القائمة الرئيسية

الصفحات

الثورة الصناعية في أوروبا

 الثورة الصناعية في أوروبا


الثورة الصناعية في أوروبا
الثورة الصناعية في أوروبا

مقدمة:

لقد أدى ظهور الثورة الصناعية في أوروبا وما صاحبها من انتشار من آلات إلى إيقاع الظلم والغبن بالعمال بصفة عامة، نتيجة استغلالهم لفترات طويلة وإحداث احتلال بينهم وبين أصحاب العمل، ولم يستثني هذا الاحتلال حتى الأطفال الذين تم استغلالهم بشكل كبير من أجل تنمية المشاريع الاقتصادية وتحقيق النمو على حساب صحتهم ونموهم الذاتي والشخصي وهو ما شكل مظهرا من مظاهر الإجحاف بحقوقهم. 

وتعتبر ظاهرة تشغيل الأطفال مشكلة ضخمة في العديد من أرجاء العالم والتي تبقى مرتبطة أساسا بالتخلف الاقتصادي وشيوع الفقر وانخفاض مستويات المعيشة وحاجات الأسر لزيادة الخجل، حيث تلجأ هذه الأخيرة في أغلب الدول النامية إلى تشغيل الأطفال من أجل توفير مصدر للدخل، ومبعث القلق لهذه الظاهرة أن هؤلاء الأطفال صغار السن يضطرون لعيش حياة البالغين قبل الأوان ويعملون ساعات طويلة مقابل أجور دنيا في ظروف تؤدي صحتهم وتدمر نموههم البدني والعقلي وتحرمهم من فرص التعليم والتدريب الحقيقية التي يمكن أن تفتح أمامهم أبواب مستقبل أفضل. 

وفي ظل هذه الظرفية كان من الضروري أن تتعاطى المنظمات الدولية مع الموضوع بنوع من الإيجابية التي تضمن قوق الأحداث، وفي هذا الإطار جاء انخراط منظمة العمل الدويلة والتي عملت منذ نشأتها إلى تبني منظور حاول الحد من ظاهرة تشغيل الأطفال، ووضع إطار قانوني يؤطرها حيث كانت البداية بتبني الاتفاقية رقم 8 المتعلقة بالسن الأدنى للاستخدام في المجال الصناعي والتي تم تبنيها سنة 1919 لتتوالى بعد ذلك الاتفاقيات التي اهتمت بالموضوع.                 

ونظرا لأهمية موضوع تشغيل الأطفال فقد حظي باهتمام كبير من لدن منظمات العمل الدولية والتي عملت منذ نشأتها على إقرار مجموعة من الاتفاقيات والتوصيات حول شروط استخدام الأحداث مركزة في ذلك على جانبين أساسيين يتعلق الأول بحظر تشغيل الأطفال في سن مبكرة، ويرتبط الجانب الثاني بضرورة توفر شرط اللياقة الصحية للحدث قبل الإقدام على تشغيله. 



وفي نفس النهج سار المشرع المغربي والذي عمد مذ إصداره لأول تنظيم للشغل إلى إقرار مجموعة من النصوص والمقتضيات لقبول الحدث في عالم الشغل.

وهكذا يمكن طرح الإشكالية التالية ألا وهي إلى أي مدى استطاع التشريع في شقيه الدولي والداخلي لحماية الأحداث ومنعهم من التشغيل المبكر؟

هذا ما سنقوم بالإجابة عليه وفق التصميم الآتي: حيث سنتناول في المبحث الأول السن القانوني للتشغيل بين التشريع  الدولي والوطني، على أن نخصص المبحث الثاني: لحماية الحدث من خلال التأطير القانوني لمدة العمل والراحة والعطل. 

المبحث الأول: السن القانوني للتشغيل بين التشريع الدولي والوطني

سنخصص هذا المبحث لدراسة الشرط المرتبط بالحد الأدنى لسن التشغيل في ظل التشريع الدولي لنقف على التطور الذي عرفه ع توالي الاتفاقيات والتوصيات، كما سنقوم بدراسة التشريع الوطني في هذا المجال، وذلك من خلال المطلبين التاليين:

المطب لأول: التنظيم الدولي للسن القانوني للتشغيل

عرف تحديد السن القانوني للتشغيل في ظل التنظيم الدولي تطورا اقتضته الظروف الاقتصادية التي مر عبرها الاقتصاد الدولي، ويمكن التمييز في هذا الإطار بين الاتفاقيات الصادرة قبل سنة 1973 باعتبارها السنة التي عرفت تبني الاتفاقية 138، والتي شكلت اللبنة الأساسية في محاربة ظاهرة تشغيل الأطفال، وبين الاتفاقيات الصادرة قبل ذلك التاريخ والتي تميزت بطابع قطاعي. 

الفقرة الأولى: الاتفاقيات المتبناة قبل سنة 1973

كما سبقت الإشارة لذلك، فإن هذه المرحلة عرفت صدور مجموع من الاتفاقيات ذات الطابع القطاعي، وكانت البداية بتبني الاتفاقية رقم 5 ، والتي شكلت أول لبنة في المعايير التي أنتجتها المنظمة، وقد نصت مادتها الثانية على عدم إمكانية تشغيل الأطفال دون سن الرابع عشر في أي منشأة صناعية عامة أو خاصة أو في أي من فروعها، باستثناء المنشآت التي لا يعمل بها إلا أفراد من نفس الأسرة.

وقد استثنت من أحكام هذه الاتفاقية الأعمال التي يقوم بها الأحداث في المدارس المهنية بترخيص وتحت إشراف ومراقبة السلطات العمومية لذلك. 

وتفرض المادة الرابعة من الاتفاقية على رؤساء المؤسسات مسك سجلات تقيد فيها أسماء كل الأشخاص العاملين لديهم والذين تقل سنهم عن ستة عشر عاما مع تسجيل تاريخ ميلادهم بالسجلات المذكورة.

وقد عرفت الاتفاقية المذكورة راجعة سنة 1937 بمقتضى الاتفاقية 59 والتي كرست رفع السن الأدنى للتشغيل في القطاع الصناعي، حيث تم تبني سن الخامسة عشر كحد أدنى للقبول في العمل.

وقد أجازت الاتفاقية الأخيرة للدول الأعضاء إصدار القوانين واللوائح التي تسمح بتشغيل الأحداث في المؤسسات التي لا يعمل فيها سوى أفراد من نفس الأسرة، مستثنية من ذلك الاعمال التي تمثل بطبيعتها أو بحكم الشروط التي تنجز فيها خطورة على حياة أو صحة أخلاق الأحداث، حيث فرضت من خلال مادتها الخامسة على التشريعات  الوطنية تبني حدود تفوق الخمسة عشرة سنة، مانحة للجهات المختصة، السلطة التقديرية لقياس خطورة الأشغال والسن المناسب لها. كما استثنت الاتفاقية الأخيرة بمقتضى المادة الثالثة من مجال تطبيقها الأحداث الذين يعملون في المدارس الفنية، شريطة موافقة السلطة العامة على هذا العمل وأن تشرف عليه.              

وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة للقطاع الصناعي، فإن المجال البحري بدوره عرف سنة 1920تبني الاتفاقية رقم  7 من قبل المؤتمر الدولي للعمل والتي عالجت موضوع تشغيل الأحداث في هذا القطاع، وهكذا أقرت مادتها الثانية عدم جواز تشغيل الأطفال دون سن الرابعة عشر على ظهر السفن باستثناء تلك التي لا يعمل فيها إلا أفراد من نفس الأسرة، وقد شمل الاستثناء كذلك العمل على ظهر السفن بغاية التوين والتعليم والتدريب، شريطة موافقة وإشراف ومراقبة السلطة العامة المختصة لذلك.

وقد خضعت الاتفاقية المذكورة لتعديل سنة 1936 حيث تبنى مؤتمر العمل الدول الاتفاقية 58 والتي رفعت سن التشغيل في المجال البحري إلى حدود سن الخامسة عشر ، وفي المقابل احتفظت بالاستثناء تشغيل الأحداث دون ذلك السن بالنسبة للسفن التي يشتغل على ظهرها افراد من نفس الأسرة. 

أما بالنسبة للقطاع الفلاحي فقد عرفت سنة 1921 صدور الاتفاقية رقم 10 حول السن الأدنى للعمل في القطاع، والملاحظ أن هذه الاتفاقية تضمنت أحكاما مرنة بخصوص السن القانوني لالتحاق الأطفال بالعمل في المجال الزراعي، فلم تتضمن الاتفاقية أي منع، بل صت على عدم جواز تشغيل الأطفال دون سن الرابعة عشر في المقاولات الفلاحية العمومية كانت أو خاصة أو في أي فرع من فروعها إلا خارج الأوقات المحددة لتلقي التعليم المدرسي، وشريطة ال يؤثر شغل الأطفال على انتظام تلقيهم للدروس.

وبهدف تحقيق تدريب مهني عملي، سمحت المادة الثانية من الاتفاقية بتنظيم أعمال فلاحية خفيفة، وخصوصا في الأشغال المرتبطة بالحصاد وفي كل الأحوال، لا يمكن أن تنزل مدة المواظبة على الدراسة عن ثمانية أشهر في السنة.              

وقد استثني من تطبيق مقتضيات الاتفاقية الأشغال المنجزة في المدارس التقنية التي تكون مرخصة ومراقبة من طرف السلطات العمومية المختصة. 

وفي إطار تعامل منظمة العمل الدولية مع كل قطاع  على حدة من القطاعات التي سبق الحديث عنها، افردت هذه الأخيرة للأعمال الغير الصناعية اتفاقية خاصة وهي الاتفاقية رقم 33 ، والتي منعت استخدام تشغيل الأطفال في سن الرابعة عشر أو أكثر في الأشغال غير الصناعية إذا كانوا لا زالوا يتابعون دراستهم في التعليم الأولي ، وتفرض الاتفاقية على الدول المصادقة رفع هذا السن بالنسبة للأعمال الخطيرة على حياة الأطفال وصحتهم وأخلاقهم، وكذا في أعمال التجارة المتجولة عبر الطرق العامة وفي كل الاستخدامات المشابهة. 

ومن أجل تنفيذ الالتزام بهذه المقتضيات نصت الاتفاقية على مجموعة إجراءات تهم التفتيش والمراقبة والعقوبات الزجرية. 

وترد على مقتضيات الاتفاقية رقم 33 بعض الاستثناءات حيث فتحت هذه الأخيرة إمكانية تشغيل الأطفال البالغين اثني عشر سنة خارج أوقات المدرسة في أعمال خفية شريطة عدم تأثير ذلك على صحتهم أو نمائهم الطبيعي، وألا تكون هذه الأعمال بطبيعتها تشكل مساسا بسيرتهم الدراسة، والا تتجاوز مدتها ساعتين في اليوم وألا تتعدى مدة العمل اليومية مضافة إليها مدة الدراسة سبع ساعات، والا تتم هذه الأشغال أيام الآحاد والأعياد وبالليل.        

كما تهم استثناءات أخرى بعض الشروط المرتبطة بمصلحة الفن والعلم أو التعلم، وذلك من أجل تمكين الأطفال من الظهور في تظاهرات عمومية أو المشاركة في لقطات سينمائية. 

وقد عرفت الاتفاقية المذكورة مراجعة سنة 1937 بمقتضى الاتفاقية رقم 60، حيث تم رفع سن التشغيل الأدنى في القطاعات غير الصناعية إلى خمسة عشر سنة بمقتضى مادتها الثانية، لكنها وفي المقابل فتحت ومن خلال مادتها الثالثة إمكانية تشغيل 

الأحداث الذين لم تتجاوز سنهم الثالثة عشر خارج الساعات المحددة للدراسة في أعمال خفيفة لا تضر بصحتهم وبنموهم الطبيعي على الا تؤثر على مواظبتهم للدراسة.

وقد ساهم توالي الاتفاقيات خلال هذه الفترة والتي تعنى بالموضوع إلى بلورة منظور جديد للتعامل مع ظاهرة تشغيل الأطفال لدى منظمة العمل الدولية، وهو الأمر التذي تجسد في قرار المؤتمر الدولي للشغل لسنة 1945 بشأن العمال الأحداث ، والذي أكد على الارتباط الوثيق بي المشاكل المتعلقة بالصحة والتعليم والتشغيل والحماية والرفاهية العامة، وبذلك خلص القرار إلى عدم إمكانية فصل أي موضوع من هذه المواضيع عن الآخر، ودعا الحكومات أن تتحمل المسؤولية الكاملة التي تقع على عاتقها سواء من خلال العمل في الإطارات الوطنية أو من خلال طرق التعاون الدولي الملائمة.

وتأسيسا على هذه القناعة نص القرار على برنامج يعالج مختلف جوانب عمل الأطفال معتمدا مقاربة شمولية تضم كلا من التعليم والصحة والحماية والرفاهية العامة، كما حدد القرار عدة وسائل وآليات  يجب مراعاتها واحترامها ومنها اساسا تحديد السن الأدنى للتشغيل وضرورة الترخيص بالاستخدام أو العمل.  

ودعا المؤتمر إلى ضرورة حظر عمل الأطفال في كل نشاط هني حتى السن الأكثر تقدما كلما كان ذلك ممكنا، مع الرفع تدريجيا من هذا السن ومراعاة المبادئ التالية:

ضرورة ملاءمة السن الأدنى للقبول في العمل ومرحلة التعليم الإجباري

ضرورة تنظيم السن القانوني للتشغيل بالنسبة لكافة الأنشطة الاقتصادية

اشتراط توافر بيانات مثبتة للسن من خلال وثيقة رسمية تمنح بدون مقابل وإلزام رب العمل بالاحتفاظ بها في حوزته.

تحديد سن متقدمة بالنسبة للأعمال الخطيرة بهدف ضمان حماية أكبر للأطفال.

ضرورة موافقة الوالدين والسلطات المختصة من أل الترخيص بتشغيل الأطفال.

وتعتبر هذه المبادئ أهم القواعد التي تبنتها منظمة العمل الدولية في مجال القضاء على تشغيل الأطفال، والتي لا تزال لحد الساعة من الركائز والقواعد التي تعتمدها المنظمة في استراتيجياتها. 

الفقرة الثانية: السن القانوني لتشغيل الأطفال من خلال الاتفاقيتين 138 و 182

إذا كنا قد تحدثنا في النقطة السابقة عن الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية قبل سنة 1973، فإننا سنركز في هذه النقطة الثانية على الاتفاقيات التي صدرت في تلك السنة أو بعدها، وأول ما يمكن أن نلاحظه في هذال المجال، هو أنه وخلافا للوضع بالنسبة للاتفاقيات لاتي تم تبنيها في المرحلة الأولى، والتي تميزت بطابعها القطاعي، فإن الاتفاقيات المعتمدة في المرحلة الثانية تميزت بعموميتها وتأطيرها لكل القطاعات، وهو أمر تكرس مع تنامي توجه عام لدى الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية نحو رفع  السن الأدنى للتشغيل وضرورة ابني معيار عام بهذا الخصوص يكون أكثر تحديدا ووضوحا. 

وانسجاما مع هذا المنظور انتهى مجلس إدارة منظمة العمل الدولية في دورته 181 لسنة 1970 غلى قناعة مفادها أن الاتفاقيات المطبقة حول السن الأدنى للعمل لا يمكن أن تشكل أداة ناجعة لتحقيق العيش الكريم للأطفال، لذلك اصبح لزاما على منظمة العمل الدولية تبني أداة عامة. 

وقد كانت الاتفاقية 138  أول تجسيد لهذا المنظور على أرض الواقع، وهكذا حددت ديباجتها بأن الهدف من تبنيها هو وضع إطار عام ينظم موضوع السن الأدنى للاستخدام، ليحل تدريجيا محل الأدوات القانونية المطبقة على القطاعات المختلفة، وذلك بغرض القضاء كليا على عمل الأطفال. 

وقد أكدت الاتفاقية في مادتها الأولى على أن الدول التي صادقت عليها تلتزم بتطبيق سياسة وطنية تهدف إلى تأمين القضاء الفعلي على عمل الأطفال والرفع تدريجيا من السن الأدنى للقبول في العمل إلى مستوى يمكن الطفل من تنمية شخصيته على المستوى الجسماني والعقلي، وتحقيقا لهذا أكدت الاتفاقية على أنه لا يجوز قبول أي شخص في العمل أو أي مهنة أخرى إذا كان سنه يقل عن السن القانوني المحدد لسن انتهاء التعليم الإجباري، وأنه لا يجوز في جميع الأحوال أن يقل سنه عن خمسة عشر سنة. 

لكن في مقابل ذلك فتحت الاتفاقية للدول الأعضاء التي لا زال مستوى اقتصادها ومؤسساتها التعليمية لم يصل إلى درجة كافية من التطور، إمكانية تحديد سن أدنى للتشغيل كمرحلة أولية لا يقل عن أربعة عشر سنة، وذلك بعد استشارة منظمات المشغلين ومنظمات العمل.  على أن الدول التي تبنت هذا الاستثناء تكون ملزمة بأن توضح في تقاريرها المقدمة لمنظمة العمل الدولية ما إذا كانت الأسباب التي ساقتها لاعتماد ذلك السن لا زالت قائمة أو بيان تاريخ معين للانتهاء بالعمل بهذا السن. 

أما بخصوص الأعمال الخطيرة والتي عبرت عنها الاتفاقية بالأعمال التي هي بطبيعتها أو من خلال الشروط التي تمارس فيها، يمكن أن تمس بصحة وسلامة وأخلاق المراهقين، فلا يجب أن ينزل سن القبول للعمل فيها عن ثمانية شر سنة، وتحدد أنواع هذه الأنشطة بتشريع أو من طرف السلطات المختصة بعد استشارة منظمات العمال ومنظمات المشغلين إذا كانت موجودة، إلا أن السن المذكورة يمكن أن تخفض إلى سنة عشر سنة بعد استشارة المنظمات المذكورة شريطة أن توفر الضمانات الكافية لحفظ صحة وسلامة وأخلاق الأبحاث وأن يتلقوا تعليما محددا أو تدريبا مهنيا كافيين بخصوص فروع النشاط المقصود ، هذا وقد فتحت الاتفاقية من خلال ماتها السابعة للدول الأعضاء الحق في تبني تشريعات وطنية تجيز إمكانية تشغيل الأطفال الذين تتراوح سنهم بين ثلاثة عشر سنة وخمسة عشر سنة في بعض الأشغال الخفيفة شريطة الا تمس هذه الأعمال بصحتهم ونمائهم، وألا تؤثر على مواظبتهم على الدراسة ومشاركتهم في برامج التوجيه أو التكوين المهني التي تقرها السلطات المختصة، وعلى قدرتهم على الاستفادة وتوظيف التعليم المتلقي. وهذا ويمكن تخفيض تلك السن إلى اثني عشر سنة بالنسبة للدول التي تعتمد نظام اربعة عشر سنة كسن قانوني أدنى لعمل الأطفال وذلك بعد استشارة منظمات العمال ومنظمات أرباب العمل. 

وفيما يخص مجال التطبيق، فقد جاءت هذه الاتفاقية عامة، حيث عوضت كل الاتفاقيات التي صدرت قبل سنة 1973، المتعلقة بتحديد سن القبول في العمل ، كما أن مقتضياتها تطبق على العمل في الصناعات الاستخراجية والتحويلية وقطاع البناء والأشغال العمومية والكهرباء والماء والخدمات الصحية والنقل والتخزين والاتصالات والزراعات وكل المقاولات الفلاحية المستغلة أساسا لأغراض تجارية، ولا يستثنى من مجال تطبيقها سوى المقاولات العائلية والصغيرة التي تنتج للسوق الداخلية والتي لا تشغل بانتظام عمالا مأجورين. 

هذا، وقد أجازت الفقرة الأولى من المادة الخامسة من الاتفاقية للدول التي لم يصل اقتصادها ومصالحها الإدارية درجة كافية من التطور إمكانية تضيق نطاق تطبيق الاتفاقية في مرحلة أولى على بعض النطاقات العينة. إلا أن هذه الدول تكون ملزمة بتقديم تقارير لمنظمة العمل الدولية تبين فيها الوضعية العامة لتشغيل الأحداث في أوجه النشاط التي تستثنيها من مجال التطبيق وكذا التطور الذي حققته من أجل توسيع نطاق تطبيق مقتضيات الاتفاقية. 

كما استثنت المادة السادسة من الاتفاقية من مجال تطبيقها الأعمال التي يؤديها الأطفال والأحداث في مؤسسات التعليم العام أو المدارس المهنية أو التقنية وفي كل مؤسسات  التكوين المهني أو الأعمال التي ينجزها الأطفال أقل من أربعة عشر سنة إذا كانت تلك الأعمال تنفذ وفقا لشروط تقررها السلطة المختصة بعد استشارة المنظمات المهنية ومنظمات العمال. 

ولم تكف الاتفاقية بتحديد سن أدنى لتشغيل الأطفال، لكن تعاملها مع الموضوع كان بمنظور شمولي يحاول إيجاد حل لظاهرة تشغيل الأطفال، وهو الأمر الذي تجسد من خلال مادتها التاسعة والتي حددت مجموعة من الإجراءات التي يتعين على الدول الأعضاء اتخاذاه لأجل ضمان تطبيق أحكامها. 

وفي نفس السياق المتعلق بوضع مقاربة شمولية لظاهرة تشغيل الأطفال فقد تبنى مؤتمر العمل الدولي بتاريخ 26 يونيو 1973 التوصية 146، والتي دعت الدول الأعضاء إلى إعطاء أولوية  وأهمية للإجراءات التي يجب اتخاذها في السياسات والبرامج الوطنية للتنمية.  كما دع لتوصية إلى الرفع من السن الأدنى للقبول في العمل بشكل تدريجي ليصل ستة عشرة سنة ، كما أكدت على ضرورة مراعاة الظروف التي يتلقى فيها الأحداث التوجيه المهني والتدريب مع التأكيد على المساواة في الأجر مع الرشداء وتحديد ساعات العمل بشكل يسمح متابعة التعليم والتأكيد على ضرورة منح فترات راحة أسبوعية وإجازة سنوية م مراعاة شروط الصحة والسلامة وتوفير نظام للتغطية الصحية.  هذا وقد دعت المادة الخامسة من التوصية إلى تبني نظام للمراقبة والتفتيش مؤهل يضمن حسن تشغيل الأحداث ويحرص على عدم خرق المقتضيات القانونية المقررة في هذا المجال.

وبالرغم من المجهودات التي بذلت في صياغة الاتفاقية 137 والتوصية 146 فإن الممارسة العملية أثبتت وجود مجموعة من الصعوبات في تنفيذها أدت إلى ضآلة عدد التصديقات عليها، وبموازاة ذلك ارتفع عدد الأطفال العاملين في العالم ليصل إلى 250 مليون طفل بين الرابعة والخامسة عشر في الدول النامية لوحدها. 

ولتجاوز هذه الصعوبات تم تبني في السابع عشر من يونيو 1999 كلا من الاتفاقية 182 والتوصية 190 بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها.

وهكذا نصت المادة الأولى من الاتفاقية 182 على التزام الدول المصادقة عليها باتخاذ التدابير العاجلة والناجعة من أجل ضمان منع والقضاء على أسوء أشكال عمل الأطفال، وذلك بصورة استعجالية.  كما عرفت الاتفاقية الطفل بأنه كل شخص يقل سنه عن ثمانية عشر سنة ، كما حددت بمقتضى المادة الثالثة أسوء أشكال عمل الأطفال والتي تشمل:

أ-كافة أشكال الرق أو الممارسات الشبيهة به، وما يتضمنه ذلك من بيع واتجار بالأطفال وأعمال السخرة بسبب الديوان، والعمل الجبري والاستخدام الجبري للأطفال واستعمالهم في صراعات السلطة.

ب-استعمال الأطفال لأهداف تتعلق بالبغاء مواد الخلاعة الجنسية.

ج-استخدام الأطفال في أنشطة غير مشروعة لا سيما إنتاج المخدرات.

د-استخدام الأطفال في أعمال بطبيعتها أو من خلال الشروط التي تمارس فيها يمكن أن تشكل مساسا بصحة وسلامة وأخلاق الطفل. 

وألزمت الاتفاقية من خلال مادتها الرابعة الدول الأعضاء بتحديد قائمة بأنواع الأعمال المحددة في المادة الثالثة، وبمراجعتها كلما اقتضت الضرورة ذلك بعد التشاور مع منظمات اصحاب العمل ومنظمات العمال، مع الأخذ بعين الاعتبار المعايير الدولية ذات الصلة بالموضوع ولا سيما الفقرتين الثالثة والرابعة من التوصية 190.

هنا وقد فرضت الاتفاقية على الدول المصادقة بمقتضى مادتها الخامسة ضرورة تحديد آليات وميكانزمات دقيقة لأجل متابعة ومراقبة تطبيق المقتضيات التي تنقل الاتفاقية إلى حيز التنفيذ على المستوى الوطني، كما دعتها من ناحية ثانية إلى بلورة وتنفيذ  برامج عمل من أجل القضاء على أسوء أشكال عمل الأطفال في مرحلة أولى، وذلك بعد التشاور مع الهيئات العمومية المختصة والمنظمات المهنية لأرباب العمل والعمال. 

كما أكدت المادة السابعة من الاتفاقية على ضرورة قيام الدول المصادقة باتخاذ كافة التدابير الضرورية لكفالة تطبيق أحكام هذه الاتفاقية، وكذا تبني سياسات تأخذ بعين الاعتبار أهمية التعليم في القضاء على مل الأطفال.

المطلب الثاني: السن القانوني للتشغيل من خلال التجربة المغربية

سنقوم في هذا المطلب بالوقوف على التأطير التشريعي المنظم للسن القانوني للشغل والتطور الذي عرفه في ظل مدونة الشغل، على أن نتطرق كذلك لمدى احترام تلك المقتضيات القانونية على أرض الواقع، وهو ما سنعمل على تحليله في الفقرتين المواليتين.

هذا واعتبرت المادة الثامنة من الاتفاقية بأنه من الضروري على الدول المصادقة اتخاذ تدابير ملائمة للتنسيق فيما بينها من خلال مساعدة بعضها البعض في تنفيذ مقتضيات الاتفاقية.

وإذا كان هذا هو الوضع في التشريع الدولي، فإننا سنخصص المطلب الثاني للحديث عن السن القانوني للقبول في العمل في ظل التشريع المغربي.

الفقرة الأولى: السن القانوني للتشغيل في التشريع المغربي

لقد حظي موضوع تحديد السن الأدنى للبول في العمل منذ البداية باهتمام المشرع المغربي ، وكان ظهير 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات والعقود أول من تطرق للأمر، إلا أن معالجته للموضوع لم تأت بصورة صريحة، وإنما اقتصر من خلال المادة 725  على التركيز على كون القاصر والمحجور لا يمكنها إبرام عقد الشغل إلا بمساعدة من له الولاية عليهما، وهو أمر يقتضي بالضرورة توفر القاصر على سن الثانية عشر على الأقل والذي يعتبر هو سن التمييز، والذي لا يمكن من دون توفره الحديث عن صحة اي تصرف قد يصدر عن القاصر. 

وقد كان ظهير 13 يوليوز 1926 المتعلق بضابط الخدمة في المؤسسات الصناعية والتجارية أول نص عالج السن الأدنى للقبول في العمل حيث منع تشغيل الأطفال دون سن الثانية عشر.  

إلا أن ظهير 2 يوليوز 1947 المتعلق بالتنظيم القانوني لعقد العمل في القطاع الصناعي والتجاري والمهن الحرة كان أكثر خوضا في معالجته للمسألة حيث  نص في فصله التاسع على أنه: لا يجوز استخدام ولا بول الأطفال في المعامل أو عند المأجورين قبل أن يبلغوا السن الثانية عشرة عمرهم، كما أنه عمل على رفع تلك السن إلى ستة عشر سنة إذا تعلق الأمر بالعمل الليلي، وفي نفس السياق سار ظهير 24 أبريل 1973 المتعلق بالتنظيم القانوني لعقد العمل في القطاع الفلاحي، حيث أكد من خلال فصله الثالث عشر على أنه لا يمكن تشغيل الأطفال قبل بلوغهم اثني عشر سنة كاملة من العمر. 

هذا وقد أكد ظهير 1947 في الفقرة الأخيرة من الفصل الثالث والعشرين بأنه لا يجوز استخدام الأطفال الذين يقل سنهم عن ستة عشر سنة في الألعاب البهلوانية أو تلك التي فيها شقة عليهم، وهو نفس السن الذي تم تبنيه بالنسبة للأموال التي قد تشكل خطرا

على صحة وسلامة الأطفال في إطار اللائحة المرفقة بمرسوم 6 شتنبر 1957 بشأن الاشغال الخطيرة الممنوع على الأطفال والنساء القيام بها.

والملاحظ بخصوص النصوص التشريعية المذكورة هو أنها كانت  تعكس سياسة إدارة الحماية الفرنسية في المغرب آنذاك ، ولم تكن تعمل على ضمان مقعد في المدرسة لكل طفل مغربي وصل إلى سن التمدرس ، وهذه الوضعية كانت مثار عدة انتقادات من طرف العديد من الباحثين في المجال باعتبارها لا تكفل حماية حقيقية للأطفال، ولا تضمن سلامتهم وحقهم في التعليم ولا تحترم المقتضيات الدوية في هذا المجال. 

وما تجدر الإشارة إليه بخصوص هذه المرحلة هو أن موضوع عمل الاطفال في المغرب وإلى حدود عقد الثمانينات، كان مسكوتا عنه، ويرجع ذلك الأمر لاعتبارات سوسيوثقافية ظلت تقيم عمل الأطفال بمنظور إيجابي ، وتعتبر أن احتكاك الطفل في سن مبكرة مع النشاط الاقتصادي والإنتاجي، يوفر له القدرة على صقل شخصيته وتأهيلها للاندماج بسهولة في النسق الاجتماعي والاقتصادي.

هذا فضلا عن المنظور الدولي الذي كان سائدا والمتمثل في التعاطي مع قضايا الطفولة كاحتياجات وليس من زاوية المقتضيات الحقوقية، وهو الأمر الذي ساعد بدوره على تهميش تشغيل الأطفال. 

إلا أن فترة التسعينات عرفت مستجدات على الساحة الدولية، أهمها تغير الفلسفة الدولية اتجاه قضايا الطفولة، وبالتالي صدور مجموعة معايير دولية لأجل ضمان حماية الطفل ، وهو الأمر الذي انعكس على المستوى الوطني من خلال مصادقة المغرب سنة 1993 على اتفاقية الأمم المتحدة بحقوق الطفل، وكذا المصادقة سنة 1999 على الاتفاقية الدولية رقم 138، وأخيرا تمت المصادقة في يناير 2000 على الاتفاقية 182.

وهذه الالتزامات الدولية للمغرب هي التي دفعت المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل إلى الرفع من السن الأدنى للتشغيل إلى خمسة عشر سنة، وبذلك يكون التشريع المغربي بخصوص هذه المسألة قد أصبح متطابقا مع المعايير الدولية المرتبطة بالحد الأدنى  للسن القبول في العمل وخاصة الاتفاقية رقم 138 وفقا لما فصلناه سابقا.

كما أن الرفع من السن الأدنى للتشغيل إلى حدود  15 سنة جاء منسجما مع السن الذي ينتهي عنده التعليم الإجباري بالمغرب، وذلك حسب ظهير 19 ماي 2000 المعدل لظهير 13 نونبر 1963 حول إجبارية التعليم، والذي ينص في فصله الأول على إلزامية التعليم ابتداء من سن السادسة إلى غاية الخامسة عشر. 

والملاحظ أن مدونة الشغل لم تتضمن استثناءات تبيح تشغيل الأطفال دون الحد الأدنى الأساسي لسن القبول في العمل، وهذه واحدة من حسنات هذه المدونة، لكن وفي 

المقابل فإن المدونة أوردت بعض القيود على مبدأ الحد الأدنى لسن التشغيل، وذلك برفع السن عندما يتعلق بأعمال قد تعرض صحة الأطفال وسلامتهم للخطر، وكذا عندما يتعلق الأمر بأعمال من شأنها أن تمس سلامة الأطفال الأخلاقية، ويتعين التمييز هنا بين القيود التي تمنع بصورة مطلقة تشغيل الأطفال وبين تلك التي تفرض ضرورة الحصول على إذن وترخيص مسبق. 

وبخصوص الحالة الأخيرة فإن المادة 145 من المدونة منعت تشغيل أي حدث دون الثامنة عشر كممثل أو مشخص في العروض العمومية المقدمة من قبل المقاولات التي تحدد لائحتها بنص تنظيمي دون إذن مكتوب يسلمه مسبقا العون المكلف بتفتيش الشغل بخصوص كل حدث على حدة، وذلك بعد استشارة وولي أمره.

كما خولت الفقرة الثانية من المادة المذكورة لمفتش الشغل أن يسحب إما تلقائيا وإما بطلب من كل شخص مؤهل لهذا الغرض الإذن الذي سبق له أن سلمه في هذا الشأن.

والملاحظ في هذا الباب أن المادة 145 جاءت منسجمة مع ما أقره قانون الفنان في هذا الباب الصادر بتاريخ 19 يونيو 2003 والذي منع تشغيل الأحداث دون 18 سنة كممثل أو مشخص في العروض العمومية دون إذن مكتوب من مفتش الشغل وموافقة ولي أمره وإشعار السلطة الحكومية المكلفة بالثقافة. 

هذا وقد خوّل المشرع لمفتش الشغل أو السلطات المحلية حق منع إقامة العروض التي يشارك فيها الأحداث الذين يقل سنهم عن الثامنة عشرة، دون الحصول على الإذن المتحدث عنه سابقا مع إحاطة النيابة العامة علما بالأمر.  ومن جهة أخرى فقد نصت المدونة على غرامات مالية في حالة مخالفة مقتضيات المادة 145. 

وفي نفس السياق من أجل الحد من تدفق اليد العاملة الصغيرة على القطاع الفني، قد منعت المادة 146 من المدونة القيام بشكل إشهار استغلالي، يهدف إلى جلب الأحداث لتعاطي المهن الفنية ويبرز طابعها المربح.

أما بخصوص حالة المنع المطلق من تشغيل الأحداث، فقد قررت المادة 147 من المدونة منع أي شخص من أن يكلف أحداثا دون الثامنة عشرة من أجل أداء ألعاب خطرة أو القيام بحركات بهلوانية أو التوائية، أو ان يُعهد غليهم بأشغال تشكل خطرا على حياتهم أو صحتهم أو أخلاقهم.

في حين قررت الفقرة الثانية من المادة المذكورة منع أي شخص يحترف مهنة بهلوان أو ألعبان أو عرض حيوانات أو مدير سيرك أو ملهى متنقل من أن يشعل في عروضه أحداثا دون سن السادسة عشرة.

وتسهيلا لعملية المراقبة فقد ألزم المشرع على كل من يتعاطى لمهنة من المهن المذكورة في المادة 147 من أن يتوفر على نس من عقود ولادة الأحداث أو بطاقة تعريفهم الوطنية والإدلاء بها لإثبات هويتهم عند طلبها من طرف مفتش الشغل أو السلطات الإدارية المختصة ، وذلك تحت طائلة المعاقبة بغرامة تتراوح بين 2000 و5000 درهم في حالة عدم التوفر على الوثائق المذكورة. 

وبالرغم من أهمية هذا المقتضى في تسهيل عملية المراقبة أو توفير الحماية اللازمة للأحداث من الاستغلال، فقد رأى البعض  بأنه كان من الضروري تعميم هذا الأمر على جميع المشغلين بالنسبة لتشغيل الأحداث دون حصر ذلك الأمر على المهن المقررة بمقتضى المادة 147  من المدونة، وهو رأي سيجعل التشريع المغربي منسجما مع المقتضيات الدولية في هذا المجال، خاصة ما قررته المادة الخامسة من التوصية 146 لسنة 1973 بشأن الحد الأدنى للعمل في القطاعات غير الصناعية والتي دعت كلها إلى تبني نظام للمراقبة في جميع القطاعات من أجل ضمان حماية أفضل للأحداث في مجال الاستخدام.

وفضلا عن المادة 147 من المدونة فقد منع المشرع تشغيل الأحداث دون سن 16 في أي عمل ليلي، كما منع تشغيل الأحداث دون 18 سنة في كل المقالع والأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم ، وكذا في الأشغال التي قد تعيق نموهم سواء كانت هذه الأشغال تنفذ على سطح الأرض أو في جوفها.  ونفس الأمر بالنسبة للأشغال التي تشكل مخاطر بالغة على الأحداث أو تفوق طاقتهم، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة. 

والملاحظ في هذا المجال أن التشريع المغربي للشغل قد أصبح متطابقا إلى حد كير مع المقتضيات الدولية في هذا الباب، لكن السؤال المطروح هو مدى احترام تلك المقتضيات في مجال التطبيق العميل على أرض الواقع، وهذا السؤال هو الذي سنحاول الإجابة عنه من خلال النقطة الموالية:

الفقرة الثانية: الواقع المي لسن التشغيل في المغرب

إذا كان المشرع المغربي قد حاول تبني المقتضيات القانونية المتعلقة بسن التشغيل وفقا لما هو متعارف عليه دوليا كما سبق بيانه، فإن الواقع العملي يثبت بأن الأمر لا زال يقتضي الكثير من الجهد من قبل كل المتدخلين للقضاء على ظاهرة تشغيل الأحداث في سن مبكرة.

ولا بد قبل الحديث عن حجم هذه الظاهرة بالمجتمع المغربي من إبراز أهم أسبابها، والتي حصرتها مختلف المنظمات الدولية المهتمة بعمل الأطفال بمستوى التعليم والعوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

وبخصوص الجانب المتعلق بمستوى التعليم، فقد أظهر الإحصاء الوطني لسنة 1994 أن قرابة ثلاثة ملايين من الأطفال المتراوحة أعمارهم يبين 5 و 14 سنة لم يستفد قط من برامج التعليم العمومي، يوجد ما يزيد على ثلثيهم بالبوادي ويمارسون أعمال الرعي وجني الثمار ونقل الماء وجمع الخضر، وذلك إما داخل الوسط العائلي بدون أجر أو مقابل أجر زهيد لدى فلاحين آخرين. 

أما عن الاسباب الاجتماعية والثقافية فهي تبقى مرتبطة بالتقدير الاجتماعي لتعلم مهنة معينة، فالآباء يفضلون إدخال أطفالهم للعمل رغم المخاطر عوض رؤيتهم يتسكعون في الشوارع، ويجد ذلك جذوره الثقافية الاجتماعية التي كانت سائدة ما قبل الحماية، والتي تقضي بأن يلتحق بحرفة معينة كمعلم ليرتقي إلى مرتبة صانع ليصبح بعد ذلك صاحب محل عندما يتوفر على إمكانيات فتح ورش خاص به. 

وبالنسبة للعنصر الثالث المؤثر في الظاهرة والمرتبط بالظروف الاقتصادية ، فيمكن حصره في عدم تلاؤم النمو الاقتصادي مع النمو الديمغرافي وسوء توزيع الثروة، فضلا عن الإكراهات التي يعاني منها الاقتصاد المغربي من خلال مؤسسات النقد الدولية بشأن معالجة مديونيته والتي تفرض عليه تبني سياسات اقتصادية لا تراعي بشكل كبير الشق الاجتماعي.

وتبقى العناصر الثلاث المذكورة هي المساهمة بشكل كبير في استفحال ظاهرة تشغيل الأطفال في سن مبكرة بالمغرب، وفي دراسة تمت سنة 1997 بطلب من وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية أشرفت منظمة اليونيسيف على بحث ميداني شمل حوالي 100 طفل يعملون في القطاع المهيكل في المجال الحضري، وتبين من خلال نتائج الدراسة بأنه %60 من الأطفال يتراوح سنهم ما بين 6 و 12 سنة، ويشتغل 94% منهم لمدة تفوق 8 ساعات من العمل في اليوم، و85% منهم يشتغلون لمدة تفوق 10 ساعات أو أكثر. 

ونفس الأمر وقفت عليه دراسة أنجزتها منظمة العمل الدولية سنة 2008 حول ظاهرة تشغيل الأطفال في القطاع الفلاحي بالمغرب، وذلك في إطار البرنامج الدولي للقضاء على تشغيل الأطفال، حيث تبين من خلال 190 حالة شملتها الدراسة بخصوص أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و 17 سنة أن 36% منهم يلجون سوق الشغل دون سن الخامسة عشر. 

وهذه الخلاصات التي وصلت لها الدراستان المذكورتان أكدها التقرير الصادر عن مديرية الإحصاء التابعة لوزارة التوقعات الاقتصادية  ولتخطيط آنذاك، والذي أعلنت نتائجه للصحافة في يونيو 1999، حيث تم التأكيد على حجم ظاهرة تشغيل الأطفال بالمجتمع المغربي، وتبين من خلاله بأن نسبة الأطفال المشتغلين دون سن 15 في المجال الحضري قد أصبح هو 1.5% من مجموع الفئات النشيطة بعدما كان خلال سنة 1987 هو 2.9% وفي المجال القروي ن فقد أكد التقرير بأن تلك النسبة أصبحت هي 8.9% بعدما كانت هي 14%، وتمت الإشارة إلى أن عدد الأطفال الذين يلجون سوق الشغل دون سن 15 سنة يصل إلى 538.485 طفل، 88% منهم يشتغلون في المجال القروي، أما عن تصنيفهم بحسب الجنس، فقد افاد التقرير بأن نسبة الإناث تصل إلى 15.5% مشيرا بأن هذه النسبة ترتفع في المجال القروي عن المجال الحضري. 

وإذا كانت المعطيات الدراسات المذكورة أعلاه حاولت وضع إطار عام لظاهرة تشغيل الأطفال بالمغرب، فإن فئة معينة تقتضي منا إفرادها بتحليل أكبر نظرا لخصوصيتها داخل المجتمع المغربي، وهي تلك المتعلقة بالطفلات خادمات البيوت، حيث أكد التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب لسنتي 2005-2006 بأن هذا النوع من العمل يتجه نحو الانتشار بشكل أكبر بسبب عوامل عدة لها علاقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتدفق الهجرة القروية، كما أما أكد التقرير بأن المعطيات المتوفرة لا تمكن من الإحاطة بالموضوع من جميع الجوانب وفي مختلف تجلياته، وذلك لكونه مرتبط بنشاط اقتصادي خفي، ويتم في إطار معاملة بين العائلات وفي إطار السكن العائلي، فالفتيات القادمات في معظمهن من أوساط قرية  يعتبرن مصدر يد عاملة رخيصة، وجلهن حرمن من حقهن في التعليم أو من الحصول على مستوى تعليمي محدود، وليست لديهن أدنى معرفة بحقوقهن الأساسية حتى لو كان في وضعية لا تسمح لهن بالمطابة بها.

وقد أكد نفس التقرير بأن معظم الفتيات الخادمات يقل سنهن عن 15 سنة، وأشار إلى بعض الأبحاث تتحدث عن وجود حالات فتيات خادمات أقل سنا، من قبيل البحث المجرى من طرف العصبة المغربية لحماية الطفولة والذي أكد بأن 26.4% من الفتيات اللاتي كن موضوع البحث يقل سنهن عن عشر سنوات، بينما تبلغ نسبة الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 10 و 12 سنة 45.4%.

وما يتضح من خلال التقرير المذكور أعلاه، هو أن الأمر بات يتطلب السريع بإخراج مشروع قانون خدم البيوت لحيز الوجود، وذلك من أجل ضمان حماية قانونية لهذه الفئة المستضعفة والمستغلة في الخفاء.

والملاحظ أن ظاهرة تشغيل الأطفال في سن مبكرة عموما وتشغيل الفتيات كخادمات بيوت، تقتضي توفر المغرب على مقاربة شمولية تسعى إلى محاربة الفقر والخصاص الاجتماعي، بالإضافة إلى التوفر على استراتيجية للقضاء على الظاهرة تقوم 

على خمس ركائز وهي التشريع والوقاية والتحسيس، والقيام بعدة دراسات للوقوف على حجم الظاهرة وأسبابها، واستخلاص النتائج من تلك الدراسات وتوظيفا في الواقع العميل، وهو الأمر الذي بدأ المغرب في نهجه من خلال تبني مخطط عمل وطني للطفولة من 2006 إلى 2015. وقد بدأت نتائجه تظهر على أرض الواقع، فقد أفاد تقرير المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2010 بأن عدد الأطفال العاملين بالمغرب يقدر ب 170.000 طفل. في حين كانت الأرقام تشير إلى 600 ألف طفل خلال سنة 1999، وهو ما يشكل تراجعا بنسبة 3.4% من مجموع الأطفال البالغين ما بين 7 و 15 سنة، وهو رقم مرشح للأشخاص بفعل البرامج التي تم إطلاقها لدعم تعميم ولوج الأطفال إلى التعليم والاحتفاظ بهم في المنظومة التربوية حتى نهاية مرحلة التمدرس الإلزامي. 

المبحث الثاني: حماية الحدث من خلال التأطير القانوني لمدة العمل وللراحة  والعطل

بالرغم من تأكيد جل الدراسات التي تمت في إطار منظمة العمل الدولية على أن العمال الأحداث هم أكثر تأثرا بطول ساعات العمل ، وبالرغم من إثبات الدراسات الطبية على أن الأطفال هم أكثر تعرضا للإصابة بالحوادث والأمراض المهنية جراء طول ساعات العمل، فإن الملاحظ هو أن منظمة العمل الدولية لم تخصص العمال الأحداث بأية مقتضيات حمائية خاصة في هذا المجال ،إذ لم تبادر إلى تبني حقوق تتعلق بتحديد ساعات عمل الأحداث، وهو ما يحيلنا بالضرورة على دراسة الأحكام العامة الواردة في بعض الاتفاقيات والتي تؤطر ساعات عمل الكبار وتطبق بالتبعية حتى على الأحداث، ونفس الملاحظة يمكن أن نثيرها فيما يخص تناول منظمة العمل الدولية  لموضوع الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية، حيث أنها لم تخص كذلك الأحداث بمقتضيات خاصة في هذا الباب.

وسنعمل في هذا المبحث على إبراز التنظيم القانوني لمدة عمل الأحداث بما في ذلك ضوابط العمل الليلي بالنسبة لهم، كما سنقوم بتحليل النقطة المتعلقة بالراحة الأسبوعية والعطل السنوية، وذلك من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: التنظيم القانوني لمدة عمل الأحداث وضوابط العمل الليلي:

كما أشرنا لذلك، فإننا سنخصص بهذا المطلب لدراسة المقتضيات العامة الواردة في مجموعة من الاتفاقيات الدولية في الشق المتعلق بتحديد عدد ساعات العمل المفروض على المشغل احترامها بالنسبة لكل العمال وبصفة خاصة العمال الأحداث، مع الحديث عن ضوابط العمل الليلي وخصوصياته في مجال تشغيل الأحداث.

الفقرة الأولى: التأطير القانوني لساعات العمل

لقد جعلت منظمة العمل الدولية من تحديد ساعات العمل في ثماني ساعات في اليوم وثمانية وأربعين ساعة أسبوعيا، هدفا لابد من تحقيقه في جميع الدول، وقد تم التنصيص على ذلك في أول اتفاقية اعتمدتها المنظمة في سنة 1919، حيث وافق المؤتمر الدولي لشغل في دورته الأولى على الاتفاقية رقم 1 المتعلقة بساعات العمل في الصناعة والتي تم من خلالها التأكيد على عدد ساعات العمل سواء اليومية أو الأسبوعية المحددة أعلاه. 

إلا أن الاتفاقية المذكورة وبالرغم من تحديدها للحد الأدنى من ساعات العمل فقد فتحت مجموعة من الاستثناءات سمحت من خلالها بتجاوز ذلك الحد في بعض الحالات ، لكن وفي المقابل أكدت على أن تلك الاستثناءات لا يمكن أن تسري على الأحداث دون سن الخامسة عشرة والذين لا يمكن تشغليهم أكثر من ثمان ساعات يوميا أو ثمانية وأربعين ساعة أسبوعيا . أما الأحداث البالغين أكثر من 15 سنة فقد أجازت الاتفاقية تشغليهم لمدة ساعات عمل فعلية لا تتجاوز سبعة وخمسين ساعة في الأسبوع .

وقد كرست الاتفاقية رقم 30 المتعلقة بساعات العمل في التجارة والمكاتب والتي وافق  عليها المؤتمر الدولي للشغل في دورته الرابعة عشرة في يونيو 1930، تلك المقتضيات المتعلقة بالحد الأعلى لساعات العمل، حيث نصت المادة الثالثة منها على أنه لا يجب أن تتجاوز ساعات العمل 48 ساعة في الأسبوع و8 ساعات في اليوم، مع إمكانية توزيع الحد الأقصى لساعات العمل الأسبوعية شريطة ألا تتعدى ساعات العمل اليومية عشر ساعات . والملاحظ أن بعض الاتفاقيات المتعلقة بتحديد السن الأدنى للشغل بالنسبة للأحداث قد تطرقت بدورها لتنظيم ساعات عمل الأحداث، ومن ضمن تلك الاتفاقيات نجد الاتفاقية رقم 10 المتعلقة بالحد الأدنى للسن التي يجوز فيها استخدام الأحداث في الزراعة ، والتي أكدت من خلال مادتها الأولى على عدم جواز تشغيل الأحداث الذين يقل سنهم عن الرابعة عشرة إلا في الساعات غير المحددة لحضور الدراسة، وفي حالة تشغيلهم خارج تلك الأوقات، فإن ذلك الأمر يجب ألا يكون على حساب انتظامهم في الدراسة.

ونفس الموقف تبنته الاتفاقية رقم 33 المتعلقة بسن استخدام الأحداث في الأعمال غير الصناعية  ، حيث أكدت مادتها على السماح بتشغيل الأحداث الذين تجاوزت أعمارهم الثانية عشر خارج الساعات المحددة للدراسة في أعمال خفيفة شريطة ألا تضر تلك الأعمال بصحتهم وبنومهم الطبيعي، وألا تؤثر على مواظبتهم على الدراسة، وألا تفوق مدة اشتغالهم ساعتين يوميا على ألا يتم تنفيذ تلك الأعمال سواء بالليل أو أيام الآحاد والعطل الرسمية. 

وما يمكن استنتاجه من خلال دراسة الاتفاقيات المشار إليها أعلاه هو أن منظمة العمل الدولية لم تحرص على وضع معايير دقيقة بخصوص موضوع ساعات عمل الأحداث، وإنما تركت للسلطات الوطنية أمر تقرير التدابير المحددة التي يمكن أن تكون ملائمة، وبالرغم من تلك المعايير يتضح، بأنه لا ينبغي أن يسمح بعمل الأحداث لنفس المدة المقررة لكبار السن، ويجب في المقام الأول أن يعطي الأحداث الذين ما زالوا يتابعون دراستهم الوقت الكافي لتحصيل فوائد التعليم الذي يتلقونه، ولذلك يتعين فرض قيود دقيقة على ساعات العمل اليومية والأسبوعية وحظر العمل الإضافي لإتاحة وقت كاف للتعليم والتدريب بما فيه الوقت اللازم للواجبات المنزلية المرتبطة بهذا التعليم، وكذا للراحة أثناء النهار والتسلية فضلا عن ضرورة مراعاة قوتهم المحدودة بالمقارنة مع العمال الكبار. 

إذا كان هذا هو الوضع في إطار المقتضيات الدولية فإن التشريع المغربي بدوره لم يأت بتحديد خاص بمدة عمل الأحداث، وهكذا وقبل صدور مدونة الشغل فقد كان ظهير 18 يونيو 1936 المتعلق بضبط مدة العمل والخدمة ينص على أن مدة العمل الفعلية لا يمكن أن تتجاوز ثماني ساعات يوميا وثمانية وأربعين ساعة في الأسبوع ، ويسري هذا التحديد على القطاع الصناعي والتجاري والمهن الحرة والقطاع المنجمي ومستخدمي مختلف المقاولات. ولقد كان هذا التحديد يتسم بنوع من المرونة بالنسبة للمؤسسات في توزيع مدة العمل حسب تنظيمها وطبيعة عملها، ومن أجل تأطير هذه العملية تم إصدار عدة قرارات وزارية ومن ضمنها القرار الوزاري الصادر بتاريخ 15 مارس 1937، المتعلق بتعيين الشروط العامة المتعلقة بتطبيق ظهير 18 يونيو 1936 والذي أجاز للمؤسسات بخصوص تنظيم مدة العمل الاختيار بين:

- تحديد مدة الخدمة الفعلية بحساب 8 ساعات في كل يوم شغل وعمل من الأسبوع.

- توزيع 48 ساعة من الخدمة الفعلية في الأسبوع بكيفية غير متساوية على ستة أيام من غير أن تتجاوز مدة العمل تسع ساعات في اليوم، أو على خمسة أيام من غير أن تتجاوز مدة الخدمة عشر ساعات في اليوم. 

أما بالنسبة للقطاع الفلاحي، فقد كان تحديد مدة العمل يتم على أساس المدة، وكانت هذه المدة محددة في إطار ظهير 24 أبريل 1913 في 2700 ساعة، توزع على أساس مدد يومية لا يجب أن تتجاوز 10 ساعات في اليوم.

والملاحظ أن الظهير المذكور بدوره لم يميز بين العمال الأحداث وكبار السن عند تحديد مدة العمل. 

ولم تختلف الوضعية المذكورة بعد صدور مدونة الشغل والتي بالرغم مما حملته من مستجدات تتعلق بحماية الأحداث، فقد ظلت تعتمد على نفس الفلسفة في موضوع مدة العمل دون مراعاة خصوصية العامل الحدث، وهكذا نجد المادة 184 من المدونة في فقرتها الأولى تنص على أنه تحدد في النشاطات غير الفلاحية مدة الشغل العادية المقررة للأجراء في 2288 ساعة في السنة أو 44 ساعة في الأسبوع.

وأكدت الفقرة الثانية من المادة المذكورة على أن توزيع المدة السنية للشغل على السنة يتم حسب حاجيات المقاولة شريطة ألا تتجاوز مدة العمل العادية عشر ساعات في اليوم، مع مراعاة ثلاثة استثناءات بخصوص ذلك التوزيع، يتعلق الاستثناء الأول بحالة توقف الشغل بشكل جماعي في المؤسسة أو جزء منها لأسباب عارضة أو لقوة قاهرة، إذ يمكن في ظل هذا الوضع تمديد فترة الشغل اليومية لاستدراك ساعات الشغل الضائعة بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم على أنه يمنع في كل الأحوال العمل لأكثر من 30 يوما في السنة لاستدراك الساعات الضائعة، كما يمنع أن تفوق مدة التمديد ساعة في اليوم على ألا تزيد مدة الشغل اليومية عن 10 ساعات. 

أما الاستثناء الثاني فيتعلق بالحالة التي يكون فيها الشغل الذي يؤديه الأجراء شغلا متقطعا أصلا أو عندما تقتضي الضرورة تأدية أشغال تحضيرية أو تكميلية لا غنى عنها للنشاط العام للمؤسسة، والتي يستحيل تنفيذها في حدود مدة الشغل العادية، حيث مكن المشرع من تمديد فترة الشغل بالنسبة للأجراء المخصصين لتنفيذ تلك الأشغال إلى ما بعد المدة العادية، على ألا تتجاوز الفترة الممددة اثنى عشرة ساعة في اليوم كحد أقصى. 

وبالإضافة للاستثناءين المذكورين، فإن المدونة أقرت استثناء ثالثا بخصوص مدة العمل، وذلك بشأن الأشغال المستعجلة والتي تقتضي الضرورة إنجازها فورا من أجل اتقاء أخطار وشيكة، أو تنظيم تدابير النجدة أو إصلاح ما تلف من معدات المقاولة أو تجهيزاتها أو بناياتها أو لتفادي فساد بعض المواد، حيث مكن المشرع من تمديد مدة الشغل العادية بالاستمرار في الشغل طيلة يوم واحد ثم تمديدها بساعتين خلال الأيام الثلاثة التي تلي ذلك اليوم. 

ولا يتم تطبيق هذا الاستثناء إلا بعد استشارة مندوبي الأجراء أو لجنة المقاولة عند وجودهما، مع بيان مدة الشغل المعدلة أو الساعات الزائدة أو الساعات المستدركة، بالإضافة إلى ضرورة تعليق البرنامج المذكور أعلاه في المكان الذي اعتاد الأجراء دخوله أو في المكان الذي تؤدي فيه عادة أجورهم مع إخبار العون المكلف بتفتيش الشغل كتابة بهذا البرنامج. 

هذا وإن الاستثناءات المذكورة لا تطبق على العمال الذين يقل سنهم عن ثماني عشرة سنة، لكن وفي مقابل ذلك فتح المشرع إمكانية تقرير استثناءات أخرى بالنسبة للأحداث البالغين ستة عشرة سنة، بالنسبة للمشتغلين بالمصلحة الطبية وقاعة الرضاعة وغيرها من المصالح المحدثة لفائدة أجراء المؤسسة وعائلاتهم والمشتغلين بالمخازن ومراقبي الحضور، وسعاة المكاتب ومنظفي أماكن الشغل ومن إليهم من الأعوان. 

والملاحظ أن المقتضيات المذكورة جاءت بصيغة عامة وفضفاضة، وتبقى في نظري غير مبررة وغير متوافقة مع التصور العام لمدونة الشغل بخصوص حماية الحدث العامل إذ أنها قد تفتح الباب أمام استغلال مفرط للأحداث بعلة تلك الاستثناءات. 

وإذا كان هذا هو الوضع بالنسبة للنشاطات غير الفلاحية، فإن الفقرة الثالثة من المادة 184 من المدونة قد حددت مدة العمل العادية في النشاطات الفلاحية في 2496 ساعة في السنة تجزأ على فترات حسب المتطلبات الضرورية للمزروعات وفق مدد يومية تحدد من طرف السلطة الحكومية المختصة بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا.

وتنفيذا لتلك المقتضيات فقد صدر المرسوم رقم 2.04.569 بتاريخ 29 دجنبر 2004، والذي فتح الباب أمام المشغل الفلاحي في الاختيار بين نظامين لتوزيع مدة العمل المذكورة أعلاه، يتعلق الأول بنظام التوزيع الأسبوعي والثاني بنظام التوزيع السنوي لمدة الشغل  بشكل يراعي حاجيات المؤسسة وطبيعة نشاطها وظروفها التقنية وقدراتها البشرية. 

وفضلا عما ذكر بخصوص مدة العمل المقررة قانونا والاستثناءات الواردة عليها، فإنه يمكننا إضافة استثناء آخر في هذا الباب وهو ما قررته المادة 196 من المدونة عندما مكنت المقاولات التي فرضت عليها الظروف مواجهة أشغال تقتضيها مصلحة وطنية أو زيادة استثنائية في حجم الشغل تشغيل إجرائها خارج مدة الشغل، شريطة أن تدفع لهم بالإضافة  إلى أجورهم تعويضا عن الساعات الإضافية.

وقد تم وضع الإطار التنظيمي لتلك المادة بمقتضى المرسوم رقم 20.04.570 الصادر بتاريخ 29 دجنبر 2004 وقد استثنى من مجال تطبيقها الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة وكذا الأجراء المعاقين. 

وفي ختام معالجة النقطة المتعلقة بمدة العمل، نعيد إبداء نفس الملاحظة التي سقناها سابقا بخصوص عدم  أفراد الأحداث بمقتضيات خاصة في هذا الباب، وندعو إلى ضرورة تبني تلك المقتضيات، حتى نحسن من وضعية عمل الأحداث على أرض الواقع، والتي أثبت بحث أنجز من طرف منظمة العمل الدولية بخصوص الأعمال الخطيرة في المجال الفلاحي بالمغرب بأنه وضع للازال يحتاج إلى كثير من العمل والجهد، إذ أكد البحث المذكور بأن حوالي 25% من الأطفال يشتغلون أكثر من 3000 ساعة في السنة أي ما يعادل 10 ساعات عمل يوميا. 

وبعد التأطير القانوني لساعات العمل ماذا عن التأطير القانوني للعمل الليلي؟

الفقرة الثانية: ضوابط العمل الليلي:

أخذا بعين الاعتبار خطورة العمل الليلي على صحة الأحداث باعتباره يحرمهم من فترة راحة تناسب تكوينهم الفيزيولوجي وصغر سنهم وعدم قدرتهم على تحمل ذلك العمل الذي يكون أكثر تعبا وإرهاقا، مقارنة بالعمل في النهار . فقد اهتمت منظمة العمل الدولية بهذا الموضوع وقد كانت البداية بالاتفاقية رقم 6 لسنة 1919، المتعلقة بعمل الأحداث ليلا في الصناعة. وهكذا بعد أن عرفت المادة الثالثة من الاتفاقية المذكورة كلمة الليل بأنها هي مدة إحدى عشر ساعة متوالية على الأقل، تدخل فيها الفترة الواقعة ما بين الساعة العاشرة مساء والساعة الخامسة  صباحا، أكدت على حظر تشغيل الأحداث الذين تقل سنهم عن ثمانية عشر عاما ليلا، وذلك في المنشآت الصناعية العامة أو الخاصة أو أي من فروعها، واستثنت من ذلك المنشآت التي لا يعمل فيها سوى أفراد من نفس الأسرة. 

لكنها وفي مقابل ذلك أجازت تشغيل الأحداث الذين تزيد سنهم عن ستة عشر عاما ليلا، في أشغال تستدعي طبيعة عملياتها القيام بها بشكل متصل ليلا ونهارا، وذلك في بعض المنشآت الصناعية والتي تم حصرها في مصانع الحديد والصلب والزجاج والورق والسكر الخام واختزال ركائز الذهب. 

هذا وقد حافظت الاتفاقية رقم 90 لسنة 1948 والتي تم بمقتضاها مراجعة الاتفاقية رقم 6 على نفس المبادئ العامة، لكنها أكدت من خلال مادتها الثانية على أن فترة الليل تشمل اثني عشر ساعة إضافية على الأقل، على أن تشمل هذه الفترة بالنسبة للأحداث دون السادسة عشرة سنة المدة الواقعة بين الساعة العاشرة مساء والسادسة صباحا، أما بالنسبة للأحداث الذين يتراوح سنهم بين 16 و18 سنة فيجب أن تشمل هذه الفترة مدة تحددها السلطة المختصة بما لا يقل عن سبع ساعات متوالية تقع بين الساعة العاشرة مساء والسابعة صباحا.

وفي مقابل منع الاتفاقية الأخيرة لتشغيل الأحداث دون سن 8 سنة ليلا فإنها أجازت للسلطات المختصة، وبعد التشاور مع منظمات أصحاب العمل والعمال، تشغيل الأحداث الذي بلغوا سن السادسة عشرة في العمل الليلي، وذلك لأغراض التلمذة الصناعية أو التدريب المهني في صناعات أو مهن محددة يشترط أداؤها على أساس متواصل على أن يمنح للأحداث في هذه الحالة فترة راحة لا تقل عن ثلاثة عشرة ساعة متعاقبة بين كل فترتي عمل.  ونفس الموقف تبنته الاتفاقية بالنسبة لحالات الطوارئ وكلما اقتضت المصلحة الوطنية. 

وإذا كانت الاتفاقيتان المشار إليها أعلاه اهتمتا بالقطاع الصناعي فإن العمل الليلي في الأعمال الغير الصناعية، قد  تم تأطيره من خلال الاتفاقية 79 لسنة 1946، والتي أكدت على حظر تشغيل الأطفال دون الرابعة عشرة المسموح باستخدامهم طيلة الوقت أو جزء من الوقت، وكذا الأطفال فوق الرابعة عشرة الذين ما زالوا خاضعين للتعليم الإلزامي طيلة الوقت، أثناء الليل، وذلك طيلة فترة لا تقل عن أربع عشرة ساعة متصلة تشمل الفترة بين الساعة الثامنة مساء والساعة الثامنة صباحا.  إلا أن هذه الفترة يمكن تقليصها إلى اثنتي عشرة ساعة تكون بدايتها بعد الساعة الثامنة والنصف مساء ونهايتها قبل السادسة صباحا، وذلك كلما اقتضت الظروف المحلية هذا الأمر. 

هذا وقد أكدت الاتفاقية كذلك على حظر تشغيل الأحداث دون الرابعة عشرة الخاضعين للتعليم الإلزامي طيلة الوقت، وكذا الأحداث دون الثامنة عشرة ليلا طيلة فترة لا تقل عن اثني عشرة ساعة متصلة تشمل الفترة بين الساعة العاشرة مساء والسادسة صباحا. إلا أنه يمكن تجاوز هذا الحظر في حالة ظروف استثنائية تؤثر على فرع نشاط معين أو منطقة معينة على أن تحدد الفترة المذكورة أعلاه ما بين الساعة الحادية عشر مساء إلى السابعة صباحا. 

على أن فترة الليل قد تكون أقصر مما هو محدد أعلاه بالنسبة للبلدان التي يكون فيها العمل نهارا مرهقا بسبب طبيعة المناخ، إذا أعطيت فترة راحة تعويضية أثناء النهار، كما يجوز للحكومة أن تسمح بالعمل الليلي بالنسبة للأحداث في سن السادسة عشرة فكثر في حالة الطوارئ الخطيرة التي تتطلبها المصلحة الوطنية، ونفس الأمر يمكن تطبيقه على الأحداث عندما يتطلب ذلك الاحتياجات الخاصة بالتدريب المهني وذلك في إطار تراخيص فردية ومؤقتة شريطة حصولهم على فترة راحة لا تقل عن إحدى عشرة ساعة متصلة في كل فترة أربع وعشرين ساعة. 

وإذا كان كل من المجال الصناعي وغير الصناعي قد تم تأطيرهما بخصوص موضوع العمل الليلي من خلال الاتفاقيات المشار لها أعلاه، فإن المجال الزراعي لم يحظ بالاهتمام اللازم إذ أن منظمة العمل الدولية أقرت في هذا الإطار توصية واحدة وهي التوصية رقم 14 لسنة 1921، والتي ناشدت من خلال مادتها الأولى الدول الأعضاء باتخاذ تدابير لتنظيم استخدام الأطفال دون سن الرابعة عشرة في المشاريع الزراعية أثناء الليل بطريقة تكفل لهم فترة استراحة تتناسب مع احتياجاتهم البدنية ولا تقل عن عشرة ساعات متوالية. كما أوصت مادتها الثانية الدول الأعضاء باتخاذ تدابير لتنظيم استخدام الأحداث الذين تتراوح سنهم بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة في المشاريع الزراعية أثناء الليل بطريقة تكفل لهم فترة استراحة تتناسب مع متطلباتهم البدنية ولا تقل عن تسع ساعات متوالية. 

وإذا كان هذا هو الوضع بالنسبة لموضوع العمل الليلي في ظل الاتفاقيات الدولية، فإن مدونة الشغل ورغم ما تضمنته من مستجدات في هذا المجال فإنها لم تصل إلى حد الانسجام مع المقتضيات الدولية في هذا الباب وتجاوز القصور الذي كان يعاني منه التشريع الاجتماعي قبل صدورها. 

وهكذا نجد أن الفقرة الثالثة من المادة 172 حصرت منع العمل الليلي على الأحداث دون سن السادسة عشرة فقط، وذلك في مخالفة للمقتضيات الدولية التي سبق وأن أشرنا إليها والتي حددت ذلك السن في الثامنة عشرة، بل أكثر من ذلك فإن المدونة سمحت بتشغيل الأحداث في العمل الليلي حتى دون سن السادسة عشرة، وذلك بالنسبة للمؤسسات التي تحتم الضرورة أن يكون النشاط فيها متواصلا أو موسميا، وأن يكون الشغل فيها منصبا على استعمال مواد أولية، أو مواد في طور الإعداد، أو على استخدام محاصيل فلاحية سريعة التلف . ونفس الأمر بالنسبة لحالة البطالة الناتجة عن قوة قاهرة أو توقف عارض لا يكتسي طابعا دوريا، شريطة إشعار العون المكلف بتفتيش الشغل مسبقا على ألا يعمل بهذا الاستثناء أكثر من اثني عشرة ليلة في السنة إلا بإذن من العون المكلف بتفتيش الشغل. 

هذا وقد أضافت المادة 176 من المدونة استثناء ثالثا يمكن من خلاله تشغيل الأحداث دون سن السادسة عشرة في العمل الليلي ويتعلق الأمر بالحالة التي يكون الهدف منها اتقاء حوادث وشيكة الوقوع، أو تنظيم عمليات نجدة أو إصلاح خسائر لم تكن متوقعة، على أن يتم إشعار مفتش الشغل بذلك الاستثناء فورا وبجميع الوسائل، وأن يتم اللجوء إليه في حدود ليلة واحدة.

إذا كانت المقتضيات المذكورة أعلاه لم يصل من خلالها المشرع المغربي إلى تحقيق تطابق مع المقتضيات الدولية في مجال عمل الأحداث ليلا، فإنه حاول بالرغم من ذلك من إدخال بعض المستجدات في هذا المجال مقارنة مع التشريع الاجتماعي السابق لصدور المدونة، وذلك سعيا وراء الانسجام مع الاتفاقيات الدولية، وهكذا نجد أن المادة 172 من المدونة حددت مفهوم العمل الليل وميزت بهذا الخصوص بين النشاطات غير الفلاحية والنشاطات الفلاحية، حيث اعتبرته بالنسبة للحالة الأولى بأنه كل شغل يؤدي فيما بين الساعة التاسعة ليلا والسادسة صباحا . أما بالنسبة للحالة الثانية، فقد حددته في كل عمل يؤدى فيما بين الساعة الثامنة ليلا والخامسة صباحا. 

ولقد أحسن المشرع المغربي صنعا في نظري حينما عمد إلى ربط مفهوم العمل الليلي في القطاع الفلاحي بساعة محددة، خلافا للوضع في ظل ظهير 1973 والذي كان يربط الأمر بمواقيت غروب الشمس وشروقها، وهو أمر كان يفتح الباب لتمديد فترة العمل الليلي أو تقليصها بحسب فصول السنة. 

وبعد التطرق لمدة عمل الأحداث وضوابط العمل الليلي فإننا سنخصص المطلب الموالي للحديث عن الراحة الأسبوعية والعطلة السنوية ودورها في حماية العامل الحدث.

  المطلب الثاني: الراحة الأسبوعية والسنوية كعنصر من عناصر حماية الحدث

إذا كانت ضرورة حماية الحدث من خلال توفير ظروف حسنة لاستخدامه تقتضي تحديد عدد معين من ساعات العمل الذي لا يجوز تجاوزه، وكذا إقراره مبدأ حظر العمل الليلي، فإن تلك الحماية تتطلب كذلك تمكين الحدث من حقه في الحصول على راحة أسبوعية، وكذا عطلة سنوية، وهذا ما سنعمل على تحليله من خلال الفقرتين المواليتين.

الفقرة الأولى: حق العامل الحدث في الحصول على راحة أسبوعية.

تعتبر الراحة الأسبوعية أمرا ضروريا لضمان صحة الحدث ونموه البدني وتساهم كذلك في الحفاظ على قدراته الفكرية، وتبقى وسيلة فعالة لتمكينه من استرجاع قدراته ونشاطه بعد فترة من عناء العمل، بشكل يمكنه من الحفاظ على مردوديته في العمل، كما تمكنه كذلك من استرجاع طفولته والاتصال بأسرته وأقاربه. 

ونظرا لما للراحة الأسبوعية من أهمية بالنسبة للعامل عموما والعامل للحدث بصفة خاصة، فقد اهتمت منظمة العمل الدولية بهذا الموضوع وقد كانت البداية بالاتفاقية رقم 14 المتعلقة بتطبيق الراحة الأسبوعية في المنشآت الصناعية لسنة 1921 ، والتي أكدت من خلال مادتها الثانية على حق أجراء كل المؤسسات الصناعية سواء كانت عامة أو خاصة في الاستفادة من راحة أسبوعية تتضمن على الأقل أربع وعشرين ساعة متوالية خلال كل سبعة أيام، مع الحرص قدر الإمكان على تمكين جميع العاملين في المنشآت في وقت واحد من تلك الراحة، ومحاولة ملاءمتها مع الأيام الراحة التي تكرسها التقاليد أو العادات السائدة في البلد أو الجهة.

هذا، وقد استثنتا الاتفاقية بمقتضى مادتها الثالثة من نطاق تطبيقها المنشآت الصناعية التي لا يعمل بها سوى أفراد الأسرة الواحدة.

كما رخصت الاتفاقية بالنسبة  للدول المصادقة عليها ببعض الاستثناءات من القاعدة العامة بما في ذلك وقف أو تخفيض يوم الراحة ، وذلك بعد استشارة منظمات أرباب العمل والعمال،  على أن يقوم أصحاب العمل باتخاذ التدابير اللازمة لإعلام الأجراء بيوم الراحة عن طريق الملصقات أو بوسائل أخرى، كما يجب عليهم مسك سجل خاص بنظام الراحة الأسبوعية. 

وإذا كانت الاتفاقية 14 اهتمت بالقطاع الصناعي فإن الاتفاقية 106 لسنة 1957 المتعلقة بالراحة الأسبوعية في التجارة والمكاتب، جاءت لتؤطر الموضوع بالنسبة لأجراء المؤسسات والإدارات التي يحمل فيها المستخدمون بشكل أساسي أعمال المكتب  بما في ذلك المهن الحرة كانت عمومية أو خاصة. 

وقد جاءت مقتضيات الاتفاقية الأخيرة منسجمة إلى حد كبير مع مقتضيات الاتفاقية 14 حيث تبنت نفس الموقف بخصوص مدة الراحة الأسبوعية ، كما أنها بدورها استثنت من خلال مادتها الخامسة من نطاق تطبيقها المؤسسات الأسرية وكذا الأشخاص الذين يشغلون مناصب إدارية عالية، فضلا عن بعض الاستثناءات المؤقتة في حالة الحوادث الحالة أو المؤكدة الحلول، وفي حالة القوة القاهرة أو الأشغال المستعجلة للقيام بتوصيلات أو في حالة الزيادة غير العادية في العمل الناتجة عن ظروف خاصة، وكذا إذا تك اللجوء إلى تدابير أخرى لأجل استشراف واستدراك ضياع سلع قابلة للتلف، إلا أن اللجوء إلى تلك الاستثناءات لا يتم إلا بعد استشارة المشغلين والعمال من خلال منظماتهم وتمكينهم من منح تعويضية. 

وما يمكن أن نلاحظه من خلال الاتفاقيتين رقم 14 و106، والتي حاولت من خلالهما منظمة العمل الدولية وضع الإطار القانوني للراحة الأسبوعية، أنهما فضلا عن كونهما لم يشملا القطاع الفلاحي، فإنهما لم يقيما أي تميز يراعي وضعية الأحداث سواء من حيث مدة تلك الراحة، أو في الشق المتعلق بتجاوز الحق في الحصول عليها من خلال الاستثناءات المقررة بمقتضاها.

وهو الأمر الذي حاولت التوصية 103 لسنة 1957 تجاوزه بالنسبة للنقطة المتعلقة بخصوصية  العامل الحدث، حيث مكنت كل عامل دون سن الثامنة عشرة من حق الحصول على راحة أسبوعية متصلة من يومين ، كما أكدت على عدم تطبيق الاستثناءات  المتعلقة بالراحة الأسبوعية على العامل الحدث سواء من حيث تقليص مدتها أو تجزئتها. 

وإذا كان هذا هو الوضع في ظل التشريع الدولي فإن مدونة الشغل، عمدت إلى تأطير الراحة الأسبوعية من خلال مقاربة تبنت نفس النهج الذي سارت فيه الاتفاقية رقم 14 و106. 

وهكذا نجد أن المادة 205 حددت مدة الراحة الأسبوعية في أربع وعشرين ساعة على الأقل تحسب من منتصف الليل إلى منتصف الليل. هذا في الوقت الذي أكدت فيه المادة 206 على أن الراحة الأسبوعية تمنح إما في يوم الجمعة أو السبت أو الأحد أو في يوم السوق الأسبوعي، على أن يتم منح تلك الراحة في نفس الوقت لكل الأجراء المشتغلين في مؤسسة واحدة. لكن وفي مقابل المبدأ المذكور، فإن مدونة الشغل أقرت مجموعة من الاستثناءات، وهكذا نجد أن المادة 207 مكنت المؤسسات التي يقتضي نشاطها أن تظل مفتوحة باستمرار للعموم أو التي قد يسبب توقف نشاطها ضررا للعموم، أن تعطي لأجرائها كلا أو بعضا الراحة الأسبوعية بالتناوب فيما بينهم، ويسري نفس الاستثناء على المؤسسات التي يؤدي توقف نشاطها إلى خسائر، نظرا لكون المواد الأولية أو المواد التي هي في طور التصنيع، أو المحاصيل الفلاحية التي يقوم عليها نشاطها معرض بطبيعتها للتلف أو سريعة الفساد.

وبالإضافة للاستثناء المذكور فقد خولت المادة 208 من المدونة لوزارة التشغيل بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، الترخيص للمؤسسات التي تتقدم إليها بطلب في الموضوع في أن تمكن أجراءها من الاستفادة من الراحة الأسبوعية بالتناوب فيما بينهم، وتراعي الوزارة في منح ذلك الترخيص المصلحة الاقتصادية والتنافسية للمؤسسة. 

وفي نفس السياق مكنت المادة 210 من المدونة لوزارة التشغيل وبعد استشارة أرباب العمل والمنظمات النقابية الأكثر تمثيلا، تحديد طبيعة تطبيق نظام الراحة الأبوعية عندما يطلب ذلك ما لا يقل عن ثلثي المشغلين الموجودين في دائرة عمالة أو إقليم أو جماعة أو مجموعة جماعات أو حي معين من جهة، وما لا يقل عن ثلثي الأجراء الذين يمارسون نفس المهنة من جهة أخرى.

والملاحظ بخصوص كل الاستثناءات المذكورة أعلاه هو أن المشرع لم يتطرق لمدى انطباقها من عدمه بالنسبة للعامل الحدث، وكل ما أتى به في هذا الخصوص هو ما أقره المرسوم 513-04-2  من خلال مادته الأولى، والتي مكنت المشغل من تنظيم فترة الراحة الأسبوعية لفائدة بعض فئات الأجراء وفق متطلبات طبيعة شغلهم داخل المؤسسة أو المقاولة، مع مراعاة مجموعة من التدابير من ضمنها الأخذ بعين الاعتبار حالة الأحداث دون الثامنة عشرة، لكن دون بيان الهدف من هذا الإجراء.

وإذا ما تجاوزنا الاستثناءات المتعلقة بكيفية استفادة العمال من فترة الراحة الأسبوعية، فإن مدة تلك الراحة والمحددة في 24 ساعة متصلة، أورد المشرع عليها بدورها استثناءين اثنين يتعلق الأول بإمكانية وقف تلك الراحة في الحالات التي تبررها طبيعة نشاط المؤسسة أو المواد المستعملة أو إنجاز أشغال استعجالية أو زيادة غير عادية في حجم الشغل . أما الاستثناء الثاني، فيتعلق بإمكانية تخفيض فترة الراحة إلى نصف يوم بالنسبة للأشخاص المكلفين بجميع أشغال الصيانة التي يجب أن تنجز بالضرورة في يوم الراحة الجماعية للأجراء والتي تعتبر ضرورية لتفادي أي تأخير من شأنه أن يعرقل مواصلة الشغل بشكل عادي. 

لكن ما يمكن أن نثيره في هذا المجال هو أنه إذا كانت المدونة قد منعت وقف الراحة الأسبوعية بالنسبة للأجراء الأحداث دون سن 18 سنة ، فإنها بالمقابل لم تمنع تخفيض فترة الراحة في حقهم، وهو أمر يبقى في نظرنا منتقدا، وكان يتعين على المشرع أن يمدد الحماية التي منحها للأحداث بالنسبة لحالات وقف الراحة الأسبوعية لحالات تخفيضها.

وبالرغم من الملاحظة المذكورة فإن المشرع المغربي ومن خلال تبنيه للأحكام المذكورة قد تجاوز مجموعة من الملاحظات التي كانت توجهها له لجنة الخبراء التابعة لمنظمة العمل الدولية بخصوص عدم ملاءمة تشريعية وبالضبط ظهير 21 يوليوز 1947 بخصوص النقطة المتعلقة بالراحة الأسبوعية مع أحكام مقتضيات الاتفاقية 106 .

الفقرة الثانية: حق العامل الحدث في الحصول على العطلة السنوية:

لا تكفي الراحة الأسبوعية لوحدها لضمان حماية صحية واجتماعية للعامل، ولتجاوز الأضرار التي تترتب عن اشتغاله طوال السنة، بل لابد من تمكينه من راحة سنوية تكون مدتها أطول بغرض إتاحة الفرصة أمامه استعادة نشاطه وتجديد قواه البدنية والمعنوية، ولاشك أن حاجة الأحداث من العمال إلى تلك الراحة السنوية تكون أكثر إلحاحا بالنظر إلى سنهم المبكر ومتطلبات تنميتهم جسمانيا وذهنيا. 

ونظرا لأهمية هذا الموضوع فقد حظي باهتمام كبير من قبل منظمة العمل الدولية وبالضبط منذ انعقاد أول دورة لمؤتمر العمل الدولي سنة 1919، كما شكل إحدى النقاط الأساسية في جدول أعمال المؤتمر لعدة سنوات إلى أن تم في سنة 1936 تبني الاتفاقية رقم 52 حول الرخصة السنوية المؤدى عنها في القطاع الصناعي والتجاري والتي شكلت أساس هذا المبدأ أو المرجعية الرئيسية للاتفاقيات التي تلتها، والتي نظمت الرخص السنوية في قطاعات أخرى. 

فهكذا وبعد أن حددت المادة الأولى من الاتفاقية 52 نطاق تطبيقها على أجراء المقاولات والمؤسسات العمومية أو الخاصة الممارسة لأنشطة صناعية أو تجارية، فإن المادة الثانية أكدت على حق الأجراء المذكورين في الحصول بعد مرور سنة من الخدمة المتواصلة على عطلة سنوية  مؤدى عنها الأجر لا تقل عن ستة أيام من أيام العمل، وتتم مضاعفة تلك المدة بالنسبة للعمال الأحداث دون سن السادسة عشر بما فيهم المتدربين، وتقر الاتفاقية بإمكانية تجزئة العطلة السنوية، ولكن فقط بالنسبة للجزء الذي يتجاوز الفترة الدنيا وهي ستة أيام، ويتقاضى الأجير أجرته المعتادة مضافة إليها قيمة الأجرة العينية أو الأجرة المحددة بواسطة اتفاقية جماعية، كما أنه لا يمكن إلغاء أو التنازل عن الرخصة السنوية في إطار أي عقد أو الاتفاق وإلا عد باطلا. 

وأخذا بعين الاعتبار أن الاتفاقية 52 قد أصبحت متجاوزة فقد عمد مؤتمر العمل الدولي إلى مراجعتها في إطار الاتفاقية 132  في سنة 1970، وأهم إضافة جاءت بها الاتفاقية الأخيرة تتمثل في رفعها لمدة العطلة السنية المؤدى عنها إلى ثلاثة أسابيع على الأثل بالنسبة لسنة من العمل، وتمنح العطلة عن مدة عمل تقل عن 12 شهرا من العمل،  يتم احتسابها بحسب مدة العمل بشكل موازي، كما تضمنت الاتفاقية أحكاما أخرى تتعلق بحساب الرخصة السنوية وأداء الأجرة عنها في حالة فسخ العلاقة الشغلية. 

أما في القطاع الفلاحي، فإن تنظيم موضوع العطلة السنوية كان بمقتضى الاتفاقية 101 ، وتميزت هذه الأخيرة بمنح حرية كبيرة  للدول في تحديد طريقة منح الإجازات المدفوعة في الزراعة، وكذا الفترة الدنيا اللازمة في الخدمة المستمرة والحد الأدنى لمدة الإجازة السنوية . ولم تتطرق الاتفاقية المذكورة إلى تحديد مدة العطلة السنوية المؤدى عنها، وقد تركت ذلك الأمر للتوصية 93 الملحقة بها ، والتي حددت مدتها في أسبوع بعد عام من العمل المتواصل. 

هذا وقد أقرت مدونة الشغل من خلال مادتها 231 بحق الأجير الذي قضى ستة أشهر متصلة من العمل في نفس المقاولة أو لدى نفس المشغل في الحصول على عطلة سنوية مؤدى عنها تحدد مدتها بنحو يوم ونصف عن كل شهر من الشغل، وذلك ما لم يتضمن عقد الشغل أو اتفاقية جماعية أو النظام الداخلي أو العرف على مقتضيات أكثر فائدة.

وقد  تم إفراد الأحداث دون سن الثمانية عشرة في هذا الباب بمقتضى خاص بشأن مدة احتساب العطلة السنوية إذ تك تمكينهم من يومية عن كل شهر عمل فعلي عوض يوم ونصف المقررة للعمال البالغين.

كما أكدت المدونة من خلال مادتها 232 على إضافة يوم ونصف إلى مدة العطلة السنوية عن كل فترة كاملة مدتها خمس سنوات متصلة أو غير متصلة على ألا تزيد مدة العطلة عن ثلاثين يوما من أيام الشغل الفعلي.

كما تم التأكيد من خلال المدونة على إمكانية تجزئة العطلة السنوية أو الجمع بين أجزاء من مددها على مدى سنتين متتاليتين إذا تك ذلك باتفاق بين الأجير والمشغل، دون أن يؤدي ذلك إلى تخفيض مدة العطلة التي يقضيها الأجير سنويا إلى أقل من اثني عشر يوم شغل يتخللها يومان من أيام الراحة الأسبوعية. 

وانسجاما مع مقتضيات الاتفاقية 52 تم التأكيد من خلال المادة 242 من المدونة بأنه يكون باطلا كل اتفاق على التنازل المسبق عن الحق في العطلة السنوية المؤدى عنها أو على التخلي عن التمتع بها ولو كان ذلك مقابل تعويض.

والملاحظ من خلال ما ذكر هو أن المشرع المغربي ومن خلال مدونة الشغل حاول ملاءمة تشريعه مع الاتفاقيات الدولية في هذا الباب وتجاوز الملاحظات التي كانت توجهها له لجنة الخبراء التابعة لمنظمة العمل الدولية، سواء بالنسبة لعدم تطابق المادة العاشرة من مرسوم 9 يناير 1946 المتعلق بالعطلة السنوية مع أحكام المادة الرابعة من الاتفاقية، وكذا بخصوص عدم احترام مقتضيات الاتفاقية 136 بشأن عدم جواز قطع العطل السنوية. 

 خاتمة

وختاما يمكن القول أن المشرع المغربي توقف إلى حد كبير في ملائمة نصه القانوني الاجتماعي مع الاتفاقيات السالفة الذكر، لكن الإشكال الذي يثار في هذا المجال هو مدى احترام النصوص القانونية وكذا تطبيقها على أرض الواقع، إذ أنه على المستوى العملي يلاحظ وجود هوة كبيرة بين الأحكام القانونية والتنظيم العملي لواقع الشغل، خاصة في ظل اقتصاد ما زال يعتمد بنسبة كبيرة على القطاع غير المهيكل كما أن مسألة محاربة تشغيل الأطفال لازالت  هي الأخرى تفرق العديد من الإكراهات رغم المجهودات في هذا المجال، ذلك أن الواقع أثبت أن ظاهرة تشغيل الأطفال لازالت تعرف انتشارا واسعا، خاصة في الحرف والصناعة التقليدية وكذا في القطاع الفلاحي إلا أن التزامات المغرب في مجال محاربة تشغيل الأطفال تهم مراجعة لائحة الأشغال الخطيرة الممنوعة على كل من تقل أعمارهم عن 18 سنة، وذلك في أفق توسيعها من 10 إلى 30 صنفا، ومواصلة وتعزيز برنامج "تسيير" الذي يقدم مساعدة مباشرة للأسر المعوزة لمحاربة الهدر المدرسي والتوسع الجغرافي للمستفيدين منه، والقيام بدراسات لتحديد الأطفال الذين يتم استغلالهم في أسوء أشكال تشغيل الأطفال، ومواصلة دعم المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حماية الأطفال وتعزيز إجراءات مراقبة تنفيذ القانون التنظيمي بهذا الخصوص.

 قائمة المراجع

* الكتب

1- بالعربية:

- عبد العزيز مخيمر عبد الهادي: حماية الطفولة في القانون الدولي والشريعة الإسلامية، دار النهضة العربية الطبعة 1991.

- عبد اللطيف خالفي: الوسيط في مدونة الشغل الجزء الثاني، علاقات الشغل الجماعية الطبعة الأولى، 2006 المطبعة الوراقة الوطنية.

- ناهد العجوز: الحماية الجنائية لحقوق العمالية في قانون العمل في مصر والدول العربية، الطبعة الأولى، 1970 منشأة المعارف بالإسكندرية.

2- بالفرنسية:

- ABDELLAH BOUDAHRAIN : le droit du travail au Maroc

- NICOLAS Vacticos : Droit international du travail.

* الرسائل والأطروحات:

- عبد اللطيف قرياني: تشغيل الأطفال إشكالية ملائمة التشريع المغربي للشغل للاتفاقيات الدولية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون، وحدة الأسرة والطفولة، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس 2013-2012.

- محمد أحمد إسماعيل: مبدأ الحرية النقابية لمنظمات العمال دراسة مقارنة، رسالة لنيل درجة دكتور في الحقوق، كلية الحقوق جامعة القاهرة، 1982.

- يونس الحكيم: الضمانات القانونية لحماية الأحداث في التشريع الاجتماعية المغربي: رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة وحدة التكوين والبحث في القانون الأسرة المغربي والمقارن، جامعة عبد المالك السعدي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية 2006-2005.

- رشيد مهيد: ملائمة مدونة الشغل للاتفاقيات الدولية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، وحدة التكوين والبحث في قانون المقاولات، جامعة محمد الخامس أكدال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية 2013-2012.

المجلات والجرائد:

- أحمد بودراع: تشغيل الأطفال على ضوء الاتفاقية الدولية للشغل، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية.

- إدريس فجر: ظاهرة تشغيل الأطفال في الفقه والقانون، جريدة الصباح، العدد 3230.  

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات