القائمة الرئيسية

الصفحات

التطليق للشقاق

طلاق الشقاق
طلاق الشقاق


تقديم:

مما لاشك فيه أن رابطة الزوجية لا تنعقد أو لا تكون بغرض مؤقت ، وإنما هي شرعت أساسا للبقاء والاستمرار، لكن هذه الرابطة قد تعترضها مجموعة من الأسباب تحول دون هذا الاستمرار والدوام ، وهذه الأسباب منها ما هو خارج عن إرادة الإنسان ومنها ما أناطه المشرع إما بالزوج أو بالزوجة أو بهما معا ، إذ أن مؤسسة الزواج تنحل بوفاة أحد الزوجين أو فقده ، كما يمكن أن تنتهي بطلاق أو تطليق. ولعل هذا الأخير يعد من أهم أسباب انحلال العلاقة الزوجية وخير دليل على ذلك المقتضيات القانونية التي أفردتها مدونة الأسرة له ، بحيث لم تقتصر على تكريس التطليق المقتبس أساسا من الشرع الإسلامي وإنما تطرقت إلى بعض القضايا الأسرية التي كانت عالقة ومسكوتا عنها في المدونة الملغاة ويتعلق الأمر في هذا الصدد بالتطليق للشقاق . ويعتبر هذا النوع - من التطليق - من أهم المستجدات التي جاءت بها المدونة والذي يمكن القول أنه يجد أساسه في قوله تعالى " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهل الزوجين إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا "

وعموما فكل التشريعات القديمة والحديثة اختلفت في موقفها من إنهاء العلاقة الأسرية إلى عدة مشارب وذلك تبعا لمنظورها للزواج، هل هو فردي يعود للشخص صاحب المصلحة أم هو حق أو أحرى رباط إلهي واجتماعي لا يملك صاحبه التصرف فيه ، وتبعا لذلك يمكن القول أن مؤسسة شقاق خلقت نوعا من التوازن بحيث كرست المساواة بين الرجل والمرأة في طلب إنهاء الرابطة.



وبناءا على ما سبق يتبين أن الموضوع يكتسي أهمية كبيرة تتجلى أو تبرز على مستويين أو زاويتين:

زاوية نظرية تتمثل بالأساس في كونه النوع الوحيد من أنواع التطليق الذي أفرد له المشرع بابا خاصا بخلاف باقي أنواع التطليق الأخرى التي عددها في باب واحد.

وزاوية عملية تكمن بالأساس فيما خص به المشرع المغربي هذا النوع من التطليق من خصائص ومميزات مما جعله النوع الذي أصبح بإمكان الأفراد اللجوء إليه دون حاجة إلى تكليف من يطلبه بإثبات إدعائه بحيث يكفي الطالب أن يدعي وقوع نزاع وشقاق مع المطلوب في قضايا طلاق الشقاق .

وعلى ضوء ما تقدم يصبح التساؤل مسوغا ومشروعا عن مدى توفق القضاء المغربي في التكريس الجيد والناجع للمقتضيات القانونية المتعلقة بالتطليق للشقاق ؟

وللإجابة على هذه الإشكالية سنعتمد التصميم التالي :

المبحث الأول: المفهوم  والمسطرة

المطلب الاول : التعريف 

المطلب الثاني: الدعوى العادية:

المبحث الثاني: الحالات  وواقعه على ضوء الممارسة القضائية

المطلب الأول: الحالات الاستثنائية لقيام حالة طلاق الشقاق

المطلب الثاني: التطليق الشقاق على ضوء الإحصائيات والممارسات القضائية:

المبحث الأول: مفهوم التطليق للشقاق ومسطرته

ما من شك في ان المشرع استحدث مسطرة طلاق الشقاق ليقيم نوعا من التوازن ومساواة الزوجين في انهاء مؤسسة الزواج، ورفع الحرج عن عدد من النساء اللواتي لا يستطعن اثبات الضرر من اجل التطليق ، وهو ما يعكس الفلسفة العامة التي بنى عليها قانون الاحوال الشخصية. وقبل الحديث عن هذه المسطرة والإشكالات التي افرزتها في الواقع العملي من خلال المطلب الثاني سنتوقف بداية في المطلب الاول للتعريف وذلك كالآتي:

المطلب الاول : التعريف

خلال هذا المطلب سنتناول التعريف اللغوي والاصطلاحي لكلمة الشقاق في الفقرة الاولى على ان نبرز بعض الفروق التي تميزه عن الطلاق وذلك في فقرة ثانية .

الفقرة الأولى : التعريف اللغوي والاصطلاحي للشقاق

أولا : التعريف اللغوي للشقاق

الشقاق لغة مشتق من الشق وهو نصف الشيء الذي هو الصدع والمشاقة والشقاق غلبة العداوة والخلاف، شاقه مشاقة وشقاقا خالفه، وعاداه ومنه قوله تعالى " ذلك بانهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فان الله شديد العقاب." ومنه قوله تعالى "وان الظالمين لفي شقاق بعيد." فالشقاق عداوة بين شخصين او مجموعتين، اي ان كل جهة عند الخلاف والنزاع تقصد شقا معينا وناحية غير شق الطرف الاخر، والشق ايضا الناحية من الجبل وذكر ابن منظور ان الشقة هي الشظية او القطعة المشقوقة من لوح او خشب او غيره، ويقال الانسان عند الغضب احتد فطارت منه شقة في الارض وشقة في السماء، وفي حديث قيس بن سعد ما كان ليخلي بابنه في شقة من نمر، اي قطعة تشق منه، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها "فطارت شقة من السماء وشقة في الأرض وهو مبالغة في الغضب,

فالشقاق كما سبق العداوة بين فريقين او الخلاف بين اثنين وسمي ذلك شقاق لان كل فريق من فرقتي العداء يقصد شقا مناقضا للشق الاخر.

ثانيا : التعريف الاصطلاحي للشقاق

اعتبر مجموعة من الفقهاء ان الشقاق سبب للتفريق الزوجين, واخذوا بمعناه اللغوي , فقد اعتبر الامام الرازي عند شرحه لقوله تعالى "وان خفتم شقاق بينهما" ان للشقاق معنيان. الاول ان كل واحد يفعل ما يشق على صاحبه والثاني ان أي واحد قصد شقا معينا نتيجة العداوة والمباينة وقد عرفه ابو اسحاق الشيرازي احد شيوخ الشافعية كونه "مخالفة كلا الزوجين صاحبه فكان كل احد منهما قصد جانب او شق غير الذي فيه صاحبه", وقال الامام الشافعي رحمه الله "ان خوف الشقاق ان يدعي كل أحد منهما على صاحبه من الزوجين الحق عنه, ولا يطيب واحد منهما لصاحبه بإعطاء ما يرضى به ,ولا ينقطع ما بينهما بفرقة ولا صلح ".

فالشقاق كل ما يحصل من خلاف ومعاداة وكراهية وعداء, يتعذر معه ايجاد حل بينهما لتسوية وضعيتهما واستمرار علاقتهما الزوجية,

ولم يعرف قانون الاسرة الشقاق وقد احسن المشرع المغربي صنعا باعتبار ان التعاريف مبدئيا هي من اختصاص الفقهاء، فوضع التعاريف من طرف المشرع من شانه اضفاء صفة الجمود وعدم القدرة على مواكبة المستجدات، وإذا كانت لم تعرف الشقاق فان الدليل العملي للمدونة الذي اصدرته وزارة العدل عرفه "الخلاف العميق والمستمر  لدرجة يتعذر معها استمرار المعاشرة الزوجية ".

وقد عرفته بعض الاجتهادات القضائية بكونه " الحالة الواقعية التي يتعذر فيها استقرار المؤسسة الزوجية لان كل طرف فيه يكون في جانب بعيدا عن قرينه بسبب غلبة العداوة والمباغضة والكراهية فتتشقق اواصر المودة وتتصدع السكينة والطمأنينة بينهما على نحو يفرغ الزواج من اسس استمراره ويحول دون مباشرة الحقوق والواجبات المتبادلة".

وقد عرفه بعض القضاة الباحثين في أنه "كل ما ينشا من خلاف ونزاع وارتفاع احدهما عن الاخر بشكل يحول دون استمرار العلاقة وفق المبادئ الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة ".

في حين عرفه الاستاذ احمد طه  "بالخلاف والعداوة وحرص كل منهما على فعل ما يشق على نفس صاحبه، مما يتنافى وما يجب ان يكون عليه الزوجان من سكن كل منهما الى الاخر وتبادل المودة والرحمة ",

اما الاستاذ حسن عجمي فقد عرفه  " بذلك الخلاف العميق والنزاع المستحكم او كلاهما يرفع امره الى القضاء للقيام بمحاولة الصلح والتوفيق بانتداب حكمين للسداد بين الطرفين ",

اما الفقه المغربي فقد عرفه الاستاذ محمد الكشبور " باختلال الاحترام والود وارتفاع أحدهما عن الاخر معاداة له بشكل يخل بالحقوق والواجبات المتبادلة بينهما ويحول دون استمرار  الزوجية بما تشكله من ميثاق ترابط وتماسك ".

الفقرة الثانية: عناصر التمييز بين الطلاق والتطليق 

1- حالة الطلاق فان حل ميثاق الزوجية يكون من جانب الرجل اما التطليق للشقاق فانه قد يكون من جانب الزوج كما قد يكون من جانب الزوجة وذلك طبقا للمادة 94.

2-يشترط لصحة التبليغ في دعوى الطلاق توصل الطرفين بصفة شخصية ولا يغني عن التوصل الشخصي التوصل القانوني لأحد اقارب الطرف في الدعوى بينما يكتفي لصحة التبليغ في قضية طلاق الشقاق بان يسلم الاستدعاء لأحد الاشخاص ذوي الصفة في التسلم طبقا للأحكام العامة المنصوص عليها في الفصول 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية.

3-في التطليق بسبب الشقاق لا يستدعى المدعى عليه إلا مرة واحدة ,فمتى بلغ بطريقة نظامية ولم يحضر إلا ويتم وضع حد للإجراءات المسطرية المتعلقة بالدعوى ويتم البت في جوهر الدعوى  وهو التطليق , اما في مسطرة الطلاق فان المشرع جعل ضمانة اخرى لضمان حضور الزوجة المراد تطليقها  والتي تتخلف عن الحضور رغم توصلها شخصيا بالاستدعاء ولم تدلي بملاحظات كتابية , حيث هنا المشرع الزم قبل البت في الدعوى توجيه طلب اليها مرة ثانية بواسطة النيابة العامة تخبرها فيه بأنها اذا لم تحضر فانه سيتم البت في الملف  في غيبتها "المادة 81".

4-تنفصم علاقة الزواج في الطلاق بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك اما فيما يخص تطليق لشقاق فبمقتضى حكم يكون هو المنشئ لوضعية التطليق دون الحاجة للإشهاد عليه وتوثيقه لدى عدلين.

5-الطلاق الصادر عن الزوج يقع رجعيا ويصبح بعد انصرام اجل العدة طلاقا بائنا بينونة صغرى, ومع ذلك قد يقع بائنا منذ ايقاعه في  الطلاق المكمل للثلاث, وقد يكون بائنا بينونة صغرى حالة الطلاق المملك والطلاق بالاتفاق والطلاق بالخلع  والطلاق قبل البناء ,اما التطليق للشقاق فانه يقع بائنا لان المحكمة هي التي تقضي به, وكل طلاق قضت به المحكمة فهو بائن ماعدا في حالتي التطليق لإيلاء وعدم الانفاق.

6-المطلقة طلاق رجعي لاحق لها في اجرة حضانة المحضون إلا بعد انتهاء عدتها، في حين تستحق المطلقة للشقاق اجرة الحضانة ابتداء من اليم الموالي للتطليق.

7-المحكمة وهي تبت في قضية طلاق الشقاق لا يمكنها ان تحدد اجرة الحضانة الخاصة بالأبناء وكذا صلة الرحم إلا اذا طلب منها ذلك، اما في الطلاق فان قاضي التوثيق بمجرد خطابه على وثيقة الطلاق يرسل منه نسخة الى المحكمة مصدرة الاذن بالإشهاد على الطلاق التي تصدر قرارا من جملة مشتملاته تحديد مدة صلة الرحم واجرة الحضانة لما بعد العدة,

8-اذا تعسف الزوج في ايقاع الطلاق يلزم بجبر الضرر اللاحق بالزوجة ويراعى في ذلك تقدير المتعة، اما بخصوص التطليق للشقاق يلزم المتسبب في وضعية الشقاق بتعويض الزوج الاخر جبرا للضرر اللاحق به ولا تحكم المحكمة بالتعويض للطرف الاخر في الشقاق الا اذا طلبه المتضرر، اما في الطلاق فتقضي به المحكمة تلقائيا دون طلب عند تقدير المتعة,

9-الطرف الملزم بالتعويض في الطلاق هو الزوج، وبالنسبة للطلاق للشقاق فقد يكون الزوج او الزوجة حسب المتسبب في الشقاق.

10-لا تحصل الزوجة الاعلى مبلغ يمثل واجب المتعة للطلاق، اما في التطليق فإنها قد تعوض الى جانب حصولها على واجب المتعة اذا كان الزوج هو المسئول عن الشقاق,

المطلب الثاني : الدعوى العادية

لاشك أن الخوض في الإجراءات المسطرية لدعوى الشقاق يعد جوهر البحث وإذ أن الغاية التي توخاها المشرع في إدراج مسطرة طلاق الشقاق في التشريع الاسري كأحد الأسباب الموجبة للتطليق طبقا مقتضيات المادة 94 ليس توسيع نطاق دائرة التطليق وإيجاد وسيلة سهلة لفك رباط الزوجية وإنما هي بمثابة إجراء وقائي متدرج يهدف إلى حل نزاع بسيط قد يؤدي التغاضي عنه، الى تعميق الهوة، حيث يصير الشقاق مستحكم وموسوم بالبغض وبذلك يصبح نقيض الوفاق والتآزر.

في هذا المطلب الذي سنقوم بتقسيمه إلى فقرتين, سنتناول في الاولى مسطرة التحكيم وثم فقرة ثانية المسطرة القضائية.

الفقرة الاولى: مسطرة التحكيم

إن المشرع المغربي لم يحدد اللجوء إلى مؤسسة من مؤسسات الصلح بعينها دون الأخرى، ولم يرتب أفضلية في ذلك, وإنما أعطى  للقضاء كامل الصلاحية في اختيار أي مؤسسة للصلح دون أي قيد أو شرط وتوسع في ذلك أبعد الحدود وفتح المجال لكل ما يراه مؤهلا لإصلاح ذات البين وترك عملية الصلح عامة وفضفاضة بالمادة 113 من المدونة والغاية من ذلك منح القضاء الحرية العامة، فالغرض والهدف المحمود يتمثل في الإصلاح والحفاظ على الأسرة, وكدا المادة82 في فقرتها الثانية ( للمحكمة ان تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة او من تراه مؤهلا في إصلاح ذات البين/ وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما) فالمحكمة إذن ملزمة بعد فشل محاولة الصلح  بين الزوجين، ان تقوم ببعث الحكمين أو تشكيل المجلس، ولا تلزم الإجرائين معا لأن المشرع استعمل في المادة 82 عند الربط بين انتداب الحكمين وتشكيل هذا مجلس عبارة «أو» التي تفيد المغايرة والخيار ولم يستعمل عبارة أخرى تفيد  العطف، وكذلك لأن الحكمين يكونان في الغالب من معارف الزوجين ونفس الشيء يصدق بالنسبة للمجلس ولذلك كله .كما نجد المشرع في المادة 95 يتحدث عن الحكمين ومن في حكمهما، مما يفيد ان أحدهما يغني عن الآخر.

1-   الحكمان والمجلس العائلي ودورهما في قضايا التطليق:

فكما قال احد المفسرين لقوله تعالى:( فإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) ان المخاطب هو الحاكم فإذا أدرك أن الشقاق مستحكم تعين عليه إرسال حكم من أُسْرَة الزوج وآخر عند أهل الزوجة لإصلاح ذات البين بينهما. فبالرجوع إلى مقتضيات مدونة الأسرة نجد أن  مشرعها لم يشترط شروطا خاصة يجب توفرها في الحكمين لكن إحالته بمقتضى المادة 400 من المدونة على مقتضيات المذهب المالكي في كل ما لم يرد به نص في المدونة يحمل على الرجوع إلى مقتضيات هذا المذهب لمعرفة الشروط الواجب مراعاتها عند تنصيب الحكمين،  وعليه فالشروط الواجب توافرها في الحكمين هي العدالة- الذكورة- والعلم بما هما في سبيله إضافة إلى شرط كون الحكمين من عائلة الزوجية لأنهم أكثر إطلاعا على أسرار الأسرة والأقدر على حل النزاع واستجلاء أسباب الخلاف واستقصاء مثار الشقاق. رغم أن شرط الذكورة يطرح إشكالا ؟ حيث أن المدونة تخالف هذا لاعتبارات ثلاث :

1)   المشرع في المادتين 82 و95 منم.ا. تحدثا بلفظ عام ولم يشترط أن يكون ذكرين.

2)   أن فلسفة قانون الأحوال الشخصية قائمة على أساس المساواة بين الرجل والمرأة في كل ما يتعلق ويندرج في إطار العلاقة الأسرية.

3)   إن الدستور المغربي باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة قد نص على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في تولي الوظائف العمومية، بل أكثر في ذلك فالمرأة المغربية يجوز لها ان تكون قاضية موثقة، فكيف لها أن لا تكون حكمة منتدبة.

2-   المجلس وتشكيله: نصت المادة 82  على أن المجلس والتي تناط به مهمة مساعدة القضاء في اختصاصاته المتعلقة بشؤون الأسرة، ويحدد تكوينه ومهامه بمقتضى نص تطبيقي وفعلا فقد تم صدور مرسوم رقم 2002 /04/88 في 25 ربيع 1425 الموافق 14 يونيو 2004 بشأن تكوين المجلس وتحديد مهامه بالجريدة الرسمية عد 5223 بتاريخ 21 يونيو 2004، حيث يتألف المجلس من القاضي بصفته رئيسا والأب والأم أو الوصي أو المقدم وأربعة أعضاء يعينهم الرئيس، ويتشرط فيهم أن يكونوا من بين الأقارب أو الأصهار بالتساوي من جهة الزوجين، وإذا تعذر ذلك أمكن تكوينه من جهة واحدة (المادة 1 من المرسوم الصادر بتاريخ 14 يونيو 2004) ويملك الرئيس سلطة في اختيار الأعضاء الذين سيكونونه، الذين يشترط فيهم لزوما أن يكونوا كاملي الأهلية (المادة 2 من المرسوم)

فأين تتجلى وظيفتهم؟

تتجلى وظيفة كل واحد منهما (الحكمين، والمجلس) تبعا لمقتضيات المادة 95 فقد حددت مهمة الحكمين والمجلس الذي له مهام استشارية في محاولة التعرف على الأسباب الجوهرية التي أدت إلى الخلاف كمرحلة أولى للانتقال إلى تذويب هذه المشاكل والحفاظ على كيان الأسرة، وبالتالي إبعاد شبح الفرقة عنها بوضع حد للشقاق عم طريق الصلح وهو نفس الدور الذي حددته المادة السابعة من المرسوم المتعلقة بتكوين المجلس.

فإذا نجح الحكمان أو المجلس العائلي في الصلح وجب تحرير مضمونه في تقرير من ثلاث نسخ يوقعها الحكمان والزوجان ويرفعانها إلى المحكمة التي تسلم لكل الزوجين نسخة منه، وتحفظ الثالثة بالملف ويتم الإشهاد على ذلك من طرف المحكمة (المادة 95 لكن الإشكال المطروح  هنا هو (إذا توصل الحكمان إلى الإصلاح وحررا مضمونه في تقرير) فهما ملزمان بتحرير التقرير  فهذا يفترض أنهما يجب أن يكونا على دراية بالقراءة والكتابة والتي نص عليها المشرع في  كل من المادة 95 وكذا المادة 96 التي تنص على انه (إذا اختلف الحكمان في مضمون التقرير او في تحديد المسؤولية...» حيث يرى بعض الفقه في مسالة الكتابة هذه أن المشرع لم يحدد من يقوم بهذه المهمة في حين نجد المادة 82 تقول...«إذا تم إصلاح الزوجين حرر به محضر وتم الإشهاد به من المحكمة» حيث أن هذه المادة تحيل على المادة 94 السالفة الذكر والتي تنظم فض النزاع خوفا من طلاق الشقاق وهذا يؤدي إلى نوع من التشويش نتيجة هذا التكرار المتضارب على انه لا يعتد  بالتقرير الشفوي بل بالكتابة.

وإشكال آخر يتمحور حول المادة 96 في تحديد المسؤولية وهذه مسالة قانونية حسب الفقه وتتعلق بالتكييف، والتكييف صناعة قانونية وقضائية بالأساس لا علاقة لها بمهمة الحكمين الذين تستند بهما المحكمة.

وبالتالي نخلص إلى فرضيتين، فرضية الإصلاح والتي نصت عليها المادة 95 والتي سبق الإشارة إليها وبموجبها يتم وضع حد للنزاع والفرضية الثانية هي التي تحيلنا على المسطرة القضائية.

الفقرة الثانية: المسطرة القضائية

إن لمسطرة القضائية تبتدئ بمجرد تقديم طلب اومقال افتتاحي إلى كتابة الضبط طبقا لقانون المسطرة المدنية يرفعه احد الزوجين أو هما معا إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد في دائرة نفوذها الترابية بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو بمكان إبرام العقد (الفصل 212 من ق م م عن تعديله بالقانون 72.03) وإذا كان محل سكنى الطرفين خارج نفوذ دائرة المحكمة، فإن المحكمة المقدم إليها الطلب لها ان تنتدب محكمة أخرى للقيام بذلك وهكذا فان المحكمة تتولى استجلاء أسباب شقاق الزوجين التي تضمنها الطلب الذي يجب الإشارة فيه أيضا إلى اسم كل من الزوجة والزوج وعنوانهما الكامل.

حيث يتم اللجوء إلى هذه المسطرة عند عدم توصل المحكمة إلى انهاء النزاع وديا وإحقاق الصلح ورفع أسباب الشقاق لذلك فهي تحدد قبل الإذن بتوثيق الطلاق وبناء على ما اقتنعت به المستحقات المادية وغيرها للزوجة وكذلك الأطفال إذا وجدوا. لكن وفي هذا المجال لابد من استحضار دور النيابة العامة في تفعيل الشقاق، حيث أن المشرع اعطى لهذه الاخيرة دورا أساسيا أصليا بمقتضى المادة 3 .

وهنا نطرح التساؤل حول صلاحيات هذه الأخيرة حينما تسوء العلاقة الزوجية ويشتد الخلاف بينهما؟ هنا النيابة العامة لها دور هام أثناء المرحلة القضائية في دعوى إنهاء الرابطة بالتطليق سيما في مسطرة الصلح التي تتطلب الحضور الشخصي للزوجين. كما انه باعتبار أن مسطرة التقاضي في قضايا التطليق تعتبر شفوية يكتفي فيها أربابها في اغلب الأحيان ببسط دفوعاتهم شفهيا.

فإن لحضور النيابة العامة الدائم في الجلسات فعالية وأثرا إيجابيا لا يجحد، بل يجعلها تكون قناعتها بناء على المرافعات والمناقشات التي تتم أثناء نشر القضية نظرا لدورها الأصلي في قضايا الأسرة وفي وجوب إدلائها بمستنتجاتها في الموضوع. وبالتالي فبموجب المادة 97 فإنه عند الفشل في الصلح تثبت المحكمة ذلك في محضر وتحكم بالتطليق لاستحالة استمرار الزوجية وتحدد مستحقات الزوجة والأطفال طبقا للمواد 83 و84 و85 من هذه المدونة وتراعي في ذلك مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق والمتسبب فيه في التعويض تبعا لما يلي:

  • إذا كان السبب كله من الزوجة.
  • إذا رجحت كفة الإساءة الأكثر من طرف الزوجة.
  • إذا كان سبب النزاع والإساءة أكثرها من الزوج.
  • إذا لم يعرف المتسبب في النزاع هل الزوج أم الزوجة ولم يستطع الحكمان معرفة مصدر النزاع والإساءة.
  • وقد حدد المشرع أجل ستة أشهر لإنهاء طلاق الشقاق بالصلح او التطليق، حيث تلزم المحكمة في الفصل في منازعة الشقاق خلال هذه المدة من تاريخ تقديم الطلب.

وحسب المادة 97 علما انه يكون طلاقا بائنا ونهائيا في شقه المتعلق بإنهاء العلاقة الاسرية حسب المادة 128.

مع مراعاة المحكمة الأضرار التي كانت سببا للشقاق إن طلبها أحدهما من أجل الحكم بالتعويض.

من هنا يتضح من مجمل هذه المقتضيات أن المستحقات المنصوص عليها في هذه المواد تتعلق بالطلاق الرجعي والحال أن الزوجة التي يحكم بتطليقها للشقاق تعتبر مطلقة طلاقا بائن كما تنص على ذلك المادة 122 ومن ثمة فإنها لا تستحق النفقة خلال فترة العدة ماعدا إذا كانت حاملا فتستمر نفقتها إلى أن تضع حملها كما نصت على ذلك المادة 196. إضافة إلى أن المطلقة تستحق حسب هذه المادة السكنى خلال فترة العدة إلا أنها غالبا ما تغادره أثناء جريان إجراءات التطليق مما يدفع المحاكم إلى تحديد تكاليف السكن في مبلغ معين يودع مع باقي المستحقات بكتابة ضبط المحكمة. لأن مستحقات الزوجة في تطليق الشقاق لا تستلزم طلب بشأنها بل تحددها المحكمة بصفة تلقائية.

إضافة إلى ذلك تحكم المحكمة بأداء مؤخر الصداق ان وجد للمطلقة باعتباره دينا في ذمة الزوج المطلق بعد البناء بها ولا يمكن للزوج الدفع ببراءة ذمته استنادا إلى تقادم مبلغ كالئ الصداق ولان الفقرة الأخيرة من المادة 33 تنص صراحة على عدم خضوع الصداق لأي قادم.

اما بخصوص المتعة فقد ذهبت محكمة النقض واعتبرت ان المطلقة بشقاق لا تستحق المتعة بل التعويض عند ثبوت مسؤولية الزوج عن الفراق لان المتعة يحكم بها في حالة التطليق بطلب من الزوج.

المبحث الثاني : حالات التطليق للشقاق وواقعه على ضوء الممارسة القضائية

سنقوم في هذا المبحث بتحديد مجموعة من الحالات التي يفترض فيها قيام حالات الشقاق كما أن المشرع لم يحددها على سبيل الحصر وهذا ما يستخلص من خلال تعريف طلاق الشقاق و كذلك المادة 94 التي فتحت باب اللجوء لمسطرة الشقاق في كل حالة تنعدم فيها أواصر الود والاحترام بين الزوجين وسنتطرق في المطلب الأول إلى توضيح وضبط بعض حالات الشقاق ثم ننتقل بعد ذلك للمطلب الثاني لنتحدث على ضوء الإحصائيات والممارسة القضائية

المطلب الأول: الحالات الاستثنائية لقيام حالة الشقاق

لقد نصت المدونة في العديد من بنودها على حالات معينة يمكن فيها اللجوء إلى الشقاق، وبذلك فإن الأمر لا يقتصر فقط على قاعدة التطليق بسبب الشقاق التي نظمها المشرع ضمن المواد من 94 إلى 97، وإنما يمكن اللجوء إلى هذه المسطرة إما تلقائيا من طرف المحكمة أو بناءا على طلب أحد الزوجين وفقا للحالات الآتية

الحالة 1: إصرار الزوج على التعدد ورفض الزوجة وعدم طلبها للتطليق

عالجت م س في المادة 45 هذه الحالة في فقرتها الأخيرة حيث نصت على ما يلي (إذا تمسك الزوج بطلب الإذن بالتعدد ولم توافق الزوجة المراد التزوج عليها ولم تطلب التطليق طبقت المحكمة تلقائيا مسطرة طلاق الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 بعده)

في هذه المادة نلاحظ أن المشرع خول للمحكمة المرفوع إليها طلب الإذن بالتعدد اللجوء للشقاق تلقائيا ودونما حاجة إلى تقديم طلب.

وحتى يتم تطبيق المسطرة المتعلقة بالشقاق فلا بد من أن يقدم الزوج طلبا إلى قسم قضاء الأسرة يهدف من وراءه الإذن له بالتعدد وإصراره على ذلك..



وأن يضمن في هذا الطلب الأسباب الموضوعية والاستثنائية (كأن تكون زوجته عاقرا- أو بلغت من الكبر عتيا, أو أصابها ما أصابها من الكبر...) المبررة له ,وان يرفق طلبه هذا بشهادة تثبت دخله كما يلزم أن يبقى متمسكا برغبته في التعدد وإلا اعتبر متنازلا عن طلبه

وفق الحالة التي توافق فيها الزوجة على التعدد، فهنا لا مجال للجوء المحكمة لمسطرة طلاق الشقاق ،وإنما يبقى للمحكمة أن تبحث عن الأسباب الموضوعية والاستثنائية وكذا قدرة الزوج المادية على إعالة أسرتين فتمنحه الإذن بالتعدد أو ترفض له طلبه.

أما لو رفضت الزوجة منح الإذن بالتعدد لزوجها، وتقدم بالمقابل طلب إلى المحكمة ترمي تطليقها من زوجها، فهنا نكون أمام تطليق مقدم بطلب إلى المحكمة وهو ما عالجه المشرع في المادة 45.

وفي الحالة التي ترفض فيها الزوجة منح الإذن بالتعدد ولم تطالب الزوجة بتطليقها فإن المحكمة تبادر تلقائيا إلى الشقاق بين الطرفين مع إعمالها لمسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 82 من المدونة، وبعد فشل محاولة الصلح تقوم المحكمة بتحديد مستحقات الزوجة والأبناء إن وجدوا، ويلزم طالب التعدد بإيداع هذه المستحقات بصندوق المحكمة داخل آجل 7 أيام من تاريخ النطق بتحديد مبلغ المستحقات، وفي هذه الحالة يسلك الزوج لزواجه المسطرة العادية.

الحالة2: حالة إخلال أحد الزوجين بالحقوق المتبادلة بين الطرفين

 بمجرد ما يستجمع عقد الزواج أركانه وشروط صحته ينتج كافة آثاره من حقوق وواجبات متبادلة، وكل إخلال بهده الواجبات الشرعية يعطي الزوج الآخر الحق في إجباره أمام القضاء على تنفيذ ما هو ملزم به قانونا إن إرتآى ذلك أو اللجوء لمسطرة حل الرابطة بالشقاق مباشرة وهو ما نص عليه المشرع في المادة 52.

إذن فما هي الحقوق والواجبات المتبادلة ، والتي تفتح الباب أمام الطرف المتضرر الحق في فتح مسطرة التطليق للشقاق ؟

عملت المادة 51 وخاصة الفقرات الخمسة الأولى على تعداد الحقوق والواجبات المتبادلة، والملاحظ أن هذه المادة طبقت مساواة الزوجين دون تمييز، وتتلخص هذه الحقوق والواجبات فيما يلي :

1- المساكنة الشرعية:

نصت الفقرة الأولى من المادة 51 على الحقوق والواجبات المتبادلة حيث جاء فيها: "المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجية وعدل وتسوية عند التعدد، وإحصان كل منهما وإخلاصه للأخر بلزوم العفة وصيانة العرض والنسل".

والمساكنة الشرعية يقصد بها حق كل من الزوجين في الاستمتاع بالأخر والتواجد المستمر معه تحت سقف واحد وهو بيت الزوجية الشيء الذي يجعل على عاتق الزوج مهمة إعداد وتوفير مسكن خاص لبيت الزوجية حسب قدرته المادية وليس له أن يجبر زوجته على العيش معه ببيت أهله إلا برضاها وموافقتها وبالتالي فحقها في السكنى بمعزل عن دويه حق من الحقوق الخالصة لها ولا يشترط للاستجابة لطلبها إثباتها لتضررها من العيش معهم.

وبالمقابل فالزوجة تكون ملزمة بالبقاء في بيت الزوجية وليس لها أن تغادره إلا بعد أن تستأذن زوجها وإن لم تفعل فإنها تعتبر في حكم الزوجة الناشز وهو ما يعطي الحق للزوج لطلب الحكم له عليها بسقوط النفقة عليها.

كما يتعين على الزوج أن يعدل بين زوجاته عند تعددهم والمقصود بالعدل هنا العدل في السكنى والمبيت والملبس والتطبيب أما المحبة القلبية فإنها تبقى آمرا مستحيلا.

وواجب المساكنة الشرعية يجعل على عاتق كلا من الزوجين أن يحصن كل واحد لصاحبه وهو من مستجدات قانون الأسرة خلافا لما كان عليه الأمر في ظل م أ ش الملغاة التي كانت تفرض على الزوجة فقط واجب الإحصان اتجاه زوجها.

2- المعاشرة بالمعروف وتبادل الاحترام والمودة:

نصت المادة 51 في فقرتها الثانية على ما يلي :"المعاشرة بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة والحفاظ على مصالح الأسرة..."

إن التمعن في هده الفقرة يجعلنا نقول بأنها ترسم الخطوط العريضة للزواج بكل ما يمليه وما يوفره من احترام ورحمة وسكينة وود متبادل، وكل دلك يصب في المقاصد السامية والأهداف النبيلة للزواج والغايات المقدسة التي يرمي رباط الزواج إلى ضمانها، وهذه الأهداف والمقاصد لا يمكن الوقوف عليها بمعزل عن الرجوع إلى ضوابط الفقه الإسلامي المتعلقة بها. فكثيرة هي الآيات القرآنية التي حددت هذه الضوابط والغايات،

ورسمت حدود تلك العلاقة بأوصاف بليغة وعميقة الدلالة والمقاصد ومن هذه الآيات قوله تعالى:{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }.

كما أشير إلى فضل الإسلام وسبقه في إقرار مساواة الزوجين في هذه الحقوق والواجبات. فكل طرف في الزواج ملزم باحترام شريكه.

و المعاشرة بالمعروف لا تقتصر فقط على طرفي الرابطة الزوجية وإنما تمتد لأبوي الزوج الأخر فلا بد من كل واحد أن يحترم أبوي الآخر ويحسن معاملتهما ويجعلهما في مقام أبويه.

3- المساهمة في تسيير شؤون البيت ورعايته:

أشارت الفقرة الثالثة من المادة 51 إلى هذا الحق الواجب المشتركحيث جاء فيها: "تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال"

لا خلاف أن عبارة رعاية لا تثير أي إشكال مادام أن الرعاية يقصد بها الإشراف على البيت وتنظيم شؤونه على نحو من التشاور المتبادل.

خلافا لعبارة تسيير التي تطرح أكثر من علامة استفهام إذن فما هو المقصود بعبارة˃ تسيير شؤون البيت˂ هل التسيير الهيكلي أم يتعداه إلى التسيير المالي كذلك؟؟

لاشك أن الحياة الزوجية حتى تنجح تتطلب تضحية من الجانبين على حد سواء لكن برجوعنا إلى م س نجد أنها أعفت الزوجة من واجب الإنفاق على بيت الزوجية وجعلت دلك على عاتق الزوج، وبالتالي فإن الزوجة الموسرة غير ملزمة من الجانب القانوني-وليس من الجانب الديني والإنساني-على تحمل أعباء البيت إلى جانب زوجها، وهو ما زكته م س في ما نصته المادة 194 التي نصت على أن الزوج ملزم بالنفقة على زوجته بمجرد البناء بها أو إذا دعته للبناء بعد أن يكون قد عقد عليها.

والزوجة غير ملزمة كذلك بالإنفاق على الأبناء كأصل، إذ أن الأب هو الملزم بذلك؛ لكن هذا الالتزام ينتقل للأم في الحالة التي يكون فيها الزوج معسرا وتكون الزوجة موسرة، وهدا الحكم يعتبر كذلك من مستجدات م س وهو ما تم النص في المادة 199.

على أن التزامها بالنفقة على أولادها لا يجعلها ملزمة بالإنفاق على زوجها إلا برضاها.

الحالة3 : حالة عجز الزوجة عن إثبات الضرر في دعوى التطليق للضرر

يعتبر التطليق للضرر إحدى الأسباب التشريعية التي تعطي الزوجة الحق في التطليق من زوجها لكن مع مستجدات على مستوى الفلسفة التشريعية التي حكمت م س. وتتمثل هده المستجدات أساسا

في التحديد التشريعي لمعنى الضرر، وثانيا في إمكانية إثبات الضرر بكافة وسائل الإثبات، وثالثا في إمكانية الحكم بالتعويض عن الضرر المبرر للتطليق في نفس الحكم القاضي بإنهاء مؤسسة الزواج

المشرع أدرك أن إثبات الضرر من طرف الزوجة يبقى أمرا يصعب تحقيقه خاصة وأن بيت الزوجية يكون محاطا بسرية كبرى وكذلك لأن الزوج في الغالب يعتدي على زوجته في مكان النوم الشيء الذي يصعب على الزوجة إثباته مما حدى بالمشرع إلى فتح امكانية التطليق للشقاق حتى يرفع الحيف الذي كانت تعاني منه الزوجات وهو ما عالجه المشرع بالخصوص في المادة 100 التي جاء فيها إذا لم تثبت الزوجة الضرر. وأصرت على طلب التطليق ، يمكنها اللجوء إلى الشقاق.

الحالة4: حالة النزاع حول الخلع

إدا كانت المادة 115 قد أعطت للزوجين الحق في التراضي على الطلاق بالخلع. فإن المشرع قد تنبه إلى أنه في بعض الحالات قد لا يتفق الزوجان على ذلك رغم الإيجاب المقدم من طرف الزوجة بهذا الخصوص. إما لاختلافهما حول مقابل الخلع فقط أو لرفض الزوج للعرض أصلا.

ففي الحالة الأولى: قد يكون الزوج متفقا من حيث المبدأ مع زوجته حول فكرة الخلع لكن الخلاف يكون في مقابله فهنا يرفع الأمر للمحكمة لمحاولة التوفيق بين الطرفين بخصوصه.

وفي الحالة الثانية: وهي التي يرفض فيها الزوج فكرة الخلع جملة وتفصيلا وفي هذه الحالة أتاح المشرع لهذه الزوجة الحق في اللجوء لهذه المسطرة  وهو ما تناولته المادة 120.

الحالة5: حالة رفض الزوجة لمراجعتها من طرف الزوج

جاءت المدونة في هذا الباب بمقتضيات جديدة حلت محل تلك القواعد التي كانت تكتنفها العديد من العيوب والاختلالات، وتتمثل المقتضيات الجديدة في أن المشرع أعطى الحق للزوجة التي رفضت الرجعة طلب الشقاق ودلك طبقا لما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 124 والتي جاء فيها يجب على القاضي قبل الخطاب على وثيقة الرجعة، استدعاء الزوجة لإخبارها بذلك، فإذا استدعت ورفضت الرجوع، يمكنها اللجوء إلى مسطرة طلاق الشقاق المنصوص عليها في المادة 94 أعلاه.

والمشرع بإتباعه لهده المسطرة أراد معاملة الزوج المستهتر بالحياة الزوجية بنقيض قصده حيث يلزم بأداء مستحقات الطلاق مرتين.

المطلب الثاني: التطليق الشقاق على ضوء الإحصائيات والممارسات القضائية

لعله في خضم الحديث عن التطليق للشقاق ربما فاتت الإشارة إلى أنها تعتبر أحد أهم المستجدات التي جاءت بها المدونة، جاءت في الأصل كمسطرة وقائية الهدف منها تسوية وتصفية لنزاعات الزوجين التي يخاف منها شقاق، حيث خول المشرع المغربي لكل أحد من الزوجين اللجوء إلى القضاء لحل النزاع القائم بينهما بما ينصف الطرفين ويصون حقوقهما، وبالتالي فقد منحت للزوجة أيضا طلب التطليق مما لا يتركها حبيسة منظومة قانونية معقدة ومجحفة في حقها، كما خول للمحكمة تطبيق المسطرة  تلقائيا كما سبق الإشارة إلى ذلك في المطلب الأول.

إلا أنه وإن كان التوجه الذي حرص المشرع المغربي على ترسيخه في المدونة الجديدة للأسرة قصد منه الحد من نسبة الطلاق والتطليق، وتقيد الطلبات الرامية إلى ذلك برقابة وإشراف القضاء كما جاء في حكم المحكمة الابتدائية بالحسيمة عدد 231، بتاريخ 27/03/2008 في الملف عدد 104/ 2007: " الشقاق مسطرة تواجهية وتصالحية بالدرجة الأولى".

فإن التطبيق القضائي للشقاق أبان عن محدودية هذا التوجه، نتيجة الارتفاع المهول لنسبة التطليق منذ دخول المدونة حيز التطبيق إلى الآن، وهو ما سنحاول الوقوف عليه وذلك استحضار العشرية الأولى التي تلت تطبيق المدونة. ذلك أنه بتتبع الحصيلة السنوية لحالات الطلاق نلاحظ إقبال متزايد على التطليق بصفة عامة بمرور السنين، على حساب حالات الطلاق، لينتقل مجموع حالات التطليق منذ سنة 2006 إلى 2010 من 16971 إلى 33564 في مقابل 28239 حالة طلاق ستنخفض ل 22937 حالة. لكن المثير في الأمر هنا هو كون حالات التطليق للشقاق تستحوذ على صدارة حالات التطليق بفارق كبير، لتشكل أكثر من 90% من حالات التطليق ! فمن 33564 حالة تطليق سنة 2010 نجد 32331 حالة تطليق للشقاق، وهي أرقام صادمة إذا قارنها فقط بالسنة التي سلفتها. ففي 2009 نجد 29404 حالة طلاق الشقاق من أصل 31085 حالة تطليق. وهي أرقام صادمة تدق ناقوس الخطر، وهنا يبدو جليا ضرورة الرجوع للأسباب الكامنة وراء هذا الإقبال اللامعقول على على هذه الدعاوى، رغم كونها جاءت في الأصل كمسطرة للإصلاح ذات البين وليس تيسير والرفع من حالات الطلاق، مما يؤكد أن مسطرة الشقاق لم يتم إعمالها في الاتجاه الصحيح ولم تتماشى مع روح وفلسفة المشرع ويعزى ذلك إلى:

أولا: سوء التطبيق على المستوى العملي

فرغم ما حملته المدونة من أهداف نبيلة، الا أن تطبيقها على المستوى العملي شابته بعض النواقص، ولعل أبرزها :

- التقاضي بسوء نية، حيث أن كل من الزوجين يمكنه إدعاء وجود حالة شقاق، ولارتباطها بالتعويض، فإن كل منهما يحاول في حالة الخلاف أن يمارسه قبل الآخر، وهنا يجدر التذكير بنقطتين أولهما كون القضاء سار في اتجاه عدم استحقاق الزوجة للمتعة في حال كونها هي المطالبة بسلوك تطليق الشقاق، وهو موقف فيه أخذ ورد، ولعل أبرز مثال على ذلك هو قرار المجلس الأعلى عدد 433 المؤرخ في 21/09/2010 والذي نقض قرار محكمة الاستئناف لما حكمت للزوجة بالمتعة وهي طالبة الشقاق. وثاني نقطة هي مسألة الإقبال الكبير للأزواج على تقديم طلبات الشقاق إسوة بالزوجات الذين حقيقة من أجلهن استحدثت هذه المسطرة في الأصل، ففي سنة 2010 على سبيل المثال بلغت الطلبات المقدمة من طرف الأزواج 26294 أي ما يعادل %40 من مجموع الطلبات 64769.

- تحديد أجل البت في الطلبات المتعلقة بطلاق الشقاق، وحرص قضاء الأسرة على إن يكون البث داخل الآجال المحددة قانونيا، يشجع بعض الراغبين في الانفصال والقطيعة في أسرع وقت وبأقل تكلفة. ولو أن هذه المسألة تختلف باختلاف الوقائع والوضعية المادية للزوجة والزوج، فعلى سبيل المثال نجد في الحكم عدد 3475 الصادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش أنها حكمت بمتعة قدرها بتاريخ 25 نونبر 2004، 7000 درهم.

بينما نجد في حكم المحكمة الابتدائية بالعيون عدد 317 – 06 بتاريخ 2006 /10/ 10 تمتيعها للزوجة بمتعة قدرها 180.000 درهم.

وهذا التباين ليس عيبا بل يجد تبريره في تفاوت الوضعية المادية والاجتماعية للزوجين من حالة لأخرى.

- ندرة تحقيق الصلح، ولو أن هذه المسطرة جاءت في الأصل لإصلاح ذات البين فيما يخاف منه شقاق وقد يعزى ذلك للعبء الملقى على القضاء الأسري، فنكلف القاضي بالإشراف على الصلح رغم ما تعرفه ردهات المحاكم من اكتظاظ في القضايا المطروحة أمامها، مما يجعل من شبه المستحيل أن نتوقع منه الإلمام بحيثيات القضية وتوليتها القسط الكافي من الاهتمام مما قد يؤدي إلى الحكم بالتطليق بعلل بسيطة مفادها أته تعذر صلح الزوجين وباتت محاولات الإصلاح بالفشل لتشبت كل طرف بموقفه.

وكان حري لو أنيطت مهمة الإصلاح بجهة أخرى أكثر تخصصا وتفرغا لذلك من مساعدين اجتماعيين وأخصائيين نفسانيين، أسوة بالعديد من الدول كمصر على سبيل المثال.

ثانيا: بعض الصعوبات القانونية

وإضافة الى ما سبق ذكره نجد تطبيق المدونة قد صادف أيضا بعض الصعوبات ذات طبيعة قانونية، ونأخذ كنموذج عن ذلك:

-  عدم تحديد مفهوم طلاق الشقاق من طرف المشرع جعل قضاة الأسرة يتوسعون في تطبيقاته وترتيب الآثار على ذلك، وعدم حصر حالات الشقاق تشريعيا أدى إلى جعلها تستوعب باقي أسباب التطليق الأخرى، المتمثلة في الضرر والعيب وعدم الإنفاق والغيبة. مما جعل هذه المسطرة  تستحوذ على باقي أسباب التطليق مما جعل هذه المسطرة ملاذا للكثيرين الذين يفضلون سلوك هذه المسطرة بدل سلوك بعض المساطر المعقدة شيئا ما كالهجر والإيلاء، الذي تقريبا تم التخلي عن رفع هذا النوع من الدعاوى، فقد انتقل عدد دعاواه المطروحة أمام القضاء من50 دعوى سنة 2009 إلى 15 دعوى سنة 2010

- عدم إخضاع الاستدعاء في مسطرة التطليق للشقاق للمقتضيات المنصوص عليها في المادة 81. المتعلقة بالتوصل الشخصي لضمان حضور الزوجين لجلسة الصلح قصد تحقيق التواجهية وتقصي أسباب الخلاف لحل النزاع، أفرغ هذه المسطرة من الضمانات الداعمة لإصلاح ذات البين.

-  عدم النص على إلزامية مسطرة الحكمين في جعل بعض المحاكم تعتبرها إلزامية وترتبت عند عدم حضور الحكمين آثار قانونية في حين أن محاكم أخرى جعلت منها فقط وسيلة من وسائل الصلح.

- عدم تحديد الشروط الواجب توفرها لتعيين الحكمين جعل هذه المؤسسة عقيمة للقيام بالمهام المنوطة بها، فكل واحد من الزوجين يختار الحكم الذي يساند موقفه، حتى أنه قد يكون في بعض الأحيان الحكم المعين هو أصل المشكل.

- صعوبة تكوين مجلس العائلة نظرا لكثرة عدد الأعضاء في تشكيله والشروط الواجبة توفرها في هؤلاء الأعضاء، كما أنه يصعب من الناحية الواقعية أن يكشف الزوجين عن أسرارهما أمام مجموعة من الأشخاص وبالتالي يتعذر إعمال هذه المؤسسة، الأمر الذي يدعو إلى تعزيز آليات الوساطة القضائية.

خاتمة

من خلال ما سبق نخلص إلى أن طلاق الشقاق يعتبر أحد أهم مستجدات ومكتسبات قانون الأحوال الشخصية وذلك لما يمتاز به هذا النوع من التطليق من مرونة ويسر في التعامل معه ، بالإضافة إلى كونه ذو بعد وقائي يرجع ذلك بالأساس إلى الدور الذي يلعبه التحكيم في إطار هذه المسطرة، على اعتبار أن التحكيم يلعب في الغالب دورا مهما في الإصلاح ، إذ كثيرا ما يسعف في انقاذ الأسر أو على الأقل فهو يساعد على حل ميثاق الزوجية بدون معاناة ولا تسويف ودون تعميق جراح ضحاياه وبأقل أضرار ممكنة . لكن هذا كله لا ينبغي أن يحجب عنا أن الطلاق والتطليق بأية صورة مورس ومهما أحاطه من الإنصاف والعدل يبقى وسيلة لهدم حياة أسرية قائمة والعصف باستقرارها، وأن فصم رابطة الزوجية مهما كان رحيما ومنصفا فهو يخلف حتما مضاعفات وآلاما بالنسبة للطرفين أو على الأقل بالنسبة للزوج الضحية ، ومعاناة بالنسبة للأبناء واختلالا بالنسبة للمجتمع ككل ومن هذا المنطلق يمكن تقديم بعض المقترحات :

ضرورة وضع قواعد أو شروط واضحة تضبط اللجوء إلى مسطرة الشقاق حتى لا يبقى الأمر طليق العنان .

تماشي مقتضيات المدونة الأسرة مع المقتضيات القانونية العامة لقانون المسطرة المدنية فيما يتعلق بطلبات الأفراد بخصوص جعل طلب التطليق للشقاق خيار للزوجة في إطار المادة 45 من م.س. وعدم ممارسة المحكمة له من تلقاء نفسها وذلك كله محافظة على الأسرة وتجنب أسباب انحلالها وتفرقها قدر الإمكان. 

مواضيع دات صلة قد تهمك

  1. الإتفاقية المغربية الفرنسية في مجال الروابط العائلية
  2. رسالة ماستر الطلاق الاتفاقي للمغاربة في المهجر وفق مدونة الأسرة
  3. إجراءات الزواج في القانون المغربي

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات