القائمة الرئيسية

الصفحات

عمل السجناء

عمل السجناء
عمل السجناء

مقدمة

ظل الغرض من العقوبة في السياسة العقابية القديمة ولفترة من الزمن، يتجلى في التعذيب والتنكيل بالمحكوم عليه باعتباره شخصا شادا ومنبوذا من المجتمع، لا يستحق أن يتمتع بكرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. إلى أن تغيرت النظرة هاته إلى المحكوم عليه نتيجة البحوث العلمية في مجال علم العقاب فضلا عن ما كرسته العهود الدولية والتي نادوا فيها إلى ضرورة معاملة السجين كإنسان يخضع لتأثير بعض العوامل المفسدة دفعت به إلى السقوط من براثن الجريمة، وطالما أنه إنسان فيجب أن تحفظ له كرامته، وبناءا على ذلك احتلت فكرة الإصلاح والتهذيب وإعادة التأهيل للعودة به إلى الحياة الاجتماعية عضوا صالحا نافعا في المجتمع مكانا ملحوظا من بين أغراض العقوبة، الأمر الذي ترتب عليه أن حظي بكثير من الحقوق الإنسانية والتي أهمها العمل. هذا الأخير الذي يعد من أهم الأساليب العقابية التي تستهدف تأهيل المحكوم عليه وإعادة إدماجه في المجتمع والذي اعتمده المشرع المغربي وسيلة لتحقيق ذلك في إطار معاملة إنسانية تستهدف التهذيب وليس التعذيب.


 ونظرا للقيمة العلمية للدور التأهيلي للعمل وماله أيضا من دور في رفع المعنوية وإحياء الأبعاد الروحية للسجين سنسلط الضوء على هذا الأسلوب من العلاج، انطلاقا من القانون المنظم له ومدى استجاباته لتوصيات الدولية في هذا المجال. ولعل أول إشكال يبادر إلى الذهن في هذا الإطار هو أنه إذا كان المشرع المغربي نظم هذا النوع من الأساليب العقابية الإصلاحية فإننا نتساءل عن أغراضه الحقيقية في نصوصه القانونية وتطبيقه العملي، ولعل وقوفنا على نصوصه القانونية وإبراز أنواعه وشروطه وحقوق والتزامات السجين العامل بالإضافة إلى مقال مقارنته بالعهود الدولية ومدى استجابته لها. سيوضح لنا بجلاء خبايا هذا النظام، الذي أصبح واجنا كباحثين الاهتمام به لما له من مزايا كبيرة. ومن هذا المنطلق تحتم علينا منهجية البحث أن نتناول هذا الأسلوب العقابي في مبحثين حتى نبسط جوانبه الأساسية من خلال أهداف تشغيل السجناء وشروطه (المبحث الأول) ثم نتناول أشكال العمل في المؤسسات السجية وأهم آثاره على السجين العامل (المبحث الثاني).

المبحث الأول:  الإطار القانوني لعمل السجناء

المطلب الأول: الطبيعة القانونية لعمل السجناء وأهدافه.

يعتبر العمل في المؤسسات السجنية وخارجها من أهم الحقوق التي نادت بتوفيرها جل  التشريعات الدولية والوطنية لكل الفئات دون تمييز، لما لها من أهمية في إصلاح السجين وتهذيبه. 
يثير التكييف القانوني للعمل في المؤسسات السجنية فيما إذا كان يعتبر حقا للدولة قبل المحكوم عليه، أم أنه التزام على الدولة قبل المحكوم عليه[1].
كان العمل داخل المؤسسات العقابية في  القدم حق للدولة  تفرضه كما تشاء حيث تنظم ظروفه بطريقة غير مكلفة وبأقل حد من الإنفاق لتحصل مقابل هذا العمل على أكبر إيراد، ولم تكن الدولة تلتزم له أيضا بالحقوق التي تقابل التزامه وقيامه بالعمل وكان للعمل صفة العقوبة، بل كان وسيلة للزيادة من إيلام سلب الحرية[2] .
وكانت القسوة في العمل تتناسب مع مقدار العقوبة  المحكوم بها أي تنضاف إلى العقوبة حسب خطورة الجريمة.
أما في النظم العقابية الحديثة فلم يتجرد العمل من صفة  الإلتزام بالنسبة للمحكوم عليه، إلا أن عمل السجين داخل السجن اكتسب طابع الحق بالنسبة له، وسارت الدولة تتحمل التزامات إزاء السجناء، فالدولة أصبحت تلزم السجناء بالعمل، ولكن مقابل هذا تلتزم بأن لا تتركهم بحالة بطالة وتلزم أيضا بأن تهيئ لهم ظروفا ملائمة وبإعطائهم أجرا كمقابل للعمل، وبذلك أصبح العمل وسيلة لتهذيب وليس التعذيب.
ومن خلال هذا ووفقا لمؤتمر لاهاي في توصيته الأولى،" لجميع المحكوم عليهم الحق في العمل وعليهم الإلتزام به" وطبقا للمادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق  الإنسان على أن العمل حق لكل إنسان"
وإيمانا بقول جون هوارد بقولته  المشهورة" دع المسجونين يعملون فسوف يتحولون إلى رجال شرفاء".
وبناءا على ما سبق يمكن القول أن العمل بالنسبة للدولة يعتبر التزاما يقع على عاتقها ويمثل بالنسبة للمحكوم عليه حقا والتزاما في نفس الوقت.
أما المشرع المغربي حسب ما هو مستمد من المادة 35و36 من القانون رقم 23.98 المتعلق بتسيير المؤسسات السجنية فقد جعل الحصول على العمل يتقمص صفة حق نسبيا – لماذا؟ لأن المشرع المغربي جاء بعبارة " يوفر" وليس " يجب توفير" الواردة في النبذ الثامن من القواعد النموذجية لمعاملة السجناء المصادق عليها في 4 شتنبر 1990 "يجب توفير الشروط الضرورية التي تيسر العمل والتشغيل للنزلاء في عمل هادف ومدفوع الأجر والذي من شأنها أن يسهل إعادة إدماجهم في سوق الشغل للبلد المعني ويسمح بإعالة أنفسهم وذويهم ماديا" بالإضافة إلى محاصرة إمكانية التوفير بإمكانيات المؤسسة التي هي غالبا ضعيفة مما يجعل معظم النزلاء لا يزاولون داخل السجون. كما أنه إذا أخذناه حق يجب أن لا يكون السجناء بدون عمل ( المادة 39) وأن لا يتخذ حرمان السجين من العمل كوسيلة للتأديب وإلا ثم  تغليب ما هو أمني على ما هو إصلاحي.
رغم أنه لا يعفى منه أي سجين إلا في حالة المرض أو العجز عن أداء العمل كما جعله اختياريا للمدانين والمكرهين بدنيا ( المادة 35).
أما صفة التزام فإنه التزام على عاتق الدولة فرضته عليها وظيفتها في مكافحة الإجرام وهذا بحد ذاته يشكل إقرارا بوجود علاقة  بين المحكوم عليه والدولة في مرحلة التنفيذ الجنائي  للعقوبات السالبة للحرية[3]، كما ينظر إليه كالتزام على عاتق النزيل إذا تم إسناد عمل ما له.
وتجدر الإشارة كذلك وحسب ما ورد  في القاعدة 71/6  إلى أنه من الممكن للسجين اختيار نوع العمل الذي يرغب في ممارسته وهذا بطبيعة الحال في حدود ما للمؤسسة السجنية  من إمكانيات وما يتطلبه  الأمر من انضباط داخلها، وهو ما كرسته بتعبير آخر المادة 37/1 من قانون  23-98 عندما خولت للمدانين إمكانية مواصلتهم للنشاط المهني الذي كانوا يزاولونه قبل  اعتقالهم مع وضع قيد مدى ملائمته مع نظام المؤسسة وأمنها.
إضافة إلى ما  سبق ذكره من حقوق[4] يتمتع بها السجين العامل، نجد أن  القواعد الدنيا سلكت سبيلا يرقى بالسجين إلى حد يجعله قريبا من العامل الحر  من حيث ما يتمتع  به هذا الأخير من حماية وحقوق، فزيادة على فرضها تنظيما وطرقا  لعمل السجين شبيهة بالعمل في الوسط الحر-  وهو ما كرسه أيضا مشرعنا المغربي في المادة 41/2 بهدف التأهيل والتكيف مع الظروف العادية  بعد الإفراج لأنه لا يعقل أن ينتهي دور العمل بانتهاء العقوبة – فإنها وحتى لا ينظر للسجين نظرة استغلال تجعل  منه طاقة  إنتاجية  كما كان عليه الأمر إبان النهضة الصناعية والتجارية بأوربا، قد حاولت أن تشمله بحماية بعض مقتضيات  قانون الشغل  المطبق على العامل الحر[5]، وهذا ما يتضح جليا باطلاعنا على القاعدة (74)  التي تلزم المؤسسة الجنية باتخاذ نفس الاحتياطات المفروضة لحماية وسلامة وصحة العاملين الأحرار، وهو ما تبنا المشرع المغربي في المادة 34 من قانون 23-98 وكذلك من حق السجين العامل  الاستفادة في حالة إصابته بحادث أو مرض مهني  من مقتضيات القانون المطبق في هذا الشأن دون أن يبخس في حقه شيئا  شأنه شان العامل الحر[6]، كما يستفيد السجين العامل من العمل لساعات محددة حتى لا يرهق وتستنزف طاقته[7]، على المؤسسة السجنية كذلك أن تأخذ بعين الاعتبار حق السجين في الراحة الأسبوعية وأيام العطل، إضافة إلى تخصيص أوقات كافية للأكل والفسحة والأنشطة التربوية والترفيهية[8].
ولعل أهم حقوق السجين العامل هو منحه مقابلا منصفا  كما يتضح من خلال المادة (45) والذي يحدد مبلغه بمقتضى قرار مشترك لوزير العدل ووزير المالية، ويسجل بهذا الصدد إصرار المشرع المغربي على عدم الاعتراف للمقابل الممنوح للسجين العامل بطابع الأجر، رغم أنه اخضع المحكوم عليهم في المواد  السابقة  للمقتضيات التشريعية والتنظيمية لقانون الشغل[9].  عكس ما جاءت به القاعدة 76 من القواعد النموذجية والتي نصت على أنه "يكافئ السجناء على عملهم وفقا لنظام أجور منصف، وقبل الخوض في الجدل الفقهي القائم حول الطبيعة القانونية للمقابل الممنوح للسجين العامل نود أن نبدي وجهة نظرنا حول صياغة المادة (45) التي يتبين من خلالها انه ليس من حق كل المعتقلين الحصول على مقابل عملهم بل يتعلق الأمر بمن يزاولون نشاطا ذو مردودية- أي منتجا- وهذا ما يكرس النظرة الاستغلالية للسجين الذي يزاول عملا منتجا وإجحافا لمن أنيط به عمل غير منتج دون أن يكون قد ارتكب أي خطأ يستوجب تأديبه.
أما بخصوص الطبيعة القانوني للمقابل ومدى إمكانية اعتباره أجرا بمفهوم قانون الشغل من عدمه، فقد اختلف الفقه في هذا الصدد إلى توجهين اثنين: فمنهم من اعتبره لا يعدو أن يكون منحة أو مكافأة تقدمها الدولة للمحكوم عليه لتحقيق مصلحة عامة، وبذلك لا يكون للمسجون الحق في المطالبة به، ويستند هذا الرأي إلى أن العلاقة بين المسجون والإدارة العقابية ليست علاقة تعاقدية، فالمسجون لا يلتزم بالعمل لأنه يحصل على أجر يقابله، وإنما يلتزم به باعتباره جزءا  من المعاملة العقابية التي يلتزم بالخضوع لها دون  مناقشة، وفضلا عن ذلك فإن الدولة تنفق على المحكوم عليه في أوجه شتى مثل إنفاقها على الغذاء  والكساء، ولا يتصور أن تلتزم فضلا عن ذلك بدفع مقابل للعمل يتخذ صورة الأجر، ويذهب الرأي الآخر- وهو السائد- إلى القول بان  المقابل له صفة الأجر، ويردون على حجج الرأي السابق بالقول أنه ليس من المحتم وجود علاقة  تعاقدية بين المسجون والإدارة العقابية، فالحق في الأجر قد يتولد عن تصرف قانوني أو لائحي، وهو في حالة المسجون يتولد عن مركز قانوني ناشئ عن حكم بالإدانة[10].
بقي لنا أن نتساءل عن أوجه إنفاق هذا المقابل الممنوح للسجين العامل في التشريع المغربي والقواعد النموذجية؟ وهو ما نجد إجابة له من خلال استقرائنا للمادة 105 من قانون 23-98 والتي تقابلها القاعدة 76/2و3 حيث يقسم المقابل إلى قسمين قسم قابل للتصرف وآخر احتياطي يسلم إلى المعتقل عند الإفراج عنه، كما يمكن إرسال جزء منه إلى أسرة المعتقل حسب ما ورد في القاعدة 76/1 وهذا المقتضى  الأخير لا نجد له مثيلا  في التشريع المغربي  بصريح العبارة، بل  كل ما نجده هو إعطاء الحق لمدير المؤسسة السجنية لاقتطاع مبلغ من القسط القابل للتصرف تلقائيا تعويضا  للخسائر المحدثة من طرفه ليودع بعد ذلك في الخزينة  العامة[11].

المطلب الثاني : أغراض و ضوابط عمل السجناء
الفقرة الأولى: أغراض العمل بالمؤسسات السجنية

يعتبر عمل السجناء من الوسائل الاساسية التي تهدف إلى تحقيق مجموعة من الأغراض المهمة داخل المؤسسة السجنية، حيث يضفي هذا العمل الطابع الانساني على العقوبة و يعد أيضا وسيلة لتحقيق النظام داخل المؤسسة و تتلخص هذه الاغراض في تهذيب و تأهيل السجين و تحقيق الأمن و النظام دون أن ننسى ما يحققه هذا العمل من زيادة في الإنتاج يساهم في الرفع من المستوى الإقتصادي للسجناء.
بداية سنفصل في كل غرض من الأغراض المذكورة سابقا، ففيما يتعلق بالتهذيب و التأهيل
إن توفير عمل للسجين أثناء تنفيذ العقوبة السالبة للحرية من شأنه إضفاء لحياته داخل السجن قيمة مضافة، حيث يمكنه من استغلال أوقات فراغه و الإعتياد على الإنتظام و الإنضباط مما يجعله يدرك القيمة الحقيقية للعمل حيث يحقق له دخلا ماديا يتيح له تلبية حاجياته و متطلباته اليومية كذلك نقطة مهمة تساعده على الإدماج و هي تحويل انشغالات السجين الإنحرافية كما يحد من ميولاته العدوانية و يزرع فيه حب الإنضباط، و يساعده ذلك على إنماء قدراته و طاقاته و الرفع من معنوياته[12] و بهذا تكون المؤسسة السجنية خلقت مجال للسجين لتفجير طاقاته الابداعية و بالتالي يتحرر من الضغوطات النفسية و يجنبه التعرض لإضطرابات عقلية و هذا الشعور عامل أساسي في تهييئ المحكوم عليه لمواجهة الحياة بعد الإفراج عنه، حيث يكون  قد تمرن على حرفة و اكتسب قواعد إتقانها و تعود على الكسب الشريف[13] حيث يبعده عن الإنحراف و في ذلك تأهيل له و حسب رؤية أستاذتنا الفاضلة د. لطيفة المهداتي فإن هذا هو بالضبط الدور الذي ينبغي أن يلعبه التنفيذ
إلا أنه بالرجوع إلى المادة 37 من قانون 23.98 نجد ان الهاجس الأمني سيطر على المشرع المغربي و نلمس هذا في عبارة: "التي يكون فيها النشاط متلائما مع نظام المؤسسة و أمنها " و أيضا روح المادة 39 من نفس القانون و هذا ما يدفعنا للتساؤل هل يمكن تحقيق هدف التأهيل الذي يعتبر الغرض الرئيسي المرجو من العقوبة في وسط يخيم عليه النظام الأمني و يطغى عليه أكثر مما هأو تهذيبي ؟ و هل يمكن تحقيق ذلك بهذه الإزدواجية ؟

الغرض الأمني  
إن تحقيق النظام بالمؤسسات السجنية يعد من أهم أغراض العمل حيث إن ملء وقت المحكوم عليه بعمل نافع يجد فيه ذاته كما يشغل في نفس الوقت التفكير في الانتقام لوضعيته و السخط على المجتمع و المؤسسة العقابية و الإخلال بالنظام.[14]
و كذلك يشعره بالرضا عن نفسه و إحساسه بأهمية ما يقدمه و متعاونا أيضا مع زملائه و مع مدربيه و المشرفين عليه في السجن كما أن العمل يعلمه النظام و التقيد بقواعد معينة و هذا كله يعد الخطوات الأولى نحو إعادة التأهيل.
فيما يخص الغرض الإقتصادي
يحقق عمل السجناء كسبا مهما يستفيد منه السجناء حيث يرفع من مستواهم الإقتصادي إذ يتمكن المحكوم عليه من الإنفاق على الناس و لا يدعه عالة على الناس كما أن المؤسسة السجنية تستفيد من بيع هذا العمل حيث تحقق ربحا يمكنها من الصرف على السجناء و تغذيتهم و كساءهم و تأهيلهم.
لكن تثار هنا إشكالية تغليب الغرض الاقتصادي للعمل على غرضه التأهيلي و هذا أمر مرفوض باعتبار مصلحة المحكوم عليه فوق كل اعتبار نفعي ، حيث نصت بهذا الصدد الفقرة الثانية من المادة 72 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء على أنه :"لا يجوز إخضاع مصلحة المحكوم عليهم و تكوينهم المهني للرغبة في تحقيق الربح عن طريق العمل العقابي".
و لكي تتحقق هذه الأغراض على النحو الصحيح و بصفة خاصة غرض التأهيل يجب توافر بعض الشروط التي سنعالجها في الفقرة الثانية.

الفقرة الثانية: ضوابط عمل السجناء

جاء في مؤلف الدكتور محمود نجيب حسني مقولة شهيرة "لجون هوارد" يقول فيها :"دع المسجونين يعملون و لسوف يتحولون إلى أناس شرفاء " و للوصول إلى هذه النتيجة، يجب مراعاة بعض الضوابط القانونية في هذا العمل و المتمثلة فيما يلي  

أولا : أن لا يكون ذا طبيعة مؤلمة
و ذلك حتى لا يعتبر العمل عقوبة إضافية بل مجرد تدبير للتأهيل، و في هذا السياق نصت المادة 35 من قانون 23.98 "يوفر للمدانين عمل ذو طبيعة غير مؤلمة ..." و هذا التنصيص جاء منسجما مع ما ورد في الفقرة الأولى من المادة 71 من القواعد الدنيا لمعاملة السجناء التي جاء فيها : "لا يجوز أن يكون العمل في السجن ذا طبيعة مؤلمة"
و المشرع في هذا الصدد قد أعفى الأحداث و ذوي العجز من العمل، بعد استشارة الطبيب.

ثانيا: أن يكون العمل منظما
و معنى هذا الشرط أن يكون متوافقا مع قواعد و ضوابط العمل الحر[15] حتى يكتسب المحكوم عليه أساليبه الفنية و التنظيمية و بالتالي لا يجوز ممارسة هذا العمل خارج أسوار السجن، و بالتالي لا يجوز أن يوجه السجين للتدرب على نوع من العمل لا يستجيب لحاجيات السوق و هذا ما نص عليه المشرع المغربي في الفقرة الثانية من المادة 41 في قانون السجون و المشرع الفرنسي في الفقرة الثانية من المادة 102 و ما نصت عليه أيضا القواعد النموذجية الدنيا في فقرتها الأولى من المادة 72
نجد أيضا أن المشرع المغربي في المادة 36 من قانون 23.98 أشار إلى فئة المعتقلين الاحتياطيين و المكرهين بدنيا حيث نص على أنهم يخضعون لنفس قواعد العمل التي تجري على المدانون باستثناء تقديم طلب العمل و عدم إمكانية السماح للمعتقلين الاحتياطيين العمل خارج المؤسسة السجينة.
و تجدر الإشارة إلى أن القواعد النموذجية الدنيا لم تميز في إطار تنظيم العمل بين أصناف السجناء بحيث أنها توجه للسجناء المحكوم عليهم مما يتضح معه أن المشرع المغربي كان أكثر دقة و تحديدا في هذا الجانب.
وعن تنوع الأعمال في المؤسسة السجنية فينبغي أن تتوفر هذه الأخيرة على أعمال صناعية وأخرى زراعية حتى يستطيع المحكوم عليهم مزاولة العمل الذي يتلاءم و قدرتهم و مؤهلاتهم و الذي يرجح أن يزاولوه بعد سراحهم.[16]

ثالثا: أن يكون العمل بمقابل[17]
من العدل و الانصاف إعطاء المحكوم عليه مقابلا عن عمله و هو شرط يجمع الفقهاء و القانونيين على ضرورته و لأهميته في توجيه العمل إلى تحقيق أهدافه، ومن شأن هذا المقابل تحفيزه و تشجيعه على العمل ليتعود على العيش بمكسبه، و في هذا الصدد نص المشرع المغربي في المادة 45 من قانون السجون "أن يمنح للمعتقلين الذين يزاولون نشاطا منتجا، مقابل منصف، يحدد مبلغه بمقتضى قرار مشترك للوزير المكلف بالعدل و الوزير المكلف بالمالية "
تجدر الملاحظة هنا أن المشرع استعمل عبارة "مقابل منصف" خلافا لما جاء في المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء (أجر عادل ) و كذلك المادة 46 من قواعد الامم المتحدة بشأن حماية الأحداث المسجونين ، و الفقرة الأولى من المادة 76 المتعلقة بالقواعد النموذجية الدنيا لمؤتمر جنيف التي استعملت "أجرة نصف" مما يتبين لنا أن مشرعنا خالف كل التوصيات الدولية في هذا الصدد و لم يعترف لهذا المقابل بطابع الأجر.

رابعا: أن يكون العمل منتجا[18]
حيث أن العمل المنتج يكتسي أهمية قصوى للسجين و ذلك لأنه يعتبر محفزا ومشجعا له على استرداد مكانته في المجتمع بعد الإفراج عنه[19] و هذا ما نص عليه المشرع المغربي في المادة 45 بشكل يتوافق مع ما جاءت به القواعد النموذجية الدنيا في فقرتها الثالثة والرابعة من المادة 71
وكذلك المادة الثامنة من المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء التي اعتمدت سنة 1990 قصد استرجاع السجين ثقته بنفسه كونه قادرا على تأمين رزقه بعد الإفراج عنه فيقدر قيمة العمل و منه يحرص على دقة أدائه.

المبحث الثاني: واقع عمل السجناء وآثاره


كما هو معلوم، فالشغل داخل المؤسسات السجنية لا يخرج عن كونه أداة لتحقيق الاستغلال الأمثل لطاقات وإمكانيات السجناء على نحو تتحقق معه في النهاية جميع الأهداف المتوخاة منه، ولا سيما تأهيلهم لمرحلة ما بعد الإفراج عنهم. وفي هذا الإطار حاولت مختلف التشريعات مسايرة توجهات المواثيق والمعاهدات الدولية التي كرست كرامة السجين باعتباره مواطنا قبل أن يكون مدانا، وهو ما يستوجب احتفاظه ببعض الحقوق أثناء تنفيذ العقوبة ومنها الحق في العمل وذلك في مقابل التزامات يتحمل بها.

المطلب الأول: واقع عمل السجناء

يقتضي الشغل في السجن أن يتم تنظيم أساليبه بشكل قانوني، بحيث لا يخضع هذا الشغل لنظام واحد بل تتعدد أنظمته وأنواعه وهو ما سنتطرق له في الفقرتين المواليتين.

الفقرة الأولى:  أنظمة العمل داخل المؤسسات السجنية

تختلف الأساليب النظامية للعمل داخل المؤسسة السجنية باختلاف الدور الذي تقوم به إدارة السجون في الرقابة على الشغل وتوجيهه[20]، ويمكن رد هذه الأساليب إلى ثلاثة أنظمة وهي نظام الإدارة المباشرة، نظام المقاولة ثم نظام الامتياز.

أولا: نظام الإدارة المباشرة
يقصد بنظام الإدارة المباشرة النظام الذي تتولى بموجبه إدارة السجون تشغيل السجناء لحسابها الخاص، وتتحمل مختلف أوجه الإنفاق عليهم داخل السجن[21]، وعليه يوكل إلى هذه الإدارة اختيار نوع الشغل، وتحديد شروطه، وتوفير ما يلزمه من مواد أولية وآلات وأدوات، والإشراف عليه من جميع جوانبه التقنية والإدارية، وتسويق منتجات السجناء والاستفادة من عائداتها المالية، وذلك في مقابل وفائها بمتطلباتهم المعيشية[22].
يعتبر نظام الإدارة المباشرة للشغل في المؤسسات السجنية النظام الأساسي الذي تشترك في تطبيقه جميع الأنظمة الجنائية، ولا شك أن هذا النظام يسمح لإدارة السجون، من خلال إشرافها على الشغل، بتوجيهه أساسا لتحقيق أغراضه وفي مقدمتها تأهيل السجناء.
ولعل هذا ما جعل مجموعة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء تنص بشكل صريح على تفضيل نظام الإدارة المباشرة، وذلك في الفقرة الأولى من القاعدة 73 التي جاء فيها:"يفضل أن تقوم إدارة السجن مباشرة، لا المقاولون الأفراد، بتشغيل مصانعه ومزارعه".
وتجدر الإشارة إلى أن الفقه الجنائي بدوره يجمع على أن نظام الإدارة المباشرة يعد أفضل نظم تشغيل السجناء[23].

ثانيا: نظام المقاولة
يراد بنظام المقاولة النظام الذي تعهد بمقتضاه إدارة السجون إلى أحد المقاولين بتشغيل السجناء وتحمل تكاليف معيشتهم داخل السجن من كساء وغذاء وصيانة أماكن الشغل وتجهيزاته وجلب ما يحتاجه من مواد أولية، وفي المقابل يتقاضى هذا المقاول منحة مالية من الدولة كما يحصل على إنتاج الشغل[24].
وإذا كان هذا النظام يخفف من الأعباء المالية للدولة التي يفرضها عليها تشغيل السجناء، فإن ما يعاب عليه هو أن المقاول يكون همه الشاغل هو تحقيق أقصى ربح ممكن على حساب الهدف الأساسي من العمل الذي هو تأهيل المحكوم عليه.

ثالثا: نظام الامتياز
يقصد بنظام الامتياز تنازل إدارة السجن عن اليد العاملة السجنية لفائدة مقاولة أو هيئة خاصة بموجب عقد إداري مبرم بين الطرفين من أجل تشغيل السجناء لحسابها الخاص والاستفادة من إنتاج الشغل نظير التزامها بدفع مبلغ مالي محدد لهذه الإدارة.
هذه هي الأنظمة الثلاثة لتشغيل السجناء، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن التشريعات الحديثة تميل إلى الجمع بين أسلوبي الإدارة المباشرة والامتياز، ومن بينها القانون المغربي المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
غير أنه ينبغي التأكيد على أن الواقع الملموس في المؤسسات السجنية المغربية يثبت أن نظام الامتياز غير معمول به، حيث يظل نظام الإدارة المباشرة هو وحده المطبق حاليا في مجال تشغيل السجناء ببلادنا[25].

الفقرة الثانية: أنواع الشغل المزاولة من طرف السجناء

تختلف أنواع الشغل التي يمارسها السجناء، حيث تتحكم في تحديدها مجموعة من العوامل التي تتعلق أساسا بحاجيات المؤسسات السجنية وضمان حسن تسييرها ومدى تبني تشريعات الدول لأهداف الشغل لاسيما ما يتعلق منها بتأهيل السجناء[26].
وعموما يمكن تصنيف أنواع الشغل الموكولة للسجناء داخل المؤسسات السجنية المغربية إلى ثلاثة أصناف وهي :الشغل في إطار الخدمة العامة(أولا)، الشغل في وحدات الإنتاج(ثانيا)، الشغل المستقل(ثالثا).

أولا: الشغل في إطار الخدمة العامة

يمكن القول في البداية أنه يصعب إيجاد تعريف قانوني لمفهوم الخدمة العامة في المؤسسات السجنية، لكن مع ذلك نشير إلى أن الخدمة العامة هي وسيلة لتنظيم الحياة داخل مجتمع السجن من خلال القيام بأشغال تعد أساسية لعيش السجناء في الوسط السجني[27]. ومن ثم تعتبر الخدمة العامة ضرورة لا يمكن الاستعاضة عنها، حيث يستلزمها السير العادي للمؤسسات السجنية وضمان أدائها لوظيفتها في توفير متطلبات التنفيذ العقابي[28]، فضلا عن تجنيب إدارة السجون صرف نفقات مالية باهظة قد لا تتحملها ميزانيتها.
وهكذا تعد الخدمة العامة من جهة أداة أساسية لتدبير المؤسسة السجنية من الناحية الاقتصادية من خلال قيام السجناء بضمان أداء جميع المهام الرئيسية للحياة اليومية داخل السجن وفي محيطه الخارجي، حيث لا يتم اللجوء إلى توظيف أشخاص من الخارج للقيام بهذه المهام. ومن جهة ثانية وسيلة هامة لتدبير الجانب الأمني في السجن وخصوصا فيما يتعلق بفرض الانضباط وحفظ النظام داخله. فهي تمكن إدارة المؤسسة السجنية من الحصول على معلومات عما يقع داخل السجن بواسطة السجناء المكلفين بهذه الخدمة.
فلا غرابة إذن أن توجد هذه الخدمة في جميع المؤسسات السجنية، وأن تستوعب نسبة كبيرة من السجناء، ويبدو أنه من غير المتصور وجود مؤسسة سجنية دون أشغال عامة يكلف بها السجناء. ويرجع بعض الفقه الجنائي السبب في ذلك إلى أن السجناء يعتبرون قوة عاملة إلى جانب الأجراء الأحرار، وبالتالي يتعين الاستعانة بهم للقيام بخدمة المؤسسة السجنية التي يقضون بها مدة عقوبتهم.
ويبدو أن هذه الاعتبارات هي التي حدت بالنظم الجنائية في مختلف الدول إلى إقرار الخدمة العامة كمجال رئيسي من بين مجالات تشغيل السجناء، ومن بينها القانون المغربي المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، فالفقرة الرابعة من المادة 41 من هذا القانون تقضي بأنه:"يكلف بعض المعتقلين بكيفية دورية بأشغال عامة داخل كل مؤسسة من أجل الحفاظ على استمرار نظافة محلات الاعتقال والقيام بمختلف الخدمات الضرورية لسير المؤسسة".
وبالرجوع إلى بعض الإحصائيات الخاصة ببعض السجون يتبين أن عدد السجناء المزاولين للشغل في نطاق الخدمة العامة يشكل نسبة مهمة من مجموع السجناء المزاولين للشغل، وهو ما يوضحه الجدول التالي:

المؤسسة السجنية
مجموع السجناء المزاولين للشغل
عدد السجن المزاولون في نطاق الخدمة العامة
النسبة المئوية
السجن المركزي بالقنيطرة
464
374
80.60%
السجن المحلي عين السبع بالدار البيضاء
225
188
83.55%
السجن الفلاحي بعلي مومن بسطات
120
94
78.33%
المجموع
809
656
81.08%

أما فيما يتعلق بأنواع الشغل في إطار الخدمة العامة، فيلاحظ أن القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية لم يحددها، إلا أن المرسوم التطبيقي له تضمن بعض أنواع الأشغال العامة التي يعهد بها إلى السجناء، وخصوصا النظافة والطبخ والفرن.
وبالرجوع إلى الواقع العملي يمكن تحديد أهم أنواع الشغل التي يقوم بها السجناء في إطار الخدمة العامة بالمؤسسات السجنية المغربية[30] في:
1- النظافة: وتتمثل في القيام بعملية تنظيف يومي للمعامل المهنية وقاعات الطعام والممرات والأفنية والمحلات المخصصة للاستعمال المشترك في المؤسسة السجنية.
2-  الطبخ: ويكمن في تهييء الوجبات الغذائية للمعتقلين بالمؤسسة السجنية.
3-  الفرن: ويتمثل في تهييء الخبز الذي يحتاجه السجناء في الوجبات الغذائية.
4- الصيانة: ويدخل في إطارها كل ما يتعلق بعملية الإصلاح والترميم والحفاظ على الوسائل والمعدات والأدوات والمباني والمساحات الخضراء داخل المؤسسة السجنية. وتشمل أشغال الصيانة مهنا متعددة أهمها الصباغة، الترصيص، البناء، إصلاح المعدات الكهربائية والميكانيكية والأدوات الخشبية والمواد الحديدية.
ويتعين التأكيد على أن جميع مجالات تشغيل السجناء في نطاق الخدمة العامة المذكورة تتم تحت إشراف موظفين من السجن.
والملاحظ في الواقع العملي أن معظم المهام التي يزاولها السجناء في نطاق الخدمة العامة بالمؤسسات السجنية المغربية لا تحقق في أغلب الأحوال الهدف التأهيلي المتوخى من الشغل. ومن ثم وبدافع التخفيف من الإضرار بهذا الهدف الأسمى للشغل في السجون، يبدو أنه يجب مراعاة أن بعض المهن التي تدخل في نطاق الخدمة العامة لاسيما تلك المتعلقة بالصيانة، يمكن تنظيمها كشغل تأهيلي نظرا لانتشارها في المجتمع. وهو ما يستلزم تحديث أدواتها وطرق أدائها قصد جعلها ملائمة لحاجيات سوق الشغل في المجتمع.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض النظم الجنائية تقر صراحة بمنع السجناء من مزاولة بعض المهام التي تدخل في نطاق الخدمة العامة بالمؤسسات السجنية.
فالمشرع الفرنسي ينص على منع السجناء من الاشتغال في الحسابات العامة ومكتب الضبط القضائي أوفي المصالح الطبية الاجتماعية.
وقد تبنى المشرع المغربي نفس الموقف في الفقرة الأولى من المادة 25 من المرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية التي جاء فيها:"لا يمكن السماح لأي معتقل بالعمل في الحسابات العامة ومكتب الضبط القضائي أو المصالح الطبية، كما لا يمكنه القيام بأي عمل يخوله سلطة أو ممارسة التأديب".
ويعتبر هذا التوجه سليما لأنه يتفق مع ما تفرضه الاعتبارات المتعلقة بمراعاة الانضباط والأمن بالمؤسسات السجنية[31].
فالترخيص للسجناء بالاشتغال في الحسابات العامة داخل المؤسسة السجنية سيتيح لبعضهم الفرصة لإمكانية التلاعب بها، ولا يخفى أنه يتعين الحرص على مسك هذه الحسابات بالدقة اللازمة.
كما أن مزاولة الشغل في مكتب الضبط القضائي لا يخلو من مخاطر تتمثل أساسا في إعطاء السجناء المجال للاطلاع على سجلات الاعتقال التي تحتوي على بيانات ومقررات خطيرة تتعلق أساسا بالاعتقال وتحديد الحالة الجنائية للمعتقلين.
أما تمكين السجناء من الاشتغال في المصالح الطبية فيمثل بدوره تهديدا للأمن والنظام في السجن، لما تحتوي عليه هذه المصالح من أدوية وأدوات ومواد خطيرة قد يستعملها المشتغلون بهذه المصالح للإضرار بأنفسهم أو بسجناء آخرين.
وفضلا عن ذلك، فإن تخويل بعض السجناء ممارسة شغل يمنحهم سلطة تأديبية اتجاه باقي السجناء الآخرين، يمس بوظيفة المؤسسة السجنية ككل في ضبط النظام والحفاظ على الأمن داخلها.
ويبدو أن هذه المقاربة الأمنية التي تقف وراء موقف المشرع من استثناء السجناء من الاشتغال في المهام المذكورة، هي التي تفسر عدم تشغيلهم فيها من الناحية الواقعية في جميع المؤسسات السجنية ببلادنا.

ثانيا:الشغل في وحدات الإنتاج

يمثل الشغل في وحدات الإنتاج داخل المؤسسات السجنية نمطا أساسيا من أنماط تشغيل السجناء.
وتكمن أهمية هذا الشغل في أنه يتناسب مع الاعتبارات التي يفرضها التطور الاقتصادي والاجتماعي، كما يقوم بدور أساسي في تحقيق وظيفة الشغل في تأهيل السجناء من خلال ما يفترضه من تعليم مهنة أو حرفة معينة. ويضاف إلى ذلك أنه يستهدف بلوغ هدف إنتاجي من وراء تشغيل السجناء[32].
وتجدر الإشارة إلى أن الشغل في وحدات الإنتاج في السجون المغربية، تشرف عليه مصلحة مختصة بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج هي "المصلحة المستقلة لوحدات الإنتاج".
يفترض في الشغل في وحدات الإنتاج أن يلعب دورا أساسيا في مجال تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم في الحياة العامة، من خلال استفادة عدد هام منهم من هذا الشغل لما يوفره من إمكانية المحافظة على المهارة المهنية المكتسبة قبل دخولهم السجن أو تعلم مهنة جديدة، وهذا ما يسمح في كلتي الحالتين بالحصول على شغل في المجتمع بعد الإفراج عنهم.
لكن يلاحظ في الواقع الملموس أن الشغل في وحدات الإنتاج بمؤسساتنا السجنية لا يستوعب سوى نسبة محدودة من السجناء، وهو ما يوضحه الجدول التالي:

عدد السجناء الذين يشتغلون في وحدات الإنتاج ببعض المؤسسات السجنية برسم سنة 2008[33]
المؤسسات السجنية
مجموع السجناء المزاولين للشغل
عدد السجناء المزاولين للشغل في وحدات الإنتاج
النسبة المئوية
السجن المركزي القنيطرة
464
90
19.39%
السجن المحلي عين السبع بالدار البيضاء
225
37
16.44%
السجن الفلاحي بعلي مومن بسطات
120
26
21.66%
المجموع
809
153
18.91%

إن النقص في عدد السجناء المستفيدين يرجع إلى عوامل متعددة، ترتبط أساسا بحجم أماكن الشغل بوحدات الإنتاج، والنقص في عدد المؤطرين المهنيين، فضلا عن قلة مناصب الشغل المخصصة لهذا النوع من الشغل، والتي تؤدى عنها مكافآت مالية من طرف إدارة السجون.
ويتخذ الشغل داخل وحدات الإنتاج شكلين أساسين هما: الشغل في المعامل المهنية، والشغل في الأوراش الفلاحية.
1-    الشغل في المعامل المهنية: يكتسب الشغل في المعامل المهنية داخل المؤسسات السجنية أهمية بالغة في تأهيل السجناء[34]، وإعدادهم لمواجهة متطلبات الحياة المهنية بعد إخلاء سبيلهم، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أكثر المهن المزاولة في المجتمع خارج السجن هي ذات طابع صناعي.
ويوجد هذا النوع من الشغل ببلادنا في السجن المركزي بالقنيطرة وعدد من السجون المحلية وبعض السجون الفلاحية، ويهدف إلى تلقين إحدى الحرف لمن لا يتوفر من السجناء على حرفة أو مهنة معينة، وأيضا المحافظة على القدرات المهنية المكتسبة من طرف السجناء وتنميتها بالنسبة للذين كانوا يمارسون إحدى الحرف المزاولة بوحدات الإنتاج قبل دخولهم السجن[35].
وتتنوع المهن التي يزوالها السجناء بالمعامل المهنية في المؤسسات السجنية وهو ما يوضحه الجدول التالي:

المهن التي يزاولها السجناء في بعض المؤسسات السجنية برسم سنة 2008[36]
المؤسسة السجنية
أنواع المهن
السجن المركزي بالقنيطرة
-         النجارة
-         الميكانيك
-         التسفير
-         المطبعة
السجن المحلي عين السبع بالدار البيضاء
-         النجارة
-         الحدادة
-         الترصيص الصحي
-         الكهرباء
السجن الفلاحي بعلي مومن بسطات
-         الميكانيك
-         الحدادة

2-    الشغل في الأوراش الفلاحية: يعتبر الشغل في المجال الفلاحي من أقدم أنماط تشغيل السجناء، وينطوي هذا الشغل على مزايا متعددة بالنسبة للسجين من جميع النواحي الصحية والاجتماعية والمهنية، وكذلك بالنسبة للمؤسسة السجنية ذاتها. لذلك يذهب البعض إلى القول بأنه يعد أساس الشغل في السجون[37].
ويزاول السجناء هذا النوع من الشغل ببلادنا في السجون الفلاحية، ويشمل أساسا الزراعة وتربية المواشي، وهذا ما يوضحه الجدول التالي:
المهن التي يزاولها السجناء بالأوراش الفلاحية في السجن الفلاحي بعلي مومن بسطات برسم سنة 2008[38]

المؤسسة السجنية
أنواع المهن
السجن الفلاحي بعلي مومن بسطات
-         الزاعة
-         تربية الأبقار

بناء على كل ما سبق يطرح التساؤل حول مدى استيفاء الشغل داخل الوحدات الإنتاجية لشرط التنوع في الأشغال، ومدى استجابته لاحتياجات سوق الشغل الحر؟
بالنسبة للشق الأول من التساؤل، يؤكد الواقع الملموس بالمؤسسات السجنية التي تم استعراضها أعلاه، أن الشغل في وحدات الإنتاج الصناعية والفلاحية لا يراعي شرط التنوع في الأشغال، والذي أقره مؤتمر جنيف في توصيته الرابعة التي تنص على :"ينبغي أن تكون الحرف على قدر كاف من التنوع يمكن من التكيف مع احتياجات سوق الشغل، ومع المستويات التعليمية للسجناء وقدراتهم وميولهم".
ويبدو أن السبب الكامن وراء ذلك يعود بالأساس إلى اعتماد إدارة السجون ببلادنا، وخاصة المصلحة المستقلة لوحدات الإنتاج، على تنويع المهن في المؤسسات السجنية ككل، والحال أنه ينبغي أن يتم هذا التنوع داخل كل مؤسسة سجنية على حدة وحسب الاختصاص المنوط بها بتشغيل السجناء سواء في المجال الصناعي أو الفلاحي.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني من التساؤل، فالملاحظ أن الشغل في وحدات الإنتاج داخل المؤسسات السجنية المغربية لم يواكب التطور الذي شهده سوق الشغل ببلادنا، فهو يشمل مهنا عادية في الحياة العامة لا تستجيب بكيفية مباشرة لما يتطلبه هذا السوق من حرف حديثة.
لذلك ينبغي ربط الشغل داخل السجن بما هو سائد خارجة من خلال التخطيط لبرامج الشغل في وحدات الإنتاج على ضوء احتياجات سوق الشغل، إذ أن التركيز على حرف لا ترتبط باحتياجات المجتمع الحالية من اليد العاملة، يترتب عنه ألا يجد السجين بعد انقضاء مدة عقوبته مجالا للشغل في المجتمع.

ثالثا:الشغل المستقل

يعتبر الشغل المستقل أحد أشكال الشغل في المؤسسات السجنية، والمقصود بهذا الشغل قيام ذوي المواهب الفنية أو الإمكانيات الأدبية والعلمية بإنتاج ذي طبيعة فنية أو أدبية لحسابهم الخاص[39].
وتجيز مبادئ علم العقاب أداء السجناء لهذا الشغل، غير أنها تشترط أن تقوم إدارة السجن باتخاذ التدابير اللازمة لاستغلال إنتاجهم حتى لا تكون لهم صلة بالعالم الخارجي على نحو لا تسمح به قواعد النظام الجنائي[40].
وقد أيد مؤتمر لاهاي المنعقد سنة 1950 تمكين السجناء من مزاولة شغل لحسابهم الشخصي لاسيما خلال أوقات فراغهم، وذلك في توصيته الثامنة التي جاء فيها :"في خارج ساعات الشغل المقررة يجب أن يمكن السجين ليس فقط من أوجه النشاط الثقافي والرياضة البدنية، بل كذلك من ممارسة هواياته".
وتذهب معظم التشريعات في اتجاه الترخيص للسجناء بمزاولة شغل مستقل داخل السجن، بما يعود عليهم بالفائدة، واستغلال أوقات فراغهم، وتمكينهم من ممارسة هواياتهم، وتنمية قدراتهم في العديد من المجالات. ومن بين هذه التشريعات يوجد التشريع المغربي حيث ينص المرسوم التطبيقي للقانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية في المادة 130 على أنه :"يمكن الترخيص من طرف مدير المؤسسة للمعتقلين بممارسة أنشطة من اختيارهم وبصفة فردية وذلك خلال أوقات الفراغ، مادامت هذه الأنشطة لا تضر بباقي المعتقلين أو بالنظام أو الأمن، ولا تعرقل السير العادي للمؤسسة".
ويستند الفقه الجنائي إلى عدة أسباب في الترخيص للسجناء بمزاولة شغل مستقل لحسابهم الشخصي داخل المؤسسات السجنية، يمكن تحديدها في ما يلي[41]:
-         إن حق السجين في الشغل لا تصادره العقوبة السالبة للحرية؛
-         إن السجين لا يقيده في مزاولته لشغله الأصلي غير ضرورة الحفاظ على النظام في السجن؛
-         إن العقوبة السالبة للحرية لا تمس حق السجين في الحصول على نتاج شغله، كما لا تشتمل على مصادرة جهده لصالح إدارة السجون؛
-         إن إنتاج السجين لأشغال لحسابه الخاص في أوقات الفراغ ليس فيه أية ميزة خاصة، بل إنه يتساوى في هذه الحالة مع غيره من أصحاب المواهب في المجتمع؛
-         ليس في قيام السجين بممارسة شغل لفائدته ما يهدد نظام السجن وانتظام الحياة اليومية فيه؛
-         أن مزاولة السجين لشغل لحسابه الشخصي خلال مدة اعتقاله لا يعني أداءه لشغل خاص داخل السجن.
 لكن بالرغم من كل هذه الأسباب، فإن الشغل المستقل يعتبر الأقل ممارسة في الواقع الملموس من طرف السجناء في جميع مؤسساتنا السجنية، وهذا ما يؤكده الجدول التالي:
عدد السجناء المزاولين للشغل المستقل في بعض المؤسسات السجنية برسم سنة 2008[42]
المؤسسة السجنية
مجموع السجناء المزاولين للشغل
عدد السجناء المزاولين للشغل المستقل
طبيعة الشغل المستقل
النسبة المئوية
السجن المركزي بالقنيطرة
464
20
رسم لوحات زيتية
مصنوعات خشبية
4.31%
السجن المحلي عين السبع بالدار البيضاء
255
5
رسم لوحات زيتية
2.22%
السجن الفلاحي بعلي مومن بسطات
-
-
-
-

من خلال استقراء معطيات هذا الجدول يمكن القول يلاحظ ضعف نسبة الشغل المستقل داخل السجون المغربية، ولعل ما يفسر ذلك هو كون الشغل المستقل المزاول من طرف السجناء يشكل استثناء مقارنة مع غيره من أنواع الشغل الأخرى، ويفترض تنظيما معقدا جدا من الناحية العملية، ويستلزم توفر أماكن لمزاولته وتجهيزات أساسية وعدم إخلاله بالسير العادي للمؤسسة السجنية.

المطلب الثاني: حقوق والتزامات السجين العامل

يعتبر تشغيل السجناء آلية أساسية لتأهيل السجين وإعادة إدماجه في المجتمع الحر بعد الإفراج عنه، لذلك نجد أن مختلف التشريعات التي اختارت المضي قدما في خارطة السياسة العقابية قد حاولت مسايرة توجهات المواثيق والمعاهدات الدولية المكرسة لكرامة السجين،با عتباره  مواطنا قبل أن  يكون مدانا، ما يستوجب احتفاظه ببعض الحقوق أثناء تنفيذ العقوبة السالبة للحرية خصوصا ما سطر في مؤتمر جنيف بمقتضى القواعد النموذجية الدنيا  لمعاملة السجناء وما نصت عليه التوصية الأولى من مؤتمر لاهاي  بكون العمل حق لجميع المحكوم عليهم.
وحتى بعد توفير عمل السجين ، فالأمر يستوجب أن تسهر المؤسسة السجنية على تنظيمه ووضع ضوابط له من اجل تحقيق الغرض الأساس وهو تأهيل السجين وإصلاحه، وفي مقابل ذلك فالسجين يتحمل بالتزامات.
إذن فماهي هذه الحقوق والالتزامات؟
هذا ما سنحاول أن نعرض له تباعا:

الفقرة الأولى: حقوق السجين العامل

 أفرد  مشرع قانون 23-98 المواد من 35 إلى 45 لتنظيم عمل السجناء والتي تتمحور في مجملها حول  ما للسجين من حقوق وما عليه من التزامات انطلاقا من المادة (35) التي وضحت حق السجين في ممارسة عمل غير مؤلم أي ليس شاقا، وهو ما يمكن القول معه أن مشرعنا هو الآخر لا يعتد بالعمل كعقوبة إضافية مشددة للعقوبة السالبة الحرية، ونصادف الأمر نفسه إذا ما اطلعنا على الفقرة 1 من القاعدة (71) من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، إلا انه لا يجب أن يفهم أن للسجين الحق في العمل من عدمه، بل هو ملزم به حسب ما ورد في المادة 35/1   بمجرد توفيره من طرف المؤسسة السجنية ما لم يثبت عجزه عن العمل بمقتضى استشارة طبية أو اعتبارا لسنه، وما يمكن أن نسجله بشأن هذه النقطة هو أن المشرع المغربي استعمل مصطلح مدان وهو ما يستبعد المكرهين بدنيا من إجبارية العمل باعتبارهم هم الآخرين  قد صدر حكم بالإدانة في  حقهم، وهذه  التفرقة لم تأخذ بها القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء[43]. وما يزيد من مصداقية  ما قلناه  صياغة  المادة 36/1 من قانون 98-23 حيث سوت بين المعتقلين الاحتياطيين والمكرهين بدنيا كون العمل لا يفرض عليهم وإنما لهم حق طلبه  ولو أن رغبة المعتقل الاحتياطي في رأينا لا تتجه  نحو الحصول على عمل داخل أسوار السجن بقدر  تطلعه إلى ما ستؤول له قضيته.
 تجدر الإشارة كذلك وحسب ما ورد  في القاعدة 71/6  إلى أنه من الممكن للسجين اختيار نوع العمل الذي يرغب في ممارسته وهذا بطبيعة الحال في حدود ما للمؤسسة السجنية  من إمكانيات وما يتطلبه  الأمر من انضباط داخلها، وهو ما كرسته بتعبير آخر المادة 37/1 من قانون  23-98 عندما خولت للمدانين إمكانية مواصلتهم للنشاط المهني الذي كانوا يزاولونه قبل  اعتقالهم مع وضع قيد مدى ملائمته مع نظام المؤسسة وأمنها.
إضافة إلى ما  سبق ذكره من حقوق[44] يتمتع بها السجين العامل، نجد أن  القواعد الدنيا سلكت سبيلا يرقى بالسجين إلى حد يجعله قريبا من العامل الحر  من حيث ما يتمتع  به هذا الأخير من حماية وحقوق، فزيادة على فرضها تنظيما وطرقا  لعمل السجين شبيهة بالعمل في الوسط الحر-  وهو ما كرسه أيضا مشرعنا المغربي في المادة 41/2 بهدف التأهيل والتكيف مع الظروف العادية  بعد الإفراج لأنه لا يعقل أن ينتهي دور العمل بانتهاء العقوبة – فإنها وحتى لا ينظر للسجين نظرة استغلال تجعل  منه طاقة  إنتاجية  كما كان عليه الأمر إبان النهضة الصناعية والتجارية بأوربا، قد حاولت أن تشمله بحماية بعض مقتضيات  قانون الشغل  المطبق على العامل الحر[45]، وهذا ما يتضح جليا باطلاعنا على القاعدة (74)  التي تلزم المؤسسة الجنية باتخاذ نفس الاحتياطات المفروضة لحماية وسلامة وصحة العاملين الأحرار، وهو ما تبنا المشرع المغربي في المادة 34 من قانون 23-98 وكذلك من حق السجين العامل  الاستفادة في حالة إصابته بحادث أو مرض مهني  من مقتضيات القانون المطبق في هذا الشأن دون أن يبخس في حقه شيئا  شأنه شان العامل الحر[46]، كما يستفيد السجين العامل من العمل لساعات محددة حتى لا يرهق وتستنزف طاقته[47]، على المؤسسة السجنية كذلك أن تأخذ بعين الاعتبار حق السجين في الراحة الأسبوعية وأيام العطل، إضافة إلى تخصيص أوقات كافية للأكل والفسحة والأنشطة التربوية والترفيهية[48].
ولعل أهم حقوق السجين العامل هو منحه مقابلا منصفا  كما يتضح من خلال المادة (45) والذي يحدد مبلغه بمقتضى قرار مشترك لوزير العدل ووزير المالية، ويسجل بهذا الصدد إصرار المشرع المغربي على عدم الاعتراف للمقابل الممنوح للسجين العامل بطابع الأجر، رغم أنه اخضع المحكوم عليهم في المواد  السابقة  للمقتضيات التشريعية والتنظيمية لقانون الشغل[49].  عكس ما جاءت به القاعدة 76 من القواعد النموذجية والتي نصت على أنه "يكافؤ السجناء على عملهم وفقا لنظام أجور منصف، وقبل الخوض في الجدل الفقهي القائم حول الطبيعة القانونية للمقابل الممنوح للسجين العامل نود أن نبدي وجهة نظرنا حول صياغة المادة (45) التي يتبين من خلالها انه ليس من حق كل المعتقلين الحصول على مقابل عملهم بل يتعلق الأمر بمن يزاولون نشاطا ذو مردودية- أي منتجا- وهذا ما يكرس النظرة الاستغلالية للسجين الذي يزاول عملا منتجا وإجحافا لمن أنيط به عمل غير منتج دون أن يكون قد ارتكب أي خطأ يستوجب تأديبه.
أما بخصوص الطبيعة القانوني للمقابل ومدى إمكانية اعتباره أجرا بمفهوم قانون الشغل من عدمه، فقد اختلف الفقه في هذا الصدد إلى توجهين اثنين: فمنهم من اعتبره لا يعدو أن يكون منحة أو مكافأة تقدمها الدولة للمحكوم عليه لتحقيق مصلحة عامة، وبذلك لا يكون للمسجون الحق في المطالبة به، ويستند هذا الرأي إلى أن العلاقة بين المسجون والإدارة العقابية ليست علاقة تعاقدية، فالمسجون لا يلتزم بالعمل لأنه يحصل على أجر يقابله، وإنما يلتزم به باعتباره جزءا  من المعاملة العقابية التي يلتزم بالخضوع لها دون  مناقشة، وفضلا عن ذلك فإن الدولة تنفق على المحكوم عليه في أوجه شتى مثل إنفاقها على الغذاء  والكساء، ولا يتصور أن تلتزم فضلا عن ذلك بدفع مقابل للعمل يتخذ صورة الأجر، ويذهب الرأي الآخر- وهو السائد- إلى القول بان  المقابل له صفة الأجر، ويردون على حجج الرأي السابق بالقول أنه ليس من المحتم وجود علاقة  تعاقدية بين المسجون والإدارة العقابية، فالحق في الأجر قد يتولد عن تصرف قانوني أو لائحي، وهو في حالة المسجون يتولد عن مركز قانوني ناشئ عن حكم بالإدانة[50].
بقي لنا أن نتساءل عن أوجه إنفاق هذا المقابل الممنوح للسجين العامل في التشريع المغربي والقواعد النموذجية؟ وهو ما نجد إجابة له من خلال استقرائنا للمادة 105 من قانون 23-98 والتي تقابلها القاعدة 76/2و3 حيث يقسم المقابل إلى قسمين قسم قابل للتصرف وآخر احتياطي يسلم إلى المعتقل عند الإفراج عنه، كما يمكن إرسال جزء منه إلى أسرة المعتقل حسب ما ورد في القاعدة 76/1 وهذا المقتضى  الأخير لا نجد له مثيلا  في التشريع المغربي  بصريح العبارة، بل  كل ما نجده هو إعطاء الحق لمدير المؤسسة السجنية لاقتطاع مبلغ من القسط القابل للتصرف تلقائيا تعويضا  للخسائر المحدثة من طرفه ليودع بعد ذلك في الخزينة  العامة[51].

الفقرة الثانية: التزامات السجين العامل

  بعدما توفر المؤسسة السجنية العمل للسجين و- المدان- كما سبق وأشرنا إليه يصبح هذا الأخير ملزما بأدائه ولا يعفى منه إلا اعتبارا لسنه أو بعد استشارة طبية تؤكد عجزه، هذا مع امتثاله حسب ما ورد في المادة (35) /2) لأوامر وتعليمات مراقب الشغل بخصوص ما أنيط به من مهام[52]، وذلك تحت طائلة توقيع تدابير تأديبية عليه، وهذا ما من شأنه أن يثير إشكالية التبعية باعتبارها عنصرا من عناصر عقد الشغل، وبالضبط في حالة اشتغال السجين لدى الخواص، ولو أن هذا الإجراء يبقى مجرد استثناء من الأصل وهو العمل تحت إمرة ولفائدة المؤسسة السجنية[53]، وهذا فيه مسايرة من المشرع المغربي لما جاء في القواعد الدنيا لمعاملة السجناء وذلك ما يبدو من خلال أخذه  هو الآخر بنظام الاستغلال المباشر إذن فلو افترضنا جدلا أخذ المؤسسة السجنية بنظام المقاولة، إلى من سيخضع السجين وبأوامر من سيتقيد؟ وماذا لو ارتكب السجين العامل خطأ يستوجب تأديبه من له حق ممارسة هذه السلطة؟ هل المقاول  الذي يعمل السجين تحت إمرته أم مدير المؤسسة السجنية؟ وما هي أنواع التدابير المتخذة في هذه الحالة؟
إذن، ودون الخوض في الإجابة عن هذه التساؤلات التي قد تحتمل أكثر من جواب بحسب إذا ما استحضرنا مقتضيات قانون الشغل أو أخذنا  بخصوصية العمل في المؤسسة   السجنية، نسجل عدم أحقية السجين في العمل لفائدة الخواص إلا بمقتضى اتفاقية إدارية تحدد على الخصوص  شروط التشغيل والأجر المستحق، فالقارئ لهذه العبارة الأخيرة من المادة (40) قد يفهم  اعتراف المشرع المغربي للمقابل بصفة الأجر، وما في ذلك من تعرض مع مقتضيات المادة 45 ( مقابل منصف) والمادة 105 (مكافأة)، في حين أن الأمر على العكس من ذلك تماما، فليس هناك تعارض بين مقتضيات هاته المواد وإنما هو ذكاء من المشرع لأنه بعمل السجين لدى الخواص يستحق أن توفر له شروط شغل  مماثلة للأجير، وكذا أجر لا يقل عن الحد الأدنى للأجور، أما الحديث عن مقابل منصف أو مكافأة .. فلا ينسجم إلا في حالة اشتغال السجين داخل ولفائدة المؤسسة السجنية نظرا لمحدودية إمكانياتها المادية...
تجدر الإشارة كذلك إلى أن المعتقلين الاحتياطيين ينفردون بالتزام أخر يتمثل في العمل داخل المؤسسة السجنية اعتبارا لحالتهم الخاصة، إضافة إلى تكليف  بعض المعتقلين كما ورد في المادة 41/2 بالاشتغال داخل المؤسسة بكيفية دورية حفاظا على استمرار نظافة محلات الاعتقال والقيام بمختلف الخدمات الضرورية لسير المؤسسة، ويتبادر إلى الذهن بمجرد الاطلاع على هذه المادة تساؤل حول من هم هؤلاء المعتقلين ؟ هل المرتكبون لخطأ تأديبي؟ وهل يعتبر الإشتغال في النظافة وما يشابهها من أعمال تضمن سير  المؤسسة أعمال منتجة يستحق  من قام بها من السجناء مقابلا وما مدى مساهمتها في الكسب الشريف للسجين بعد الإفراج؟
وفي آخر هذه الفقرة نشيد إلى جانب أستاذتنا لطيفة المهداتي بازدواجية العقوبة المتخذة في حق المعتقل في حالة إحداثه بلبلة في المعمل أو الورش الذي يزاول فيه عمله، أو  في حالة تأثيره السيئ  على المعتقلين الآخرين، وذلك ما يظهر من المادة 39/2  التي سمحت بإبعاده من عمله أو إلحاقه بعمل آخر بصرف النظر عما يمكن أن يتعرض له من تدابير تأديبية أخرى، حيث كان من الأجدى أن يكتفي المشرع بواحدة من العقوبات  السالفة الذكر[54]. 
وكخلاصة لما سبق فإن المقتضيات التي تنظم حقوق والتزامات السجين غير كافية ولا تسعف في الإجابة عن مجموعة من التساؤلات العملية والنظرية في الموضوع

خاتمة

لن يختلف إثنان على ما تضمنته المواد المنظمة لعمل السجناء من مقتضيات حاول من خلالها المشرع المغربي مسايرة توجهات المواثيق والمعاهدات والتوصيات الدولية، إلا أن إطلاعنا على ما هو كائن لن يثنيا عن اقتراح ما نرجو أن يكون : 
•  دسترة الحق في تأهيل السجين.
 •تفعيل الرقابة الإدارية و القضائية على عمل السجناء.

لائحة المراجع:
1)   باللغة العربية:
ü     فوزية عبد الستار، مبادئ علم الإجرام وعلم العقاب، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، بيروت 1975.
ü     الدكتورة لطيفة المهداتي : الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية  ،الطبعة الأولى2005 الرباط.  
ü     عبد الجليل عينوسي، تشغيل السجناء في المغرب بين القانون والواقع، دار أبي رقراق، الرباط 2012.
ü     علي عبد القادر القهوجي، علم الإجرام وعلم العقاب، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت 1986.
ü     محمود نجيب حسني، علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967.
ü     عبد الجبار عريم، الطرق العلمية الحديثة في إصلاح وتأهيل المجرمين والجانحين، مطبعة المعارف، بغداد، العراق، 1975.
ü     أحسن مبارك طالب، العمل الطوعي لنزلاء المؤسسات الإصلاحية، منشورات أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث، الرياض، 1421 هـ-2000 م.
ü     حسن فؤاد علام، العمل في السجون دراسة في النظرية العامة للعمل في النظم العقابية، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1960.

2)   باللغة الفرنسية
ü  Philippe AUVERGNON et Caroline GUILLEMAIN, Le travail pénitentiaire en question, la documentation française, Paris, 2006.
---------------------------------------------------------------------------------
[1]- فوزية عبد الستار: مبادئ علم الإجرام وعلم العقاب، الطبعة الخامسة، دار النهضة العربية 1405-1985 ص 380 و381.
[2]- الدكتور محمد نجيب حسني: علم العقاب، دار النهضة العربية القاهرة 1967، ص328.
[3]- لطيفة مهداتي، مرجع سابق ، ص 170.
[4] في حقيقة الأمر لا يمكن الحديث عن حقوق بما تحمله الكلمة من معنى وإلا لكانت الدول ملزمة بمراعاتها دون أن تتذرع  بما لها من  إمكانيات.
[5]علما منا بان من شروط العمل الحر أن يكون اختياريا وهذا ما لا نصادفه   في عمل السجين الذي يتسم بطابع الإجبارية.
[6]- انظر القاعدة 74/2 تقابلها المادة 44 من 23-98، انظر كذلك ظهير 1963 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.
[7] انظر القاعدة 175، تقابلها المادة 42/1 من قانون 23-98.
[8] انظر القاعدة 75/2 من القواعد النموذجية وتقابلها المادة 42/2 من قانون 23-98.
[9]استادتنا لطيفة المهداتي في تقرير لها عن مؤلف الشرعية في تنفيذ العقوبات  السالبة للحرية.
[10]- فوزية عبد الستار، المرجع السابق.
[11] انظر المادة 107 من قانون 23-98.
الدكتورة لطيفة المهداتي : الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية    -[12]
فوزية عبد الستار : مبادئ علم الإجرام و العقاب ، الطبعة الخامسة ، دار النهضة العربية -[13]
فوزية عبد الستار : مرجع سابق - [14]
محمد نجيب حسني : علم العقاب دار النهضة العربية القاهرة 1967-[15]
لطيفة المهداتي : مرجع سابق - [16]
لطيفة المهداتي : مرجع سابق -[17]
محمد نجيب حسني : علم العقاب دار النهضة العربية القاهرة 1967- [18]
فوزية عبد الستار : مرجع سابق -[19]
[20]  فوزية عبد الستار،مبادئ علم الإجرام وعلم العقاب، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، بيروت 1975، ص 386.
[21]  عبد الجليل عينوسي، تشغيل السجناء في المغرب بين القانون والواقع، دار أبي رقراق، الرباط 2012، ص 106.
[22]  علي عبد القادر القهوجي، علم الإجرام وعلم العقاب، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت 1986، ص 292.
[23]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص 108.
[24]Philippe AUVERGNON et Caroline GUILLEMAIN, Le travail pénitentiaire en question, la documentation française, Paris, 2006, p.14.
[25]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص 107.
[26]  فوزية عبد الستار، المرجع السابق، ص 388.
[27]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص110.
[28]  محمود نجيب حسني، علم العقاب، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967، ص 370.
[29]  عبد الجليل العينوسي، المرجع السابق، ص 112.
[30]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص 114.
[31]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص 116.
[32]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص 117.
[33]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص119.
[34]  عبد الجبار عريم، الطرق العلمية الحديثة في إصلاح وتأهيل المجرمين والجانحين، مطبعة المعارف، بغداد، العراق، 1975، ص 275.
[35]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص 120.
[36]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص 121.
[37]  أحسن مبارك طالب، العمل الطوعي لنزلاء المؤسسات الإصلاحية، منشورات أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث، الرياض، 1421 هـ-2000 م، ص 112.
[38]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص 122.
[39]  محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 371.
[40]  محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص 371.
[41]  حسن فؤاد علام، العمل في السجون دراسة في النظرية العامة للعمل في النظم العقابية، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1960، ص 143 و 144.
[42]  عبد الجليل عينوسي، المرجع السابق، ص 129.
[43] - انظر القاعدة 71/2 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
[44]  في حقيقة الأمر لا يمكن الحديث عن حقوق بما تحمله الكلمة من معنى وإلا لكانت الدول ملزمة بمراعاتها دون أن تتذرع  بما لها من  إمكانيات.
[45]  علما منا بان من شروط العمل الحر أن يكون اختياريا وهذا ما لا نصادفه   في عمل السجين الذي يتسم بطابع الإجبارية.
[46] - انظر القاعدة 74/2 تقابلها المادة 44 من 23-98، انظر كذلك ظهير 1963 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.
[47]  انظر القاعدة 175، تقابلها المادة 42/1 من قانون 23-98.
[48]  انظر القاعدة 75/2 من القواعد النموذجية وتقابلها المادة 42/2 من قانون 23-98.
[49]  لطيفة المهداتي في تقرير لها عن مؤلف الشرعية في تنفيذ العقوبات  السالبة للحرية.
[50] - فوزية عبد الستار، المرجع السابق.
[51]  انظر المادة 107 من قانون 23-98.
[52] - قد يفهم من مصطلح مهمة أنها عمل وقد يفهم غير ذلك.
[53] - انظر المادة 40 من قانون 23-98.
[54]  لطيفة المهداتي في تقرير لها حول مؤلف الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات