القائمة الرئيسية

الصفحات

أسباب كسب الملكية في الفقه المالكي ومدونة الحقوق العينية

أسباب كسب الملكية في الفقه المالكي ومدونة الحقوق العينية

أسباب كسب الملكية في الفقه المالكي ومدونة الحقوق العينية
أسباب كسب الملكية في الفقه المالكي ومدونة الحقوق العينية

مقدمـــــــــــــــــــة


إن التطرق لموضوع أسباب كسب الملكية في الفقه المالكي ومدونة الحقوق العينية، يقتضي منا التعريف بعناصر الموضوع أولا ثم حصر  الأسباب المكسبة للملكية على أن نتطرق لكل سبب حدة.
فالسَّبَبِ : هو مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ - وَلَوْ شَكًّا - الْعَدَمُ،[1]
أما الملك : في اللغة معناه احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به[2] 
وفي اصطلاح الفقهاء شرعا هو ” اختصاص حاجز شرعا يسوغ صاحبه التصرف إلا لمانع ” [3]
و يعرف حق الملكية، فقها،  بكونه حق عيني على شيء معين يخول صاحبه دون غيره بصورة مطلقة استعمال هذا الشيء واستغلاله والتصرف فيه وذلك في حدود القانون والنظام دون تعسف.[4]
مدونة الحقوق العينية لم تفرد مادة معينة لتعريف حق الملكية الواقع على العقار والمنقول، وإنما عرفت حق الملكية الواقع على العقار وذلك من خلال ثلاث مواد هي :
الحق العيني العقاري هو سلطة مباشرة يخولها القانون لشخص معين على عقار معين ، و يكون الحق العيني أصليا أو  تبعيا  كما تنص على ذلك المادة 8.
أما المادة 9 من المدونة فقد عددت الحقوق العينية الأصلية و حصرتها في : حق الملكية .، حق الارتفاق و التحملات العقارية ،حق الانتفاع ، حق العمرى ، حق الاسعمال ،/ حق السطحية ، حق الكراء الطويل الأمد، حق الحبس ، حق الزينة ، حق الهواء و التعلية ، و الحقوق العرفية المنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ.
في حين نصت المادة 14 على السلطات الثلاث المخولة لصاحب حق الملكية على ملكه و هي : سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق .
وهكذا فان أسباب اكتساب الملكية هي : الطرق التي تؤدي إلى اكتساب حق الملكية وتؤهل الإنسان ليكون مالكا[5]
ويقصد بها: الوقائع و التصرفات القانونية التي تؤدي إلى اكتساب شخص ملكية شيء معين إما ابتداء وإما نقلا من شخص آخر.
بالرجوع إلى أسباب الملك التام التي اقرها الشرع الإسلامي نجدها تنحصر في أربعة :
1- إحراز المباحات : المباح هو المال الذي لم يدخل في ملك شخص معين، و لا يوجد مانع شرعي من تملكه.

2- العقود : جمع عقد وهو في اصطلاح فقهائنا : ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يظهر أثره في محله . و في اصطلاح رجال القانون هو اتفاق شخصين فأكثر على إنشاء حق ، أو على نقله، أو على إنهائه
3- الخلفية : هي حلول شخص أو شيء جديد محل قديم زائل في الحقوق وهي نوعان : خلفية شخص عن شخص ، وهي الإرث . و خلفية شيء عن شيء وهي التضمين أو التعويض
4- التولد من المملوك: معناه أن ما يتولد من شيء مملوك يكون مملوكا لصاحب الارض. فمالك الأصل هو أولى بفرعه من سواه.[6]
هذه الأسباب الأربعة تقسم باعتبارين :
أولا :    باعتبار وجود الاختيار وعدمه فيها
ثانيا :  باعتبار أثرها النوعي
فمن حيث الاختيار تنقسم أسباب الملكية إلى نوعين : اختيارية وجبرية .
أ – فالأسباب الاختيارية هي ما كان الإنسان مختارا في إيجادها و هي سببان : إحراز المباحات ، والعقود
ب – والأسباب الجبرية ما ليس له فيها اختيار ، وهي سببان أيضا ، الإرث ، والتولد من المملوك
أما من حيث الأثر النوعي فتنقسم أسباب الملكية أيضا إلى نوعين : أسباب منشئة للملك ، وأسباب ناقلة له:
أ – الأسباب المنشئة هي التي توجد ملكا على شيء غير مملوك قبلها ، وهي احرازات المباحات ، والتولد من المملوك.
ب – والأسباب الناقلة هي التي تتعلق بملك موجود قبلها ، فتنقله من حوزة إلى حوزة وهي الخلفية ، والعقود [7]
 مدونة الحقوق العينية ( 08 -39 )تطرقت لأسباب كسب الملكية في القسم الأول من الكتاب الثاني من خلال المواد من 222 إلى 312 و حصرتها في  :
-           العقد (المادة 4 )
-          إحياء الأراضي الموات والحريم
-                  الالتصاق بالعقار
-          الحيازة
-          الميراث والوصية ( م 264 )
-          المغارسة و الهبة والصدقة والشفعة
و ما لم تتطرق إليه المدونة تطبق عليه قاعدة الإحالة المنصوص عليها في المادة الأولى منها .
اعتمادا على ما سبق ، سنتطرق لهذا الموضوع من خلال المعيار الأول المتعلق بالإرادة في اكتساب الملكية العقارية( وجود الاختيار من عدمه) نظرا لما لهذا التقسيم من أهمية على مستوى التوثيق و على مستوى الإثبات،  

المحور الأول:  التصرفات القانونية المكسبة للملكية


التصرفات القانونية المكسبة للملكية هي كل تصرف يصدر عن الشخص بإرادته و يكون مختارا في إيجادها، بحيث يشترط فيها لتكون سببا للملكية شرائط من أهمها : الأهلية و الاختيار. و العقود ، بصورة عامة ، هي من أعظم أسباب الملكية ، و أعمها وقوعا، و أهمها شأنا في الاعتبارات المدنية و القانونية ، لان بها يتجلى الإدراك و النشاط الإنساني في المضمارين الاقتصادي و الحقوقي بخلاف الأسباب الأخرى فهي قليلة الوقوع بالنسبة إلى العقود التي تستلزمها حاجات الإنسان في معظم حركاته و حياته اليومية.[8]
سنحاول التطرق لهذا الموضوع من خلال العقود العوضية أولا ، ثم العقود التبرعية ثانيا ، و ذلك كما يلي :

أولا -  العقـــــــــود العوضيـــــــــة
1-     عقد البيع

يقصد بالعقد المكسب للملكية ما يتوقف على إرادتين كالبيع، وما يتم بإرادة واحدة كالهبة
والعقد لغة: "يعني الربط بين شيئين حتى يصير كالشيء الواحد، سواء كان ربط حسيا مثل الربط بين طرفي حبلين، أو معنويا مثل عقد العزم وعقد اليمين أي الربط بين الإرادة والتنفيد".
 أما اصطلاحا: "فهو ارتباط إيجاب و قبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله"[9].
أما قانون الالتزامات والعقود لم يعرف العقد خلاف ما فعله التقنين المدني الفرنسي، الذي عرف العقد بقوله: "العقد اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر بإعطاء شيء أو بعمل شيء أو الامتناع عن شيء"[10].
والقاعدة العامة في القانون تقتضي بأن العقد يتم بمجرد تراضي طرفين سواء كان متعلقا بمنقول أو عقار وفي هذا يقول  الفصل 488 من ق.ل.ع:" يكون البيع تاما بمجرد تراضي  عاقديه أحدهما بالبيع والاخر بالشراء و باتفاقهما على المبيع والثمن وشروط العقد الأخرى"  . ويصرح الفصل 491 من نفس القانون بما يلي: "يكسب المشتري بقوة القانون ملكية الشيء بمجرد تمام العقد بتراضي طرفية"[11].
وهناك استثناءات من مبدأ الرضائية في العقود تتجلى في التصرفات التي يفرض القانون أن تأتي في شكل معين، كما أن هذه التصرفات لا يكون لها أي أثر إلا إذا سجلت في السجل المعد لذلك، وابتداء من تاريخ التسجيل[12].

ü     عنصر الشكلية :

إن الشكلية المفروضة في العقود في الأنظمة الحديثة تختلف عن تلك التي كانت سائدة قديما، ذلك أن الشكلية الحديثة إذا كانت لازمة فليست كافية بل يتعين أن يوافق عليها طرفا العلاقة القانونية أما الأسلوب القديم للشكلية فكانت وحدها كافية  لقيام العقد  وذلك لفصل العقد عن الإرادة، وعليه فإن العقد الشكلي هو الذي يشترط لانعقاده بالإضافة إلى التراضي أساليب شكلية.
هكذا فإن البيع العقاري أو الحقوق العينية العقارية في القانون المغربي هو عقد شكلي وذلك لأن الفصل 489 من ق.ل.ع.م ينص على ما يلي:" إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجرى البيع كتابة في محرر كتابي ثابت التاريخ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى القانون.[13]
إلا أن المادة 4 من مدونة الحقوق العينية أوجبت تحت طائلة البطلان ، تحرير جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو إنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها ،أو تعديلها أو إسقاطها في محررات رسمية أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض .
وهذا يعني أن البيع (ومثله كل تصرف يقصد به إحداث حق عيني أو نقله)  إذا ورد على عقار محفظ أو غير محفظ او منقول خاضع للتسجيل لا يتم بمجرد تراضي طرفية بل لا بد أن يأتي هذا التراضي في شكل معين وهو الكتابة في محرر رسمي أو ثابت التاريخ وإلا لم يكن له أثر بين الطرفين أنفسهما.[14]

ü     عنصر التسجيل:

يقضي القانون بأن كل تصرف يرد على عقار محفظ أو حق عيني عقاري محفظ لا يكون  له أي أثر بين الأطراف وبالنسبة للغير إلا من يوم تسجيله في السجل العقاري " الفصل  67 من ظهير 19 رجب" بل إن القانون يعتبر التصرف الوارد على العقار أو حق عيني عقاري غير موجود مادام لم يسجل الفصل 66 من الظهير المذكور.
وهذا يعني أن بيع أو نقل الحق العيني الواقع على عقار محفظ ومثله الواقع على منقول خاضع للتسجيل لا يعتبر وحده سببا لكسب الملكية إلى المشتري أو المتصرف إليه بل لا بد من تسجيله[15]
و هكذا فان عقد البيع يعتبر من الغقود الناقلة للملكية من البائع الى المشتري ، و يعتبر هذا الاخير مالكا للشيء المبيع بالنسبة للعقارات الغير محفظة من تاريخ عقد البيع، اما بالنسبة للعقارات المحفظة  فانه يعتبر مالكا ابتداء من تاريخ تسجيل عقد البيع بالرسم العقاري طبفا لمقتضيات الفصول 67 و 68 من قانون التحفيظ العقاري.

2-      عقد المعاوضة:

المعاوضة: "وهي أن يتقف الطرفان على أن يتنازل كل واحد منهما عن شيء معين يملكه مقابل حصوله على شيء معين يملكه الطرف الأخر، وذلك كأن يتفق شخصان على أن يعطي أحدهما الأخر ثوبا أو سيارة أو مقدار من القمح مقابل أن يأخذ منه بقرة أو آلة حصاد أو قطعة من الأرض أو بناء".
وكأن يكون كل واحد منهما شريك الأخر في عقارين فيتفقان على أن يتنازل أحدها للأخر عن نصيبه في احد العقارين مقابل أن يتنازل له الأخر عن نصيبه في العقار الثاني  ليصبح كل واحد منهما مختصا بأحد العقارين ( وهذا ما يسمى  المخارجة ).
أو كما يكون لشخصين عقاران يملك كل واحد منهما عقارا ملكية مستقلة، فيتفقان على أن يتبادلا بعقاريهما، بحيث يصبح كل واحد منهما مالكا للعقار الذي كان يملكه صاحبه "تسمى هذه العملية المناقلة".
والمعاوضة بجميع أنوعها جائزة إلا في الحالات التالية:
أ‌-        إذا كان في كل من العقارين  اللذين وقعت المعاوضة حولها زرع أو ثمر لم يؤبر.
ب- إذا كان في العقارين زرع أو ثمر مؤبر واشترط كل واحد أن يأخذ ذلك الزرع أو الثمر الذي أصبح مالكا له، فإن لا يجوز ذلك في  الحالتين
ج- إذا دفع كل من المتعاوضين للأخر مقدارا من الذهب أو الفضة مع ما وقعت المعاوضة به، فإن ذلك لا يجوز لأنه يؤدي إلى الربا.[16] 
أما قانون الالتزامات والعقود المغربي فقد عرف المعاوضة في الفصل 619 بقوله: "المعاوضة عقد بمقتضاه يعطي كل من المتعاقدين للآخر على سبيل الملكية شيئا منقول أو عقارا، أو حقا معنويا في مقابل شيء أو حق آخر من نفس نوعه أومن نوع آخر"
تتم المعاوضة بتراضي المتعاقدين،إلا أنه إذا كان محل المعاوضة عقارات أو أشياء أخرى يجوز رهنها رهنا رسميا وجب تطبيق أحكام مدونة الحقوق العينية. [17]

3-     عقد المغارســــــــــــــــــــــة:

المغارسة لغة:"من غرس غرسا وغراسه الشجرة، أثبتها في الأرض". [18]
 أما في الاصطلاح الفقهي: "فهي أن يدفع الرجل أرضه لمن يغرس فيها شجرا مثل الزيتون والنخل والكرم وغيرها ويلتزم بأن يتعهدها، وعندما تنبت تلك الأشجار أو تطعم يكون له جزء معين من تلك الأرض، أما إذا لم تنتج مغارسته ولم تطعم تلك الأشجار خلال المدة المعينة فلا شيء له على  صاحب الأرض".
و قد عرفها المشرع في المادة 265 من مدونة الحقوق العينية على انها  "عقد يعطي بموجبه مالك ارضه لاخر ليغرس فيها على نفقته شجرا مقابل حصة معلومة من الارض و الشجر يستحقها الغرس عند بلوغ الشجر حد الاطعام".
وهذا يعني أن العامل لا يكتسب ملكيته الجزء المتفق عليه إلا بعد إطعام الأشجار أو نباتها حسبما اتفقا عليه، أما قبل ذلك فلا يكون له إلا حق احتمالي في كسب الملكية وهذه المعاملة جائزة للحاجة إليها، ولكن يشترط فيها:
1-      أن يكون الذي سيملكه المغارس معلوما كربع أو خمس.
2-      أن يكون الشجر الذي سيغرس في تلك الأرض معنيا ينص على أن الأرض  ستغرس بالزيتون أو التفاح.
3-      أن يكون الشجر المعين مما يمكث طويلا في الأرض ويعمر سنين عديدة ويستغل مرارا فلا يجوز المغارسة على زرع أو خضر .[19]
4-      أن تحدد المدة التي ينجز المغارس خلالها عمله، وهذا التحديد يكون إما:
أ‌-        بمدة معنية كأن يتفقا على أن المغارس يعمل في الأرض خمسة أعوام أو أربع سنوات ونحوها من المدة التي لا يطعم الشجر عادة قبلها.
ب‌-     بلوغ الأشجار إلى علو معين كأن يتفق على أن المغارس لا يستحق شيئا إلاإذا بلغ علو الأشجار مترين أو عشرة أشبار أو غير ذلك مما لا يطعم الشجر عادة إلا إذا بلغها.
ج-    بالإطعام، كأن يتفقا على أن المغارس لا يصبح شريكا بالجزء المعين إلا إذا نجح  غرسه وأطعمت الأشجار التي غرسها وأثمرت ثمارها.
5-       أن يتفقا على أن المغارس يملك  النصيب  المعين في كل من الأرض والشجر،
6-       أن لا يكلف العامل بأعمال كثيرة تكلفه نفقات بالإضافة إلى عمله، كأن يكلف  ببناء حظيرة أو بتقنية أرض محجرة قبل غرسها.
7-      إلا يكون محل العفد حقوقا مشاعة
فإذا توفرت هذه الشروط اعتبرت المغارسة صحيحة، وعندما ينتج عمل المغارس يصبح مالكا للجزء المتفق عليه. [20]
و قد اوجب المشرع  على الغارس في حالة عدم تحديد مدة العقد الوفاء بالتزامه قبل انصرام سنة من تاريخ العقد و إلا فسخ العقد بقوة القانون.
وقد  نظم  المشرع المغربي  أحكام المغارسة في الفصول من 265 إلى 272 من مدونة الحقوق العينية.

4-     عقد المزارعة:

المزارعة لغة: "مفاعلة من الزرع، وهو الإنبات".[21]وفي اصطلاح الفقهاء:"عرفها المالكية:"بأنها الشركة في الزرع". وعرفها الشافعية: "بأنها دفع الأرض مع حب أو بذر لشخص يزرعه، ويقوم عليه في مقابل جزء مشاع معلوم من الزرع كنصفه أو ثلثه". وعرفها الحنفية بأنها:"عقد على الزرع  ببعض الخارج من الأرض". وعرفها الحنابلة:" بأنها دفع الأرض إلى من يزرعها أو يعمل عليها، والزرع بينهما". [22]
ومن  صورها أن  يكون لشخص أرض، ويتفق مع آخر على أن يشتركا في حرث تلك الأرض، بأن يقدم صاحب الأرض أرضه وجزءا من البذور، ويقدم الأخر عمله وجزءا من البذور ويقدم أحدهما أو هما معا آلة الحرث( البقر أو المحراث ) ويقتسمان ما تنتجة الأرض  بنسبة ما يقدمه كل واحد منهما من البذور.
وهذه المعاملة ليست جائزة إذا اعتبرت من باب الإجارة نظرا للجهل بما يأخذه هذا العامل، أما إذا اعتبرت نوعا من الشركة فتكون جائزة حينئذ.
ويجري العمل منذ القديم بهذه المعاملة التي يحتاج الناس إليها كثيرا بالرغم من أنها قد تؤدي إلى كراء الأرض بما يخرج منها، وهو ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في  كثير من الأحاديث، مثل قوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري عن رافع رضي الله عنه قال: " كنا أكثر أهل المدينة حقلا وكان أحدنا يكري أرضه  فيقول هذه القطعة لي وهذه لك فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه  فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم". ومنها ما رواه  أبو داوود عن زيد بن ثابت قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، قلت: وما المخابرة؟ قال: أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع.
لكن الفقهاء حملوا هذا النهي إما على الكراهة وإما على نوع خاص من هذه المعاملة، وهو ما كان أهل المدينة يفعلونه قبل الإسلام، حيث كان المالك يدفع أرضه لمن يزرعها مقابل  أن يأخذ محصول قطعة معينة من الأرض يختارها لنفسه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما فيه من الغرر الذي يتمثل في أنه  قد تنجو محاصيل ذلك فقط فيضيع العامل، أو يسلم غيره فقط فيضيع صاحب الأرض، وفي ذلك كله غرر وجهل، أما إذا اتفقا على أن يقسم المحصول كله بينهما بنسبة معلومة فإن ذلك لا بأس به ولا يشمله النهي المذكور. [23]
كما أن الفقهاء الذين أجازوا المعاملة المذكورة اعتمدوا على عمل الصحابة والتابعين واعتبروها مماثلة للقراض، حيث أباح الإسلام لمن له نقود أن يدفعها  لمن يتجر فيها بجزء من الربح. لكن المالكية يشترطون لتكون المعامل مشروعة شرطين أساسين هما: 
1)      أن لا تؤدي إلى كراء الأرض بما يمنع كراؤها به.
2)      أن لا يتم الاتفاق على أن يأخذ صاحب الأرض من الغلة أكثر من نسبة ما دفعه من البذور، كأن يشترط صاحب الأرض أن يدفع ثلث البذور ويأخذ نصف الغلة مثلا.
وكل صورة يتوفر فيها الشرطان المشار إليها تعتبر صحيحة، ومهما اختل الشرطين إلا وتكون المزارعة فاسدة. [24]
و مذهب مالك و ابن القاسم ، و هو الراجح الذي به الفتوى : انه لا يشترط كما في شركة الأموال خلط البذرين حقيقة و لا حكما ، بل إذا خرج كل منهما ببذره و كان بذر كل منهما مستقلا عن الآخر ، فالشركة صحيحة.
و الخلاصة أن المالكية يشترطون تقديم البذر من كلا العاقلين ، و تساويهما فيه نوعا، و تماثلهما في الربح و فيما يقدم كل منهما من شيء عيني كالأرض، و ما يقابلها من منفعة حيوان و عمل ، و إلا تكون المزارعة بجزء ناتج من الأرض، و إنما بعوض آخر غير محصول الأرض. و يلاحظ أن هذه الشروط شديدة لا تنطبق مع واقع المزارعة القائم.[25]
و تجدر الإشارة إلى أن المزارعة لا تكسب ملكية العقار،و إنما تكسب الزرع الذي تنتجه الأرض المزروعة . و هي من عقود استثمار الأرض تم التطرق إليها في هذا العرض من باب العلم بالشيء فقط.

5-     عقد الجعالة:

الجعالة هي "التزام شخص مؤهل للتعاقد، بعوض يدفعه لآخر على عمل بالفراغ منه، دون تحديد مدة لإتمامه، والجعل هو العوض المدفوع على الجعالة، كرصد مكافأة لمن يدل على هارب، أو لمن يحفظ القرآن، أو يتفوق في النجاح، أو يسجل اختراعا أو يجد سيارة مفقودة.[26]
وقد خص المشرع المغربي للوعد بجائرة الفصول من  15و16و 17و 18 من ق.ل.ع.
ويجري سياق الفصل 15 من ق.ل.ع على أن:" الوعد عن طريق الإعلانات أو أية وسيلة أخرى من وسائل الإشهار بمنح جائرة لمن يعثر على شيء ضائع أو يقوم بأي عمل، يعتبر مقبولا ممن يأتي بالشيء أو يقوم بالعمل ولو فعل ذلك وهو جاهل الوعد، وفي هذه الحالة يلتزم الواعد من جانبه بإنجاز ما وعد به" [27]
ويشترط في الجعل شرطان هما:
أ‌-        أن لا يحدد أجل يكون على العامل أن ينجز عمله خلاله، فإن اتفق الطرفان على أن العامل لا يستحق العوض إلا  إذا أتم عمله في   وقت محدد، فإن ذلك التحديد باطل لا يعمل به، لما فيه من شدة الغرر على العامل، لأنه قد يعمل كثيرا أثناء الأجل، ولكنه لا يتم عمله قبل انتهاء المدة فتضيع جهوده سدى.
لكن إن اتفقا على أن العامل يمكنه أن يترك  عمله متى شاء أثناء المدة المتفق عليها فيعمل بهذا الشرط حينئذ.
ب-أن لا يتفق الطرفان على أن يدفع الجاعل للعامل العوض ( إذا كان نقدا ) قبل تمام العمل، فإن اتفقا على ذلك كان العقد فاسدا. لما عرفنا من أن العامل لا يستحق العوض إلا بعد نجاح عمله، مما يعني أنه إذا اتفقا على تعجيل العوض النقدي قبل نجاح العمل فإنه لا يدري هل سيكون عوضا أو سلفا، وهذا غير جائز.
إن قدم المجاعل العوض من تلقاء نفسه للعامل أثناء العمل من غير اشتراط  لذلك  فإنه لا يؤثر على الجعالة.        
ومتى تم الإيجاب والقبول، وتوفرت الشروط اللازمة في المتعاقدين  تكون الجعالة صحيحة، إلا أنها لا تصبح لازمة إلا بالشروع بالعمل، أما قبل ذلك فيمكن لكل واحد منهما أن يتراجع عنها. فإن شرع العامل في العمل لم يكن للجاعل( أي الذي سيدفع العوض) أن يتراجع عن هذا الاتفاق.  و هذا ما عبر عنه المتحف بقوله:
الجعل عقد جائز لا يلزم.............لكن به بعد الشروع يلزم
وليس يستحق مما يجعل..........شيئا سوى اذا يتم العمل
كالحفر للبئر و رد الآبق............و لا يحد بزمان لائق
العامل يمكنه أن يتخلى عن عمله في أي وقت شاء، ولا يمكن إلزامه بتمام ما تعهد القيام به، إلا انه لا يحق له أن يطلب جزءا من العوض المتفق عليه مقابل ما قام  به من عمل، لأن العامل لا يستحق العوض إلا بنجاح عمله.[28] لكن إذا توبع العمل من طرف عامل آخر ،فان العامل الأول يستحق نصيبا من العوض المتفق عليه بنسبة عمله الذي تخلى عنه.[29]
و إذا كان العوض المتفق عليه عبارة عن عقار محفظ، فان العامل و إن كان لا يكتسب ملكيته إلا بعد نجاح عمله ، فانه يمكنه أن يطلب إجراء قيد احتياطي على الرسم العقاري المتعلق بالعقار موضوع العوض .
وهذا ما ذهب إليه المشرع المغربي في قانون الالتزامات و العقود من خلال الفصول 15 و 16 و17 و18، تتلخص أركان الوعد بجائزة فيما يلي: 
1-      يجب أن تتضمن إرادة الواعد منح جائزة ويلتزم بإعطائها للفائز و يستوى أن تكون هذه الجائرة لها قيمة مالية كدراجة نارية أو سيارة أو تكلفة رحلة أو مبلغا من النقود.
2-       يتعين أن تتضمن إرادة الواعد شيئا معينا كالعثور على شيء ضائع أو الفوز في مسابقة أو كشف دواء لمرض معين.
3-       يجب أن يكون الواعد ذا أهلية كاملة ليستطيع الوفاء بالتزامه.
4-      إن الوعد يجب أن يوجه للجمهور بحيث إذا اقتصر أمره على أشخاص معينين أو شخصا محددا بالذات فلا يعد وعدا بجائزة.[30]
5-      يتعين أن تتحقق في الوعد بالجائزة العلانية سواء تم ذلك بواسطة الصحف أو الإذاعة أو التلفزة أو أية وسيلة  تتحقق معها.

6-     هيبة الثــــــــــــــــــــواب:

هبة الثواب:"وهي أن يهب الإنسان مالا( منقولا أو عقارا) لشخص على أن يرد له في المقابلة شيئا آخر." وقد جرى العمل منذ القديم على تبادل الهدايا في المناسبات، من طعام وحلي، وغيرهما مما قد يترتب عنه ربا الفضل، لأن أحد الطرفين قد يحصل على طعام أكثر أو أحسن مما دفعه للطرف الأخر، كما انه يترتب عنه في الغالب ما يسمى بربا النسيئة، لأن الموهوب له لا يرد للواهب هديته إلا في وقت لاحق أي عند زواجه مثلا، ومعلوم أن كلا من ربا الفصل والنسيئة محرم في الأصناف التي تعتبر من الأموال الربوية المشار إليها في الحديث الذي رواه الامام البخاري وغيره ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء).
ولكن المالكية أجازوا  هذه المعاملة ( أي هبة الثواب ) لأنهم وإن عدوها عقدا من عقود المعاوضات، حيث إنهم ذكروا أن من قدم لغيره هدية في المناسبة من المناسبات فإنها لا تحمل على التبرع، وإنما تحمل على أنه ينتظر أن يعوضه عنها في المستقبل، ولكنهم مع ذلك يعتبرونها من قبيل المكارمة والتعاون، لا من باب المعاوضات التي يجب فيها التماثل والتقابض.
ويرى المالكية أن الواهب ( هبة الثواب) يكون مخيرا- عندما يدفع له الموهوب له هدية أخرى مقابل هديته بين ثلاثة أمور:
1)        أن يقبل تلك الهدية، وبهذا يكون كل واحد منهما قد ملك ما أهدى إليه صاحبه.
2)      أن يرد تلك الهدية، ويطالب بقيمة الهدية التي كان قد دفعها لصاحبه، وبهذا يملك الموهوب له الأول تلك الهدية التي دفع قيمتها.
3)      أن يسترد هديته بنفسها إن كانت ما تزال موجودة عند الموهوب له[31]

7-     الصلــــــــــــح:

الصلح هو "أن يتفق الطرفان على أن يعطي أحدهما الآخر شيئا ليتنازل له عن الحق الذي يدعيه". وهذا ما يفهم من تعريف ابن عرفة: "الصلح انتزال عن حق أو دعوى بعوض لرفع نزاع أو خوف وقوعه". وهو قريب مما عرفه به الفصل 1098ق.ل.ع الذي قال:"الصلح عقد بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقعان قيامه، وذلك بتنازل كل منهما لآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه، أو بإعطائه مالا معينا أو حقا).
وذلك مثل أن يدعي خالد  أنه يملك نصف الدار التي توجد تحت يد علي، فيتصالحان على أن يدفع علي لخالد مالا (  نقودا أو منقولا أو عقارا) ليتنازل عن الحق الذي يدعيه في الدار، ويسوى النزاع بينهما على هذا الشكل.
ثم إن كان علي يعترف بما يدعيه خالد فإن الصلح يسمى في هذه الحالة: الصلح عن الإقرار. وإن كان ينكر تلك الدعوى ولكنه صالحه مع ذلك  تجنبا للخصومات والمنازعات فيسمى الصلح حينئذ الصلح عن الإنكار.
ويعتبر الصلح من العقود الجائزة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ) بل قد يكون مرغوبا فيه وخصوصا بين الأقارب أو عندما يتبن أن الفصل بين الأطراف عن طريق إصدار حكم قد يؤدي إلى عداوة  أو تباغض. وفي ذلك يقول الله تعالى: "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس"  وقال تعالى: "والصلح خير".
ويعتبر الصلح من قبيل البيع سواء وقع عن الإقرار أو عن الإنكار، ولذلك يشترط فيه كل الشروط التى تشترط في البيع ومن جملتها:
1) أن لا يؤدي إلى أي صورة من صور الربا، من ربا النسيئة أو ربا الفضل، أو سلف بفائدة، أو بتعجيل الدين المؤجل مقابل التنازل عن بعضه، أو تأجيل الدين الحال مقابل الزيادة فيه.
2) أن لا يشمل على جهل أو غرر، كأن يصالحه بجزء غير معين من عقار، أو
بثمرة لم يبدو صلاحها.
وهذا ما صار عليه ظهير الالتزامات والعقود حينما قال في الفقرة الأولى من الفصل 1100 ( لا يجوز الصلح بين المسلمين على مالا يجوز شرعا التعاقد عليه).
فإن وقع الصلح بشروطه المذكورة وغيرها من شروط البيع فإنه يعتبر سببا لكسب الملكية، بحيث يصبح المالك مالكا لما صار إليه بمقتضى ذلك الصلح، ولكن إن كان يعلم أنه لا حق له فيما يدعيه فيحرم عليه أن يأخذ ذلك الشيء.
ولا يمكن نقض الصلح الصحيح ولا الرجوع فيه ولو اتفق الطرفان على ذلك، وفي هذا يقول الفصل 1106 من ق.ل.ع: " لا يجوز الرجوع في الصلح ولو باتفاق الطرفين". ويستثني من ذلك ما إذا تنازل الشخص عن بعض حقه بمقتضى الصلح فإنه يجوز له أن يطالب بباقي حقه في الحالتين الآتيتين:
1)      إذا كان الصلح على إنكار، ثم عاد المنكر إلى الاعتراف بالحق الذي يدعيه المدعى، فإن من حق هذا المدعي أن يرجع على هذا المعترف بما بقي عليه ذلك الحق.
2)      إذا كان قد احتفظ بحقه في الرجوع في الصلح الذي أبرمه مضطرا إليه إما لكونه يعتقد أنه لا يتوفر على الحجة الكافية لإثبات حقه الذي  ينكره خصمه، وإما لأن حجته ضاعت منه، فإن من حقه أن يطلب نقض الصلح  متى وجد حجة كافية لإثبات حقه أو عثر على حجته الضائعة، سواء كان خصمه يعلم أنه احتفظ بحقه في الرجوع في الصلح أو لم يعلم ذلك، كما هو الشأن فيما إذا أشهد أحد المتصالحين في غيبة الآخر قبل إقدامه على الصلح أنه إنما يصالحه ليحفظ حقه وليتحين الفرصة للدفاع عن مصالحه، وهذا ما يسمى بشهادة الاستحفاظ.
لكن الفصل1113 ق ل ع م نص على أنه:"لا يمكن لأحد المتصالحين إبطال الصلح بسبب العثور على الوثائق التي كانت مجهولة منهما حين الصلح إلا إذا أثبت أن الطرف الآخر دلس في الصلح".
كما أن الفصل 1111 ق ل ع م حصر الأسباب التي يجوز فيها للطرف حسن النية أن يطعن في الصلح وهي:
ü      الإكراه والتدليس
ü     الغلط المادي في شخصية المتعاقد الآخر أو صفته او في الشيء الذي كان محلا للنزاع.
ü     انتقاء السبب الدافع إلى الصلح. كما إذا تبين أن ذلك السبب كان مزورا، أو كان غير موجود، أو تبين أن ذلك الصلح أجري على نازلة سبق الفصل فيها بمقتضى صلح صحيح أو حكم نهائي كان الطرفان أو أحدهما يجهل وجوده.

8-      الإقالــــــــــــــــــــــــــــــــــة:

الإقالة لغة: "الرفع والفسخ.[32] واصطلاحا: "فسح العقد بعد لزومه بطلب العاقد الآخر وهي اتفاق الطرفين على إلغاء البيع الذي وقع بينهما والرجوع إلى الحالة التي كانا قبله، وذلك كأن يتفق البائع والمشتري على أن يسترد البائع سلعته ويرد مثل ما دفعه له المشتري أو أقل أو أكثر. "وعرفها المشرع المغربي في الفصل 193 من ق ل ع م : تنقضي الالتزامات  التعاقدية، إذا ارتضى المتعاقدين عقب إبرام العقد، التحلل منها وذلك في الحالات التي يجوز فيها  الفسخ بمقتضى القانون.
وهي جائزة إلا في حالة واحدة، وهي أن يقع البيع على شيء بثمن مؤجل، كأن يبيع شخص عقارا بمائة ألف درهم يؤديها المشتري  للبائع بعد سنة، ثم قبل انتهاء السنة يتفقان على الإقالة على أن يؤدي البائع للمشتري:
أ‌-        إما ثمانين ألف درهم الآن وتبقى المائة ألف في ذمة المشتري إلى أن يؤديها عند حلول الأجل.
ب‌-    إما ثمانين ألف درهم يؤديها بعد خمسة أشهر، ويبقى الثمن في ذمة المشتري يؤديها عند حلول اجله.
ج- إما مائة وعشرين ألف درهم يؤديها بعد سنتين على أن يؤدي المشتري للبائع الثمن المتفق عليه عند حلول أجله، فإن ذلك لا يجوز في الصور الثلاث لما فيها من سلف جر منفعة[33].
وهذا ما نص عليه الفصل 397 من ق.ل.ع: "يرتب على الإقالة عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها وقت إبرام العقد".

ثانيا:التصرف الذي يتم بإرادة واحدة
I-       الهبة والصدقة:

نتكلم على الهبة والصدقة لأنهما يكونان سببا لكسب الملكية التامة بخلاف غيرهما من أنواع التبرعات كالحبس و العرية فإنها أسباب لكسب المنفعة فقط لذلك عالج المشرع المغربي الهبة في الفصل الثاني بالمواد من 273 إلى 289، والصدقة في الفصل الثالث بالمادتين 290 و 291 من الباب الثاني من الكتاب الثاني تحت عنوان أسباب كسب الملكية والقسمة من مدونة الحقوق العينية.
إذا فالهبة والصدقة من الأسباب التي تكتسب بها الملكية، مثل البيع و المعارضة والوصية ..... فهذه كلها عقود تنصب أساسا عـلــــى نقل الملكية مـن شخص إلـــى آخــــر. وكلها اختيارية، فلا يدخل في ملك الإنسان شيء بغير تراض. وهذا التراضي قد يكون بعوض كما في عقود المعاوضات، أو على سبيل التبرع كما في عقود التبرعات أو على سبيل التبرع ابتداء والمعاوضة انتهاء كالقرض والهبة بشرط العوض. وفي الهبة أو الصدقة يتخلى الواهب أو المتصدق مجانا عن ملكية شيء أو حق إلى الغير، فالملكية تنتقل من الواهب أو المتصدق إلى الموهوب له أو المصدق عليه نقلا تاما في العناصر  الثلاث لحق الملكية، من الرقبة '' الحق في التصرف'' إلى الاستعمال و الاستغلال. ويترتب على هذا الانتقال أن يبسط الموهوب له أو المتصدق عليه إرادته على الشيء أو الحق الموهوب أو المتصدق به، يتصرف فيه ويستعمله ويستغله وفق مشيئته إرادته وفي ضوء الضوابط الشرعية والقانونية والاتفاقية.[34]
وعليه، لدارسة موضوع الهبة والصدقة كسبب من أسباب كسب الملكية فقها وقانونا، يحمل بنا التعرض لمفهوم عقد الهبة وعقد الصدقة، وأوجه الاشتراك والاختلاف بينهما، ثم أركانهما وشروطهما، ونختم بالأحكام والآثار المترتبة عن هذه العقود التبرعية.

1) تعريف الهبة والصدقة فقها وقانونا وأوجه الاشتراك والاختلاف بينهما:

يقصد بالهبة لغة: "العطية الخالية من العواض"[35]. أما اصطلاحا: فعرف الفقهاء الصدقة بأنها:''تمليك ذي منفعة لوجه الله بغير عوض''. وعرف ابن عرفة الهبة بقوله:'' الهبة لا لثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطى بغير عوض[36]. بينما عرف المشرع المغربي الهبة في المادة 273 من م.ح.ع التي جاء فيها :''الهبة تمليك عقار أو حق عيني عقاري لوجه الموهوب له في حياة الواهب بدون عوض''. وعرفت المادة 290 من م.ح.ع الصدقة: "بأنها تمليك بغير عوض لملك ويقصد بها وجه الله تعالى".
عمل القانون على تعريف الهبة والصدقة ولو أن الأصل في التعاريف أنها من أعمال الفقه لا من أعمال القانون والتعريف ينبغي أن يكون جامعا مانعا فوقع المشرع في المحظور فقد بدأت المادة 273 من م.ح.ع بمصطلح الهبة على التعميم والإطلاق دون تخصيص ولا تقييد مع أن الكلام فيها انصرف إلى العقار والحقوق العينية العقارية وكأن الهبة تقع على العقار دون المنقول وهذا غير صحيح فالهبة تقع على مختلف الأموال العقارية والمنقولة والحقوق المادية والمعنوية فكان أن يرد النص على الصيغة التالية :''فالهبة تمليك عقار أو منقول أو حق عيني عقاري...''
فضلا على ذلك ما المقصود من مصطلح الحق العيني الوارد في نص المادة المذكورة؟
إن السر من طرح هذا التساؤل أن المادة السالفة الذكر عممت في مصطلح الهبة حتى اشتمل الحقوق العينية العقارية كلها مع أن هذه الحقوق منها ما يقع على المنفعة فقط كحق الانتفاع والعمري والاستعمال والوقف. وهذه وإن جرت عليها العطية لا تسمى بالهبة وإنما بمسمياتها وأحكامها الخاصة والذي يؤكد هذا الكلام أن مدونة الحقوق العينية نظمت أحكام الوقف كما أن مصطلح الحق العيني العقاري الوارد في المادة السالفة الذكر،حددته المواد:8و9و10 من نفس المدونة فجاء في المادة 8 منها:'' الحق العيني العقاري هو سلطة مباشرة يخولها القانون لشخص معين على عقار معين ويكون الحق العيني أصليا وتبعيا".
لكن حتى نوفق بين ما ورد في المادة 273 و المواد :8و9و10، وجب حمل مصطلح الحق العيني الوارد في المادة 273 على الحقوق العينية المتعلقة بالأشياء برمتها لا على مجرد المنافع منها، فيخرج بذلك حق الانتفاع والاستعمال والعمرى والحبس'' الوقف'' من مصطلح الهبة.[37]
يستفاد مما سبق بأن عقود التبرع متعددة من هبة وصدقة ووقف وعمري...والهبة والصدقة يترتب عليهما تمليك الرقبة والمنفعة أي الانتقال التام للملكية، وأما في الوقف والعمرى فلا تمليك إلا للمنفعة فقط تمليك تأبيد في الوقف أو توقيت في العمرى واستبقاء الرقبة بين يدي الواقف أو المعمر أو ورثتهما. ورغم هذا الخلاف فان الأركان والأحكام واحد إلا فيما يستثنى وهو قليل، كذلك الهبة والصدقة شيء واحد والفارق بينهما أن الصدقة يقصد بها التقرب إلى الله تعالى ونيل ثواب الآخرة، في حين أن الهبة يقصد بها شخصية الموهوب له والتقرب إليه. وتطبق عليهما  نفس الأحكام إلا في الوجهين الآتيين:

الأول: أنه لا ينبغي( أي يكره وقيل يحرم) للمتصدق أن يرجع ما تصدق به إلى ملكه بشراء أو هبة أو غير ذلك، بخلاف الهبة، فإنه يمكن للواهب أن يرجع ما وهبه إلى ملكه بشراء أو هبة، باستثناء ما وهبه للأيتام أو للفقراء أو لأولى الأرحام كالعمة والخالة والبنت فلا ينبغي للواهب أيضا أن يرجعه إلى ملكه لأنه بمثابة الصدقة.

الثاني: أنه يحق لمن وهب ابنه شيئا أن يسترده منه عن طريق ما يسمى بالاعتصار بخلاف من تصدق بشيء حيث لا يحق له أن يسترده.[38]

2)أركان الهبة والصدقة، وشروطهما:

تنعقد الهبة والصدقة بما تنعقد به جميع العقود المدنية، على اعتبار أن الهبة والصدقة وإن كانتا التزام بإرادة منفردة إلا أنها لا تنعقد ما لم تتم بالتراضي أي اقتران الإيجاب بالقبول، ولم يتطلب المشرع أن يكون التراضي في مجلس العقد، بل يمكن أن يأتي لاحقا على ذلك أو في وثيقة مستقلة عن عقد الهبة. ورتب البطلان على عدم تحرير عقد الهبة في محرر رسمي. وفي المقابل اعتبر الهبة من العقود الشكلية الذي لا يقوم إلا إذا أخد شكل محرر رسمي.[39]
وعلم من تعريف الهبة والصدقة بأنه جامع لهما، وإنما التغاير بقصد ثواب الآخرة وقصد وجه المعطى، وبذلك تكون أركان الهبة وشروطها تنطبق على الصدقة، وذلك ما أكدته المادة 291 من م.ج.ع بالعبارة التالية: "تسري على الصدقة أحكام الهبة...''
فتتمثل هذه الأركان  في أربعة: الواهب(المتصدق)،الموهوب له(المتصدق له) والوهوب (المتصدق به) ثم الشكلية أو الصيغة.

أ/ الواهب:

يقصد بالواهب الشخص الذاتي أو المعنوي الذي أقدم على هبة مال أو حق مالي لفائدة الغير سواء كان هذا الغير شخصيا ذاتيا أو معنويا، بل و حتى الجنين في بطن أمه إلى أن يولد.
ويشترط في الواهب مجموعة من الشروط نجملها فيما يلي:
Ø     أن يكون كامل الأهلية: هذا ما نصت عليه المادة 275 من م.ج.ع بقولها: "يشترط لصحة الهبة أن يكون الواهب كامل الأهلية...'' التساؤل الذي يطرح نفسه من خلال هذه المادة ما المقصود بالأهلية؟ وكيف تتحقق في الشخص الواهب؟
الأهلية نوعان أهلية أداء وأهلية وجوب، ويقصد بأهلية وجوب كما عرفها بعض الفقه: "بأنها صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه"،[40] أما أهلية الأداء فهي: "صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية، ونفاذ تصرفاته".[41]
وعلى هذا الأساس فإن كل شخص وصل سن الرشد القانوني "18 سنة شمسية كاملة'' متمتعا بقواه العقلية ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لإبرام جميع العقود سواء كانت عقود اغتناء أو عقود إدارة أو عقود تصرف أو عقود تبرع.
وقد ورد في القوانين الفقهية لابن جزي أن من شروط الهبة أن يكون الواهب مالكا أمر نفسه،[42] وهذا مجمع عليه، غير أن التساؤل المطروح عن حكم الهبة في مرض الموت؟
عرف فقهاء المالكية مرض الموت بأنه: '' ما حكم أهل الطب بأنه يكثر الموت في مثله ولو لم يغلب''.
وقد قضى المجلس الأعلى(محكمة النقض): بأن من أهم شرط لاعتبار المرض مرض الموت هو أن يكون مخوفا، أي أن يكون من الأمراض الخطيرة التي لا يرجى منها أي شفاء من الناحية الطبية وتؤدي بصاحبها غالبا إلى الوفاة. وأن مرض تشمع الكبد والنزيف الهضمي، مرض مخوف وقاتل  ويعتبر  مرض الموت.[43]
والتساؤل الذي يطرح نفسه، هل تضمين العدلين في رسم الهبة أو الصدقة عبارة الأثمينة التي تعني في عرفهم الصحة والطوع والجواز تقوم مقام الشهادات الطبية لإثبات حالة الواهب او المتصدق الصحية أثناء إبرام العقد؟
يجيبنا عن ذلك قرار صادر المجلس الأعلى: (محكمة النقص) الذي جاء في حيثياته بأن: '' الأثمية  التي يضمنها العدلان في رسم الصدقة إنما تتعلق بصحة التعاقد ظاهريا، ولا تثبت عدم إصابة المتصدق بمرض الموت الذي يمكن الاستعانة بالأطباء المختصين لإثباته''.[44]
وعند الإمام مالك انه يجري مجرى المريض كل ما يخاف منه الموت، مثل الكون بين الصفين وقرب الحامل من الوضع، وراكب البحر المرتج ، وفيه اختلاف[45] وهذا الاتجاه أخد به قانون المعاملات المدنية السوداني حين نص في المادة 224 منه'' ويعتبر في حكم مرض الموت الحالات التي يحيط الإنسان فيها خطر الموت، ويغلب في أمثالها الهلاك ولو لم يكن مريضا''.
وفي ضوء ما سبق نتساءل عن موقف المشرع المغربي من هذه الحالات المشاهبة لمرض الموت، خاصة وأنه سكت عن ذلك ولم ينص على تلك الحالات لا على سبيل الحصر أو المثال، وإنما اكتفى بمرض الموت فقط بقوله صراحة في الفقرة الأولى من المادة 280: '' تسري على الهبة في مرض الموت أحكام الوصية". وبالتالي هل يمكن الاستناد على قانون الالتزامات و العقود كما أشارت إلى ذلك المادة 1 من م.ج.ع الذي نص في المادة 54 منه على أن :" أسباب الإبطال المبنية على حالة المرض و الحالات المشابهة متروكة لتقدير القضاء".
و بناء عليه، إذا ثبت أن الواهب كان في مرض الموت، فما حكم هذه الهبة ؟
ميز السلف الصالح بين حالتين، الحالة الأولى التي تكون فيها الهبة لفائدة الأجنبي غير الوارث، و الحالة التي تجري فيها الهبة لفائدة أحد الورثة.
-         الحالة الأولى: يرى جمهور الفقهاء بأن هبة المريض مرض الموت لغير الوارث تقوم مقام الوصية و تنفذ في حدود ثلث التركة.
-         الحالة الثانية: إذا كان المتبرع عليه من ورثة المتبرع أمكن لباقي الورثة أن يردوها، ويصير المتبرع به إرثا.
أما إذا صح المتبرع من ذلك المرض المخوف و لم يمت داخل عدة أشهر من شفائه فإن تبرعه يكون صحيحا[46]. غير أن الجمهور يرى أن هبة جميع المال لبعض الورثة دون البعض أو تفضيل بعضهم عن الآخر فهو مكروه و روي عن مالك المنع، لما فيه من عدم العدل بين الورثة[47].
وقد حسم المشرع المغربي هذا الخلاف عندما نص في المادة 280 م.ج.ع على أنه : "تسري على الهبة في مرض الموت أحكام الوصية". إلا أنه إذا لم يكن للواهب وارث صحت الهبة في الشيء الموهوب بكامله. غير أنه إذا قتل الموهوب له الواهب عمدا حق لورثته إبطال الهبة".
وإذا كان الطعن في التبرع الواقع في مرض الموت لا يثير إشكالا بالنسبة للوارث الراشد، فله أن يمارس الطعن أمام محكمة الموضوع على شرط إثبات واقعة هذا المرض، و أنه مرض موت حقا، و الأمر يوكل تقديره للقاضي في ضوء تقارير الأطباء و شهادة الشهود. لكن بالنسبة  للوارث القاصر فإن المسألة تثير استفسارا إذا امتنع أو تهاون الحاجر في إقامة هذه الدعوى و غيرها من الإجراءات التحفيظية نيابة عن محجوره، فهل على القاصر أن ينتظر بلوغ سن الرشد، و في ذلك ضرر بين عليه ؟أم أنه له إقامة الدعوى و لو قبل هذه السن ؟ خلافا لما يقضي به الفصل 1 من ق.م.م من شرط ثبوت أهلية التقاضي ؟
أذهب إلى القول بأنه لا مانع يمنع القاصر من إقامة هذه الدعوى، و هو لم يبلغ سن الرشد، لما في هذا الإجراء من نفع ظاهر له[48]، و خاصة أن المشرع في الفصل 5 من ق.ل.ع أجاز للقاصر و لناقص الأهلية أن يجلبا لنفسهما نفعا، و لو دون إعانة من الحاجر، جاء في هذا الفصل: "يجوز للقاصر و لناقص الأهلية أن يجلبا لنفسهما نفعا و لو بغير مساعدة الأب أو الوصي أو المقدم، بمعنى أنه يجوز لهما أن يقبلا الهبة أو أي تبرع آخر من شأنه أن يثريهما أو يبرئهما من التزام دون أن يحملهما أي تكليف". كما اعتبرت المادة 225 من م.أ تصرفاته النافعة نفعا محضا نافذة. و المادة 276 من م.ج.ع أجازت لناقص الأهلية قبول الهبة و لزمه وجود حاجره.
Ø     أن يكون مالكا للشيء الموهوب وقت الهبة : إن من شروط صحة الهبة أن يكون المال الموهوب ملكا للواهب، إذ لا يعقل أن يهب شخص مال الغير.
لكن في اعتقادنا لا يجب السير على منهج التأويل الحرفي للنص، ذلك أ المادة 275 من م.ح.ع اشترطت لصحة الهبة أن يكون الواهب مالكا للعقار الموهوب أثناء الهبة، و رتب البند الثاني من المادة 277 من نفس المدونة البطلان على هبة عقار الغير، حيث يجب في نظرنا أن تكون الهبة موقوفة لا باطلة، وتصبح نافذة متى أقرها المالك. و يكون حكم الهبة في هذه الحالة حكم بيع ملك الغير، لا يقع صحيحا إلا إذا أقره المالك أو كسب الواهب فيما بعد الشيء الموهوب و إذا رفض المالك إقرار الهبة اعتبرت الهبة و كأن لم تكن لعدم صحتها.
Ø     أن لا يكون الواهب معسرا: نصت المادة 278 من م.ح.ع : "لا تصح الهبة ممن كان الدين محيطا بماله".
إن تطبيق المادة أعلاه خلق جملة من المشاكل، لا سيما بالنسبة للمحافظين على الأملاك العقارية، بالنظر إلى التأويلات المتباينة مما حدا بالمحافظ العام إلى إصداره دورية في موضوع تطبيق هذه المادة.
وقد تضمنت هذه الدورية أنه : "وتبعا لاستشارة الأمانة العامة للحكومة التي اقترحت تقديم طلب لوزارة العدل و الحريات لتميم مقتضيات المادة 278 المذكورة، وذلك من أجل تلافي الاختلاف في تأويل مقتضياتها، فقد تمت مراسلة وزارة العدل و الحريات في الموضوع، التي أوضحت من خلال رسالتها الجوابية عدد 24 بتاريخ 5 فبراير 2015، أن الأمر لا يحتاج إلى تعديل تشريعي حيث جاء فيها ما يلي: "ونظرا لكون الإشكال المطروح قد صدر فيه قرار قضائي عن محكمة النقض يفسر مقتضيات المادة 278، فإنه يبدو أن الأمر أصبح لا يحتاج لتعديل تشريعي مستندة في ذلك إلى قرار محكمة النقض رقم 309/1 بتاريخ 3 يونيو 2014 في الملف عدد 2013.11.5299 و الذي تضمن في تعليله : "إن مقتضيات المادة 278 من مدونة الحقوق العينية و إنما تقررت لفائدة الدائنين الذين لهم وحدهم الصفة لطلب إبطال الهبة إذا أحاط الدين بمال الواهب المدين. وأنه أمام موافقة الدائن المرتهن المقيد الوحيد كدائن على الرسم العقاري موضوع الهبة، فإنه ليس هناك مجال للمحافظ على الأملاك العقارية للتمسك بمقتضيات الفصل 278 المذكور. 
و بناء عليه، فإنه لا مانع من الاستجابة لطلبات تقييد أو إيداع عقود الهبة المرفقة بموافقة الدائن المرتهن، و ذلك في حالة عدم الإدلاء برفع اليد عن الرهن، و متى استوفت باقي الشروط المتطلبة قانونا"[49]
و هكذا يتضح أن صياغة المادة 278 م.ح.ع كانت معيبة و خلقت مشاكل عند التطبيق و كان من الأجدر إتباع ما ذهب إليه السلف الصالح من حيث التمييز بين أن يكون الدين حدث قبل القبض أو بعده.
ففي المذهب المالكي ليس لمن أحاط الدين بذمته أن يتصرف في أمواله إضرارا بدائنيه، و إذا فعل كان تصرفه باطلا، يقول ابن رشد في المقدمات الممهدات: "و من أحاط الدين بماله فلا تجوز له هبة و لا صدقة و لا عتق و لا إقرار بدين لمن يتهم عليه، و يجوز بيعه و ابتياعه، ما لم يحجز عليه.... و إن وهب أو تصدق و عليه ديون كثيرة و بيده مالا يدري إن كان يفي بما عليه من الديون أم لا، فالهبة و الصدقة جائزة حتى يعلم أن ما عليه من الدين يستغرق ماله"[50]. و في هذا المعنى يقول الشيخ خليل: "وبطلت إن تأخر لدين محيط". فالهبة و ما في حكمها تبطل بعد إحاطة الدين بالواهب. كما تبطل و لو انعقدت قبله إذا لم تحز إلا بعده. فالشرط في العطية حصول الحوز قبل مانع الموت و الفلس و المرض و الجنون و العته و السفه في المذهب المالكي. يقول الخرشي في شرح قول خليل: "ثم إن الهبة تبطل إذا تأخر حوزها عن الواهب في صحته حتى لحقه دين محيط بما له سواء كان قبل الهبة أو بعدها لفقد الشرط وهو الحوز"[51] ويقول صاحب التحفة:
صدقة تجوز إلا مع مرض موت     وبالدين المحيط تعترض.
وتجدر الإشارة بأن القضاء المغربي لا يقضي بإبطال عقد الهبة كلما طلب منه ذلك ولكن بعد أن يكون الطالب قام بما يلزم من إجراءات قانونية موازية ولا سيما إذا كان الطالب مبنيا على حالة الإعسار.
وهكذا قضى بأن إبطال عقد الهبة رهين بإثبات الدائن عسر المدين الواهب، وأنه تبرع بماله للغير وإضرارا بدائنيه فإنه كان عليه بدءا أن يسعى إلى التنفيذ الجبري للحكم ولتحقيق الرهن بدل المطالبة بإبطال عقد الهبة بدعوى الصورية.[52]

ب- الموهوب له:

إذا كانت صفة الواهب لا تقوم إلا إذا كان كامل الأهلية، ولا سيما أهلية الأداء فإنه بالنسبة  للموهوب له يكفي أهلية الوجوب، فقد نصت المادة 276 من م.ج.ع على أنه: "إذا كان الموهوب له فاقد الأهلية، فيقبل عنه الهبة نائبه الشرعي، فإن لم يكن للموهوب له نائب شرعي عين له القاضي من ينوب عنه في القبول، أما إذا كان الموهوب له ناقص الأهلية فقبوله الهبة يقع صحيحا ولو مع وجود النائب الشرعي''.
ورغم أن الهبة تنعقد بالإيجاب والقبول فإنه مع ذلك يبقى عقدا متوقفا على حصول الحوز قبل حصول المانع حتى يعتد به وترتيب أثاره، ويحصل المانع إما بالوفاة أو الإفلاس أو الجنون.[53] وفي هذا يقل خليل:'' ولا إن بقيت عنده''. يقول الخرشي في شرحه: "والمعنى أن الهبة إذا بقيت عند واهبها إلى أن أفلس أو إلى أن مات فإنها تبطل لفوات الحوز".[54].
وقد اعتبر فقهاء المالكية القبض في الهبة من شروط التمام لا من شروط الصحة، في حين يرى الشافعي وأبي حنيفة أن القبض شرط صحة، بينما قال أحمد وأبو ثور : تصح الهبة بالعقد وليس القبض من شروطها أصلا، لا من شروط تمام ولا من شرط صحة. وقد روي عن أحمد بن حنبل أن القبض من شروطها في المكيل والموزون فعمدة من لم يشترط القبض في الهبة تشبيهها بالبيع وعمدة من اشترط القبض أن أبا بكر رضي الله عنه حين حضرته الوفاة قال لابنته عائشة رضي الله عنها:'' والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك وأعز عليا فقرا بعدي منك وأني كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك وانما اليوم مال وارث...''[55]
أما إذا طلب الموهوب له الهبة من الواهب فامتنع من دفعها له، فجد في تحصيل القبض فلم يتمكن منه حتى مات الواهب فان الهبة لا تبطل قاله ابن الماجشون ومذهب ابن القاسم.[56] وقيل بجبر الواهب على تمكين الموهوب له من الشيء الموهوب لان الهبة تملك بالقبول على المشهور فله طلبها من حيث امتنع ولو عند الحاكم ليجبره على تمكين الموهوب له منها.[57]
وهو ما أخد به ضمنيا المجلس الأعلى (محكمة النقض) عندما قضى بأنه: "ما دام المتبرع لا زال على قيد الحياة و ليس ممن أحاط الدين بماله، فإن المجال يبقى مفتوحا أمام المتبرع له، للجد في طلب الحصول على الحيازة رضاء أو قضاء، و لو في مواجهة المتبرع. و لا تستجيب المحكمة لطلب إبطال التبرع لانتفاء شرط الحوز مادام لم يفت أجل المطالبة به لموت المتبرع أو فلسه[58].
وبالرجوع إلى المادة 273من م.ح.ع التي اشترطت تمليك الموهوب له للعقار الموهوب في حياة الواهب، و أحكام الهبة تسري على الصدقة[59]. إلا أن المادة 274من م.ح.ع في الفقرة الاخيرة منها نصت على أن إدراج الهبة بمطلب التحفيظ، يغني عن الحيازة الفعلية و عن الإخلاء. فما هو وجه التوفيق بين المادتين، و الحال أن مطلب التحفيظ لا يدل على التملك النهائي لاحتمال التعرضات، والمطلب قد يصمد أو يسقط أو يعدل؟
وللتوفيق بين المادتين يجب حذف قول بإدراج الهبة بمطلب التحفيظ و أنه يغني عن الحيازة الفعلية و الإخلاء من نص المادة 274، لأن الأحكام لا تنبني على الاحتمال و الشك لا يزول إلا باليقين، من ثم يبقى الحوز الفعلي هو الأسلم في العقارات غير المحفظة و الحقوق العينية الواقعة عليها[60].
أما بالنسبة للعقارات المحفظة فهناك اتجاه اشترط الحوز الشرعي على أساس أن عقود التبرع و من في حكمها لا يخضع لقانون التحفيظ العقاري، و إنما بصفة حصرية للفقه الإسلامي، في حين يرى جانب من الفقه بأن الحيازة القانونية تغني عن الحيازة الفعلية مستندين على مقتضيات الفصلين 66 و 67 من قانون التحفيظ العقاري الصادر في 12 غشت 1913، اللذان ينصان على أنه إذا لم يقع تسجيل عقد التبرع فلا يعتد به و لا يعتبر من الناحية القانونية موجودا، حتى مع وجود الحيازة الفعلية.
لذلك نرى بأن التدخل التشريعي كان موقفا لحسم النقاش بصفة قطعية و توحيد الاتجاهات الفقهية و القضائية بخصوص الحوز في التبرعات و اعتبر الحيازة القانونية كافية لصحة الهبات بكافة أنواعها، وذلك عندما جاء بصريح العبارة، بأن التقييد بالسجلات العقارية يغني عن الحيازة الفعلية وإخلاء الواهب[61]. و لو أن التعبير غير سليم بالقول بالسجلات العقارية فالصواب الرسوم العقارية. و هذا الموقف لا يتناقض مع المالكية التي لا تشترط القبض لصحة الهبة و لا للزومها، و إنما هو شرط لتمامها.
وتجدر الإشارة، إلى أن الحوز في المنقولات يتم بين الواهب و الموهوب له بالتسليم و القبض عن طريق المناولة و المعاطاة من اليد إلى اليد، إما بالأصالة أو بالنيابة، فالواهب أو غيره حين يخرج الشيء الموهوب من حرزه و يده و يضعه في حرز و يد الموهوب له، يــكــــون قـــد حـــوزه إيـــاه. و الحيازة في المنقول سند الملكية. و ذمة الواهب لا تبرأ إلا بتسليم ما ورد عـــلـــيـــه الالــــتــــزام قـــــدرا و صنفا. و ليس له أن يجبر الموهوب له على قبول شيء آخر[62].

ج- الموهوب :

المحل في الهبة و الصدقة: هو الشيء أو الحق الذي يلتزم الواهب بتسليمه إلى الموهوب له، بدون مقابل. و استنادا على المادة 273 من م.ح.ع يمكن لكل شخص أن يهب لغيره العقارات أو الحقوق العينية العقارية.
وينقسم العقار إلى نوعين، عقار بالتخصيص[63] و عقار بالطبيعة[64]، و بالتالي، هل يمكن أن يكون محلا للهبة العقارات بالطبيعة و كذا بالتخصيص ؟
في اعتقادنا يجب التمييز بين أن تنصب الهبة على العقار و ملحقاته، و بين أن تقتصر على العقار بالتخصيص. فإذا تعلقت الهبة بالعقار بالطبيعة و كذا المنقول الذي رصد لخدمته أو من ملحقاته، تكون الهبة شاملة لكلاهما قياسا على عقد البيع، ذلك أن الالتزام بتسليم الشيء يشمل أيضا توابعه، و بيع الأرض يشمل ما يوجد فيها من مبان و أشجار، كما أن البناء قد يشمل ملحقاته المتصلة به اتصال قرار كالأبواب و النوافذ...
أما إذا تعلق الأمر فقط بالعقار بالتخصيص، تكون الهبة قد انصبت على منقول بعد فصله عن العقار بالطبيعة، و مدونة الحقوق العينية لم تأخذ صراحة بهبة المنقول، عكس القانون المدني الأردني مثلا الذي نص في المادة 566 على انه يكون عقد الهبة في المنقول بالقبض دون حاجة إلى تسجيل[65].
لكن هل يمكن أن يكون محل الهبة حقوقا شخصية، كالديون مثلا ؟
لم تتطرق مدونة الحقوق العينية كذلك لهذا الجانب، غير أنه بالرجوع إلى قانون الالتزامات و العقود، و كذا الراجح و المشهور و ما جرى به العمل من الفقه المالكي، يمكن استنباط إمكانية هبة الديون.
فقد اتفق فقهاء المالكية على جواز هبة الدين، و لم يختلفوا إلا في تكييف هذا الإبراءـ فقيل إنه نقل للملك فيكون من قبيل الهبة و هو الراجح، و قيل إنه إسقاط للحق. فعلى الأول يحتاج لقبول، و على الثاني فلا يحتاج له كالطلاق و العتق فإنهما من قبيل الإسقاط فلا تحتاج المرأة لقبول فض العصمة و لا العبد لقبول الحرية، و ظاهر المذهب المالكي جواز تأخير القبول عن الإيجاب[66].
وهكذا نص الفصل 341من ق.ل.ع على أنه : "يمكن أن يحصل الإبراء صراحة، بأن ينتج عن اتفاق أو توصيل أو أي سند آخر يتضمن تحلل المدين من الدين أو هبته إياه".
وبناء على ذلك، فإن هبة الدين لا تصح إلا إذا قبلها المدين صراحة أو دلالة. لكن التساؤل المطروح هل الهبة تنعقد بالوعد ؟ و هل تصح إذا تعلقت بمال مستقبل ؟
الواقع أن المشرع حسم في هاتين الحالتين وأضاف حالة أخرى عندما اعتبر باطلا:
1-      الوعد بالهبة،
2-      هبة عقار الغير،
3- هبة المال المستقبل[67].
 لكن ما هي مبررات هذا البطلان ؟ و ما هي طبيعته ؟
إن الإجابة على هذين السؤالين، يدخل في إطار نفاد الهبة، و قد عرفنا الهبة بأنها تمليك مال أو حق عينــــي عقاري لآخر بــــدون عـــوض، والتمليك يعني تخــويـــل المـــوهــــوب لـــه حــــق الــــتـــصـــرف و الاستغلال و الاستعمال للعين الموهوبة. في حين أن الوعد بالهبة يدخل في مجال التعبير عن الإرادة الصادرة من طرف واحد، غير أنه لا ينشئ أي التزام تبعا للفصل 14 ق.ل.ع كما أنه لا يخول الموهوب له حق قبض الموهوب.
أما بالنسبة لهبة المال المستقبل، فالقاعدة أنه يجوز أن يكون محل الالتزام شيئا مستقبلا أو غير محقق فيما عدا الاستثناءات المقررة بمقتضى نص قانوني[68]. و يدخل في مجال هذه الاستثناءات هبة عقارات أو حقوق عينية عقارية مستقبلية، فلا يجوز إبرام عقدها إلا بناء على أن يكون الواهب مالكا ملكية حقيقية و واقعية للمال الموهوب، فلا تجوز الهبة على مال محتمل و متوقع في المستقبل إرثا أو وصية أو غير ذلك[69]. و لعل المبرر في ذلك أنه في هذه الحالة ينعدم الحوز، سواء كان الحوز المادي أو القانوني. إذ لا يمكن تصور قيام المحافظ بتنفيذ هذا الوعد بالسجلات العقارية متى كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ، و كذلك الشأن بالنسبة للعقار غير المحفظ عند مطالبته بإدراج مطلب لتحفيظه. لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هل هبة العقارات في طور الإنجاز باطلة أم أن هناك وجها للتأويل ؟
الذي يظهر أن وجود الأشياء إما وجود حقيقي، أو وجود حكمي وثائقي، ففي العقارات في طور الإنجاز، فإن القانون اعتد بالوجود الحكمي بالوثائق و التصاميم و دفاتــر التحملات و جواز التقييد الاحتياطي بالرسم العقاري طبقا للفصل (5-618 ق.ل.ع من ق. 44.00)[70].
وما يسري من بطلان على الحالتين أعلاه يسري كذلك على هبة عقار الغير، ذلك أنه إذا كان من الجائز بيع ملك الغير متى أقره هذا الأخير أو حدث ما يفيد اتحاد الذمة، فإن المشرع رتب البطلان على الهبة بملك غير الواهب المالك للشيء الموهوب لأن الواهب لا يجوز له التبرع إلا بما  يملكه و يتصرف فيه تصرفا تاما.
هذا الاتجاه لم يسير فيه مثلا قانون المعاملات السوداني الذي نص في المادة 231 منه بأنه: "لا ينعقد عقد الهبة إذا كان المال الموهوب غير مملوك للواهب ما لم يجزه المالك و يتم القبض برضاه".
ونحن نعتقد بأن هذا الاتجاه الذي سار فيه المشرع السوداني اتجاه سليم يتماشى مع الفلسفة التي يقوم عليها قانون الالتزامات و العقود المغربي و لا سيما في مجال البيوعات و بالأخص بيع ملك الغير[71].
وصفوة القول فإن من أهم شروط الموهوب أن يكون من العقارات أو الحقوق العقارية الداخلة في دائرة التعامل، و يدخل في حكمها جميع الأشياء و الحقوق التي لا يحرم القانون صراحة التعامل بشأنها[72].  كما أنه لا يوجد ما يمنع من هبة الديون شريطة قبول ذلك من طرف المدين.

د- شكلية إبرام عقد الهبة:

الصيغة أو الشكلية في الهبة شرط صحة و انعقاد، فهي التعبير الصريح عن اقتران الإيجاب بالقبول: فالإيجاب هو أول كلام يصدر من أحد المتعاقدين و هو إما صريح مثل أن يقول الواهب: وهبت هذا الشيء لك، أما ما يجري مجرى الصريح، كقوله: ملكته له، أو جعلته له، أو هو لك، أو خذ هذه الدار و نوى به الهبة. و أما القبول فهو : أن يرد الموهوب له على إيجاب الواهب بقوله: قبلت أو رضيت، أو يعبر عن موافقته بفعل أو إشارة ذات دلالة كافية. أورد ابن جزي في كتابه القوانين الفقهية: أما الصيغة فكل ما يقتضي الإيجاب و القبول من قول أو فعل كلفظ الهبة و العطية و النحلة و شبه ذلك. و هكذا نصت المادة 274 م.ح.ع على أنه : "تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول".
واشتراط قبول الموهوب له على الهبة مرجعه أن الهبة و إنا كانت تبرعا، إلا أنها تثقل عنق الموهوب له بالجميل، و تفرض عليه واجبات أدبية نحو الواهب، و قد يوثر الموهوب له رفض الهبة كما لو استشف من ورائها غايات للواهب لا يحمدها[73].
كما أن الصيغة يلزمها الإثبات حتى تخرج من طور الكلام إلى طور الالتزام و انشغال الذمة، لذا جعل المشرع الكتابة في الهبة شرط صحة و انعقاد، و اشترط في الكتابة أن يأتي محرر الهبة على شكل محرر رسمي تحت طائلة البطلان[74].
وهكذا إذا اتفق العاقدان الواهب و الموهوب له، على إبرام عقد الهبة شفويا أو في محرر عرفي، تعتبر الهبة باطلة و كأنها لم تكن. و النتيجة إذا تقدم أطراف العقد أو أحدهما سواء لتسجيل عقد الهبة الخالي من الرسمية لدى إدارة الضرائب أو تقييده في السجلات العقارية أو لفتح مطلب استنادا له متى كان العقار الموهوب غير محفظ، وجب على مفتش الضرائب أو المحافظ المختص رفض ترتيب أي أثر على هذا العقد. كما أنه في حالة هلاك الموهوب له يحق للورثة استرجاع حيازة العقار من هذا الأخير إذا كان مدخله للعقار عقد هبة باطل.
ويستفاد من هذه الوضعية أن المشرع يسعى إلى استبعاد المحررات العرفية من مجال الهبات و حصرها في المحررات الرسمية التي يحررها العدول و الموثقون.
غير أن ما يمكن الاستفسار عنه أنه إذا اختل شرط من الشروط الشكلية التي يفرضها القانون في العقود التي يتلقاها الموثق، و كانت تحمل توقيع الأطراف تكون لها قيمة العقد العرفي. مما يدفعنا إلى التساؤل ما قيمة هذا العقد بالنسبة للهبات ؟
نعتقد أن المشرع قد حسم هذا الإشكال و لا سيما من خلال المادة 274 ق.ل.ع التي نصت على وجوب تحرير عقد الهبة في محرر رسمي، و هذا يعني أنه إذا أخل شرط من الشروط القانونية المتطلبة في عقود الهبة التي يتلقاها الموثق يكون مصيرها البطلان و لا تتحول إلى عقود عرفية.
والبطلان هنا ليس تلقائيا، و إنما تصرح به المحكمة بناء على طلب كل من له مصلحة أو النيابة العامة، و يتعين إثارة هذا البطلان قبل أي دفع في جوهر القضية.
وقد قضت محكمة النقض بأنه: "بمقتضى المادة 274 من مدونة الحقوق العينية فإن عقد الهبة، يجب تحت طائلة البطلان أن يبرم في محرر رسمي و إنه استنادا لمفهوم المخالفة المستفاد من المادة 4 من نفس المدونة، فإن عقد الهبة الذي رفض المطلوب (المحافظ) تقييده بالرسم العقاري، ليس محررا رسميا و إنما هو مجرد محرر تابث التاريخ مبرم من طرف محام مقبول لدى محكمة النقض. و بالتالي فإنه وقع تحت طائلة البطلان المذكور مما يجعل قرار المحافظ برفض تقييده بالرسم العقاري معللا في إطار السلطة المخولة له بمقتضى الفصل 74 من ظهير التحفيظ العقاري الذي أوجب عليه التحقق من أن الوثائق المدلى بها أمامه تجير له التقييد"[75].
وخلاصة الأمر، أن الهدف من الشكلية في عقود الهبات هو تحقيق الأمن التعاقدي أولا من حيث ضرورة ترجمة التراضي في الهبة في محرر كتابي، و ثانيا من حيث الرسمية، و هذا ما يعطي للالتزام مصداقية و قطعية ما لم يطعن فيه بالزور.

3-  آثار الهبة :

لدراسة أثار يجب التمييز بين آثارها بالنسبة للواهب، وآثارها بالنسبة للموهوب له، وذلك من خلال ما يلي:

أ/ أثار الهبة بالنسبة للواهب:

حددت المادة 281 من م.ح.ع التزامات الواهب حيادا عن التزامات البائع سواء من حيث ضمان الاستحقاق أو العيوب الخفية، فنصت على أنه : ''لا يلتزم الواهب بضمان استحقاق الملك الموهوب من يد الموهوب له، كما لا يلتزم بضمان العيوب الخفية. ولا يكون الواهب مسؤولا عن فعله العمد أو خطئه الجسيم''.
فما المقصود بهذه المقتضيات؟ و إلى أي حد كانت مسايرة للقواعد العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود وما سار عليه السلف الصالح؟
Ø     عدم ضمان الاستحقاق: إن القراءة المتأنية لمقتضيات المادة السالفة الذكر، تفيد بان الواهب لا يلتزم بضمان استحقاق الملك الموهوب من يد الموهوب له، بمعنى أنه ليس من حق الموهوب له الرجوع على الواهب في الحالة التي يتم فيها استحقاق الملك الموهوب، لأنه عقد تبرع، والإحسان لا يرد بالإساءة، جاء في المدونة الكبرى للإمام دار الهجرة:'' قلت: ما الفرق بين الهبة وبين البيع. قال: لأن في البيع تصير له الغلة إلى الضمان ، والهبة ليس فيها الضمان''[76].
وفي المقابل فإن الواهب يضمن  التعرض الصادر عنه، فلا يجوز له أن يأتي أعمالا مادية أو يقوم بتصرفات قانونية تتضمن اعتداء على حقوق الموهوب له. كما يضمن الواهب التعرض الصادر عن الغير وذلك إذا ادعى الغير حقا على الموهوب سابقا على الهبة، أو تاليا لها وكان مستمدا من الواهب، فإذا رفعت على الموهوب له دعوى باستحقاق الشيء الموهوب، ونجح المتعرض الأجنبي في دعواه، فإن الموهوب له يرجع على الواهب بضمان الاستحقاق في حالتين:[77]

الأولى: إذا كان الواهب قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق.

الثانية: إذا كانت الهبة بعوض، ولو  كان الواهب يجهل سبب الاستحقاق على أنه لا يكون مسؤولا إلا بقدر ما أداه له من عوض.
لكن إذا كان الواهب سيء النية في هبته للموهوب له، فترتب عن ذلك أضرارا لهذا الأخير،فان التساؤل الذي يطرح نفسه . هل يكون مسؤولا عن ذلك؟ وما هي التوابع التي يتحملها هذا الواهب من جراء سوء نيته؟ .
هذا ما تجيبنا عنه صراحة بإعمال مفهوم المخالفة للفقرة الأخيرة من المادة 281 من م.ح.ع  التي جاء فيها:'' لا يكون الواهب مسؤولا إلا عن فعله العمد أو خطئه الجسيم.'' و هكذا فإن الضمان في هذا الحالة يتحمل به الواهب، ويسأل عنه عند الاقتضاء مدنيا وحتى زجريا. فليس لأحد أن يسخر من الآخر أو أن يدفع به إلى الخسارة والمشقة، أو أن يمكر وينصب عليه تحت غطاء التبرع، فالواهب وهو يهب عن علم ملكا مملوكا للغير، أو مسروقا، أو مثقلا بدين أو حجز، أو عبء ضريبي ، والهبة وغيرها في هذا الوضع ليست بالهبة أصلا فهي منعدمة. ومن ثم فالواهب يسأل عن ذلك وهذا ما أكدته الفقرة الأخيرة من الفصل 203 من ق. ل. ع  الذي ينص على أن: '' من أحال بدون عوض لا يضمن حتى وجود الدين أو الحق المحال وإنما يكون مسؤولا عما يترتب عن تدليسه'' .
Ø     عدم ضمان العيوب الخفية: كما أن الواهب لا يلتزم بضمان العيوب الخفية.[78] المنصبة على العقار الموهوب والمقصود بهذه العيوب تلك التي لا يمكن التعرف على وجودها إلا بإجراء خبرة أو نتيجة تغيير في طبيعة العقار الموهوب بسبب القدم أو غش في المباني أو غير ذلك.
وبمفهوم المخالفة للفقرة الأخيرة من المادة 281 من م.ح.ع التي جاء فيها : "لا يكون الواهب مسؤولا إلا عن فعله العمد أو خطئه الجسيم، و كذا العبارة الواردة في الفقرة الأولى من نفس المادة: " كما يلتزم بضمان العيوب الخفية". فإن ضمان العيوب الخفية في العين الموهوبة يقع على الواهب في الأحوال الذي يضمن فيها الاستحقاق، و هي:

أولا: إذا تعمد الواهب إخفاء العيب، فإن كان عالما بالعيب و لكنه لم يتعمد إخفاءه، لم يجب عليه الضمان.
ثانيا: إذا ضمن الواهب بإنفاق خاص خلو العين الموهوبة من العين، ثم ظهر عيب[79].
ثالثا : إذا نقصت قيمة الموهوب نقصا محسوسا يجعله غير صالح للاستعمال فيما أعد له. و الضمان هنا لا يتعلق إلا بتلك العيوب التي كانت موجودة عند التسليم.

Ø     تسليم الشيء الموهوب: والتسليم طبقا للقواعد العامة لا يتم إلا بإخلاء المحل الموهوب، و وضعه تحت تصرف الموهوب له بحيث يمكن حيازته بدون عائق، كما يلتزم الواهب بتسليم العقار بالحالة التي هو عليه مرفقا بتوابعه و مشتملاته حسب العقد أو ما جرى العرف عليه.
والملاحظ أن المشرع لم يشترط لصحة الهبة، أن يقع تسليم الموهوب ماديا بل يكفي التسليم الحكمي، ويكون ذلك إما عن طريق التقييد في السجلات العقارية أو إيداع مطلب التحفيظ لدى المحافظة العقارية لموقع العقار الموهوب إذا كان العقار غير محفظ[80].

ب- آثار الهبة على الموهوب له:

نصت المادة 282 م.ح.ع على هذه الآثار بقولها: "نفقات عقد الهبة و مصروفات تسليم الملك الموهوب و نقل ملكيته تكون على الموهوب له، ما لم يتفق على غير ذلك". و هذا ما سنحاول تبيانه كالتالي:
Ø     الالتزام بتحمل نفقات عقد الهبة و نقل ملكية الموهوب: يقصد بنفقات عقد الهبة، نفقات تحرير المحرر الرسمي و كذا مصروفات التسجيل لدى مصالح الضريبة بالإضافة إلى مصاريف التقييد أو التحفيظ.
و في الحالة التي يكون الموهوب متكفل بتحملات عقارية، يكون الموهوب له ملتزما بالتشطيب على هذه التحملات و أداء الديون التي كانت سببا لرهنه.
وقد أحسن المشرع حينما جعل طبيعة الالتزامات ليس من القواعد الآمرة، فنص بالعبارة التالية في المادة السالفة الذكر: "ما لم يتفق على غير ذلك" لأن الأصل الغالب في الهبة المحضة أن يكون الواهب قد أراد تحمل هذه النفقات فتتحقق رغبته، فيلتزم بذلك، و يعفي الموهوب له من ذلك و خاصة إذا كانت معسرا.
Ø     الالتزام بمصروفات التسليم: إذا كان الواهب ملزما بتسليم العقار الموهوب، فإنه في المقابل يكون الموهوب له ملزما بمصاريف هذا التسليم.
ومصاريف التسليم أو التملك هي بالإضافة إلى مصاريف الحيازة الفعلية أو القانونية، المصروفات القضائية التي قد ينفقها على دعوى الضمان و كذا الخسائر المترتبة عن الاستحقاق في الحالة التي لا يسند للواهب أي خطأ أو تقصير كما أسلفا، ما لم يتفق على خلاف ذلك[81].

4)الاعتصار في الهبة :

إذا كان المشرع منع الاعتصار في الصدقة مطلقا،[82] كما هو مقرر  فقها، فإنه أجازها في الهبة متى كانت هناك أعذار قانونية مقبولة.
وبالرجوع لمدونة الحقوق العينية نلاحظ أن المشرع المغربي قد أطلق على الرجوع في الهبة الاعتصار، والذي يعد مصطلحا مالكيا صرفا انفرد به الفقه المالكي دون غيره من المذاهب الفقهية الإسلامية، وذلك بمقتضى المواد من 283 إلى 289.
ويعتبر الاعتصار في الهبة لغة:" الاستخراج من يد الموهوب له"، واصطلاحا: عرفه ابن عرفة :''هو ارتجاع المعطي دون عوض بلا طوع المعطي" .[83] وعرفته مدونة الحقوق العينية ضمنيا بقولها في المادة 283 '' يراد بالاعتصار رجوع الواهب في هبته...''.
وعليه سندرس في هذا المبحث متى يمكن الرجوع في الهبة، وموانع الاعتصار وآثاره من ثلاث فقرات:

الفقرة الأولى: جواز الرجوع في الهبة.

الأصل في العقود اللزوم أي أن العقد يلزم طرفيه، ولا يستطيع أحد الطرفين المتعاقدين بعد العقد التحلل من الالتزامات التي رتبها العقد بإرادته المنفردة، وسند هذا الأصل قوله سبحانه وتعالى: '' يأيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود''[84]. وسندها في القانون ما نص عليه الفصل 18 ق. ل. ع الذي جاء فيه: الالتزامات الصادرة من طرف واحد تلزم من صدرت منه بمجرد وصولها إلى الملتزم له.''
ولما كانت الهبة من العقود الرضائية، فإنها تخضع لهذا المبدأ العام، أي أنها عقد ملزم، لا يجوز لأحد طرفيه أن يستقل بنقضه أو تعديل أحكامه، إلا في الحدود التي يسمح بها الاتفاق والقانون.
لكن المشرع المغربي أثر كغيره من التشريعات الأخرى، أن يخالف هذه القاعدة بالنسبة لعقد الهبة، فأجاز بعد تقريره الأصل العام بعدم اعتصار الواهب في هبته مهتديا بأحكام الفقه الإسلامي، في حالات معينة اعتصار الواهب حتى بعد التوثيق والحوز وفق ضوابط معينة.[85]
وقد اختلف السلف الصالح بخصوص الاعتصار في الهبة، فذهب الإمام مالك وجمهور علماء المدينة بأنه لا يجوز الرجوع في الهبة إلا في حالة هبة الوالد لولده وإن وقع القبض فله أن يعتصر ما وهبه لابنه، والأم كذلك بشرط أن يكون ولدها وقت الهبة كبيرا كان للولد أب أو أم  لا، وإن كان صغيرا كان لها الاعتصار إن كان له أب، فان تيتم  الصغير بعد الهبة ليس لها الاعتصار.[86] والأصل في ذلك يرجع إلى حديث طاوس، أنه صلى الله عليه وسلم قال: '' لا يحل لأحد يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد". والحديث كما يتبن استثنى الأب، وأما الأم فمن باب القياس، فقد قاسها مالك عليه، جاء في المدونة الكبرى:'' قلت ، أرأيت إن وهبت الأم  لأولادها وهم كبار أيجوز لها أن تعتصرها قبل أن يحدثوا فيها شيئا أم  لا في قول مالك، قال : نعم يجوز لها أن تعتصرها في قول مالك لأن مالك قال لي في الأب له أن يعتصر والأم مثله.'' بينما الشافعي قال يعتصر الأب والأم وأضاف الجد والجدة. وقال أبو حنيفة لا يعتصر من وهب لذي رحم محرم بخلاف الأجنبي، وقال ابن حنبل والظاهرية لا يجوز الاعتصار لأحد[87] وسندهم في ذلك أخذهم بعموم حديث ابن عباس، قال فيه صلى الله عليه وسلم :'' العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه''. عكس الصدقة فلا رجوع فيها أصلا ولا ينبغي للواهب أن برتجعها بشراء ولا غيره ما لم يكن سبب الارتجاع ميراثا.
وحتى بالنسبة للاعتصار في الهبة فلا يجوز عند المالكية إلا بتحقق خمسة شروط التالية:
-          أن   لا يتزوج الولد بعد الهبة.
-          ولا يحدث دينا لأجل.
-          ألا تتغير الهبة عن حالها.
-          أن لا يحدث الموهوب له فيها حدثا[88]
-          وأن لا يمرض الواهب أو الموهوب.
وعليه فما هي مبررات الاعتصار أو الرجوع في الهبة في التقنين المغربي؟ وهل سار على نهج ما ذهب إليه الفقه الإسلامي، وخاصة الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي؟ أم سار على خلاف ذلك لأسباب معينة؟
كمبدأ عام استند المشرع في سنه لمبررات الرجوع في الهبة إلى الفقه المالكي إلا انه عادل بين الأب والأم في الرجوع عن ما وهبه لولدهما دون مراعاة الاستئناءات التي تحدثنا عنها بالنسبة للأم عند المالكية، وكأنه تأثر بمبدأ المساواة والمناصفة الفضفاضة فخالف الراجح والمشهور وما جرى به العمل عند المالكية.
وفي جميع الأحوال فإن الرجوع في الهبة يكون بالتراضي أو عن طريق القضاء[89]. فإذا نحا الواهب إلى التراضي وجب تحقق ثلاثة شروط التالية:
أ‌-        الإشهاد على الاعتصار: إلا أن المشرع لم يبين كيفية هذا الإشهاد، هل عن طريق اللفيق أو محرر كتابي عرفيا أو رسمي.
ب‌-    التنصيص على إمكانية الرجوع في عقد الهبة: وفي هذه الحالة يكون الاعتصار  في الهبة معلقا على شرط فاسخ وقد تحقق.
وهذين الشرطين تم استنباطهما من المادة 284 من م.ح.ع التي جاء فيها: '' لا يجوز للوالد أن يعتصر ما وهب إلا إذا أشهد بالاعتصار، وتم التنصيص عليه في عقد الهبة وقبل ذلك الموهوب له.''
لكن التساؤل ما هو الأجل الذي يتعين فيه على الواهب الإعلان عن رغبته في الإعتصار؟
للأسف لا نجد جوابا في مدونة الحقوق العينية، غير أنه في اعتقادنا يمكن القياس على البيع المعلق على شرط واقف أو ما يسمى بيع الخيار وفي هذه الحالة يمكن الرجوع إلى الأجل المتفق عليه في العقد، وفي حالة سكوت أثناء التعاقد يفترض أن المتعاقدين ارتضوا الأجل المقرر عرفا. وفي جميع الأحوال داخل 60 يوما من تاريخ إبرام عقد الهبة لما في ذلك من حفاظ على استقرار المعاملات.[90]

ج‌-     قبول الموهوب له شرط الاعتصار: وهذه الحالة تقتصر على الاعتصار بالتراضي وقد تكرس هذا الاتجاه عندما أكد المشرع على أنه لا يمكن الاعتصار إلا بحضور الموهوب له وموافقته.[91]
أما في حالة النزاع فلابد من الرجوع إلى القضاء للمطالبة بفسخ عقد الهبة مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية. وفي هذه الحالة يتعين على الواهب المعتصر إثبات ما يلي: توفر الشروط الشكلية لقبول الدعوى طبقا للمادة 1 من ق.م.م –تبرير الاعتصار بأسباب مقبولة – انتقاء المانع من الرجوع في الهبة ، كما سنوضحه في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: موانع الاعتصار:

إذا كانت القاعدة هي عدم جواز الاعتصار في الهبة إلا في حالات استثنائية، فإن المشرع المغربي جعل لهذا الاستثناء الأصلي استثناءات فرعية، بحيث منع فيها الاعتصار حفاظا إما على أواصر المحبة والروابط العائلية أو استقرار المعاملات.
وقد أوردت مدونة الحقوق العينية من خلال المادة 285 من م.ح.ع ثمانية حالات لا يقبل الاعتصار فيها، وهي واردة على سبيل الحصر، والتي تتمثل فيما يلي:
Ø     قيام رابطة الزوجية: ارتأت مدونة الحقوق العينية حفاظا على دوام العشرة بين الزوجين، واستقرار الأسرة الذي تنشده المادة الرابعة من مدونة الأسرة، منع الزوج من الرجوع في الهبة التي سبق أن منحها لزوجه الاخر مادامت العلاقة الزوجية قائمة، كما يظهر أنه لا يحق الرجوع ولو عجز عن الإنفاق على نفسه وعلى من تلزمه نفقته.[92]
ومما يجدر ذكره أن بعض التشريعات العربية لم تحصر موانع الرجوع فقط في العلاقة الزوجية قائمة، بل أضافت إليها الهبة لذي رحم محرم ما لم يترتب عليها المفاضلة بين هؤلاء بدون مبرر.[93] أما إذا كانت لذي رحم غير محرم كأولاد العم أو الخال فيمكن الرجوع فيها.
ونحن نعتقد بأنه كان على المشرع الأخذ بهذا الاستثناء كذلك لأنه يحافظ على أواصر العلاقة العائلية. ومن ثم يمكن الرجوع في الهبات التي قد تكون قبل الزواج أي فترة الخطوبة أو بعد انحلال ميثاق العلاقة الزوجية وانتهت العدة إذا كان طلاقا رجعيا، وكذلك لمحرم غر ذي رحم كأم الزوجة أو أبوها.
Ø     موت أحد العاقدين قبل الاعتصار: ما دامت الهبة من العقود الرضائية التي يكون فيها للعامل الشخصي محل اعتبار، فإنه لا يورث حق الاعتصار لورثة الواهب سواء مات الواهب أو الموهوب له، لأن الهبة تصبح حقا لورثته.
Ø     مرض أحد العاقدين مرضا مخوفا يخشى معه الموت: أي أنه إذا مرض الواهب، ووهب على ولده وهو في المرض المخوف. فإنه لا يجوز له اعتصار الهبة في هذه الحالة. كما إذا كان مرض الموهوب له مرض الموت، كمرض الولد الموهوب له المتصل مرضه بموته، فمنع على الأب أو الأم الرجوع في الهبة، لأنه إذا مات كانت الهبة حق لورثته.
أما إذا زال المرض عاد الحق في الاعتصار، وتقدير المرض الذي يغلب عليه الموت من عدمه مسـألة فنية يحددها أهل الخبرة.
Ø     زواج الموهوب له بعد إبرام عقد الهبة ومن أجلها: قد يبني الموهوب له حياته الخاصة على ما دخل في ذمته المالية من هبة ، ويبادر بتأسيس عائلته الصغيرة على هذا الوضع المالي المريح، فهنا منع المشرع الاعتصار في الهبة لما قد يلحق الموهوب له وغيره من أضرار قد تعصف بالعائلة.
Ø     تصرف الموهوب له في الهبة تصرفا يخرجه من ملكيه: إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب ببيع أو  رهن أو صدقة وغيرها من أنواع التصرفات التي تشمله بالكلية، منع الواهب في هذه الحالة من الرجوع في هبته. وإذا اقتصر التفويت فقط على جزء من الشيء الموهوب، في هذه الحالة جاز للواهب الرجوع في الجزء غير المشمول بالتفويت.
Ø     تعامل الغير مع الموهوب له تعامل ماليا اعتمادا على الهبة: أي من موانع الرجوع في الهبة، فيما إذا تعامل شخص أجنبي مع الموهوب له، في عملية مالية، بأن عقد الغير معه ببيع أو تصرف ما له ارتباط بالهبة أو موضوعها، واعتمادا عليها فلا يجوز الاعتصار والرجوع في الهبة.[94]
Ø     مانع تغير حالة الموهوب: نظرا لأن الهبة هي تمليك للشيء الموهوب بدون عوض، فإن الموهوب له قد يتعامل في الموهوب تعامل المالك في ملكه فينشئ عليه منشأت وأغرس قد تكون مكلفة مالية وتكون سببا في فائض القيمة بالنسبة للموهوب ومراعاة لاستقرار المعاملات ورغبة في تشجيع الاستمرار في المجال العقاري، منع المشرع الاعتصار في مثل هذه الحالات.
وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى(محكمة النقض) ما يلي:'' إن بناء الدار على الأرض التي أعطيت للمعطى له بعد القسمة لا يمكن الرجوع في العطية بسبب التغيرات الحاصلة في الأرض.''[95]
Ø     مانع الهلاك: يقصد بهلاك الموهوب الحالة التي يكون محل الهبة قد هلك إما بحسب طبيعته أو بحكم القانون. وقد يكون بحكم الطبيعة عندما يندثر هذا المحل بسبب القدم أو عيب في البناء، كما قد يكون بحكم القانون نتيجة المساهمة في إنجاز الطرق العامة الجماعية مثلا.
وقد ميز المشرع بين الهلاك الكلي فهناك لا مجال للاعتصار أما إذا كان جزئيا أمكن الرجوع في الهبة فيما تبقى من الموهوب.
وخلاصة الأمر، فإن الاعتصار مسطرة قانونية يعتمدها الواهب من أجل استرداد الموهوب، ما لم تكن هناك موانع قانونية تمنع من الاعتصار.

5) آثار الاعتصار في الهبة:

ينجم عن الاعتصار في الهبة حبيا أو عن طريق القضاء، فسخ العقد ورد الملك الموهوب إلى صاحبه، ويترتب على هذا الاعتصار آثار سواء بالنسبة للواهب أو بالنسبة للموهوب حددها المشرع في المواد 287 و288 و289من مدونة الحقوق العينية يمكن إجمالها فيما يلي:
أ‌-        فسخ عقد الهبة من تاريخ الاعتصار
ب‌-    رد الموهوب للواهب
ج-رجوع الواهب بالثمرات
د-رجوع الموهوب له بالمصروفات
وسنحاول تفصيل كل أثر على حدة من خلال الفقرات التالية:

الفقرة الأولى:فسخ عقد الهبة من تاريخ الاعتصار.

من أهم النتائج المترتبة على الاعتصار، فسخ عقد الهبة، ولا يمكن اعتصار كما سبق الكلام إلا في الحالتين الواردتين في المادة 283 من م.ج.ع، لكن تنفيذ الفسخ يتوقف على إجراءات أو استنفاذ لطرق الطعن وصوائر يتحمل بها الواهب.
ويسري أثر الفسخ من تاريخ  الإشهاد به على الطرفين، أو من تاريخ الحكم النهائي القاضي به.

الفقرة الثانية: رد الموهوب للواهب.

بمجرد ما يقع الاعتصار يتعين إرجاع حيازة الموهوب إلى الواهب بصفة تلقائية، أما ملكيته فلا تنتقل إلى الواهب إلا بعد تقييد الاتفاق أو الحكم النهائي بالمحافظة العقارية متى كان العقار محفظا أو في طور التحفيظ. و قد حدد الفصل 65 مكرر من قانون التحفيظ العقاري الأجل القانوني لإنجاز هذا التقييد في 3 أشهر بالنسبة للأحكام و القرارات القضائية ابتداء من تاريخ حيازتها لقوة الشيء المقضى به، و العقود الرسمية ابتداء من تاريخ تحريرها.
أما الحالة التي يطالب المعتصر الموهوب له رد الموهوب و يتثاقل رغم إنذاره، فإنه يكون مسؤول عن هلاك الموهوب.
وفي المقابل لا يمكن للمعتصر أن يسترد الموهوب في الحالة التي لا يقع هناك اتفاق و التجأ إلى القضاء و تم رفض طلبه، و إذا استرده عنوة يكون مسؤولا عن هلاكه مع التعويض عند الاقتضاء[96]

الفقرة الثالثة: رجوع الواهب بالثمار.

يستفاد من الفقرة الثانية من المادة 287 من م.ح.ع بعدم إلزام الموهوب له برد الثمار إلا من تاريخ الاتفاق أو تاريخ الحكم النهائي في الدعوى.
والجدير بالتنبيه أن بعض التشريعات العربية سارت في اتجاه أن رد الثمار يكون من تاريخ رفع الدعوى لا من تاريخ صدور الحكم فيها، و هذا حال القانون المدني العراقي الذي نص في مادته 264/2 على أنه لا يرد الموهوب له الثمار إلا من وقت الاتفاق على الرجوع أو من وقت رفع الدعوى.
ونحن نعتقد أن الاتجاه الذي سار فيه المشرع العراقي أقرب إلى الصواب على اعتبار أن يد الموهوب له قبل رفع الدعوى تكون يد حسن النية، أما بعد رفع الدعوى فلا مجال للتمسك بحسن النية[97].

الفقرة الرابعة: رجوع الموهوب له بالمصروفات الضرورية التي أنفقها على الموهوب:

خولت الفقرة الثانية من المادة 287 من م.ح.ع الموهوب له حق استرداد النفقات الضرورية التي أنفقها على الموهوب، أما النفقات النافعة و نفقات الزينة فلا يسترد منها إلا ما زاد في قيمته.
وهذا يعني أنه لا شيء يمنع الموهوب له في استثمار بعض أمواله في الموهوب طالما أنه المالك له، غير أنه في الحالة التي يتم الاعتصار في الهبة فإنه لا يمكنه المطالبة باسترجاع كامل المصاريف التي أنفقها باستثناء النفقات الضرورية التي أنفقها حفاظا على الموهوب، و لا يمكنه بالتالي المطالبة بالنفقات النافعة أو نفقات الزينة إلا بمقدار ما أضافته من قيمة الموهوب. و هنا نتساءل عن ما المقصود بالنفقات الضرورية ؟
المقصود بها تلك النفقات التي قد ينفقها الموهوب له من أجل حسن تدبير و تسيير الموهوب كنفقات الزراعة و الري و الصيانة و جني الثمار متى كان العقار الموهوب فلاحيا مثلا، و مصاريف إعادة أساسات العقار متى كان البناء قديما أو آيلا للسقوط.

II-      الوصـــيــة:

1-التعريف بالوصية، و حكمها، و الحكمة منها:

أ-مفهوم الوصية:

الوصية لغة : "الوصل و العهد"[98]. و اصطلاحا: قال ابن عرفة المالكي : "الوصية في عرف الفقهاء لا الفراض: عقد يوجب في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده"[99]. و إلى هذا أشار القانون المغربي في المادة 277 من م.أ بقوله : "الوصية عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بموته".

ب-حكمها :

Ø     الوجوب : تكون الوصية واجبة إذا كان عدم القيام بها يؤدي إلى تفويت حق من حقوق العباد كدين أو وديعة فيجب الإيصاء بها قبل الموت.
Ø     الاستحباب : بشرط ان يكون القصد منها تحقيق نفع و مصلحة للفرد أو الجماعة كالوصية لدور العلم و المستشفيات و الفقراء.
Ø     الإباحة : و تكون الوصية مباحة إذا كانت لغني لا يقصد بها معصية و لا يكون في الباعث عليها معصية.
Ø     الكراهة : إذا كانت الوصية لأهل الفسق حتى لا يستعين بها على فسقه و فجوره، أو أوصى لأجنبي و ماله قليل و ورثته كثر من غير قصد الإضرار، لأن ورثته خير إغناء أجنبي.
Ø     التحريم : و ذلك إذا كانت الوصية بمحرم كالوصية بخمر أو لبناء حانة أو ناد للقمار و غير ذلك.

ج-حكمة الوصية:

شرعت الوصية لتدارك ما فات الإنسان من عمل البر في حياته فيحصل على الثواب بـــإيصائــــه، و في الوصية تقوية الصلة بين أفراد المجتمع، لما فيها من البر بالناس و المواساة لهم.

2-أوجه الاتفاق و الاختلاف بين الوصية و بعض التصرفات:

أ-الوصية و الهبة:

Ø     نقط الاتفاق: انتماؤهما لفقه، اشتراكهما في بعض الأحكام
Ø     نقط الاختلاف: التمليك المستفاد من الهبة يثبت في الحال، أما التمليك المستفاد من الوصية فلا يكون إلا بعد الموت. هذا من جهة و من جهة أخرى، فالهبة لا تكون إلا بالعين، و الوصية تكون بالعين و بالدين و بالمنفعة[100].

ب-الوصية و الإرث:

Ø     نقط الاشتراك: كل من الإرث و الوصية حق متعلق بتركة الميت يصل إلى الغير بدون عوض، و كل منهما يبطل بوفاة المستفيد قبل صاحب التركة أو معه أو في حال الشك من السابق بينهما، و بالطبع كل منهما متعلق بوفاة المالك.
Ø     نقط الاختلاف: يرتبط الإرث بأسباب معينة و يتأثر بموانع لا يمكن تجاوزها، بينما الوصية لا تتوقف على أسباب و لا تتأثر بموانع. كما أن الإرث حق جبري ينتقل إلى الوارث بمقتضى الشرع بغير إرادته و لا إرادة الموروث، بينما الوصية تصرف اختياري يتم بإرادة الطرفين[101].

3-الوصية كسب لاكتساب الملكية التامة:

الوصية عمل من أعمال البر، التي يتدارك بها الإنسان ما فاته في حياته، و هي صلة لحياته لما بعد وفاته، و تدخل في المعنى العام للتبرعات، لأنه لما كان الإنسان حين يموت تنقطع صلته بأمواله بمجرد موته، و يتعلق بها حق الغير و هم الوارثون كان مقتضى هذا ألا تصح وصايا الإنسان، لأنها تصرف في التركة بعد الموت، و لكن لما كان في الوصية من مزايا حسنة، و عمل خيري، أجازها الشارع بالأدلة الشرعية قولا و عملا، و جعلها سببا من أسباب الملكية بالخلافة عن المالك، لأن هذا النوع هو الذي تؤول الملكية فيه إلى شخص له صلة بالمالك الميت[102].
هذا ما أكده المشرع المغربي صراحة في المجال العقاري حين نص في الفصل الرابع من الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية الخاص بأسباب كسب الملكية في المادة 264 التي نصت على أنه: "تنتقل ملكية الحقوق العينية العقارية عن طريق الإرث و الوصية و تسري عليهما أحكام مدونة الأسرة".
إذا، فالموصى له يكتسب بطريقة الوصية الحق الموصى به في العقار الموصى به، و الوصية لا تنتج أثرها إلا بعد وفاة الموصي، و لم يكن قد تراجع عن وصيته، و تطبق أحكام مدونة الأسرة على الوصية بمقتضى الإحالة عليها بنص المادة السالفة الذكر، و بالخصوص الكتاب الخامس المتعلق بالوصية و أحكامها.
وبما أن غايتنا من التطرق للوصية ليس التطرق لدراسة أحكامها و ما يتعلق بها، و إنما باعتبارها سبب من أسباب كسب الملكية، فنكتفي بدراسة الشروط التي تتوقف عليها الوصية لانتقال من الموصي إلى الموصى له، و تتركز في شرطين أساسيين هما :

الشرط الأول:وفاة الموصي:

الوصية متوقف نفاد عقدها على وفاة الموصي، و بذلك تخالف الوصية بعض العطايا (كالهبة و الحبس و العمري) التي تحاز في حياة المعطي و إلا بطلت، و تبعا لذلك إذا توفي الموصي و لم يرجع عن وصيته، تكون هذه الوصية سببا لكسب الموصى له العقار الموصى به، و تسري أحكام مدونة الأسرة على الوصية بالنسبة للموصى له.
ولكن هل يتعلق حق الموصى له الذي لا يزال في طيات العدم بتركة الموصي الذي توفي، ولم يتراجع عن وصيته؟
يقول الشيخ إبراهيم أحمد: أن حق الملتزم له قد يتعلق بمال الملتزم و الملتزم له لا يزال في طيات العدم لم يبرز إلى عالم الوجود لا حقيقة ولا حكما ولكنه يتوقع وجوده فيما بعد بحكم العادة ودلالة القرائن الظاهرة. ومن أمثلة ذلك أن يوصي زيد لأول مولود يولد لبكر بضيعته بما فيها من الماشية وأدوات وغيرها مما هو تابع لها، ثم يموت زيد والوصية تخرج من قبل أن يولد لبكر ولد، بل قبل أن يتزوج بكرا، ثم يولد له ولد، فالوصية صحيحة على مذهب الإمام مالك. وتكون الضيعة ملكا لذلك المولود وكذا فوائدها وثمراثها التي حدثت بعد موت الموصي وقبل الولادة.[103] وهذا ما أخد به المشرع المغربي بنصه في المادة 282 من م.ح.ع: تصح الوصية لمن كان موجودا وقتها أو منتظر الوجود.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هل يكتسب الموصى له الحق الموصى به بمجرد وفاة الموصي ؟ أم من تاريخ تسجيل الحق الموصى به في الرسم العقاري ؟
هذا ما يجيبنا عنه قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض) الذي جاء  فيه: "تعتبر الوصية حقا من حقوق التركة كما تنص على ذلك المادة 322 من مدونة الأسرة، و هي كاشفة للحق الذي ينشأ من تاريخ وفاة الموصي و ليس من تاريخ تسجيل الوصية في الرسم العقاري[104].

الشرط الثاني: قبول الموصى له:

إن الأثر المترتب على الوصية هو انتقال ملكية الموصى به إلى ملك الموصى له، لكن بشرط قبوله الوصية بعد وفاة الموصي تصبح الوصية لازمة بالاتفاق، لأنه بمجرد القبول بعد الموت يلزم العقد، و بالتالي يلزم حكمه و هو ثبوت الملك، ، غير أن الموصي قد يحدد أثناء وصيته وقتا تبتدئ به الملكية بعد وفاته بأن قال مثلا: هذه القطعة من الأرض وصحية لخالد بعد وفاتي بشهرين، و قبل خالد ذلك بعد الوفاة، فإن ملك خالد لهذه القطعة من الأرض لا يثبت إلا بعد مضي شهرين من وفاة الموصي، لأن شروط الموصي يجب احترامها، مادامت لا تخالف مقصدا من مقاصد الشارع، و هذه مسألة لا خلاف فيها بين الفقهاء.
وذلك ما أخذت به مدونة الأسرة في المادة 285 بقولها : "يصح تعليق الوصية بالشرط و تقييدها به إن كان الشرط صحيحا، و الشرط الصحيح ما كان فيه مصلحة للموصي أو للموصى له أو لغيرهما و لم يكن مخالفا للمقاصد الشرعية".
أما إذا لم يحدد الموصي وقتا لثبوت الملكية، بأن قال مثلا: هذه الدار وصية لعمر، و لم يقبل عمر الوصية إلا بعد مضي فترة من وقت الوفاة، فإن الفقهاء اختلفوا في وقت ثبوت الملكية، أيكون وقت الموت أم وقت القبول على رأيين:

الرأي الأول: و هو للحنابلة و بعض المالكية: أن العبرة بوقت القبول، فمتى تحقق القبول من طرف الموصى له ثبت له الملك من حينه، لأن القبول شرط و ثبوت الملك حكم و الحكم لا يتقدم على شرطه. و بناء على هذا الرأي تكون الغلات الحاصلة بعد الموت و قبل القبول للورثة لأنها نتاج ملكهم.

الرأي الثاني: و هو للحنفية و الشافعية و المالكية: أن العبرة بوقت الموت، فإذا تحقق القبول و لو متأخرا ثبت ملك الموصى له في الموصي به، من وقت موت الموصي فالعبرة عند هؤلاء بالقبول مستندا إلى موت الموصي، لأن بقبول الموصى له الوصية تبين أنه ملك الموصى له من حين الموت، أي أن القبول ليس سببا لكسب الملكية و إنما هو كاشف عنها فقط، و بناء على هذا الرأي تكون الغلات و الزوائد الحاصلة بعد الموت، كما إذا كان الموصى به شجرا فأثمر، فإنه ملكا للموصى له، على أن نفقات الموصى به تكون على هذا الأخير يطالب بها الوارث

المحور الثاني : الوقائع القانونية المكسبة لملكية العقار


إن الوقائع القانونية المكسبة للملكية كما سبق التطرق إليها تتمثل في الإرث، إحياء الأراضي الموات و الالتصاق الطبيعي و الاصطناعي.أولا . و في عقود التملك الجبري ثانيا.

أولا : الإرث وإحياء الأراضي الموات والالتصاق

 نظرا لسبقية التعرض للسببين الأخيرين في الجزء الأول موضوع العرض الثالث ، فإننا سنقتصر على سبب الإرث فقط.

أولا – الإرث

الإرث هو انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بلا تبرع ولا معاوضة ( المادة 323 مدونة الأسرة)
الإرث خلفية يحل بها الوارث محل المتوفى في ملكية أمواله المخلفة التي تسمى تركة. وفي المسؤوليات المالية بتلك التركة. الفقه المتعلق بالإرث و علم ما يوصل لمعرفة قدر ما يجب لكل ذي حق في التركة يسمى علم الفرائض.[105]
كما ان الإرث معدود من نظم الشريعة ، إي من النظام العام فيها. فكما يتلقى الوارث هذه الخميرة الإرثية عن سلفه يحيلها هو بدوره إلى خلفه، ولهذا كان الإرث سببا طبيعيا للتملك ، ثابتا بحكم الشريعة دون حاجة إلى سابق اتفاق أو وصية ، ولا يتوقف على قبول الوارث بعد وفاة المورث ، ولا يرتد برده ورفضه كما ترد الوصية برد الموصى لها .[106]

شروط اكتساب الملكية بالإرث:
- أن لا يكون على المتوفى دين أو حق متعلق بأعيان التركة مستغرق للتركة.
- تحقق أسباب الإرث : القرابة والزوجية
- انتفاء موانع الإرث. ( عش لك رزقا )
إن الحق في اكتساب الملكية بالإرث يرتب في الرتبة الخامسة بالنسبة للحقوق المتعلقة بالتركة
 المادة 322 من مدونة الأسرة
تكتسب الملكية والحقوق العينية بالإرث أو بالوصية بمجرد الوفاة وبعد تصفية التركة، ولكن أثر هذا الاكتساب بالنسبة للعقارات المحفظة يتوقف على تقييد الحق المكتسب في السجل العقاري. و هذه العملية ليست لها اثر منشئ  لان الوريث يعتبر مالكا للعقارات التي خلفها المورث بقوة القانون بمجرد الوفاة وحتى قبل أي تسجيل في السجل العقاري ، وأن التسجيل في هذه الحالة لا يكون له اثر  منشئ وإنما اثر كاشف.[107]
وهذا ما يستفاد من الفصلين 66 و 67 من القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري :
الفصل 66 : كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده ، ابتداء من يوم  
التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية.
الفصل 67 : إن الأفعال الإرادية و الاتفاقات التعاقدية ، الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الإقرار به أو تغييره أو إسقاطه ، لا تنتج أي اثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد بالرسم العقاري دون الإضرار ........
الشيء الذي أكده الاجتهاد القضائي كذلك، حيث قررت  محكمة النقض في إحدى قراراتها ما يلي :
” إذا كانت مقتضيات الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري تعتبر الأفعال الإرادية و الاتفاقات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير لا تنتج أي اثر ولو بين الإطراف إلا من تاريخ تسجيلها بالرسم العقاري ، فانه مع ذلك اوجب ضرورة مراعاة حقوق الأطراف الناتجة عن اتفاقاتهم التعاقدية وعدم الإضرار بها وأن المحكمة ملزمة باحترام هذه المقتضيات القانونية وإلا كان قرارها عرضة للنقض والإبطال ”[108]
وتجدر الإشارة إلى أن المغاربة المسلمين تطبق عليهم الأحكام الواردة في مدونة الأسرة والأجانب المسلمين الذين لهم تركة في المغرب ، يخضعون بدورهم لنفس الأحكام التي تطبق على المغاربة المسلمين
أما المغاربة غير المسلمين ، فان الأحكام التي تطبق عليهم هي التي يسيرون عليها وينسبونها لدينهم.
والأجانب غير المسلمين فتطبق عليهم أحكام قانون بلادهم للأحوال الشخصية طبقا لما تقتضي به قواعد القانون الدولي الخاص .    [109]                                     
الإشكال المطروح هو أن حق الملكية المكتسب بالإرث ، لا يخول للورثة في بعض الأحيان استيفاء كل وارث حقه والاستئثار باستغلاله واستعماله والتصرف فيه عن طريق القسمة العينية وذلك لمخالفة هذه الأخيرة للقوانين والضوابط الجاري بها العمل، حيث يتوجب على الورثة بيعه رضائيا أو قضائيا بالمزاد العلني .
كما هو الشأن بالنسبة للعقارات الواقعة بالمجالات الحضرية ، حيث تصطدم عملية القسمة بمخالفة قانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات كما تنص على ذلك المادة 318 من مدونة الحقوق العينية. .
والقضاء في بعض الأحيان لا يتفطن لهذا الفصل ويحكم بقسمة عقار خاضع لمقتضيات تصميم التهيئة ، وعند إفراز الأنصبة و تقديم طلب التقييد بالسجل العقاري يصطدمون برفض المحافظ تلبية طلبهم لتعارض هذه القسمة مع مقتضيات قانون التعمير . (المادة 72 من القانون رقم 90-25 يتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية و تقسيم العقارات)
مما يجعل الورثة يدورون في حلقة مفرغة ،و في نهاية المطاف يضطرون اضطرارا لبيع العقار الموروث . بعد تضييع كثيرا من الجهد والوقت.
في حين أن محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابق) ذهبت في إحدى قراراتها إلى أن قسمت التصفية طريق احتياطي لا يلجأ إليها إلا عند تعذر القسمة العينية طبقا للفصل 259 من ق م م . و المادة 318 من القانون رقم 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية [110]

ثانيا : عقود التمليك الجبري

لقد اتفق القانون الوضعي مع الفقه الإسلامي في أن حق الملك أو التملك يثبت للشخص ولا يجوز حرمان احد من حقه في التملك ، وحق الملكية مصون لا يجوز الاعتداء عليه إلا في الأحوال التي نصت عليها الشريعة الإسلامية و القوانين الوضعية .
كما اتفق كذلك الفقه الإسلامي مع القانون الوضعي على أن التملك له قيود تستهدف تحقيق مصالح مشروعة كقيد الشفعة والتسعير الجبري ، وأن التملك الجبري يكون لمال المدين الممتنع عن الوفاء، واستملاك الأراضي للصالح العام ، وغير ذلك مما يكون بحق كبيع الرهن.
وعليه فالتمليك الجبري هو : اخذ ملك الغير أو بدله قهرا لقضاء دين أو أداء حق واجب عليه أو لدفع ضرر عام أو خاص ، أو تحقيق مصلحة عامة مشروعة بعد دفع التعويض العادل المناسب واتخاذ الإجراءات اللازمة لنزع هذا الملك. [111]

1 – العقود الجبرية التي تجريها السلطة القضائية بسبب الامتناع عن الوفاء بالالتزام او استحقاق عقار

الحكم القضائي النهائي يعتبر سببا لاكتساب الملكية العقارية  سواء كان العقار محفظا أو غير محفظ في الحالات التالية :
 البيع بالمزاد العلني نتيجة حجز يلقيه الدائن على أموال مدينه تنفيذا لحكم يلزم المدين بالوفاء بدينه نتيجة طلب يتقدم به صاحب دين أو رهن رسمي،او الحصول على حكم نهائي مؤيد لدعوى استحقاق حق من الحقوق العينية وعلى رأسها حق الملكية.
القاعدة في المسطرة المدنية تنص على أن الحكم معلن عادة للحق المدعى به لا منشأ له.  بحيث يعتبر من يكتسب حق التسجيل بحكم قضائي مالكا للعقار منذ وقوع السبب الذي نشا عنه حق الادعاء.[112]
الاجتهاد القضائي جاء في احد قراراته كذلك : ” إن محضر بيع عقار بالمزاد العلني المحرر من طرف عون التنفيذ يعتبر سند ملكية المشتري ، وبالتالي فهو ينقل إليــــه كل حقوق البائع على العقار لان البيـــع تم كتابــة وفي محــرر ثابـــت التاريخ.[113]
كل من حكم له بشيء يعتبر مالكا له منذ وقوع السبب الذي اعتمد عليه المحكوم له عند المطالبة به و أن الحكم إنما أعلن هذه الملكية ولم تنشا بسببه . و يترتب على الحكم القضائي النهائي القاضي باستحقاق ملكية عقار محفظ أو غير محفظ  آثارا منها:  
§         الحكم يطهر سبب الملك من العيوب التي كانت تشوبه
§         إمكانية تصرف المحكوم له في المحكوم به بمجرد صدور الحكم النهائي القاضي بملكيته وذلك بجميع أنواع التصرف[114]

2 - التمليك الجبري المقرر قضائيا لرفع الضرر عن الغير ( الشفعة )

الشفعة اخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن  ومصروفات العقد اللازمة والمصروفات الضرورية النافعة عند الاقتضاء.[115]
الشفعة استحقاق شريك أخذ ما عاوض به شريكه من عقار بثمنه أو قيمته بصيغة.[116]
الشفعة ليست بيعا لان البيع عقد اختياري بالنسبة للطرفين بينما الشفعة إذا كانت اختيارية بالنسبة للشفيع فهي إجبارية بالنسبة للمشفوع منه الذي لا يستطيع أن يتملص منها لكونه حق خوله القانون للشفيع.[117]
لكي يتم للشفيع ما يريده من التملك الجبري للمشفوع فيه عليه أن يقوم بإجراءات خاصة تبدأ من وقت علمه بالبيع حتى يتم له الحكم بها ، فلا يتملك الشفيع المشفوع فيه إلا إذا طلب أخذه ، لان الشفعة حق ضعيف كما يقول الفقهاء فلا تكون سبيلا للتمليك بها إلا باتخاذ إجراءات خاصة من الشفيع بمجرد العلم بالبيع حتى يحكم له بها.( طلب المواثبة – طلب الإشهاد و التقرير – وطلب الخصومة والتملك )[118]
شرعت الشفعة للأسباب التالية :
-           دفع الضرر المتوقع من المشتري الأجنبي غير المرغوب فيه
-           وضع حد لتجزئة الملكية
-           التقليص من عدد الشركاء
-           وضع حد للنزاعات التي تقع بين الشركاء في الانتفاع والاستغلال بالشيء المشترك
لتوضيح أحكام حق الشفعة كسبب من أسباب كسب الملكية ، سنتطرق إلى أهم الإشكالات التي   تثيرها نصوص مدونة الحقوق العينية ومدى انعكاس ذلك على العمل القضائي،

أ – مجال ممارسة حق الشفعة

قبل التطرق لمجال ممارسة حق الشفعة المتمثل في التصرفات و الاموال التي تجوز فيها الشفعة ، لا بد من تسجيل بعض الملاحظات الأولية على حق الشفعة الوارد بالمادة 292 من م ح ع :
-          التعريف جاء ناقصا واقل تفصيلا من التعريف الذي تضمنه الفصل 25 من ظهير 1915 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة الملغى ( اغفل التنصيص على طبيعة الشفعة هل هي حق أم رخصة كما جاء في الفصل 974 من ق ل ع )
-          تم استبدال عبارة التحسينات التي كان منصوصا عليها في الظهير الملغى بعبارة المصروفات النافعة، مع العلم أن العبارة الأولى هي أكثر وضوحا وابلغ معنى عكس العبارة الثانية التي تبدو فضفاضة وعامة وتفتح الباب أمام التفسير والتأويل.( 963 من ق ل ع )
-          الشفعة تم استبعادها من لائحة الحقوق العينية ، مما يعني أنها من الحقوق الشخصية وليس من الحقوق العينية .
التصرفات التي تجوز فيها الشفعة:
حسب الفصل 292 من م ح ع ، يتبين أن نطاق ممارسة حق الشفعة ينحصر فقط في حق البيع، وهو ما استقر عليه الاجتهاد القضائي منذ مدة مؤكدا انه لا يحكم بثبوت الشفعة أو عدمها إلا بعد ثبوت  البيع لأنه لا يحكم بين اثنين في مال ثالث.[119]
المدونة لم تتطرق للتصرفات العوضية الأخرى كالمعاوضة  و المقايضة والوفاء بمقابل، سيما وأن  الفصل 974 من ق ل ع ، نص على إعطاء الحق للشريك على الشياع في استشفاع الحصة التي يفوتها شريكه للغير بالمعاوضة، كما أن قواعد الفقه المالكي تنص على إمكانية ممارسة حق الشفعة في المعاوضة و المناقلة. فقد جاء في تحفة ابن عاصم :
وشفعة في الشقص يعطى عن عوض ........... و المنع في التبرعات مفترض
أمام هذا الاختلاف الوارد على مستوى النص الخاص والنص العام والفقه المالكي ، يمكن التساؤل هل يتعين إعمال النص الخاص واستبعاد النص العام، وبالتالي منع الشفعة في جميع التصرفات العوضية باستثناء البيع، أم انه يمكن قبول الشفعة في جميع التصرفات العوضية بما فيها المعاوضة و المقايضة والوفاء بمقابل ؟
بالرجوع للمادة 1 من م ح ع التي تنص صراحة على تطبيق مقتضيات ق ل ع فيما لم يرد به نص في المدونة أو تطبيق قواعد الفقه المالكي عند عدم وجود النص في ق ل ع ، نعتقد أن الشفعة في المعاوضة والمقايضة و الوفاء بمقابل، جائزة ولا يمكن حرمان الشريك من الأخذ بها .و هو ما قررته محكمة النقض ( المجلس الأعلى سابقا) في قرار له بتاريخ 04/03/1980 تحت عدد 149 في الملف عدد 68715  حيث جاء فيه ” لا تقبل الشفعة في عقد تبرع لم يطعن فيه بشبهة بيع أو معاوضة ” (منشور بكتاب قضاء محكمة النقض في الشفعة 1957-2014 لعبد العزيز التوفيق ص: 30 و ما يليها )
لا يجوز ممارسة الشفعة في كل بيع يتم إجراؤه بالمزاد العلني، هذا المنع يعتبر من مستجدات التي جاءت بها مدونة الحقوق العينية واضعة بذلك حدا للنقاش والخلاف بين رجال الفقه والقانون والذي انعكس على العمل القضائي كذلك.
الأموال التي يجب تملكها بالشفعة
المادة 292 من م ح ع حصرت حق ممارسة الشفعة في البيوع التي تنصب على الأملاك و الحقوق العينية المشاعة.
كما ان المادة 298 قررت أن الشفعة تثبت في كل عقار يقبل القسمة ، ولو كانت قسمته تتعذر نظرا لكثرة الشركاء فيه. أما إذا كان العقار المشترك غير قابل للقسمة بحسب استعماله كالحمام والرحى ، أو كان لا يقبل القسمة بحسب طبيعته كالشجرة الواحدة والبئر فان في المذهب المالكي قولين مشهورهما عدم الشفعة فيه ( فمن قال : علة الشفعة دفع ضرر الشركة، اجازها مطلقا إذ ضرر الشركة حاصل فيما ينقسم وفيما لا ينقسم وهو قول مالك وأشهب و ابن الماجشون. و من قال علتها دفع ضرر القسمة ، منعها فيما لا ينقسم لعدم تيسرها فيه و هو قول ابن القاسم)[120]  . و لكن العمل يجري على ثبوت الشفعة في هذا النوع من العقارات وهو ما جرى به العمل وعليه القضاء [121]، وهو المقرر في المدونة كما تنص عليه المادة السالفة.
المشرع على مستوى المدونة اغفل شفعة الماء، وشفعة الغلة، وشفعة التوابع مما جعل الإشكاليات المرتبطة بهذه المواضيع والتي اختلف بشأنها فقهاء المذهب المالكي وكذا العمل القضائي المغربي ،تبقى مطروحة وبالتالي عدم تحقيق الغاية من المدونة بشكل كامل.
اجمع فقهاء المالكية على ان شفعة الماء جائزة لقول ابن عاصم في تحفته:
والماء تابع لها فيه احكم.............ووحده إن أرضه لم تقسم
غير أن المسالة تحتاج إلى تفصيل، فيما إذا بيع الماء مع الأرض أو دونها ولم تقسم الأرض فالشفعة جائزة فيه باتفاق في المذهب لان الماء هنا تابع والتابع وإن كان لا يقبل القسمة في نفسه حكم له بحكم متبوعه بيع معه أو بيع وحده ولم تقسم الأرض التابع لها. أما إذا قسمت الأرض و بقيت بعض المرافق شائعة كبئر الماء فللمالكية قولين كما سبقت الإشارة إلى ذلك.[122]

ب – أطراف دعوى الشفعة

الشفيـــــــــــــع:
هو الشريك على الشياع في العقار أو الحق العيني الذي يطلب استشفاع الحصة التي فوتها احد شركائه للغير بعوض. وقد حددت المادة 293 من م ح ع الشروط الواجب توفرها في الشفيع وهي :
-          أن يكون الشفيع شريكا في الملك المشاع وقت بيع حصة شريكه في العقار أو الحق العيني
إن إثبات الشركة والشياع بين الشفيع والبائع مسالة أساسية لاستحقاق الشفعة ، قد جاء في التحفة :( ...في ذي الشياع وبحد تمتنع) و الإثبات يكون بواسطة العقد أو الرسم العقاري أو رسم التركة والإراثة إلى تاريخ البيع من طرف الشفيع. كما يكفي للشفيع أن يثبت تملكه للشقص الذي يشفع دون اعتداد لحيازته الفعلية أو عدمها.[123]
وعلى من يدعي القسمة أن يثبتها بموجب إثبات القسمة موقع من طرف جميع الشركاء أو برسم المخارجة أو الحكم القضائي ...، إعمالا لقاعدة الأصل هو الاستصحاب وبقاء ما كان على ما كان لقول المتحف :
والمدعي لقسمة البتات............ يؤمر بالأصح بالإثبات
المدونة لم تتعرض للحالة التي يكون فيها الشفيع مالكا على الشياع بمساحة معينة ويشار إلى ذلك صراحة في عقد الشركة. [124]
ذهب جانب من علماء المالكية إلى القول بجواز الأخذ بالشفعة حينما يكون الشفيع مالكا على الشياع بمساحة معينة ومنهم الشيخ أشهب و هو الراجح، في حين ذهب جانب آخر من الفقه إلى منع الأخذ بالشفعة في هذه الحالة منهم الشيخ خليل وشراحه ( الزرقاني و الخطاب) [125]
محكمة النقض تتبنى الرأي الثاني في الفقه المالكي ، فقد جاء في احد قراراتها : ” من المعلوم أن الاشتراك بمساحة محددة أو غير معينة لا يخول صاحبه حق الشفعة كما نص على ذلك العلامة الزرقاني على شرح قول خليل“ ( الشفعة اخذ شريك بجزء شائع لا بأذرع معينة )[126]
 كما تجدر الإشارة إلى أن القسمة الاستغلالية لا تنهي الشياع عكس المخارجة فإنها تنهيه وتمنع الشفعة.[127]
v    يحق للدولة في شخص وزير المالية طلب الشفعة طبقا للفصل 32 من ظهير  1973 بمثابة قانون المالية وذلك عندما يظهر للإدارة نتيجة خبرة تقوم بها أن هناك نقصا في ثمن المبيع للتهرب من أداء رسم التسجيل وغيرها من الحالات.[128]
-         أن يكون تاريخ تملك الشفيع للجزء المشاع سابقا على تاريخ تملك المشفوع منه للحصة موضوع الشفعة .
لا يجوز للشفيع طلب الشفعة إلا إذا كان حقه سابقا على حق الشخص المطلوب شفعته ، والعبرة بالأسبقية بتسجيل التصرف في الرسم العقاري، بينما المعتبر في العقار العادي هو الأسبقية لثبوت التاريخ .و هذا ما نصت عليه محكمة النقض في احد قراراتها حيث جاء فيه : ”إن المحكمة كانت على صواب عندما اعتبرت أن الطاعن لا يتوفر على شرط أساسي في للأخذ بالشفعة وهو تملكه للجزء الشائع الذي يشفع به قبل بيع شريكه للحصة المطلوب شفعتها بناء على ما أثير أمامها من دفع حجية الأمر المقضي به باعتبار أن محكمة الاستئناف سبق لها أن أصدرت قرارا وصفت فيه شراء الطاعن للحصة التي يشفع بها بالشراء الفاسد إضافة إلى انه يتعلق بعقار في طور التحفيظ عليه تعرضات وأن بيع ما فيه خصومة لا يصح“[129]
يكفي للشفيع أن يثبت تملكه للشقص الذي يشفع به ، دون اعتداد بحيازته الفعلية أو عدمها ، وأن القرار الذي يخالف ذلك يتعرض للنقض.
-          أن يكون الشفيع حائزا لحصته في الملك المشاع حيازة قانونية أو فعلية
من شروط الأخذ بالشفعة أن يكون طالبها مالكا لواجبه الذي يشفع به ، فإذا نوزع في استحقاقه له ، فعليه أن يطلب واجبه الأصلي استحقاقا ، ويأخذ الباقي شفعة لما نص عليه الشريف العلمي من أن : لمن كمل له استحقاق نصيب من الملك أن يأخذ الباقي شفعة. و متى ثبت له استحقاق نصيبه فتح له اجل الشفعة ولو طال الأمد بين تاريخ البيع وتاريخ الشفعة.[130]
الطريق الأفضل للشفيع النزاع هو أن يتقدم بمقال واحد يطلب فيه الحكم باستحقاق واجبه والحكم بشفعة  الباقي والغاية من وراء ذلك عدم تفويت الأجل و ربح الوقت ومصاريف الدعوى.
كما أن الشفعة  لا تجوز في البيع المعلق على شرط واقف.[131]
-         أن يكون المشفوع منه قد تملك الحصة المبيعة بعوض
الواقع أن المشرع أدرج هذا الشرط خطأ في المادة 293 وهذا مظهرا من مظاهر الاختلال في وضع النصوص القانونية ودراستها، ذلك أن المادة المذكورة تتحدث عن الشروط الواجب توفرها في الشفيع، في حين أن الشرط يتحدث عن المشفوع منه ، لذلك فإننا نرجئ الحديث عن هذا الشرط إلى حين الحديث عن المشفوع منه.[132]

المشفوع منه:

المشفوع منه هو المشتري من احد الشركاء على الشياع ، وهو من تمارس ضده دعوى الشفعة .
المدونة لم تشترط أي شرط في المشفوع منه باستثناء ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 293 من انه يجب أن يكون المشفوع منه قد تملك الحصة المبيعة بعوض. و هو تحصيل حاصل لما ورد في المادة 303 التي منعت الشفعة في التبرعات.
بالرجوع لمقتضيات الفصل 974 من ق ل ع ، يتبين أن المشرع في الفصل المذكور اشترط صراحة أن يكون المشفوع منه أجنبيا عن الشركاء في العقار وهو ما يستفاد منه ضمنيا انه لا تقبل الشفعة إلا إذا كان المشفوع منه أجنبيا عن العقار، أما إذا كان من بين الشركاء فلا تقبل دعوى الشفعة ضده. لكن القضاء المغربي اعتبر أن دعوى الشفعة تكون مقبولة سواء كان المشتري المشفوع منه من الشركاء على الشياع في العقار أو أجنبيا عنه. حيث جاء في احد قراراته: ” إن الفقه الإسلامي لا يمنع الأخذ بالشفعة من الشريك ولا يقيم أية تفرقة بين الشفعة من الشريك والشفعة من الأجنبي إلا من حيث مدى أثرها، فبالنسبة للأجنبي يؤخذ منه المبيع كله بينما بالنسبة للشريك يترك له جزء من المبيع في حدود حصته“.[133]
انسجاما مع هذا التوجه ، نصت الفقرة الأخيرة من المادة 296 من المدونة انه :“ إذا كان المشتري احد الشركاء فلكل شريك في الملك أن يأخذ من يده بقدر حصته في الملك ويترك للمشتري نصيبه بقدر حصته ما لم يعرب عن رغبته في التخلي عنها.
هناك من يرى بان الرأي الذي تبنته المدونة يتناقض مع الغرض الذي شرعت من اجله الشفعة . فإذا كان الغرض من تشريع الشفعة هو إبعاد الغرباء عن المشتاعين و لم شتات الملكية ورفع ضرر الشركة، فان البيع الصادر من احد المشتاعين لأي مشتاع آخر إنما يحقق هذا الهدف.[134]
لكن إذا كانت الغاية من سن حق الشفعة منع حدوث الضرر للمالكين على الشياع في عقار مشاع من دخول أجنبي عليهم ، فان غايتها كذلك منع الضرر الذي ينتج عن استحواذ احد المالكين أو احد الأجانب أو جمعه أنصبة بعض المالكين على الشياع بشراء أنصبتهم.[135]
من الإشكاليات المهمة التي اغفل المشرع معالجتها في المدونة الجديدة رغم ما لها من أهمية : إشكالية الإقالة أو التقايل بين البائع والمشتري ، ومعناه أن يقوم البائع بحل العقد الرابط بينه وبين المشتري بإرادتهما معا فيرد كل واحد ما أخذه من الآخر . و الإقالة عكس الفسخ لان هذا الأخير يكون نتيجة عدم تنفيذ احد الطرفين لالتزامه وهو أمر لا محل له في الإقالة. وقد عالج هذه الإشكالية كل من الفقه الإسلامي و الاجتهاد القضائي.
الشيخ خليل اعتبر أن الإقالة التي تتم بين البائع والمشتري هي باطلة ولا تأثير لها على الحكم بالشفعة في مواجهة المشتري وذلك بقوله ” ولو أقاله البائع“[136]
على مستوى العمل القضائي ، أصدرت محكمة النقض العديد من القرارات في موضوع الإقالة ، وكل هذه القرارات أجمعت على أن الإقالة لا تمنع الشفيع من ممارسة حق الشفعة. نذكر منها : قرار محكمة النقض عدد 1096 بتاريخ 27/03/2002 الذي نص على أن الإقالة لا تأثير لها على دعوى الشفعة سواء قدمت هذه الأخيرة قبلها آم بعدها.[137]

ج – شروط دعوى الشفعة

إن دعوى المطالبة بالشفعة لا تكون صحيحة و لا تقبل من طرف القضاء إلا إذا  توفرت على شرطين أساسيين هما :
-          أن تمارس الشفعة على الحصة المبيعة بكاملها
إذا باع شريك حصته لأجنبي في ملك مشاع فيجب على الشريك أن يأخذ الحصة المبيعة بكاملها أو أن يتركها ( المادة 296 من م ح ع)
من المبادئ المقررة فقها وقانونا وقضاء انه لقبول طلب الشفعة يلزم الأخذ بالشفعة في مجموع الحصص المبيعة على الشياع لا في جزء منها.[138]
يتوجب على الشفيع الذي يرغب في مزاحمة غيره في حق الشفعة أن يقدم دعواه ضد المشتري أو ضد الشفيع داخل الأجل، مع أدائه قيمة الحصة التي يطالب بها.[139]
قاعدة عدم تبعيض الشفعة تعتبر من النظام العام ، تثار تلقائيا من طرف المحكمة التي عليها التدقيق في الحصة المبيعة و الحصة المشفوعة و التحقق مما إذا كان الشفيع قد بعض الشفعة أم لا.[140]
تبعيض الشفعة لا يتعلق بتقديم طلبها في مواجهة بعض المشفوع منهم إن تعددوا في شراء تم صفقة وبعقد واحد ، وإنما يتعلق بالمطالبة ببعض الشيء المشفوع فيه وترك البعض الآخر.[141]
مناط التمييز بين تبعيض الشفعة وعدم تبعيضها هو عقد البيع فإذا بيعت الحصة التي يجوز الشفعة فيها بأجمعها أو أجزاء منها أو عدة حصص شائعة بعقد واحد، وجب على الشفيع أن يأخذ الجميع أو يترك الجميع اللهم إذا رضي المشتري بما اختاره الشفيع واتفقا عليه. أما إذا بيعت أجزاء الحصة بعقود مختلفة فان الشفيع يخير بين أن يأخذها بكاملها وبين أن يأخذ بأي عقد شاء. [142]
-          أن تمارس الشفعة داخل الأجل القانوني :
يعتبر شرط الأجل من الشروط الجوهرية لقبول دعوى الشفعة. و قد حددت المدونة في المادة 304 أربعة آجال لممارسة حق الشفعة وهي : ثلاثون يوما من تاريخ التوصل، سنة واحدة من تاريخ العلم وأربع سنوات من تاريخ إبرام العقد و سنتطرق لموضوع الأجل من خلال ثلاثة نقط تتعلق الأولى بالعقار المحفظ، و الثانية بالعقار الغير المحفظ و الأخيرة بالعقار في طور التحفيظ:

اجل الشفعة في العقار المحفظ :

 اجل الشفعة بالنسبة للعقار المحفظ هو سنة من تاريخ تسجيل المشتري لشرائه بالرسم العقاري ، غير انه إذا قام المشتري بإشعار الشفيع بواقعة الشراء فان اجل الشفعة يصبح ثلاثون يوما من تاريخ التوصل. و يشترط في تبليغ الإشعار أن يكون التبليغ شخصيا وأن يتضمن الإشعار : هوية البائع والمشتري –الحصة المبيعة – ثمنها – المصروفات التي أنفقت فيها ورقم الرسم العقاري و ذلك تحت طائلة بطلان التبليغ ، كما أن المدونة لم تشترط أي شكل معين للتبليغ.
قد يحدث تراخي المشتري في تقييد شرائه بالرسم العقاري إما ظنا منه انه يفوت الفرصة على الشفيع لممارسة حق الشفعة ، وإما لاستغلال المبيع أكبر مدة في حالة علمه بعزم احد الشركاء على الشفعة ، لذلك أتاح القضاء للشفيع إمكانية إجبار المشتري على تقييد شرائه بالسجل العقاري حتى يتسنى له ممارسة حق الشفعة ، وهذا ما أكدته محكمة النقض في احد قراراتها التي جاء فيها : ”القانون الذي يعطي الحق للشريك على الشياع في أن يحل محل المشتري في استحقاق الحصة المبيعة بواسطة الشفعة هو الذي يعطي الحق لهذا الشريك في أن يطالب المشتري بتسجيل شرائه على الرسم العقاري حتى يتمكن من تسجيل الاستحقاق بالشفعة“.[143]
في حالة قيام المشتري بإجراء تقييد احتياطي على العقار موضوع طلب الشفعة، فان اجل المطالبة بالشفعة يبتدئ من تاريخ التقييد الاحتياطي بناء على الفصل85 من القانون 14-07 المتعلق بالتحفيظ العقاري الذي ينص على أن تاريخ التقييد الاحتياطي هو الذي يحدد رتبة التقييد اللاحق للحق المراد الاحتفاظ به . و هذا ما أكده الاجتهاد القضائي في احد أحكامه.[144]
من يبدي تحفظا على هذا القرار نظرا لان التقييد الاحتياطي ما هو إلا إجراء لضمان رتبة حقوق محتملة  لا يمكن أن يسري من تاريخ إجرائه الأجل القانوني لممارسة حق الشفعة ،لان هذه الأخيرة لا تأخذ من حق لا زال طي الاحتمال.[145]
عرفت الأحكام القضائية قبل صدور المدونة ،اختلافات كبيرة فيما يرجع إلى تحديد طبيعة اجل المطالبة بالشفعة، حيث ذهب رأي إلى أن هذا الأجل هو اجل سقوط وليس اجل تقادم، في حين ذهب رأي ثان إلى القول بأنه أجل تقادم يخضع للتوقف والانقطاع، وقد حسمت المدونة في هذا الخلاف بتنصيصها في المادة 304 على أن أجل الشفعة هو اجل سقوط لكونها استعملت عبارة يسقط ، وبالتالي فهو اجل سقوط يثار تلقائيا من طرف المحكمة.
أن السؤال يبقى مطروحا حول إلغاء دعوى الشفعة المقدمة داخل الأجل على الحالة، هل يندرج هذا الإلغاء في مفهوم العائق المشروع المنصوص عليه في الفصل 976 من قانون العقود والالتزامات وبالتالي يتيح رفع الدعوى من جديد ولو كان اجل السقوط المنصوص عليه في المادة المذكورة قد انصرم بسبب طول إجراءات الدعوى الملغاة أم لا؟
الشفعة في العقار غير المحفظ
 المادة 304 من م .ح .ع تنص على أن اجل الشفعة في العقار غير المحفظ هو سنة واحدة من تاريخ العلم بالبيع ، وإن لم يتحقق العلم فبمضي أربع سنوات من تاريخ إبرام العقد. الواقع أن هذين الأجلين هو تكريس لقواعد الفقه المالكي ، يقول ابن عاصم في تحفته :
و الترك للقيام فوق العام ................يسقط حقه مع المقام
المعني بالأجل المضروب أعلاه هو الشفيع الحاضر، أما الغائب فله أحكام خاصة لخصها ابن عاصم بقوله :
وغائب باق عليها وكذا............ذو العذر لم يجد إليها منفذا
وهو ما قرره القضاء حيث جاء في احد قرارات محكمة النقض : ”...و الغائب عن البلد قبل البيع او بعده و قبل علمه به باق على شفعته“ [146]
الأصل في الشفيع عند المالكية انه لا يعلم بالبيع إلا من تاريخ تقديم الطلب ، وهو مصدق في عدم علمه لقول الشيخ خليل في مختصره : ”وصدق إن أنكر علمه“. و لقول ابن عاصم في تحفته :
و إن ينازع مشتري في الانقضاء ..................فللشفيع مع يمينه القضاء
إلا أن الاجتهاد القضائي خفف من هذا المبدأ ، واعتبر أن العلم بالشراء واقعة مادية يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات ( الشهود – حضور مجلس العقد – الإقرار – وجود قرينة قوية تفيده....)[147]

اجل الشفعة في العقار موضوع مطلب التحفيظ

يتعين على الشريك الراغب في شفعة حصة من عقار في طور التحفيظ أن يتقيد بالأجل المنصوص عليه في الفقه المالكي و في مدونة الحقوق العينية ولكنه يستفيد كذلك بآجال التعرض. و يمكن تصور ثلاث حالات للشفعة المتعلقة بعقار في طور التحفيظ :
-          الحالة الأولى : إذا مارس الشريك حق الشفعة قبل تقديم مطلب التحفيظ من طرف المشفوع منه، فيتعين على الشفيع أن يتقدم كمتعرض على هذا المطلب بصفته مالكا لتلك الحصة وذلك داخل اجل التعرضات و إلا سقط حقه.
-          الحالة الثانية : إذا نشا حق الشريك في الشفعة قبل تقديم مطلب التحفيظ، كما إذا كان الحق عقارا مشاعا بين شخصين ، فباع احدهما حصته ، ثم قدم الشريك الجديد مطلبا للتحفيظ في اسمه واسم الشريك الباقي ، فيتعين على هذا الأخير إذا رغب في الشفعة أن يتقدم كمتعرض على مطلب التحفيظ بصفته طالبا شفعة ما باعه شريكه، مع مراعات اجل الشفعة واجل التعرض. بحيث إذا لم يتقدم بتعرضه حتى مضت السنة من تاريخ علمه بالبيع سقط حقه في الشفعة ، وكذلك إذا لم يتقدم بالتعرض داخل اجل التعرض فان حقه يسقط حتى ولو كان اجل الشفعة لم ينته بعد.
-          الحالة الثالثة: إذا نشأ حق الشريك في الشفعة بعد تقديم مطلب التحفيظ ، كما لو أن ثلاثة أشخاص يملكون عقارا مشاعا بينهم ، تقدموا بمطلب تحفيظ هذا العقار في اسمهم وأثناء جريان مسطرة التحفيظ باع احدهما حصته من ذلك العقار، فان الشريكين يمكنهما أن يطلبا الشفعة إذا قام المشتري بإشهار شرائه طبقا للفصل 84 من قانون التحفيظ [148]

د – مسطرة الأخذ بالشفعة أمام القضاء

تتوزع الإجراءات المسطرية لدعوى الشفعة  بين القواعد العامة لقانون المسطرة المدنية ، و القواعد الخاصة لمدونة الحقوق العينية. و هذه الاجراءات يمكن اجمالها في :
-          تقديم طلب في إطار الفصل 148 م ق م م إلى السيد رئيس المحكمة الابتدائية التي يوجد ضمن دائرة نفوذها عنوان المشفوع منه.
-          الإعراب صراحة في مضمون الطلب عن الرغبة في الأخذ بالشفعة من يد المشتري ، مع التماس الإذن بعرض ثمن البيع والمصاريف على هذا الأخير، وفي حالة الامتناع أو التعذر، يلتمس الإذن له بإيداع المبلغ كاملا بصندوق المحكمة
-          تنفيذ الأمر الصادر عن المحكمة القاضي بالعرض والإيداع داخل الأجل القانوني، وأن يكون عرض الثمن والمصاريف عرضا حقيقيا وكاملا أي أن يكون مطابقا لما هو مضمن بعقد البيع .
العرض الناقص على ضآلة الفرق ينزل منزلة العدم طالما أن النص جاء كقاعدة عامة ومجردة ولم يعط أي اعتبار للفرق بين المستحق والمودع. كما ان الشفيع لا يلزم بعرض أداء إلا ما كان على علم به أو يفترض فيه ذلك من المصاريف التي أداها المشفوع منه وكان أداؤها من مستلزمات البيع زيادة على الثمن . و كذلك الغرامة التي تكون واجبة على المشتري نتيجة خطا صادر عنه لا يلزم بها الشفيع.[149]
 بعد سلوك الشفيع لمسطرة العرض والإيداع ، يقوم بتقديم دعوى أمام محكمة الموضوع يلتمس فيها المصادقة على العرض العيني والحكم تبع لذلك باستحقاق الحصة المشفوعة.
 تقدم الدعوى أمام المحكمة التي يقع ضمن دائرة نفوذها العقار المستشفع طبقا للفصل 28 من ق م م.  وترفع الدعوى بواسطة محام ، ويؤدى عنها الرسم العقاري وتوجه ضد المشفوع منه مباشرة بحضور السيد المحافظ إذا كان العقار محفظا، مرفوقة طبعا بمجموعة من الوثائق المثبتة للوقائع والإجراءات السالفة.

3 – نزع الملكية من اجل المنفعة العامة

الدولة و هي بصدد التخطيط للمشاريع الاستثمارية و التنموية ذات النفع العام تحتاج إلى توظيف أموال طائلة ، كما تحتاج الى عقارات مهمة تحتضن هذه المشاريع . و للحصول على هذه العقارات عليها أن تسلك – كأي شخص – طبيعي طرق الاقتناء بالمراضاة، إذ أن الشريعة الإسلامية تحمي مال المسلم و تحرم الاعتداء عليه و لا تحله لغيره إلا بطيب نفسه، مصداقا لقوله تعالى : " يا أيها الذين امنوا لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم..." [150]، و اقتداء برسول الله - صلى الله عليه و سلم – حيث ثبت في السنة الصحيحة انه اشترى عقارات و رصدها للمصلحة العامة.
وعلى غرار الشريعة الإسلامية جاء دستور فاتح يوليوز 2011 ليقرر في الفصل 35 منه أن القانون يضمن حق الملكية، و يمكن الحد من نطاقها و ممارستها بموجب ، إذا اقتصدت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد ، و لا يمكن نزع ملكيتها إلا في الحالات التي ينص عليها القانون.
لذا سنتطرق في هذا العرض  إلى مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة من خلال تسليط الضوء على المسطرتين الإدارية و القضائية.
قبل تناول إجراءات المسطرتين المذكورتين ، لا بد من الإشارة إلى بعض الشروط المرتبطة بعملية نزع الملكية و هي :
شرط المنفعة العامة : نص القانون رقم 7- 81 بان نزع الملكية لا يتم الا باعلان المنفعة العامة ، حيث اكد في الفصل الاول منه على ان : نزع ملكية العقارات كلا او بعضا او ملكية الحقوق العينية العقارية لا يجوز الحكم به الا اذا اعلنت المنفعة العامة ...." . و بذلك تكون المنفعة العامة هي المبرر الوحيد و المشروع للسماح للادارة بنزع الملكية الخاصة، الا انه لم يتم تعريف المنفعة العامة و تحديد المقصود منها، تاركا ذلك للادارة حرية تحديدها، بحيث اضاف في الفصل 6 منه على ان المنفعة العامة تعلن بمقرر اداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ىملكيتها.
محل نزع الملكية :  بالرجوع للمادة 1 من القانون رقم 7.81 ، يستفاد أن نزع الملكية تنصب على :  الحقوق العينية العقارية الأصلية و الحقوق العينية التبعية . إلا أن عملية نزع ملكية العقارات ليست مطلقة إذ استثنى المشرع المغربي بعضا منها مثل المباني ذات الصبغة الدينية و العقارات التابعة للملك العام و المنشآت العسكرية.
الجهات المخول لها ممارسة حق نزع الملكية:  الفصل 3 من القانون المتعلق بنزع الملكية ينص على أن حق نزع الملكية يخول إلى :
-          الدولة : و يقصد بها مديرية أملاك الدولة بالنسبة للملك الخاص ، و وزارة التجهيز و النقل و اللوجيستيك بالنسبة للملك العام.
-          الجماعات الترابية : و يقصد بها الجهات و العمالات و الأقاليم و الجماعات . تمارس هذه الجماعات بمستوياتها الثلاث اختصاصات نزع الملكية داخل المجال الترابي لتواجدها
-          الأشخاص الاعتباريين الآخرين الجاري عليهم القانون العام أو الخاص أو الأشخاص الطبيعيين ، و ذلك إما بالأصالة أو النيابة عن الشخص العام .[151]
إجراءات المرحلة الإدارية لمسطرة نزع الملكية:
تتولى هذه المرحلة السلطة الإدارية وفق مسطرة قانونية معينة تتوقف عليها مشروعية القرار الذي يقضي بنزع الملكية ، و ذلك وفق المحطات التالية:

أ -  إصدار مقرر إعلان المنفعة العامة:

يعتبر هذا المقرر أول الإجراءات التمهيدية في مسطرة نزع الملكية و عليه تستند جميع الإجراءات اللاحقة، و يصدر هذا المقرر في شكل مرسوم يصدر ه رئيس الحكومة باقتراح من الوزير المعني بالأمر ، طبقا للمرسوم التطبيقي للقانون رقم 7.81 الصادر بتاريخ 16 ابريل 1983 .
وحرصا من المشرع على تعويض الفراغ الناتج عن إلغاء التبليغ إلى الملاك و ذوي الحقوق ، فانه أحاط عملية نزع الملكية بإشهار واسع النطاق .
تنتج عن مقرر إعلان المنفعة العامة آثارا مهمة نجملها في ما يلي :
-          تخويل إمكانية نزع الملكية لطالبها
-          تعيين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها
-          إخضاع المنطقة المعنية لبعض العقود، كتغيير بها إلا بإذن نازع الملكية
و تسري آثار الإعلان عن المنفعة طيلة مدة سنتين تبتدئ من تاريخ نشر المقرر المذكور . و لا يمكن تجديد اجل المقرر إلا بإعلان جديد للمنفعة العامة أو باتخاذ مقرر التخلي.

ب -  مقرر التخلي

المرسوم المعلن للمنفعة العامة ، لم يحدد بصفة واضحة و دقيقة ، العقارات المزمع  نزع ملكيتها و اقتصر فقط على تحديد المنطقة القابلة لنزع الملكية ، لذا يتعين اتخاذ قرار التخلي لتحديد المساحات المعنية و تبيان موقعها و تعيين ملاكها و عناوينهم و كذلك وضعيتها . على أن يتم ذلك داخل السنتين من نشر قرار إعلان المنفعة العامة.[152]
وتجدر الإشارة إلى أن عملية اتخاذ مقرر التخلي تسبقها مجموعة من الأعمال التحضيرية و خاصة عملية الإشهار و البحث الإداري .
صلاحية هذا المقرر تمتد كذلك على مدى سنتين يتعين خلالها على نازع الملكية ان يلتمس من القاضي نقل الملكية ، في حالة تعذر الاتفاق بالمراضاة بعد تحديد التعويض المناسب .

ج -  تقييم العقارات المراد نزع ملكيتها و الاتفاق بالمراضاة

اوجب المشرع طبقا للقانون السالف الذكر القيام بتحديد تعويض يعرض على المنزوع ملكيتهم مقابل تخليهم  عن الحقوق التي ستنزع ملكيتها خدمة للمنفعة العامة و ذلك من طرف لجنة إدارية تدعى لجنة التقويم. تنعقد هذه اللجنة بعد نشر مقرر التخلي بطلب من نازع الملكية .
إذا تم الاتفاق بين نازع الملكية و المنزوعة منه على الثمن المحدد يبرم التفويت النهائي بمحضر يحرر أمام السلطة الإدارية المحلية التابع لها العقار في حالة ما إذا كان المالك يقيم في المكان الكائن به موقع العقار. حيث يعمد نازع الملكية بمجرد التأشير على اقتراح الالتزام بالنفقة من طرف السلطات المالية ، إلى القيام بإجراءات التسجيل  محضر الاتفاق بالمراضاة و إيداعه بالمحافظة العقارية بهدف نقل ملكية العقار لفائدة نازع الملكية . و تنتهي المسطرة هنا.
أما إذا كان المالك يقيم خارج مكان موقع العقار ،  فالاتفاق بالمراضاة يتم بإبرام عقد عرفي أو عدلي .[153]
إجراءات المرحلة القضائية لمسطرة نزع الملكية:
تعتبر المرحلة القضائية  في مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة ، أهم مرحلة من مراحل مراقبة المشروعية و الملائمة  و كذا تحديد التعويض ، على اعتبار أن نقل الملكية لا يتم إلا بحكم قضائي ، و مقابل تعويض مناسب يفترض انه عادل.[154]
ترفع دعوى الحيازة بمقال مكتوب يودع لدى المحكمة الإدارية الواقع العقار في دائرة نفوذها ، و ذلك بمقالين احدهما يرمي إلى الحكم بنقل الملكية و تحديد التعويضات و الآخر لأجل الحكم له بحيازة العقار مقابل إيداع أو دفع مبلغ التعويض المقترح ، على أن يتم ذلك داخل اجل سنتين من تاريخ نشر مقرر التخلي في الجريدة الرسمية تحت طائلة عدم الاستجابة لطلبه إلا بموجب إعلان جديد للمنفعة العامة.[155]
بعد صدور الحكم بنزع الملكية تنتقل الملكية لفائدة نازع الملكية خالية من كل تكليف او تحمل ، اذ يعتبر هذا الحكم مطهرا للعقار من كل التحملات ، فالفصل 37 من قانون نزع الملكية ينص صراحة على هذا المبدأ ، سواء كان العقار محفظا او في طور التحفيظ او غير محفظ.
·        بالنسبة للعقارات المحفظة  ينتج عن ايداع الحكم بنقل الملكية ، لدى المحافظ  على الاملاك العقارية ما يلي : -
-          نقل ملكية العقار الى السلطة نازعة الملكية
-          التشطيب تلقائيا على جميع التقييدات الموضوعة لفائدة الغير
-          تحول حقوق المستفيدين من هذه التقييدات الى حقوق في التعويضات
q    بالنسبة للعقارات في طور التحفيظ :
-          يقيد الحكم بسجل التعرضات  و يوضع له رسم خال من كل تحمل
-          في حالة وجود تعرضات ضد المطلب فانها لا تنتج أي اثر  على العقار و تحول الى حقوق في التعويض حالة ثبوت صحتها.
q    بالنسبة للعقارات الغير محفظة
-          يقوم المحافظ على الاملاك العقارية بناء على هذا الحكم بوضع رسوم نهائية في اسم نازع الملكية ، و لا يمكن قبول أي تعرض و لا ممارسة الحقوق المحتملة لفائدة الغير الا في اطار التعويض طبقا للفقرة الاخيرة من الفصل 37 من قانون نزع الملكية .[156]
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]  الفروق للقرافي ص:
[2]  ( لسان العرب )
[3] ( مصطفى احمد الزرقا ، المدخل الفقهي العام ج 1
[4]  التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية و التبعية الدكتور مامون الكزبري ، ص : 279
[5] محمد ابن معجوز ، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي و التقنين المغربي
[6] الدكتور وهبة الزحيلي ، الفقه الاسلامي و ادلته، ج 5 ، الطبعة 2 ، دار الفكر 1985، ص 501
[7]مصطفى احمد الزرقا ، المدخل الفقهي العام ، ج 1 ، ط 2، دار القم دمشق 2004، ص 347
[8]مصطفى احمد الزرقا، المدخل الفقهي العام، ج 1، الطبعة 2 ، دار القلم دمشق سنة 2004 ، ص 337
[9]-محاضرات في فقه المعاملات،للدكتورة سعاد المريني،ص:4
[10]- النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي، للدكتور أحمد العطار، ص:.45
[11]-الفصل 488 و 491 ق.ل.ع
[12]-الحقوق العينية في الفقه الاسلامي والتقنين المغربي،للدكتور محمد ابن معجوز،ص.324. 
[13]-النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي،مرجع سابق،ص:47
[14]-الحقوق العينية في الفقه الاسلامي والتقنين المغربي، مرجع سابق، ص: 324
[15] : مرجع نفسه،ص:325
[16] : الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مرجع سابق، ص: 327
[17]: المادة 4 من م ح ع 
[18] : القوانين الفقهية، لإبن جزي، ص 242
[19]:الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقننين المغربي،مرجع سابق، ص: 330 
[20] الحقوق العينية في الفقه الاسلامي والتقنين المغربي،مرجع سابق، ص:330 
[21]:  المصباح المنير، الفيومي، 1/ 252
[22]:القوانين الفقهية،عبد الحمان الجزيري،ص:241
[23] : الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي،مرجع سابق،ص:331و332، بتصرف.
[24]: محمد ابن جور بتصرف 
[25] وهبة الزحيلي ، الفقه الاسلامي و ادلته ، الجزء الخامس ، الطبعة الثانية ،1975، دار الفكر دمشق ، ص 620
[26] : الصادق عبد الرحمان الغرياني، الخلاصة الفقهية، ص:1 
[27] : النظرية العامة  للالتزامات في ضوء القانون المغربي،مرجع سابق، ص: 328 .
[28] الحقوق العينية في الفقه الاسلامي والتقنين المغربي،مرجع سابق، ص: 336
[29] ابي الحسن علي بن عبد السلام، البهجة في شرح التحفة ، ج 2 ص 176
[30] : النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي،مرجع سابق،ص:328و329 
[31] :الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مرجع سابق،ص: 337 
[32]-الخلاصة الفقهية،مرجع سابق،ص:30
[33]-الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي،مرجع سابق،ص:329
[34] - الهبة في المذهب والقانون، للأستاذ عبد الرحمان بلعكيذ، الطبعة الثالثة: 1436ه/2015م، ص: 47و48.
[35] - ابن منظور لسان العرب فصل الواو، ج: 7، ص: 116
[36] - ابي عبد الله الانصاري الرصاع ، شرح حدود ابن عرفة، تحقيق محمد ابو الاجفان و الطاهر المعموري ، ط 1 ، ج 2، دار الغرب الاسلامي ، 1993 ، ص: 552.
[37] - الهبة في المذهب والقانون، مرجع سابق، ص:18و19و20، بتصرف.
[38] - الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنيين المغربي، مرجع سابق، ص:340
[39] - انظر الفقرة الأولى والثانية من المادة : 274 م.ج.ع.
[40] - الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، المجلد الأول، ص:266
[41] - المادة 208 من مدونة الأسرة
[42] - القوانين الفقهية، لابن جزي، ص: 314
[43]- القرار عدد 6742، بتاريخ 29 أكتوبر 1997 في الملف المدني عدد 4725/93 منشور بقضاء المجلس الأعلى عدد:59، ص: 492
[44] - القرار رقم 283 بتاريخ 21 ماي 2008 في الملف الشرعي عدد 343/2/1/2007 منشور بقضايا المجلس الأعلى عدد  69 سنة 2006 ص:79
[45] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، للإمام ابن رشد، المجلد الثاني، الطبعة العاشرة: 1408 ه/1988 م، ص:327.
[46] - الحقوق العينية في الفقه الإسلامي و التقنين المغربي، مرجع سابق، ص : 341
[47] - القوانين الفقهية، رجع سابق، ص : 315
[48] -  الهبة في المذهب و القانون، مرجع سابق، ص : 96
[49] - تأملات في مدونة الحقوق العينية، للدكتور العربي محمد مياد، ج: الثاني، مطبعة الأمنية، الرباط، ص: 79
[50] - المقدمات الممهدات، للإمام محمد بن رشد، دار الغرب الإسلامي، ج:2، تحقيق سعيد أحمد أعراب، ص : 313
[51]  -  الخرشي علي خليل، ج :5 ،ص 105
[52] - قرار المجلس الاعلى ( محكمة النقض) رقم 331 بتاريخ 24 يونيو 2009 منشور على موقع محكمة النقض.
[53] - تاملات في مدونة الحقوق العينة، مرجع سابق، ص: 83
[54] - الخرشي علي خليل، ج :5، ص: 105.
[55] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مرجع سابق، ص: 329.
[56] - حاشية العدوي على شرح أبي الحسن المسمى كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني في مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، الجزء الثاني، طبعة جديد ومتفحة ومصححة، ص:256
[57] - الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، للعلامة أبي البركات احمد بن محمد بن احمد الدردير، الجزء الرابع ص: 143.
[58] - القرار رقم 522 بتاريخ 22 نونبر 2008، منشور على موقع محكمة النقض.
[59] - المادة 291 م.ح.ع
[60] - الهبة في المذهب و القانون، مرجع سابق، ص: 351
[61] - الفقرة الثالثة من المادة 274: م.ح.ع
[62] - الفصل 242: ق.ل.ع
[63] - المادة 6 م.ح.ع : "العقار بطبيعته هو كل شيء مستقر بحيره ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف أو تغيير في هيئته".
[64] - المادة 7 م.ح.ع : "العقار بالتخصيص هو المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار و استغلال له أو يلحقه به بصفة دائمة".
[65] - تأملات في مدونة الحقوق العينية، مرجع سابق، ص : 97
[66] - الشرح الصغير على أقرب المالك إلى مذهب الإمام مالك، مرجع سابق، ص: 142
[67] - المادة 227 م.ح.ع
[68] - الفصل 61 ق.ل.ع
[69] - الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة وفق القانون رقم 39.08، ط: 1، 2015، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، ص: 481
[70] - الهبة في المذهب و القانون، مرجع سابق، ص : 170
[71] - تأملات في مدونة الحقوق العينية، مرجع سابق ، ص: 99
[72] - الفصل 57 ق.ل.ع
[73] - الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة، مرجع سابق، ص : 477
[74] - الفقرة الثانية من المادة 274 م.ح.ع
[75] - القرار رقم 579/8 بتاريخ 16 دجنبر 2014 في الملف المدني 3974/1/8/2014 صادر عن الغرفة المدنية (القسم الثامن) بمحكمة النقض غير منشور، أورده العربي محمد مياد في كتابه تأملات في مدونة الحقوق العينية، ص: 105
[76] - المدونة الكبرى الإمام دار الهجرة، مالك بن أنس، ج:5، ص87
[77] - عبد الرزاق السنهوري المجلد الثاني، مرجع سابق، ص: 164
[78] - الفقرة الأولى من المادة 281 م.ج.ع
[79] - الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة، مرجع سابق، ص : 485، بتصرف
[80] - أنظر المادة 274 م.ح.ع
[81] - تأملات ف مدونة الحقوق العينية، مرجع سابق، ص : 108
[82] - انظر المادة 291 م.ج.ع
[83] - البهجة في شرح النحفة، لأبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي، الجزء: 2، ص، 347.
[84] -  سورة المائدة، الآية 1
[85] - ذ محمد محبوبي ، مقال منشور تحت عنوان عقد الهبة في ضوء مدونة الحقوق العينية، منشور بمجلة الحقوق سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية ، الإصدار 8 ابريل 2014 ص: 104
[86] - الشرح الصغير على أقرب مسالك إلى مذهب الإمام مالك، مرجع سابق، ص 152.
[87] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مرجع سابق، ج.2،ص:332
[88] - القوانين الفقهية ، مرجع سابق ،ص315
[89] - انظر المادة 286 م.ج.ع
[90] - تأملات في مدونة الحقوق العينيةـ، مرجع سابق ، الجزء 2،ص120
[91] - انظر المادة 286 م.ج.ع
[92] - د.حسن منصف، مقال تحت عنوان: الرجوع في الهبة في القانون المغربي، منشور بموقع WWW.mahkamaty.com
[93] - المادة 243 قانون المعاملات المدنية السوداني، والمادة 501 من القانون المدني المصري.
[94] - الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة، مرجع سابق، ص:489
[95] - قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 23/11/05 تحت عدد 528 في الملف الشرعي عدد 626/2/04 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 133 و134، ص:325 وما يليها.
1- انظر المادة 288 م.ح.ع
[97]  - تاملات في مدونة الحقوق العينية، مرجع سابق، ص: 128
[98] - الصحاح، لإسماعيل الجوهري، ج: 6، ص: 525
[99] - شرح حدوه ابن عرفة، للرصاع، ص: 749
[100] - فقه السنة، للسيد سابق، المجلد الثالث، ص: 336
[101] - محاضرات في الوصايا فقها و عمل، للدكتور فاطمة ملول، سنة 1435ه/ 2014م، ص: 5
[102] - الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة، مرجع سابق، ص: 464
-نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي، للدكتور محمد بودلاحة، ص:7[103]   
[104] - قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 30/01/8 تحت عدد 350 في الملف عدد 1643/06، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 70، ص: 100
[105]  عبد السلام الزياني ، أحكام الفرائض في ضوء الفقه و المدونة ط 6 ،2015، مطبعة تميمة فاس، نقلا من حاشية البناني على شرح الزرقاني لمختصر خليل ، 8/203
[106]  مصطفى احمد الزرقا ، م س ، ص 341
[107]  القرار عدد 2152 بتاريخ 4/6/2008 ، ملف مدني عدد 2670/1/5/2006
[108] القرار عدد 1940 بتاريخ 1/4/1997، ملف مدني عدد 1248/1991
[109] محمد ابن معجوز، م س ، ص348
[110] قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 08/04/2014 تحت عدد 274 في الملف عدد 719/2/1/13 منشور بنشرة قرارات محكمة النقض غرفة الأحوال الشخصية والميراث ج16 ص 140 وما يليها
[111] عطية فتحي الفقي، حق التملك الجبري – دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي و القانون الوضعي – الكتاب الأول، نشر 2011 ، دار الكتب القانونية ، مصر  ص
[112] مامون الكزبري ، م س ص:
[113] القرار عدد 2709 بتاريخ 24/12/1990 ، ملف مدني عدد 1678/1981
[114]  محمد بن المعجوز ، م س ، ص
[115] المادة 292 من مدونة الحقوق العينية
[116] احمد بن محمد بن احمد الدردير ، الشرح الصغير على اقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك،
تخريج الدكتور مصطفى كمال وصفي، ج 3 ،دار المعارف، ص 629 و ما يليها
[117] قرار صادر عن محكمة النقض( المجلس الأعلى سابقا) بتاريخ 17/2/1978 تحت عدد 187 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 30 ص: 117
[118] عطية فتحي الفقي، حق التملك الجبري – دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي و القانون الوضعي – الكتاب الأول، نشر 2011 ، دار الكتب القانونية ، مصر
[119] عبد العزيز توفيق ، قضاء المجلس الأعلى في الشفعة خلال 40 سنة ص : 185- 202- 292
[120]الشرح الصغير للدردير ، م س ، ص: 634 و ما يليها
[121]ع الكريم شهبون، الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة الطبعة 1 ،2015، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 511
[122] ابي الحسن علي بن عبد السلام التسولي،البهجة في شرح التحفة،ج 2، المطبعة البهية المصرية، ص 102 و ما بعدها
[123] قرار عدد 5456 بتاريخ 1/12/99 ملف مدني عدد 617/1/4/99، مجلة المجلس الأعلى العدد المزدوج 57/58 ص: 85
[124]  شكير الفتوح، مقاربة قانونية لحق الشفعة، مقال بمنشور مجلة القضاء المدني المنازعات العقارية ، ج 1، مطبعة المعارف الجديدة الرباط
[125]  شكير الفتوح، مقاربة قانونية لحق الشفعة،م س ص 173
[126]  قرار محكمة النقض عدد 646 بتاريخ 26/01/1983 ، منشور بمؤلف ذ ع العزيز توفيق ، قضاء المجلس الأعلى في الشفعة خلال 40 سنة ص 222
[127]  قرار محكمة النقض بتاريخ 02/01/02 تحت عدد 20ملف مدني عدد 1548/00 منشور بمجلة المعيار عدد 28 ، ص: 243 و ما يليها
[128]  نظام الشفعة للأستاذ إبراهيم بحماني ، مقال منشور بمجلة القضاء والقانون، العدد 145 السنة الثلاثون،ص :17 وما بعدها
[129]  قرار محكمة النقض بتاريخ 12/5/93 عدد 1294 ملف عدد 1288/89 منشور بقرارات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين  ص: 161 وما يليها
[130]  قرار محكمة النقض بتاريخ 28/02/12 عدد 1025 ملف عدد 3730/1/9/11 منشور بكتاب قضاء محكمة النقض في الشفعة 1957- 2014 لعبد العزيز التوفيق ، ص: 232 و ما يليها
[131]  قرار صادر عن محكمة الاستئناف بمراكش بتاريخ 5/5/77 تحت عدد 815 ملف مدني عدد 4983
منشور بمجلة المحامي عدد 18 ص: 116 و ما يليها
[132]  شكير الفتوح، مقاربة قانونية لحق الشفعة،م س ص 177
[133]  قرار محكمة النقض عدد 322 بتاريخ 26/04/1978 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 26 ص : 73
[134]  نظام الشفعة للأستاذ إبراهيم بحماني، مقال منشور بمجلة القضاء والقانون،العدد 145 السنة  الثلاثون،ص 41  
[135]  قرار محكمة الاستئناف بالقنيطرة بتاريخ 13/1/92 ملف عدد 1603/90منشور بمجلة الاشعاع عدد 7 ص: 148 و ما يليها
[136]  السيخ خليل بن اسحاق المالكي: مختصر العلامة خليل :تحقيق احمد جاد، طبعة 2005، دار الحديث القاهرة، ص 194
[137]  الحكم منشور بمؤلف عبد العزيز توفيق ، قضاء المجلس الأعلى في الشفعة  من 1998-2003 ، ص 92
[138]  قرار محكمة النقض بتاريخ 25/11/80 تحت عدد 2340ملف 1156منشور بمجلة المعيار عدد 11 ص: 82 وما يليها
[139]  قرار محكمة النقض بتاريخ 04/10/2011 عدد 4166 ملف 4624/1/4/09منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 144 ص: 209 و ما يليها
[140]  تم استنتاج هذه القاعدة باستقراء مجموعة من الأحكام القضائية.
[141]  قرار محكمة النقض بتاريخ 02/10/2012 تحت عدد 4261 ملف ع 4114/1/9/11 منشور بمجلة ملفات عقارية عدد 3 ص 211 و ما يليها
[142]  راجع المادتين 300 و 301 من مدونة الحقوق العينية
[143]  قرار عدد 164 بتاريخ 06/03/1985 منشور بمجلة القضاء و القانون ،عدد 135-136 ص 164
[144]  قرار محكمة النقض بغرفتين عدد 929 بتاريخ 22/03/2006 ،منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 67 ص 412
[145]  شكير الفتوح ، مقاربة قانونية لحق الشفعة ، مقال منشور بسلسلة دراسات وأبحاث المنازعات العقارية ، ج 1 ، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، ص 165 و ما يليها
[146]  قرار بتاريخ 26/01/2010 عدد 358 ملف 3118/1/4/08 منشور بالمجلة المغربية للدراسات القانونية و القضائية ع 5 ص 235
[147]  قرار محكمة النقض بتاريخ 14/09/1983 عدد 1253منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى أ ح ش 83-95 ص 115 و ما يليها
[148]  عبد الكريم شهبون ، الشافي في شرح مدونة الحقوق العينية الجديدة،الطبعة الأولى ، السنة 2015 ، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء
[149]  قرار محكمة النقض بتاريخ 04/03/1992 عدد 602 ملف مدني ع 4180/87منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 46 ص 44 وما يليها
[150]  سورة النساء ، جزء من الآية رقم 29
[151]  راجع مليكة الصروخ ، القانون الإداري،الطبعة 6 ، نونبر 2006، مطبعة النجاح الجديدة، ص 520
[152]  راجع الفصل 7 من القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية من اجل المنفعة العامو
[153]  الفصل 42 من قانون نزع الملكية ، الفقرة الاولى.
[154]  العربي مياد ، نزع الملكية لاجل المنفعة العامة على ضوء التشريع و احكام الدستور ، ص 11
[155]  الفصل 17 من قانون نزع الملكية
[156]  عائشة العرقوب ، الاجراءات الادارية و القضائية لنزع الملكية ، بحث لنيل الاجازة في الشريعة و القانون ، سنة 2015 ،كلية الشريعة فاس.
---> مواضيع أخرى ذات صلة

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات