القائمة الرئيسية

الصفحات

الإتفاقية المغربية الفرنسية في مجال الروابط العائلية

الإتفاقية المغربية الفرنسية في مجال الروابط العائلية 

الإتفاقية المغربية الفرنسية في مجال الروابط العائلية
الإتفاقية المغربية الفرنسية في مجال الروابط العائلية


مقدمة:

عرفت العلاقات المرتبطة بالأحوال الشخصية، تطور ملحوظا على المستوى الدولي، بفعل تنامي ظاهرة الهجرة، وتزايد حالات الزواج المختلطة الأمر الذي فرض على الدول إبرام اتفاقيات تضم هذه، سواء في مجال تنازع القوانين أو تنازع الاختصاص القضائي الدولي أو تنفيذ الأحكام القضائية. وقد عمد المغرب بدوره إلى إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية في هذا المجال من أهمها الاتفاقية المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة وبالتعاون القضائي التي أبرمها مع الجمهورية الفرنسية بتاريخ 10 أغسطس 1981. 

وقد كان الهدف من إبرام هذه الاتفاقية – حسب ما جاء ف ديباجتها – هو المحافظة على المبادئ الأساسية للهوية الوطني للأفراد، وإنشاء قواعد مشتركة في ميديان تنازع القوانين وتنازع الاختصاص بالنسبة لحالة الأشخاص والأسرة، فضلا عن تدعيم علاقات التعاون القضائي بين الدولتين خاصة في مجالي النفقة والحضانة. غير أن هذه الاتفاقية، اعترضتها مجموعة من الصعوبات على مستوى التطبيق العملي، سواء بالنسبة لمجال تنازع القوانين، أو تنازع الاختصاص القضائي، أو آثار الأحكام القضائية، فضلا عن تلك  الصلة. بموضوع النقل غير المشروع للأطفال.

وتم الاتفاق بين المغرب وفرنسا منذ ما يزيد عن عشرين سنة على معاهدة تتعلق بحالة الأشخاص والأسرة وبالقضائي بين البلدين على يد جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله ورئيس الجمهورية الفرنسية فرنسوا ميترو ودخلت حيز التنفيذ في فرنسا ابتداء من 7 أكتوبر 1987، وقد نشر ظهير 14 نونبر المتعلق بالبروتوكول الإضافي الاتفاقية، وكذا رسالة موجهة من وزير الشؤون الخارجية والتعاون في الحكومة المغربية بتاريخ 28 نونبر 1986 إلى وزير العدل المغربي يطلب منه فيها العمل على نشر نص المعاهدة في الأوساط القضائية بقصد العمل على تطبيق أحكامها على النوازل التي تعرض على المؤسسات القضائية. 

فعلى مستوى تنازع القوانين، فإن استخدام فكرة الدفع بالنظام العام بصورة واسعة من جانب القضاء في كلتا الدولتين، أدى من الوجهة العملية إلى إفراغ المعاهدة من مضمونها، وعطل سبل التنسيق بين النظامين القانونيين في بعض مجالات الأحوال الشخصية. إذ أن المحاكم الفرنسية، في الغالب الأعم من الأحوال، تتعامل مع الاتفاقية وكأنها غير موجودة، بل إنها تعمد بعد التذكير بها إلى الإعلان بأن القانون المغربي بموجب الاتفاقية يتعين استبعاده أساسا لمخالفته للنظام العام الفرنسي أو لتعارضه مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية  كما أن القضاء في المغرب، يعمد بدوره إلى استبعاد تطبيق القانون الفرنسي، اعتمادا على تقنية النظام العام، وكذلك استنادا إلى امتيازي الجنسية  والديانة، الذي سبق أن كرسها القضاء المغربي، بالنسبة للروابط التي تتضمن أطرافا مغاربة أو مسلمين.

وعلى مستوى تنازع الاختصاص القضائي الدولي، فإن الاتفاقية المغربية الفرنسية، اعتمدت معيار الموطن المشترك للزوجين لتحديد اختصاص محاكم الدولتين في حالة الزواج المختلط، إلا أن القضاء المغربي، يفسر هذا المفهوم كمرادف لبيت الزوجية المعروف في القانون الداخلي، وهو ما يمنح للمحاكم المغربية، اختصاصا موسعا على حساب المحاكم الفرنسية، فضلا على أن الاتفاقية المذكورة تعتمد معايير الاختصاص القضائي المعتمدة في مجال انحلال الرابطة الزوجية لتنظم القضايا المتصلة بحضانة الأطفال، وهي معايير تجاوزتها جل تشريعات القانون الدولي الخاص المقارنة لمعالجة هذه القضايا لغياب عنصر الارتباط الذي أضحى عاملا محدد لمنح الاختصاص لمحاكم دولة معينة في هذا المجال.



وسنتناول موضوع الاتفاقية المغربية الفرنسية  المتعلقة بالأحوال الشخصية من خلال التطرق لبعض الصعوبات التي تعترض تطبيقها على لمستوى العملي، دون الخوض في شرح مقتضياتها، وذلك من خلال المحورين الآتيين:

المبحث الأول: صعوبات إعمال تنازع القوانين في مجال الروابط العائلية على ضوء الاتفاقية المغربية الفرنسية.

المبحث الثاني: صعوبات إعمال التنازع الاختصاص القضائي في مجال الروابط العائلية على ضوء الاتفاقية المغربية الفرنسية.

المبحث الأول: صعوبات إعمال تنازع القوانين في مجال الروابط العائلية على ضوء الاتفاقية المغربية الفرنسية.

تقضي الاتفاقية المغربية الفرنسية، بتطبيق القانونين المغربي والفرنسي حسب ما تقضي به قواعد الإسناد الضمنى بها، غير أن القضاء في كل من المغرب وفرنسا، يميل إلى استبعاد القانون الواجب التطبيق، حيث يتم استبعاد القانون الفرنسي مثلا من قبل القضاء المغربي إما بسبب مخالفته لنظام العام، وإما بفعل امتيازي الجنسية والديانة (المطلب الأول) ويتم استبعاد القانون المغربي من قبل القضاء الفرنسي أيضا لمخالفته للنظام العام الفرنسي، أو لتعارضه مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: استبعاد القضاء المغربي للقانون الفرنسي الواجب التطبيق

الفقرة الأولى: استبعاد القضاء المغربي للقانون الفرنسي 

بفصل امتيازي الجنسية والديانة إذا كانت الاتفاقية المغربية الفرنسية، تنص على تطبيق القانون المغربي أو الفرنسي، بحسب ما تقضي به قواعد الإسناد المضمنة بها، فإنه يتم استبعاد القانون الفرنسي، من قبل القضاء المغربي، بالنسبة للروابط التي تتضمن طرفا مغربيا أو مسلما، حيث يتم تطبيق القانون المغربي وحده على النزاع، دون اعتبار لأي منهج تنازعي، بفعل الجنسية والديانة. 

ويقتضي امتياز الجنسية، تطبيق قانون الأحوال الشخصية المغربي وحده، على جميع العلاقات التي يكون أحد الأطراف فيها مغربيا. ولا يوجد لهذا الامتياز أثر ، في ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، كما لم تلجأ إليه الأحكام الصادرة إبان الحماية إلا أن القضاء المغربي، أنشأه في أواخر ستينات القرن الماضي، قبل أن يكرس تشريعيا، من خلال المادة الثانية من مدونة الأسرة، التي نصت صراحة على أن أحكامها تسري على سائر العلاقات التي يكون أ حد الأطراف فيما مغربيا.

أما امتياز الديانة، فيقتضي إخضاع العلاقة التي يكون أحد الطرفين فيها مسلما، ولو كان أجنبيا، إلى القانون المغربي وقد طبق القضاء هذا الامتياز. 

ويلاحظ بأن هذين الامتيازين يؤديان إلى تطبيق المقتضيات القانونية المغربية، حتى على الطرف الفرنسي في العلاقة، دون أن يكون له الحق في الاستفادة من تلك الواردة في قانون. وقد لاحظ الفقه  بأن رفض تطبيق القانون الأجنبي إلى جانب القانون الوطني، يخالف من وجهة روح القانون الدولي الخاص، الذي يهدف إلى التنسيق بين مختلف التشريعات المتنافسة، ويناقض من جهة أخرى، مبادئ وقيم الإسلام السمعة التي تقوم على قبول واحترام الأسر والتي تجد صداها ي مدونة الأسرة نفسها، التي قبلت تطبيق قواعد الأحوال الشخصية العبرية، على اليهود المغاربة.

لذلك يظهر انتفاء أي مبرر للإبقاء هذين الامتيازين، وسلب القانون الفرنسي، نصيبه عن حكم القضايا المرتبطة بالأحوال الشخصية، إلى جانب القانون المغربي ومعلوم أنه يبقى للقاضي المغربي، الحق في استبعاد تطبيق القانون الفرنسي متى كان مخالفا للنظام العام المغربي. 

ولأجل ذلك يتعين على القضاء المغربي، أن يقوم بإعمال قواعد الإسناد المنصوص عليها في الاتفاقية المغربية الفرنسية، فإذا عينت هذه القواعد قانونا اجنبيا وهو القانون الفرنسي في هذه الحالة، جاز للقاضي استبعاده إذا رأى في تطبيقه مخالفة للنظام العام بمفهومه القانون الدولي الخاص في دولته، غير أن استخدام فكرة الدفع بالنظام العام من جانب القضاء في كلتا الدولتين بصورة واسعة أدى من الوجهة العملية إلى إفراع معاهدة 1981 من مضمونها وعطل بالتالي سبل التنسيق بين النظامين القانونيين  المتناقضين في بغض مجالات الأحوال الشخصية. 

الفقرة الثانية: دور النظام العام المغربي في استبعاد تطبيق القانون الفرنسي

تنص المادة الرابعة من الاتفاقية المغربية الفرنسية على أنه لا يمكن العدول عن تطبيق قانون إحدى الدولتين المحدد بمقتضى هذه الاتفاقية من طرف محاكم الدولة الأخرى إلا إذا  كان منافيا بصورة واضحة للنظام العام". فإذا كان القاون الفرنسي الواجب التطبيق بمقتضى الاتفاقية مخالفا للنظام العام المغربي، فإنه يكون للقضاء المغربي أن يقوم باستبعاده وتطبيق القانون المغربي محله. غير أنه يتعين الأخذ بعين الاعتبار، بأن مفهوم النظام العام في القانون الدولي الخاص، دورا مختلفا من ذلك الموجود في القانون الداخلي، فإذا كان مصطلح النظام العام في القانون الداخلي يدل على مجموعة من القواعد الآمرة التي لا يجوز للأفراد لاتفاق على مخالفتها، وإلا كانت تصرفاتهم المخالفة لهات باطلة، لذلك فدور النظام العام هنا يقتصر على الحد من مبدأ سلطان الإرادة وتقييده فإنه في إطار القانون الدولي الخاص يكون لدى دور مغاير حيث يستخدم كوسيلة يتمكن القاضي بفضلها من استبعاد القانون الأجنبي الذي تشير إليه قاعدة الإسناد الوطنية وذلك لمخالفة للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها مجتمع القاضي سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو دينية أو أخلاقية.  

المطلب الثاني: استبعاد القضاء الفرنسي  للأحكام الخاصة بالروابط العائلية.

يواجه المغربة في فرنسا، مشكلا أساسيا يرتبط بالتنازع الواضح بين القانون الفرنسي والقانون المغربي الذي يستمد أغلب قواعده من العقد الإسلامي  غير أن الوضع الحالي يبرز أن الإشكال الحقيقي الذي يواجهه المغاربة في فرنسا لم يعد يرتبط دائما بالاختلافات الجوهرية السائدة بين قانونهم الوطني وقانون إقامتهم بل الأساس بالسياسة التشريعية الأمورية الحالية في ميدان تنازع القوانين التي أصبحت أكثر تكريسا للحلول القائمة على تطبيق قانون الإقامة الاعتيادية.

الفقرة الأولى: استبعاد القاضي الفرنسي لمؤسسات مدونة الأسرة لمخالفتها النظام العام الفرنسي.

يعمل القضاء الفرنسي في كثير من الحالات إلى استبعاد القانون المغربي الواجب التطبيق بمقتضى الاتفاقية المغربية الفرنسية، بجعل مخالفته للنظام العام الفرنسي ففكرة النظام العام، تشكل المجال الأكثر تقييدا لتطبيق القانون المغربي، حيث أنها آلية تستخدم بشكل واسع لاستبعاد القانون المغربي في المسائل المتصلة بالزواج مثلا، كما هو الشأن بالنسبة لبعض الأحكام الخاصة بموانع الزواج الدينية والتي يبقى أهمها المنع القائم على عدم إمكانية زواج المسلمة  بغير المسلم والمسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية، فهذا المنع يطرح العديد من نقاط الإشكال في التطبيقات القضائية الفرنسية، ومرد هذا الإشكال هو تعارض مانع الزواج هذا مع كافة الاتفاقيات الدولية بشأن حقوق الإنسان وحماية الحريات، حيث يتم التمسك في هذا الشأن بالمادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 التي تنص على أنه لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز من حيث الجنس أو الدين". ويجد المتأمل لهذه النصوص، أن القاضي الأوربي لن يجد أي عائق يحول بينه وبين إثارة النظام العام في مواجهة مانع الزواج بغير المسلم بالرغم أن الأمر يتعلق بأحد القيم السائدة في مجتمعنا الإسلامي. 

وقد ساهم ذلك في ظهور تصرف قضائي جديد يرتكز بالأساس على تطبيق الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان من أجل رفض الاعتراف بأحكام الطلاق الصادرة بالمغرب، ومن القرارات التي صدرت في هذا الباب القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 1/6/1994. ويلاحظ بأنه استقر الاجتهاد القضائي الفرنسي في مادة الاعتراف بالطلاق المصرح به خارج التراب الفرنسي باتجاه نهائي أمام الاعتراف بأي طلاق معلن عنه بالمغرب. 

لأجل ذلك، ومن أجل تجاوز هذه الصعوبات، وحفاظا على حقوق ومصالح الأفراد اقترح بعض الفقه المغربي  تنظيم قانوني للروابط الدولية الخاصة المغربية الأوربية العائلية، وذلك بفضل معاهدة بين المغرب وكل دولة من الاتحاد الأوربي في مادة حالة وأهلية الأشخاص، وينبغي أن تكون القواعد المضمنة في المعاهدة المقترحة عبارة عن قواعد متدية موضوعية تطبق مباشرة على الأحوال الشخصية للجالية المغربية المهاجرة، تراعي فيها مصالح من الدولتين المتمثلة في التنسيق بين أنظمتها القانونية بضمان الثبات في العلاقات الدولية الخاصة المغربية الأوربية، ومصالح الجالية المغربية المتعددة الأنماط والطموحات المتمثلة في توحيد الحلول المنظمة لأحوالها الشخصية والحفاظ على تماسكها واستقرارها في ظل دولة ذات صبغة علمانية وصلت فيها حقوق الإنسان أوجها وذروتها، وستكون هذه القواعد المطبقة على الأحوال الشخصية للجالية المغربية المهاجرة متماشية  وروح الشريعة الإسلامية السمعاء ومن ثم متوافقة والمبادئ العالمية غير أن حدود التوافق مع هذه المبادئ لا يمكن أن تتجاوز عندما يتم المساس بالمسائل الجوهرية للإسلام.

الفقرة 2: تضييق قواعد الإسناد المعمول بها في فرنسا المجال اختصاص القانون المغربي

تنص المادة التاسعة من الاتفاقية المغربية الفرنسية، على أنه "ينحل الزواج وفقا للقانون إحدى الدولتين التي ينتمي إليها الزوجين وقت تقييد الطلب. ويطبق في الفرقة إذا كان أحد الزوجين مغربيا والآخر فرنسيا ساعة تقديم الطلب قانون الدولة التي يقع بها موطن الزوجين المشترك أو آخر موطن مشترك لها" غير أن الملاحظ من خلال بعض الأحكام الصادرة عن القضاء الفرنسي، أن هذه المادة لم تستطع التخفيف من حدة اختصاص القاضي الفرنسي بالنظر إلى توفر العديد من المغاربة المقيمين بفرنسا من الجنسية الفرنسية.

أما العامل الآخر الذي يكرسه خروجا واضحا عن أحكام الاتفاقية المغربية الفرنسية، فهو لجوء الاتجاه الحديث لمحكمة النقض الفرنسية إلى اعتماد معيار الإقامة المشتركة داخل التراب الفرنسي بالرغم من أن هذا العنصر لا يتدخل إلا في حالة اختلاف الجنسيات. 

المبحث الثاني: الصعوبات المتصلة بالتنازع الاختصاص القضائي في مجال الروابط العائلية على ضوء الاتفاقية المغربية الفرنسية

تثير معايير الاختصاص القضائي التي اعتمدتها الاتفاقية المغربية الفرنسية، بعض الإشكالات على مستوى التطبيق العملي. كما أنه رغم أهمية تقنية الدفع بالإحالة لتقديم نفس الدعوى أمام المحكمة الأخرى التي جاءت بها الاتفاقية، فإن محاكم الدولتين لا تعمل على تفعيلها.

المطلب الأول: معايير الاختصاص القضائي الدولي في الاتفاقية المغربية الفرنسية

تبنت الاتفاقية المغربية، معيار الموطن المشترك لتحديد اختصاص محاكم الدولتين في حالة الزواج المختلط، إلا أن القضاء المغرب وعلى عكس ما نصت عليه الاتفاقية ، يفسر هذا المفهوم كمرادف لبيت الزوجية المعروف في القانون الداخلي (الفقرة الأولى) كما أن الاتفاقية المذكورة تعتمد معايير الاختصاص القضائي المعتمدة في مجال انحلال الرابطة الزوجية لتنظيم القضايا المتصلة بحضانة الأطفال، وهي معايير تجاوزتها تشريعات القانون الدولي الخاص المقارنة بمعالجة هذه القضايا بالغياب عنصرا لارتباط الذي أضحى عاملا محدد لمنع الاختصاص لمحاكم دولة معينة في هذا المجال (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التفسير القضائي للموطن المشترك للزوجين

اعتمدت الاتفاقية المغربية الفرنسية ، معيار الموطن المشترك للزوجين، كضابط للاختصاص القضائي الدولي سواء في مجال الآثار الشخصية للزواج، أو في مجال انحلال الرابطة الزوجية وآثارها الشخصية وحددته في محل السكنى العاالي والفعال (المادة الثانية).

إلا أن الملاحظ أن الاجتهاد القضائي المغربي، لا يحدد الموطن المشترك للزوجين في محل السكنى العادي والفعلي للزوجين، وإنما في بيت الزوجية المعروف في القانون الداخلي طبقا لأحكام العقد المالكي الذي يحدده في البيت الذي يقوم باختياره الزوج، فقد في إحدى القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى  أنه: "حيث صح نعته الوسيلة، ذلك أنه من المقرر فقها وقضاء أنالزوج باعتباره المكلف بالاتفاق هو الذي يختار بيت الزوجية ويدعو زوجته غليه رضاء أو قضاء إلا أن يكون القصد به إلحاق الضرر بها...".

الفقرة الثانية: تنافي المعايير المعتمدة من قبل الاتفاقية المغربية الفرنسية مع مصلحة الطفل

لا تتضمن الاتفاقية المغربية الفرنسية قواعد للاختصاص القضائي خاصة بالحضانة، لذلك فإن هذا الموضوع يبقى خاضعا للقواعد المطبقة في مجال الآثار الشخصية للزواج والطلاق المنصوص عليه في الاتفاقية. ومن ثم يتم منح الاختصاص في قضايا الحضانة لمحكمة الموطن المشترك للزوجين أو آخر موطن مشترك لهما. إذا لميكن لهما جنسية واحدة، أما إذا كان الزوجان من جنسية واحدة لإحدى الدولتين، فتكون محاكم هذه الدولة المختصة أيا كان مونهما وقت تقييد الدعوى. واعتماد المعايير المذكورة لحكم القضايا المتصلة بالحضانة، يتعارض مع المصلحة الفضلى للطفل لانتفاء عنصر الارتباط proximité  الذي أضحى عاملا محدد لمنح الاختصاص لسلطات دولة معينة في هذا المجل من خلال تبني ضابط الإقامة الاعتيادية للطفل مجموعة من التشريعات الحديثة في القانون الدولي الخاص كالقانون السويسري والقانون البلجيكي، كما اعتمده مؤتمر لاهاي في العديد من الاتفاقيات الصادرة منه في الموضوع، من ذلك الاتفاقية الموقعة سنة 1961 بشأن حماية القاصرين. 

وقد أصبحت هذه التشريعات والاتفاقيات تعتمد ضابط الإقامة الاعتيادية للطفل، من أجل تحديد اختصاص سلطات الدول في مجال حماية الأطفال والمسؤولية الأبوية، لارتباط هذه السلطات بالوسيط الذي يعيش فيه الطفل، ومن تم لقدرة هذا الضابط على الاستجابة لمطلب الفعالية في كل ما يتعقل بحماية الأطفال. 

فسلطات الإقامة الاعتيادية للطفل، هي التي تكون في وضع أفضل لمعرفة الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، بما أنها تملك الإمكانية اللازمة، للقيام بالبحث والاستعلام عن الأشخاص القادرين على التكفل بالطفل ولاختيار تدابير الحماية الملائمة لمصلحته، والحرص على حسن تنفيذها، فضلا من أن التدابير التي تتخذها هذه السلطات، تكون عملية بدون سلوك بعض مساطر الرقابة التي قد تكون ضرورية في البلد الذي لا يعيش فيه الطفل. 

المطلب الثاني: آلية إرجاء البت لفض التنازع الاختصاص القضائي

اعتمدت الاتفاقية المغربية الفرنسية تقنية الدفع بالإحالة لتقديم نفس الدعوى إلى محكمتين مختلفتين وذلك سواء في مجال الآثار الشخصية للزواج أو بالنسبة للانحلال الرابطة الزوجية، إلا أنه رغم أهمية هذه الآلية في فض التنازع في الاختصاص بين محاكم الدولتين، فإن الملاحظ أن القضاء في كل من فرنسا والمغرب لا يعمل على تفعيلها.

الفقرة الأولى: أهمية الدفع بالإحالة لسبقية تقديم الدعوى أمام محكمة أخرى

تختص المحاكم المغربية والفرنسية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالآثار الشخصية للزواج وبتلك المتعلقة بانحلال الرابطة الزوجية، وفقا لضوابط الاختصاص القضائي المنصوص عليها في الاتفاقية، غير أن هناك قيدا يحد من اختصاص هذه الحاكم، ويتعلق الأمر بالدفع بالإحالة للأسبقية تقديم نفس الدعوى أمام محكمة الدولة الأخرى.

وقد اعتمدت آلية الإحالة لتقديم نفس الدعوى إلى محكمة أجنبية مجموعة من الاتفاقيات والتشريعات الحديثة، وهي تفرض على الدولة التي رفعت أمام محكمتها الدعوى الثانية، التخلي عن القضية لصالح محكمة الدولة شريطة تعلق الأمر بدعوى واحدة في نزاع معروض على محكمة وطنية ومحكمة أجنبية في نفس الوقت، واسبقية رفع الدعوى أمام المحكمة الأجنبية، وتوفر الاختصاص للقضاء الوطني والأجنبي معا، وقابلة الحكم الذي سيصدر عن المحكمة الأجنبية، للحصول على الأمر بالتنفيذ من جانب المحاكم الوطنية.

الفقرة الثانية: عدم تعديل تقنية الإحالة من قبل القضاء المغربي والفرنسية

تبين من خلال الاطلاع على بعض الأحكام الصادرة من كل من القضاء المغربي والفرنسي، أن المحاكم المغربية والفرنسية، لا تقبل إحالة الدعوى على المحكمة الثانية إذا احتل شرط من شروط اللازمة لإعمال الإحالة. فقد رفضت محكمة الاستئناف بمتز (Metz) بفرنسا بتاريخ 6 يناير 2009، دفع زوج مغربي بالإحالة على المحكمة المغربية، بعلة أن الطلب المقدم لدى هذه الأخيرة والحكم المتعلق به، يتعلق بالطلاق بالإرادة المنفردة وهو مخالف للنظام العام هناك. 

وبالنظر لفائدة الإحالة من تلافي صدور أحكام متعارضة، أو غير مكفولة النفاذ فإنه يتعين على طل من القضاء المغربي والفرنسي، أن يعمل على تفعيل هذه الوسيلة وذلك بمجرد توفر الشروط اللازمة لإعمالها. ويميل الفقه الفرنسي الحديث  إلى التساهل بخصوص شرط وحدة الموضوع والسب لا سيما في مجال الطلاق، الطي يصعب فيه توفر مثل هذا الشرط، وذلك بغية تجميع النزاعات. ومن ثم تحقيق الهدف المتوخى من الإحالة وهو القضاء على الإجراءات المتوازنة.

خاتمة:

من المؤكد أن مرور ثمانية وعشرون سنة على إبرام هذه الاتفاقية تعتبر مدة كافية لمعرفة إذا كانت قد حققت مبتغاه والأهداف المقررة والمرسومة لها، وهي المحافظة على المبادئ الأساسية للهوية الوطنية للأفراد وإنشاء قواعد مشركة لتنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي لحالة الأشخاص وحماية الأطفال والمستفيدين من النفقة.

في هذا الإطار يرى الأستاذ أحمد زوكاغي بأن الاتفاقية المغربية الفرنسية لسنة 1981 لم تحقق شيئا من الغايات المنشودة من عقدها، سيما من الجانب الفرنسي وأن الخاسر الأكبر من الاتفاقية كان هو المواطنون المغاربة، حيث ظلت المحاكم الفرنسية في أغلب الحالات تتعامل مع الاتفاقية وكأنها غير موجودة، وقد تواجدت العديد من المشاكل في حالة الطلاق أو الفرقة على عكس الزواج الذي لا نجد فيه إلا بعض الصعوبات.

تعتبر الاتفاقية ثمرة تعاون بين الدولتين لإيجاد حلول عملية سريعة لتفادي المشاكل التي تطرح على الساحة، المتعلق بزواج مغربي بأجنبية أو فرنسية، وما يمكن قوله أنه رغم مرور 27 سنة على المصادقة على المصادقة، لم نلاحظ أي عمل ثان بين الدولتين لدراسة المشاكل التي تطرحها هذه الاتفاقية وخاصة المادة 4 منها، وكذلك عدم إعطاء أهمية كبيرة لمجال النفقة وتنظيمها بشكل كامل.

لائحة المراجع

المراجع بالعربية:

أحمد زوكاغي، حصيلة الاتفاقية المغربية الفرنسية المؤرخة في 10 غشت  1981 المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة وبالتعاون القضائي ، مجلة المناهج العدد 2-2002

أحمد أمزرين، التفسير القضائي للاتفاقيات الدولية المتعلق بالأحوال الشخصية والأسرة مذكرة للاستكمال نيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية، جامعة محمد الخامس كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية أكدال – الرباط سنة 2010-2011 

العربي محمدي: القاضي الأوربي ومؤسسات مدونة الأسرة المغربية"، رسالة لاستكمال دبلوم الدراسات العليا المعمقة  في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط أكدال السنة الجامعية 2006-2007

جميلة أوحيدة، مستجدات مدونة الاسرة وانعكاساتها على المغاربة المقيمين بأوربا، منال منشور في إطار الندوة الجهوية الثانية للمجلس الأعلى 

حسن ابراهيمي" انحلال ميثاق الزوجية والقضاء الفرنسي – الطلاق بإرادة منفردة نموذجا- رصد لتطور تعامل القضاء الفرنسي مع قواعد الطلاق بالإرادة المنفردة الصادر في المغرب، الطبعة الأولى 2009 

جميلة أوحيدة، آليات تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص المغربي، مطبعة المعرف الجديدة الرباط الطبعة الأولى 2007 

محمد الوكيلي: "دروس في القانون الدولي الخاص" السنة الجامعية 2005-2006

مراجع باللغة الفرنسية:

Moulay Rchid (A) : « les droits de l’enfants dans les conventions international et les relations retenues dans les pays Arabo-musilmans » ; Recueil des cours (1997), Tome 

Lequette (Yves) : « Le droit international privé de la famille à l’épreuve des conventions internationales » Receuil des cours (1994 II), Tome 246

Niboyet (Maric-laure) et Gérand de Geauffre de la Pradelle : « Droit international privé » L.G.D.G (2007

Sarhan (F) et Cahlou. Rachidi (N) : « Réflexion sur quelque règles de conflet de lois à l’épreuve de la pratique » : cahier des droits maghrébins vol 1 n° 1 (1995) 

V. Bettrand (A) et Moratia (M.W) : l’intérêt supérieur de l’enfant dans le concert des juridictions de Règlement Bruxelles 2 bis » Revue critique droit international privé, n04 Octobre – décembre 2005

Lagarde (Paule) : « Le principe de proximité dans le droit international privé contemporains, recueil des cours (1986 I) , Tome 196


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات