القائمة الرئيسية

الصفحات

تنزيل مبادئ الدستور من خلال القوانين التنظيمية

تنزيل مبادئ الدستور من خلال القوانين التنظيمية
تنزيل مبادئ الدستور من خلال القوانين التنظيمية


مقدمة 

تظل قضية تنزيل الدستور بالشكل الديمقراطي رهينة عدة عوامل تتمثل على مستوى عام في دينامية الممارسة والخطاب لدى مؤسسات الدولة وسلطاتها العامة، وكذا في مقياس تشبع هذه المؤسسات بالرغبة في تفعيل الدستور الجديد ومدى استعدادها لتطبيق وتنزيل المضامين الدستورية التنزيل الأنسب والسليم، وتتمثل على مستوى خاص في تحريك الآلة التشريعية بالسرعة الزمنية المعقولة وتفعيلها من خلال آلية سن القوانين، ولعل مسالة إصدار القوانين التنظيمية تتحدد كحلقة هامة من حلقات تنزيل دستور 2011 وتكميليه.


قبيل إعلان الحكومة عن النسخة النهائية لمخططها التشريعي لسنوات الولاية التشريعية الحالية، أضحت قضية إقرار القوانين التنظيمية وإخراجها للوجود حديث مختلف الفرقاء السياسيين ومختلف المتدخلين في مجال التشريع، حيث ظهر جليا بعدها نقاش عمومي فرض نفسه في الآونة الأخيرة على المستوى القانوني والتشريعي خصوصا في الفترة الفاصلة بين الدورة الخريفية البرلمانية وبين دورة أبريل الربيعية من السنة التشريعية المنصرمة التي فتحت المجال لتقييم أداء الحكومة في هذا المضمار، مع الأرجح إذا ما توقفنا عند بعض المؤاخذات الموجهة صوب الحكومة كمؤسسة تنفيذية تمتلك بدورها حق المبادرة التشريعية، تمحورت تلك المؤاخذات في معاتبة الحكومة على تباطئها في طرح مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور.
ارتكز النقاش حول قضية تنزيل الدستور من زواياه المتعددة، لعل أبرزها تلك المتعلقة بإصدار القوانين التنظيمية المنصوص عليها دستوريا وصدورها بعد الموافقة النهائية عليها، هذا إذا ما شئنا أن نعتبر أن قضية إقرار القوانين التنظيمية هي مدخل أساسي في ورش تنزيل الدستور من جانبه التشريعي.
بغض النظر عن كون إقرار القوانين التنظيمية وإصدار الأمر بتنفيذها مقترن بدور واختصاص المحكمة الدستورية في إطار الرقابة الإجبارية على مطابقة الدستورية، إلا أنه من المسلم به قانونيا ودستوريا أن إصدار القوانين التنظيمية هو مسؤولية مشتركة بين السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان) معا، مسؤولية الحكومة من وجهتين اثنين :
أولا: من خلال التعبير عن إرادة سياسية حقيقية وتمثيل واضح حول تصورها لمحتوى هذه القوانين التنظيمية، ومن تم أخذ المبادرة التشريعية والدفع بها كمشاريع لقوانين التنظيمية.
وثانيا: من خلال الالتزام بمقتضى الوثيقة الدستورية حسب منطوق الفصل 86 من الدستور 2011، حيث على الحكومة أن تعمل وجوبا على إخراج جميع القوانين التنظيمية المنصوص عليها دستوريا وعددها تسعة عشر قانون تنظيمي، وعرضها على أنظار البرلمان في غضون هذه الولاية التشريعية الحالية والمحددة حتما في خمس سنوات 2011-2016، هذا قياسا على الجدول الزمني الذي حددته الحكومة لعملية التشريع في مخططها التشريعي في الفترة ما بين سنوات 2012 و2015.
أما مسؤولية البرلمان فتتجلى بدوره كسلطة تشريعية بأغلبيته ومعارضته في جدية مناقشة القوانين وتداولها سواء المعروضة عليه أو المقترحة من طرفه قبل التصويت والمصادقة النهائية عليها، وكذا عبر آلية التقدم بمقترحات للقوانين التنظيمية مثلما رأينا ذلك عبر مبادرات بعض الفرق النيابية، ولو أن الأمر كان محدودا ولم يكن بالشكل الكاف.
كما هو معروف إن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 نصت على مجموعة من المبادئ الدستورية التي تأطر الحياة السياسية في مجمل مناحيها، من قبيل تكريس مبادئ الحكامة الجيدة، مبدأ الديمقراطية التشاركية، مبدأ الديمقراطية المواطنة، مبدأ استقلال القضاء، مبدأ المراقبة....الخ.
كما أناطت المراجعة الدستورية الأخيرة لسنة 2011 للقوانين التنظيمية الاختصاص في تنظيم عدد من المجالات وتحديد قواعد سير بعض المؤسسات الدستورية وكيفية تركيبها وتكوينها وذلك على سبيل الحصر، وفيما يلي نعرض مجالات ومضامين القوانين التنظيمية التي نص عليها دستور 2011 مرتبة حسب الفصول:
1. الفصل 5: قانون تنظيمي يحدد بموجبه مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، كما يحدد بموجبه  صلاحيات وتركيبة وكيفية سير مجلس وطني للغات والثقافة المغربية (من شأنه حماية وتنمية اللغة العـربية)؛
2. الفصل 7: القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية؛
3. الفصل 10: قانون تنظيمي خاص بالمعارضة البرلمانية؛
4. الفصل 14: قانون تنظيمي يحدد بموجبه شروط وكيفيات تقديم اقتراحات وملتمسات في مجال التشريع من طرف المواطنات والمواطنين؛
5. الفصل 15: قانون تنظيمي يحدد شروط وكيفيات تقديم عرائض إلى السلطات العمومية من طرف المواطنات والمواطنين؛
6. الفصل 29: قانون تنظيمي متعلق بحق الإضراب؛
7. الفصل 44: القانون التنظيمي المتعلق بمجلس الوصاية؛
8. الفصل 49: قانون تنظيمي متعلق بالتعيين في المناصب العليا؛
9. الفصل 62: القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب؛
10. الفصل 63: القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين؛
11. الفصل 67: قانون تنظيمي متعلق بلجان تقصي الحقائق؛
12. الفصل 75: القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية؛
13. الفصل 87: قانون تنظيمي متعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة؛
14. الفصل 112: قانون تنظيمي متعلق بالنظام الأساسي للقضاة؛
15. الفصل 116: قانون تنظيمي متعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
16. الفصل 131: القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية؛
17. الفصل 133: قانون تنظيمي متعلق بالدفع بعدم دستورية قانون؛
18. الفصل 146: قانون تنظيمي متعلق بالجهات والجماعات الترابية؛
19. الفصل 153: القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
إجمالا، وكقراءة عامة وفوقية في مجالات القوانين التنظيمية المذكورة أعلاه التي نص عليها الدستور المغربي لسنة 2011، نسجل كما يلي بعض الملاحظات الخاصة :
جرت طبيعة النسق الدستوري حسب مختلف الدساتير المغربية من دستور 1962 إلى غاية المراجعة الدستورية لسنة 1996 أن تتطرق هذه الدساتير للقوانين التنظيمية بشكل حصري في فصول محددة دون غيرها، من هذا المنطلق يلاحظ أن المشرع الدستوري بالمقارنة مع دستور 13 شتنبر 1996 تبنى من خلال المراجعة الدستورية الأخيرة فكرة توسيع مجالات القوانين التنظيمية، حيث أن دستور 1996 نص على تسعة قوانين تنظيمية، في حين نجد دستور 2011 زاد في عدد المجالات التي أسند فيها الاختصاص لهذا النوع من القوانين "أي القوانين التنظيمية" ليبلغ عددها تسعة عشر قانون تنظيمي، وبالتالي يكون المشرع الدستوري قد تدارك إغفال الدستور السابق لمجموعة من الميادين التي لم يسند فيها الاختصاص للقانون التنظيمي والتي تعتبر بطبيعتها من المواضيع ذات الأولوية الهامة في النظام القانوني والدستوري الوطني بشكل عام.
من بين هذه القوانين التنظيمية التي نص عليها دستور 2011 ولم يكن دستور 96 قد أشار إليها نذكر على سبيل المثال:
1. القانون التنظيمي للأحزاب السياسية ؛
2. القانون التنظيمي المتعلق بسير مؤسسة الحكومة ؛
3. القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ؛
4. القانون التنظيمي المتعلق بالجهات والجماعات الترابية.
ونظرا لعدد القوانين التنظيمية التي سطر لها الدستور، سنقتصر على دراسة أربع قوانين تنظيمية في هذا البحث

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات