مسؤولية الشهود العدول
بدأ علم التوثيق مع بداية الدعوة الإسلامية، وبزوغ فجر الإسلام في القرن السابع الميلادي. وهذا الفن يعد من أحدث النظريات في القوانين الوضعية، وفي المذاهب الاجتماعية الحديثة، فالدول المسيحية وغيرها قد أخذت به وسمت ذلك بنظريات الإثبات. وفقهاء القانون في أوروبا لم يأخذوا بهذه النظرية إلا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع عشر، حين اشترط القانون الفرنسي: أن يكون الدين مكتوبا إذا زاد عن مقدار معين. عكس الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، فقد سبقا فقهاء الغرب بحوالي أربعة عشر قرنا، منذ نزول آية المداينة في أواخر سورة البقرة مصداقا لقوله تعالى في كتابه العزيز " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، وليكتب بينكم كاتب بالعدل"([1]).
ولقد طور الفقهاء المسلمون ميدان التوثيق العدلي ووضعوا له ضوابط وأسس واضحة حتى أصبح فنا وعلما قائما بذاته وأناطوا به أداء رسالة نبيلة تنبني على م مبادئ الثقة والشرف والأمانة والعدل.
وقد حافظت الوثيقة العدلية بمختلف أنواعها على وجودها المادي على مر التاريخ وكانت تسند لكبار القضاة والفقهاء المشهود لهم بالورع والتقوى ساهموا بحنكتهم وكفاءتهم في إرساء نظام إثبات إسلامي أثبت نجاعته وفعاليته في حفظ الحقوق وإنهاء الخصومات .
ولا زالت الوثيقة العدلية في الوقت الحالي تواصل أداء دورها المنوط بها في ضمان الحقوق وحماية الأنساب واستقرار المعاملات وتحقيق الأمن بمفهومه العام القانوني والقضائي والإجتماعي والإقتصادي ،وبالنظر لأهميتها الكبرى فقد أحاطها المشرع بمجموعة من الضمانات الأساسية التي تحفظ لها قيمتها الثبوتية ،وأناط حمايتها بفئة خاصة تجمع في تكوينها الأكاديمي بين المرجعية الدينية والتكوين القانوني الرصين وهي فئة العدول،وإسناد هذه المسؤولية الجسيمة لهذه الفئة استتبعها تمكينهم من إطار قانوني يحدد لهم بكل وضوح اختصاصاتهم و الحقوق والواجبات الملقاة على عاتقهم بل وجعل مسطرة العملية التوثيقية تحت رقابة القضاء قصد الإشراف والتوجيه ، لكن - وكما يشهد عليه واقع الحال - قد يحدث ان يعترض أداء العدول لهذه الرسالة النبيلة مجموعة من العوارض التي يمكن ان تمس سلامة المحررات العدلية بسبب إخلالهم بواجباتهم المهنية الملقاة على عاتقهم الشيء الذي يمكن ان تثار معه مسؤولياتهم سواء الجنائية متى كانت الأفعال غير المشروعة التي قاموا بها تكتسي طابعا جرميا وسواء بقيت ذات صبغة مدنية عندما تكون الأفعال المنسوبة إليهم تكتسي طابعا تقصيريا فقط ،وبغض النظر عن المسؤولية المثارة في حقهم فإن المشرع ألزمهم بتحمل تبعاتها وأثارها سواء بالخضوع للعقوبات الجنائية المقررة بمقتضى القانون الجنائي وقانون خطة العدالة أو بتحمل التعويض عن الأضرار التي يمكن ان تلحق بكل من تضررت مصلحته التوثيقية أو نتج عن الإخلال مساس بحقوقه المالية ،والمشرع يرمي من كل ذلك إلى المحافظة على سلامة المحررات العدلية وحماية الثقة الموضوعة فيها من طرف المتعاقدين ومن خلالهما إلى حماية نظام الإثبات من كل الشوائب التي يمك نان تمس حجيته وقوته الثبوتية وكل ما أثير أعلاه يشكل الأهمية العلمية للموضوع الذي نحن بصدد مناقشته وعلى ضوء الإشكاليات التي يثيرها سنحاول مناقشته من خلال المبحثين التاليين :
المبحث الأول: الإطار القانوني لمسؤولية الشهود العدول
المبحث الثاني: تطبيقات مسؤولية الشهود العدول
المبحث الأول : الإطار القانوني لمسؤولية الشهود العدول
قد يحدث ان يعترض أداء العدول للمهمة التوثيقية المنوطة بهم مجموعة من العوارض بسبب أفعالهم تقتضي مسؤوليتهم عنها بالنظر لطبيعة الخطأ المقترف من طرفهم والذي إما انه يقتصر على مجرد المساس بالحق العام يستتبع مساءلتهم جنائيا فقط ،أو يتعدى ذلك الى المس بالحقوق الخاصة ويترتب عنه مساءلتهم مدنيا والجواب على أساس هذه المسؤولية المزدوجة هو ما سوف نتطرق إليه في( المطلب الأول) قبل الإنتقال لدراسة شروط هذه المسؤولية والآثار المترتبة عنها( المطلب الثاني).
المطلب الأول: الأساس القانوني لمسؤولية العدول
إن المسؤولية القانونية للعدول إما أن تكون جنائية عندما يتعلق الأمر بأفعال ذات طابع جرمي يترتب عنه المساس بالحق العام ( الفقرة الثانية) وإما أن تكون مدنية عندما تمتد آثار الفعل الجرمي إلى المساس بالحقوق الخاصة للمتضررين أو تنتج عن فعل لا يكتسي صبغة جنحية ومع ذلك يترتب عنه إلحاق الضرر بالغير (الفقرة الأولى) ولكل منهما أساس مختلف عن الآخر.
الفقرة الأولى: أساس المسؤولية المدنية للعدول:
سنتحدث في هذه الفقرة عن أساس مسؤولية العدل عن فعل الغير (أولا) تم أساس مسؤولية العدل عن الفعل الشخصي(ثانيا)
أولا: أساس المسؤولية المدنية للعدول عن فعل الغير:
تستمد المسؤولية المدنية للعدول عن فعل الغير أساسها القانوني من القواعد العامة للمسؤولية المدنية المنصوص عليها ضمن مقتضيات الفصل85من قانون الإلتزامات والعقود المغربي الذي ينص " على أن الشخص لا يكون مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه بفعله فحسب, لكن كذلك مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص الذين في عهدته...", وهو ما يعرف بمسؤولية المتبوع عن أعمال التابع أي أن المتبوع العدل يسأل عن الضرر الذي يحدثه تابعه في أداء الوظيفة التي كلف بها فيتحمل المسؤولية عن أعمال النائب أو الكاتب الأول بالنسبة للأول وعن أعمال العدل المتمرن لديه بالنسبة للثاني وهذا ما أكدته المادة9من القانون رقم03-16المتعلق بخطة العدالة في فقرتها الخامسة[2] بتأكيدها على مسؤولية العدلين اللذين أسندت لهما مهمة الإشراف على تدريب العدل المتمرن داخل مكتبهما.
وتتميز مسؤولية المتبرع عن التابع من حيث أنها مقررة بقرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس[3] وتطبيقا لذلك فمسؤولية العدل عن خطأ نائبه أو العدول المتمرنين لديه ثابتة لا تقبل إثبات العكس إذا صدر من التابع خطأ في حالة تأدية وظيفته أو بسببها[4] .
ولقيام مسؤولية العدل المتبوع لابد من ارتكاب العدل التابع(المتمرن) عملا غير مشروع أو اقتراف خطأ سبب ضررا للغير, والملاحظ في هذا الخصوص أن المشرع المغربي نص في قانون الإلتزامات والعقود المغربي أنه يسأل الخطأ الذي يرتكبه التابع حالة تأدية وظيفته تحت مراقبة العدل ولا يكفي أن تكون بمناسبتها.[5]
عموما يمكن القول بأن أساس مسؤولية العدل عن فعل الغير هي مسؤولية تقصيرية استثنائية ناتجة عن تقصير العدل في مراقبة العدل المتمرن له وتوجيهه ومنعه من مزاولة الأعمال الممنوع عليه إتيانها بقوة القانون ومثال ذلك أن يتغاضى العدول عن العدل المتمرن ويسمحون له بتلقي إشهاد معين بشكل مخالف لضوابط خطة العدالة قد يكلف طالب الإشهاد مصاريف قانونية باهضة أو أن يفوت عليه فرصة حماية حقه خصوصا في الحقوق المرهونة في اكتسابها بشكليات أجل معين فالعدول المزاولون لعملهم بشكل نظامي هم المسؤولون تجاه المتضرر في تعويضه عن الضرر اللاحق به عن فعل العدل المتمرن وإن كان ذلك لا يمنعهم من الرجوع عليه .
ثانيا: أساسا المسؤولية المدنية للعدل عن الفعل الشخصي:
يتبين من خلال استقراء النصوص القانونية المنظمة لخطة العدالة ومرسومه التطبيقي أن المشرع عمد إلى إحاطة العملية التوثيقية بمجموعة من الشكليات والضوابط الخاصة التي تلزم العدول بضرورة التقيد بها أثناء ممارستهم لمهامهم التوثيقية ، بالشكل الذي يحفظ للوثيقة العدلية حجيتها وقوتها الثبوتية والحمائية لحقوق الأفراد وأعراضهم ،وبالمقابل فكل إخلال بهذه الضوابط والإلتزامات يترتب عنها إثارة مسؤولية العدول ،إما تأديبيا عندما يكون فعل الإخلال مقتصرا على مخالفة الضوابط المهنية الصرفة ،مثال ذلك عدم التقيد بالأجل القانوني لتحرير الوثيقة العدلية ،أو تحريرها في مذكرة غير مأذون له في استعمالها وما إلى ذلك ، او أن تثار مسؤوليته المدنية عندما تتجاوز آثار إخلاله الطابع المهني الى إلحاق ضرر بالمتعاقدين ويستوي الضرر بصورتيه المادية والمعنوية فيكون العدل ملزما بتعويضهم عنه.
ويلاحظ أن المسؤولية المدنية للعدول التي يمكن أن تثار في مواجهتهم عن الأفعال التي يرتكبونها بصفتهم الشخصية أثناء مزاولتهم لمهامهم[6] تتجسد من خلال مستويين اثنين. إما في صورة المسؤولية العقدية عن الضرر الذي يمكن ان يلحق بالزبناء الذين تربطهم بهم علاقة تعاقدية ، أو في صورة المسؤولية التقصيرية عن الضرر الذي يمكن أن يلحق الأغيار كذلك من جراء عمل العدول حتى لو كانوا أجانب عن العملية التوثيقية , وللإحاطة بالحالتين يتعين علينا مناقشة دلك من خلال القواعد الخاصة المنظمة لخطة العدالة وكذا النصوص العامة التي تنظم هذا النوع من المسؤولية والتي تجد أساسها ضمن مقتضيات قانون الإلتزامات والعقود المغربي باعتباره القانون العام.
إن مجرد توجه شخص ما إلى مكتب العدلين واستقباله من طرفهما و مباشرتهما للأعمال التحضيرية للشروع في تنفيذ العملية التوثيقية بعد اتفاقهما على موضوع الإشهاد وتوافر باقي الشروط المتطلبة قانونيا وانتفاء الموانع ، يترتب عنه بقوة القانون قيام علاقة تعاقدية تضع على عاتق كل منهما التزامات تبادلية في مواجهة بعضهما البعض فتلزم طالب الإشهاد بتقديم المستندات وإحضار الشهود وأداء الواجبات المتعلقة بالأجرة اولتسجيل في المقابل تلزم العدل بإنجاز الإشهاد طبقا للقانون وداخل الاجال المحددة لذلك و يؤدي الإخلال به إلى ترتيب مسؤوليته العقدية وتجدر الإشارة أن العدل ملزم بمقتضى القانون تجاه زبنائه ليس فقط بتنفيذ التزامه في صورته البسيطة المتجسدة في عملية تحرير الوثيقة العدلية وإنما لا بد أن يتم هذا الإشهاد وفقا للقانون أولا ووفقا لما تم الإتفاق عليه ثانيا احتراما لإرادة الزبون طالب الإشهاد وبالتالي فكل خرق ثبت من العدول للمقتضيات القانونية ترتب عنه ضرر يجعل المسؤولية المدنية قائمة في حقه ويكون ملزما بالتعويض عن ذلك الضرر ،مثال ذلك إتلاف العدول للمستندات المقدمة إليهم من المتعاقدين من أجل الإشهاد بملكيتهم لعقار معين مقتضيات المادة 30 من المرسوم التطبيقي التي تلزمهم بتسليم أصل المستندات التي أسست عليها الشهادة مع وثيقتها لأصحابها ، أو تحرير إشهاد عدلي بشكل غير مطابق لما تم تلقيه بدايته في مذكرة الحفظ، أو إحجام العدل عن تقديم النصح والتوجيه للمتعاقدين مثال ذلك عندما يتقدم شخصان ما يطلبان من العدول تحرير وثيقة ثتبت تكفلهم بطفل مهمل والحال أن القانون المنظم لكفالة الأطفال المهملين أحدث مسطرة خاصة تحت إشراف قاضي الأسرة المكلف بشؤون القاصرين وكذا النيابة العامة والرسم المنجز من طرف العدول وحتى لو أثبت وقائع التكافل كوقائع مادية فإنه لن يضفي طابع المشروعية ولن تكون له حجية قانونية .
أما إلتزامه إتجاه الأغيار فإنه يؤدي إلى ترتيب المسؤولية التقصيرية التي تجد أساسها في الإخلال بالواجبات والإلتزامات التي يتعين على العدول مراعاتها طبقا لقانون خطة العدالة , وإذا كيف العقد بين العدل والزبون على أساس عقد إجارة صنعة فهو عقد يلتزم بمقتضاه العدل بتحقيق نتيجة أو ما يعب ر عنه البعض بإ لتزام محدد أو معين وهي تلقي إشهاد معين أو تحرير عقد بطريقة سليمة قانونا تجعل المستفيد منه قادرا على حفظ حقوقه والإحتجاج به في مواجهة كافة خصوصه[7] فإذ لم تتحقق النتيجة المقصودة من الإشهاد أو العقد, فإن المدين العدل لايعتبر قد وفي بإلتزامه, والمضرور لايكلف بأكثر من إثبات مصدر الإلتزام وهو العقد, وحينما يحول الخطأ دون تحقيق النتيجة باعتبار أن عدم تحقيق النتيجة هو ذات الخطأ التعاقدي[8]إذن فمسؤولية العدل تجد أساسها في مجال المسؤولية التقصيرية في الفصل 77[9] من قانون الإلتزامات والعقود, الذي يعتبر الإطار العام الذي ينظم هذا النوع من المسؤولية ويقصد بالخطأ في المسؤولية التقصيرية إخلال الشخص بإلتزام قانوني مع إدراكه بهذا الإخلال[10] وعرفه الفصل78من قانون الإلتزامات والعقود المغربي بأنه " ترك ماكان يجب فعله, أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه, وذلك من غير قصد لأحداث الضرر وبالتالي يمكن لكل شخص من الغير أن يقاضي العدل على أساس مبادئ المسؤولية التقصيرية ( الفصلان77-78) ويقصد بالغير هنا كل شخص أجنبي عن العملية التوثيقية والذي لحقه ضرر من جرائها ويمكن أن يندرج مصطلح الغير العدول الآخرين, مثلا في الحالة التي لايلتزم فيها العدلان بدائرة الإختصاص المكاني المخول لهما بالعمل في الدائرة التابع لها مكتبهما مما سبب ضررا للعدول المنتصبين للإشهاد بهذه الدائرة وفوت عليهم فرص التوثيق وبالتالي كسب الأجرة [11] كما يمكن أن يكون هذا الغير كل من تضررت مصالحه من إنجاز الوثيقة العدلية بشكل مخالف للقانون أثيرت بشانه مسؤولية العدول ويدخل في هذا الإطار الخلف الخاص والعام للمتعاقد ومن تم تفويت حق من حقوقه الخطأ في المسؤولية التقصيرية يتعين على المتضرر إثباته إذا لا تقوم مسؤولية العدل بدون خطأ فحدوث الضرر وحده لا يكفي لقيام تلك المسؤولية فمسؤولية العدل تقوم على أساس خطأ واجب الإثبات الذي يقع على عاتق المتضرر .
الفقرة الثانية: أساس المسؤولية الجنائية للعدول:
تنبني ممارسة خطة العدالة على مجموعة من المبادئ الأخلاقية الهامة وفي مقدمتها مبادئ الثقة والشرف والأمانة التي تستمدها من أساسها الشرعي الديني ،كما أن الوثيقة العدلية تلعب دورا أساسيا في ضمان الحقوق وحماية الأنساب واستقرار المعاملات وتحقيق الأمن بمفهومه العام القانوني والقضائي والإجتماعي والإقتصادي ،وبالنظر لأهميتها الكبرى فقد أحاطها المشرع بمجموعة من الضمانات الأساسية التي تحفظ لها قيمتها الثبوتية ،وأناط حمايتها بفئة خاصة تجمع في تكوينها الأكاديمي بين المرجعية الدينية والتكوين القانوني الرصين وهي فئة العدول،وإسناد هذه المسؤولية الجسيمة لهذه الفئة استتبعها تمكينهم من إطار قانوني يحدد لهم بكل وضوح اختصاصاهم و الحقوق والواجبات الملقاة على عاتقهم بل وجعل جعل سير العملية التوثيقية تحت رقابة القضاء قصد القيام بالتوجيه والإشراف والرجوع اليه كلما وقع عارض يستوجب التوضيح والإستشارة ،وبالمقابل واستشعارا من المشرع المغربي للأهمية القصوى للوثيقة العدلية ودورها المركزي في صيانة الحقوق والأعراض ولرمزيتها في وجدان المجتمع المغربي فقد أضفى عليها طابع الرسمية و أحاطها بنظام حمائي من خلال سنه لنصوص زجرية تضمنت عقوبات قاسية جدا تطبق في حق كل عدل ثبتت مسؤوليته الجنائية عن أي فعل من الأفعال الجرمية المنصوص عليها قانونا أقصاها عقوبة المؤبد المنصوص عليها في الفصل 353 من القانون الجنائي كعقوبة لجريمة التزوير إضافة إلى عقوبة الحبس من سنة إلى 5 سنوات في جريمة خيانة الأمانة إضافة إلى العقوبات الحبسية المنصوص عليها في قانون خطة العدالة والسبب في تجريم الأفعال التي يقوم بها العدول و المتصفة بالطابع الجنائي هي أن الفعل الجرمي- الذي يقوم به العدل في هذا النوع من الجرائم - في حد ذاته وإن انصب في ظاهره على الوثيقة العدلية فقط، إلا أنه يؤدي في العمق إلى اهتزاز ثقة المواطنين والمتقاضين وجهاز العدالة بالضمان والأمن اللذين توفرهما الوثيقة العدلية وإلى انهيار نظام الإثبات المؤسس عليها ، وهذا هو المكون الأول من مكونات أساس المسؤولية الجنائية للعدول يضاف إليها طبيعة الحقوق والعلاقات التي تحميها الوثيقة العدلية والتي هي حقوق ذات طبيعة خاصة سواء كانت حقوقا شخصية كالحق في النسب والزواج والطلاق أو كانت حقوقا مالية بمفهومها العام والتي يترتب عن صيانتها صيانة حقوق المجتمع ويترتب عن المساس بها انهيار في قيمه ومبادئه.
كما لا يمكننا الحديث عن أساس المسؤولية الجنائية للعدول دون استحضار الطبيعة القانونية الخاصة التي تجمع العدل بالوثيقة العدلية ذلك أن المشرع جعله هو الحارس القانوني الذي ترجع إليه مسؤولية ضمان سلامتها من كل الشوائب التي يمكن ان تلحقها ،كما منعه من إتيان كل فعل سواء تعلق بتغيير أو تحريف الحقيقة أو ضرب أو كشط او إقحام أو ما إلى ذلك كما انه هو المؤهل وحده دون غيره لحمايتها من كل ما يمكن أن يمس بها بأي شكل من الأشكال وذلك من خلال التزامه بقواعد إنشائها طبقا لما ينص عليه قانون خطة العدالة وقواعد الفقه المالكي في الباب المتعلق بالشهادات ، كما أنه هو من يشهد ميلاد الوثيقة العدلية بداية بين يديه وتنتهي بين يديه ،بل أنه هو من يضل محتفظا بأصولها .
المطلب الثاني: شروط قيام مسؤولية العدول وآثارها.
إن المسؤولية القانونية للعدول بشقيها المدني والجنائي لا تخرج عن القواعد العامة المنظمة للمسؤولية المدنية والجنائية بصفة عامة كما تتميز بشروط ومميزات خاصة تستمدها من صفة الجاني وكذا طبيعة المهام التي يزاولها ولا شك ان مناقشة فصول هذه المسؤولية لن يتم إلا من خلال بسط شروطها ( الفقرة الأولى) ثم تحديد الآثار المترتبة عنها؟( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى: شروط تحقق مسؤولية العدول
سنتناول الشروط التي تتعلق بالمسؤولية المدنية ( أولا) ثم المسؤولية الجنائية( ثانيا)
أولا: شروط المسؤولية المدنية للعدول
من خلال استقراء النصوص القانونية المنظمة لأحكام المسؤولية المدنية للعدول يتبين بان قيام المسؤولية المدنية الموجبة لمساءلة العدول بسبب الإخلالات التي قد يقترفونها أثناء تأديتهم لمهامهم التوثيقية لا تخرج عن الشروط العامة للمسؤولية المدنية كما نظمها قانون الإلتزامات والعقود- سواء كانت عقدية أو تقصيرية- المؤطرة بمقتضى العلاقة الثلاثية المؤطرة بمقتضى الخطأ ،الضرر والعلاقة السببية بينهما لأجلها يتعين دراسة شروط المسؤولية المدنية للعدول في هذا الإطار بداية بالخطأ(أ) ومرورا بالضرر ثم انتهاءا بالعلاقة السببية بينهما ( ب).
أ- الخطأ كشرط لتحقق المسؤولية المدنية للعدول
لا بد من الإشارة أن الخطأ الذي يثير مسؤولية العدول من الناحية المدنية هو الذي يرتكبه بمناسبة أدائهم لمهامهم التوثيقية أو بمناسبتها، وتطبيقا لما أشرنا إليه اعلاه فهذا الخطأ إما ان يكون في مواجهة أحد المتعاقدين أطراف الوثيقة العدلية أو في مواجهتهما معا فيكون عقديا(1) وقد يكون خارج العلاقة التعاقدية وبالتالي يصح أن يوصف بكونه خطا تقصيريا(2)
1- الخطأ العقدي:
يعرف الفقه[12] الخطأ بأنه" الإخلال بإلتزام تعاقدي" أما المشرع المغربي فقد عرف الخطأ في الفصل 78من ق ل ع م بأنه:" ترك ما كان يجب فعله أو فعل ما كان يجب الإمساك عنه, وذلك من غير قصد لإحداث الضرر" ومن خلال إستقراء نصوص القانون المنظم لمهنة العدول 16- 03لم يقم بحصر وتحديد الأخطاء التي قد يرتكبها العدول في حق الزبناء وإنما عمد - على غرار التشريعات المقارنة - إلى وضع صياغة عامة يمكن أن تندرج تحته جميع الأخطاء التي يرتكبها العدول في حق المتعاقدين , وعليه يمكن القول أن الخطأ العقدي الذي تقوم على أساسه المسؤولية العقدية للعدل يترتب في الحالة التي لم يقم فيها العدل بتنفيذ إلتزاماته الناشئة عن هذا العقد، سواء أكان عدم التنفيذ بالإمتناع ناتج أصلا عن عدم القيام بما يوجبه العقد, أو كان بتنفيذ غير مطابق لما تم الإتفاق عليه أو غير محقق للهدف المتوخى من العقد ،وسواء أكان عدم التنفيذ قد حدث عمدا أو ترتب على إهمال دون أن يكون مقصودا وبلا حاجة إلى قيام الزبائن أصحاب المصلحة في التنفيذ بإثبات العمد أو الإهمال فبمجرد عدم تنفيذ إلتزام ناشئ عن عقد يعتبر خطأ عقديا تترتب عنه مسؤولية العدول العقدية [13].
وتجدر الإشارة إلى أن قانون 03-16المتعلق بخطة العدالة لم يوضح بالكفاية بعض الواجبات والإلتزامات التي تقع على عاتق العدل ومن بينها مفهوم واجب إسداء النصح للزبون , وبالرغم من ذلك لا يجعل العدل في منأى عن المسؤولية إذا لم يقدم النصائح الضرورية لزبونه والمحكمة يمكنها استنتاج خطا العدل بناء على سلطتها التقديرية من خلال دراسة معطيات النزاع دراسة مستفيضة بارتباط مع بنود العلاقة التعاقدية الرابطة بين العدل والمتعاقد المتضرر، لأن هذا الإلتزام وإن لم يرد بشأنه نص خاص فهو واجب تفرضه طبيعة مهنة التوثيق وأعراف المهنة بشكل عام وواجب النصح مصدره وثيقة إضفاء الرسمية على المحررات التي يتلقاها وينجزها الموثق, لأن إضفاء طابع الرسمية على الوثيقة العدلية وواجب النصح لا يقبلان أية تجزئة ولا يمكن تصور وجود أحدهما دون الآخر[14] .
2- الخطأ التقصيري
يتحقق هذا الشرط عندما يرتكب العدل خطأ بسبب إهماله وتقصيره وعدم مراعاته للقوانين والنظم المعمول بها في إطار وظيفته ينتج عنه ضرر لشخص لا تربطه به أية رابطة تعاقدية[15]وإذا عدنا إلى قانون 16-03[16] المتعلق بخطة العدالة سنجد هذا النوع من الخطأ يتمثل في صفات وخصال تلزم العدول بضرورة التحلي بها من بينها الأمانة والوقار والحفاظ على شرف المهنة وأسرار المتعاقدين لأهميته ا ودوره ا في توجيه العدل في حياته العامة وفي حياته المهنية, وبالتالي تظل هذه الصفات لصيقة بالعدل أينما حل وإرتحل تلازمه ولاتفارقه, و عليه أن يجتهد قدر الإمكان لإكتسابها في درجاتها القصوى[17] وكل إخلال بهذه الصفات يعتبر خطأ تقصيريا يتابع عليه العدل في إطار المسؤولية التقصيرية طبقا لمقتضيات الفصلين77و78من قانون الإلتزامات والعقود المغربي.
ثانيا والضرر والعلاقة السببية بينه وبين الخطأ
لا يكفي لقيام المسؤولية المدنية للعدل قيامه بإحدى الأخطاء سواء تجسدت هذه الأخطاء في صورة أخطاء عقدية او تقصيرية وإنما لابد من أن يحدث هذا الأخير ضررا للمتضرر (أ) وأن تكون علاقة سببية بينهما(ب)
أ: الضرر كشرط لتحقيق المسؤولية المدنية للعدل
يعتبر الضرر هو الركن الثاني لقيام المسؤولية المدنية للعدل فإن لم يكن ثمة ضرر فلا تقوم هذه المسؤولية وقد عرف المشرع المغربي الضرر في الفصل 264من ق ل م يقوله: " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام" فالضرر إما ان يكون ماديا أومعنويا فالضرر المادي هو الذي يصيب الانسان في جسمه أو ماله ويجب في الحالتين التعويض
مثلا العدل الذي ارتكب خطأ فسبب ضررا للطرف المتضرر وهذا ما أكده القضاء في أحد قراراته الذي جاء فيه مايلي:
" حيث أسفر التفتيش الذي قامت به المديرية الجهوية للضرائب إكتشاف عدة خروقات مهنية, وصنع إقرارات مالية في واجبات التسجيل غير حقيقية والتملص من أداء الواجبات الضريبية مما ألحق أضرار مادية كثيرة بمالية الدولية ويتمثل في تحرير عقود على شكل وعود بالبيع تحت شروط واقفة دون التصريح بما لدى مصلحة التسجيل لأداء الواجبات المستحقة عليها"[18]،والضرر الذي يعتد به في قيام المسؤولية المدنية للعدول هو الضرر الناتج مباشرة عن أخطائهم التي يرتكبونها في لإطار مهامهم التوثيقية ،ويستوي أن يكون ضررا ماديا لحق بالذمة المالية للمتضرر او تعدى ذلك إلى اعتباره الشخصي والمعنوي فيكون ضررا معنويا ،فتراخي العدل عن تمكين المتعاقد من وثيقته العدلية داخل الأجل القانوني بالشكل الذي فوت عليه كسبا معينا هو كاف لثبوت مسؤوليته ويكون ملزما بالتعويض ،والمحكمة وهي بصدد مناقشتها لدعوى مسؤولية العدول ملزمة بعدم مناقشة الضرر المدعى حصوله حتى تنتهي وتتأكد بما لا يدع مجالا للشك من قيام العدل بارتكاب خطأ معين أما والحال أن الخطا غير ثابت فإن ذلك يعفيها من مناقشة باقي عناصر المسؤولية ،
ب- العلاقة السببية بين الخطأ والضرر
لا يكفي لقيام المسؤولية المدنية ( التقصيرية) في حق العدول ارتكابهم لخطأ ما ببمناسبة أدائهم لمهامهم التوثيقية و حصول ضرر للمتضرر من جهة أخرى بل لابد أن يكون الخطأ هو السبب المباشر الذي أدى إلى وقوع الضرر أو بعبارة أخرى لابد من قيام الرابطة السببية بين الخطأ الذي إرتكبه العدل وبين الضرر الذي أصاب المتعاقد المضرور[19] ومعيار السبب المنتج للضرر بصفة مباشرة أي كون الخطأ هو السبب المباشر في وقوع الضرر كما ينص على ذلك الفصل264من قانون الالتزامات والعقود المغربي, حيث نجده يقر بضرورة الإعتداء بالضرر المباشر عندما نص على أن: " الضرر هو ما لحق الدائن من خسارة حقيقية وما فاته من كسب متى كانا ناتجين مباشرة عن عدم الوفاء بالالتزام" ثم أوضح المشرع أن تقدير الظروف الخاصة بكل حالة موكول للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع التي يجب عليها أن تقدر التعويضات المستحقة حسب خطأ المدين أو تدليسه, حيث أن عبء إثبات السببية بين الخطأ والضرر يقع على عاتق الدائن[20] لكن بالعودة إلى طبيعة الإلتزام الملقى على عاتق العدل وهو إلتزام بتحقيق نتيجة وهي تحرير الوثيقة العدلية وفقا لقانون خطة العدالة واستنادا لما تم افتفاق عليه مع المتعاقد,و يمكن القول بأن الضرر اللاحق بالزبون يجب أن يكون مرتبطا بشكل مباشر بكل إخلال صادر عن العدول, وهكذا ففي حالة اشتراك المتضرر مع العدل, في الخطأ تنشطر المسؤولية بينهما وهو ما يشكل إعفاء جزئي للمهني من المسؤولية, إلا أن للقاضي كامل السلطة التقديرية لتوزيع الضرر, كما أنه لا بد من الإشارة ان القوة القاهرة والسبب الفجائي متى كان لهما تدخل وحيلولة دون تنفيذ مقتضيات العملية التوثيقية فإنه لا يمكن نسبة الضرر للعدول.وقد يعفي العدل كليا كذلك من المسؤولية المدنية عندما يكون الضرر ناتجا عن خطأ المتعاقد نفسه كما في حالة إذا أسرع المشتري إلى تسليم الثمن إلى البائع[21] قبل تأكد العدل من الوضعية القانونية للعقار موضوع البيع .
وعليه عند إجتماع كل هذه الأركان الثلاثة ينتج عنها إلزام العدول بالتعويض طبقا لقواعد العامة للمسؤولية المدنية.
ثانيا: شروط قيام المسؤولية الجنائية للعدل:
إن البحث في شروط تحقق المسؤولية الجنائية للعدول يجعلنا نقف على كونها لاتخرج عن المبادئ والقواعد العامة المدرجة في القانون الجنائي العام التي استقر عليها أغلب فقهاء القانون الجنائي ومن خلال ما سبق فإن شروط المسؤولية الجنائية للعدول هي نفسها شروط المسؤولية الجنائية بصفة عامة من حيث ارتكاب فعل مخالف للقانون (أ) واقترانه بالقصد الجنائي (ب) لكن قد يضاف إليه عنصرا ثالثا وهو ضرورة توافر القصد الجنائي الخاص في بعض بالنظر لطبيعة الجرائم التوثيقية والتي لا يكفي توافر القصد الجنائي العام لدى العدل الجاني للقول بتوافر موجبات الإدانة . .
أ- الخطأ الجنائي
تقوم المسؤولية الجنائية للعدل على ارتكاب فعل مجرم قانونا أي منهي عنه تحت نص يحرمه[22] وهذا الخطأ قد يتخذ صورة إيجابية أو سلبية أي أن نتيجة إرادة العدل للقيام بعمل يحرمه القانون أو الإمتناع عن القيام بعمل أمر به القانون.
وهذا الفعل المادي المرتكب من طرف العدول ينبغي أن يكون غير واقع تحت سبب من أسباب الإباحة التي تمنع المسؤولية الجنائية، إذا الجريمة لاتقوم إلا بفعل غير مشروع إذا تضمن القانون نصا يحرمه ولم يكن في الظروف التي ارتكب فيها خاضعا لسبب من أسباب الإباحة[23]
والفعل المادي هو ركن أساسي لقيام المسؤولية الجنائية وبالرجوع إلى مقتضيات القانون رقم03-16المتعلقة بخطة العدالة نجده ينص على مجموعة من الأفعال التي يعتبر إتيانها جرما يستوجب تحميل العدل المسؤولية الجنائية وبالتالي العقوبة ومن بين هذه الأفعال المنصوص عليها في هذا القانون[24]
إن العدل لا يكون مسؤولا عن نتيجة فعله إلا إذا كانت هاته النتيجة منسوبة إليه.
وعليه فإنه من واجب القضاء أن يبين في الحكم بالإدانة أو البراءة وجود العلاقة السببية بين نشاط الجاني أو انعدامها ليصل إلى نتيجة الحكم وعدم توضيحها يعرض الحكم القضائي للنقض.
وخلاصة القول ان هذه الشروط تتدخل في إثبات المسؤولية الجنائية التي تحكمها قاعدة حرية الإثبات الراسخة في المساءلة الجنائية, القاضي الجنائي حر في الإستعانة بكل الطرق ووسائل التحري التي يراها كفيلة بكشف الحقيقة وبلورة قناعته إزاء الوقائع المعروضة عليه.
إذن إذا تبث هذا فماذا عن الآثار المترتبة عن مسؤولية الشهود العدول سواء المدنية أو الجنائية.
الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن مسؤولية الشهود العدول.
عن حديثنا عن الآثار المترتبة عن مسؤولية العدول سواء بشقيها المدني او الجنائي تجرنا إلى مناقشة الوضعية القانونية للعلاقات التعاقدية التي تجمع العدول بباقي المتدخلين في العملية التوثيقية سواء في إطار الدعوى العمومية التي تحمي الحق العام او في إطار الدعوى المدنية أصلية كانت او تابعة التي تحمي الحقوق الخاصة بالأفراد وكذا مناقشة الإجراءات المسطرية التي يتعين اتباعها لإرجاع الأمور إلى سابق عهدها حماية وصونا للحقوق الناتجة عن عملية التوثيق..
وهو ما يقتضي منا دراسة آثار مسؤولية الشهود العدول التوثيقية عن الآثار المتعلقة بمسؤوليتهم المدنية ( أولا) ثم في مقابل ذلك هناك آثار تتعلق بمسؤوليتهم الجنائية ( ثانيا)
أولا: آثار المسؤولية المدنية للعدل:
إن المتضرر من خطأ العدل له الحق في رفع دعوى المسؤولية في مواجهة العدل عن الضرر الذي أصابه من جراء ذلك وفق القواعد العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية(أ) ويعتبر التعويض من أبرز الآثار التي تترتب عن ثبوت المسؤولية المدنية للعدول حسب القواعد العامة المكرسة في قانون الالتزامات والعقود المغربي(ب) وتبقى هي الآلية المباشرة لجبر ضرر المتضرر.
أ- إجراءات رفع دعوى المسؤولية
الأصل أن النزاعات المدنية بصفة عامة ومن ضمنها دعوى المسؤولية ترفع للمحكمة المدنية وفقا لقواعد المسطرة المدنية والقوانين الخاصة عند الإقتضاء[25] .وبناء على ذلك فإن المتضرر من أخطاء العدول له الحق في إقامة دعوى المسؤولية المدنية في مواجهتهم ، هذه الدعوى تخضع في مجملها إلى القواعد العامة الواردة في قانون المسطرة المدنية, فالمدعي في دعوى المسؤولية هو الزبون المتضرر من الفعل الخطا الذي قام به العدل, ومن ثم يكون هو صاحب المصلحة والصفة في رفع دعوى المسؤولية ضد العدل وبالتالي يمكن القول أن الحق في الإدعاء بالتعويض هو حق ثابت للمتضرر شخصيا[26]
وفي حالة وفاة المتضرر الأصلي يؤول الحق في ممارسة الدعوى إلى ورثته من بعده باعتبارهم خلفا عاما له كما يمكن ان ينتقل إلى خلفه الخاص للمطالبة بالتعويض الذي لحق المتضرر الأصلي من أخطاء العدل أما المدعى عليه فيتمثل في العدل المسؤول عن الضرر الذي لحق المتضرر من جراء الخطأ الصادر عنه بصفة شخصية او الصادر عن أعمال العدول المتمرنين بمكتبه والمستخدمين لديه طبقا للقوانين الخاصة بخطة العدالة كما اسلفنا الذكر، وكذلك طبقا للقواعد العامة في قانون الالتزامات والعقود المغربي وتنبني هذه المسؤولية على فكرة خطأ مفترض في جانب المتبوع وهو خطأ في اختيار التابع وخطأ في الرقابة والتوجيه طبقا لفصل 85من قانون الالتزامات والعقود المغربي[27]
أما إذا تعلق الأمر بمسألة الإثبات في دعوى المسؤولية فالمبدأ أن المدعي هو الذي يقيم الدليل على وجود الضرر ثم قيام الرابطة لسلبية بين الخطأ والضرر وبوسعه أن يقيم هذا الدليل بجميع طرق الإثبات المنظمة في قانون الإلتزامات والعقود المغربي.[28]مع الأخذ بعين الإعتبار ما إذا كانت طبيعة المسؤولية عقدية أو تقصيرية ،فعندما يتعلق الأمر بإلتزام عقدي مثلا بقيام العدل بتقديم النصح والإرشاد للزبناء أثناء العملية التوثيقية يتحمل العدل عبء الإثبات أنه قام بتنفيذ التزامه طبقا للقانون.
وهذا عكس المسؤولية التقصيرية الناتجة عن الإخلال بإلتزام قانوني فعبء الإثبات في هذه الحالة ينقلب عبء الإثبات على عاتق المتضرر مدعي حصول الضرر.
ولا بد من الإشارة إلى أن دعوى المسؤولية التي يباشرها المتضرر في مواجهة العدول إما ان تكون دعوى مدنية أصلية يرفعها بمقتضى مقال مكتوب أمام رئيس المحكمة الإبتدائية،وإما ان تكون دعوى مدنية تابعة يتقدم به الطرف المتضرر امام المحكمة الزجرية الرائجة امامها الدعوى العمومية الجنائية بتحريك من الوكيل العام للملك او وكيل الملك استنادا للتكييف القانوني للأفعال موضوع المتابعة ، وهو يصطلح عليها بالدعوى المدنية التابعة أو ان يتقدم بها أمام قاضي التحقيق إذا ما قام بسلوك طريق الإدعاء المباشر أو الشكاية المباشرة كما هي منصوص عليها في مقتضيات قانون المسطرة الجنائية .
هذا فيما يتعلق بالإختصاص النوعي أما الإختصاص المحلي فيجب رفع الدعوى أمام محكمة عمل العدل تبعا للجهة التي يتواجد بها المكتب الذي يشتغل به [29] فإذا ما كان الخطأ عقديا كان الإختصاص لمحكمة محل التعاقد أو تنفيذ العقد أما إذا كان الخطأ تقصيريا كما هو الحال بالنسبة للغير الذي لاتربطه أية علاقة تعاقدية مع العدل المتابع فيتم الإحتكام إلى الفصل28من ق م م [30].
ب- التعويض
إذا توافرت شروط المسؤولية المدنية للعدل التي عرضناها سابقا وهي الخطأ والضرر والعلاقة السببية ترتب على ذلك أن يلتزم المسؤول بتعويض المتضرر عما أصابه من ضرر ، فإذا لم يقم المسؤول بدفع هذا التعويض رضاءا فسبيل المضرور إذا تعذر الاتفاق على التعويض ان يرفع الدعوى قضاءا مطالبا الحكم له بالتعويض عن الضرر الذي أصابه وتسمى الدعوى هنا بدعوى المسؤولية أو دعوى التعويض إذن فقواعد جبر الضرر أو التعويض في هذا المجال لا تختلف عن القواعد العامة للمسؤولية والمحكمة هي التي يرجع لها اختصاص تقدير التعويض المستحق بناء على ما ثبت لها من معطيات ووقائع النازع وحجم المعاملات ، فدلك يستوجب بمجرد الحكم فيتعين على العدل دفع التعويضات المحكوم بها دون تأخير أما وإذا ما ثبت أن الضرر اللاحق بالمتضرر تسبب فيه العدلين معا كانت المسؤولية تضامنية فيما بينهما طبقا للفصل 99و100من قانون الالتزامات والعقود[31]
وأخيرا فإن جزاء إخلال العدل بإلتزاماته وثبوت مسؤولية هو التعويض هذا الأخير يقدر حسب الضرر وأهميته وكذلك جسامته ويتعين على الموثق دفع مبلغ التعويض كاملا غير أنه في حالة إعساره فإن صندوق التأمين إما يساهم أو يتحمل المبلغ كاملا خصوصا في حالة عدم كفاية المبلغ المؤدى من قبل شركة التأمين[32].
ثانيا: آثار المسؤولية الجنائية للعدل
عند ثبوت المسؤولية الجنائية في حق العدول شدد المشرع المغربي من العقوبات المترتبة عنها سواء تلك المشار إليها في مجموعة القانون الجنائي أو تلك التي تضمنتها القانون المنظم للمهنة(16-03) ومرسومه التطبيقي وهذه الآثار إما أن تمس العدل في شخصه في شكل متابعة جنائية أو جنحية تنتج عنها عقوبة سالبة للحرية سواء كانت عقوبة حبسية او عقوبة سجنية تبعا لنوع الأفعال المدان من أجلها وذلك بعد انتهاء المسطرة القضائية الجارية في حقه (أ) أو أن تكون متابعة تأديبية ذات طابع تأديبي تمس مساره المهني ويترتب عنها الإقصاء المؤقت او النهائي من مزاولة مهنة العدالة او معاقبته بباقي العقوبات الأخرى وقد تمتد آثار المسؤولية الجنائية إلى الوثيقة العدلية موضوع المخالفات أعلاه فيتم إتلافها أو التصريح بإبطالها على إعتبار ما بني على باطل فهو باطل.
أ- المتابعة الجنائية.
كما تنص المادة 41 من نفس القانون على أن النيابة العامة بمحكمة الإستئناف التي يمارس العدل خطة العدالة بدائرة نفوذها تعمد الى إجراء البحث بشان كل شكاية تتعلق بإخلالات مهنية فبمجرد ما يبلغ إلى علم الوكيل العام للملك بمحكمة الإستئناف - بصفته هو الجهة التي أسند لها المشرع مسؤولية رقابة العدول – قيام أي عدل تابع لنفوذ محكمة الإستئناف بأعمال تستوجب المساءلة الجنائية سواء عن طريق المتضرر مباشرة أو بأي وسيلة من الوسائل فإنه يبادر تحريك المتابعة التأديبية في حقه ويسهر على مسطرة البحث كما يمكنه ان يستعين بقاضي الأسرة المكلف بالتوثيق الذي يعمل العدل موضوع الشكاية بدائرة نفوذه ما لم يكون هو من أحال الشكاية ،ويمكنه الحصول على جميع المستندات التوثيقية موضوع الشكاية ،كما يمكن الإستئناس بملاحظات ومستنتجات المجلس الجهوى للعدول .
وإذا ما ثبت له وجود قرائن على قيام العدل بالمنسوب إليه في الشكاية إعمالا للسلطة التقديرية للنيابة العامة فإنها تعمد إلى تحريك المتابعة الجنائية في حق العدل وتحيله على المحاكمة طبقا للقانون،كما يمكن ،وإذا ما تبين للمحكمة ثبوت الأفعال المنسوبة للعدل فإنها تصدر احكامها تبعا لنوع الأفعال موضوع المتابعة.
يعتبر إخضاع العدل للعقوبة السالبة للحربة من أقصى العقوبات التي يمكن أن يتعرض لها والتي تعتبر نتيجة مباشرة عن ثبوت مسؤوليته عن أفعال تكتسي طابعا جنحيا او جنائيا وهو بصدد ممارسته لعمله التوثيقي، وتجد العقوبات السالبة للحرية أساسها في مجموعة القانون الجنائي المغربي وفي قانون خطة العدالة, خصوصا في الفصلين352[33]و353[34] و 446 و547 وما بعده المنظمة للعناصر التكوينية لجرائم التزوير وخيانة الأمانة وإفشاء السر المهني ،وفي المادتين 23 و23 من القانون المنظم لخطة العدالة بخصوص جريمتي المشاركة في انتحال صفة العدل وجريمة القيام بأعمال السمسرة لجلب الزبناء .
وبالرجوع لمقتضيات المادة 48 من قانون خطة العدالة يتبين أن القانون أعطى الإمكانية للوكيل العام للملك كلما تم تحريك المتابعة- سواء جنحية او جنائية - في حق العدول ان يعمد الى إيقافه مؤقتا عن ممارسة عمله بعد اخذ رأي وزير العدل،وهذا الإيقاف المؤقت يصبح نهائيا متى صدر قرار يقضي بإدانة العدل من أجل المنسوب إليه ،مع الإشارة أن مدة الإيقاف في حالة المتابعة الجنحية هي أربعة أشهر في حين تمتد الى سنة كاملة في حالة المتابعة الجنائية تحتسبان معا من تاريخ الإيقاف الفعلي.
ويقتضي ثبوت المسؤولية الجنائية في حق العدل توقفه عن ممارسة مهامه بمجرد توصله بالقرار المتعلق بالعزل , وأن يسلم على الفور مذكرات الحفظ التي بحوزته إلى القاضي المكلف بالتوثيق[35] لختمها في حينها وحفظها بكتابة الضبط لديه.,وهي حالة إصدار عقوبة العزل في شأنه, أو حالة إصدار عقوبة الإقصاء المؤقت عن غرفة المشورة أو حالة إيقافه مؤقتا عن عمله بموجب قرار الوكيل العام للملك بعد إذن وزير العدل أو بحاله إسقاطه من المهنة بقرار لوزير العدل.[36]
وتجدر الإشارة أنه في حالة ثبوت جناية التزوير في حق العدل فإن آثار مسؤوليته الجنائية تمتد أيضا لتطال الوثيقة العدلية باعتبارها تدبيرا يهدف إلى محو آثار الجريمة وإتلافها يكون الهدف منه هو سحبها من ميدان التعامل وإبطال كل مفعول لها، معاملة له بنقيض قصده ونقيض قصد من يكون قد أنجزها له وهذا الإجراء يجب أن تشير إليه المحكمة في قرار إدانتها للعدل اما إذا أغفلت ذلك فيمكن لكل متضرر ان يتقدم بطلب بخصوص ذلك الى غرفة المشورة مسطرة الزور الجنائي [37] وتهدف لهذه المسطرة, إلى بطلان مفعول الوثيقة المطعون فيها بالزور, وإن كان الزور الجنائي يستهدف فضلا عن ذلك معاقبة مرتكب التزوير.
ب- المتابعة التأديبية:
مباشرة المتابعة التأديبية في حق العدول هي الصورة الثانية من الصور التي تجسد الآثار المباشرة عن ثبوت مسؤوليتهم عن الإخلالات التي يرتكبونها أثناء مزاولتهم لمهامهم وتجد أساسها القانوني في مقتضيات المادة 42 من القانون 16.03 التي تنص على انه " العدل يتعرض كلما ارتكب مخالفة للقواعد المقررة أو إخلالا بالواجبات المفروضة عليه طبقا للنصوص القانونية او التنظيمية المعمول بها لمتابعة تأديبية".
ويتولى تحريك هذه المتابعة أيضا الوكيل العام للملك أيضا استنادا للمقتضيات المشار إليها اعلاه، مع اختلاف أنه في حالة المتابعة التأديبية فإن الجهة التي تكون مختصة للبت فيها هي غرفة المشورة بمحكمة الإستئناف .
والمقصود بالقواعد المقررة أو الواجبات المفروضة المشار اليهما في المادة المذكورة هي مجموع القواعد والنظم المقررة بمقتضى النصوص القانونية المنظمة لمهنة العدول والنصوص الأخرى التي تفرض عليهم مراعاتها والإلتزام بها أثناء ممارستهم لعملهم التوثيقي .
ويترتب عن ثبوت المخالفة التأديبية في حق العدل معاقبته إما بالإنذار أو التوبيخ أو الإقصاء المؤقت عن ممارسة عمله لمدة لا تتجاوز سنة ،تبعا لنوع الأفعال الثابتة في حقه كما هي منصوص عليها في المادة 43 من القانون 16.03 .
المبحث الثاني: تطبيقات المسؤولية المدنية والجنائية للشهود العدول
وقد جاء إقرار هذه الجرائم عن طريق المشرع في حق العدول للحد من تلاعبات المجرمين والضرب على أيدي العابتين بالمحررات مقابل المصالح الشخصية الضيقة والانتفاع على حساب مصالح الغير وعليه سنقوم باستعراض بعض أفعال العدل المؤدية إلى مساءلته جنائيا وفق القانون الجنائي (المطلب الأول) ثم ننتقل بعد ذلك إلى دراسة بعض الأفعال المجرمة في قانون خطة العدالة 03.16 (المطلب الثاني).
المطلب الأول: جرائم العدول في القانون الجنائي المغربي.
تتعدد الحالات التي تدار فيها المسؤولية الجنائية للعدل بمناسبة أدائه لمهامه يتعلق الأمر بالتزوير وخيانة الأمانة (الفقرة الأولى) وكذا إفشاء السر المهني والنصب والاحتيال (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: التزوير وخيانة الأمانة
1 ـ جريمة التزوير:
يعرف القانون الجنائي جريمة التزوير أنه كل تغيير لحقيقة محرر ارتكب يسوء فيه وسبب ضرر للغير([38]) التزوير الذي تهمنا هو التي يرتكبها العدل أثناء مزاولته لمهامه وفق الضوابط التي نص عليها القانون، وأن يقع بإحدى الطرق المنصوص عليها في الفصل 352([39]) و353([40]) من ق.ج.م.
ونظرا للأهمية الكبيرة التي تكتسيها المحافظة على سلامة المحررات والعقود التوثيقية فقد شدد المشرع العقوبة في حق العدول إذا ما ثبتت في حقهم الأفعال المجرمة بمقتضى القانون والتي لها مساس بسلامة هذه المحررات وجعل العقوبة تصل إلى عقوبة السجن المؤبد ، والهدف من تجريم التزوير الذي يرتكبه العدل ليس الحيلولة دون تغيير الحقيقة كفكرة مجردة بل إن الهدف أسمى من ذلك، إنه تحقيق الأمن القانوني للمستهلك عن طريق حماية أدلة الإثبات المتمثلة في العقد الذي بحوزته.
وبغض النظر عن صعوبة إثبات سوء نية العدل أو حسن نيته فإنه لابد لقيام جريمة التزوير أن يكون العدل مكلفا قانونا بمباشرة مهامه وقت ارتكابه لفعل التزوير أي ضرورة توافره على الصفة المهنة، وقت توثيقه للعقد فإذا لم تتوافر له تلك الصفة انتفت عن التزوير صفة صدوره عن العدل([41]).
1 ـ جريمة التزوير:
إن حماية الودائع تقع على عاتق المودع عنده وتحت مسؤوليته، وإهمالها لها أو إتلافها يشكل جريمة يعاقب عليها القانون بتكييفه لها على أنها جريمة خيانة للأمانة المعاقب عليها من طرف المشرع المغربي في القانون الجنائي ، المشرع الفرنسي حيث جمع من المواد 406 حتى 409 من القانون الجنائي الفرنسي تحت التسمية العامة « L’abus de confiance » ويعرفها الفقه الفرنسي على أنها اكتساب ثقة شخص أو مجموعة من الأشخاص قصد الحصول على ملك الغير([42]).
والعدل من بين الأشخاص المؤمنين على الودائع والأموال بطبيعة المهام المسندة إليه التي تقتضيها مسطرة التوثيق ، حيث تسلم له هذه الأموال لمدة معينة وذلك بشروط محددة بالقانون إلى حين تسليمها إلى طرف أو أطراف معينة، وفي إطار هذه المهمة يقع على عاتق العدل واجب حفظها وادائها في الوقت وللجهة المعنية وإذا استعملها لمصلحته الخاصة او احتفظ بها بدون مبرر يكون قد اقترف جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي في الفصل 547([43]). وهي جريمة خيانة الأمانة التي شدد المشرع عقوبتها متى تم ارتكابها من طرف العدل أثناء مزاولة المهنة.؛ ([44]).
وفي هذا السياق نجد قرار محكمة الاستئناف بالرباط([45]) والذي جاء فيه: "حيث إن احتفاظ الموثق بمبلغ 250000 درهم مقابل إجراء العملية بشقتين (9 و10)، وإن قيام الموثق بالإجراءات الخاصة بالشقة (9) دون الشقة (10) واحتفاظه بالمبلغ الذي يخص هذه الأخيرة مدة طويلة قبل أن يبادر إلى إشعار المشتري، لا يعفيه من المسؤولية طالما أن الأجل الممنوح له قانونا هو شهر واحد، وأن ما زاد في ذلك يتطلب ترخيصا من ذوي المصلحة ويشترط أن لا يتجاوز 3 أشهر".
وعموما فإن القصد الجنائي في خيانة الأمانة يتحقق كلما قام العدل بتبديد أو اختلاس جزئي أو كلي من الودائع أو المستندات التي يقدمها الزبناء على أساس الأمانة([46]) وان يتجه قصده الخاص إلى الإحتفاظ بها وإدخالها في حيازته بدون وجه حق مع علمه المسبق بالغرض الذي تسلمها على أساسه.
الفقرة الثانية: النصب والاحتيال وإفشاء السر المهني
1 ـ جريمة النصب والاحتيال:
تعرف هذه الجريمة عند الفقه الفرنسي بـ "L’ex roquerie " ويعرفها هذا الأخير بأنها جنحة تهدف كالسرقة إلى انتزاع مزايا غير مستحقة بما في ذلك النقود بالاعتماد على وسائل الغش([47]).
إن جريمة النصب من جرائم الاعتداء على المال، وعن طريقها يتمكن الجاني في هذه الحالة العدل- من الاستيلاء على مال المجني عليه – الزبون- باستعمال وسائل الاحتيال والغش، بل يمكن اقتراف هذه الجريمة من طرف العدل بحكم مهنته وصفته واطمئنان الناس إليه، فإنه يمكن استغلال هذه الصفة بارتكاب جريمة النصب وخاصة عند صدور قرار عزلة أو اتهامه بإخفائه لوقائع صحيحة وبتأكيدات خادعة بقصد الحصول على منفعة مالية([48]). ولتحقق جريمة النصب يشترط استعمال طريقة من طرق الاحتيال([49])
والاستيلاء على مال الغير كله أو بعضه بدون وجه حق([50]).
وينص الفصل 540 من القانون الجنائي المغربي، على أنه يعد مرتكب لجريمة النصب ويعاقب من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسة مائة درهم أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال مآثر لخطأ وقع فيه غيره، ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس بمصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر.
عموما يجب استبعاد إسناد جريمة النصب والاحتيال للعدل عند الريبة أثناء تكييفها وهذا ما صارت عليه محكمة الاستئناف بالدار البيضاء حيث جاء في قرارها ما يلي: "عدم إسناد الضنين قليل معينة تترجم شروعه في النصب وانتفاء القصد الجنائي يبرئان الضنين من تهمة محاولة النصب"([51]).
2 ـ جريمة إفشاء السر المهني:
تعتبر المحافظة على أسرار الزبناء من أهم الالتزامات التي يتحملها العدل، ونظرا لأهمية وخطورة هذا الالتزام فقد نصت المادة الثانية من قانون خطة العدالة 03-16 على أن "يتعين على كل عدل التحلي بالأمانة والوقار والحفاظ على شرف المهنة وأسرار المتعاقدين" وهذا الالتزام يسري حتى على المتعاونين مع العدل في مكتبة بحيث يلزمون بالمحافظة على أسرار المتعاقدين تحت طائلة القانون الجنائي الذي تطرق في الفصل 446 منه إلى عقوبة إفشاء السر المهني والتي تتراوح ما بين شهر وستة أشهر مع غرامة مالية من 1200 درهم إلى 2000 درهم.
ولما كان لكل قاعدة استثناء، فقد استثنى المشرع بعض الحالات التي أوجب فيها على الآمين إفشاء السر المهني وأخرى أجاز فيها ذلك.
- أسباب جوازية: الحالة التي يكون فيها إفشاء السر المهني مصلحة لصاحبه مع رضى هذا الأخير بإفشائه مثلا.
- أسباب قانونية: حتى لا يستعمل السر المهني كذريعة للتستر على جرائم ضد الأشخاص أو الدولة، أو يدفع به لإخفاء حقائق أو ووقائع مضرة بالخزينة العامة بل يتعين على الأمين إفشاء السر المهني في حالات معينة وهي:
· حالة التبليغ عن الجريمة كحضور شخص إلى العدل أو الموثق ليستشيره عن طريق لتزوير عقد دون التعرض لمتابعة جنائية، وجب على الموثق أو العدل أن يمتنع عن إرشاده ويحاول منعه ولو بإفشاء سره.
· حق الإطلاع لإدارة الضرائب، فقد رخص المشرع الجنائي لموظفي الضرائب الإطلاع على أصول عقود وسجلات الموثقة والعدل بصفتهم مكلفون تحصيل الضرائب المستحقة للدولة وبغرض معرفة أعمال الموثق أو العدل ومحاسبته بهدف وتحديد الضرائب المترتبة عليه ومقارنة تصريحاته بالأرقام المدونة لديه على السجلات.
· الأوامر القضائية كحالة أداء الشهادة للأشخاص الملزمين بعدم إفشاء السر المهني، فالعدل الذي استدعته المحكمة لإدلاء بشهادته يكون ملزما لتلبية الدعوى، ولا تقبل التنازع بالسر المهني تحت طائلة التعرض لمقتضيات المادة 25 من قانون المسطرة الجنائية التي تعاقب عن امتناع أداء الشهادة([52]).
وبناء على ما سبق يتضح لنا أن العدل تقع على عاتقه التزامات جسيمة اتجاه الأطراف المتعاقدة تتجلى في عدم إفشاء السر المهني لأن الحفاظ على أسرار المهنة يعتبر من مقوماتها الأساسية.
وإذا تبت هذا بشان الأفعال المجرمة في القانون الجنائي فماذا عن الأفعال والمخالفات المنظمة في قانون خطة العدالة؟
المطلب الثاني: جرائم العدل في قانون 16-03 المتعلق بخطة العدالة
تتعلق هذه الأفعال بجرائم خاصة بالعدل، وهي جريمة سمسرة الزبناء والمخالفات المتعلقة بالإشهار (الفقرة الأولى) من جهة ومسؤوليته عن عدم التحقق من الوضعية القانونية للعقار من جهة أخرى (الفقر الثانية).
الفقرة الأولى: سمسرة الزبناء والمخالفات المتعلقة بالإشهار
1 ـ سمسرة الزبناء وجلبهم:
تعد جريمة سمسرة الزبناء من الجرائم التي يمنعها القانون، ويمكن معاقبة العدل عند ثبوتها في حقه على اعتبار أنها تحط من قيمة ونزاهة مهنة التوثيق بصفة عامة، كما أن من شأنها كذلك أن تخلق نوعا من المنافسة غير المشروعة بين العدول خصوصا بين من يمارسون مهامهم في نفس الدائرة القضائية أو في نفس المكاتب المتقاربة، وذلك من خلال الاعتماد على الغير للقيام بجلب الزبناء إلى مكاتبهم بطرق تتناسب والخدمات التي يقدمونها للمجتمع، فقد نص المشرع في الفصل 24 من قانون خطة العدالة على أنه "لا يجوز للعدل" أن يمارس أي عمل يستهدف جلب الزبناء. ودائما في إطار الحماية القانونية لمهنة العدالة من كل ما يسيء إليها ويلوث سمعتها تطرقت المادة إلى منع قيام العدول بأي عمل يستهدف جلب الزبناء وسمسرتهم([53]).
2 ـ المخالفات المتعلقة بالإشهار
إن ضرورة جعل العدل يمارس مهنته بكل طمأنينة مما يجعل حدا لكل المزايدات التي قد تحدث بين العدول والموثقين والتي يمكن أن تؤثر على الجو العام للعمل، دفعت المشرع المغربي إلى التدخل من أجل منع العدل من عمليات الإشهار، خصوصا بعد أن أصبح العالم يعيش ثورة المعلوميات (الأنترنيت) بفضل التطور التكنولوجي وما يمكن أن يضطلع به من دور في جلب الزبناء بطرق مخالفة لقواعد وأصول مهنة التوثيق.
وفي هذا الإطار فإنه لا يجوز للعدل أن يضمن في اللوحات التي يعلقها بباب مكتبه للتعريف به إلا البيانات المسموح بها طبقا للقوانين المنظمة للمهنة ومن ذلك اسمه الشخصي والعائلي وكونه عدلا أو عدلا رئيسا حاليا أو سابقا للهيئة الوطنية للعدول أو رئيسا لأحد مجالسها الجهوية على صعيد دوائر محاكم الاستئناف أو حاملا لشهادة الدكتور، ويحدد شكل هذه اللوحة تنظيمي([54])، وعليه فلا يسوغ له أن يشير إلى كونه عضوا للمكتب التنفيذ للهيئة الوطنية ولا إلى كونه عضوا بأحد المجالس الجهوية للهيئة. كما أنه من حق العدل أن يشير إلى هذه الصفات فقط في بطاقته الخاصة وأوراق مكتبة دون الرسوم العدلية التي يجب أن تبقى في منأى عن الأمور التعريفية الخاصة بالعدل لأنها أوراق عمومية خاصة بأصحابها أساسها.
وجدير بالذكر أن إشارة العدل إلى لقبه العلمي كالدكتور أو العلامة أو الفقيه لا يشملها المنع المذكور لأن ذلك لا ينطوي على أي إشهار له([55]).
الفقرة الثانية: مسؤولية العدل عن عدم التحقق من الوضعية القانونية للعقار وإمكانية تأمينه لتخفيف من هذه المسؤولية
1 ـ مسؤولية العدل عن عدم التحقق من الوضعية القانونية للعقار:
تختلف مسؤولية العدل عن عدم التأكد من الوضعية القانونية للعقار حسب ما إذا تعلق الأمر بالعقار المحفظ (أ) أو العقار غير المحفظ (ب).
أ ـ بالنسبة للعقار المحفظ:
يلزم العدل قبل تلقي العقود وتحريها بضرورة التأكد من الوضعية القانونية للعقار وذلك بالرجوع إلى الرسم العقاري، هذا الالتزام يدخل ضمن الالتزامات القانونية الملقاة على عاتقه، والتيقن مما لإذا غير مثقل برهون أو تكاليف، وعندما يتبين للعدل أي وضعية العقار غير سليمة كأن يكون مرهونا أو مثقل بتحملات وضرائب فإنه يجب عليه أن يطلع الأطراف المتعاقدة على ذلك وكل مخالفة منه لهذا المقتضى يترتب عنها مساءلته .
وهذا ما ذهبت إليه محكمة بفاس والذي جاء في أحد قراراتها: و"حيث إن الثابت من وثائقه ومستنداته أن العدل المتابع لم يتأكد عند تلقي الإشهاد بالبيع موضوع المتابعة من الوثائق والمستندات اللازمة في هذا الباب كالشهادة التي تفيد أن المبيع غير مثقل بأي ضريبة، وهو الإجراء الذي كان وراء تأخير حصول المشتري على اسم الشراء، إذا لم يحصل على المطلوب إلا بعد أدائه لواجبات التسجيل بتاريخ 06/01/2004 علما أن تلقي الإشهاد تم بتاريخ 30-05-2000([56]).
كما ألزم القانون 16-03 المنظم لخطة العدالة إذا تعلقت الشهادة بعقار محفظ وجب تعيينه وذلك بذكر اسمه ورقم الصك العقاري وهذا ما نصت عليه المادة 31 من نفس القانون والتي جاء فيها؟
"يتعين أن تشمل الشهادة على الهوية الكاملة للمشهود عليه وحقه في التصرف في المشهود فيه، وكونه يتمتع بالأهلية القانونية لهذا التصرف، يتعين أن تشتمل الشهادة أيضا على تعيين المشهود فيه تعيينا كافيا، غير محتمل لشك أو تأويل". وفي حالة كون العقار مثقلا بحقوق ضريبة فلابد من شهادة الإبراء الضريبي، مع إدراج رقمها وتاريخ تسلمها في صميم موضوع العقد لكون العدل مسؤولا تضامنيا مع الأطراف في حالة إخلال بها الالتزام.
فمن خلال مقتضيات هذه المادة يتعين على العدل تعيين المشهود فيه وتحديده تحديدا رافعا للجهالة ، فإن كان دار للسكنى وجب تمييزها تمييزا واضحا من حيث بيان موقعها وكونها محفظة أو غير محفظة أو في طور التحفيظ ومشتملاتها وعدد طبقاتها وبيوتها وبيان حدودها بدقة([57]).
أما إذا كان العقار في طور التحفيظ فإنه يتعين تحديد صفاته ومساحته وقيمته، وحدوده مع توضيح هذه الحدود بما يميزها عن الأشياء الطبيعية([58]).
وبناء على ذلك أصبح العدل بدوره ملزما بالتأكد من وضعية العقار من حيث التكاليف والرهون وإطلاع المشتري على ذلك، وقد كان لهذه المقتضيات انعكاسات إيجابية على ميدان التوثيق في مجال العقار المحفظ.
ب ـ بالنسبة للعقار غير المحفظ:
إن عملية التعريف بالنسبة للعقارات المحفظة تتطلب فقط الرجوع إلى الرسم العقاري للوقوف على الوضعية القانونية للعقار والتأكد من أنه غير مثقل برهون أو تكاليف، بينما تصبح هذه العملية غير سهلة عندما يكون العقار غير محفظ، لأن العدل يلزم بتصفح ودراسة جميع الرسوم المقدمة إليه، حتى يتمكن من معرفة أصل الملكية وجميع العمليات والتفويتات التي طرأت على هذا العقار خصوصا عند تعددها .
كما يجب على العدل أن يتأكد من حدود العقار غير المحفظ أو الذي في طور التحفيظ، وأن يبين حدوده من جميع الجهات بكل دقة ؛ فإن كانت العقارات المجاورة له محفظة، أشير إلى أرقام رسومها العقارية.
وإن كانت في طور التحفيظ أشير إلى أرقام مطالب التحفيظ الخاصة بها، وإن كانت غير محفظة ذكرت أسماء مالكيها، ولا يكفي أن يقتصر العدل في تحرير العقد على الحدود المذكورة في الرسم القديم بل عليه أن يستفسر المتعاقدين عن هذه الحدود حتى يتمكن من معرفة الملاك الجدد المجاورين للعقار محل المعاملة([59]) خصوصا وان حدود العقارات التي تكون قد سبق لها ان أن خضعت لتفويتات متعددة يترتب عنها تغير الحدود بشكل دوري إما بتغير الجوار او تغير مساحة العقار.
وجدير بالذكر أن المادة 18 من مرسوم 18 أبريل 1983 نصت على أنه: "يتعين على العدل عند تلقي الشهادة مراعاة الشروط المقررة وكذا استحضار المستندات اللازمة.
إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ وجب على العدل التأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية من كونه، ليس ملكا جماعيا أو حبيسا وليس من أملاك الدولة وغيرها".
وبناء على ذلك فإن العدل ملزم في توثيقه للمعاملات الواردة على العقار غير المحفظ بضرورة إلزام المتعاقدين من تمكينه من بالشهادة الإدارية التي تسلم من السلطة المحلية ، وليست أي شهادة أخرى قد تسلم من الجهات الأخرى، فالشهادة التي تسلمها الإدارة الأحباس، أو التي تسلمها جماعة من الجماعات إدارة من إدارات الدولة لا تجدي في الموضوع شيئا ويتعين على العدول، ألا يتلقوا أي شهادة بناءا عليها كما يتعين على قاضي التوثيق ألا يخاطب على الرسوم بناء عليها بل لابد من التأكد من الإدلاء بالشهادة الإدارية المطلوبة التي تسلمها السلطة المحلية([60]).
2 ـ التأمين كآلية لضمان التعويض الناتج عن مسؤولية العدل
التأمين عن المسؤولية هو عقد يؤمن بواسطته المؤمن له (العدل) ضد رجوع الغير عليه بسبب تحقق مسؤوليته ومطالبته بالتعويض عن الضرر الفعلي سواء كانت المسؤولية عقدية أم تقصيرية.
حيث يجوز للعدل أن يؤمن على مسؤوليته المترتبة عن أخطائه التي تصيب أطراف العلاقة التعاقدية أو الغير بضرر سواء كان ناتجا عن خطأ عقدي أو تقصيري ونظرا لجسامة الالتزامات التي تقع على عاتق الموثق اتجاه الأطراف فقد دفع بالمشرع المغربي إلى التنصيص على الزامية نظام التأمين في إطار المسؤولية المهنية للموثق مما يشكل حماية له، حيث جعل قانون 09.32 التأمين إجباري على الموثق([61]) أما القانون 03.16 من خطة العدالة لم يشر إلى مسألة التأمين العدل عن مسؤوليته المدنية، كما هو الشأن بالنسبة للموثق وقد نصت المادة 70 من القانون 03-16 على أن المكتب التنفيذي الذي خول له القانون إبرام هذا التأمين حيث يعتبر من مكونات الهيئة الوطنية للعدول، فمن اختصاصاته السهر على إبرام عقود التأمين الخاصة بالمهنة، ويعاب على المشرع أنه من خلال هذه المادة لم يحدد طبيعة التأمين هل هو اختياري أم إجباري، لذلك وجب على المشرع التدخل والتنصيص صراحة على وجوب تأمين العدالة عن مسؤوليته المدنية قبل مزاولته لمهامه، حيث يلعب التأمين دورا فعالا في استقرار المعاملات والحفاظ على حقوق الناس وتشجيعهم إلى اللجوء عند الدول لتوثيق الحقوق والحفاظ عليها من الضياع، وخصوصا أن مهنة التوثيق العدلي تعتبر وسيلة من وسائل التنمية الاقتصادية والاجتماعية وآلية من آليات الأمنين القانوني والقضائي .
فالتأمين على مسؤولية العدول يجعل المؤمن ملتزما بدفع مبلغ التعويض للمتضرر، في حالة ثبوت مسؤولية العدل، وهو الأمر الذي يخفف العبء على كاهل هذا الأخير ويكفل للمتضرر من العملية التوثيقية حق في الحصول على التعويض المحكوم به، فنظرا لجسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العدل فإن التأمين منها أصبح ضروريا لتفادي المطالبة بالتعويض عن الأخطاء المهنية.
الخـــاتمة
من خلال ما تمت معالجته في هذا العرض يتبين أن المشرع المغربي جعل حماية الوثيقة العدلية في صلب اهتماماته بحيث أفرد لها أحكاما خاصة ، و وضع لها ضوابط ثابتة ، كما جعل مسطرة إنجازها من طرف العدول خاضعة في جميع مراحلها للرقابة القضائية لمؤسستين قضائتين كبيرتين من حجم مؤسسة قاضي الأسرة المكلف بالتوثيق الذي يتولى الرقابة القبلية لها ، والوكيل العام للملك لمحكمة الإستئناف الذي يتولى ضمان حمايتها البعدية من خلال التصدي لمختلف الأفعال الجرمية التي يمكن أن يرتكبها العدول بمناسبة أدائهم لمهامهم التوثيقية والملتمسات التي يتقدم بها للمحكمة والرامية إلى إيقاع أقصى العقوبات على المخالفين والهدف من كل ذلك هو حماية عنصر الثقة الذي يضعه المتعاقدون في مؤسسة العدول وفي الوثيقة العدلية اعتبارا لدورها البارز في استقرار المعاملات و مساعدة المؤسسة القضائية على تصريف أشغال العدالة وتمكين كل ذي حق من حقه بالكيفية التي تضمن تحقيق الأمن القانوني والقضائي ، وبالموازاة مع هذا الوضع المتقدم والدور الحيوي الكبير الذي أنيط بالعدول القيام به فإنه بالمقابل فقد رتب المشرع في حقهم- في حالة مخالفتهم للقوانين وضوابط خطة العدالة - عقوبات قاسية جدا من خلال تأسيسه لنوعين من المسؤولية في حقهم مسؤولية تأديبية مهنية وأخرى جنائية والهدف من ذلك هو التقييد على محاولات تملصهم من العقاب ،كما ضمن للمتضرر الحق في حماية حقوقه الخاصة من خلال آلية التعويض المدني ،وتكتسي هذه الإزدواجية في النظام الحمائي للوثيقة العدلية بشقيها المدني والجنائي أهمية كبيرة في حماية مؤسسة التوثيق لكن رغم ذلك يتعين اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات ومنها على وجه الخصوص التشدد في عملية انتقاء المرشحين لمباراة خطة العدالة وإعادة النظر في كيفية خضوع العدول لفترة التمرين من حيث المدة الزمنية ومن حيث ظروف التمرين تفعيل تقنية التكوين المستمر للعدول وفق برنامج مهني محدد يخضع له العدول بشكل إلزامي وعقد الندوات على المستويين الجهوى والوطني لتدارس مختلف الاشكاليات التي تعرقل عملية التوثيق في أفق توحيد العمل التوثيقي ومحاولة تجاوز المعيقات التي تساهم في بطء تداول الوثيقة العدلية كل ذلك من أجل تأهيل مؤسسة التوثيق وفق منظور حداثي يأخذ بعين الإعتبارات التطورات التكنولوجيا والمنافسة الشرسة التي أصبحت تهدد وجود المحررات العدلية التي تبقى لها مكانتها الخاصة ليس فقط كوسيلة إثبات للحقوق والحريات ولكن أيضا لرمزيتها الدينية المتأصلة في تقاليد وأعراف المجتمع المغربي المستقاة من الشريعة الإسلامية.
تم بحمد الله.
[1] - سورة البقرة الآية 282.
[2] المادة 9 من قانون 03-16" يشارك العدل المتمرن تحت مسؤولية العدلين في شاط المكتب غير أنه يجوز له أن يتلقى الإشهاد"
[3] مأمون الكزبري" نظرية الإلتزامات في ضوء قانون الإلتزامات والعقود المغربي طبعة الأولىج1ص:452
[4] سلمى شادلي- المسؤولية المدنية للموثق والعدل- بحث لنيل دبلوم ماستر في القانون الخاص سنة2012-2013ص:18
[5] الطيب الفصايلي- النظرية العامة للإلتزام مصادر الإلتزام – ج1 مطبعة النجاح الدار البيضاء الطبعة الثانية 1997ص:256
[6] يوسف أقصبي, المسؤولية القانونية للموثق بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص, كلية العلوم القانونية والإقتصادية والمالية فاس 2010,2011ص124
[7] سلمى شادلي, المسؤولية المدنية للموثق والعدل المرجع السابق ص15
[8] عبد الرزاق الشهوري:" الوسيط في شرح القانون المدني الجديد الجزء الأول طبعة القاهرة ص:660
[9] والذي ينص على أنه: كل فعل إرتكابه الإنسان عن بينة وإختار؟ ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا ماديا كان أو معنويا للغير ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر, إذا أنبث أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر, وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر
[10] مأمون الكزبري" نظرية الالتزام في قانون الإلتزامات والعقود المغربي" المرجع السابق ص:374
[11] علال حمداش التوثيق بين الفقه المالكي والتقنين المغربي أطروحة لنيل الدكتوراه في الشريعة 9غشت كلية الشريعة فاس 2009/2010
[12] الفقيه بلانيول, أردته سلمى شادلي في بحثها حول المسؤولية المدنية لموثق والعدل المرجع السابق، ص:41
[13] ادريس العلوي العبدلاوي الشرح القانون المدني النظرية العامة للإلتزام الجزء الثاني الطبعة الأولى سنة2001ص103-104
[14] اللقاء الوطني الأول بين محكمة لنقض والغرفة الوطنية للتوثيق العصري بالمغرب تحت شعار آفاق مهنة التوثيق الغرفة الوطنية للتوثيق لعصري بالغرب ص184
[15] نفس المرجع السابق ص:184
[16] المادة2من قانون 16-03المتعلق بخطة العدالة
[17] الدكتور العلي الحراق، الوجيز في شرح القانون المتعلق بخطة العدالة الطبعة الثاني، مزيدة ومنقحة 2011ص6و7
[18] قرار صادر عن محكمة الإستئناف بفاس تحت رقم83بتاريخ 2/03/2016في الملف رقم319-08قرار منشور
[19] مأمون الكزبري:" نظرية الإلتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي الجزء الأول مصادر الالتزامات ط2سنة1972مطابع القلم ص78
[20] سلمى شادلي المرجع السابق ص:52
[21] المسؤولية المدنية للموثقين في التقنين المغربي أحمد الحمومي بحث لنيل شهادة الإجازة في القانون الخاص 2014,2015
[22] يعتبر مبدأ لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص" من المبادئ القانونية العريقة في التشريعات المقارنة والتشريع المغربي الفصل 3ق ج م
[23] الأصل في التصرفات الإباحة المطلقة للأفعال التي لاتخالف النظام والقانون وأن التجريم على مجموعة من الأفعال هو الإستثناء مادام من شأن هذه الأخيرة المساس بمصالح الأشخاص والأموال والممتلكات أو الهيئة الإجتماعية فكل , كما أن لقاضي الجنائي لاملك تجريم مالم يرخص تجريمه
[24] الفصل 24من قانون 03-16المتعلق بخطة العدالة
[25] سلمى شادلي- المسؤولية المدنية للموثق والعدل مرجع سابق ص54
[26] علاش حمداش- التوثيق بين الفقه المالكي والتقنين لمغربي ص220
[27] الفصل 85من قانون الالتزامات والعقود المغربي ينص على........
[28] سلمى شادلي: المسؤولية المدنية للموثق والعدل المرجع السابق ص55
[29] نور الدين بزدي " المسؤولية المدنية والتأديبية للعدول والموثقين في التشريع المغربي الطبعة 1ص101
[30] انظر الفصل28من ق م م "...."
[31] الفصل99و100من قانون ل ع م (اكتب الفصول)
[32] يوسف أقصبي مرجع سابق ص67-18
[33] الذي ينص على أنه : يعاقب بالسجن المؤبد كل قاضي أو موظف عمومي وكل موثق أو عدل إرتكب أثناء قيامه بوظيفته تزويرا بأحد الوسائل الآتية:
- وضع توقيعات مزورة
- تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع
- وضع أشخاص موهومين أو إستبدال أشخاص بآخرين
- كتابة إضافية أو مقحمة في سجلات أو المحررات العمومية بعد تمام تحريرها أو اكتتابها
[34] والذي ينص على أنه: يعاقب بالسجن المؤبد كل واحد من رجال القضاء أو الموظفين العموميين أو العدول إرتكب بسوء نية أثناء تحريره ورقة متعلقة بوظيفته تغيرا في جوهرها أو في ظروف تحريرها وذلك إما بكتابة إتفاقات تخالف مارسمه أو أملاه الأطراف المعنيون, وإما بإثبات صحة وقائع يعلم أنها غير صحيحة وإما بإثبات وقائع على أنه إعترف بما لديه أو حدثت أمامه بالرغم من حصول ذلك وإما بحذف أو بتغيير عمدي في التصريحات التي يتلقاها
[35] المادة 51من قانون16-03
[36] الدكتور العلمي الحراق , الوجيز في شرح القانون المتعلق بخطة العدالة ، المرجع السابق، ص138
[37] القرار الجنائي 305الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 12/10/2011في الملف 5199/6/4/2011الذي جاء فيه:"رفض طلب نقض موثق ادبي استثنافيا بالتزوير في محرر رسمي بناء على أنه حرر العقد دوت حضور طرفيه" نفس الشيء نطبق على العدل قياسا على الموثق .
[38] - المادة 351 من القانون الجنائي المغربي.
[39] - حيث ينص على أنه: "يعاقب بالسجن المؤبد كل قاضي أو موطن عمومي وكل موثق أو عدل أثناء قيامه بوظيفته تزويرا بإحدى الوسائل الآتية:
- وضع توقيعات مزورة.
- تغيير المحررات أو الكتابة أو التوقيع.
- وضع أشخاص موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين.
- كتابة إضافية مقدمة في السجلات أو المحررات العمومية بعد تمام تحريرها أو اختتمامها".
[40] - وينص على أنه يعاقب بالسجن المؤبد كل واحد من رجال القضاء أو الموظفين العموميين أو الموثقين أو العدول ارتكب بسوء نية أثناء تحريره ورقة متعلقة بوظيفته تغيرا في جوهرها أو في ظروف تحريرها وذلك إما بكتابة اتفاقات تخالف ما رسمه أو أملاه الأطراف لامعنيون وإما إثبات صحة وقائع يعلم أنها غير صحيحة...."
[41] - أحمد الخمليشي: القانون الجنائي، الخاص، ج 1، مكتبة المعارف الرباط، ط 2، 1405 هـ-1985م، ص 311 بتصرف.
[42] - Michel Véront, droit pénal- spécial, Matière assistant à l’université de Paris-Mont maison- Paris New-York Barcolone, Milan (page 28).
[43] - الذي ينص على أنه: "من إخلاس أو بعد بسوء نية إضرار بالمالك أو واضع اليد أو الحائز أمتعة أو نقود أو بضائع أو سندات أو وصولات أو أرقام من أي نوع تتضمن أو تنشأ التزاما أو إبراء كانت سلمت إليه على أن يردها، أو سلمت إليه للاستعمال لها.. يعد خائنا لأمانة، يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 200 إلى 2000 درهم....".
[44] - الفصل 549 من ق.ج.م.
[45] - قرار رقم 128 في الملف عدد 114/2008 صادر بتاريخ 19-11-2009.
[46] - يوسف أقصي- المسؤولية القانونية للموثق- مرجع سابق، ص 110.
[47] - Michel Véront, droit pénal spécial – référence précédent, (page 32).
[48] - أحمد الخمليشي القانون الجنائي الخاص، المرجع السابق، ص 384.
[49] - وهذه الطريق هي:
- الإيهام بوجود مشروع كاذب
- الإيهام بوجود واقعة مزورة
- إحداث الأمل بحصول ربح وهمي.
- إحداث الأمل بتسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال.
[50] - مصطفى مجدي مرجة، جرائم النصب وأحكام الشيك وخيانة الأمانة، ط 2 منقحة وفريدة 1990 ص 12.
[51] - قرار رقم 6069/2002، صادر بتاريخ 15 أكتوبر 2002، قرار منشور.
[52] - سلمى شادلي: المسؤولية المرتبة للموثق والعدل، مرجع سابق، ص 30-31.
[53] - الوجيز في شرح القانون المتعلق بخطة العدالة- الدكتور العالمي الحراق طبعة 3- فريدة منقحة 2011 م 1432 ه، ص 70.
[54] - تم تحديد شكل اللوحة بمقتضى قرار وزير العدل رقم 977.09 الصادر في 12 من ربيع الآخر 1430 (8 أبريل 2009) الجريدة الرسمية عدد 5729 بتاريخ 27، 2009.
- المادة 16 من قانون 16-03.
[55] - العلمي الحراق، المرجع السابق، ص 61.
[56] - قرار صادر عن محكمة الاستئناف بفاس- بتاريخ 08/12/2004 في الملف رقم 1450 منشور.
[57] - العلمي الحراق" الوجيز في شرح القانون المتعلق بخطة العدالة- مرجع سابق، ص 90.
[58] - سلمى الشدلي، المرجع السابق، ص 37.
[59] - سلمى الشادلي: المسؤولية المدنية للموثق والعدل، مرجع سابق، ص 38.
[60] - سلمى الشادلي، المسؤولية المدنية للموثق والعدل، مرجع سابق، ص 39.
[61] - سلمى الشادلي، مرجع سابق، ص 67.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك