القائمة الرئيسية

الصفحات

تأهيل السجناء لتسهيل إعادة إدماجهم

تأهيل السجناء لتسهيل إعادة إدماجهم

تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم في المجتمع
تأهيل السجناء لتسهيل إعادة إدماجهم


التقديم
إن موضوع تأهيل السجناء لتسهيل إعادة إدماجهم ، يتطلب منا في بدابة الدراسة الحديث عن أبعاد وفلسفة القانون المنظم للمؤسسات السجنية بصفة عامة ، والشق المتعلق بتأهيل السجناء بصفة خاصة الذي يجر الحديث إلى تناول الفعالية والنجاعة في قيام القانون بوظيفته على أكمل وجه، فالقاعدة القانونية هي تنشأ لتنظيم العلاقات داخل المجتمع ، ورسم حدود السلطات و الصلاحيات المخولة لكل فرد ، و بيان حقوق الفرد و التزاماته بالإضافة إلى أنها تتضمن تحديدا لما قد يترب من جراء الإخلال بالمبدأ الذي أقرته .
فالغاية من القاعدة القانونية هي تحقيق تعايش سلمي داخل الجماعة ، ومن تم فهي تنطلق بمجموعة من خصوصيات المجتمع وطموحات أفراده لتسير إلى الغاية الحقيقة التي يصطلح عليها بوظيفة القانون التي هي التنظيم لمنع التجاوز , لذلك فهي تنبع من الأغراض التي رسمها المشرع , فهناك دائما إرادة و أهداف وراء وضع كل نص قانوني ، فهذه الأخيرة حسب القناعات و الإيديولوجيات والاختيارات السياسية و الاجتماعية . وإلى جانب تغير الظروف هناك تغيير في فلسفة العقوبة ذلك أن السياسة الجنائية المغربية أصبحت تتوخى حماية المجتمع و إصلاح المجرمين لتطويق ظاهرة العود , و هذا ما يجب معه التركيز على سياسة عقابية هدفها تسهيل تأهيل السجناء , كما ان الدافع ينطلق أيضا من هاجس آخر هو بلورة المفهوم الحقيقي الذي تريد الدولة إعطاءه للعقوبة السالبة للحرية , و على اعتبار أن السجن فضاء لقضاء العقوبة وليس فضاء يسير حسب أهواء الناس, فلا بد أن يكون هناك انسجام بين مفهوم المشرع للعقوبة و بين الدافع لتنفيذها , إذ لابد أن يحصل نوع من الترابط و أن يكون هناك امتداد يحقق فيه القائمون على تنفيذ العقوبة لمقاصد السلطة القضائية و السلطة التشريعية , حتى تكون هناك استمرارية في نفس التفكير و نفس النهج .



وبالرجوع للتطورات التي عرفتها سياسة تنفيذ العقوبة حيث كان نزلاء المؤسسات السجنية يعيشون تهميشا تفرضه النظرة الدونية التي يحملها لهم المجتمع , و كان للإصلاح مفهوم شاذ والذي لم يعد له مكان في وقتنا الراهن, فكانت ضرورة ملحة لأن يعاد النظر في الفضاء السجني وتقنن الإمكانيات المخولة للسجناء. فالسجين قد تكون أجبرته مختلف العوامل في متاهة الجريمة .[1]
وكون إصلاح نزلاء المؤسسات السجنية و تأهيلهم لإعادة إدماجهم في المجتمع يتطلب إمكانيات و جهود بشرية لا حصر لها لتفريد العقاب و العلاج و هو ما جعل البعض يصفها بمثالية العلاج و الإصلاح , لهذا يتعين التفكير بجدية في كيفية تنفيذ هذا التأهيل عن طريق التحلي بالواجب القانوني وخلق علاقات تبادلية بين مختلف المؤسسات التي تعنى بالتأهيل لأنه من الصعوبة بمكان علاج المنحرفين بنفس الوسائل و الطرق المعتمدة تقليديا في ظل التطورات التي يشهدها المنتظم الدولي .فعلى الرغم من الخطط المسطرة تشريعيا لتحقيق هدف التأهيل فإن أكبر عائق لتحقيق هذه الغاية هو مصطلح المجرم الذي يظل يلاحق الشخص الذي سبقت إدانته بعقوبة سالبة للحرية على إثرها تم وضعه داخل المؤسسة السجنية الذي يعتبر في حد ذاته عقوبة إضافية للمنع من الإدماج يكرسه الإقصاء من الولوج للعديد من الوظائف و اقتحام عالم الشغل , مما يسد أبواب الأمل أمام هؤلاء , و يكون السبب في العودة إلى الجريمة باعتبارها الفعل الوحيد الذي لا يشترط القانون أي شرط للقيام به .[2]
وعليه فإن الإدماج الحقيقي في المجتمع يتمثل في تأهيل السجناء وإعدادهم على المستويين التربوي و النفسي والاجتماعي, لكي يصبحون قادرين على التوافق من جديد مع ذويهم و مع الآخرين, بشكل يمكنهم من العودة إلى العيش داخل المجتمع بطريقة إيجابية دون حقد و انتقام و لا شعور بالنقص و بالتالي اندثار السجين مع ماضيه الإجرامي, و هذا لن يتحقق إلا في عدة معطيات لعل أبرزها تدعيم الرعاية اللاحقة بشكل جدي عبر إسناد هذا الدور إلى المؤسسات العامة عبر ترسانة قانونية واجبة التطبيق و كذا مؤسسات المجتمع المدني , و القطاع الخاص لتوفره على الإمكانيات اللازمة لذلك. و بالتالي فمن هنا تبرز الإشكالية الرئيسية و التي مفادها:
إلى أي حد استطاعت برامج التأهيل المسطرة تشريعيا أن تحقق الوظيفة التي باتت مطلوبة من العقوبة السالبة للحرية ؟
إلا أن هذه الأخيرة تتفرع عنها تساؤلات فرعية يمكن إجمالها في ما يلي :
·            هل يقتصر دور المؤسسات السجنية على تنفيذ العقوبة فقط ؟
·            هل للمؤسسات السجنية و وسائل العقاب أثر في اصلاح الجاني و تأهيله ؟
·            ما دور النظم الإدارية الحديثة في الإصلاح و التأهيل ؟
·            هل أوجد المشرع برامج تتلائم مع مدة العقوبة ؟
·            هل المشرفين على المؤسسات السجنية مستعدون للقيام بمهامهم على أحسن وجه؟
·            هل كل السجناء يحتاجون للتأهيل؟ أم أن هناك فئة لا تحتاج له دون الأخرى؟
ولكن قبل الخوض في غمار الإجابة على الإشكالية الرئيسية ومجموع هذه التساؤلات
الفرعية فإن الأمر يقتضي تناولها بالاعتماد على سياق ممنهج بغية الإحاطة بهذه الإشكالية سنتعمد التقسيم التالي:

المبحث الأول: الإطار القانوني والمؤسساتي
المطلب الأول: المقتضيات التشريعية الوطنية والدولية
المطلب الثاني: المؤسسات الفاعلة
المبحث الثاني:الواقع والإكراهات وسبل المعالجة
المطلب الأول: برامج التأهيل لإدماج السجناء
المطلب الثاني: المعوقات وسبل المعالجة

المبحث الأول: الإطار التشريعي والمؤسساتي لتأهيل السجناء


يعتبر السجن فضاء مغلقا على نفسه مستقلا بذاته ولا تربطه بالمجتمع أية روابط ، بحيث تتكلف فيه الإدارة العقابية  بحياة السجناء وسلطتها في ذلك مطلقة أو تحكمية[3] ، واهتمامها ينصب على حفظ الأمن والنظام داخل السجون ولو على حساب المحكوم عليه، هذا ما ينسجم مع وظيفة العقوبة التقليدية، بحيث كان الهدف منها الانتقام  والإيلام، لكن هذه الوضعية الرهيبة تتعارض مع ما تفرضه كرامة الإنسان من احترام[4] هذه الفلسفة لم تصمد كثيرا أمام المطالبات التي تنادي في تحسين وضعية السجين، و أنسنة العقوبة وعلى إثر هذه الطالبات وتطور الفكر العقابي، عرفت العقوبة من حيث أهدافها ووظيفتها تحولا جوهريا بحيث أضحى الهدف منها التأهيل والإصلاح في السجون للمحكوم عليهم من اجل إعادة إدماج في المجتمع، هذا التحول سرعان ما تأثرت به التشريعات سواء على مستوى التشريع الدولي أو التشريع الوطني (المغرب نموذج) وتدخلت لتنظيمه وتضمينه في منظومتها القانونية،  فما هي مقتضيات  تأهيل السجناء في ضوء التشريع الدولي و المغربي هذا ما سنتطرق اليه في المطلب الأول ولكي يمارس السجين حقه في التأهيل لابد من مؤسسات تعنى بهذا الجانب ويوجد الكثير من المؤسسات التي تعنى بهذا الشأن في المغرب فما هي إذن هذه المؤسسات؟ هذا ما سنتطرق إليه في المطلب الثاني.

المطلب الأول: التشريع الدولي و المغربي

مما لاشك فيه أن اهتمام التشريع سواء الدولي أو الوطني في عملية اصلاح السجناء تزايد منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي، ويعود الفضل إلى التشريع الدولي في تكريس مقتضيات قانونية تؤطر وتنظم هذا الميدان المعقد الصعب، وذلك وعيا من المشرع الدولي بأهمية عملية التأهيل في حياة السجين بعد الإفراج عنه، فكيف كرس المشرع الدولي عملية تأهيل السجناء؟
وما هي المقتضيات التي تعنى بالجانب التأهيلي في التشريع الدولي؟ هذا ما سنعالجه في الفقرة الأولى على أن نعالج الفقرة الثانية موقف المشرع المغربي من عملية التأهيل؟ وما هي المقتضيات القانونية المتعلقة بعملية التأهيل في التشريع المغربي؟

الفقرة الأولى: التشريع الدولي

مما لاشك فيه أن المشرع الدولي أسس منذ العام 1998 لما أصبح يعرف اليوم بالمنظومة الكونية لحقوق الإنسان، وذلك عبر العشرات من الاتفاقيات التي تعنى بحقوق الإنسان، تشمل جميع الفئات، بما في ذلك فئة السجناء، التي كانت لوقت قريب معزولة عن العالم الخارجي ، وذلك انسجاما مع المطالبات الحقوقية التي تنادي بأنسنة العقوبة والنظر إلى هذه الفئة بعين الاعتبار، وبالفعل اهتم التشريع الدولي بالوظيفة الجديدة للعقوبة التي ترتكز على إصلاح السجين وتقويمه وتأهيله من اجل إعادة التشريع الدولي بالوظيفة الجديدة للعقوبة، والتي ترتكز على إصلاح السجين وتقويمه وتأهيله من اجل إعادة إدماجه في المجتمع، وخصص الكثير من المقتضيات التي تنظم حقوق السجناء وتساعدهم على التأهيل، ونظرا لكثرتها وصعوبة الإحاطة بها كاملة سنقوم خلال دراستنا بالتركيز على أهم ما جاء من مقتضيات وأحكام وضوابط تنظيم عملية تأهيل السجناء فقط على مستوى ثلاث أو أربعة اتفاقيات وهي:

أولا: المعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:

يعتبر العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من أول الاتفاقيات الدولية التي ركزت على الجانب الإصلاحي التأهيلي للعقوبة، وهذا الجانب حاضرا وبقوة ضمن مقتضيات المادة 10 منه جاء فيها ما يلي[5] :
1-    يعامل جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصلية في الشخص الإنساني.
2-   يفصل الأشخاص المتهمون عن الأشخاص المدانين إلا في ظروف استثنائية ويكونون محل معاملة على حدا تتفق مع كونهم أشخاص غير مدانين، كما يفصل المتهمون الأحداث عن البالغين ويحالون بالسرعة الممكنة إلى القضاء للفصل في قضاياهم.
3-    يجب أن يراعى نظام السجون معاملة المسجونين معاملة يكون هدفها الأساسي إصلاحهم وإعادة تأهيلهم الاجتماعي ويفصل المذنبون الأحداث عن البالغين ويعاملون معاملة تتفق مع سنهم ومركزهم.

ثانيا: القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء

تعتبر القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء قواعد ومبادئ توجيهية، تمثل الحد الأدنى لمعاملة السجناء من قبل القائمين على إدارة المؤسسات السجنية، هذه القواعد والمبادئ تجسد توجه التشريع الدولي نحو أنسنة العقوبة وإعطاء المزيد من الحقوق والضمانات للسجناء وذلك قصد ضمان أنجع الطرق لتأهيلهم من اجل إعادة إدماجهم بعد الإفراج عنهم، فيما يتعلق بالأحكام والمظاهر التي تتعلق بالتأهيل سنعمل على الإحاطة ببعض المظاهر والأحكام في هذه الاتفاقية وهي:
المواد 24-25-26 و29 أغلبها تؤكد على ضرورة البرامج الإصلاحية في السجون لضمان تأهيل الحدث الجانح.
وخصصت الاتفاقية المتعلقة بالقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء الجزء الثاني منها المعنون (قواعد تطبق على فئات خاصة) تحديدا الفقرة ألف المتعلقة بالسجناء المدانون للمظاهر التي يرتكز عليها التأهيل سنتطرق إلى بعضها وهي:

أ‌-        التصنيف والمعالجة:
من المرتكزات التي يقوم عليها التأهيل هي التصنيف والمعالجة إلى جانب العمل ولقد أتت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء على ذكر المعالجة والتصنيف الفئوي في المواد من

-  المعالجة: (المواد 65 إلى 66)
جاء في المادة 65 ما يلي: إن الهدف من معالجة المحكوم عليهم بالسجن أو بتدبير مماثل من الحرية يجب أن يكون بقدر ما تسمح بذلك مدة العقوبة إكسابهم العزيمة على أن يمشوا في ظل القانون وان يتدبروا احتياجاتهم بجهدهم، وجعلهم قادرين على إنقاذ هذه الغريبة ويجب أن يخطط هذا العلاج بحيث يشجع احترامهم لذواتهم ويمن لديهم حسن المسؤولية.

-  التصنيف الفئوي وإفرادية العلاج في المواد  67 إلى 69
-   المادة 67 تنص على ان مقاصد التصنيف الفئوي يجب :

1)   أن يفصل عن الآخرين أولئك المسجونون الذين يرجح، بسبب ماضيهم او شراسة طباعهم، أن يكونوا ذوي تأثير سيء عليهم.
2)   أن يصنف المسجونون في فئات ما بغية تيسير علاجهم على هدف إعادة تأهيلهم الاجتماعي.

ب  العمل:
يعتبر العمل العمود الفقري لعلمية التأهيل ولقد أفرزت له القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (71 إلى 76) ، ولقد جاء من نفس المادة 71 ما يلي:
1-      لا يجوز العمل في السجن ذات طبيعة مؤلمة.
2-      يفرض العمل على جميع السجناء المحكوم عليهم تبعا للياقتهم البدنية والعقلية كما يحددها الطبيب.
3-      تشغيل السجناء يوفر لهم عمل منتج طوال اليوم العادي.
4-      يكون هذا العمل إلى أقصى الحدود المستطاعة، من نوع يصون أو يزيد قدرة السجين على تأمين عيشه بكسب شريف بعد إطلاق سراحه.
5-      يوفر تدريب مهن نافع للسجناء القادرين على الانتفاع به ولاسيما الشباب
6-      تتاح للسجناء في حدود ما يتماشى مع الاختيار المهني السليم ومتطلبات إدارة السجن والانضباط فيه إمكانية اختيار نوع التعلم الذي يرغبون القيام به.

ج- التعليم والترفيه: (المواد 77 إلى 78)
ولقد نصت المادة 77 من الفقرة الأولى منها على ما يلي: تتخذ إجراءات لمواصلة تعليم جميع السجناء القادرين على الاستفادة منه، بما في ذلك التعليم الدين في البلدان التي يمكن فيها ذلك ويجب أن يكون تعليم الأميين والأحداث إلزاميا وان توجه إليه الإدارة عناية خاصة.
أما الفقرة الثانية من المادة 77 تضمنت ما يلي:
يجعل تعليم السجناء في حدود المستطاع عمليا متناسقا مع التعليم العام في البلد بحيث يكون في مقدورهم، بعد إطلاق سراحهم، أن يواصلوا الدراسة دون عناء.
ثم المادة 72 فتتحدث عن الترفيه،أي تنظم في جميع السجون حرصا على رفاه السجناء البدني والعقلي، أنشطة ترويجية وثقافية.

الفقرة الثانية: موقف المشرع المغربي من عملية تأهيل السجناء

لقد كان المشرع المغربي سباقا للأخذ بأغلب القواعد والأحكام التي تعمل على تحسين وضعية السجناء وذلك ضمن مقتضيات القانون 98.23 ومرسومه التطبيقي يعتبر من أرقى القوانين في العالم، كما تصنفه أستاذتنا الفاضلة د. لطيفة المهداتي والملاحظ أن أغلب هذه القواعد والأحكام تعمل على إعادة إدماجهم، وتغيير نظرة المجتمع للسجناء ونظرا لكثرة النصوص ذات الصلة بالتأهيل وصعوبة الإحاطة بأغلبها سنعمل خلال بحثنا على التركيز على بعض مظاهر تأهيل السجناء في القانون 23.98 ومرسومه التطبيقي ومن دون إغفال موقف الدستور من حقوق السجناء.

أولا:على مستوى دستور 2011

يطلع اغلب الباحثين والفقهاء الدستوريين على الدستور المغربي لسنة 2011 دستور حقوق الإنسان، حيث عمل المشرع المغربي على ملائمة منظومته القانونية مع منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا، وجعلها من أول التزامات المملكة المغربية، هذا ما أكده في التصدير[6]، وخصص الباب الثاني من الدستور 2011 للحقوق والحريات الأساسية، ومن ضمن هذه الحقوق، حقوق للسجناء وضمان حقهم في التأهيل حيث جاء ضمن مقتضيات الفقرة السادسة والفقرة السابقة من الفصل 23 (يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية وبظروف اعتقال إنسانية، ويمكنه أن يستفيد من دورات تدريبية وإعادة الإدماج[7]

ثانيا:القانون 23.98

عديدة هي صور مظاهر عملية تأهيل السجناء ضمن مقتضيات القانون 23.98 لذلك سنقوم بالتركيز على بعضها في دراستنا:

أ‌-  تصنيف السجناء:
يعتبر تصنيف السجناء العمود الفقري لعملية التأهيل، إذ أن التصنيف العلمي الدقيق يساعد في تحقيق التأهيل للغاية المتوخاة منه، ولقد كرس المشرع في القانون 23.98 العديد من المقتضيات حيث جاء في نص المادة 3 ما يلي: تصنف المؤسسات السجنية إلى أصناف بحسب أهميتها وتخصصها وذلك بقرار من وزير العدل يتم بنشرة بالجريدة الرسمية[8] .
وأيضا قسم المشرع المؤسسات السجنية إلى أربعة أنواع حسب المادة 8، حيث جاء فيها ما يلي:

المؤسسات السجنية المخصصة لاستقبال المدانين هي:

 1- السجون المركزية 2- السجون الفلاحية 3- السجون المحلية 4- مراكز الإصلاح والتهذيب وتتوفر هذه المؤسسات على تنظيم إداري ونظام امن داخلي يهدفان إلى تأمين وتطوير سبل إعادة إدماج المدانين في المجتمع.
وفي ما يتعلق بالتوجيه والتوزيع خصص المشرع المقتضيات من 29 إلى 34 من القانون 23.98 لعلمية التوجيه والتوزيع نظرا لأهميتها في عملية التأهيل.

ب‌-     تشغيل المساجين:(بمكنك للتعمق في الموضوع الرجوع الى موضوع عمل المساجين سبق نشره بالمدونة)
يعتبر العمل إلى جانب التصنيف العمود الفقري الذي ترتكز عليه علمية تأهيل السجناء وحرصا من المشرع على أهمية العمل في حياة السجين، وتحديدا السجناء الذين يتركون خلفهم عائلات وأطفال لقد خصص المشرع المغربي الفرع الثالث من الباب الثالث (35 إلى 45) حول تشغيل المساجين ووضع ضوابط لممارسته كلها تراعي مصلحة السجين وتعمل على تأهيله وإعادة إدماجه في المجتمع ليصبح فاعلا إيجابيا بعد الإفراج عنه.
ومن شروط العمل أن يكون بمقابل وهذا ما أكدته المادة 45 (يمنح للمعتقلين الذين يزاولون نشاطا منتجا مقابل منصف يحدد مبلغه بمقتضى قرار مشترك للوزير المكلف بالعدل والوزير المكلف بالمالي)[9]
وجاء في القرار الصادر عن وزير العدل ووزير الاقتصاد والمالية  في المادة الأولى منه انه يحدد (مبلغ المقابل الذي يمنح للمعتقلين الذين يمارسون نشاطا بالمؤسسات السجنية بستة دراهم في اليوم لكل معتقل)

ج علاقة المعتقلين بالخارج:
وعيا من المشرع المغربي بأهمية انفتاح المعتقل مع الخارج والحفاظ على أواصر العلاقة تحديدا مع العائلة والأقارب خصص الباب السادس من القانون 23.98 لتنظيم علاقة المعتقلين بالخارج ويتم التواصل مع الخارج عبر صورتين:

•   الصورة الأولى: الزيارات نضمها المشرع المغربي في الفرع الأول من الباب السادس (المواد 75 إلى 88) ووضع ضوابط لكيفية حصول هذه الزيارات وتوقيتها.

•   الصورة الثانية: المراسلات نضمها المشرع في الفرع الثاني من الباب السادس وأيضا حدد خلال هذه المقتضيات كيفية حصول المراسلات ومن الأشخاص الذين يمارسون عملية الرقابة عليها.

بعد أن تطرقنا في الأول إلى بعض صور تأهيل السجناء في القانون 23.98 سنتطرق إلى ما جاء في المرسوم التطبيقي للقانون 23.98 بخصوص عملية التأهيل في ثانيا.

ثالثا: المرسوم التطبيق رقم 2.00.485

عمل المرسوم التطبيقي رقم 2.00.485 على تنزيل القواعد والأحكام الواردة في القانون 23.92، منها فيما يتعلق بعملية التأهيل وباستقرائنا لمواد المرسوم البالغ عددها 161 مقسمة على 11 باب تجد، أغلب نصوص المرسوم تركز على البرامج الإصلاحية في السجون التي تساعد في علمية التأهيل، لذلك يصعب علينا الإحاطة في أغلبها في بحثنا المتواضع هذا، لكن سنقوم بالتركيز على ما جاء في الباب التاسع من هذا المرسوم:  كثيرة هي الأنشطة التي جاء بها المرسوم التطبيقي للقانون 23.92  من 105 إلى 141 فمنها ما هو إرشادي وديني ومنها ترفيهي ومنها ما يركز على التعليم والتربية وأيضا دورات تدريبية للسجناء تركز على المساعدة الاجتماعية سنتناولها بالتفاصيل.

أ‌-        البرامج التربوية:
خصص المشرع الفرع الأول بالباب التاسع للبرامج التربوية وذلك من المادة 105 إلى 124 وحدد صورها كالتالي:
- الإرشاد الديني والمساعدة الروحية: المواد 106 إلى 109
- التربية: 110 إلى 113.
- التعليم: 134 إلى 121.
- التكوين المهني: 122 إلى 124.

ب-النشاط الترفيهي:
خصص المشرع المغربي للنشاط الترفيهي الفرع الثاني من الباب التاسع.

ج  المساعدة الاجتماعية:
نظمها المشرع في الفرع الثالث بالباب التاسع من المرسوم التطبيقي للقانون 23.98 وذلك في المواد من 132 إلى 141 وحدد كيفية استفادة المعتقلين منها والضوابط التي تحكمها.
المطلب الثاني: المؤسسات والهيئات المنوط بها تأهيل السجناء
إن الفشل الذريع الذي منيت به المؤسسات السجنية والإصلاحية بالمغرب في أداء وظائفها وتقديم الخدمات لنزلائها في حدودها الضرورية والأساسية أصبحت محط انتقام وانتقاد واتها، ومراعاة للنصوص القانونية التي تم تأكيدها بموجب المواثيق الدولية فقد استلزم الأمر القيام بمحاولات لتجاوز هذه الأوضاع المأساوية والتقليص من حدة العراقيل التي تشوب العملية التأهيلية، وفي هذا الصدد جاءت مجموعة من المؤسسات كإرادة لتوحيد الرؤيا حول إصلاح المؤسسات السجنية والرقي بالغاية التي استهدفها المشرع من العقوبات السالبة للحرية، ومن هنا جاء دور مجموعة من المؤسسات من هيئات رسمية وأخرى غير رسمية.

الفقرة الأولى: الهيئات الرسمية
أولا: مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء

أحدثت سنة 2002 وتضطلع بالعمل في مجال إعادة الإدماج الاجتماعي للنزلاء، ويعتبر إنشاء مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء تجسيدا للإرادة الملكية لضمان الكرامة الأساسية للسجناء من خلال تمتيعهم بظروف من شأنها المحافظة على احترام أنفسهم والرفع من شعورهم بالمسؤولية اتجاه ذواتهم وذويهم ; ومن بين الأهداف والمهام التي حملتها هده المؤسسة على عاتقها منذ تأسيسها هو أنسنة وسط الاعتقال، وذلك في المساهمة في تحسين تهيئة السجون عن طريق تطوير برامج التربية والتكوين المهني لتيسير تأهيل السجناء، لهذا فهي تعتبر قوة استراتيجية تشعر بمكامن الخلل في تدبير المؤسسات السجنية وتكشف عن الاختلالات فيها، وقد عملت على تنظيم مجموعة من المحاور تهم على الخصوص مجالات التنشيط السوسيوثقافي و الرياضة  ومحو الأمية والعلاجات الطبية والتكوين المهني، هدفها الأساسي تكوينهم مهنيا و تطوير مؤهلاتهم و ملكاتهم، حيث ارتفع عدد المنخرطين  من 25 متخرج سنة 2012 الى 63 سنة 2014 حصلوا حسب المستوى الدراسي على شهادة المتابعة استفادة 194 سجين في التكوين المهني خلال الموسم الدراسي 2009/2011.

ثانيا: المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج

في إطار أنسنة ظروف الاعتقال عملت المندوبية على تطوير أداء الموظفين للقيام بالمهام المنوطة بهم وتكوينهم وتحفيزهم على إعادة الانضباط داخل المؤسسات وكدا تنفيذ عدة برامج لإعادة تأهيل المؤسسات السجنية و بناء مؤسسات سجنية جديدة بمواصفات عصرية وتعزيز سياسة التكوين المهني وتكثيف الأنشطة الثقافية والرياضة، وتقوم المندوبية العامة برسم الخطوط العريضة لبرامج العمل الاجتماعي وتسهر عليها مديرية العمل الاجتماعي والتفافي لفائدة السجناء وإعادة إدماجهم .

 ثالثا: وزارة العدل

وعيا من وزارة العدل في تكتيف الجهود على مختلف الواجهات التي تشكل مواطن ضعف سواء بالنسبة للعمل القضائي أو المؤسسات الساهرة على تنفيذ العقوب، ثم وضع خطة للتحسيس والتقييم المستمر لفائدة القضاة وكذا التنسيق مع باقي الفاعلين في هذا المجال، وفي  هذا الإطار ثم وضع خطة للتحسيس والتقييم المستمر لفائدة القضاة و كذا التنسيق مع باقي الشركاء الفاعلين في هذا المجال، و في هذا الإطار تنجز وزارة العدل برنامجا لتكوين قضاة الأحداث بتعاون مع منظمة اليونيسف وكذا وزارة العدل الفرنسية لتلقي تداريب خارج المملكة غايتها تحسيسهم بأهمية العمل و تعريفهم بالمعايير الدولية فيما يتعلق بعدالة الأحداث ومستويات التأهيل، إضافة إلى أنه يتم العمل مع مجموعة من القطاعات الحكومية في مجال التأهيل.
- مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل وذلك عن طريق التكوين المهني.
- وزارة الفلاحة: التكوين في الميدان الفلاحي.
- وزارة التربية الوطنية: برامج محو الأمية والتربية غير النظامية والتعليم بمختلف مستوياته
- مندوبية الشباب والرياضة: أنشطة رياضية ومسابقات ترفيهية.
- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية: برامج الوعظ والإرشاد وتحفيظ القران.
وزارة الثقافة: أنشطة ثقافية, تربوية, فنية، تزويد المؤسسات بالكتب والمؤلفات.

الفقرة الثانية: الهيئات غير الرسمية

إن إصلاح الحدث وإعادة تأهيله لا يمكن أن يتم على الوجه الأكمل دون فتح المجال أمام المهتمين بالمجال الحقوقي من جمعيات و منظمات بغية إشراكها في إنجاز هذه المهام عن طريق سياسة الانفتاح و المساعدة و تسهيل وسائل الاشتغال بعيدا عن التوجس و الحيطة خاصة و أن الظروف الراهنة لا تسمح للدولة أن تحتفظ بكل الأدوار, من هنا يظهر بصفة واضحة الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه مكونات المجتمع المدني كشريك و مساند للجهات الرسمية.
فالمجتمع المدني عبارة عن مجموعة من الفعاليات غير الحكومية من شخصيات و منظمات و هيآت تسعى إلى الرفع من مستوى الحياة العامة للمواطنين في كل المجالات، فالحركية التي يعرفها المجتمع المدني بمختلف مكوناته ما هو إلا نتيجة للقفزة النوعية التي عرفها ميدان حقوق الإنسان، حيث انصب الاهتمام على سبل تحسين ظروف السجن و تحويله من فضاء للعقاب إلى فضاء لإعادة التربية و التهذيب، وفي هذا المجال كان الحرص على أن يتضمن التشريع فتح بوابات المؤسسات السجنية في وجه المهتمين بالمجال الحقوقي، ومن بين أهم الآليات التي يعتمد عليها حاليا مختلف مكونات المجتمع المدني هي القيام بأبحاث ودراسات  المقررة بزيارات ميدانية و استطلاع الىراء مما يقرب الجهات الرسمية من الواقع المعاش و كدا تخليص السجين من هاجس الخوف و نمط العلاقة السائدة بين السجين والإدارة السجنية القائمة في معظم الحالات على الطاعة و تنفيذ الأوامر، وتتولى هذه الجمعيات رصد الخروقات التي يتعرض لها مركز تنفيذ العقوبات عن طريق المعاينة أو الشكايات التي غالبا ما تتضمن مظاهر الانتهاكات و الخروقات التي استهدفت كرامة النزيل و من جانبها تعمل على دراسة هذه الشكايات و تبليغها إلى الجهات المسؤولة لتلقي جواب عن ذلك، محاولة منها إصلاح الوضع وتجاوزه إلا أن الواقع العملي أثبت أن دورها لا يتعدى الزيارات الروتينية و تقديم بعض المساعدات المادية للنزلاء في بعض  المناسبات شهر رمضان وعيد الأضحى مما يجعل ما تقوم به لا يكتسي صبغة الإصلاح إلا في بعض الحالات و الواقع أن دورها في إعادة تأهيلهم يجب أن يكون أكثر فأكثر.
وبعد أن تم الوقوف عند الإطار التشريعي والمؤسساتي للتأهيل فماذا عن واقع المؤسسات، وما هي معوقات التأهيل وسبل تجاوزها ومعالجتها، وهو ما سنعالجه في المبحث الثاني.

المبحث الثاني: تأهيل السجناء الواقع والإكراهات وسبل معالجتها


مع ظهور العقوبات السالبة للحرية أفرزت إشكاليات عند البدء في تنفذيها تمثلت في مدى ملائمة تطبيقها ، ومدى جدواها في إصلاح الجاني وتأهيله، ومع ظهور السجون كمؤسسات عقابية تنفذ بها العقوبات السالبة للحرية فقد مرت وظيفة السجن بمراحل متعددة تبعا لتطور وظيفة العقوبة، إلى أن استقر في الفكر العقابي أن السجون ينبغي أن تكون مؤسسات عقابية تهدف إلى الإصلاح والتأهيل وإعادة إدماج السجناء في المجتمع بعد الإفراج عنهم، الأمر الذي يحتم أن تكون هذه المؤسسات مهنية لاستقبال المحكوم عليهم وتأهيلهم عبر مجموع من الأنشطة الإصلاحية (المطلب الأول) وتهيئتهم لمواجهة الحياة العادية خارج السجن، لكن أثبت الواقع العملي وجود مجموعة من الإكراهات تعيق العملية (المطلب الثاني) ولمواجهة هذه المعيقات والمشاكل سارعت مجموعة من الدول إلى إيجاد حلول من اجل إنجاحها لإعادة إدماجهم داخل المجتمع.

المطلب الأول: البرامج الإصلاحية في السجون


لقد استقى في الفكر العقابي الحديث انه لكي تؤدي المؤسسات السجنية دورها الإصلاحي والتأهيل ، في إطار البعد المزدوج للعقوبة (ردع وتأهيل) فلابد من أن يكون لديها برامج وسياسيات هادفة مبنية على تلبية متطلبات النزيل النفسية والأخلاقية والدينية والمهنية والتي تكتسي أهمية بالغة في تعديل سلوك السجين وتؤهله للخروج والاندماج في المجتمع بعد انقضاء مدة العقوبة وسنتطرق لأهمية البرامج الإصلاحية في الفقرة الأولى على أن نتناول بعض أنواع البرامج الإصلاح والتهذيب في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: أهمية البرامج الإصلاحية في تجسيد فلسفة الإصلاح وإعادة الادماج

إن الدور الإصلاحي والتربوي التي تنهجه المؤسسات السجنية، يهدف بالأساس إلى إعادة الثقة في نفوس المدانين (السجناء)، لتوجيههم في أعمال مهنية، وتعليمية حسب مستوياتهم الدراسية قصد تكوينهم وإعطاءهم فرصا جديدة في الاستفادة من مختلف الميادين طيلة قضاء العقوبة[10].
وهذا لا يتأتى إلا بخلق اوراش مهنية، ومراكز تعليمية تربوية، وتوفير مجال التنشيط الفني، الثقافي الرياضي، لنجعل من العنصر المنحرف بعد إصلاحه، شخصا لائقا في المجتمع، حتى لا يعود إلى الصراع من جديد بعد الإفراج فالوقاية خير من العلاج كما يقال.
ولقد أصبحت نظرة المجتمع للسجناء السلبية أو الحبس أصبحت متجاوزة ولا اعتبار لهذا المفهوم في تقييد الحرية أمام حداثته المؤسسات السجنية، ومرتكز الإصلاح، وإعطاء البديل لها، بل أصبح بالإمكان الرؤية إلى السجناء أو المعتقلين، أو المدانين أو النزلاء كأفراد منحرفين أو جانحين يجب إصلاحهم، وتأهيلهم بأي وسيلة لكي يعودوا إلى المجتمع.
وحيث أن الغاية هي حماية المجتمع من الانحراف، والجريمة ومكافحتها بأي طرق رادعة، فإنه يتعين القيام بمجموعة من المجهودات المتواصلة في هذا المجال بمساعدة فعاليات المجتمع المدني لمحاربة هذا الداء (الجريمة)، وكيفما كان الأمر فإن على عاتق المؤسسات السجنية والمراكز الإصلاحية مسؤوليات كبيرة لمكافحة الجريمة بشتى الوسائل الإصلاحية، والتربوية و التأهيلية إلى غيرها من الوسائل التي ستحقق نوعا من الإصلاح وتساعد المنحرف على إعادة إدماجه داخل المجتمع.
فالسجون هي عبارة عن وحدات لإعادة تربية وتأهيل كل المخالفين والخراجين عن القانون، بهدف الحفاظ على التماسك الاجتماعي وكل ما من شانه المساس بالحقوق الفردية والجماعية للأفراد والجماعات وكذا مؤسسات الدولة، إن ماهية إحداث المؤسسات السجنية تقترن بصفة مباشرة بإعادة تأهيل وتسهيل الاندماج وسط المجتمع بعد انقضاء العقوبة الحبسية[11].

الفقرة الثانية: التأهيل المادي والمعنوي للسجناء

إن عملية الإصلاح في المفهوم السجني تتبلور فيما مدى تقويم السجين وتأهيله أي جعله قادرا، مسؤولا متمكنا من نفسه لمواجهة الحياة العادية بكل ثقة، كي يسهل إدماجه في وسطه الاجتماعي والأسري، وتجنب وقوع المجرم في الانحراف والإجرام مرة أخرى منذ خروجه من المؤسسة السجنية، والعمل على تأهيله بشكل يساعد على إدماجه داخل المجتمع بسهولة عبر مجموعة من البرامج والوسائل الإصلاحية على جميع المستويات.
فمن جملة البرامج والمساعدات الاجتماعية الموجودة رهن إشارة السجناء بدون تمييز سواء في مجال التربية والتأهيل أو مجال المساعدة الاجتماعية حيث تندرج هذه البرامج المقدمة في شكلها التربوي والأخلاقي والاجتماعي والإعلامي بكل انتظام وانضباط واهتمام بالغ وشفافية مطلقة منفتحة أمام الوافدين من النزلاء والمراقبين والمهتمين بحقوق الإنسان لكي يضطلع الجميع على المؤسسات السجنية والإصلاحية من مسؤوليات عظمى اتجاه الإنسان.

1-      التأهيل المادي للسجين:

إن أهم ما يمكن التركيز عليه في مجال التربية والتأهيل المقدمة للنزلاء وهم داخل أسوار السجن هو مساعدتهم على التعلم والتكوين في مختلف المهن وكذا الإفصاح عن ملكاتهم بالتعبير والإبداع، وذلك من أجل الخروج من ظلمات السجن والروتين اليومي في السجن، حيث كان السجناء في العصور القديمة  يتظاهرون بالحياة ويقضون معظم أوقاتهم في نبش الذكريات لاستدعاء لقطات سابقة يتماهى معها السجين ويتلذذ بإعادة تصورها كما قال  نيتشه "نحن لا نتحرر إلا من خلال التذكر"[12]، فاللجوء إلى أحلام اليقظة من أجل نسج صور من المتعة تقذف بالسجين في خارج الأسوار السجن، وهناك من السجناء من كانوا ينشغلون بالحكايات والطرائف لملئ أوقاتهم، لكن في الوقت الحالي استحدثت التشريعات مجموعة من البرامج في مجال التربية والتأهيل كتعليم السجناء والسهر على إعداد برامج في التكوين المهني، وكذا الوعظ والإرشاد الديني ودروس محو الأمية وكذا التنشيط الفني والثقافي والرياضي.

أ‌- التأهيل التربوي:
· التعليم:
إن الإقبال على التعليم في جميع مراحله داخل المؤسسة السجنية أمر ضروري ومفيد فعملية التعلم والتهذيب داخل السجون كانت لها جذور قديمة منذ عهد سيدنا يوسف عليه السلام حيث كان بعض السجناء يعلمهم الحكام الشرعية مصداقا لقوله تعالى: «يا صاحبي السجن أأرباب متفوقون خير أم الله الواحد القهار»[1] وفي هذا الصدد عملت مديرية السجون وإعادة الإدماج على فتح أقسام تعليمية في جميع المؤسسات السجنية والإصلاحية تتوفر على الإمكانيات اللازمة من مقاعد وأدوات دراسية ومقررات طبقا لمناهج التعليم المعمول بها خارج السجن من طرف وزارة التربية الوطنية وكذا التعليم العالي على جميع المستويات.
حيث يقوم بمهمة التدريس معلمين وأساتذة أو موظفين مؤهلين لهذه المهمة، لقد أصبح للتعليم داخل المؤسسات السجنية في الأنظمة العقابية الحرية دورا أساسين لا يقل بحال من الأحوال عن دوره في المجتمع الحر فهو وسيلة لمحو الأمية والجهل وهما عاملان إجراميان دون شك، وبالتالي فهو وسيلة لاستئصال عوامل الجريمة وإزالة أسباب  العودة إلى الإجرام في المستقبل كما أن التعليم يساهم في تأهيل السجناء، فالمتعلم المفرج عنه يستطيع أن يحصل على فرصة للكسب الشريف، وهو كذلك وسيلة لتنمية الإمكانيات الذهنية والفكرية للنزيل مما يؤدي إلى تغيير أسلوب تفكيره وطريقة حكمه على الأشياء مما يؤدي إلى الانتقال إلى فئة ذوي التفكير المتنكر للإجراء والسلوك المنحرف[2]،وقد اعترفت غالبية التشريعات بأهمية تعليم المسجونين وجعله جزءا من خطتها العقابية الهادفة إلى التأهيل، وقد أكد على ذلك البند رقم (77) من قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء بقوله تتخذ إجراءات لمواصلة تعليم جميع السجناء القادرين على الاستفادة منه بما في ذلك التعليم الديني بالبلدان التي يمكن فيها ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدول الأوربية كالنرويج وفرنسا وإيطاليا تستخدم التعليم الالكتروني لمساعدة السجناء للتغلب على بعض العقبات في عملية التعليم على اعتبار أن التعليم من شأنه الحد من النشاط الإجرامي، كما تمت الإشارة إليه إلى جانب عملية تعليم السجناء، هناك برنامج آخر لا يقل أهمية هو محو الأمية، حيث أخذت كل المؤسسات السجنية والإصلاحية على عاتقها فرض مفهوم إجبارية محو الأمية أمام النزلاء نظرا للظروف المعيشة التي كانوا عليها، وحرمتهم كل وسائل فرص التعليم، ويتم تنسيق برامج محو الأمية مع وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والتشغيل والتكوين المهني حيث في آخر مرحلة تعليمية يتم تسليم للمستفيدين شهادات تثبت نجاحهم في اجتياز مرحلة الأمية[3].

· الوعظ والإرشاد الديني:

تحظى العناية بالتوجيه الديني داخل المؤسسات السجنية بقبول ونصيب أوفر لآثار الدين في نفوس النزلاء من مزايا حميدة فطرية وعميقة نظرا لما يتضمنه الدين من قواعد أخلاقية وإنسانية، والحث على السلوك المستقيم.
حيث تلقت الدروس في الوعظ والإرشاد من طرف الفقهاء والعلماء المرشدين التابعين لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية كما يستفيد النساء المعتقلات من دروس التربية الدينية التي يشرف عليها مربيات ومرشدات والغاية هو بعث الروح الأمل والتربية الحسنة ورد الثقة في النفوس الجانحة والرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية.

ب  التأهيل في مجال التكوين المهني:
يعتبر التكوين المهني من أساليب الإصلاح والإدماج، ويتمثل ذلك في تدريب النزيل على ممارسة إحدى المهن يستطيع بواسطتها استئناف حياته بعد خروجه من السجن ومن بين أهم هذه الأعمال التي تقوم بها المؤسسات السجنية لصالح المدانين السجناء تلقيهم وتكوينهم في مجموعة من الاختصاصات ... كالنجارة – الزخرفة، الحدادة، الكهرباء، الترصيص، وكذا تعليم الطرز والزرابي وحياكة الصوف بالنسبة للسجينات من النساء، وبالنظر لأهمية التكوين المهني وعلى غرار باقي الدول فقد أولى المشرع المغربي أهمية كبيرة لهذا الموضع، وذلك في المواد 10 و11 من قانون المنظم السجون 23.98[4] ويسهر على تكوين المعتقلين في مختلف الحرف أساتذة تابعين لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، وأطر من وزارة الفلاحة ومندوبية الشؤون الاجتماعية والصناعة التقليدية أو من طرف موظفين مؤهلين لذلك، ويتم تسليم الشواهد المهنية للناجحين معترفا بها وموقعة من طرف مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل (المواد 122 و123 من المرسوم تطبيقي)، وفي تجربة فردية من نوعها في مجال التكوين المهني داخل السجون قامت مؤسسة جيسون الإصلاحية التي تبعد ب 42 كيلومتر عن العاصمة الأمريكية واشنطن التي تأسست منذ سنة 1879، حيث قام وفد دولي من الصحافيين بزيارة لهذه المؤسسة  تعاقد للإطلاع على تجربة إصلاح وتأهيل 1800 من نزلاء السجن، ووقفوا على مجموعة من الإنجازات والمشاريع التي تتوفر عليها هذه المؤسسة الإصلاحية من بينها مصنع الأثاث ومصنع للملابس التي تغطي كافة احتياجات النزلاء وأفراد الأمن كذلك ويحصل النزلاء على حوالي ثلاث دولارات في الساعة كأجر رمزي من إدارة السجن في حين نجد السجين المغربي يحصل على أقل من 10 دراهم في اليوم من العمل داخل السجن، كما أن هناك مشروع لإنتاج اللوحات المعدنية للسيارات كم تجب الإشارة إلى أن هذه المؤسسة وصلت عائداتها إلى حوالي 60 مليون دولار سنويا[5].

ج  الرعاية الصحية للسجناء:
لتحقيق تأهيل هادف لابد من توفير رعاية صحية للسجناء نظرا لاعتباره من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها السجينة من الناحيتين الجسدية والعقلية، حيث نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 12) "من حق كل فرد التمتع بأعلى مستوى يمكن بلوغه من الصحة البدنية والعقلية" فغالبا ما يصل السجناء إلى السجن وهم يعانون من مشاكل صحية لديهم مسبقا التي قد تكون ناجحة عن حياة السجين قبل دخوله السجن ففي كثير من البلدان يصاب السجناء بنسب كبيرة من أمراض معدية (السل، التهاب الكبد ..) وتتحمل إدارة السجن جزء من مسؤولية في ذلك.
فالتأهيل إذن يشمل مجموعة من المجالات ومن أهمها توفير رعاية صحية وبنية صحية سليمة من اجل تشجيعه على تنفيذ برامج التأهيل الأخرى.
فالمؤسسات السجنية بالمغرب تتوفر على أطباء قارون حيث يصل عددهم حسب إحصائيات لسنة 2014 ما يقارب 151 طبيب قار، و35 طبيب متعاقد معهم، أما أخصائيون علم النفس فيصل عددهم إلى 38 أما الممرضون المجازون فقد بلغ عددهم 33 عنصرا في كل سجون المملكة.
هذا ما يبين مدى سعي إدارة السجون إلى توفير رعاية صحية جيدة رغم مجموعة من الأزمات التي تتجلى غالبا في الاختصاص في قلة الأطر البشرية. ويتمركز عدد الكبير من الأطباء في السجون الكبيرة سجن عين السبع بالبيضاء الذي يتوفر على أطباء قارون في حين يصل عدد الأطباء المتعاقد معهم في سجن سلا إلى 5 أطباء في تخصصات مختلفة إلا أن هناك 8 سجون أخرى لا تتوفر على طبيب سواء قارا أو متعاقد معه كسجن الحسيمة وصفرو وسجن علي مومن.[6]

1-  التأهيل المعنوي:
يعتمد التأهيل المعنوي إلى جانب التأهيل المادي إلى إصلاح السجين لإعادة إدماجه داخل المجتمع وذلك بتوفير مجموعة من البرامج سواء في المجال الاجتماعي كتوفير أخصائيين اجتماعيين يستمعون إلى مشاكل السجناء لمعالجتها والوقوف على مكامن الخلل في مجال التأطير والتأهيل، وهده البرامج تهدف إلى الدعم التأهيل النفسي للمسجونين نظرا لما يشكل فضاء السجن من تأثير على نفسيته وخاصة إذا لم يكن من أصحاب السوابق، فما هي البرامج التي تسعى إلى تأهيل السجين نفسيا واجتماعيا.

2- التأهيل النفسي للمسجونين:
يتجلى بعض مظاهر تأهيل السجين نفسيا في تطبيق المؤسسات السجنية لبعض برامج التنشيط الثقافي، وتسهيل الولوج إلى ما من اجل التثقيف الذاتي، من اجل رفع المعنوية السجناء وإحياء الأبعاد الروحية، وكذا ربط إمكانية ربط السجين صلاة العالم الخارجي من اجل تقليص الفوارق التي يمكن أن تكون بين حياة السجين والحياة الحرة من اجل تحسبهم واحترام كل منهم للبشرية.

أ-التنشيط الثقافي والرياضي:
تقدم المؤسسات السجنية في هذا المجال مجموعة من البرامج والتي تسعى إلى الترفيه عن نفسية السجين ومحاولة تفادي ضغوط السجن وما يخلفه تواصله من المجرمين داخل السجن من وقع على نفسيته، وتتجلى هذه البرامج في خلق عدد من الأوراش في الرسم والموسيقى والمسرح لفائدة السجناء يتعاون مع بعض الفعاليات المهتمة ويتم تنظيم معارض وطنية حول منتوجاتهم الفنية تتيح إمكانية ملامسة مخزونهم الإبداعي والفني[7].
كما يمارس السجناء تمارين رياضية يومية أو يشاركون في بعض التظاهرات الوطنية في بعض الرياضة ككرة القدم وكرة السلة وفي هذا الإطار شهدت سنة 2004 تنظيم دوري لكرة القدم عرف مشاركة سجناء من مختلف المؤسسات السجنية.

ب‌- تواصل السجناء مع العالم الخارجي:
يستفيد السجناء من الزيارة المباشرة دون فاصل مع الزائرين والدي يهدف إلى التواصل الفعال والمباشر مع الوسط العائلي ومع أشخاص آخرين كلما كانت الزيارة معنية لإصلاحهم.
وتسعى إدارة المؤسسات السجنية الى تمكين السجناء من المنتوجات الغذائية التي يتوصلون بها خلال الزيارة المباشرة من عائلاتهم، كما تمنح لهم إمكانية اقتناء ما يحتاجونه من مواد مسموح بها وبأثمنة السوق من المحلات التي أحدثت خصيصا لهذا الغرض من طرف الجمعيات التابعة للمؤسسات السجنية وفي خطوة جريئة بادرت الوزارة إلى تمكين المعتقل المتزوج الذي يتميز بحسن السلوك من الاستفادة من الخلوة الشرعية بعد إدلائه بالوثائق المطلوبة وذلك في إطار إعادة الإدماج وتعزيز سبل الحفاظ على الروابط العائلية.
كما يمكن للسجين في إطار تكريس التواصل مع العالم الخارجي في المساهمة بإبداعاته في مجلة إدماج التي تصدرها مديرية السجون، ويتلقى عن ذلك رسالة تشجيع ومبلغا ماليا بهدف تحفيزه وفي نفس الإطار تقوم الوزارة بنهج سياسة الاندماج تجاه فعاليات المجتمع المدني ودلك بانخراطها في دعم المجهودات المبذولة وتقديم الدعم التربوي كما تقوم الهيئات القضائية متعددة  السجون للمساهمة في إصلاح وتحديث وضعية المؤسسات السجنية وتجسيد معالم أوضح للتغيير نحو الأفضل.

ج- الرخص الاستثنائية للخروج:
يتم الترخيص للسجناء الذين قضوا نصف العقوبة والمتميزين بحسن السلوك، بمغادرة السجن لمدة لا تتعدى 10 أيام بمناسبة للأعياد الوطنية والدينية على أن تخصم من مدة العقوبة، كما يسمح لهم بزيارة الأقارب المرضى وحضور مراسيم الدفن، وقد استفاد من هذه الرخص عدد من السجناء خلال السنوات الخمس الأخيرة ولم يسجل أية حالة قرار حيث أن جميع المستفيدين رجعوا بتلقائية إلى المؤسسات السجنية بعد استيفاء الرخص.

4 التأهيل الاجتماعي والرعاية اللاحقة:
عادة ما يواجه المفرج عنهم عند خروجهم من المؤسسة العقابية ما يسمى (بأزمة الإفراج) التي تنشا عن الاختلاط بين ظروف الحياة التي اعتاد عليها داخل المؤسسة العقابية وبين الحياة خارجها حيث يصادف حرية قد ينحرف في استعمالها ومسؤولية قد يعجز عن تحملها ومطالب مادية قد يفشل في توفيرها، وفي هذا الإطار بادرت الوزارة في إطار شراكة مع مؤسسة محمد السادس لإعادة الإدماج السجناء إلى إحداث وحدة للرعاية  اللاحقة في انتظار إحداث وحدات مماثلة بمناطق أخرى واتخذ مع لها مركز الإصلاح والتهذيب بالدار البيضاء، وتسعى هذه الوحدة إلى رسم الخطط الكفيلة بمساعدة السجناء المفرج عنهم وخاصة الأحداث منهم بتعاون مع الفعاليات المهتمة بالوسط السجني، و إلى تقديم مقترحات علمية لتكوين العمل التربوية الذي يكفل تأهيل وإدماج السجناء.

5-تأهيل الأحداث:
تجدر الإشارة إلى انه بالنسبة لأحداث لم يغفل المشرع تخصيصهم بمؤسسات تراعي وضعيتهم وهي المؤسسات الإصلاحية الهادفة بالأساس إلى إصلاح الحدث وإعادة تأهيله كما أنها في حالة إيداعه بمؤسسة سجنية فقد خص المشرع الأحداث بأجندة خاصة بالأحداث بمعزل عن الرشداء حماية لهم.
تولي المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أهمية بالغة للسجين عامة والأحداث خاصة وبكيفية إدماجهم و يتخذ هذا الاهتمام عدة أشكال وهي:
- الاعتناء بالوضعية الداخلية للمؤسسات السجنية، اعتبارا لكون هذه المؤسسات السجنية لإيواء السجين،    ويتخذ الاعتناء بشكلين:
§ الاعتناء بالبنيات التحتية للمؤسسات وذلك بتوفير العدد الكافي للمؤسسات السجنية.
§       الاعتناء بالمواد البشرية للمؤسسات والذي يتم في شكل تزويد المؤسسات السجنية.
بالعدد الكافي من الأطر والموظفين خاصة المساعدين الاجتماعيين والذي يشكل تواجدهم عملية أساسية فنجاح عملية التأهيل وإعادة الادماج أهمية كبيرة للسجين نفسه وذلك من خلال الاستفادة من برامج التعليم والتكوين ومحو الأمية وعلى نظافته وتغذيته وصحته[8]، فضلا على الحرص على حق تشغيل السجناء .

· التأهيل:
يرتبط تأهيل الحدث الجانح بالأطر المتوفرة بالمؤسسة فتأهيل الحدث يقتضي أن تكون الأطر الساهرة على الحدث مؤهلة وذات كفاءة ولهم تخصص في عدة ميادين لمساعدة الحدث على تخطي الصعوبات النفسية التي خلفتها في الجريمة في نفسيته،وعلى المستوى العملي فتأهيل الحدث لا يحقق النتيجة المطلوبة لاعتبار ان الأطر قليلة جدا مقارنة مع نزلاء المؤسسات السجنية، ثم كما أن هناك عدم تخصص الأطر بتخصصات علم النفس.
· تأهيل أطر المؤسسات السجنية (تأهيل المسجون أم السجناء):
لابد أن يخضع موظفي المؤسسات السجنية بتكوين إداري يتعلم بموجبه مجموعة من المعارف والمهارات تخول له الاضطلاع بوظيفته وإنجاز المهام الموكولة له وخصوصا في مجال التأهيل السجناء.
وبعد الوقوف عند برامج التأهيل المسطرة في القانون أعلاه ومرسومه التطبيقي فماذا عن معوقات التأهيل وسبل المعالجة، هذا ما سنعالجه في الطلب الموالي.

المطلب الثاني: المعوقات وسبل المعالجة

سنعالج في هذا المطلب معوقات  في فقرة أولى على أن نعالج سبل المعالجة في فقرة ثانية.

الفقرة الأولى: المعوقات  

ثمة معوقات مادية وأخرى قانونية تحول دون تأهيل أمثل لنزلاء المؤسسات السجنية، وعليه سنقف عند المعوقات المادية وقبل ذلك سنقف عند المعوقات القانونية.

أولا: المعوقات القانونية لإعادة تأهيل السجناء


على الرغم من التطور الذي عرفته العقوبة في وظائفها والأهداف المتوخاة منها ، و التي تسعى إلى إعادة التأهيل وإصلاح السلوك غير السوي عن طريق مختلف دورات تدريبية للسجناء المعدة لهذا الغرض، فإن العديد من العراقيل لا زالت تعترض عملية إعادة التأهيل، فإلى جانب المعوقات المادية والواقعية نجد التشريع نفسه يساهم في هذه العرقلة بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويعتبر السجل العدلي في مقدمتها، حيث تسجل فيه جميع الأحكام الصادرة في حق المتهم سواء كانت أحكام بعقوبة سالبة للحرية أو موقوفة التنفيذ وذلك لضبط السوابق الجنائية لهذه الفئة والتي تأخذها السلطة القضائية بعين الاعتبار لمعاملتهم فيما بعد إذا وصلوا إلى يد العدالة مجددا.
وابتدع المشرع نظام السجل العدلي من أجل القيام بوظيفة دقيقة ومحددة الأهداف والمرامي، فالسجل العدلي يعتبر من جهة أداة أساسية وفعالة بالنسبة للسلطة القضائية التي تلجأ إليه في كل مراحل الدعوى الجنائية، ومن جهة ثانية هو أداة في خدمة كل المصالح العمومية للدولة والمقاولات وحتى بالنسبة للأفراد على اختلاف فئاتهم، لهذا حرص المشرع على تنظيم مؤسسة السجل العدلي بطريقة تتلاءم والوظيفة التي أرادها له، وقد حرص في كل ذلك على أن تكون له مهمة واضحة المعالم والمقاصد عن طريق الأحكام التي خص بها مختلف البطائق التي يتكون منها وطرق تحريرها وترتيبها ومسكها والإطلاع عليها.
ولكن مؤسسة السجل العدلي وعلى الرغم من تلك الأحكام التي تحدد إطارها القانوني، فإنها جاءت مشوبة بالعديد من النقائص والعيوب التي جعلتها غير قادرة على القيام بمهامها بالصورة المرجوة منها بالإضافة إلى التدهور والتخلف الذي بدأت تعاني منه بسبب قصورها في الاستجابة لكل الأدوار المنتظرة منها، وكذلك الدور الاقصائي الذي تمارسه كالحرمان من بعض الحقوق الأساسية[9]
وأمام الانتقادات التي وجهت إلى السجل العدلي باعتباره أداة لإفشاء السوابق الجنائية للأفراد، حاولت معظم التشريعات التقليل من حدة هذه الانتقادات بالاعتراف للمحكوم عليه فقط بحق الإطلاع على سوابقه الجنائية والحصول على نسخ من سجله العدلي دون غيره، لكن هذا الإجراء لم يحقق الهدف المتوخى منه، حيث تعطى الإمكانية للأفراد للحصول على نسخة من البطاقة رقم 3 من سجله العدلي ليستعملها كوثيقة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، هذه البطاقة تتضمن بيانات بالأحكام الصادرة بعقوبات سالبة للحرية عن إحدى محاكم المملكة من أجل جناية أو جنحة، خاصة وأن الشخص لا يدلي بنسخة من سجله بمحض اختياره وإنما يكون مضطرا لذلك، فهذه البطاقة نسخة النص الكامل للبطائق رقم 1 والتي تقوم بوظيفة العلانية السلبية، ما دامت تفضح أمره لدى جميع الدوائر الرسمية، وبطريقة لا تترك أية فرصة للتأكد من محتواها أو ما إذا كانت هناك أخطاء في مضمونها قد تؤثر على مصالحه دون أن يعلم بذلك.
فالحاجة ملحة لتجاوز هذه الثغرة القانونية التي تشكل عائقا أمام إعادة التأهيل وهو ما نلامسه من خلال كثرة الانتقادات الموجهة إلى السجل العدلي أمام التغييرات التي لحقت أغلب المؤسسات التي تنتمي إلى النظام الجنائي بصفة عامة تحت تأثير تيارات حقوق الإنسان وما نتج عنها من إعلانات دولية وجهوية أثرت بشكل كبير على السياسة الجنائية التي تنهجها العديد من الدول التي جعلت السجل العدلي يطرح كثيرا من العراقيل الخطيرة.
إن السجل العدلي يساهم في عملية تهميش المحكوم عليه ليتحول بذلك إلى أداة فعالة لمطاردته والتربص به الشيء الذي يجعله أداة لعرقلة جهود ومساعي إعادة التأهيل عن طريق إفشاء السوابق الجنائية، ويعتبر الوصم الذي يتعرض له الشخص من أبرز مظاهر التهميش وتتحقق عملية الوصم عند ما يرتكب الشخص جريمة ما فيتخذ موقف ضده من طرف مكونات المجتمع كالوسط العائلي أو الوسط المهني أو الشرطة أو السلطة القضائية كل حسب آلية محددة.
فإذا كان السجل العدلي لا يمثل أدنى خطورة ولا أية صعوبة نحو إعادة التأهيل بالنسبة لفئة معينة من المحكوم عليهم الشرسين الذين لا يرجى صلاح حالتهم، فإنه لا يجب الاعتقاد بأن نفس الحالة تنطبق على غيرهم من المحكوم عليهم خاصة فئة المجرمين المبتدئين أو فئة الأحداث الذين يكونون أوفر حظا للاستفادة من برامج إعادة التأهيل وأكثر استعدادا للاندماج الاجتماعي، لأن جنوحهم يكون نتيجة ظروف طارئة وخارجة عن إرادتهم، لكن الإمكانية المخولة بتسجيل الأحكام الصادرة في حقهم بالعقوبة السالبة للحرية من شأنها أن تعرقل مختلف الجهود التي بذلتها المؤسسات السجينة لإعادة التأهيل، خاصة أمام محدودية أو بالأحرى انعدام الرعاية اللاحقة في التشريع المغربي التي تعتبر آلية لتكملة برامج إعادة التأهيل بعد الخروج من المؤسسة.
وهذا يعتبر نتيجة طبيعية لتزايد الاهتمام بحق جديد يعتبر من صميم حقوق الإنسان، وهو الحق في النسيان وذلك خدمة للمحكوم عليه الراغب في استعادة مكانته الاجتماعية عما كانت قبل تورطه في الإجرام.

ثانيا: المعوقات المادية لإعادة التأهيل

إن عملية إعادة التأهيل والإصلاح في السجون تتطلب إمكانيات ومهارات خاصة وعناصر فنية مدربة ومؤهلة وهو ما لا تتوفر عليه العديد من المؤسسات لأنها لا تمثل بالنسبة لها متطلبات ضرورية فهي تعد في عداد المفقود حاليا،  ومن الأسباب التي تجعل مؤسساتنا بمختلف أشكالها غير قادرة على أداء وظيفتها حتى ولو توفرت لدى المشرفين عليها قناعات في هذا الشأن هو إمكانياتها الحالية من مرافق ومبان ومعدات، إذ تعجز عن تطبيق فكرة تصنيف السجناء والتي تعتبر من أساسيات قانون تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، هذا بالإضافة إلى العجز الظاهر في العناصر ذوي الكفاءات والمتخصصين في علوم الاجتماع والطب النفسي والخدمة الاجتماعية الذين بإمكانهم تأهيل السجناء، ومن هذا المنطلق سنتناول العراقيل المادية والبشرية التي تحول دون قيام المؤسسة السجنية بوظائفها.

1 - قلة الإمكانيات المادية والبشرية
إن المؤسسة السجنية لم تستطع القيام بمهمتها الأساسية التي وجدت من أجلها آلا وهي العمل على الحد والوقاية من الجريمة وتحقيق الاندماج الاجتماعي للنزلاء، فبرزت أفكار جديدة أكثر واقعية من تلك الأفكار المتفائلة السائدة في بداية الخمسينات والستينات والتي كانت ترى في النظام الجديد للمؤسسات السجنية آنذاك على أنه الحل الأمثل والذي كان يهدف أساسا إلى الإصلاح والتدريب على الوقاية والحد من الجريمة وإدماج الأفراد الخارجين من المؤسسات الإصلاحية في المجتمع، لقد أصبحت النظرة الحالية للسجون تنطلق من قناعة أساسية مفادها أن السجون لم تعد ذات فاعلية في تقويم المنحرفين، بل إن البعض أصبح يطلق على السجون أنها أماكن لتفريخ السلوك الخارج عن القانون بدلا من أن تكون مؤسسات اجتماعية لإعادة التأهيل، وهناك نظريات أكثر سوداوية للسجون ترى أنها نوع من الشر لأنها أصبحت أماكن لتعليم الشر لكل من يدخلها إذ يلتقي النزيل مع مجرمين سابقين يلقنونه دروسا جديدة في الإجرام ويعلمونه أحدث أساليب ووسائل الجريمة ومن ثم يتخرج من السجن وهو يفكر في ارتكاب الجريمة الثانية مع ترسب الكراهية والعداوة للمجتمع.
ونتيجة لذلك يرى بعض الباحثين أن السجن كعقوبة لم يؤت ثماره وأنه مهما قدم من برامج وأنشطة فإن تأثيره على النزلاء يبقى قليلا ومحدودا وغير مجدي في إصلاحهم وإعادتهم أسوياء للمجتمع، لأن وظيفة السجن لا تعدو أن تكون وسيلة للترهيب، في حين تراهن طائفة أخرى على مواكبة المؤسسات السجنية لصيرورة التطور الذي تشهده المجتمعات.
إن المؤسسة السجنية تواجه العديد من العقبات المادية تحول دون تحقيق العقوبة السالبة للحرية لهدف التأهيل سواء بالنسبة لإنشاء مباني السجن على أسس حديثة تتناسب مع الدور الإصلاحي أو إيجاد الإدارة العقابية السليمة التي تعتمد على الفنيين والأخصائيين المزودين بالتقنيات اللازمة لإجراء عمليات الفحص والتصنيف والمتابعة، أو بالنسبة التأهيل النفسي للمسجونين ورعايتهم صحيا واجتماعيا وتعليميا، فهذه كلها بلا شك عقبات قائمة الآن في معظم دول العالم في وجه إمكانية تحقيق العقوبة لهدف التأهيل ولا تملك السيطرة عليها وتذليلها بقدر الإمكان إلا قلة من الدول الغنية التي تتيح إمكانياتها المادية والبشرية والحضارية أن تتغلب على هذه العقبات، هذا في الوقت الذي تقف معظم الدول النامية عاجزة أمام هذه العقبات لا تستطيع السيطرة عليها ولا تذليلها، لأن إنشاء المؤسسات السجنية، بمختلف أنواعها وخاصة المخصصة للأحداث، وإدارتها وحراستها يكلف الدولة أموالا طائلة، هذا إذا كانت لتقييد حرية المحكوم عليه ومنع هروبهم فقط أما إذا أريد إضافة الإصلاح والتأهيل بإعادة الاندماج الاجتماعي كمواطنين صالحين فإن ذلك يكلف الدولة أموالا قد تعجز عنها الكثير من الدول أمام تزايد المودعين بالمؤسسات السجنية، وهو ما يدفعنا إلى القول بأن هذه الأخيرة بأوضاعها الحالية إذا استطاعت أن تحتفظ للمجرم المودع لديها بمستواه الصحي والنفسي والخلقي والاجتماعي عند المستوى الذي دخله دون أن تفسد حياة السجن كل عناصر الاستقامة التي من الممكن الاحتفاظ بها رغم السلوك الجانح، فإنها تكون قد أدت مهمة تفوق بكثير كل الإمكانيات المتاحة لها، ومن بين المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها للقول بأن السجن فشل في أداء دوره الإصلاحي، أساليب المعاملة العقابية والعمليات التي تستهدف تأهيل النزيل والتأثير على سلوكه كالتهذيب الديني والأخلاقي والتعليم والتدريب... وغيرها لا تؤدي دورها في إصلاح وتأهيل النزيل وتعديل سلوكه، بل إنها على العكس من ذلك بسبب انضباطها لخلفية أمنية قوامها القمع والممارسات المشينة فإنها تصبح أداة لتكريس الانحراف، وبالطبع فالعوامل التي تقف وراء هذا التحول الوظيفي تظل كثيرة ومتنوعة وصعبة الحصر بدقة متناهية، فهناك من جهة ضعف الكفاءة الإدارية وعدم إلمام الإدارة والعاملين بالسجون بدورهم في تأهيل السجناء[10].
إن المؤسسة السجنية تشتمل على أطراف عدة شأن سائر المؤسسات الاجتماعية الأخرى، وتسود هذه الأطراف علاقات وتفاعلات فيما بينها وغالبا ما تكون نتائج هذه العلاقات متعارضة وضد الهدف الأساسي الذي يريده المجتمع من إقامة النزلاء في المؤسسات الإصلاحية.
ونتيجة لهذا الوضع يطرأ بالضرورة تدهور، أو تعطيل، للبرامج التأهيلية والإصلاحية المعدة للنزلاء، لأن البعض منهم والتي تأصلت فيه النوازع الإجرامية يستغلون هذا الوضع لفرض سيطرتهم على النزلاء الآخرين ويمارسون ضغوطا عليهم لكي يشاركوهم ثقافتهم ويفرضون إرادتهم على المذنبين المبتدئين، وهكذا يتبدد الاقتناع لديهم بضرورة الإصلاح والتأهيل والتهذيب، نظرا إلى اختلاف وتضارب المصالح –عن فهم أو سوء فهم- بين هذه الفئات وهو ما يؤدي إلى فقدان السجن لوظيفته الإصلاحية التأهيلية، وهذا ما سيفضي بالنزلاء إلى بناء علاقات فيما بينهم تسودها نشاطات هامشية منحرفة.
إن مختلف المؤسسات السجنية تشكو من عوائق عديدة تحول دون القيام بمهامها على أحسن ما يرام في مجال إعادة التربية والتهذيب وضمان سير عادي لدراستهم أو عملهم المهني، ومن أبرزها إلى جانب ما قيل سلفا هزالة الاعتمادات المالية المرصودة من قبل الجهات المعنية، فالميزانية المخصصة غير كافية بكل المقاييس وهو ما يفسر أن الدولة تصرف على السجين الواحد أربعة دراهم في اليوم فقط [11]، وهو ما ينعكس على المستوى الصحي والغذائي لنزلاء المؤسسات السجنية إذ ينحدر معظمهم من أسر فقيرة ومعدمة وذات مستويات تعليم محدودة فالوضع السوسيو اقتصادي للأحداث يتعين تخطيه داخل المؤسسة وليس تكريسه[12].
لكن قراءة واقع المؤسسات السجنية لن تكتمل لدينا دون أن نسلط الضوء على أهم ظاهرة تعيشها مختلف المؤسسات وهي الاكتظاظ التي تزيد غياب مؤسسات خاصة بالأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة من استفحالها وعدم فعالية مبدأ التصنيف.

2 -  تفشي ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسة السجنية
يعد الاكتظاظ من أكبر مشاكل مؤسسة السجون بالمغرب وهو المسؤول إلى حد كبير عن تنامي وتفشي العديد من الظواهر والسلوكات الإنحرافية داخل هذه المؤسسات الإصلاحية.
ومن الآثار السلبية الناجمة عن التكدس في المؤسسات السجنية فشل عملية التصنيف حيث تتطلب هذه الأخيرة توفير إمكانيات منها مكان فسيح لإقامة النزلاء في مجموعات متجانسة اجتماعيا واقتصاديا وتعليميا ومنفصلة عن المجموعات الأخرى وتحدد  دورات تدريبية للسجناء تأهيلية  تناسب وظروفها.
إن اكتظاظ السجون يؤدي إلى زيادة معاناة النزيل نتيجة إقامته في غرفة أو زنزانة بها أعداد أكثر من طاقتها الاستيعابية وتزداد المعاناة أكثر لدى من يعاني من مشاكل نفسية نتيجة لدخوله السجن مثل الاكتئاب والإنطواء الاجتماعي والعزلة، ومن الممكن أن ينجم عن هذا الوضع بصفة عامة أو داخل العنابر بشكل خاص إشكاليات كثيرة مثل الشغب والعنف تزيد من تأجج وتفاقم المشاكل الأمنية والصحية أمام انتشار الأمراض لصعوبة عزل النزلاء المصابين عن الأصحاء لضيق المكان من جانب ومن جانب آخر للقصور في الخدمات الصحية لأن الضغط عليها لا يساعد على اكتشاف النزلاء المصابين في الوقت المناسب [13].
إذن في ظل هذه الأوضاع الموسومة بالاكتظاظ والعنف وسوء التغذية وضعف الرعاية الصحية لابد أن تتنامى العديد من الظواهر والسلوكات الإنحرافية من أبرزها ظاهرة الشذوذ الجنسي التي تعد من أكثر الظواهر انتشارا وشيوعا في الفضاء السجني، وتعتبر فئة الأحداث وذوي البنيات الضعيفة الشريحة الأكثر عرضة للانتهاكات الجنسية خصوصا مع اختلاط السجناء على مستوى الفئات العمرية إذ نلامس فرقا كبيرا بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، وقد كشفت العديد من التقارير الصادرة عن بعض الهيئات غير الحكومية [14] المعنية بنزلاء المؤسسات السجنية الوضع الكارثي الذي تعرفه هذه المؤسسات إذ ترزح تحت ظاهرة الرشوة، حتى غدت إحدى الثوابت فيها، وبالتالي أصبحت تقوض أسس كل مشروع لإصلاح هذه المؤسسات بالإضافة إلى الابتزاز والمحسوبية التي تفرز مظاهر التفاوت بين النزلاء، وهي ظواهر طبيعية أمام الاكتظاظ الذي تعرفه.
إن الوضع الذي تعيشه المؤسسة السجنية من أوضاع مادية وبشرية بالإضافة إلى العبء الذي تتحمله نتيجة الاختلالات التي يعرفها جهاز العدالة كانت له آثار سلبية يعتبر إعادة إنتاج الإجرام وارتفاع معدل الجريمة أبرز تجلياتها.
وبعد أن وقفنا عند المعوقات القانونية والمادية التي تحول دون تأهيل السجناء وإعادة إدماجهم فإننا سنقف في النقطة الموالية عند سبل المعالجة التي يمكن معها تجاوز هذه المعوقات.

الفقرة الثانية: سبل معالجة معيقات التأهيل

إن تأهيل السجين يتطلب العمل ضمن مقاربة إدارية وقانونية وحقوقية يصبح معها السجن فضاء و مرفقا اجتماعيا يلعب دوره الحقيقي وليس السطحي، وهو الدور الذي يتوخى بعث الثقة في نفس السجين وجعل المؤسسة السجنية مدرسة للقطيعة مع الجريمة وإنتاج حالات العود، مدرسة بعيدة عن كل مظاهر الممارسة الأمنية والزجرية، التي دعمتها سياسية التفويض المطلق لحرية المواطنين لجهاز النيابة العامة تعتقل دون حكمة ولا تدبر وتفوض مصير السجناء لفائدة مدراء وموظفي المؤسسات السجنية التي تتعاطى  مع قوانين السجون بكل استخفاف حتى صدق القول بأن السجون مناطق حرة ومحررة.
ويتطلب بالضرورة تعاون وحوار دائمو شفاف، ومن هنا اعتبرت ضرورة إتباع الدولة سياسة الشراكة الواسعة المبنية على الثقة لتدبير المؤسسات السجنية ما بين الإدارة الوصية والمنظمات الحقوقية والهيئات المنتخبة، وتفعيل حقيقي للقانون الوطني والقواعد النموذجية في هذا الصدد، والوقوف ضد المتضرعين بالهاجس الأمني أو المناهضين لنشر ثقافة حقوق الإنسان لتكون معيارا موضوعيا وحقيقيا للتغلب على معضلات السجون الراسخة في التاريخ، ولترسيخ حكامة إدارية إنسانية بداخلها. ليس هناك شك أن قانون 98/23، الصادر بظهير 25 غشت 1999، قد حقق تفوقا على مستوى المرجعيات والمضامين والبنية التنظيمية، على نصوص قديمة ومنها قانوني 1930 و 1942، التي شكلت سنوات سوداء في حياة قطاع السجون في عهد الإستعمار، وسنوات الإستقلال إلى آخر القرن الماضي، وليس هناك شك أن النظام الجديد للسجون قد صحح و أجاب من الناحية الإجمالية والأدبية عن ملاحظات وانتقادات واحتجاجات منظمات المجتمع المدني، وعن تقارير منظمات دولية ، وعن انتقادات الحقوقيين، وتبقى الآليات التشريعية والإصلاح المؤسساتي إلى جانب إشراك فعاليات المجتمع المدني محاور أساسية للتأهيل.

أولا: تفريد الجزاء الجنائي

إن التفريد التنفيذي بمختلف صوره وتنوعه ووسائله , أصبح ضرورة لا غنى لأي نظام عقابي عنها لاسيما في ظل فلسفة العقاب الحديث التي بدأ تميل بالعقاب باتجاه وظيفتي الإصلاح والتأهيل وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا بأعمال الملائمة بين ظروف الجاني وجريمته من جهة،وبين الجزاء الجنائي من جهة أخرى، فما هي أساليب وأنظمة التفريد التنفيذي؟

أ- أساليب التفريد التنفيذي للعقوبات السالبة للحرية
· الفحص أو التشخيص
هو نوع من الدراسة الفنية التي يقوم بها أخصائيون من مجالات مختلفة لإجراء الدراسة على المحكوم عليه لتحديد شخصيته وبيان العوامل الإجرامية التي تدفعه إلى ارتكاب الجريمة, حتى يمكن تأهيله, ويعتبر الفحص خطوة تمهيدية لتصنيف المحكوم عليهم, ولذلك وجب أن يحدد الفحص درجة خطورة المحكوم عليه في المجتمع, ثم مدى استعداده للتجاوب مع الأساليب العقابية المختلفة وجوهره عمل فني يفترض تضافر جهود فريق من المختصين في علوم الطب وعلم النفس والاجتماع, وهو ما يفترض بعد ذلك تأهيل النتائج التي أثمرتها أعمالهم وإعدادها في صورة صالحة لتكون أساسا للتصنيف وللفحص أنواع.
الفحص السابق للحكم وهو ما يسمى بالفحص القانوني الذي يهدف أساسا إلى تحديد نوع ومقدار التدابير الجنائية اللازمة للمتهم الفحص اللاحق على صدور الحكم بالجزاء الجنائي وهو الذي يمهد السبيل إلى تصنيف المحكوم عليه, لتقرير المعاملة العقابية الملائمة لكل طائفة , حتى يحقق الجزاء غرضه التاهيلي الفحص التجريبي هو الذي يجري بعد دخول المحكوم عليه المؤسسات العقابية, ويقوم به القائمون على المؤسسة ومدى تجاوبه معهم, والعلاقة بينه وبين زملائه ويعين ذلك في تحديد طريق معاملته، ويجب أن ينصب البحث على الجوانب المختلفة لشخصية المحكوم عليه وبصفة خاصة يكون موضوعا للفحص هو الجانب العضوي البيولوجي والجانب العقلي والجانب النفسي وكذلك يمتد إلى دراسة حياة المحكوم عليه الاجتماعية وهذا ما جاء في المؤتمر الدولي العربي للدفاع الاجتماعي سنة  1973 في المادة 6 أن يكون أساس التنفيذ العقابي الفحص الدقيق الشامل لشخصية المحكوم عليه من الجوانب البيولوجية والعقلية والنفسية والاجتماعية.

· التصنيف
التصنيف العلمي للمحكوم عليهم يختلف طبقا للمدلول الأمريكي والأوربي.

المدلول الأمريكي:
إن التصنيف في المعنى العقابي هو المقام الأول أسلوب يحقق التنسيق بين التشخيص والتوجيه والمعاملة في كل حالة على حدى في صورة فعالة، وهو يكاد يشمل كل نظم التنفيذ العقابي.

المدلول الأوربي:
يقسم هذا المدلول المحكوم عليهم الى فئات مختلفة في المؤسسات المتخصصة بالاستناد الى السن, الجنس , الخطورة الإجرامية …وغيرها.
وبعدها يتم تقسيمهم إلى مجموعات مختلفة داخل كل مؤسسة،وقد ذهب رأي من الفقه العقابي إلى تعريف التصنيف بأنه “وضع المحكوم عليه في المؤسسة العقابية الملائمة لمقتضيات تأهيله, وإخضاعه في داخلها للمعاملة مع هذه المقتضيات”، بينما عرفه المؤتمر الجنائي الدولي الثاني عشر الذي انعقد في لاهاي سنة 1950 ''التصنيف عبارة عن عملية تقسيم المحكوم عليهم إلى فئات معينة وفقا للسن, الجنس, العود,والحالة العقلية والاجتماعية وتوزيعهم وفقا لذلك على مختلف المؤسسات العقابية حيث تتم تقسيمات أخرى فرعية.
وهناك نظم للتصنيف يمكن حصرها في ثلاثة أنظمة وذلك على النحو التالي:

نظام مكاتب التصنيف:
أجهزة التصنيف التابعة للمؤسسات العقابية تتبع أجهزة التصنيف وفقا لهذا النظام ,المؤسسات العقابية فيوجد في كل مؤسسة عقابية جهاز ملحق بها, يضم عددا من المختصين بإجراء الفحوص المختلفة , يقومون بفحص المحكوم عليهم الذين يرسلون إلى المؤسسة وفقا لأسس محددة قانونا , ثم يقومون معا بعملية التصنيف لكل محكوم عليه وفقا للنتائج التي أسفر عنها فحص الشخصية – برامج المعاملة الملائمة لحالته.
النظام التكاملي يقوم هذا النظام على أساس الجمع بين الأخصائيين والفنيين والإداريين في هيئة أو مجلس ملحق بالمؤسسة العقابية, فبينما يعكف الأخصائيون على تشخيص حالات المحكوم عليهم, يقوم الإداريون بوضع برامج المعاملة العقابية لكل حالة على نحو يتلاءم مع إمكانية المؤسسة المادية والفعلية.

نظام مركز الاستقبال:
يفترض هذا النظام وجود جهاز مركزي يمتد اختصاصه إلى كل أقاليم الدولة , حيث تجري دراسة كاملة لكل محكوم عليه على حدا , وفي ضوء ذلك يتم توجيهه إلى المؤسسة العقابية الملائمة لحالته مع بيان أسلوب المعاملة العقابية الذي ينبغي اتباعه في مواجهته, وهذا النظام يحقق أهداف المعاملة العقابية في معانيها و وذلك انه يستقبل جميع المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية ثم يتولى فحصهم وتوزيعهم على المؤسسات وفق معايير موحدة يضعها المركز, مما يحقق قدرا كبيرا من المساواة بينهم.
وقد أخد المشرع المغربي في تصنيف السجناء بهذه المعايير والتي تتماشى والمعايير الدولية فقد نص المشرع المغربي في القانون 23.98 تختلف المعايير المعتمدة في تصنيف وتوزيع السجناء بين أصناف المؤسسات السجنية المختلفة , وداخل كل صنف على حدى، وقد اعتمد في معايير التمييز على معيار نوع الجريمة ينقسم السجناء وفقه إلى مجرمون عائدون، مجرمون محترفون أو مبتدئون، مجرمي القتل والاغتصاب،مرتكبي النصب والاحتيال والسرقة وترويج المخدرات، ومعتقلي ضد امن الدولة....

· معيار السن:
 ويتوزع بموجبه السجناء إلى فئة الأحداث وشباب، الراشدون، والمسنون.

• معيار العقوبة:
 إذ يسمح بالتمييز بين المدانون بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة، والمدانون بعقوبات سالبة للحرية طويلة المدة، ثم المحكومون بالإعدام.

• معيار طبيعة الوضع الجنائي:
ويختلف بحسب هذا المعيار نزلاء السجون ما بين المعتقلون الإحتياطيون، المدانون بمقتضى أحكام قضائية , ثم المكرهون بدنيا.

• معيار الحالة الصحية:
 أسوياء، مرضى.

• معيار السوابق الإجرامية:
 مجرمين عائدين، ومجرمين عاديين.
وقد جاء في المادة 10 من هذا القانون يعين مدير إدارة السجون وإعادة الإدماج أعضاء لجنة التصنيف التي تقوم بتصنيف وتوجيه وتوزيع المدانين على المؤسسات السجنية.
المادة 22 تقوم لجنة التصنيف بتوزيع المدانين على المؤسسات اعتمادا على المعلومات المتوفرة لديها والمضمنة في الملف الجنائي للمعتقل.
وقد نصت اتفاقية حقوق الطفل في المادة 37 يعامل الطفل المحروم من حريته بطريقة تراعي احتياجات الاشخاص الذين بلغوا سنه, وان يفصل الطفل المحروم من حريته عن البالغين ما لم يعتبر ان مصلحة الطفل تقتضي خلاف ذلك.
كما جاء في توصيات الحلقة الاولى لمكافحة الجريمة سنة 1961 المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
المادة 39 تدعوا الى إنشاء جهاز تصنيفي كامل تكون مهمته التفريد التنفيذي للعقوبة عن طريق دراسة وتشخيص حالات نزلاء السجون وإنشاء مجلس الإشراف على عمليات التصنيف والتنفيذ يضم عناصر قضائية وفنية وادارية تحت اشراف سلطة قضائية.
وأكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 10 على ما يلي ضرورة احترام الحق في وضعية سجنية مناسبة وفق معايير تصنيفية , فاقر فصل المتهمين عن المدانين وجوب توفير معاملة للمسجونين الهدف منها الاصلاح والتأهيل الاجتماعي وليس مجرد انظمة لتنفيذ الجزاء الجنائي.
وأيضا تم التنصيص في القواعد النموذجية لمعاملة السجناء في المادة 8 على ما يلي يسجن الرجال والنساء بقدر الامكان في مؤسسات مختلفة يفصل المحبوسون احتياطيا عن المسجونين المحكوم عليهم. يفصل المحبوسون لأسباب مدنية, بما في ذلك عن المسجونين بسبب الجزائية ويفصل الاحداث عن البالغين.

ب- أنظمة التفريد
· الإفراج الشرطي:
الإفراج الشرطي هو وسيلة استعملتها النظم العقابية للحد من الإبقاء على المحكوم عليهم مدة في السجن لفترات طويلة قد تعيق عملية التأهيل، والتي هي الهدف من إدخال السجين إلى المؤسسات السجنية، وبمقتضى هذا النظام يتم إخلاء سبيل المحكوم عليه قبل انتهاء المدة المحكوم بها متى تبين أن سلوكه تحسن وأنه أصبح مؤهلا للاندماج في المجتمع.
وقد عرفه البعض بأنه إطلاق صراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية قبل انقضاء كل مدة عقوبته إطلاقا مقيدا بشروط تتمثل في التزامات تفرض عليه وتقيد من حريته، وتتمثل كذلك في تعليق للحرية على الوفاء بهذه الالتزامات.
 ويرجع الأصل في ابتداع مؤسسة الإفراج الشرطي أو المقيد بشروط إلى الفرنسي بونفاي دو مرسنجاي
( BOUNNEVILLE DE MARSANGY) الذي كان قاضيا. وقد صدر أول قانون منظم للإفراج الشرطي في فرنسا في 14 غشت 1885، أما في المغرب فقد أدخلت هذه المؤسسة بمقتضى ظهير فاتح يوليوز 1932 قبل أن تصبح منظمة في مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية[15].
وقد اختلفت الآراء في تكييف الإفراج الشرطي، ففي الوقت الذي اعتبره البعض عملا قضائيا لأنه ينطوي على مساس بالقوة التنفيذية للحكم ويدخل تعديلا عليه من حيث تحديد مدة معينة للعقوبة، ذهب البعض الآخر - وهو الطرح الذي نتماشى معه – إلى اعتباره عملا إداريا، لأنه في حقيقته تعديل للمعاملة العقابية كي تتلاءم مع التطور الذي طرأ على شخصية المحكوم عليه.
ولا يعتبر الإفراج الشرطي إنهاء لتنفيذ العقوبة ولا وقفا لتنفيذها أو سبب لانقضائها، وإنما هو تعديل لأسلوب تنفيذها [16]، وبالتالي فالعقوبة لا تنقضي إلا بانتهاء المدة المحددة لها في الحكم. كما أنه يمكن إلغاء الإفراج الشرطي في أية لحظة إذا أخل المحكوم عليه بشروط الإفراج. كما أنه ليس من حق المحكوم عليه أن يطالب به أن شرطه متوفرة فيه، ذلك أنه يعتبر مكافأة من الإدارة للمحكوم عليه على حسن سلوكه وإعداده للحياة الحرة بالمجتمع.

لاستفادة المحكوم عليه من نظام الإفراج المقيد بشروط يتعين توفر شروط تتمتل في:
أن تظهر على سلوك المحكوم عليه علامات توحي بأن سلوكه قد استقام، وهو ما نصت عليه المادة 622 من ق.م.ج " ... الذين برهنوا بما فيه الكفاية على تحسن سلوكهم" ألا يكون الإفراج على المحكوم عليه فيه خطر على النظام العام، أن يقضي المحكوم عليه مدة معينة من العقوبة السالبة للحرية داخل السجن،أن يوفي المحكوم عليه بالتزاماته المالية.
وبعد توفر الشروط المذكورة أعلاه يتعين سلوك مسطرة معينة تبتدأ بإعداد لائحة اقتراحات الإفراج المقيد بشروط إما تلقائيا أو بناء على طلب المعني بالأمر أو عائلته أو بناء على تعليمات وزير العدل أو مدير مؤسسة السجون أو بمبادرة من قاضي تطبيق العقوبة، ويتعين دراسة وضعية كل معتقل يمكن أن يقترح للاستفادة من الإفراج المقيد بشروط، ويوجه رئيس المؤسسة السجنية هذه الاقتراحات بعد تضمينها رأيه المعلل إلى مدير مؤسسة السجون وإعادة الإدماج الذي يتممها ويعرضها على لجنة الإفراج المقيد بشروط. ويمنح قرار الإفراج المقيد بشروط من طرف وزير العدل بناء على رأي اللجنة المذكورة.
ويطرح هذا الموضوع إشكالية هامة تتمثل فيما إذا كان الإفراج الشرطي يتطلب رضا المحكوم عليه أم لا ؟
لقد اختلف الفقه في الإجابة عن هذا التساؤل بين من يقول بضرورة توفر رضا المحكوم عليه، وبين من لا يشترط رضاه.

الاتجاه الأول:
لا يشترط رضا المحكوم عليه،حيث أن رضا المحكوم عليه لا يعد شرطا للإفراج عنه، وبالتالي يجوز للجهة المختصة بالإفراج أن تقرره، ولو كان المحكوم عليه رافضا له مفضلا البقاء داخل المؤسسة العقابية، حيث انه في جوهره أسلوب عقابي ابتغى من وراءه المشرع تمهيد السبيل أمام المحكوم عليهم ليندمجوا تدريجيا في الوسط الحر، وبالتالي فان تطبيقه لا يتوقف على إرادة المحكوم علية قبولا أو رفضا، منها التشريع المصري، والتشريع الليبي، والتشريع السوري، والتشريع العراقي.

الاتجاه الثاني:
اشتراط رضا المحكوم عليه، حيث أن تطبيق الإفراج الشرطي يعتبر تطبيقا لنوع من المعاملة العقابية التي تهدف إلى تأهيل المحكوم عليه؛ ومساعدته على التكيف مع المجتمع، وإذا كان تطبيق هذه المعاملة امراً إلزاميا بالنسبة للمحكوم عليه، إلا أن عدم رضائه يضعف الأمل في إمكان جدوى تطبيق هذا النوع من المعاملة عليه تحقيقا لتأهيله، ولذلك اشترطت بعض التشريعات تحقق رضا المحكوم عليه كشرط للإفراج الشرطي منها: التشريع الفرنسي، والتشريع الألماني.

· العفو
هو ذلك العفو الذي يمنحه رئيس الدولة أو الملك لشخص معين بذاته، وبذلك يتميز عن العفو الشامل الذي يستفيذ منه نوع معين من المحكوم عليهم أو المقترفين لصنف معين من الجرائم[17].
ويعرف العفو كذلك بأنه انهاء الالتزام بتنفيذ العقوبة كليا أو جزئيا لمصلحة شخص حكم عليه نهائيا بتنفيذها[18]. وقد عرفه المشرع المغربي في الفصل 53 من مجموعة القانون الجنائي على أن: " العفو حق من حقوق الملك، ويباشر وفق الترتيبات التي تضمنها ظهير 6 فبراير 1958 بخصوص العفو".
العفو الخاص باعتباره سببا من أسباب انقضاء العقوبة أو إنقاصها أو إبدالها، فقد أخدت به جل التشريعات، فهو إذن مؤسسة لا غنى عنها وذو أهمية كبيرة لأنه يحقق مزايا متعددة منه أنه وسيلة فعالة لتجاوز أخطاء القضاء بعد أن تكون قد سدت أمام المحكوم عليه جميع طرق الطعن.
وفي الخير تجدر الإشارة إلى أنه يجب على المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية أن يسلك سلوكا حسنا حتى يستفيذ من مؤسسة العفو.

ثانيا التخفيف التلقائي للعقوبة

يعتبر التخفيف التلقائي للعقوبة من أهم المستجدات التي تتضمنها مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية خص له المشرع الباب الرابع مكرر المواد من (632-1Ü 631-7) وهو نظام يتيح إمكانية استفاذة المحكوم عليه من أبان عن حسن سلوكه من تخفيض تلقائي للعقوبة السالبة للحرية، ولا يستفيذ من هذا التخفيض التلقائي من اتخذ في حقه قرار تأديبي وفقا للمقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالسجون، وينفذ قرار التخفيض من طرف لجنة تتكون من مدير السجن ورئيس المعقل والمشرف الاجتماعي ورئيس مكتب الضبط القضائي وطبيب المؤسسة.
ويمكن لكل سجين طبقا لمقتضيات المادة 631-3 من ق.م.ج لم يستفد من التخفيف التلقائي رفع تظلمه إلى لجنة مراقبة تطبيق التخفيف التلقائي للعقوبة المنصوص عليه في المادة 632-4.
وقد اشترط المشرع حتى يستفي المحكوم عليه من التخفيف التلقائي للعقوبة أن يتعلق الأمر بمحكوم عليه بحكم حائز لقوة الشيء المقضي به، وأن يكون المحكوم عليه قد قضى على الأقل ربع العقوبة السالبة للحرية المحكوم عليه بها، وأن يبرهن السجناء عن حسن سلوكهم.

· البارول 
كلمة بارولParole تعبير عن اختصار لكلمة Parole d'Honneur  أي كلمة شرف واستخدامها في هذا المعنى يتفق مع تحديد معنى نظام البارول؛ إذ هو في جوهره نوع من الإفراج عن المحكوم عليه الذي تعهد أو يعطي كلمة شرف بان يلتزم سلوكا معينا، ويخضع لإشراف معين تحقيقا لأغراض عقابية، وهذا الاصطلاح نفسه يستعمل في تشريعات الدول الأنجلو-أمريكية التي يرتبط بها هذا النظام، في حين أن الإفراج الشرطي يستخدم بالنظم القانونية اللاتينية .
البارول هو أسلوب عقابي حديث مقتضاه: الإفراج عن المحكوم عليه بعد قضائه جزءًا من العقوبة إذا ما تبين حسن سلوكه، وتعهد بأن يلتزم في مسلكه سلوكا غير مخالف للقانون، قابلاً الخضوع للإشراف الإجتماعي؛ ملتزماً بكافة ما يفرض عليه من شروط الوسط الح، ويتضح مما سبق أن البارول يقوم على ذات العناصر التي يقوم عليها الإفراج الشرطي في صورته الحديثة، حيث يقوم على فكرة تعديل المعاملة العقابية، بحيث يفرج عنه فيمنح حريته بعد أن يقدم تعهداً بالتزام حسن السلوك بالخضوع لالتزامات معينة تفرض عليه، ونظام البارول لا يغير مركز المحكوم عليه القانوني كسجين، وكل ما يطرأ على وضعه من تغير هو أنه يقضي بقية عقوبة خارج أسوار السجن.

ولتطبيق نظام البارول يجب أن تتحقق شروطه وهي :
1. شرط المدة:
مقتضى هذا الشرط وجوب أن يكون المحكوم علية قد أمضى مدة معينة من العقوبة المحكوم بها عليه في المؤسسة العقابية حتى يتسنى للإدارة العقابية خلالها مراقبة سلوكه؛ والتحقق من أساليب المعاملة العقابية في الوسط المغلق قد حققت أهدافها في مواجهته وأهمية هذه المدة تتضح من وجهتين الأولى: أن هذه المدة ضرورية لإمكان ملاحظة سلوك المحكوم عليه؛ ومدى جدارته بتطبيق هذا النظام، والثانية: أن أساليب التأهيل لا تحدث أثرها إلا إذا طبقت خلال فترة معينة.

2. حسن سلوك المحكوم عليه: 
مفادها أن المحكوم عليه قد صار معداً للحياة في المجتمع، وهذا يفترض بلا ريب تحقق أمرين: أحدهما يتعلق بثبوت حسن سيرته إثناء تنفيذ الجزاء السابق من العقوبة، بينما يرتبط الأخر بتوافر احتمالات التأهيل بعد الإفراج وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن الفرق بين الإفراج الشرطي والبارول ينحصر في ذلك الدور الإيجابي الملحوظ الذي يقوم به المشرف الاجتماعي في ظل نظام البارول؛ حيث تتطلب مهمته مراقبة سلوك المفرج عنه، وتقديم يد العون له، وكذلك إعداد تقارير دورية عن حالته مضمنا إياها كافة ملاحظاته بشان الآثار المختلفة المترتبة على الإفراج، الايجابية منها والسلبية، تمكينا للجهات المختصة من اتخاذ القرار الملائم لتطور حالته.

· العقوبة غير محددة المدة
إذا كان القاضي يحدد العقوبة التي تتلاءم مع طبيعة الشخص الإجرامية، إلا أنه لا يعرف المدة الكافية والتي سيستغرقها الإصلاح، لذلك ندى بعض الفقه بنظام العقوبات غير محددة المدة التي تمنح بمقتضاها الصلاحية كاملة للسلطة المكلفة بتنفيذ العقوبة بتحديد مدتها والتي تنتهي بتأهيل النزيل للاندماج داخل المجتمع.
ويرى الفقه المغربي[19] أن رفض هذا النظام يرجع إلى التخوف من تعسف الإدارة في إنهاء هذه العقوبة من عدمه وما يمكن أن ينجم عن هذا من مشاكل جمة[20]. 

الخاتمة

وفي الأخير سنختم موضوعنا بالخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس برسم افتتاح السنة القضائية في 29 يناير 2003 ، الذي دعى فيه جلالته إلى المساواة  في الحقوق بين المواطنين  السجناء و غير السجناء حيث جاء  فيه ما يلي:
" إن ما نوليه من رعاية شاملة للبعد الاجتماعي في مجال العدالة لا يكتمل، إلا بما نوفره من الكرامة الإنسانية للمواطنين السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية."

لائحة المراجع
•   الكتب والمجلات
ذ. لطيفة المهداتي الشرعية في تنفيذ العقوبة السالبة للحرية طبعة 2004.
د.لطيفة المهداتي ،المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد،العدد 44 سنة 2009.
ذ.عبد المجيد مصطفى كاره، السجن كمؤسسة اجتماعية, دراسة عن ظاهرة العود, دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية و التدريب بالرياض 1987.
ذ.فتوح عبد الله  الشادلي، أساسيات علم الإجرام والعقاب .ط رقم 01 سنة 2006 لبنان.
ذ.العلمي عبد الواحد، شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط 4، سنة 2011.
ذ.محمد أزيزبي ، واقع السجون المغربية وأهدافها،بحث ميداني الطبعة 2006.
مجلة رسالة الإدماج، المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج، العدد الثاني لسنة 2005، دار الهدى للطباعة و النشر.
أجراس ثقافية،مجلة فصلية،خاص بآداب السجون سنة 2008.
السجينات وإعادة إدماجهن اجتماعيا،صادر عن الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، فيينا سنة 2007.
الصحة في السجون،دليل منظمة الصحة العالمية لسياسات الصحة في السجون،صادر عن منضمة الصحة العالمية كوبنهاغن سنة 2007.
مجلة القصر عدد 15 شتنبر2006
عبد الرحمان مصلح الشرادي، انحراف الأحداث في التشريع المغربي و القانون المقارن ،مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الأولى لسنة 2002.

• القوانين
قرار للمندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج رقم 1616.13 صادر في 12 ‏من جمادى الآخرة 1434 ‏( 23 ‏أبريل 2013 ‏) بتغيير وتتميم القرار رقم 1618.13 ‏الصادر في 12 من جمادى الآخرة 1434 ‏( 23 أبريل2013 ‏) بتعيين ممثلي الإدارة والموظفين في حظيرة اللجان الإدارية المركزية المتساوية الأعضاء المختصة إزاء موظفي لمندوبية العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج.
الظهير شريف رقم 1.99.200 صادر في13 من جمادى الأولى 1420 (25 أغسطس 1999 بتنفيذ القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
مرسوم رقم 2.00.485 صادر في 6شعبان 1421 (3 نوفمبر 2000) تحدد بموجبه كيفية تطبيق القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسييرا لمؤسسات السجنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.200 بتاريخ 13 من جمادى الأولى 1420 (25 أغسطس 1999).
القواعد النموذجية الدنيا  للأمم المتحدة لمعاملة السجناء.

•  المواقع الإلكترونية:
https://www.hespress.com/politique/20257.html تاريخ زيارة الموقع 15 أبريل 2016 
مقال حول كبفبة تعمل المغرب مع السجناء، موقع الحرة (تاريخ زيارة الموقع 15 أبريل 2016)

[1] - سورة يوسف الآية (...)
[2]- محمود نجيب حسين ص 312 وما بعدها
[3]- مذكرة إلى المؤسسات السجنية رقم 22/93
[4]- قانون 23.98 ج ر عدد4726 - 5  جمادى الاخرة 1420  - 16شتنبر 1999  ص 2283
[5]- في مقال من جريدة الكترونية في أمريكا، السجن إصلاح وتأهيل وعائدات الملايين (مؤسسة جيسون الإصلاحية) 
[6] انظر الملحق في اخر العرض
[7]- معطيات حول مديرية إدارة السجون وإعادة الإدماج سنة 2005
[8]-  (مجلة قانون الأعمال) بتاريخ 15 أبريل 2016 الساعة 13h00
[9]  ذ محمد بن جلون، السجل العدلي وإشكالية حقوق الإنسان أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط 2001-2002 ص 147.
[10] -عبد الله عبد الغني غانم، أثر السجن في سلوك النزيل، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، الرياض 1999، ص:8.
[11] -الحسن يزي، المدير العام للسجون بالمغرب، أنا السجين رقم 1، جريدة الصباح السنة السادسة العدد 1826، 20 من فبراير 2005.
[12] -Philippe combessie, sociologie de la prison, Ed, la découverte, Paris, 2001, p: 33.
[13] -شريف زبفر هلالي، واقع السجون العربية بين التشريعات الداخلية والمواثيق الدولية، دراسة مقارنة، سلسلة البحث القانوني وحقوق الإنسان، مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء 2000. ص33.
[14] -تقرير للمرصد الوطني للسجون: المغرب في المرتبة الخامسة عالميا من حيث عدد السجناء والرشوة والاكتظاظ أخطر الظواهر المتفشية بسجونه، الأربعاء 29 دجنبر 2004. 
[15]: المهداتي لطيفة، الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، الشركة الشرقية،الرباط، ط 2005.
[16] : فتوح عبد الله الشادلي: أساسيات علم الإجرام والعقاب .ط رقم01 سنة 2006 لبنان.
[17]: العلمي عبدالواحد : شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام،مطبعة النجاح الجديدة،الدارالبيضاء، ط 4، سنة 2011،ص 431
[18]: العلمي عبدالواحد: نفس المرجع، ص 341
[19]: المهداتي لطيفة، الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، الشركة الشرقية،الرباط، ط 2005.
[20]: نفس المرجع السابق. 
[1] عبد المجيد مصطفى كاره السجن كمؤسسة اجتماعية , دراسة عن ظاهرة العود , دار النشر بالمركز العربي للدراسات الأمنية و التدريب بالرياض 1987 , ص 79
[2]ذ. لطيفة المهداتي الشرعية في تنفيذ العقوبة السالبة للحرية طبعة 2004 ص 3
[3]- انظر إلى مرجع الأستاذة د. لطيفة المهداتي تحت عنوان الشرعية في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، ص 265
[4]- انظر إلى مرجع  سابق للأستاذة د. لطيفة المهداني، ص 270
[5]- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية/اعتد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2209 ألف (د-21) المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 وتاريخ بدء نفاذه 23 مارس 1976 وفقا لأحاكم المادة 49 منه
[6]- انظر إلى تصدير الدستور المغربي سنة 2011 الصادر بمقتضى ظهير شريف رقم 91.11.1 صادر في 27 شعبان 1432 25 يوليو 2011 بتنفيذ نص الدستور
[7]-  الفصل 23 من الدستور المغربي لسنة 2011
[8]- صدر قرار عن السيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج رقم قرار 465.11 صادر في تاريخ 25 أبريل 2011
[9]- قرار مشترك لوزير العدل ووزير الاقتصاد والمالية رقم 239.00 صادر في (3 فبراير 2000) يحدد بمقتضاه مبلغ المقابل الذي يمنح للمعتقلين الذين يمارسون نشاطا بالمؤسسات السجنية ج عدد 1786 بتاريخ 2000.4.13 ص 600
[10]- واقع السجون المغربية واهدفها الإصلاحية، بحث ميداني، محمد أزيري، ص 54 سنة النشر 2006
[11]-  (منظومة السجون بين التأهيل وإعادة للإدماج)
[12]- عن اجراس ثقافية مجلة فصيلة العدد الأول خاص بآداب السجون سنة 2008 ص 29

مواضيع ذات صلة:

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

شاركنا برأيك