تفريد الجزاء بعض حالات التخفيض والإعفاء نمودجا
تفريد الجزاء بعض حالات التخفيض والإعفاء نمودجا |
مقدمة
تعتبر الجريمة ظاهرة اجتماعية مرتبطة ارتباطا عضويا بالمجتمع ، و قد حاولت المجتمعات منذ العصور القديمة ابتداع أنظمة مختلفة الهدف منها ردع المجرمين أملا في تحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي ، فأحدثت الأنظمة الجنائية من أجل معاقبة كل من يقترف جرما ، وبسبب ما اتسمت به المراحل الأولى لنشأة القانون الجنائي من قسوة في العقوبات واختلاف في وسائل التعذيب استيقظ ضمير بعض المفكرين في ابتداع أساليب تحد من ذلك ،فأحدث مبدأ تفريد العقاب[1] و الذي سعوا من خلاله إلى البحث عن أنجع وسيلة لجعل العقوبة ملائمة لشخصية المجرم الذي لم يعد ينظر إليه كمذنب يجب معاقبته للانتقام منه ، و إنما كمريض اجتماعي يجب تخليصه من مرضه اعادته سليما إلى المجتمع و مستعدا للتعايش فيه[2].
و يرجع الفضل بالأساس في ظهور مبدأ التفريد إلى المدرسة النيوكلاسيكية التي أقرت بوجود أفراد ليسوا أحرارا عندما تصدر منهم بعض الأفعال الجرمية تلقائيا ، و تأثرت معظم التشريعات بتوجهات هذه المدرسة حتى أصبحت الأعذار القانونية سواء المعفية أو المخفضة أو المشددة تمثل أحد القواسم المشركة للتشريعات الجنائية ، و هذا ما يعكس الصورة الأساسية لسلطة القاضي التقديرية في تفريد العقوبة و التي تتمثل في قدرته على التحرك بين الحدين الأدنى و الأقصى للعقوبة ، فقد ينزل بها عن الحد الأدنى بموجب ظروف التخفيف و هي وسيلة لتدريج العقوبة إلى أقل من حدها ، و قد يبدو له تشديدها عند توافر أحد ظروف التشديد كحالة العود[3] مثلا.و سنركز في هذا العرض على عنصر كل من الإعفاء و التخفيف من العقوبة ، نظرا لأهميتهما من الناحية العملية ، و سنقوم بربطهما بحالات التخفيف و الإعفاء من العقوبة في الجرائم الارهابية نظرا لدورهما الفعال في تشجيع المجرمين بالتبليغ عن المخطط الإجرامي و ما يترتب عن ذلك من كشف أحد المجرمين لباقي أعضاء الخلية الإرهابية و كذا بشاعة الجريمة الإرهابية و ما تخلفه من أثار وخيمة على المجتمع ككل . كما تبرز أهمية الموضوع ، من الجانب النظري لكون جل المؤلفات الجنائية تخصص له حيزا هاما من التحليل و المناقشة.
و استنادا لما سبق ، يمكننا أن نتساءل عن حالات الإعفاء و التخفيف المنصوص عليها في القواعد العامة و كذا تلك المنصوص عليها في الفصل 9-218 من قانون 03.03 ؟
للإجابة عن هذه الإشكالية سنعتمد التصميم التالي:
المبحث الاول:الاسباب التي تؤثر في تحديد العقوبة وفق القواعد العامة
المطلب الأول: اسباب الاعفاء من العقوبة
المطلب الثاني:الاسباب التي تؤدي الى تخفيف العقاب
المبحث الثاني:الاسباب المؤثرة في تفريد العقوبة وفق قانون 03.03 و اشكالاته العملية
المطلب الاول:الاعفاء الوجوبي في جرائم الارهاب
المطلب الثاني:حالة تخفيض العقوبة وفق قانون قانون 03.03
المبحث الاول:الاسباب التي تؤثر في تحديد العقوبة وفق القواعد العامة
من بين القواعد المتعلقة بتفريد العقاب و التي نص عليها المشرع المغربي في القانون الجنائي الأعذار القانونية ، و هي حالات محددة على سبيل الحصر يترتب عليها مع تبوث الجريمة و قيام المسؤولية أن يتمتع المجرم إما بعدم العقاب إذا كانت أعذار معفية ، و إما بتخفيض العقوبة إذا كانت أعذار مخفضة .
المطلب الأول: اسباب الاعفاء من العقوبة
تعرض المشرع المغربي لهذه الأسباب في الفصل 143[4] من القانون الجنائي ، فمن خلاله يتأتى جليا أن هذه الأعذار أو الأسباب جاءت على سبيل الحصر ، أي أنه في الأصل للمحكمة السلطة التقديرية في تحديد العقوبة تفريدها بين الحدين الأدنى و الأعلى المقررين في القانون مراعيا خطورة الجريمة و المجرم ، إلا أنه استثناءا يمكن الإعفاء من العقوبة لأسباب تعود إما لشخصية المجرم أو لظروف ارتكاب الجريمة ، مثلا ما أقره المشرع الجنائي في جريمة السرقة في الفصل 534 من ق.ج : "يعفى من العقاب مع التزامه بالتعويضات المدنية ، السارق في الأحوال الاتية إذا كان المال المسروق مملوكا لزوجه أو إذا كان مملوكا لأحد فروعه".و هنا تثار عدة اشكالات لعل أبرزها يتمثل في المعنى الذي أراده المشرع بكلمة "لزوجه " هل تقتصر على الزوج دون الزوجة أم هما معا ، كما أنه كان من الأجدر لو أن المشرع جعل هذا العذر المعفي من العقاب بيد الزوج الأخر في حال أنه لم يبح هذه السرقة أي أن يقوم مثلا هو بالتنازل عن هذه السرقة ، كما هو الشأن بالنسبة لجريمة الخيانة الزوجية.
وعليه فالأعذار المعفية من العقاب محصورة في القانون الجنائي و هذا ما سار عليه المجلس الأعلى في العديد من قراراته[5] .
و مما تجدر الإشارة إليه أن أثر العذر المعفي ينصرف إلى العقوبة دون الجريمة و يترتب عليه أن المسؤولية المدنية للمعفي تبقى قائمة إذا توفرت شروطها كما أن الإعفاء ينصرف إلى الفاعل دون غيره من باقي المساهمين أو الشركاء إن وجدوا ، كما أن الاعفاء من العقاب لا يحول دون تطبيق بعض التدابير الوقائية عملا بالفصل 145 من القانون الجنائي[6] ، كما أن الإعفاء من العقاب من اختصاص محكمة الموضوع أي أن قيام العذر المعفي من العقاب لا يسمح أيضا لسلطات المتابعة أي النيابة العامة بإصدار أمر بعدم بالحفظ طبقا للمادة 38 من قانون المسطرة الجنائية ، لأن قرار الإعفاء معناه ثبوت مؤاخذة المتهم و ادانته ، و هذه السلطات لا يدخل في اختصاصها اصدار مثل هذه القرارات التي تستقل محكمة الموضوع بإصدارها دون غيرها.
المطلب الثاني:الاسباب التي تؤدي الى تخفيف العقاب
الأسباب التي تؤدي إلى العقاب هي على نوعين النوع الأول و يسمى بالأعذار المخففة للعقوبة و النوع الثاني الظروف القضائية المخفضة للعقوبة.
أولا :الاعذار القانونية المخففة
تناول المشرع المغربي الأعذار القانونية المخففة في الكتاب الثالث من القانون الجنائي و التي جاءت على سبيل الحصر[7] في حالات من بينها مثلا:
-حالة قتل الأم لوليدها(الفصل 397 من ق.ج)؛
-حالة ارتكاب الصغير لجناية أو جنحة (الفصل 139 من ق ج)؛
-حالة القتل أو الضرب أو الجرح المرتكب نهارا بقصد دفع تسلق أو كسر سور أو حائط أو مدخل منزل أو بيت مسكون أو أحد ملحقاتهما (الفصل 417 من ق ج)؛
-حالة القتل أو الضرب أو الجرح الذي يرتكبه الزوج ضد زوجته أو شريكها حين ضبطهما متلبسين بجريمة الزنا (418 من ق ج)؛
إلى غير ذلك من الحالات التي تتمتع فيها بعذر مخفف للعقاب , إذ يفرض و يلزم القاضي بعدم تجاهل أثره و تخفيض العقوبة إلى الحد المقرر قانونا [8], كما أنه على المحكمة الاشارة في منطوق حكمها أو قرارها إلى العذر القانوني المستند إليه لتخفيف العقوبة حتى لا يتعرض هذا الحكم أو القرار للنقض . ويدخل هذا في إطار تسبيب الأحكام و القرارات طبقا لما أكدته مواد ق.م.ج ، و تأكيدا لذلك تبقى قاعدة "الجنائي يعقل المدني " سارية المفعول إذ ليس للقضاء الذي يبث في الدعوى المدنية التابعة تجاهل حكم المحكمة الزجرية القاضي بالتخفيف و ينبني اساسها على قاعدة تحمل الطرف الآخر للمسؤولية أيضا مثلا في حالة الاستقرار.
وعلى هذا الأساس فالمحكمة تلزم بالأخذ بالأعذار القانونية المخففة في الحدود التي يعرضها القانون إذ لا تملك المحكمة أية سلطة تقديرية ، إلا أن مسالة ثبوت قيام هذا العذر من عدمه متروك للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع , إلا أن هذا المقتضى يختلف عن الظروف القضائية المخففة رغم التقائهما في بعض الاتجاهات .
ثانيا : الظروف القضائية المخففة
إذا كان المشرع قد حدد عقوبة غالبية الجرائم بحدين أدنى و أعلى , فتتجلى فلسفته في تمكين المحكمة من تقدير العقوبة بحسب ظروف النازلة سواء بتشديد العقوبة أو تخفيضها ، وتخفيف العقوبة يكون إما مقررا قانونا و على سبيل الحصر أو موكولا للسلطة التقديرية للمحكمة ، وهذا الأخير سنده في الفصل 146 من.ق.ج بحيث أن المحكمة تستنبط من النازلة و من ظروف الحال ، كما أنها حرة في منحها من عدمه ، أي أن المحكمة غير مجبرة على منح الظروف القضائية ، و كل ما عليها هو تسبيب سبب منحها[9] .
بل أكثر من ذلك يمكن للقاضي منح الظروف المخففة في واقعة واحدة لأحد المساهمين أو الشركاء دون الاخرين و ذلك لأن آثار الظروف القضائية شخصية و ليست عينية ، و هذا ليس معناه أنها ترجع لظروف شخصية خاصة بالجاني فقط إذ ترجع لظرف شخصية عائد لدرجة إجرام المدان أو خطورة الجريمة[10] .
وفي حالة طلب التمتيع بظروف التخفيف ، وعدم أخذ المحكمة بها فهذه الأخيرة غير ملزمة بتبرير الرفض ، إذ يكفي أن تحكم بعقوبة تنم عن عدم أخذها بظروف التخفيف ، أضف إلى ذلك أن القاضي المدني غير مقيد بما تقرره المحكمة الجنائية ، فيبقى المتهم الذي متعته المحكمة الجنائية بظروف التخفيف عرضة للمساءلة المدنية مساءلة كاملة .
وعموما يمكن التأكيد في هذا الصدد أنه إذا كانت كل من الأعذار القانونية المعفية و الظروف القضائية المخففة ، أسباب تؤثر على العقوبة بوجه عام ، فإلى أي حد أخذ المشرع المغربي بهذه الأسباب في قانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب ؟ و هذا ما سيتم تناوله بالتفصيل و الإلمام في المبحث الثاني .
المبحث الثاني:الاسباب المؤثرة في تفريد العقوبة وفق قانون 03.03 و اشكالاته العملية
إن الأعذار القانونية المعفية من العقوبة أو المخفضة لها ، تمثل أحد القواسم المشتركة لتشريعات مكافحة الإرهاب ، ولعل المبادرة في هذا الشأن تعود إلى التشريع الإيطالي في إطار مكافحة جرائم المافيات ، ثم توالت بعد ذلك بعض التشريعات التي أخذت بهذا الأمر كالقانونين الإسباني والفرنسي اللذين تأثر بهما المشرع المغربي.[11]
وللقاضي الجنائي سلطة تقديرية في تفريد العقاب في نطاق الحد الأدنى والأعلى المنصوص عليهما في القانون الجنائي ، آخذا بعين الاعتبار خطورة الجريمة المرتكبة وأثرها على أمن واستقرار المجتمع وكذا شخصية المجرم.
واستنادا لما سبق ، ينص على أعذار معينة تكون نتيجتها وجوب تخفيض العقوبة أو[12] الإعفاء منها ، والأعذار القانونية حالات محددة على سبيل الحصر ولا يملك القاضي إزاءها سلطة تقديرية ، ويترتب عليها مع ثبوت الجريمة وقيام المسؤولية أن يتمتع المجرم بالإعفاء من العقوبة إذا كان العذر معفيا.
فالمشرع تشجيعا منه للجناة على التراجع عن مخططاتهم الإرهابية أقر في قانون مكافحة الإرهاب 03.03 ، الأعذار القانونية حيث يتمتع المجرم بعذر معف من العقوبة منن جهة ( أولا) وبتخفيض العقوبة من جهة أخرى ( ثانيا).
المطلب الأول : الإعفاء الوجوبي في جرائم الإرهاب
فبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 9-218 من قانون 03.03 يستشف أن المشرع بموجب هذا الفصل خول كل من المساهم أو الفاعل الأصلي أو المشارك ، وطبقا للشروط المنصوص عليها في الفصول من 143 إلى 145[13] والذي يكشف قبل غيره لجهات القضائية أو الأمنية أو الإدارية أ العسكرية عن وجود اتفاق جنائي أو وجود عصابة لأجل ارتكاب جريمة إرهابية إذا قام بذلك قبل محاولة ارتكاب الجريمة التي كانت موضوع أو هدفها وقبل إقامة الدعوى العمومية.
فالعذر المعفي من العقاب يكون ملزما للمحكمة وبالتالي يجب عليها الحكم به لفائدة الفاعل والمساهم أو المشارك وفق الشروط الواردة.
- كشف الجناة عن وجود اتفاق جنائي أو وجود عصابة لأجل ارتكاب جريمة إرهابية؛
- أن يتم هذا الكشف لجهة محددة في السلطات القضائية أو الأمنية أو الإدارية أو العسكرية.
- أن يتم هذا الكشف قبل محاولة ارتكاب الجريمة وقبل إقامة الدعوى العمومية ، أما إذا حصل بعد ذلك ، فسنكون أمام حالة أخرى وهي التخفيض من العقوبة التي ستكون محط تحليل في الفقرة الموالية.
- فالعذر المعفي من العقاب ينصرف إل العقوبة دون الجريمة ، ويترتب على ذلك أن هذا العذر لا يؤثر في قيام المسؤولية المدنية للمعفي ، كما أن هذا الإعفاء لا يشمل التدابير الوقائية الشخصية العينية – ما عدا الإقصاء – التي يبقى لقاضي الحق في الحكم بها على المعفي طبقا لأحكام المادة 145 من القانون الجنائي.
فمسالة وجود هذا العطر المعفي من العقوبة هي مسألة قانون وليست مسالة موضوع وبالتالي تخضع لرقابة المجلس الأعلى ، حيث يمكن اعتمادها من وسائل النقض.[14]
فالمشرع المغربي بموجب الفصل 9-218 من قانون03.03 قد سار على ما هو عليه الأمر في التشريع المصري الذي هو الآخر قد أعفى المبلغ وجوبيا إذا تم الإخبار قبل البدء في التحقيق.[15]
فالإعفاء الذي نص عليه المشرع المغربي لموجب الفصل 9- 218 يطرح بعض الإشكالات العملية ، فبالرجوع إلى هذا الفصل نجده يشترط من أجل الاستفادة من الإعفاء أن يكون التبليغ بمبادرة من الفاعل أو المساهم أو المشارك،مما يطرح معه إشكال متلق بكيفية إقامة الدليل على أن المتهم هو من قام بالتبليغ عن الجريمة قبل غيره ؟ خصوصا وانه قد يحصل التبليغ عهن الجريمة فيوقت واحد من طرف شخصين أو أكثر.
وفي هذه الحالة يطرح تساؤل هل سيستلهم الإعفاء جميعا بذات الدرجة خصوصا أمام سكوت الفصل 9-218 عن ذلك.
ويجيب بعض الفقه عن هذا الإشكال ، انطلاقا من حسن نية كل طرف على حدة الذي يستشف من تفاصيل المعلومات التي يتم التبليغ عنها والتي ينبغي أن تكون واضحة وتساعد جهات البحث على الكشف عن الجريمة ولعل التبليغ المبهم أو الغامض لا يستوجب أي إعفاء ، وهذا يدخل في إطار السلطة التقديرية للمحكمة ، والملاحظ أن الإعفاء من العقوبة لم يشكل إلا نسبة ضئيلة على مستوى الأحكام الصادرة في مجال مكافحة الإرهاب بالنسبة للمغرب ، حين أعفى ثلاثة متهمين من العقاب فقط من بين 357 منهم إلى حدود كتابة هذه الأسطر.[16]
كذلك يطرح تطبيق الفصل 9-218 إشكالية من حيث تناسبه مع الفصول 293 و294 من القانون الجنائي مما يؤدي حتما إلى صعوبة من حيث تطبيقه ، سواء على مستوى الإثبات من حيث إشكالية العامل الزمني بالنسبة للفصل 9-218 والذي يشمل الأعمال التحضيرية.[17]ومسألة اطمئنان المحكمة لأقوال المبلغ طالما أن هدفه مشبوه لصلة بأعراض شخصية على حساب باقي المتهمين المبلغ عنهم.
كما أن المبلغ يشكل عبئا على الجهات المبلغ لها كونه يكون معرضا للانتقام مما يطرح إشكالية ضرورة حمايته مما قد يتعرض له[18]
وأخيرا ، نشير أن قيام العذر المعفي من العقاب لا يسمح لسلطات المتابعة(النيابة العامة ) بإصدار أمر بحفظ القضية استنادا للمادة 40 من ق.م.ج على اعتبار أن هذه السلطات لا يمكنها أن تصدر قرارا بإعفاء المتهم من العقاب ، لأن قرار الإعفاء معناه ثبوت مؤاخذة المتهم وإدانته وهو قرار تختص بإصداره محكمة الموضوع.[19]
المطلب الثاني: حالة تخفيض العقوبة وفق قانون 03.03
تتميز الأعذار المخففة عن ظروف التخفيف بأنها منصوص عليها في القانون بالنسبة لكل جريمة على حدة ، بينما الأخرى متروكة للسلطة التقديرية للقاضي ، ويمكن له منحها في جميع الجرائم ما لم يؤخذ نص صريح يمنعه من ذلك.[20]
والأعذار المخففة في الجريمة الإرهابية واجبة التطبيق وبقوة القانون ، حيث تنص الفقرة الثانية والثالثة من الفصل 9-218 على حالة تخفيض العقوبة إذا ما تم التبليغ عن الأفعال الإرهابية بعد ارتكابها إلى النصف بالنسبة للفاعل الأصلي أو المساهم أو المشارك الذي يقدم نفسه تلقائيا للسلطات القضائية أو الأمنية أو الإدارية أو العسكرية ، وكذا الذي يبلغ على كل المساهمين أو المشاركين في الجريمة. وتبدو الفلسفة التي استند إليها المشرع فيس منح هذا العذر هي تشجيع المجرمين في التبليغ عما يكون قد ارتكبوه ومنحهم مقابل عن ذلك التبليغ.
والتخفيض هنا يكون بناءا على توافر عذر قانوني وبالتالي فهو ملزم لمحكمة بعكس العذر المخفض الذي يخضع لسلطة القاضي يقدره حسب ظروف كل نازلة.
وهكذا ، فحسب المادة 9-218 نفسها فالعقوبة المالية والحبسية وإلى حدود 30 سنة تخفض إلى النصف بالنسبة للفاعل أو المساهم أو المشارك الذي بادر إلى التبليغ عن وقوع الجريمة وتقديم نفسه للسلطات المختصة أو الذي يبلغ عن المساهمين والمشاركين الآخرين ، أما عقوبة الإعدام فتتحول إلى السجن المؤبد في حين تحول المؤبد من 20 سنة إلى 30 سنة.[21]
خاتمة
وأخيرا ، يمكن القول أن ادراج المشرع المغربي لحالات الإعفاء أو التخفيض للعقوبة كما هي محددة في الفصل 218-9 ، لم يكن يهدف من وراء ذلك سوى تشجيع كل من خولت له نفسه بالتبليغ عن أنشطة اجرامية ، و بالتالي مساعدة الأجهزة القضائية و الأمنية في الكشف عن باقي أفراد الشبكة الإجرامية سواء عند محاولة ارتكاب الجريمة أو بعد تنفيذها ، علما أن المشرع بموجب الفصل 218-9 قد رتب اثارا قانونية تختلف بحسب العامل الزمني الذي تم فيه التبليغ .
لائحـــــــة المراجـــع المعتمـــدة
-لطيفة المهداتي "حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء"طبعة 2013
-محمد بنجلون "شرح القانون الجنائي العام و تطبيقاته"طبع و توزيع مكتبة سجلماسة بمكناس السنة غير مذكورة.
-عبد الواحد العلمي "شرح القانو ن الجنائي المغربي القسم العام" طبعة 2007.
-الطاهر عطاف "السياسة الجنائية في مجال مكافحة جرائم الارهاب الطبعة الاولى 2009.
-عبد السلام بوهموش و عبد المجيد الشفيق "الجريمة الارهابية في التشريع المغربي الطبعة الاولى 2004.
-احمد الخمليشي "شرح القانون الجنائي القسم العام "الطبعة الثانية 1989.
قد يهمك أيضا:
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] R.Salleilles يرجع الفضل في إبراز فكرة تفريد العقوبة إلى المدرسة التقليدية الحديثة التي نادت بها ، ولكن بلورتها جاءت على يد الذي ألف كتابا تحث عنوان "تفريد العقوبة" سنة 1898 و للتوسع أكثر راجع محمد بنجلون "شرح القانون الجنائي العام و تطبيقاته" طبع و توزيع مكتبة سجلماسة بمكناس الطبعة غير مذكورة .ص270 و ما بعدها.
[2]. ذ.لطيفة المهداتي : حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء الطبعة 2013 ، ص3
[3] ذ.لطيفة المهداتي : مرجع سابق ص 57-58.
[4]ينص الفصل 143 من ق.ج على ما يلي:"الأعذار القانونية هي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر ، يترتب عليها مع ثبوت الجريمة و قيام المسؤولية أن يتمتع المجرم إما بعدم العقاب ، إذا كانت أعذار معفية ، و إما بتخفيف العقوبة إذا كانت أعذار مخففة".
[5] جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى بتاريخ11/07/1989 أنه :" الأعذار القانونية المعفية واردة في القانون على سبيل الحصر ولا تنطبق إلا على جرائم معينة نص القانون بشأنها على تلك الأعذار ،إن ليس للمحكمة أن تقرر عذرا قانونيا بدون نص قانوني...." مجلة المحاكم المغربية عدد44 ص85.
[6]ينص الفصل 145 من ق.ج:"يترتب على الأعذار المعفية منح المؤاخذ الإعفاء المانع من العقاب ، غير أن القاضي يبقى له الحق في أن يحكم على المعفى بتدابير الوقاية الشخصية أو العينية ما عدا الإقصاء".
[7] انظر الفصل 144 من ق.ج
[8] تعرض المشرع المغربي لهذه الحدود في الفصل 423 من ق.ج
[9] محمد بن جلون : شرح القانون الجنائي العام المغربي و تطبيقاته العملية ، مطبعة سجلماسة مكناس ، السنة غير مذكورة ، ص 145
[10] عبد الواحد العلمي : شرح القانون الجنائي المغربي القسم العام ،طبعة 2007 ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء،ص339.
[11] - انظر في هذا الصدد: الأستاذ الطاهر عطاف: " السياسة الجنائية في مجال مكافحة جرائم الإرهاب " الطبعة الأولى، 2009، مطبعة البيضاوي، الرباط، ص 136.
[13] - أنظر لمطلب الأول أعلاه.
[14] - راجع في هذا الصدد عبد السلام بوهموش وعبد المجيد الشفيق: "الجريمة الإرهابية في التشريع المغربي " الطبعة الأولى 2004. مطبعة الكرامة، الرباط، ص 155.
[15] - الأستاذ الطاهر عطاف: " السياسة الجنائية في مجال مكافحة جرائم الإرهاب"، ص 137.
[16] - للتوسع أكثر انظر الأستاذ الطاهر عطاف: " السياسة الجنائية في مجال مكافحة جرائم الإرهاب"، ص 138.
[17] - الأعمال التحضيرية هي أعمال مرحلة مادية غير ذهنية بسبب أن المجرم لا يصل إليها إلا بعد أن يكون اتخذ قراره بارتكاب الجريمة،فيعند إلى تهيئ الوسائل والسبل التي سينفذ بها مشروعه الإجرامي، للمزيد من التفاصيل راجع العلمي عبد الواحد" شرح القانون الجنائي المغربي-القسم العام"طبعة 2007، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء،ص167وما بعدها.
[18] - للتوسع أكثر راجع بهذا الخصوص الأستاذ الطاهر عطاف : "السياسة الجنائية في مكافحة جرائم الإرهاب"،ص 40 وما بعدها.
[19] - للمزيد من التفاصيل راجع عبد الواحد العلمي "شرح القانون الجنائي المغربي – القسم العام" طبعة 2007 ، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء ، ص167 وما بعدها.
[20] - للمزيد من التفاصيل راجع أحمد الخمليشي " شرح القانون الجنائي – القسم العام"، مطبعة المعارف الجديدة ، الدار البيضاء، الطبعة الثانية1989، ص272 وما بعدها.
[21] - تنص الفقرة الثانية من الفصل 9-218"... إذا تم التبليغ...".
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك