القائمة الرئيسية

الصفحات

مآل ومستقبل السلطة التقديرية للقاضي لتقدير التعويض في المجال المدني

مآل ومستقبل السلطة التقديرية للقاضي  لتقدير التعويض في المجال المدني

مآل ومستقبل السلطة التقديرية للقاضي  لتقدير التعويض في المجال المدني
مآل ومستقبل السلطة التقديرية للقاضي  لتقدير التعويض في المجال المدني



مقدمة

إن إخلال الشخص بالتزام يقع عليه تترتب على هذا الالتزام مسؤولية مدنية، وتكون هذه المسؤولية عقدية إذا كان الالتزام الذي أخل به مصدره العقد، وتكون مسؤولية تقصيرية إذا كان الالتزام الذي أخل به مصدره العمل غير المشروع[1].
ولما كانت المسؤولية المدنية(التقصيرية) تترتب عن الإخلال بالالتزامات والواجبات المنصوص عليها في القانون، أو كانت مستخلصة من الأحكام العامة التي تتطلب احترام حقوق الغير وعدم الاعتداء عليه[2]، ترتب عن الإخلال بها  صدور جزاء مدني يتمثل إما في تنفيذه عينا بأداء المدين عين ما التزم به للدائن، وإما يكون بطريق تعويض الضحية عن الضرر الذي لحق به في حالة اختلال شروط التنفيذ العيني.
ويعتبر التعويض وسيلة لجبر الضرر المترتب عن الإخلال بالالتزام، أما الضرر فهو الأذى الذي يصيب الإنسان في جسمه أو ماله أو شرفه أو عاطفته، ومن ثم فإنه يستوي أن يكون ماديا أو معنويا، ومن جهة أخري فهو يعد من دون شك الركن الثاني من أركان المسؤولية المدنية، إذ عدم توفره لا يمكن للقاضي الحكم بأي تعويض.
كما يشكل التعويض أحد المواضيع المتشعبة، بالنظر لما عرفه من تطور نتيجة المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية، سواء من حيث مفهومه، أو من حيث طبيعته، أو من حيث طرق تقديره، فمن دون شك أضحى يخضع في تقديره لأنواع مختلفة[3].

فقد يتفرد المشرع في تحديده في مقادير ونسب محددة، أو يضع معايير وأسسا لتقديره، ونكون في هذه الحالة أمام التعويض القانوني. وقد يستقل الأطراف في تحديده بمحض إرادتهم مسبقا وهذا هو التعويض الاتفاقي. كما ان هناك نوع ثالث يسمى التعويض القضائي تتولى المحكمة مهمة تحديده وفق سلطتها التقديرية.
وبإلقائنا نظرة تاريخية على التعويض، نجد بأن سلطة القاضي في تحديد التعويض لم يكن لها سوى منزلة الاستثناء، حيث كان التعويض القانوني هو الأصل. سيما وأنه في ظل القانون الروماني كان التعويض القانوني هو القاعدة العامة، وبروز التعويض القضائي إلا في حالات خاصة ترتبط بجريمة الاعتداء على مال الغير.
وكانت الشريعة الإسلامية الغراء تطلق على هذه المسألة مصطلح الضمان، وكان الحديث النبوي الشريف الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار "، بمثابة القاعدة الكلية التي تحكم الضمان، وقد اشتقت منها العديد من القواعد الفقهية مثل قاعدة " الضرر يزال "، وقاعدة "الضرر  يرفع بقدر الإمكان ".
أما التعويض في ظل القوانين الوضعية الحديثة نجد المشرع الفرنسي ينظم أحكامه في المواد من 1146 إلى 1153، وكذلك المشرع المصري الذي نظمه في الفصول 170 و 171 و 221 و 222 من القانون المدني، أما القانون المغربي فقد أورد أحكام التعويض في الفصل 98 من قانون الالتزامات والعقود فيما يتعلق بالمسؤولية التقصيرية، والفصل 264 من نفس القانون بالنسبة للمسؤولية العقدية.
وتجدر الإشارة إلى أن أهمية موضوع  مآل ومستقبل السلطة التقديرية للقاضي لتقدير التعويض في المجال المدني، تكمن أساسا فيما يلعبه التعويض في جبر الضرر  اللاحق بالمضررو، باعتباره يعد من المسائل القانونية الشائكة التي آثارت نقاشا كبيرا من جهة ومدى بقاء سلطة القاضي في تقدير التعويض أم أفول هذه الاخيرة من جهة أخرى . فإلى أي حد يمكن القول أنه من شأن منح قاضي الموضوع سلطة تقدير التعويض إعادة التوازن في العلاقات بين المسؤول والمضرور ؟أم أن سلطة تقدير التعويض أصبح يتكفل بها المشرع لإ عتبارات معينة؟؟.
للإحاطة بمختلف جوانب هذا الموضوع، ارتأينا تقسيمه إلى مطلبين وفق التصميم التالي 
المطلب الأول :حرية القاضي في تقدير التعويضات المدنية
المطلب الثاني : حدود سلطة القاضي في تحديد التعويض    

المطلب الأول :حرية القاضي في تقدير التعويضات المدنية


متى تبين للقاضي قيام المسؤولية المدنية حكم بالتعويض،وله في ذلك سلطة مطلقة لتحديد طريقة ومدى التعويض،دون أن يكون خاضع لرقابة محكمة النقض(الفقرة الأولى) كما يعتمد في ذلك علي معايير معينة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:استقلالية القاضي في تقدير التعويض

ان التعويض هو التزام قانوني فرضه القانون كضمانة لكل التزام مدني واداة لتنفيذه ، والمشرع فرضه كمقابل يلتزم الشخص بدفعه الي المصاب جبرا للضرر الحاصل له نتيجة الاخلال بالتزام  ما .[4]
لكن المشرع المغربي لم يحدد هذا التعويض ولا طريقة تعيينه ،وانما ترك ذلك للمحكمة الموضوع التي تتمع في سبيل ذلك بسلطة واسعة، في تحديد طريقة ومدى التعويض عن الضرر المترتب عن الفعل الضار. .وهي لا تخضع في ذلك للرقابة محكمة النقض ، وهذا ما عبر عنه في العديد من قراراته .[5]
اد جاء في قرار بتاريخ 29ماي  1963 "للمحكمة الحق المطلق في تحديد قدر التعويض دون ان تخضع للرقابة المجلس الأعلى وليس من باب الشطط في استعمال السلطة "
كما جاء أيضا في قرار عدد 1224 بتاريخ 17نونبر 1962 " للمحكمة أساس سلطة تقديرية مطلقة لتعيين مبلغ التعويض المحكوم به للمتضرر "  ،وأيضا جاء في قرار أخر عدد 473 بتاريخ 17 نونبر 1959 "للمحكمة الموضوع الباتة في القضية سلطة مطلقة لتعيين قدر التعويض عن الضرر " .
ويستفاد ذلك ، إن الأصل هو إن للقاضي سلطة تقديرية  واسعة في تقدير طبيعة ومدى  التعويض ، ولا يمكن مخالفة هذا الأصل إلا في حالة وجود نص او اتفاق .
وهذا ما اتجه  إليه التشريع والقضاء المقارن ،ومن ذلك المشرع المصري الذي قال في المادة 171 من القانون المدني "يعين القاضي طريقة التعويض تبعا لظروف ويصح ان يكون التعويض مقسطا كما يصح أن يكون إيرادا."ونفس الشئ سار عليه المشرع العراقي.
أما بالنسبة للقضاء ، نجد قرار لمحكمة النقض الفرنسية عدد 216 بتاريخ 02نونبر 1994 ذهبت الي ان تحديد مبلغ التعويض يتم بطريقة واقعية ومطلقة من طرف القضاة الموضوع ما لم يكن هناك نص او اتفاق يحدد التعويض،كما ذهبت محكمة النقض المصرية في نفس اتجاه ،حيث أكدت عن استقلال قضاة الموضوع في تقدير التعويض.[6]
و مما لا شك فيه ان منح القاضي سلطة تقديرية واسعة في حسم الدعاوى يعد من الأمور  المسلم بها وخاصة في الوقت الحاضر لتعدد القضايا وازدحام العمل القضائي، فمنح القاضي تلك السلطة خير وسيلة لتمكينه من حسم اكبر عدد ممكن من القضايا وخاصة التي تتعلق بالتعويض ،وتفاديا لإشكالات التي يمكن ان تترتب عن تدخل المشرع لإلزام القاضي بإتباع طريقة معينة فيما يتعلق بكل نوع من الأضرار.

الفقرة الثانية :المعايير التي يجب علي القاضي مراعاتها عند تقدير التعويض

فإذا كان القاضي يستقل في تقدير مبلغ التعويض ،فهذا لا يعني انه في مكنته ان يحدد هذا المبلغ حسب هواه ،بل يتحتم عليه فيما يتعلق بتعيين عناصر الضرر التي يجري التعويض عنها ، مراعاة بعض الأحكام والقواعد ، وهذا ما يستشف من الفصلين 98و264 من ق ل ع . بحيث لا يعتد في احتساب التعويض إلا بالأضرار المباشرة المتوقعة ما لم يكون هناك تدليس آو عمد هذا بالنسبة للمسؤولية العقدية، أما المسؤولية التقصيرية لا تقتصر عن الضرر المباشر وإنما غير المباشر ، وان يتوخى القاضي بان يكون التعويض شامل لخسارة اللاحقة للمضرور  والكسب الفائت، وان يراعي في مبلغ التعويض بان يكون متعادلا مع الضرر اللاحق بالمصاب ،وان يعتمد في حسابه بالضرر كما انتهى إليه وقت صدور الحكم .[7]
ومتى راعت محكمة الموضوع  هذه الأمور ، فإنها تستقل بالتقدير التعويض ، وتتبت لها صلاحية اختيار نوع التعويض الملائم لجبر الضرر ، ولها أن تحكم للمصاب بتعويض مسبق ،وان يشمل الحكم النفاذ المعجل ، وفي استطاعتها أن تجعل مبلغ التعويض المحكوم به للمضرور ينتج فوائد قانونية .  

المطلب الثاني : حدود سلطة القاضي في تحديد التعويض   


إذا كان المبدأ العام كما رأينا يقضي بأن للمحكمة سلطة تقديرية في تحديد التعويضات المناسبة للمتضررين، فإن لا يقيد هذه السلطة إلا ما هو منصوص عليه في القانون وفق المقادير المحددية، أو ما اتفق عليه الطرفين انطلاقا من قاعدة العقد شريعة المتعاقدين.  فما هي إن مظاهر  التدخل التشريعي في تحديد التعويض ؟ وكيف يمكن لإرادة الأطراف أن تقيد من سلطة القاضي في تحديده ؟

الفقرة الأولى : التعويض القانوني

عديدة هي الحالات التي يتولى فيها المشرع تحديد مقدار التعويض، وبالتالي لا يترك أي مجال للمحكمة لتقديره، ومن ثم فإن هذه الأخيرة تكون ملزمة ومقيدة في ذات الوقت بالحكم به دون تقديره. وقد أشرنا سابقا بأن التعويض القانوني ليس إلا استثناء من المبدأ العام، فهو يظل مرهونا بضروة وجود نص قانوني يقرره، فكيف إذن قام المشرع المغربي بتحديد طريقة تعويض المتضررين ؟

أولا : التقدير الجزافي للتعويض

لقد قام المشرع في العديد من النصوص القانونية الخاصة تحديد طريقة التعويض وفق تحديدات جزافية يجب على القاضي تطبيقها، ولعل من أهمهما نجد التعويض في إطار ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالتعويض عن حوادث السير[8] (أولا)، والتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية كما تم تعديله (ثانيا)، وفوائد التأخير (ثالثا).

ثانيا: التعويض عن حوادث السير

لقد شكل صدور ظهير 2 أكتوبر 1984 حدثا متميزا في مجال توسيع دائرة التعويض القانوني، حيث حدد مجاله في تعويض الأضرار البدنية التي تتسبب فيها للغير عربات برية ذات محرك خاضعة للتأمين الإجباري حسب الشروط المنصوص عليها في هذا الظهير، ومن ثم فإنه قد أحدث بهذا الخصوص جدولا للتعويض.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع بمقتضى هذا الظهير حدد الأضرار القابلة للتعويض، إذ حددها في المصاريف والنفقات حسب الفصل الثاني من الظهير، والأضرار اللاحقة بالمصاب في حالة العجز المؤقت عن العمل وفي حالة العجز البدني الدائم، بالإضافة إلى الأضرار التي يتعرض لها ذوي الحقوق في حالة وفاة الضحية[9].
إذن يكون المشرع في ظل هذا الظهير حد من سلطة قاضي الموضوع في تحديد التعويض التي كانت مطلقة بهذا الخصوص ما قبل تاريخ 1984، إلا أن شركات التأمين لم تستسغ هذه السلطة التقديرية بدعوى أن القضاة كانوا يمنحون للضحايا تعويضات مبالغ فيها، وأنه ليس هناك ضوابط مشتركة توحد هذا التطبيق على صعيد جميع المحاكم[10].

ثالثا: التعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية

لاشك أن صدور ظهير 6 فبراير  1963 كما تم تعديله شكل دعامة أساسية لحماية طبقة العمال من الطر التعسفي ومن كل الاعتداءات التي يتعرضون لها، وكرس هذا الظهير أيضا مجموعة من الأحكام التي المتعلقة بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية[11]كما تم تعديله، حيث شهد هذا النموذج التشريعي تحديدا جزافيا للتعويض من قبل المشرع[12].
ولد حدد المشرع التعويضات التي يضمنها هذا الظهير للمصاب في حادثة الشغل أو مرض مهني في أربعة أصناف :
-         العناية الطبية وتوابعها[13] ؛
-         التعويضات اليومية في حالة العجز المؤقت[14] ؛
-         الإيراد الممنوح للمصاب في حالة العجز الدائم[15] ؛
-         الإيرادات الممنوحة لذوي الحقوق في حالة الوفاة[16].
وهكذا يكون المشرع في هذا الإطار قد سلب محكمة الموضوع سلطة تحديد التعويض.

رابعا: فوائد التأخير

في بعض الأحيان قد يخل المدين بالتزامه نحو الدائن إذا ما تأخر عن أداء المبلغ المتفق عليه، ففي هذه الحالة يكون المدين ملزم بتعويض الدائن، وبإلقائنا نظرة على مختلف التشريعات المقارنة يلاحظ بأنها حددت هذه التعويضات في نسب مئوية محددة سلفا.
وبتوقفنا عند التشريع المغربي، نجده لم ينص بشكل صريح عن فوئد التأخير، لدى يسلم بعض الفقه بتطبيق الفصل 875 من ق ل ع الذي حدد السعر القانوني للفوائد في الشؤون المدنية والتجارية على السواء في 6 في المائة وجعل الحد للفوائد الاتفاقية في 12 في المائة.
أما القضاء المغربي فقد نحى هذا المنحى، إذ يتضح ذلك من مختلف القرارات الصادرة عن محكمة النقض – المجلس الأعلى سابقا -  بهذا الخصوص حيث أجاز هذا المجلس لمحاكم الموضوع للحكم بفوائد التأخير قبل صدور الحكم بالتعويض، لكن شريطة أن تكون لها صفة تعويضية تقدر بحكم الضرر[17].

الفقرة الثانية : حدود سلطة القاضي في التعويض الاتفاقي

إن الإنسان في دخوله في علاقات متنوعة مع غيره ينبثق عنها نوعان من الالتزامات , إما التزامات أدبية طبيعية غير ملزمة في نظر القانون وإما التزامات قانونية ملزمه وعن هذه الأخيرة تنشأ صفة المديونية  بحيث يكون أحد المتعاقدين دائنًا والآخر مدينا , ويلتزم المدين بأداء بدل العطل والضرر في حال عدم تنفيذه لالتزامه أو تأخره في تنفيذه ، والمرجع الطبيعي لتحديد بدل العطل والضرر كقاعدة عامه هو القضـــاء لكن سلوك طريق القضاء يحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد والمال لأن عمـلية تــــقدير التعويض ليست بالأمر السهل فهي تستلزم بالتأكيد خبرة ومعرفة قد لا يتوافران في القاضي الأمر الذي يستوجب تعيين خبير لتقدير بدل العطل والضرر وهذا من شأنه أن يطيل أمر النزاع ويتعارض مع الغاية الاقتصادية من التعاقد وهي الحصول على المنفعة المتوخاة  من وراء العقد بأسرع وقت وأيسر السبل  وتلافيًا لذلك للأطراف المتعاقدة انطلاقًا من الحرية الممنوحة تحديد بدل العطل والضرر وديا وذلك بتضمين العقد تعويضًا اتفاقيًا يدرج في صلب العقد أو في اتفاق لاحق له[18] .
يتعلق التعويض الاتفاقي بشكل مباشر بالعقود على اعتبار أنه يوجد بصورة بند او شرط ضمن شروط العقد، فهو بهذا يجمع بين موضوعات القانون المدني والقانون التجاري ذلك لأن العقود قد تكون مدنية أو تجاريه ثم أن التعويض الاتفاقي يعتبر نوعًا من أنواع التـــعويض وكما هو معــلوم للجميــع لا يوجد تعويض مدني وآخر تجاري ،  فالأحكام العامة للتعويض واحدة ما يؤدي بنا إلى مناقشة المبادئ والآثار التي تترتب على التعويض الاتفاقي في ظل نصوص القوانين المقارنة والقانون المغربي .

أولا :المراجعة القضائية لتعويض الإتفاقي في التشريع المغربي والمقارن

أدت المزايا التي يتصف بها التعويض الاتفاقي باعتباره أداة المتعاقدين لتحديد التعويض بإرادتهم في حالة عدم تنفيذ التزاماتهم العقدية، وبالتالي وسيلة لتفادي الالتجاء إلى القضاء لما يمصله من مصاريف وضياع وقت، إلى انتشاره في كافة أنواع العقود.
وقد كان لمبدأ حرية التعاقد والقوة الملزمة للعقود بعض الأثر في ثبات التعويض الاتفاقي، بحيث ظل ولمدة طويلة لا يثير مشاكل تذكر، إلا أن التطور الذي شهدته الحياة المدنية جعلت الحرية التعاقدية غير ملائمة للظروف الجديدة، إذ أن التطور الاقتصادي حتم تطور في نظام التعامل، وأخلت مبادئ حسن النية والثقة المتبادلة التي يجب أن تسود المعاملات مكانها لمبدأ الاحتياط من المجهول.
فالتطور فرض عقودا جديدة، ومبدأ حرية الإرادة أصبح فكرة وهمية، ذلك أن معظم العقود لم تعد تحصل بين أشخاص يناقشون بحرية مدى التزاماتهم.
وبدل أن يساير التعويض الاتفاقي هذا التطور، انحرف عن وظيفته، وانتشرت ظاهرة الشروط الجزائية المجحفة، أي تلك التي تنص على مبالغ كبيرة تفوق عدة مرات مقدار الضرر المحقق، أو تنص على مبالغ تافهة تقل بكثير عن مقدار ذلك الضرر. وخرج به عن الإطار الأصلي الذي وضع له، ألا وهو تحديد التعويض الناتج عن الإخلال بالالتزام التعاقدي بشكل مسبق واتفاقي من قبل أطراف العلاقة العقدية أنفسهم، وبولغ في وظيفته التهديدية، واعتبرت المبالغة شيئا طبيعيا في التعويض الاتفاقي وشرطا لفعاليته، وأصبح ينظر إليه كأداة، تلجأ إليها المؤسسات الاقتصادية الكبرى لاضطهاد صغار المتعاقدين من مستهلكين عاديين وصغار التجار وغدا وضعية شاذة وغير طبيعية من اللازم تصحيحها، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا بتدخل المشرع لضبط قواعده في هذا المجال.
وقد أثارت مسألة المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي زوبعة فقهية وقضائية حادة في فرنسا، بالنظر إلى التجاوزات التي اصبحت تعرفها هذه المؤسسة القانونية، ولما تؤدي إليه من استغلال وتعسف، وما تسفر عنه من ظلم، وقد بدلت في سبيل إقرار مبدأ المراجعة القضائية مجهودات مضنية.
ولم يقف المشرع في العديد من الدول موقف المتفرج، فقد كانت لآراء الفقهاء، واجتهادات القضاء، وقعها البليغ في نفس المشرع الذي تدخل لإعادة الأمور إلى نصابها عن طريق ضبط قواعد إعمال التعويض الاتفاقي، وفتح المجال للقضاء لممارسة رقابته على التعويضات الاتفاقية المجحفة، لأن في هذه الرقابة، دعم لمبدأ الحرية التعاقدية حيث من شأن ذلك أن يضفي احتراما أكثر على هذا المبدأ كقاعدة أصلية، لكن غير مطلقة.
وعلى ضوء كل هذا سوف نتناول مسألة المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي في القانون المقارن والقانون المغربي وذلك على الشكل التالي:
أولا : المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي في القانون الفرنسي.
ثالثــاَ: المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي في القانون المغربي.

أولا :المراجعة القضائية لتعويض الاتفاقي في القانون الفرنسي

قبل سنـة 1975، لم يمنح المشرع الفرنسي أية سلطة للقاضي للتدخل في تعديل الشرط الجزائي، بل اقتـصر دوره في مراقبة صـحة الشروط الواجـب توافرها من أجل تطبيقه والحكم به إلا أن محاكم الموضوع حاولت ومنذ وقت مبكر، وبمختلف الوسائل إقرار المراجعة القضائية لذلك الشرط [19]، فاستندت في البداية على المبادئ العامة للعدالة والإنصاف لتـعديل ذلك التعويض متى لمست فيه المبالغة، إلا أن محكمة النقض كانت تتصدى لمثل هذه المحاولات، واتجهت محاكم الموضوع وجهة أخرى خصوصا مع بداية الستينات حيث أصبحت تستند على أسس قانونية في إقرار تلك المراجعة، وبالرغم من التأييد الفقهي الواضح الذي لاقته هذه المحاولات[20] إلا أن محكمة النقض ظلت وفية لمبدئها القار، والقائم على أساس أن المادة 1152 صريحة في عدم تعديل الشرط الجزئي، وليس للقاضي أن يخالف النصوص الصريحة ، وأن المشرع وحده له الصلاحية في إقرار تلك المراجعة ، وهذا ما فعله المشرع بالفعل حيث تدخل بموجب قانون رقم 75-597 بتاريخ 9 يوليوز 1975، وسمح بموجب المادة 1152 نفسها للقاضي بتعديل الشرط الجزائي متى كان مبالغا في مقداره أو زهيدا .

ثانيا: المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي في القانون المغربي

عانى المشرع المغربي ولمدة طويلة، من فراغ بخصوص التعويض الاتفاقي ، حيث لم يفرد له أي نص يحدد مفهومه، والقواعد التي تحكم إعماله وتبين آثاره، وظل التعويض الاتفاقي بخضع لمبدأ سلطان الإرادة المكرس في الفصل 230 ق .ل.ع.
إلا أنه وبالنظر لتغيير معطيات التعويض الاتفاقي بسبب النمو الذي عرفه الاقتصاد المغربي، وما صاحبه من تطور أدى إلى تنشيط المبادلات والمعاملات في كافة المجالات ، مما ساعد على اعتماده في مجمل العقود كوسيلة لضمان تنفيذها، فكان من نتيجة هذا أن تغيرت النظرة التقليدية للتعويض الاتفاقي ، والتي كانت منحصرة في كونه شرطا من شروط العقد ، خاضع لتطبيق الفصل 230 ق.ل.ع.
واعتبر القضاء المغربي، أن تمسكه الشديد بمبدأ القوة الملزمة للعقود، من شأنه أن يخدش العدالة، وأن خلق التوزان بين هذا المبدأ وفكرة العدالة، وإن كان ليس بالأمر الهين، إلا أن هذا لا يعني اختيار الحل الأسهل، والتمسك بمبدأ القوة الملزمة للعقد دون الاهتمام بما إذا كانت هناك تجاوزات باسم هذا المبدأ، وبالتالي بما إذا كان زهيدا، أو مبالغا فيه، كل هذا تمخض عنه قرار صادر عن المجلس الأعلى في أبريل 1991 الذي طمح إلى إقرار توزان بين فكرة العدالة ومبدأ القوة الملزمة للعقد.
وهذا القرار كان له أثر طيب ، فتح الباب على مصراعيه أمام القضاء لإقرار مبدأ المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي، وأمام الفقه لمباركة هذا المنحى، وأمام المشرع الذي تدخل بمقتضى قانون95-27، وعدل بموجبه الفصل 264 ق.ل.ع. وذلك بإضافة ثلاث فقرات أقر بموجبها صراحة مبدأ المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي , والتي جاء في مضمونها:
"بمشروعية التعويض الاتفاقي وشروط استحقاقه ، وثانيا بإقرار مبدأ المراجعة القضائية للتعويض الاتفاقي وضوابط هذه المراجعة، وأخيرا ببطلان الاتفاق على عدم المراجعة. هكذا أصبح الفصل 264 ق.ل.ع. بعد فقرته الأولى ينص على أنه:
"يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن الأضرار التي قد تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بالالتزام الأصلي كليا أو جزئيا أو التأخير في تنفيذه".
"للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه ، أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي، ويقع باطلا كل شرط يخالف ذلك"
إن تشبع الاجتهاد القضائي بمبدأ سلطان الإدارة أدى به إلى تقديس مبدأ القوة الملزمة للعقد، وجعله لا يلتفت إلا للفصل 230 ق.ل.ع. في حين أن هناك إعتبارات العدالة والإنصاف تقضي بتدخل القاضي لإقامة نوع من التوزان الإقتصادي بين الالتزامات، بالإضافة إلى إعتبارات واقعية تتعلق بحاجات المجتمع. وإذا كانت هذه الحاجات تفرض تنفيذ العقد، فإن نفس هذه الحاجات تقتضي محاربة الاستغلال والشروط التعسفية حماية للمستهلك[21].
وقد تميزت صياغة التنظيم الذي خص به المشرع المغربي التعويض الاتفاقي، بالاقتضاب في الأسلوب والأحكام، لهذا فإن الباب يبقى مفتوحا أمام الاجتهاد لاستنباط حلول واضحة فيما يخص المسائل التي لم يتناولها بالتنظيم، بالمقارنة مع ما نظمته القوانين المقارنة، كالمسائل المتعلقة باستحقاق التعويض الاتفاقي في حالة تعدد المدينين، وحالة الالتزامات القابلة للانقسام، وغير القابلة له، ومعيار التخفيض أو الزيادة إذا كان المبلغ مبالغا فيه أو زهيدا، ودرجة هذه المبالغة إلى غير ذلك من المسائل التي سيسفر عنها الاجتهاد القضائي عاجلا أم آجلا.
ومن خلال إلقاء نظرة خاطفة على المقتضيات الجديدة للفصل 264 ق.ل.ع. يلاحظ أن المشرع المغربي أقر سلطة تخفيض التعويض الاتفاقي إذا كان مبالغا فيه أو في حالة التنفيذ الجزئي، وهذا يعني أن تدخل القاضي لا يبرره إلا وجود  جزء مبالغ فيه، لذلك فإن أمر تقدير هذه المبالغة موكول للسلطة التقديرية للقضاة, أما في حالة التنفيذ الجزئي فإن التخفيض مشروط بقابلية الالتزام للانقسام ، ثم قبول الدائن لهذا التنفيذ الجزئي، وأخيرا أن يعود هذا التنفيذ بفائدة على الدائن، فإذا ما توفرت هذه الشروط يمكن للقاضي تخفيض التعويض الاتفاقي، أما بخصوص زيادة التعويض إذ كان زهيدا، وخالف ما سارت عليه القوانين العربية التي لم تشر إلى هذه المسألة بالذات. وقد سعى المشرع المغربي إلى محاربة الشرط القاضي بعدم قابلية التعويض الاتفاقي للتعديل وذلك بأن نص في الفقرة الأخيرة من الفصل 264 ق.ل.ع. على أنه : "يقع باطلا كل شرط يخالف ذلك"
تلك هي الخطوط العريضة التي أتى بها قانون 95-27، ولاشك أن القضاء سيستنبط حلولا للمسائل التي لم يتناولها هذا القانون، في ضوء النصوص القانونية الأخرى سواء الواردة في قانون الالتزامات والعقود أو في غيره من القوانين الخاصة[22].

ثالثا: ضوابط تعديل التعويض الإتفاقي

يتضح من مقتضيات الفصل 264 ق.ل. ع أن المشرع المغربي منح القضاء مهمة الوسيط في حالة قيام النزاع بين القوم الملزمة للعقد وفكرة العدالة ,وذلك عن طريق إمكانية التدخل لتعديل التعويض الاتفاقي مع المحافظة علي حرية التعاقد.
ومن أجل تحقيق هذا التوازن قيد المشرع تدخل القاضي بقيود عن طريق تحديد ضوابط يتعين اعتمادها لتعديل التعويض الاتفاقي ,ويمكن تقسيم هذه الضوابط إلي نوعين :
ضوابط يتعين اعتمادها لتخفيض التعويض الاتفاقي
وضوابط يتعين اعتمادها لزيادة مقدار التعويض الاتفاقي
ومن أجل تحديد حالات تحفيظ التعويض الاتفاقي أو الزيادة في مقداره , إرتأينا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين وذلك علي الشكل التالي:
أولا : حالات تخفيض مبلغ التعويض الإتفاقي

إذا كان الشرط الجزائي ليس إلا تعويضا قدره المتعاقدين مقدما عن الضرر المتوقع حدوثه، والغرض منه هو جبر الضرر، فإن من حيث المبدأ يجب أن يكون مساويا لمقدار هذا الضرر.
ترى ما هي الحالات التي يمكن للقاضي من خلالها تخفيض قيمة التعويض الإتفاقي حتى يتساوى مع قيمة الضرر الفعلي اللاحق بذمة الدائن.

1) حالة التعويض المبالغ فيه
ينص الفصل 264 من ق ل ع في فقرته الثالثة على ما يلي :" يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه إذا كان مبالغا فيه "
وانطلاقا من النص أعلاه وخلافا لما يوحي إليه الفصل 231 من ق ل ع فإنه يمكن للقاضي تخفيض مبلغ التعويض الإتفاقي متى تبين له أن لا يساوي مقدار الضررالحاصل للدائن إلا أن المشرع المغربي لم يحدد معيارا أوضابطا يميز به متى يكون هذا التعويض مبالغ فيه، على خلاف نظيره الفرنسي[23]، فترك ذلك للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.
نفس الإتجاه تبناه المشرع الأردني[24] والمصري [25]. إلا أن الفرق هو أن المشرع الأردني لم يحدد الحالات التي يستوجب فيها تخفيض مبلغ الشرط الجزائي ويقع عبئ إثبات الفرق الزائد بين الضرر الفعلي الواقع ومقدار التعويض الإتفاقي على عاتق المدين. ذلك ما ذهبت محكمة النقض المصرية في القرار الصادر عنها سنة 1968 والذي جاء فيه " وجود الشرط الجزائي يفترض معه أن تقدير التعويض فيه متناسب مع الضرر الذي لحق الدائن، وعلى القاضي إعمال هذا الشرط إلا إذا ثبت المدين أن التقدير كان مبالغا فيه لدرجة كبيرة ، وفي هذه الحالة يجوز للقاضي أن يخفض التعويض المتفق عليه".

2) التنفيذ الجزائي للإلتزام
جاء في إطار الفقرة الثالثة من الفصل 264 من ق ل ع مايلي: " ولها أيضا أن تخفض من التعويض المتفق عليه بنسبة النفع الذي عاد على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي."
انطلاقا من النص أعلاه يتضح أن للقاضي السلطة التقديرية في تخفيض التعويض الإتفاقي في الحالة التي ينفذ فيها المدين جزء من التزامه الأصلي. ويأخذ القاضي في إطار سلطته التقديرية المنفعة التي جناها الدائن من وراء التنفيذ الجزئي،وذلك بإجراء مقارنة بين النفع الذي سيعد على الدائن من وراء التنفيذ الكلي وبين المنفعة التي جناها في التنفيذ الجزئي فإذا كان ذلك في حدود ثلث الإلتزام فعلى القاضي أن يخفض مبلغ التعويض المتفق عليه مقدار الثلث.[26]
نفس الأمر سار عليه المشرع المصري في إطار المادة 224 من القانون المدني، حيث أتاح إمكانية تخفيض الشرط الجزائي في حالة التنفيذ الجزئي للإلتزام، ولابد من أن يكون الدائن قد استفاد من ذلك التنفيذ، وأنه أدى إلى إشباع جزئي لذمته , ولكن إذا أثبت  المدين أن الدائن لم يصبه أي ضرر، فإن المشرع المصري جاء صريحا بنص المادة 224 من القانون المدني والتي جاء فيها ما يلي:
" لا يكون التعويض الإتفاقي مستحقا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر " على خلاف المشرع المغربي الذي سكت عن هذا الأمر، والواقع أن كما تم منح القاضي سلطة في تخفيض مبلغ التعويض الإتفاقي، فإن يترك له كذلك أمر تقدير ما إذا كان الدائن قد ألحقه ضرر أم لا، ومن تم الحكم بالتعويض الذي يتناسب مع الضرر الواقع فعلا.

ثانيا : سلطة القاضي في زيادة التعويض الإتفاقي

ينص الفصل 264 من ق ل ع في فقرته الثالثة على ما يلي: " يمكن للمحكمة الرفع من قيمته إذا كان زهيدا. "
وانطلاقا من النص أعلاه ، فإنه يمكن للقاضي أن يزيد في قيمة التعويض الإتفاقي متى كان هذا الأخير منخفض بشكل كبير بحيث لا يتناسب مع قيمة الضرر الذي أصاب الدائن.
وهكذا يمكن للقاضي الزيادة في قيمة التعويض الإتفاقي في حالتين، حالة القيمة الزهيدة، حالة الخطأ الجسيم والتدليس المقررة بنص عام في قانون الإلتزامات والعقود.

1) حالة القيمة الزهيدة
إذا كان من حق المدين المطالبة بتخفيض قيمة التعويض الإتفاقي إذا كان مبالغا فيه، فإن من حق الدائن كذلك المطالبة بالزيادة في هذه القيمة متى أثبت أنها زهيدة لا تتناسب مع قيمة الضرر.
وما يمكن مؤاخذة به بعض التشريعات العربية- [27]أنها لم تعمل على تطبيق مبادئ العدالة في إطار العلاقة بين الدائن والمدين، لأن عملي على منح المدين الفرصة لإثبات الفرق بين الضرر وقيمة التعويض، ومن تم تخفيض المبلغ، في حينلم يحضا الدائن بهذا الحق إلا في حالة الخطأ الجسيم والتدليس، أما إذا كان زهيدا فلا جدوى من إثبات ذلك لأن المشرع حرمه من هذا الحق الذي تقتضيه مبادئ العدالة.
وإذا كان المشرع المغربي قد منح هذه الإمكانية فإن ما يعاب عليه أنه لم يحدد متى يكون هذا التعويض زهيدا؟ وأي معيار يمكن اعتماده للوصول إلى ذلك؟ وبالتالي فإن تقدير مدى تفاهة قيمة التعويض الإتفاقي يخضع للسلطة التقديرية للقاضي[28].

2) حالة الخطأ الجسيم والتدليس
جاء في الفصل 233 من ق ل ع مايلي:
" لا يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية الشخص عن خطأه الجسيم وتدليسه. "
فمن خلال هذا النص، يتبين أن إخلال المدين بالتزامه العقدي الراجع إلى خطئه الجسيم أو تدليسه يبرر دفع تعويض إضافي يضاف إلى التعويض المتفق عليه لجبر الضرر وذلك على أساس أن الأطراف عند اتفاقهم لم يدخلوا الإخلال الراجع إلى الخطأ الجسيم أو التدليس وفي حالة وجوده فإن الإتفاق يكون باطلا.
فإذا كان المشرع المغربي نص على هذا المقتضى في نصوص عامة بعيدة عن الفصل المنظم للتعويض الإتفاقي , فإن بعض التشريعات المقارنة قد اشترطت للزيادة في قيمة التعويض الاتفاقي إثبات الخطأ الجسيم أو التدليس في حق المدين [29].
ويستند هذا التصور إلى القاعدة القانونية التي تقضي بأن العقود يجب أن تنفذ بحسن نية بدون غش أو إضرار بالغير، ذلك ما تؤكد عليه محكمة النقض المصرية في القرار الصادر عنها والذي جاء فيه ما يلي:" الغش يبطل التصرفات، هي قاعدة قانونية سليمة ولو لم يجربها نص خاص في القانون وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية في محاربة الغش والخديعة والإحتيال وعدم الإنحراف عن حسن النية الواجب توفرها في التصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات.
وخلاصة القول فإن السلطة التقديرية للقاضي في تخفيض أو زيادة قيمة التعويض الإتفاقي من شأنه أن يخرج هذه المؤسسة من محتواها القانوني متى استعملت بشكل اعتباطي دون أخذ بعين الاعتبار طبيعة الشرط الجزائي وبتالي فإنه يجب تقييد هذه السلطة وإخضاعها لضوابط المبالغة الفاحشة للتعويض أو تفاهة القيمة مع أخذ بعين الإعتبار مقدار النفع الذي عاد على الدائن في حالة التنفيذ الجزئي للالتزام .                                                                        

خاتمة

من خلال هذه الدراسة يتضح بأن التعويض هو التزام فرضه المشرع كضمان لكل التزام مدني وأداة لتنفيذه، وأن المشرع فرضه جبرا لكل ضرر  نتج عن ذلك الاخلال. ومن دون شك أن التعويض شهد تطورا مهما على جميع المستويات.
فالقاعدة العامة هي سلطة المحكمة في تقدير التعويض، إلا ما استثني من ذلك بنص في القانون، أو باتفاق بين الطرفين. ومن ثم فإنه  بعد أن كانت السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء في تحديد التعويض مطلقة، أصبح المشرع يتجه نحو التقليص من هامش تدخل القضاء وحق القول بأنه أصبحنا حاليا أمام ما بات يعرف بأفول السلطة التقديرية لقاضي الموضوع في تحديد التعويض عن الأضرار المدنية.

لائحة المراجع :
? مأمون الكزبري : نظرية الالتزام في ضوء قانون الالتزامات والعقود، الجزء الأول مصادر الالتزام، بدون ذكر دار النشر وسنة الطبع.
? عبد القادر العرعاري : مصادر الالتزام، الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية، دار الأمان، الرباط، الطبعة الثالثة، 2014.
? مصطفى الكلية : التقدير القضائي للتعويض، دراسة مقارنة في مجال المسؤولية المدنية، منشورات مجلة الحقوق المغربية، سلسلة دراسات قضائية، العدد الأول، الطبعة الأولى، 2009.
? عبدا لرازق أيوب ,سلطة القاضي في تعديل التعويض الاتفاقي (دراسة مقارنة ) ,مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء ,الطبعة الاولي لسنة 2003, ص.
? محمد أوغريس : تعويض المصابين في حوادث السير على ضوء التشريع والقضاء، مطبعة دار قرطبة، الطبعة الأولى، 1996.
? أمال جلال : مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في التشريع المغربي، نشر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، الطبعة الأولى، 1977.
? فؤاد معلال، الشرط الجزائي في القانون المغربي
? مقدم السعيد ، التعويض عن الضرر المعنوي في المسؤولية المدنية ، دراسة مقارنة ، دار الحداثة ، الطبعة الأولى 1985
? عبد الرحمان الشرقاوي ، سلطة قاضي الموضوع في تقدير التعويض ، المجلة لمغربية لقانون الأعمال والمقاولات ، العدد 17-18 يونيو 2011
? Gabriel khoury.la clause penale dons les obligations en droit francais et Egypt .these.paris. 1939
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - مأمون الكزبري : نظرية الالتزام في ضوء قانون الالتزامات والعقود، الجزء الأول مصادر الالتزام، بدون ذكر دار النشر وسنة الطبع، ص 368.
[2] - أستاذنا القادر العرعاري : مصادر الالتزام، الكتاب الثاني، المسؤولية المدنية، دار الأمان، الرباط، الطبعة الثالثة، 2014، ص 16.
[3] - مصطفى الكلية : التقدير القضائي للتعويض، دراسة مقارنة في مجال المسؤولية المدنية، منشورات مجلة الحقوق المغربية، سلسلة دراسات قضائية، العدد الأول، الطبعة الأولى، 2009، ص 12 وما بعدها.
[4] سعيد الدغيمر: تنفيذ الالتزام بمقابل آو التنفيذ عن طريق التعويض القضائي،أطروحة دكتوراه كلية الحقوق أكدال الرباط.ص368
[5] حسن حنتوش الحسناوي:التعويض القضائي في المسؤولية العقدية طبعة 1999 ص 25
[6]
[7] سعيد الدغيمر: تنفيذ الالتزام بمقابل آو التنفيذ عن طريق التعويض القضائي،أطروحة دكتوراه كلية الحقوق أكدال الرباط.ص369
[8] - ظهير رقم 77-84-1 الصادر بتاريخ 2 أكتوبر 1984، والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 3753 بتاريخ 3 أكتوبر 1984.
[9] - راجع بهذا الخصوص محمد أوغريس : تعويض المصابين في حوادث السير على ضوء التشريع والقضاء، مطبعة دار قرطبة، الطبعة الأولى، 1996، ص 70 وما بعدها.
[10] - أستاذنا عبد القادر العرعاري : المسؤولية المدنية، المرجع السابق، ص 286.
[11] - محمد الكشبور : حوادث الشغل والأمراض المهنية، مطبعة النجاح الجديد، الطبعة الأولى، 1995، ص 36 وما يليها.
[12] - أمال جلال : مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في التشريع المغربي، نشر كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، الطبعة الأولى، 1977، ص 182 وما بعدها.
[13] - الفصول من 41 إلى 56 من ظهير 6 فبراير 1963.
[14] - راجع الفصول من 66 إلى 76 من الظهير.
[15] - أنظر الفصول من 83 إلى 91 من نفس الظهير.
[16] - الفصول من 92 إلى 115. 
[17] - قرار رقم 12.27 الصادر بتاريخ 14 فبراير 1963، مجلة القضاء والقانون، عدد 68، ص 379.
[18] - Gabriel khoury.la clause penale dons les obligations en droit francais et Egypt .these.paris. 1939.p10  .
[19]- فؤاد معلال، الشرط الجزائي في القانون المغربي .ص، 191 وما بعدها
[20]-  Alfandari.op-cit. N2395
[21] جاء في المذكرة الايضاحية للمقترح.
"جاء في التقرير الحكومي، الذي تقدم به السيد الوزير الأول إلى مجلس النواب .... أن الحكومة عاقدة العزم على سن قوانين تهدف إلى تنظيم المنافسة وحماية المستهلك، لهذا فإننا نعتبر أن مقترحنا هذا يهدف إلى تحقيق نفس الغاية، أي حماية الطرف الضعيف، لهذا فإننا نأمل أن يلقى مقترحنا هذا دعما وتأييدا من جميع الفرق النيابية"ص،6
[22] (2 مكرر) انظر في هذا المجال:
-          أحمد أديوش، م.س.ص 127 ومابعدها.
[23]عبدا لرازق أيوب ,سلطة القاضي في تعديل التعويض الاتفاقي (دراسة مقارنة ) ,مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء ,الطبعة الاولي لسنة 2003, ص 139.
[24] تنص المادة 364 الفقرة الثانية ,من القانون المدني الأردني علي ما يلي "يجوز للمحكمة في جميع الأحوال بناءا علي طلب أحد الأطراف أن تعدل في الاتفاق بما يجعل مساويا للضرر ويقع باطلا كل اتفاق يخالف ذلك "
[25] تنص المادة 224 من القانون المدني المصري علي ما يلي "يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغ فيه إلي درجة كبيرة ,أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ جزء منه "
[26] عبدا لرازق ايوب ,مرجع سابق ص 151 وما بعدها 
[27] المادة 224 من القانون المدني المصري –المادة 226 مدني سوري – المادة 228 مدني ليبي –المادة 170 مدني عراقي –المادة 184 مدني جزائري
عبدا لرازق أيوب مرجع سابق ص 156
[28] التساءل الذي يطرح هنا ,ألا يمكن أن نصادف أحكام أو قرارت قضائية متباينة في قضايا متشابهة ,لأن ما يمكن أن يكون تافها عند قاضي معين أخر .مما سيؤدي في أخر المطاف إلي تضيع حقوق أحد أطراف النزاع بسبب فراغ تشريعي .
[29] تنص المادة 225 من القانون المدني المصري علي ما يلي "إذا جاوز الضرر فيه التعويض الاتفاقي فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة ألا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطئا جسيما "
الفقرة الثالثة ,المادة 241 من القانون المدني الفلسطيني :....إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الإتفاقي فلا يجوز أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشا أو خطئا جسيما "
يتضح من المادتين أعلاه أن هناك نفس التوجه بين التشريعين حيث اشترطا للزيادة في قيمة التعويض الاتفاقي إثبات الخطأ الجسيم في حق المدين .
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات