، في حين أن المغرب ظل يشتغل على المرجعية التقليدية في تدبير النفقات باعتماده على منطق الوسائل ، ونحن اليوم لازلنا بصدد إنتظار المصادقة النهائية على مشروع القانون التنظيمي للمالية الذي جاء بمفهوم البرنامج لأجل تحسين نجاعة أداء التدبير العمومي. 

الخاتمة :

لقد بات من اللازم القيام بمجهودات واتخاذ تدابير تتسم بالشمولية، والانسجام وترقى إلى مستوى "المسؤولية السياسة"، وذلك من قبيل تقوية النصوص القانونية المكرسة لترشيد النفقات،و مراجعة النصوص المنظمة للهيئات الرقابية ومراجعة مناهج تدبير الوزارات والهيئات المكلفة بالإنفاق، وإحداث معايير مضبوطة للنفقات العامة وإحداث المصالح الإدارية.
وهو ما يقتضي إعادة التشخيص الدقيق لأوضاع الإدارات العامة المغربية، بناءا على تقنيات المحاسبة التحليلية والتدقيق... وعلى وجه العموم تفعيل ما ورد في ميثاق حسن التدبير.
ويبقى حضور "الحس" بالمسؤولية السياسية، والمسؤولية أمام الله، والشعب أكبر معين على حسن تدبير النفقات العامة، وفي نفس الوقت لابد من اعتماد المحاسبة الصارمة للمتلاعبين بالمال العام .
إن من شأن الاهتمام بالفعالية والجودة، ومنح المصالح الإدارية استقلالية في التسيير مع تحميلها في نفس الوقت المسؤولية المباشرة عن أعمالها، وتوفير نظام معلومياتي حديث ومتكامل في الإدارات المغربية. إضافة إلى التربية على حسن تدبير المال العام أن ينعكس إيجابا على مسار الدولة، بحيث يمكن لاختيار "الترشيد" أن يغنينا عن الاعتماد المتزايد على الديون الخارجية والداخلية، كما من شأنه أن يجعل المغرب يربح أشواطا مهمة في اتجاه التنمية الشاملة المنشودة.

 لائحة المراجع :
النصوص القانونية والتقارير
- قوانين المالية للسنوات:   من 2010 إلى 2015 .
- تقارير لجنة المالية بمجلس النواب حول مشاريع القوانين المالية من سنة 2004 إلى سنة 2015.
- المدونة العامة  للضرائب 2012  .
- القانون التنظيمي للمالية لسنة 1998.
- تقرير حول مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة
- التقرير الاقتصادي والمالي لسنة 2015
- التقرير حول النفقات الجبائية لسنة 2015
الكتب
الدكتورة فاطمة الحمدان بحير،السياسة الجمركية المغربية وإشكالية المبادلات التجارية الدولية مطبعة النجاح الجديدة 2005 .
· الدكتورة فاطمة الحمدان بحير محاضرات في مادة الضرائب برسم الموسم الجامعي 2010 / 2011.
· د.عبد النبي اضريف،المالية العماة أسس وقواعد تدبير الميزانية العمة ومراقبتها،الطبعة الثانية 2012
· محمد سكلى،التدبير المالي العمومي ومتطلبات الحكامة المالية،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام،جامعة محمد الخامس- أكدال- كلية العلوم القانونية والاقتصادية والإجتماعية،2012-2013
· حسو منصور،المالية العامة، الطبعة الأولى 1995
· فليح حسن خلف،المالية العامة ،عالم الكتب الحديث ،الأردن،الطبعة 2007
· دليل إصلاح الميزانية المبنية على النتائج و إدماج مقاربة النوع,2005.
· الدكتور محمد حنين ،تدبير المالية العمومية الرهانات و الاكراهات طبعة 2005.
· المالية العامة بالمغرب منشورات المجلة المغربية للتدقيق والتنمية عدد خاص رقم 13 الصادر في دجنبر 2011 .
·  ميزانية الدولة مطبوعات وزارة المالية و الخوصصة ،الطبعة الاولى ،سنة 2004   .
· عبد الله العكرشي ،الاقتطاعات الضريبية الإجبارية الشاملة بالمغرب. 2010 مطبعة الرسالة الرباط.
· عزيزة هنداز، المساطر الضريبية بين القانون و التطبيق . 2011 دار أبي رقراق.
· المستجدات الضريبية في قانون 2011 ،المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية 2000 عدد 38 -39.
· الإصلاح الميزانياتي بالمغرب دجنبر 2005 المجلة المغربية للتدقيق و التنمية العدد 21.
· القطاع المالي في البلدان العربية  و تحديات المرحلة المقبلة – الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي و الإجتماعي سنة 2002.
· د.عبد الفتاح بلخال ،علم المالية العامة والتشريع المالي ، الطبعة الاولى  2005،مطبعة فضالة – الدارالبيضاء
· عثمان كاير – اصلاح القانون التنظيمي للمالية – من أجل اقرارالمسائلة المالية، المجلة المغربية للسياسات العمومية– العدد 8- صيف 2012
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات