القائمة الرئيسية

الصفحات

الرقابة القضائية قبل صدور المقرر التحكيمي

الرقابة القضائية قبل صدور المقرر التحكيمي


المقدمة :

التحكيم آلية من آليات حل النزاعات ، وجد إلى جانب الآليات أخرى كالصلح والوساطة والتوفيق ثم القضاء الرسمي ، ويراد به عرض بعض أصناف النزاعات على هيئة تحكيمية، تتشكل من محكم أو محكميين من الغير ن يعينون من قبل الأطراف لمتنازعة أو بتفويض منهم أو بناءا على ضوء شروط تم وضعها مسبقا من طرف الأطراف أو بواسطة نصوص قانونية ، لتفصل هذه الهيئة في النزاع بحكم ينهي الخصومة في الجوانب التي أحيلت على الهيئة ، بعد مجموعة من الإجرءات منها الإستماع إلى المحتكمين وإدلاء كل منهم بما لديه في النازلة على قدم المساواة ، ومنحهم الضانات الكافية للدفاع عن أنفسهم[1] .
والتطور الذي تشهده العلاقات التجارية والاقتصادية الدولية ، وما تضفيه من متطلبات تحرير التجارة العالمية ، وإزالة العوائق من أمامها ، واتساع الأسواق ، والتطور التكنولوجي والمعلوماتي ، والتقدم الهائل في وسائل الإتصال ، قد أضفوا جميعا على التحكيم أهمية قصوى باعتباره مكونا أساسيا في سبيل تطور العلائق التجارية والاقتصادية وداعما رئيسيا في ذلك الشأن .
قد يبدو الحديث عن الرقابة القضائية على عمل المحكم غريب بعض الشيء في ظل المبدأ العام الذي يسود التحكيم ألا و هو مبدأ سلطان الإرادة الذي يمنح للأطراف حرية الإختيار بعيدا عن تدخل القضاء في هذا المجال ، و في ظل مفهوم يبعد من الناحية النظرية قليلا من القضاء ، و يبعد عنه من الناحية العملية أكثر ، بيد أن مفهوم الرقابة لا يأخذ شكلا صارما ، و بصفة خاصة أثناء سير الإجراءات ، و إنما يغلب عليه طابع المساعدة التي لا تخلو من المسحة الرقابية ، هذا الدور يبدأ من لحظة تحرير اتفاق التحكيم مرورا بتعيين هيئة التحكيم و الإجراءات التي ستسلكها في المنازعة وصولا إلى مرحلة تنفيذ الحكم التحكيمي .
يكون الدور الرقابي للقضاء واضحا و مباشرا عندما يقدم مساعدته قبل بدء الإجراءات  حيث يطغى جانب المساعدة على الرقابة ، ثم يتوازن الجانبان أثناء سير الإجراءات ليصبح جانب الرقابة واضحا بعد صدور الحكم التحكيمي لدرجة يتلاشى معها جانب المساعدة لصالح الرقابة الفعلية .
ويكتسي هذا الموضوع أهميته بالنظر للدور الذي يلعبه القضاء خلال مرحلة ما قبل صدور المقرر التحكيمي ، والذي يتجسد أساسا في مساعدة الهيئة التحكيمية وتذييل الصعوبات أمامها من أجل أن تقوم بالمهمة المنوطة بها كما يجب ، وهذا ما سنقوم بالوقوف عليه من خلال هذا العمل .
الإشكالية :
كيف عالج المشرع المغربي الرقابة القضائية على التحكيم قبل صدور المقرر التحكيمي؟ هل هي رقابة داعمة مساعدة أم هو تدخل معرقل ومعيق لعملية التحكيم؟


 المبحث الأول : الرقابة لقضائية السابقة لتشكيل هيئة التحكيم 


من خلال هذا المبحث سنحاول الوقوف على الدور الذي يلعبه القضاء في التثبت من وجود شرط التحكيم وصحته (مطلب أول( ، ولدوره في تعيين المحكمين وتجريحهم (المطلب الثاني ( ، وما لهذا الدور من أهمية في مساعدة لهيئة ف القيام بمهامها .

المطلب الأول : دور لقضاء في حماية إردة الأطرف من خلال الرقابة على وجود اتفاق   التحكيم وصحته

يترتب على وجود اتفاق التحكيم أثران : الأول التزام الأطراف بحسم النزاع عن طريق التحكيم و اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإعمال اثر اتفاق التحكيم ، و عند لجوء أحدهما للقضاء يحق لخصمه الدفع بوجود هذا الاتفاق لمنع القضاء من النظر فيه،ويستجيب القضاء لهذا الدفع ما لم يتسنى له بطلانه أو عدم قابليته لإعمال أثره [2] .
والثاني : امتناع القضاء عن النظر النزاع عند الدفع بوجود اتفاق التحكيم إذا ما تبين له صحة هذا الاتفاق ، كان للقضاء الاستمرار في نظر النزاع رغم صحة اتفاق التحكيم ، وعندئذ لا يملك المحكم سوى إنهاء الإجراءات التي تكون قد بدأت أمامه ، وفي هذا الصدد قضى المجلس الأعلى في قرار له بتاريخ 09/07/2008 أن :" الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط تحكيمي يعد دفعا من نوع خاص واللجوء إلى القضاء ومناقشة موضوع الدعوى أمامه يعد تنازلا ضمنيا عن التوجه للتحكيم لفض النزاع الناشب بين الطرفين ، ما دام الأصل هو التقاضي أمام قضاء الدولة الرسمي ، والاستثناء هو المثول أمام جهة تحكيمية  " [3] .
و الملاحظ أنه أثيرت العديد من التساؤلات حول طبيعة الدفع بوجود اتفاق التحكيم و هل يتعين الحكم بعدم الاختصاص [4] ، أو بعدم القبول [5] ، وهل هو دفع بعدم الاختصاص النسبي محدود النطاق[6] ، أم دفع أجرائي ببطلان المطالبة القضائية [7] ، و قد انعكس هذا  الخلاف على أثر نطاق الرقابة القضائية ، من خلال الميل إلى تقرير صحة اتفاق التحكيم دون التحقق من توافر عناصر الصحة و القابلية للإعمال ، مما أدى إلى تقليص الدور الرقابي للقضاء .
و قد اعتبر الفصل 327 من ق م م هذا الدفع أنه دفع بعدم القبول حيث نص على أنه : " عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق التحكيم ، على نظر إحدى المحاكم  ، وجب على هذه الأخيرة إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع إن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاذ مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق التحكيم " .
نخلص مما تقدم أن ربط تكييف و آثار هذا الدفع بأحد الدفوع التي ينظمها القانون هو  أمر يثير الخلط و الارتباك إن على مستوى الفقه و القضاء ، فالأطراف يملكون التنازل عن هذا الدفع ، كما أن شرط التحكيم لا يسلب القضاء إحتصاصه بنظر النزاع ، فقد يعود إليه عند فشل التحكيم ، كما يختص أيضا بنظر الطعن في الحكم التحكيمي و تصحيحه و تفسيره و تنفيذه ، لذا نرى أنه عند رفع النزاع أمام القضاء و الدفع أمامه بوجود اتفاق التحكيم فإنه يتعين عليه الحكم بوقف الدعوى إلى حين صدور الحكم التحكيمي ، أو فشل التحكيم و العودة إلى القضاء ، و هذا هو الحل الذي تبنته اتفاقية  نيويورك [8] ، عندما قررت أن المحاكم القضائية تلتزم بوقف الدعوى المرفوعة أمامها ما لم يكن اتفاق التحكيم باطلا أو منعدما أو غير قابل للتنفيذ .
وكان يتعين على المشرع المغربي أن ينتبه إلى هذا بمناسبة تعديل نصوص قانون الم  سطرة المدنية بخصوص التحكيم و أن يقضي بوقف الدعوى و ليس بعدم قبولها ، لأن ضوابط وقف الدعوى ستمكن القضاء من ممارسة سلطته في الرقابة على صحة اتفاق التحكيم ، عكس الحكم بعدم قبول الدعوى و الذي يقف عند حدود الشكل فقط .
وينتهي وقف الدعوى عند فشل التحكيم أو عند انتهاء المدة المحددة دون صدور الحكم، و أيضا في كل حالة يثبت فيها عدم قابلية شرط التحكيم للتنفيذ أو إعمال اثره ، وعدم قابلية اتفاق التحكيم لإعمال أثره لا تعني مجرد وجود صعوبات في تنفيذ اتفاق التحكيم، وإنما وجود صعوبات لا يمكن التغلب عليها ولو بإرادة الأطراف ، و منح المحكمة هذه السلطة التقديرية يمكنها من فرض رقابة معقولة على الإحالة على نحو يكفل الحد من حالات بطلان الحكم التحكيمي ، و يوفر على الإطراف مشقة العودة إلى القضاء من جديد بعد إجراءات مكلفة أمام التحكيم ووفق الدعوى يحقق ميزة عدم إبطاء المحكمين في إصدار حكمهم و ييسر عودة الأطراف إلى القضاء ، كما يمكن القضاء من بسط الرقابة على المدة التي يتم من خلالها إجراء التحكيم من خلال تمديد الأجل الاتفاقي بناءا على طلب من أحد الأطراف او من الهيئة التحكيمية ، ما يمكنه الأمر بإنهاء إجراءات التحكيم في حالة عدم احترام الميعاد القانوني أو الٌإتفاقي بناءا على طلب أيضا  "الفصل 327-20 ق م م "[9]  .

المطلب الثاني : المساعدة القضائية من خلال النظر في طلب تعيين و تجريح المحكمين :

تبدأ خصومة التحكيم بتشكيل هيئة التحكيم ، و هي مرحلة مهمة و دقيقة و يتوقف عليها نجاح العملية التحكيمية أو فشلها ، و قد نظم القانون المغربي و المقارن هذه المرحلة حيث نص على أن تشكيل هيئة التحكيم بإتفاق الأطراف أو بواسطة الجهة القضائية المختصة و نكون أمام رقابة لرئيس المحكمة على تشكيل هيئة التحكيم في الحالات التي يتم اللجوء إليه قصد الإعانة على تشكيل هذه الهيئة أو في حالات طلب تجريح احد المحكمين ، حيث تكون مناسبة أمام رئيس المحكمة لبسط رقابته ، ذلك أن الاستجابة لطلب المساعدة مشروط بإجراء رقابة أولية على اتفاق التحكيم  كون الموضوع المراد فيه التحكيم لا يخالف النظام العام ، لكنها رقابة تبدو أنها ظاهرية غير معمقة ، بل و يجب أن تكون كذلك تفاديا لكل ما من شأنه أن يعوق انطلاق وسير إجراءات التحكيم[10] .

 أولا : تدخل السلطة القضائية لتعيين الهيئة

 عالج المشرع هذا الإشكال بنوع دقة إذ خول للسلطة القضائية التدخل بناءا على طلب من الطرف الأكثر استعجالا لتعيين الهيئة التحكيمية ما لم يرد شرط بخلاف ذلك ....
غير أن الجهة القضائية المختصة يختلف تدخلها تبعا لمعيار مكان التحكيم أو القانون الإجرائي الواجب التطبيق فبقراءتنا للفصل 41- 327 فإما أن يرفع الأمر إلى رئيس المحكمة التي ستتولى فيما بعد تخويل الحكم التحكيمي الصيغة التنفيذية إذا كان التحكيم جاريا بالمملكة أو أن يرفع الأمر إلى رئيس المحكمة التجارية بالرباط إذا كان التحكيم جاريا بالخارج واتفق الأطراف على تطبيق ق.م.م المغربي.  فكلتا الحالتين الواردتين في الفصل 41-327 حدد المشرع من خلالها الجهة القضائية المختصة في تعيين الهيئة ويبقى السؤال مطروحا : ما هو عدد الهيئة التحكيمية التي يلتزم بها رئيس المحكمة في حالة عدم تحديد الأطراف لها؟
 ما هي حدود سلطة تدخل رئيس المحكمة في تعيين الهيئة التحكيمية ؟ في حالة عدم اتفاق الأطراف على ذلك؟
-حالة عدم اتفاق الأطراف على طريقة التعيين الهيئة: فهنا يتدخل رئيس المحكمة المختصة في تعيين الهيئة مع إلزامية احترام الشروط التي تطلبها القانون وتلك التي اتفق عليها الأطراف في اتفاق التحكيم... ويكون هذا التدخل وفق الشكل التالي:
إذا كانت هيئة التحكيم مكونة من محكم واحد يتولى رئيس المحكمة المختصة تعيين المحكم بناءا على طلب أحد الطرفين.
إذا كانت الهيئة مشكلة من ثلاث محكمين يعين كل طرف محكما ويتفق المحكمان المعينان على تعيين المحكم الثالث، فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال 15 يوما التالية لتسلمه طلبا بذلك من الطرف الآخر أو إذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيار المحكم الثالث خلال 15 يوم، تولى رئيس المحكمة تعيينه بناءا طلب أحد الطرفين، وتكون الرئاسة الهيئة للمحاكم الذي اختاره المحكمان المعينان أو الذي عينه رئيس المحكمة.
وتتبع نفس الإجراءات إذا كانت الهيئة مشكلة من أكثر من ثلاثة محكمين.
      - حالة عدم الاتفاق على عدد الهيئة التحكيمية مسبقا
        فهذه الحالة تتدخل السلطة القضائية مباشرة نظرا لغياب المقتضى المحدد لإدارة الأطراف في الاتفاق التحكيمي . إذ السلطة القضائية تبقى ملزمة بصريح الفصل 2-327 التي نصت على أنه إذا لم يتفق الأطراف على عدد الهيئة التحكيمية كان العدد ثلاثة.

 ثانيا : مفهوم التجريح وآلياته:

لقد رسم القانون للمحكم ما رسمه للقاضي بصدد حماية مظهر الحيادة الذي يجب أن يتحلى به، وإذا كان ـ كقاعدة عامةـ يتطلب من القاضي غير ما يتطلب من المحكم لأن الأول يحمي مظهر العدالة باسم الدولة. بينما الآخر يحمي أساسا الحيادة في نطاق الخصومة القائمة أمامه [11] وبما أن القاضي والمحكم يشتركان في التمسك بالمبادئ الأساسية للتقاضي, وتأسيسا على ذلك يجب على المحكم الابتعاد عن كل ما يمس بحياده واستقلاله[12] الأمر الذي يجعلنا علينا التعرض لمعالجة مفهوم التجريح بالنسبة للمحكمين   (في الفقرة الأولى) وآليات ذلك التجريح (في الفقرة الثانية).

1.    مفهوم تجريح المحكمين:

   لم يتعرض المشرع المغربي لحالات تجريح المحكمين, بل اكتفى بإمكانية تجريحهم المح لسبب نشأ بعد التعيين مما يعنى استبعاد السبب الذي كان موجودا قبل تعيين المحكم وكان الطرف الذي يتمسك على به[13] ويتضح من خلال الفصل 7-327 من قانون 05/088 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية حيث ينص على أنه: "يتعين على المحكم الذي يعلم بوجود أحد أسباب التجريح في نفسه أن يشعر الأطراف بذلك وفي هذه الحالة لا يجوز له قبول مهمته إلا بعد موافقة الأطراف" [14] إلا أن الفصل 3233 من نفس القانون حصر أسباب التجريح في تسع حالات منها:" إذا كانت له ـ المحكم ـ ولزوجه أو لأصوله أو لفروعه مصلحة شخصية مباشرة أو غير مباشرة في النزاع أو كانت قرابة أمصاهرة ..."
فتجريح المحكمين وردت بشأنه عدة تعارف في أوساط الفقه, فمنها ما يقصد برد المحكم أن يعبر أحد الأطراف خصومة التحكيم عن إرادته طبقا لإجراءات معينة في عدم لامتثال أمام محكم معين في قضية معينة لتوافر أحد الأسباب التي حددها القانون وطبقا للشروط التي رسمها [15]
 ذلك أن المشرع المغربي أخذ بإعمال نفس أحكام تجريح القضاة ويتعين تبعا لسكوت المشرع عن بيان أسباب التجريح, فبالرجوع إلى مسطرة تجريح القضاة حيث نجد أنه إذا تعلق الأمر بقاض محكمة ابتدائية يرفع طلب التجريح إلى محكمة الاستئناف لكن الأسباب المبررة لتدخل محكمة الاستئناف باعتبارها أعلى درجة بالنسبة للقاضي المطلوب تجريحه لا تنطبق على تجريح المحكم، وبالتالي يمكن القول أن المحكمة الابتدائية هي المختصة بدلا عن المحكمة الاستئنافية في تجريح محكم ما [16]
لكن بحدوث القانون الجديد أي القانون 05/08 يكون المشرع قد تلافى بعض النقض الذي كان يشوب أو يعترى مسار التحكيم وما يترتب عن ذلك من تجريح للمحكمين، هذا ويختص رئيس المحكمة بالبت في الصعوبات الناتجة عن تجريح أو عزل المحكمين بأمر رئيسي غير قابل للطعن في إطار مسطرة تواجهية[17] الفصل 8/327 من قانون 05/08 [18]
ذلك أن الهدف من تدخل القضاء هو تشكيل هيئة التحكيم أو استكمال النقض فيها أو وضع حل للمحكمة التي تتعرض تشكيلها وعندما يقوم القضاء بتعيين الحالات التي يسمح له فيها القانون بذلك. فإنه يجب أن تتوافر في الحكم الذي يعينه الشروط التي يتطلبها القانون والتي اتفق عليها الأطراف.

2.    : آليات تجريح المحكمين:

يرى أحد الفقهاء أن طلب المحكم أو تجريحه ليسر له شكل خاص وبالتالي يمكن أن يتم عن طريق تقرير أو عريضة دعوى، أو طلب شرط أن يعلن وإذا كانت المحكمة قد انتهت إلى جواز الرد عن طريق الطلب أو التقرير فإنها قد وصلت إلى نتيجة سليمة وإن كانت أسبابها القانونية غير صحيحة[19] بينما يرى جانب آخر من الفقهاء أن الإجراءات الواجبة الإتباع في نظر الخصومة بطلب الرد أو عدم الصلاحية أو في الطعن فالحكم الصادر منها هي الإجراءات العامة والمعتادة لرفع الدعوى معتبرا طلب الرد يقدم بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى.[20]
ذلك أن طلب الرد أو التجريح بالنسبة للحكم أو المحكمين يوجب إيقاف إجراءات التحكيم شأنها شأن توقيف الخصومة أمام القاضي المطلوب رده وهو ما فضله أغلب الفقهاء من عدم السير في خصومة التحكيم لحين الفصل في طلب الرد من قبل المحكمة المختصة لعدة اعتبارات منها:
   -   أنه لن يستغرق الفصل في طلب رد المحكمين وقتا طويلا تخشى معه إطالة أمد الفصل في الدعوى.
   - توفير الجهد والمال الذي يبذل في حال الاستمرار في الإجراءات ، والتي قد يصدر حكم التحكيم خلالها ومن تم تلغى من قبل المحكمة المختصة استنادا إلى حكم رد المحكم وهو ما سيحدث أضرارا بالغة لجميع أطراف خصومة التحكيم ، وقد نحا القضاء المغربي في هذا الصدد المنحى نفسه من خلال قرار صادر من محكمة الاستئناف بالدار البيضاء رقم 1559 / 93 بتاريخ 1 / 08 / 19955حيث  اعتبر أن تجريح المحكم يترتب عليه توقف الخصومة إلى حين الفصل في طلب التجريح وأن هذا الوقف يتم دون حاجة لحكم يقضى بذلك, كما يوقف الميعاد المقرر للتحكيم إلى حين البت في طلب التجريح بحكم نهائي، وأن صدور مقرر تحكيمي من هيئة تحكيم شارك فيها محكم تم تجريحه بمقتضى حكم أصبح نهائيا يجعله باطلا لا يمكن تصحيحه بحضور الخصوم أمامه أو الإدلاء بطلبات موضوعية.[21]
ويبقى دور القضاء أساسيا فيما يصدره من أحكام المتعلقة برد أو تجريح المحكم أو المحكمين والتي يمكن حصرها في فرضين:
     - أن تفرض المحكمة طلب الرد بعد أن تتأكد من حياد المحكم واستقلاله وبالتالي يستمر المحكم في أداء مهمته التي لم يتوقف عن أدائها.
    -  أن تقبل المحكمة طلب الرد ويترتب على ذلك اعتبار ما قد تم من إجراءات بما في ذلك حكم المحكمين الذي يعد كان لم يكن، وهذا الأمر يعكس حدود ولاية القضاء على التحكيم فيما يترتب على حكم المحكمة من آثار بعيدة المدى على العملية التحكيمية على اعتبار أن مهمة وهدف القضاء وضع اتفاق التحكيم موضع التنفيذ الفعال هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن تدخل القضاء قد يكون أساسه تحقيق  غاية أخرى تتمثل في ضمان فعالية التحكيم كتدخله في إصدار الإجراءات الوقتية والتحفظية والإجراءات الأخرى المتعلقة بفعالية إجراءات التحكيم.

المبحث الثاني : المساعدة القضائية أثناء سريان إجراءات التحكم

المطلب الأول :  البث القضائي في الأمور الخارجة عن اختصاصات هيئة التحكيم

قد تعترض المحكم أثناء مسطرة التحكيم مسألة خارجة عن حدود ولايته، إما لكونها غير قابلة للتحكيم أصلا، وإما لعدم شمولها في اتفاق التحكيم، وفي هذه الحالة يجوز أن يوقف إجراءات الخصومة أمامه حتى يتم الفصل فيها من قبل المحكمة المختصة [22].
ويترتب عن وقف سير الإجراءات سريان الميعاد المحدد لإصدار حكم التحكيم، والتطبيقات في هذه الحالة عديدة أبرزها كأن يعرض خلال مسطرة التحكيم مسائل جنائية كالطعن بالتزوير في ورقة قدمت لهيئة التحكيم أو اتخذت إجراءات جنائية على تزويرها أو عن فعل جنائي آخر[23]  وهذا ما سنحاول التطرق إليه في هذه الفقرة.
  -تدخل القضاء عن طريق الأمر بإجراءات الطعن بالتزوير وتحقيق الخطوط
  إذا حدث أثناء مسطرة التحكيم أن طعن أحد الأطراف بتزوير وثيقة ما، أو وقع حادث جنائي أخر، فإن المحكم ملزم بإيقاف البت في النازلة المعروضة عليه لحين بت المحاكم العادية في الدعوى المعروضة عليها بشأنه بصفة نهائية.[24]
   فالتساؤل المطروح، هل يحق للأطراف منح الهيئة التحكيمية في اتفاق التحكيم السلطة في إجراءات تحقيق الخطوط والإدعاء بالتزوير؟
         للإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى صورة الدعوى وهي الدعوى الأصلية، والدعوى الفرعية اللتين قد يتخذهما شكل الدعوى.  بالنسبة للدعوى الأصلية، فلا مجال لقيامها أمام هيئة التحكيم لأن ولاية هذه الهيئة قاصرة على النظر في النزاع على الحق الموضوعي أما ما يتعلق بالدعوى الفرعية فليس هناك نص في ق.م.م. أوفي قانون المسطرة المدنية المعدل 08-05 يجيز ذلك وقد كان المشرع المغربي صريحا لسد الباب أمام هيئة التحكيم بالقيام بإجراء من إجراءات تحقيق الدعوى[25] ويتبين هذا من خلال المادة 3133 ق.م.م التي تنص في فقرتها الثانية على أنه"...ويوقف المحكمون أشغالهم إذا وقع الطعن بالزور، ولو مدنيا أو طرأت أثناء التحكيم عوارض جنائية إلى أن تبت المحاكم العادية في المسألة العارضة ويوقف الأجل المحدد ولا يسري من جديد إلا من تاريخ البت فيها نهائيا".
إلا أن قانون المسطرة المدنية المغربي رقم 08-05 أعطى الصلاحية للمحكمين من خلال الفصل 327-11 لاتخاذ كل إجراءات التحقيق حيث جاء من آخر الفقرة عبارة "أو أي إجراء آخر" فإذا أخذنا هذه العبارة بالمفهوم الواسع فهذا يعين أن واضعي المشروع المغربي  لم يقيدوا الهيئة التحكمية فيما يتعلق بإجراءات التحقيق وبالتالي يمكن أن تدخل في إطارها الإجراءات المتعلقة بالزور الفرعي وتحقيق الخطوط، ولم ينص المشروع المغربي 08-05 من هذه الفقرة على أن قرارات المحكمين في هذه الحالة تخضع لرقابة القضاء الوطني وتذييلها بالصيغة التنفيذية.


المطلب الثاني :دور القضاء من خلال الأمر بالإجراءات الوقتية أو التحفظية

تتنوع صور الحماية القضائية التي يملك القاضي الوطني منحها لأطرف الخصومة القضائية ، مستمدا سلطته في منحها من السلطة العامة التي يمثلها [26]، و يختص القضاء المستعجل باتخاذ التدابير الوقتية و التحفظية في إطار خصومة التحكيم لان منح المحكم سلطة حسم النزاع لا يحيل إليه النزاع بشقيه الوقتي و الموضوعي ، و إن كان ليس هناك ما يحول دون اتفاق الأطراف على تخويله سلطة حسم المنازعات الموضوعية و الوقتية [27]، إلا أن هذا الاتفاق لا يكون مجديا خاصة إذا كانت الأموال المطلوب التحفظ عليها في حوزة الغير[28].
فالهدف الذي توخاه المشرع من نظام القضاء الإستعجالي كإجراء للحماية الوقتية ، يقتضي إصدار أوامر وقتية من خلال إجراءات جبرية تتطلب في من يصدرها توافر الأمر بإمكان تنفيذها كالحجوز التحفظية و هو ما لا يملكه المحكم ، و من تم فللأطراف حق اللجوء إلى القضاء المستعجل ، حتى و لو أجاز الاتفاق للمحكم اتخاذ الإجراءات الوقتية المستعجلة ، إذا كان الإجراء المطلوب يتطلب اتخاذ إجراءات جبرية ليس في إمكان المحكم اتخاذها ، و في هذا الصدد نص الفصل 327/1 ق م م :"لا يمنع اتفاق التحكيم أي طرف من اللجوء إلى قاضي الأمور المستعجلة سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم و أثناء سيرها لطلب اتخاذ أي إجراء وقتي أو تحفظي وفقا للأحكام المنصوص عليها  في هذا القانون و يجوز التراجع عن تلك الإجراءات بالطريقة ذاتها " .
ويمارس القضاء سلطة الرقابة من خلال تدعيم سير الإجراءات بإصدار الأوامر  الوقتية أو التحفظية ، أو رفض إصدارها أو التراجع عنها ، و تعد هذه إحدى صور التعاون والمساعدة بين القضاء و التحكيم ، التي يصادفها في العديد م الإجراءات الوقتية و التحفظية التي لا يملك المحكم إصدارها ، أو عندما يمنع الأطراف عليه اتخاذها ، غير أن ممارسة القضاء لسلطاته هاته ، مشروطة بعدم المساس بموضوع النزاع أو بسلطة المحكمين إزاءه، بل إن التعاون بين القضاء و التحكيم يصل منتهاه عندما تصدر الهيئة التحكيمية بناء   على طلب من احد الأطراف كل تدبير مؤقت أو تحفظي تراه لازما و مناسبا في حدود مهمتها ، و يتخلف الطرف الذي صدر الأمر إليه عن تنفيذه ، فإنه يجوز للطرف الذي صدر الأمر لصالحه الالتجاء إلى رئيس المحكمة المختصة بقصد استصدار أمر بالتنفيذ [29] وهو الأمر الذي يسمح للقضاء بأداء دوره في مساعدة المحكم في إدارة خصومة التحكيم و الوصول إلى حكم قابل للتنفيذ[30] .


خاتمة

من خلال ما سبق يتضح بأن المشرع المغربي جعل إختصاص اتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظية مشتركا بين المحكم والقاضي ، بحيث يكون الخيار لطالب لإجراء الوقتي والتحفظي ، الذي يمكنه رفع لأمر إلى إحدى الجهتين[31]، وهو نفس الموقف الذي تبناه المشرع الفرنسي[32]. والمشرع المغربي في الفصل 327-1 من ق 08-05 الذي نص على أنه :" يجوز للهيئة التحكيمية ، ما لم يتم الإتفاق على خلاف ذلك ، أن تتحذ بطلب من أحد الأطرف كل تدبير مؤقت أو تحفظي تراه لازم في حدود مهمتها .
إذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه ، يجوز للطرف الذي صدر لصالحه الإلتجاء إلى رئيس المحكمة المختصة بقصد استصدار أمر لتنفيذ ".
من كل ما سبق يمكن القول على أن الرقابة القضائية السابقة لصدور المقرر التحكيمي، ليست بالحمولة التي توحي  بها كلمة "رقابة" ، بل تأخذ طابع المساعدة ، فالقضاء في هذه المرحلة دوره دور داعم ومساند لهيئة التحكيم ، وهو كذلك يحمي الإرادة التي يقوم عليها التحكيم والتي عبر عنها الأطراف عند اختيارهم لهاته الوسيلة البديلة لفض منازعتهم .

لائحة المراجع

·   عبد الكبير العلوي الصوصي ، رقابة القضاء على التحكيم –دراسة ف القانون المغرب والمقارن ، دار القلم بالرباط ، الطبعة الأولى يونيو 2012
·       أحمد أبو الوفاء: التحكيم الاختياري والإجباري ، الطبعة 5 الإسكندرية 2000
·   عبد المجيد اغميجة / قراءة مشروع مدونة التحكيم "مداخله في ندوة الطرف البديلة في لتسوية المنازعات منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة الندوات والايام الدراسية، العدد 2/ 2004
·       أحمد عبد المنعم: حدود الرقابة القضائية على التحكم الداخلي في منازعات العقود   ط.2002،
·       أحمد سعيد، يحي دور القضاء في معاونة التحكيم والرقابة عليه، مجلة التحكيم، العدد 50 أبريل 2004
·       عزمي عبد الفتاح: إجراءات رد المحكم، مجلة الحقوق الكويتية العدد الرابع، الطبعة الثانية 1994
·       ليلى منجلون: التحكيم التجاري في القانون المغربي، طبعة 1994.
·   سعيد المعتصم "دور القضاء في مراقبة المحكمين –دراسة مقارنة-"منشورات مجلة الحقوق المغربية ، الوسائل البديلة لفض المنازعات الوساطة –التحكيم – الصلح ،سلسلة الأعداد الخاصة 4 2012

الرسائل :

·   محمد النظاري:  الرقابة القضائية على التحكيم في التشريعي اليمني والمغربي، دراسة مقارنة: جامعة محمد الأول، وجدة سنة 2006/07
----------------------------------------------------------------------------

[1] عبد الكبير العلوي الصوصي ، رقابة القضاء على التحكيم –دراسة ف القانون المغرب والمقارن ، دار القلم بالرباط ، الطبعة الأولى يونيو 2012 ، ص 7.
[2] هدى محمد مجدي عبد الرحمن : دور المحكم في خصومة التحكيم و حدود سلطاته ، دار النهضة العربية ، 1997 ص 342
[3] قرار عدد 1003 ، ملف تجاري عدد 59/3/2005 منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 71لسنة 2009 ص 223 وما يليها
[4] فتحي والي : الوسيط في قانون القضاء المدني ،دار النهضة 1993 ص 931
[5] أحمد أبو الوفا : الدفع بالاعتداد بشرط التحكيم هل هو دفع بعدم الاختصاص ام دفع بعدم القبول ، مجلة المحاماة المصرية عدد 3 ص 385
[6] سامية راشد : التحكيم في العلاقات الدولية الخاصة ، منشأة المعارف الاسكندرية ، 1984 ص 134
[7] محمد نور شحاتة : النشأة الاتفاقية للسلطة القضائية للمحكمين ، دار النهضة 1993 ص 101
[8]  اتفاقية الاعتراف بالمقرارات  التحكيمية الاجنبية و تنفيذها الصادر عن الامم المتحدة بتاريخ 9/6/1958 المصادق عليها من طرف المغرب بمقتضى ظهير 19/2/1960
[9]  منشورات مجلة الحقوق المغربية ، وسائل البدييلة لفض المنازعات الوساطة –التحكيم-الصلح ، مقاربات  تجارب متعددة ، أشغال الندوة الدولية التي نظمتها الكلية المتعددة التخصصات بالناظور ، سلسلة الاعداد الخاصة 4  2012
[10] ذ.عبدالكبير العلوي الصوصي ، رقابة القضاء على التحكيم ، دراسة في القانون المغربي و المقارن ، الطبعة الاولى ، يونيو 2012
[11]      أبو الوفاء: التحكيم في القوانين العربية 1996، ص: 44.
[12]     محمد محمد بدران: المشاكل الخاصة باختيار المحكمين وردهم ، الطبعة 2004، ص: 55.
[13]   للمزيد من الايضاح نظر رسالة محمد النظاري الرقابة القضائية على التحكيم في التشريعي اليمني والمغربي، دراسة مقاربة: جامعة محمد الأول،  وجدة سنة 2006/07
[14]     الفصل 7-327 من قانون 05/08 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية
[15]      أنظر أحمد عبد المنعم: حدود الرقابة القضائية على التحكم الداخلي في منازعات العقود  ط.2002، ص: 160.
[16]  ليلى منجلون: التحكيم التجاري في القانون المغربي، ص: 413.
[17] عبد المجيد اغميجة / قراءة مشروع مدونة التحكيم "مداخله في ندوة الطرف البديلة في لتسوية المنازعات منشورات جمعية نشر المعلومات القانونية والقضائية سلسلة الندوات والايام الدراسية، العدد 2/ 2004.
[18] ينص الفصل 8-327 من قانون 05-08 الفقرة الأخيرة ترفع الصعوبات الناتجة عن تجريح أو هزل المحكمين إلى رئيس المحكمة الذي يأمر غير هايل للطعن في إطار مسطرة
[19]  عزمي عبد الفتاح: إجراءات رد المحكم، مجلة الحقوق الكويتية العدد الرابع، الطبعة الثانية 1994، ص: 525.
[20]  حمد أبو الوفاء: التحكيم الاختياري والإجباري ، الطبعة 5 الإسكندرية 2000، ص: 167.
[21]  قرار صدر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، رقم 1559/93 بتاريخ 1995/8/1
[22]   أحمد أبو الوفا، التحكيم الاختياري والإجباري، ص: 253
 أحمد سعيد، يحي دور القضاء في معاونة التحكيم والرقابة عليه، مجلة التحكيم، العدد 50 أبريل 2004، ص: 27.[23]
[24]   ليلى بنجلون، التحكم التجاري في القانون المغربي، ص: 415.
[25]  نفس المرجع السابق
[26]  عبد الباسط جميعي ، سلطة القاضي الولائية ، مجلة العلوم القانونية المصرية 1969 السنة 11 ، ص 540 .
[27]  أحمد أبو الوفا ، عقد التحكيم وإجراءاته ، منشأة المعارف –الاسكندرية- 1974 ص 141 .
[28]  محمد هاشم ، النظرية العامة في التحكيم ، دار الفكر 1990 ص 151 .
[29]  الفصل 327-15 ق م م
[30] سعيد المعتصم "دور القضاء في مراقبة المحكمين –دراسة مقارنة-"منشورات مجلة الحقوق المغربية ، الوسائل البديلة لفض المنازعات الوساطة –التحكيم – الصلح ،سلسلة الأعداد الخاصة 4 2012 ،ص 140 .
[31]  عبد الكبير العلوي الصوصي ، مرجع سابق ، ص75.
[32]  المادة 809 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي .  
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات