القائمة الرئيسية

الصفحات

نظام الوقف وأحكامه الشرعية والقانونية

نظام الوقف وأحكامه الشرعية والقانونية

نظام الوقف وأحكامه الشرعية والقانونية
نظام الوقف وأحكامه الشرعية والقانونية


مقدمة:

يعتبر موضوع الوقف في الإسلام من الموضوعات التي اهتم بها المسلمون قديما وحديثا, ونالت منهم عناية خاصة واهتماما كبيرا,ذالك أن عمل الوقف أو التحبيس  يدخل في باب الهبات والعطايا التي يهبها المسلم والمسلمة,ويخرجها من ماله الخاص,لينفق ريعها ويصرف عائدها في وجوه البر والإحسان المختلفة.
وهذا العمل الخيري دعا إليه الإسلام ورغب فيه,واعتبره عملا طيبا وواجبا من واجبات التكافل بين المسلمين,والذي عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى." وقوله صلى الله عليه وسلم:"من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له,ومن كان له فضل زاد فليعد به على لازاد له".
وسنة الوقف مأثرة جليلة وحميدة,همت كل الأقطار الإسلامية,وتسابق أبناؤها على مختلف مستوياتهم وشرائحهم الإجتماعية,وبقدر استطاعتهم وإمكانياتهم المادية, يسارعون إلى هذا العمل الإحساني.
ومما لاشك فيه أن هذه الأوقاف قد ساهمت بنقل بعض الدخل والثروة إلى فئات اجتماعية فقيرة,وأسدت لها خدمات جمة,بنفع الأرامل والأيتام,ورعاية الفقراء والمساكين,وإسعاف المرضى والعاجزين,كما ساهمت في إنشاء المساجد والمعاهد والمدارس والجوامع,وفي الإنفاق على مايتعلق بها من أجور القيمين الدينيين عليها,ومنح الطلبة وغير ذالك.
إن نظام الوقف ظل لقرون طويلة,الركيزة الكبرى لحمل عدد من الأعباء والمتطلبات والخدمات الإجتماعية التي تنوء اليوم بحملها الدوائر والقطاعات الحكومية المعنية بها. فقد اضطلع الوقف بأداء الوظائف العلمية والتعليمية والثقافية والتربوية والإغاثية والصحية وغيرها,ومازالت-ولله الحمد-بقاياه ومؤسساته وأملاكه الضخمة شاهدة على ذالك,على الرغم من كل ما تعرضت له من تضييق وتهميش,وأحيانا من سلب ونهب[1].
غير أنه في الواقع الحالي,نلاحظ تراجعا كبيرا للأدوار التنموية التي اضطلع بها الوقف في العصور الماضية خاصة في بلدنا المغرب,رغم أن هناك محاولات حثيثة للنهوض بالأوقاف من أجل أن تلعب الأدوار التموية المعهودة بها, والمساهمة في الإقلاع الإقتصادي والتنموي للأمة الإسلامية,والمساهمة مع الدولة في تحمل الأعباء الإجتماعية كالصحة والتعليم.
بعد هذه التوطئة البسيطة تتضح الإشكالية الرئيسية لهذا العرض,والمتمثلة في التساؤل الأتي: ماهي الأدوار التنموية التي لعبها الوقف عبر التاريخ؟وماهي الإكراهات التي تعوقه اليوم عن القيام بالأدوار التنموية التي طالما اضطلع بها؟وماهي الرهانات الراهنة من خلال التجارب الحالية التي تروم النهوض بهذ القطاع؟.

المبحث الاول: الوقف والأدوار التنموية التي لعبها عبر التاريخ في المغرب والمشرق الإسلامي .


لعل موضوع الوقف في الشريعة الاسلامية. من أكد وأروع صور الإنفاق في سبيل الله تعالى,وهو صورة من صور الصدقة الجارية حين يحبس المسلم مالا أو عقارا أو مصلحة ما على منافع المسلمين.ولذلك فإن كثيرا من مظاهر الحضارة الإسلامية العريقة قامت بسبب الأوقاف,والتي شملت جل المجالات الصحية والتعليمية والزراعية والإقتصادية,وكذا مساعدة الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والمرضى والعجزة والمسنين والمعاقين,فقد تنوع المسلمون في مسالك الوقف حتى تشعبت في مناحي الحياة كلها.
فقد ظل المسلمون في مختلف عهودهم يحرصون على الوقف ويتسابقون إلى تحبيس ممتلكاتهم في سبيل الله,وكذلك كانت الأمة المغربية,في سائر عهودها المتواصلة وعلى مختلف شرائحها الإجتماعية,مبادرة إلى المسارعة في الخيرات والمكرمات, فكان الأمراء والملوك والأعيان وغيرهم يقفون ممتلكاتهم الخاصة من دور وأراضي, ليصرف من محصولها في سبيل الإنفاق على كافة أوجه الإحسان من بناء المساجد والمدارس والتكفل بالمرضى والطلبة والأيتام[2]....

المطلب الأول:الوقف عبر التاريخ في المشرق الإسلامي

لقد لعب الوقف مركزيا في الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية في المجتمعات الإسلامية ,حيث أخذ الأفراد يشاركون الدولة- وأحيانا ينوبون عنها-في القيام بالمهام المختلفة وتقديم الخدمات المجانية,كإنشاء الجوامع والمدارس والجسور والإستراحات وقنوات الشرب والري والمستشفيات والمكتبات ودور رعاية الأيتام[3].
ولذلك سنتعرض للمجالات التي شملها الوقف عبر التاريخ الاسلامي من خلال تقسيمنا هذا المطلب إلى فقرتين,الاولى سنخصصها للنماذج الوقفية المرتبطة بالعبادات ومجال التعليم والثقافة,فيما نخصص الفقرة الثانية للنماذج ذات البعد الاجتماعي والصحي.

الفقرة الأولى:الأوقاف ذات البعد الديني والتعليمي والثقافي

لقد كان أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم,حين حل بالمدينة المنورة هو بناء المسجد النبوي, ومن ثم سار المسلمون على هذه السنة النبوية وأخذوا يتسابقون في بناء المساجد والإنفاق عليها,ولعل التاريخ سيبقى شاهدا على ما أنفقه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك على بناء الجامع الأموي بدمشق.
ومما يذكر التاريخ أيضا كيف أن السلطان نور الدين زنكي[4] قد بنى في بلاد الشام ومصر العديد من المساجد,وأوقف عليها وعلى من يقرأ بها القران,وقد حصل تطور مهم في عصره وفي عصر السلطان صلاح الين الأيوبي الذي حكم بعده,وذالك أنهما حصلا على فتوى من الفقيه المعروف بابن عصرون (482-585ه),يتيح لهما وقف أراضي بيت المال على جهات الخير كالمدارس والجوامع,على أساس أنه إرصاد وإفراز لبيت المال على بعض مستحقيه,وقد جاءت هذه الفتوى بعد ما كان الفقهاء لقرون عديدة يشترطون ملكية الواقف لما يريد وقفه,أي أن يكون الموقوف مملوكا للواقف وقت الوقف.[5]
لقد أدت هذه الفتوى بالإضافة إلى الدوافع السياسية,إلى ازدهار كبير للتعليم في بلاد الشام ومصر خلال العهد الزنكي والأيوبي,بواسطة شبكة من المدارس التي لايزال بعضها شامخا يذكر بذالك الماضي التليد.وهكذا فقد بادر نور الدين زنكي إلى إنشاء أول مدرسة في دمشق أسماها دار الحديث النورية,ثم ألحقها بأخرى وعدة مدارس مماثلة في المدن الشامية الأخرى(حلب,حماة,حمص,بعلبك).أما في القاهرة فقد أسس صلاح الدين الأيوبي المدرسة الناصرية ثم المدرسة القمحية,بينما أسس ابنه الكامل المدرسة الكاملية[6].
وفي الواقع لعب الوقف من خلال هذه المدارس دورا كبيرا في تنمية الثقافة في المجتمعات المحلية,إذ جعل هذه المدارس مفتوحة لأدنى شرائح المجتمع,فقد وفرت لأبناء الفقراء الفرصة للتعلم وساعدتهم على أن يصبحوا علماء وفقهاء في مجتمعاتهم.
لقد استمر دور الوقف في المجال التعليمي في النمو خلال العهد المملوكي,حتى إن ابن بطوطة(703-775ه)ذكر في عصره لما زار مصر أن المدارس لا يحيط أحد بحصرها من كثرتها,كما أشاد ابن خلدون(732-808ه) كثيرا بالتطور العلمي الذي حصل في مصر بفضل الوقف في عهد صلاح الدين الأيوبي.[7]
وقد تضخم هذا الدور الذي لعبه الوقف في العهد العثماني إلى حد أنه حل محل الدولة في مجال تقديم الخدمات التعليمية,ولدينا في هذا العهد المدارس الثمانية في إستنبول والتي أصبحت تمثل ذروة التعليم في الدولة العثمانية,ومئات المدارس في المناطق الجديدة التي انتشر فيها الإسلام(شبه جزيرة البلقان),بالإضافة إلى مدارس جديدة في المراكز الثقافية التقليدية للعالم الإسلامي (حلب,بغداد,دمشق,القاهرة....).
وإلى جانب دوره في بناء المدارس والعناية بها وبطلابها,لعب الوقف دورا كبيرا في تنمية الثقافة من خلال الإهتمام بالكتب والمكتبات,وقد قام الوقف بدور جليل في وقف الكتب على المدارس في بداية الأمر لأجل سد حاجات العلماء والطلبة,بل إن العالم العربي والإسلامي عرف بفضل الوقف سبقا مهما يتمثل في مبادرة الأفراد إلى تأسيس مكتبات عامة ذات أبعاد ضخمة,فقد بنى مثلا ابن المنجم قصرا في بغداد ,وملاه بالكتب ليوقفه مكتبة عامة,وقد نصت الوقفية المتعلقة بهذه المكتبة على حق كل شخص في الوفود إليها والتعلم من مصادرها.كما احتوت المكتبة التي أوقفها الوزير الفاطمي ابن كلس على غرف عديدة للقراءة, وقاعات للمحاضرات,وقاعات خاصة للعلماء والناشئة,مماجعلها فريدة في وقتها[8].
وهكذا ففي الوقت الذي كان مفهوم المكتبات العامة في أوربا يكاد يكون اسما دون مسمى,بسبب ندرة أوقلة الكتب التي تحتويها,نجد أن مكتبات العالم العربي والإسلامي كانت تغص بالكتب.

الفقرة الثانية:دور الوقف في التمية الاجتماعية. والصحية والتنموية

لقد عرفت المجتمعات العربية والإسلامية سنة الوقف منذ الصدر الأول للإسلام,وبتواتر ممارسة هذه السنة أصبح لها بمرور الزمن نظام متكامل الأركان, من النواحي التشريعية والتنظيمية والإدارية والوظيفية المؤسسية[9].
ويحفل السجل التاريخي في مختلف البلدان العربية والإسلامية بكثير من الوقائع والأحداث التي توضح كيف تطورت الممارسة الوقفية حتى تبلورت في صورة نظام إجتماعي مؤسسي له العديد من الادوار والوظائف الإجتماعية والإقتصادية والحضارية بشكل عام.
وهكذا فقد كان للوقف دور بارز في المجال الصحي,من خلال إقامة المستشفيات المتنوعة النفسية والعضوية والعقلية,ورعاية المرضى داخل المستشفيات وخارجها,ويعتبر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أول من أوقف مارستانا للمرضى سنة 88 للهجرة[10],وقد أبدى الوليد اهتماما خاصا بمرضى الجذام ومنعهم من سؤال الناس ووقف عليهم بلدا يدر عليهم أرزاقا,كما أمر لكل مقعد خادما,ولكل ضرير قائدا,ويذكر الرحالة ابن جبير الأندلسي[11]  في رحلته أنه وجد ببغداد حيا كاملا من أحيائها يشبه المدينة الصغيرة كان يسمى البيمارستان,وفيه مباني كثيرة كلها أوقاف وقفت على المرضى,وكان يؤمه الأطباء والصيادلة وطلبة الطب,إذ كانت النفقات جارية عليهم من الأموال الوقفية المنتشرة في بغداد[12].
ولعل الجوانب الإجتماعية التي اهتم بها و اوقف عليها المسلمون تكاد لاتحصى من كثرة تنوعها وتشعبها,وسنكتفي هنا بذكر بعض النماذج من الأنواع الوقفية:
- الوقف على الأيتام والأرامل,وقد اعتنى الوقف الإسلامي بالأرامل والمساكين انطلاقا من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم,وقد ذكر المؤرخون أن السلطان نور الدين زنكي قد ترك أوقافا خاصة بصنف الأيتام.
- الوقف على الثغور والجهاد وفكاك الأسرى.
-الوقف على أبناء السبيل.
-الوقف على التزويج وأوقاف الحلي والزينة للأعراس وغيرها,وهو من غرائب الوقف وقد ذكر ابن بطوطة انه وجد وقفا بالشام لتزويج البنات الفقيرات اللواتي لا قدرة لأهلهن على تزويجهن[13],وهكذا ففي أكثر من بلد إسلامي كان هناك وقف لإعارة الحلي والزينة في الأعراس والأفراح,فيستفيد منها المحتاج لأجل التزين بها في الحفلات,ثم يعيدها إلى مكانها بعد انتهائه منها.
- الوقف على سكن الحجيج وإطعامهم وسقياهم وعلى طريق الحج,فقد وقف عمر رضي الله عنه داره التي في مكة على الحجاج,وفعل مثله عمر بن عبد العزيز,وأما أعمال زبيدة زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد في سقيا الحجيج وبناء الإستراحات لهم والاهتمام بهم  فهي اشهر من تذكر.
-الوقف على اعمار الأوقاف,وذالك أن الواقف يريد لمشروعه الخيري أن يبقى قائما بدوره كصدقة جارية,وأن يستمر إلى ما لانهاية,فإن الامر كان يقتضي تأمين مصادر دائمة للإنفاق لكي تغطي كل الحاجات المطلوبة أو المتوقعة فيما بعد,وهذا الأمر كان يدفع الواقف إلى بناء ووقف بعض المنشات الإقتصادية,كالحمامات والإستراحات والخانات والدكاكين,التي تدر بتأجيرها مصدرا ثابتا للدخل يكفي لتغطية نفقات المنشات الأولى الخيرية[14].
إن أهمية الوقف. تبدو لنا الآن في مجال آخر، ففي البداية كان الواقف يلجأ لكي يؤمن مصدرا ثابتا للدخل يغطي نفقات ما بناه من منشات خيرية,إلى بناء منشات اقتصادية تدر دخلا دائما,وبهذا يكون قد ساهم في تحريك وتنشيط الحياة الاقتصادية في البلدة أو المدينة التي اختارها لأوقافه.

المطلب الثاني: الوقف والأدوار التنموية التي لعبها عبر التاريخ المغربي

إن الوقف والتحبيس من الأعمال الخيرية التي دعا إليها الإسلام وحث عليها ورغب فيها,واعتبرها عملا طيبا نافعا يقوم به المرء المسلم ابتغاء فضل الله ومرضاته,ويقصد بها خدمة الدين واقامة فرائضه وشعائره,فكان بذالك الوقف في الإسلام من أجل الأعمال التي يرفع الله به شأن فاعله في الدنيا والاخرة,مصداقا لقوله تعالى:"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا".
والمغرب البلد المسلم الذي ظل محافظا على دينه ومقدساته,منذ اكرمه الله بالإسلام وأعزه به,واستمر معتزا به ومقوماته,متمسكا بشرعه الحكيم,عرف الوقف باعتباره أمرا دينيا وعملا صالحا,وفضيلة من فضائل الإسلام,فكان أبناؤه على مختلف مستوياتهم وشرائحهم الاجتماعية وبقدر استطاعتهم المادية يسارعون إلى ذالك العمل الإحساني,ويبادرون إلى اكتساب فضله وتحصيل ثوابه بما يقومون به من وقف وتحبيس لبعض ممتلكاتهم الخاصة, كلما أمكنهم ذلك واستطاعوا إليه سبيلا[15].
وللوقوف على الأدوار الهامة التي لعبها الوقف عبر تاريخ الامة المغربية,سنتعرض لعديد النماذج الوقفية من خلال تناولها من خلال محورين,الأول سنخصصه للأوقاف ذات البعد التعبدي والتعليمي والثقافي(الفقرة الأولى),بينما نتعرض للأوقاف ذات البعد الإجتماعي والصحي في الفقرة الثانية.

الفقرة الأولى: النماذج الوقفية ذات البعد التعبدي والتعليمي والثقافي

أ-المساجد

لقد بدأت سنة التحبيس على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم,بتوجيهه وترغيبه في الصدقة الجارية,وبقيامه بنفسه بالوقف,وبحضه عليه في أحوال أخرى,وقد كان أول عمل قام به حين حل بالمدينة المنورة هوبناء المسجد[16],فكذلك كان يفعل الفاتحون والدعاة وعموم المسلمين إذا حلوا وحل دينهم بقطر أو مدينة أو قرية.وإذا كانت حركة الوقف قد أسهمت في مجالات عديدة بنسبة كبيرة أو صغيرة,فإنها قد تولت بصفة كلية مهمة بناء المساجد وتعميرها ورعايتها.
ومن المؤكد أن من وصل المغرب بعد عقبة بن نافع من فاتحين وولاة قد اجتهدوا في بناء المساجد,وهي عادة سار عليها الفاتحون المسلمون تيمنا بالرسول واقتداء به,وكان المسجد ضرورة من ضرورات الفتح لمواجهة متطلبات المجتمع المغربي المستعجلة المتعلقة بنشر الإسلام بين المغاربة,ومن ذالك مثلا:مسجد موسى بن نصير وسط قبيلة بني حسان شمال غربي شفشاون,وما يزال قائما إلى اليوم ويعرف بمسجد الملائكة[17].
ومادام المجال لا يتسع لذكر كل الوقائع التاريخية المتعلقة بهذه النماذج الوقفية المتعلقة ببناء المساجد والتي لايمكن الإحاطة بها ولا حصرها,فسنكتفي بعرض ثلاثة أمثلة  لهذه المساجد:

1- المثال الأول:هو جامع القرويين بفاس,وهو المسجد التاريخي العظيم الذي أنشأته السيدة فاطمة بنت الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الله الفهري القيرواني,المعروفة باسم فاطمة أم البنين.وكانت, رحمها الله,قد ورثت عن والدها ثروة مباركة لم تطب نفسا إلا بأن تهبها لله تعالى فتبني بها مسجدا جامعا,واختارت له الأرض المناسبة بنفسها,ودفعت ثمنها(ستين أوقية من الذهب)مع تكاليف البناء.وقد تم الشروع في بناء الجامع القرويين في شهر رمضان من عام 245ه,وقد نذرت السيدة فاطمة الفهرية أن تصوم لله مدة بنائه.[18]
وخصوصية جامع القرويين لا تكمن فحسب في هذه السيدة الصالحة التي بنته من حر مالها,ولا في أقدميته واستمراروجوده إلى الان,بل في مكانته التاريخية وادواره الدينية والعلمية والسياسية والحضارية.

2-المثال الثاني: وهو جامع باب دكالة,بنته سيدة أخرى ,هي السيدة مسعودة الوزكيتية,والدة الخليفة السعدي أحمد المنصور الذهبي,وجهزته بخزانة للكتب,كما خصصت أوقافا للكراسي العلمية به[19].

3-جامع الفنا: انطلق بناؤه في عهد أحمد المنصورالسعدي الذي أطلق عليه اسم "جامع الهناء" لكن الوباء الذي حل بمراكش,وذهب ضحيته الآلاف من السكان ومن بينهم السلطان نفسه,جعل الناس يطلقون عليه اسم"جامع لفنا"[20] .

فهذه الأمثلة الثلاث,تظهر أن الإسهام في الأوقاف لم ينحصر في الرجال,بل إن النساء كن أكثر سخاء وتحمسا في الإنفاق في وجوه البرالمختلفة,كما أن الإسهامات كانت من الأوساط الشعبية ومن الأوساط السلطانية على حد سواء.
والوقف على المساجد يشمل أرضها وبناءها وفرشها,كما يشمل ملحقاتها من كتاتيب قرانية وخزانات وأماكن الوضوء,وأحيانا سكنى الإمام.ويشمل أيضا أوقافا يخصص ريعها لنفقات التعمير والتسيير,يدخل فيها أجور القيمين,كالمؤذن والإمام والخطيب.[21]

ب-الأوقاف العلمية:

حركة الوقف للأغراض العلمية والتعليمية,بدأت ضمن أوقاف المساجد ومرافقها,فكثير من المساجد كانت تشتمل على كتاتيب للتعليم الأولي ولتحفيظ القران الكريم,ثم جاءت فكرة المكتبات الملحقة بالمساجد,وجاءت بعد ذلك فكرة التحبيس لفائدة الكراسي العلمية المقامة ببعض المساجد الجامعة.
ثم بدأت الحركة العلمية,مع النمو والتطور والتخصص,تأخذ أشكالا من الاستقلال والتميز عن المسجد ووظيفته الأساس,فجاءت  ظاهرة المدارس التي تحول بعضها إلى مؤسسات علمية عليا(جامعات).
ولعل أقدم هذه النماذج العلمية وأهمها هو جامع القرويين بفاس,إذ يعتبر أحد أقدم  وأهم النماذج على دور الوقف في المجال العلمي,ليس في المغرب فحسب بل في التاريخ الإسلامي ككل.[22]
وقد شكل جامع القرويين النواة التي احتضنت وترعرعت داخلها ما أصبح يعرف بجامعة القرويين,وذلك بفضل الثروات الحبسية التي خصصت لها ووضعت تحت تصرفها وفي خدمتها,وهكذا أمكنت تلك الأحباس المخصصة للقرويين في  كل أنحاء المغرب,من تنمية مداخيلها وميزانيتها,فكثرت فيها الكراسي العلمية,وكثر فيها الطلبة المنتظمون الذين يتمتعون بالإقامة والمنح الدراسية.
ولم يقف العطاء العلمي لجامعة القرويين عند حدود المغرب الأقصى,بل أصبحت قبلة للعلماء وطلاب العلم والباحثين من شتى الأقطار الإسلامية.بل وفدت إليها شخصيات علمية ودينية حتى من أوربا,وفي مقدمتها البابا سلفستر الثاني,الذي تلقى شوطا من تعليمه بالقرويين قبل أن يعتلي كرسي البابوية[23].
وهذا يعني أن جامعة القرويين لم تبق مقتصرة على العلوم الدينية الإسلامية,بل اتسعت حتى شملت العلوم كافة,بحسب كل عصر وما راج فيه من مواد علمية وتدريسية.فقد امتد التدريس بالقرويين إلى علوم اللغة والأدب وفنون البلاغة,والتاريخ,وعلم الكيمياء, والهندسة,وعلم التوقيت,والفلسفة,والمنطق,وعلم الجبروالمقابلة(الرياضيات),والطب والصيدلة,بل بلغ الأمر إلى إنشاء مدرسة للطب[24].
ولقد اهتم المرينيون بالتعليم أكثر من غيرهم باقامة المدارس والإنفاق عليها,فقد كان التعليم في المغرب غير رسمي,يلقن في أهم المساجد حتى عهد المرينيين الذين أحدثوا مدارس للتعليم المتخصص.وزودوها بكل اللوازم والمتطلبات ليجد فيها الطالب السكن والطعام والغذاء الفكري.ورصدت لها موارد مالية من الأحباس لصيانتها والإنفاق عليها وتوفير كل احتياجاتها[25].
وأولى تلك المدارس هي مدرسة الحلفاويين(الصفارين حاليا),التي أمر ببنائها أبو يوسف يعقوب سنة 670ه,ووقف عليها العديد من الرباع ورتب فيها الطلبة لقراءة القران وطلب العلم,وأجرى عليهم المرتبات في كل شهر.وتابع الذين جاؤوا من بعده تلك السياسة في بنا ء المدارس بمختلف المدن المغربية,وفي فاس وحدها يذكر المؤرخون إحدى عشرة مدرسة للطلاب جيدة البناء,كلها من تأسيس بني مرين,هذا ناهيك عن مائتي مدرسة (كتاب)للأطفالا الراغبين في تعلم القراءة,كما شيدت مدارس في سبتة وطنجة والقصر الكبيروتازة ومكناس وانفا وأزمورواسفي ومراكش وأغمات[26].
ثم إن السلاطين السعديين ساهموا بنصيب وافر في دعم الخزانات الوقفية,سواء بما أنشأوه من خزانات جديدة,أو ما زودوا به الخزانات القديمة من مصاحف وكتب وأسفار,وقد عرف عن أحمد المنصور ولعه باقتناء الكتب وتزويد الخزانات بأندرها,فقد كان يكلف العلماء بتأليف الكتب لخزانته,فضلا عن الكتب المجلوبة من المشرق.ولذالك كانت مكتبات مراكش حافلة بما وقف عليها من كتب,ويسجل أحمد بابا التمبكتي[27]في كتابه نيل الإبتهاج:"أن بدأ تأليف كتابه لما كان في السودان,ولكن الكتاب جاء ضئيلا,لقلة المراجع وندرة المصادر,حتى إذا دخل مراكش,استفاد من الخزانات الموقوفة,ولاسيما خزانة المنصور التي كانت تشمل على الطم والرم من كتب العلم"[28].
ومن الأحباس التي خدمت العلم والعلماء وطلاب العلم,أحباس جعلت خاصة للطلبة والعلماء,فهي بمثابة أحباس مخصصة لتشجيع البحث العلمي,ومن أمثلتها الأوقاف التي حبسها المولى محمد ابن عبد الله ابن السلطان المولى إسماعيل,وهي عبارة عن عدد من البساتين الكبيرة المثمرة,بحيث تباع غلتها وتقسم أثمانها على مائتي طالب,ونص في وثيقة التحبيس أن للطالب المتزوج حصة ونصف الحصة,وللأعزب حصة واحدة...[29] .

الفقرة الثانية: الأوقاف ذات البعد الإجتماعي

استجابة للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تحض إلى الإنفاق على الفقراء والمساكين وإغاثة الملهوف والمحتاج,انطلق أهل الفضل والإحسان من  المغاربة على مر العصور ,يسدون الثغرات المعيشية في مجتمعاتهم,ويلبون احتياجات إخوانهم من ذوي الفاقة والضرر خاصة,وقد أبلى المحسنون والمحبسون في ذالك البلاء الحسن,وتفننوا فيه وأبدعوا.وفيما يلي بعض المجالات الخيرية التي اهتم بها الوقف:

1-المؤسسات الصحية(البيمارستانات):

ترجع فكرة إنشاء المارستانات بالمغرب إلى يعقوب المنصور الموحدي الذي أنشأ مارستان مراكش,غير أن شيوع بناء المؤسسات الوقفية الصحية وشموليتها لكل مشاريع الإحسان, وتخصيص الأعيان وتحبيسها عليها تجسدت بشكل بارز في العصر المريني,وأول من اهتم بهذا الجانب من ملوكهم هو أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق,فقد كان حسب ما ورد عند ابن أبي زرع: "كثير الخير والرأفة على الضعفاء والمساكين...صنع المارستان للمرضى والمجانين وأجرى عليهم النفقات وما يحتاجون إليه من الأغذية والأشربة,وأمر الأطباع بتفقد أحوالهم كل يوم غدوة وعشية".لقد سن أبو يوسف يعقوب بعمله هذا سنة اقتفى أثرها أبناؤه وأحفاده,فواصلوا الإهتمام بالشؤون الصحية وبناء المارستانات,ووقفوا عليها العديد من الأملاك في كل من فاس وتازة ومكناس وسلا والرباط وشالة واسفي ومراكش...غير أن العاصمة فاس استقطبت معظمها,وأشهرها مستشفى سيدي فرج الذي بناه يوسف بن يعقوب سنة 680للهجرة والذي أوقف عليه عقارات كثيرة برسم النفقة عليه وحفظه,ومن أوقافه الوفيرة كان يصرف على المرضى والنزلاء بالمستشفى.كما أنشأت مؤسسات خيرية لفائدة الفقراء,وركزت حول هذا المستشفى تحت اسم أحباس المارستان,وكان هناك وقف خاص لتنظيم حفلة موسيقية كل يوم جمعة للنزلاء,كما خصص جانب من أوقاف المارستان لعلاج اللقالق إذا انكسرت أوأصيبت بأذى,وتصرف منها جراية لمن يضمدها ويداويه ويطعمها[30] !!.

2-رعاية الفقراء والمحتاجين:

لم يخل عصر من عصور المغرب  من وجود أشكال ومبادرات عديدة لكفالة وإعالة الفقراء والمحتاجين,وقد أخذت هذه المبادرات الإحسانية الموجهة للفقراء وعابري السبيل شكل أوقاف ومؤسسات قارة يأوي إليها المحتاجون.وقد يكون بعضها خاصا بإيواء عابري السبيل وضيافاتهم,وقد يكون بعضها مخصصا للفئات المعوزة الأخرى.
ومن الأمثلة على هذه المؤسسات الخيرية العديد من الزوايا والأربطة التي أسسها أبو يوسف المريني ,لإيواء المسافرين وعابري السبيل وذوي الحاجات,خصوصا في النواحي المقفرة البعيدة عن العمران,ووقف عليها الأوقاف الكثيرة,وقد أشار إلى ذلك الأستاذ محمد المنوني:"كان المغرب المريني يستعمل كلمة الزاوية للدلالة على مؤسسات إحسانية تشيد بأرباض المدن أو في الفلوات برسم استقبال الواردين عليها لإيوائهم والقيام بضيافتهم."[31] ومن تلك المعالم أيضا الزاوية المتوكلية التي أسسها أبو عنان المريني سنة 754ه بفاس, وصارت تعرف بدار الضيفان تلميحا لوظيفتها الإحسانية,وقد سجل ذلك ابن بطوطة :"وما امر به من عمارة الزوايا بجميع بلاده لإطعام الطعام للوارد والصادر,فذلك ما لم يفعله أحد من الملوك والسلاطين..."ومن ذلك أيضا الزاوية الكبرى بسبتة وزاوية النساك بسلا[32]...
كما اهتم الوقف أيضا برعاية الشيوخ والفقراء الذين لم يستطيعوا النفقة على أنفسهم.فبنيت لهم دور خاصة لإقامتهم,وهذه خصلة سنها ابو الحسن المريني في كل من فاس ومكناس ومراكش[33].

3-خدمة الزواج والمتزوجين المحتاجين:

فمن ذالك ما وجد بمدينة فاس من تحبيس دور مؤثثة ومجهزة يقيم فيها الضعفاء حفلات زفافهم ويمكثون فيها بضعة أيام,وبعضها كان وقفا على المكفوفين الذين يتزوجون.وكان بمدينة مراكش دار مخصصة للنساء اللاتي يقع لهن خصام وتنافر مع أزواجهن,فلهن أن يقمن فيها اكلات شاربات إلى أن يزول ما بينهن وبين أزواجهن من النفور,وكانت لهذه الدار أوقاف عديدة للإنفاق عليها وعلى المقيمات بها[34].
لقد كانت هذه أمثلة ونماذج فقط للأوار الجليلة التي لعبها الوقف عبرالتاريخ المغربي ,في خدمة المجتمع وتلبية احتياجاته,والنهوض به على كافة المستويات.   

المبحث الثاني : واقع نظام الوقف حاليا بين التجارب الإسلامية والتجارب الغربية


تواجه المجتمعات اليوم تحديات كبرى بفعل اتساع مساحة الفقر وتنامي البطالة في وقت لم تعد فيه الدول قادرة على الاستجابة لكل حاجيات المواطنين بمقاييس التنمية البشرية، وهو ما حتم التفكير في إيجاد مصادر تمويلية بديلة تساهم في تخفيف من عبء الخدمات الاجتماعية الملقاة على الميزانية العامة للدولة، ويمكن للوقف كنظام اجتماعي تكافلي أن يساهم في خدمة كثير من مشاريع التنمية البشرية ولاسيما في مجال الصحة والتعليم ومكافحة الفقر والبطالة، غير أن الامر يتطلب التعامل مع هذا النظام بمنظور جديد يتوخى تنمية موارده.
وهذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه في إطار المقارنة بين التجربتين الإسلامية والغربية حيث سنتطرق إلى التجربة الغربية في (المطلب الأول) في حين التجربة الإسلامية في (المطلب الثاني).

المطلب الأول : الدور التنموي للوقف في المجتمعات الغربية

تعرف التنمية بمفهومها الشامل على أنها تطوير لأسلوب حياة الإنسان الذي جاء في العصور الحديثة على أنها تطوير لأسلوب حياة الإنسان بزيادة دخله وبزيادة مؤشرات جودة الحياة لديه بمعنى آخر هناك بعدان للتنمية لا تتأتى إلا بهما معا وهما البعد الاقتصادي المتمثل في زيادة دخل الإنسان ومتلازم معه البعد الاجتماعي أو الإنساني المتمثل بأحد أهم أركانه بتحسين حياته اليومية في مجالات التعليم والصحة[35] ....
وانطلاقا مما تقدم يبدو أن التنمية البشرية لن تتحقق إلا إذا كانت تستجيب لمطالب البشر واحتياجاتهم المختلفة من صحة وتعليم ومآكل وملبس وغير ذلك من أمور التي لازالت نسبها متدينة في العديد من المجتمعات العربية. ولمواجهة هذا المأزق لابد من إحياء مؤسسات البر في المجتمعات وعلى رأسها الوقف.
وسنبرز كيف يمكن للوقف أن يساعد في خدمة كثير من مشاريع التنمية البشرية وذلك من خلال عدة زوايا.

أولا : دور الوقف كقطاع ثالث

لقد أدى تراجع القطاع العام وتخلي الدولة عن أنشطتها الاقتصادية بفعل سياسة الخوصصة إلى تقلص في المداخيل العمومية دون أن ننسى تراجع عائدات الرسوم الجمركية. وهي عوامل زادت في تنامي العجز في الميزانية العامة للدولة مما حتم التفكير في إيجاد مصادر تمويلية بديلة، حيث يجرى الرهان في هذا السياق وفضلا عن دور القطاع الخاص، على مؤسسات المجتمع المدني أو ما يمسى "بالقطاع التطوعي" أو "الخيري" والذي أخذ بعدا مهما في النظم الغربية ولا أدل على ذلك من إدراج العمل التطوعي في مسودة الدستور الأوربي مع مطلع 2005 كأحد الأنشطة الاستراتيجية، بل ذهبت مؤسسات التنمية الدولية إلى حد المطالبة بتفعيل مؤسسة الوقف والاستفادة من إمكاناته التمويلية في تنمية المجتمع. [36]
ففي الوقت الذي ظلت فيه مؤسستتا الوقف والزكاة معطلتين في معظم الدول الإسلامي عن أداء دورهما في خدمة المجتمع أخذ الغرب سواء بوعي أو بغير وعي بهاتين المؤسستين اللتين أسهما في تقدمه حيث تحضى كل اسرة أوربية وأمريكية تلقائيا وبشكل منتظم نحو 2% من دخلها للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية أي أنها من حيث لا تدري تؤدي ما يمسى في الإسلام بالزكاة.
إذن إن إعادة التفكير في مؤسسة الوقف كقطاع ثالث يعمل جنبا إلى جنب مع القطاع الحكومي والقطاع الخاص يمكن أن يساهم في دعم الميزانية العامة للدولة ويخفف من أعبائها في مجال الخدمات الاجتماعية والتاريخ يشهد على ما قدمه الوقف من إسهامات هائلة في توفير العديد من الخدمات العمومية التي احتاج إليها أفراد المجتمع الإسلامي سواء في مجال الصحة أو التعليم أو المياه الصالحة للشرب أو الإنارة أو مساعدة الفقراء، أما اليوم انحسر دور الوقف في المجتمعات الإسلامية وذلك راجع لعدة عوامل دفعت الناس إلى عدم الإقبال على الوقف وحصر أوقافهم في الغالب على المساجد والمقابر [37].

ثانيا:دور الوقف في دعم الخدمات الصحية

تعد الصحة سمة من سمات التنمية ومقياس لتقدير مدى تقدم المجتمعات بصفة ملموسة حيث ارتفع حجم الإنفاق العالمي كالصحة من 2.6  تريليون دولار إلى  5.1 تريليون دولار خلال الفترة الممتدة بين 2000 و 2005.
إلا أنه رغم هذا يشير تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 أن حجم الإنفاق على الصحة في معظم الدول العربية يتراوح بين  2.4% و 6% من الناتج المحلي الإجمالي وهو استصدار ضعيف إذا ما قورن بدول متقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية التي تصل هذه النسبة إلى 15.2% في سنة 2008 تليها سويسرا ب 11.4% وفرنسا ب 11.0%.
أما القطاع العام فهو لا يملك من الوسائل  إلا النذر اليسير من أجل تطوير أداء الرعاية، وهو ما يفرز نظاما صحيا بسرعتين نظام يتوفر على هياكل صحية متطورة تلبي احتياجات الأقلية الثرية. ونظام يعاني من اختلالات ونقص هائل في الخدمات المقدمة، حيث كان بإمكان الوقف كنظام الاجتماعي تكافلي أن يخفف من حدة الخصاص الدي يعانيه هذا القطاع وأن يكون رافدا للخدمات الصحية، علما أن الوقف شكل في الماضي المصدر الأول وإن لم يكن الوحيد في بعض الأحيان في الإنفاق على المجال الصحي سواء بنهوض بعلم الطب والصيدلة او من خلال بناء المستفشيات وتجهيز العديد من المراكز الصحية حيث عرف المغرب العديد من المستشفيات الوقفية في كل من فاس ومكناس ومراكش والرباط وسلا وتازة، أبرزها مستشفى سيدي فرج بفاس الذي أسس سنة 1286 م[38].

ثالثا : إسهام الوقف في تحقيق التنمية التعليمية

يعتبر التعليم عنصر رئيسي من عناصر التقدم وحتى يكون رافعة للتنمية لابد وأن يكون مبنيا على سياسات تتوخى الجودة والتميز وقادرة على الوصول إلى أكبر قدر ممكن من شرائح المجتمع فبرجوع إلى إنفاق الوطن العربي على البحث العلمي يعد الأدنى عالميا إذ لا يتعدى 0.2% بينما يصل إلى 4.74% في إسرائيل و 3.8% في السويد و 3.47 في فنلندا.
وإذا ما نظرنا إلى مصادر التمويل التي تعتمد عليها هذه المؤسسات في الارتقاء بالإنتاج المعرفي، تبين أنها تعتمد على القطاع الخاص والقطاع التبرعي بينما لايزال القطاع العام في الدول العربية هو المصدر الأساسي في عملية تمويل البحث العلمي وبنسبة تصل إلى 97% في حين تتجاوز هذه النسبة 20% في اليابان و 30% في الولايات المتحدة وفي مقابل ذلك بلغ مجموع ما قدمته المؤسسات الوقفية الأمريكية من موارد لفائدة الجامعات 132 مليار دور في عام 2004 إلى جانب دعمها لقطاع التعليم الأساسي والثانوي[39].
إن ندرة التمويل الذي يعانيه قطاع البحث العلمي في المنطقة الإسلامية وارتفاع تكاليف التعليم الجيد والفعال تستدعي استقطاب قطاعات الإنتاج الخاصة للمساهمة في دعم الجوانب التربوية والعلمية في المجتمع على غرار ما تقدمه المؤسسات الاقتصادية والمالية في الغرب والتي أسست وقفيات ذات ثقل مالي كبير مثلا شركة "ويلكر"  العالمية للصناعات الدوائية (مقرها بريطانيا) والتي تتوفر على مؤسسة وقفية يبلغ حجم أصولها الوقفية 5.3 مليار جنيه أسترليني ويملك هذا الوقف 40%   من أسهم شركة "ويلكر"  ويتخصص في الإنفاق على الأبحاث والمراكز البحثية في التخصصات الطبية المختلفة وقد مول أبحاث 1200 عالم في مختلف الجامعات البريطانية في عام 1993 [40].
أما مؤسسة "بيل وميلندا جيتس" وهي مؤسسة وقفية يزيد حجم ثروتها على 30 مليار دولار نشأة في العالم 2000 عن طريق دمج مؤسسة "جينس" التي كانت متخصصة في الأغراض التعليمية ومؤسسة "وليام إتش جيتس" وهي مختصة بالصحة العامة وتقوم هذه المؤسسة بتقديم منح دراسية لأصحاب الدخول المنخفضة والطلبة الموهوبين من جميع أنحاء العالم قصد متابعة دراستهم في جامعة كامبردج.
ومن النماذج التاريخية التي تجسد الدور الذي قام به الوقف في النهوض بالتعليم أو المدارس في المجتمع الإسلامي بفضل الوقف تأسست أقدم جامعة في العالم العربي هي جامعة القرويين وكذلك الشأن بالنسبة لجامعة الأزهر[41].

رابعا : الوقف أداة لمكافحة الفقر والبطالة :

إن تفعيل تشريع الوقف إلى جانب الزكاة ضرورة ملحة لإعادة توزيع الدخل ولمجابهة مشكلات الفقر والبطالة، حيث يمكن للوقف أن يكون أداة فعالة لعلاج مظاهر العوز في المجتمع وتحقيق استقراره وحمايته من الاضطرابات الاجتماعية والصراعات الطبقية الناشئة أساسا عن سوء توزيع الثروة فبالعودة إلى المجتمعات الغربية نجد ان الولايات المتحدة الأمريكية حمت مجتمعها من امتداد ثورة العمال التي برزت من الثورة البلشفية على روسيا إلى المجتمع العمالي الأمريكي من خلال التوسع في فتح ابواب العمل الخيري وتشجيع الشركات وذوي الثروة بإمكانات كبيرة لمن يقدم منهم على الأعمال الخيرية فانتشرت المؤسسات الخيرية وتضاعفت الهيئات وتشير بعض الإحصاءات الصادرة في العالم 2005 أن عدد المنظمات غير الربحية المسجلة رسميا قارب المليون ونصف – ناهيك عن المؤسسات غير المسجلة كما بلغ العمل الخيري 5.5 تريليون دولار وزادت الثورة الوقفية على 1.7% تربليون دولار [42] .
ومع ما للبطالة من أثار مدمرة على الفرد والأسرة والمجتمع وبالنظر لحجم الموارد التي كانت  تتوفر عليها المؤسسة الوقفية والتي تم تقديرها في مطلع القرن التاسع عشر بحوالي ثلث الاراضي المزروعة في مصر وتركيا وسوريا وفلسطين والعراق والجزائر والمغرب كذلك دليل على أن الوقف مؤهل لمكافحة البطالة إذا ما تم إحياؤه واستثمار موارده وفق صيغ متطورة حيث يشغل القطاع الخيري بالولايات المتحدة بحسب إحصائيات تعود إلى بداية التسعينات من القرن العشرين 9.3 مليون موظف أي 6.7 من مجموع العمالة الأمريكية.
أثر الوقف في التنمية.  سيكون مباشرا  إذا ماوظف في مشروعات اقتصادية، تتيح الزيادة في فرص العمل من قبيل :
. تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة والصناعات التقليدية حيث عمدت في الوقت الراهن مؤسسة "سار الخيرية" وهي عبارة عن وقف إسلامي مقرها بولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية ولها فروع في عدة دول إضافة إلى سار أنترناشيونال بواشنطن إلى الاستثمار في نظام الصناعات الغذائية والزراعة وقطاع البناء والتكنولوجيا والنسيج والادوية.
·        إحداث صندوق وقفي لعلاج البطالة عبر إصدار سندات وقف يتم بواسطتها جمع رأس المال الذي يستخدم بأحد أسلوبين هما :

أ-إقراض منه للعاطلين على سبيل القرض الحسن بما يمكنهم من كسب العيش.

وجدير بالذكر أن "وقفية فنيكا" وهي منظمة عالمية راشدة في مجال تمويل القروض الصغيرة لفائدة ذوي الدخل المحدود وتتخذ مقرا لها بواشنطن ولها مكانة في 21 دولة تسعى إلى  إعادة تأهيل الأفراد خصوصا النساء عن طريق قروض صغرى تتراوح بين 50 و 300 دولار وقد أطلقت المؤسسة "مشروع الوقف العالمي للفقراء" من أجل المشاركة في سد احتياجات الفقر في العالم.
ب-أما الأسلوب الثاني فهو إنشاء صندوق استثمار يقوم على مشاركة العاطلين في المشروعات التي يتقدمون بطلب تمويلها إما بنظام المشاركة في الإدارة والتمويل أو بنظام المضاربة الإسلامية الذي يقدم على المشاركة بالتمويل من جانب الصندوق  والعمل من جانب العميل والمشاركة في الأرباح التي تتحقق[43].

المطلب الثاني: واقع نظام الوقف حاليا في المجتمعات الإسلامية .

كما سبق بيانه فقد خلف انسحاب الدولة من تدبير السياسات العامة لأغلب ا لمجتمعات الإسلامية منذ  أواخر القرن الماضي- بسبب تنامي ظاهرة الخوصصة  وطغيان اقتصاد السوق - ظهور اختلالات  جوهرية  عميقة مست بنيتها  الإقتصادية وتوازنها الإجتماعي  ،كما أن حلول القطاع الخاص محل الدولة لم يعوض وجودها ولم يحقق التنمية المرجوة  منه بسبب اعتماده على تحقيق الربح   الإقتصادي دون النظر للجانب الإجتماعي مما أدى إلى ،الشيء الذي جعل  أغلب المهتمين يبحثون سبل إعادة إحياء نظام الوقف الإسلامي والبحث عن إيجاد أرضية لإعادة توظيفه ضمن الموارد الأساسية للقطاعات الإقتصادية  باعتباره من الآليات الأساسية التي يعول عليها من أجل إعادة روح التكافل الإجتماعي للعلاقات الإنسانية  بين أفراد المجتمع والقضاء على الجهل والفقر ومختلف مظاهر التخلف.،وهذا التوجه الجديد اعتمدته العديد من الدول الإسلامية التي عملت على إعادة إحياء هذه المؤسسة الإسلامية  ونجحت إلى حد كبير وبشكل متفاوت  في توظيفها توظيفا إيجابيا أعاد للإقتصاد بعضا من التوازن وخفف من حدة الإختلالات  الإجتماعية التي كان يعاني منها رغم محدودية النتائج التي توصل إليها بسبب ارتباط أغلب اقتصاديات الدول الإسلامية باقتصاد السوق وبالمؤسسات المالية الدولية التي تتحكم في خريطة اقتصاديات العالم ،تعتمد على أنظمة تمويلية تختلف جذريا عن نظام الوقف  الإسلامي الذي يزاوج بين التنمية الإقتصادية وتحقيق الرفاه الإجتماعي بما يكفل كرامة الإنسان في المجتمع المسلم،وسوف يظل تقييمنا لواقع عمل مؤسسات الوقف في المجتمعات الإسلامية حبيسة التصورات النظرية ،الشيء الذي ارتأينا معه سياق أمثلة تطبيقية مع الإقتصار على  التطرق للتجربة الكويتية باعتبارها من التجارب الرائدة في هذا المجال (الفقرة الأولى) قبل التطرق لدراسة  واقع قطاع الوقف ضمن النموذج المغربي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : واقع نظام الوقف في  التجربة الكويتية.

كما سبق بيانه فإنه من الصعب مناقشة مجموع تجارب الدول الإسلامية في مجال الوقف [44]ولكن سوف نقتصر في دراستنا لحالة نظام الوقف الكويتي من خلال المحورين الأساسيين.

أولا: البناء المؤسساتي لقطاع  الوقف في التجربة الكويتية.

ظل الشكل السياسي للدولة في الكويت يتسم بالبساطة ، إلى حدود بداية القرن العشرين ، التي حملت معها مجموعة من التغيرات الإستراتيجية على المستوى الإقليمي ،فرض على السلطة السياسية في البلاد ضرورة عصرنة النظام السياسي للدولة وتكييفه مع الأشكال الحديثة للدولة ، وهو ما جعلها تحدد القطاعات الإستراتيجية لضمان هذا التحول.ومن ضمن القطاعات الإنتاجية الكبرى التي حظيت بالإهتمام نجد قطاع الوقف الذي أولته الدولة أهمية قصوى واعتبرته من القطاعات الأساسية التي يمكن الإعتماد عليها، فتم تأسيس ما سمي بدائرة الأوقاف منذ سنة 1921 التي بسطت يدها بداية على جميع الأموال الوقفية  ،كما  عهد إليها وقتئذ بتدبير قطاع الوقف والسهر على تسييره،كما عمدت الدولة الكويتية في مرحلة لاحقة إلى توسيع نطاق اختصاص دائرة الأوقاف وتوظيفه بشكل أكثر فعالية في خدمة القطاعات التي تم تخصيصه لخدمتها.[45]
وفي هذا الإطار تم إحداث مجلس الأوقاف الذي تم إسناد رئاسته لرئيس الدولة ابتداء من سنة 1949،وبعد ذلك صدر سنة 1951 الأمر الأميري السامي بتطبيق الأحكام الشرعية الخاصة بالأوقاف،وبعد مرحلة الإستقلال تم تحويل دائرة الأوقاف إلى وزارة للأوقاف  سنة 1962 وأضيفت لها الشؤون الإسلامية سنة 1965 ،كما تم سنة 1982 إنشاء قطاع مستقل للأوقاف في الوزارة أسند أمر تسييره لوكيل وزارة مساعد،كما صدرت مجموعة من النصوص التنظيمية التي كان الهدف منها هو إعادة تنظيم قطاع الأوقاف وتأهيله بهدف توجيهه لخدمة قطاعات جديدة انصبت بالأولوية على الإتجاه نحو حل المشكلات الإجتماعية  ،وقد توج مسلسل الإصلاحات التي عرفها قطاع الأوقاف بإحداث الأمانة العامة للأوقاف سنة 1993 التي  عملت على تدعيم التوجهات الجديدة لقطاع الأوقاف كما عمدت إلى توظيفه لخدمة الخطط التنموية الجديدة [46]
وقد شكلت مجموع المؤسسات السالف ذكرها البناء المؤسساتي لقطاع الوقف في دولة الكويت وقد  تم التطرق إليها من أجل إبراز الأهمية المؤسساتية التي تم إيلاؤها لهذا القطاع بهدف تأسيسه على أرضية صلبة تضمن نجاعته وفعاليته في إعادة التوازنات للقطاعات الحكومية الإقتصادية والإجتماعية[47], وتأهيله لرسم سياسة وقفية جديدة تأخذ بعين الإعتبار البعد التنموي بشكل أكثر اتساعا.
إن الغاية من التطرق إلى التطور التاريخي لنظام الوقف في التجربة الكويتية الهدف منها هو الوقوف على التدرج في البناء المؤسساتي الذي تم اعتماده من طرف الجهات المسؤولة عن قطاع الوقف حتى أصبح على هيأته الحالية.

ثانيا : التوجهات الإستراتيجية للنهوض بقطاع الوقف من خلال التجربة الكويتية.

شكل الإجتماع الأول لمجلس شؤون الأوقاف  سنة 1993 عنوانا لمرحلة جديدة من مراحل النشاط الوقفي في دولة الكويت ،لكونه حدد التوجهات الإستراتيجية الكبرى للنهوض بقطاع الوقف باعتباره قطاعا أساسيا ومهما ،وتزامن ذلك مع فترة إعادة الإعمار بعد الإجتياح العراقي للأراضي الكويتية والتي تكللت بإنشاء امانة العامة للأوقاف التي كان من اختصاصاتها وضع تخطيط استراتيجي لمستقبل العمل الوقفي بدولة الكويت ،من خلال وضعها لمجموعة من الدراسات الأكاديمية التي تضمنت وضع برامج تنمية قطاع الوقف بمشاركة جملة من الإقتصاديين والأكاديميين و الفاعلين في مجال الأوقاف ساهموا من خلال جملة من الندوات وحلقات الحوار المتخصصة  في بلورة رؤية جديدة لتدبير قطاع الأوقاف توج بإصدار ما سمي بالوثيقة الإستراتيجية للعمل الوقفي سنة 1997 التي اعتبرت بمثابة خارطة طريق جديد مكنت قطاع الأوقاف من الإنفتاح على قطاعات أكثر حيوية كالميدان الصحي والميدان الثقافي  وولوج ميدان الإستثمار من خلال تأسيس شركات وقفية استثمارية وإصدار سندات ودخول عالم البورصة وتوسيع نطاق القرض الحسن وتوظيفه في تمويل المشاريع الإستثمارية للشركات الوقفية ،بما يضمن التجاوب مع العصر وفي نفس الوقت الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للمجتمع الكويتي والحفاظ على تماسك أفراده من خلال إشاعة روح  التكافل الإجتماعي  [48]، وفي سبيل تحقيق ذلك فقد أسفرت السياسة الحكومية المكلفة بتدبير قطاع الوقف من خلال المحاور التالية:
-         إحياء سنة الوقف في جميع المجالات الحيوية للبلاد وتحقيق مقاصده الشرعية  .
-         اعتماد الوقف  من طرف السلطة الحكومية كصيغة نمودجية  رسمية للإنفاق الخيري في المجتمع الكويتي.
-         ترسيم الوقف كإطار تنموي معترف به وتعميم نشاطه ليعم جميع القطاعات الإستراتيجية الجديدة  وبالخصور ذات الطابع الإستثماري  وعدم الإكتفاء بالقطاعات التقليدية المنحصرة على المجالات التعبدية.
-           توظيف عائدات الإستثمار وفق رؤية اقتصادية متطورة تروم دمجه في صلب الدورة الإقتصادية العامة للبلاد.
-         تمتين العلاقة بين المؤسسات المكلفة بتسيير الأموال الوقفية وبين البنوك الإسلامية .
-         ومن أجل تحقيق هذه الأهداف  تم إحداث ما يسمى بالصناديق الوقفية التي هي الوسيلة التي مكنت من الجمع بين مساهمة الجهات الشعبية  من جهة ومساهمة  الجهات الحكومية  في تدبير العمل الوقفي، وقد  تم تخصيص كل منها لخدمة أغراض معينة وكان من نتائج اعتماده أن أصبح العمل الوقفي  يغطي مجموع القطاعات الحيوية الحديثة بعدما كان مقتصرا على القطاعات التقليدية ذات الطابع التعبدي كما سلف بيانه  ومنها :
-          تشييد الجامعات والمراكز التعليمية وتدعيم الثقافة والفكر من خلال إحداث المكتبات الوقفية والتكفل بأجور المعلمين والطلاب.
-         رعاية ذوي الإحتياجات الخاصة والفئات المعوزة.
-         دعم برامج حماية البيئة.
-         دعم برامج التنمية الصحية بتنسيق مع المؤسسات الحكومية.
-         دعم  نظام الرعاية الأسرية.
-          خلق شركات استثمارية جديدة في عدد كبير من دول العالم الإسلامي ومع أفراد الجاليات المسلمة في الدول الغربية ساهم في تطوير خطط العمل الوقفي و في تقوية الموارد المالية للمؤسسات الوقفية.
وقد كان من نتائج كل ما ذكر أن أصبح قطاع الأوقاف من القطاعات الإستراتيجية الكبرى التي يعتمد عليها في مخططات التنمية والإقلاع الإقتصادي والإجتماعي والثقافي ،الشيء الذي يحيلنا إلى دراسة واقع قطاع الوقف بالمغرب ومقارنته بالتجربة الكويتية.

الفقرة الثانية : واقع العمل الوقفي من خلال التجربة المغربية.

ظهر العمل الوقفي في المغرب منذ الفتح الإسلامي وقد حظي بعناية كبير من جميع الملوك والسلاطين الذين تعاقبوا على حكم المغرب [49] ،ومن مظاهر الإهتمام البالغ بقطاع الوقف
بالمغرب هو  انه كان  دائما تحت إشراف ورعاية  سلاطيين المغرب  ،وهو ما زال معمول به حاليا ،وسوف لن نتطرق إلى الحديث عن التطور التاريخي لنظام الوقف في المغرب ، ،وإنما سنعمد إلى  إلقاء الضوء على  طبيعة علاقة الوقف بالتنمية والمعيقات التي تحد دون تحقيق النتائج المرجوة .

علاقة الأوقاف  بالتنمية في المغرب. 

كما هو معلوم فإن إدارة قطاع الأوقاف بالمغرب  تم إسناده إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ،التي تتكون من مصالح وأقسام كل مصلحة موكول إليها القيام باختصاصات معينة[50]، والواقع العملي يؤكد ضخامة المخصصات المالية والعينية التي يتكون منها الرصيد الوقفي في المغرب،وإذا كانت الأموال الوقفية قد لعبت دورا كبيرا في الماضي في تدعيم عدد كبير من القطاعات إلا أنها  اتسمت دائما بالتواضع في طريقة تسييرها التي أصبحت متجاوزة ولا تستجيب لمتطلبات التنمية بمفهومها الحديث  ،وهذه السمة لازالت  تطبع طريقة التدبير الحالية ويؤاخذ على الجهات الموكول إليها تدبير قطاع الأوقاف  غياب خطة استراتيجية واضحة تمكن من إدماج. دور الوقف في التنمية الإقتصادية. والإجتماعية،  بتنسيق مع باقي  القطاعات الحكومية الأخرى  ،على الرغم من تسجيل حضور الهاجس التنموي للمشرع المغربي من خلال مجموعة من المقتضيات التي تضمنتها  مدونة الأوقاف الجديدة وتم التعبير صراحة عنها في ديباجتها ،والتي تعتبر سببا   كما تمت ترجمته على أرض الواقع من خلال إحداث مصلحة خاصة بالإستثمار ضمن الهيكلة الجديدة للوزارة  ،ولا شك أن توظيف الأموال الوقفية في العملية التنموية يمر عبر مرتكزين أساسيين:

1-   تأهيل طريقة تسيير وتدبير قطاع الأوقاف :

إن مجرد تجميع  الرصيد الوقفي في المغرب وتركه في حالة جمود  غير كاف لتحقيق الغاية المنشودة من وجوده ، والتي تتمثل أساسا في تحقيق التنمية المستدامة،بل يتعين إيجاد إستراتيجية تزاوج بين المحافظة على الأموال الوقفية وحمايتها والتشجيع على إغناء رصيدها بمزيد من المساهمات الوقفية من جهة وكذا توسيع مصاريف ريعها وتوظيفه ضمن برامج تنموية  تنسجم مع طبيعة الوقف باعتباره استثمارا خيريا طويل الأجل يمتد نفعه إلى أجيال متعاقبة من جهة أخرى.
والملاحظ أن مدونة الأوقاف بصيغتها الجديدة التي عمد المشرع من خلالها إلى تجميع النصوص القانونية المنظمة للوقف تعتبر الخطوة الأولى والأساسية في وضع لبنات هذه الإستراتيجية وتتجلى أهميتها في تدعيم الطابع الحمائي للمال الوقفي في المغربي من خلال صياغة نظام إثبات مرن  وتحديث وتجميع النصوص القانونية المؤطرة له  ،إلا أن وجود النصوص القانونية لوحدها مهما بلغت درجة تطورها غير كافية ما لم يواكبها تحديث الهيكلة الإدارية وتأهيل الرأسمال البشري وتغيير المفهوم التقليدي لإدارة الأوقاف من إدارة للتسيير إلى إدارة لحسن التدبير ،كشرط للتفاعل الإيجابي مع الواقع بما يخدم تحقيق أهداف المؤسسة الوقفية .
2-   ايجاد  استراتيجية تنموية جديدة لإدماج الوقف في المشاريع التنموية الكبرى.
3-   إن إدماج الأموال الوقفية في صلب العملية التنموية يتطلب بداية ضرورة الإعتراف له بصفة ومركز  القطاع الثالث ضمن القطاعات الإنتاجية للدولة  إلى جانب القطاعين العام والخاص ،وخلق صيغ تنموية جديدة للأموال الوقفية تراعي احترام خصوصيتها وتمكن من توظيفها في صلب العملية التنموية، والتي يمكن تحديد البعض في النقط التالية.

أ‌-       المساهمة في رأسمال الشركات الإستثمارية:من خلال التمويل الناتج عن المداخيل المتأتية  من المعاوضات النقدية والتعويضات الممنوحة لمؤسسة الوقف وكذا المداخيل الناجمة عن الأكرية.
ب‌- تهيئة الأراضي الوقفية القابلة للإستغلال وفتحها في وجه الإستثمارات بعد تحفيظها وتجهيزها للرفع من قيمتها بدل بقائها في حالة ركود وجمود،وبناء مجمعات سكنية وتجارية وكرائها للمحتاجين بأثمنة تفضيلية تتحمل الدولة جزءا من تكاليفها في إطار دعم المشاريع الإسثتمارية الفلاحية والسكنية .
ت‌- الإنفتاح على باقي الفاعلين في الحقل التنموي وبالخصوص المنعشين العقاريين والإنخراط معهم في شراكات عقارية واستثمارية كبيرة.
ث‌- شراء أسهم المشاركات والمضاربات التي تصدرها الجهات الحكومية المختلفة وهي أسهم قابلة للتداول في لسوق تستطيع من خلالها مؤسسة الأوقاف من المساهمة في المشاريع الحكومية .
ج‌-   الإنفتاح على مصادر تمويل جديدة وبالخصوص الإستفادة من الإمكانيات التي يوفرها صندوق الإستثمار في ممتلكات الأوقاف التابع للبنك الإسلامي للتنمية من خلال صيغة عقد مشاركة في الأرباح.
ح‌-   إصدار سندات المقارضة وسندات الإستثمار بحيث تستطيع إدارة الأوقاف في هذه السندات المشروعة سواء بإصدارها أو الإكتتاب فيها ،وهذا ما قامت به إدارة الأوقاف الأردنية.
خ‌-   إعمال تجارب صناديق الوقف الإستثماري على غرار التجربة الكويتية وتمكن هذه الصناديق المسلمين عامة وأصحاب الخير والأثرياء ورجال الأعمال من المساهمة في وقف أموالهم والتبرع بها وتوظيفها في شكل رأسمال يوجه لسد الحاجات الأساسية للطبقات المعوزة في المجتمع.
د‌-     التخفيف من الرقابة الصارمة التي تباشرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على الأموال الوقفية واعتباره شأنا مجتمعيا بالدرجة الأولى وإتاحة الفرصة أمام جميع الفاعلين 
ذ‌-     الإنفتاح على ممثلي الجالية المغربية والإسلامية بالخارج وكذا على التجارب السابقة  قصد الإستفادة تجربتها في تنمية وإدارة المال الوقفي.

خاتمة:

يعتبر قطاع الوقف من القطاعات الأساسية القادرة على إعادة التوازن للإختلالات التي تصيب مختلف  القطاعات الإقتصادية والإجتماعية ساعده على ذلك طابعه الخيري القائم على ترسيخ أسس التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع بعيدا عن هدف تحقيق الربح المادي بمفهومه الإقتصادي كما هو الأمر بالنسبة لباقي القطاعات الإنتاجية الأخرى ،وهذه الخاصية هي التي جعلت الدول الغربية تعتمده - كبديل للقطاعات التقليدية – كآلية من آليات التنمية الشاملة والمستدامة ،واعترفت له بوضعه المميز له عن القطاعين العام والخاص ،كما عملت على إدماجه في صلب البناء الإقتصادي والإجتماعي ،وتحول إلى  الآليات الإستثمارية الضخمة ،قد مكنها من تعويض الفراغ الذي خلفه انسحاب الدولة من تدبير الشأن العام،كما خفف من وطأة مخلفات اقتصاد السوق الذي تعتمده الأنظمة الرأسمالية الذي يجعل من تحقيق الربح غايته الأساسية دون اكثرات بالتداعيات الإجتماعية التي يخلفها وينتج عنه اتساع رقعة الفقر والتهميش للطبقات الهشة في المجتمع التي لا تستطيع مجاراة النظام الصارم للدورة الإقتصادية ومن مظاهر نجاح نظام الوقف في الدول الغربية هو رقم المعاملات الضخمة التي أصبح يمثلها.
إن النجاح الذي حققه نظام الوقف في المجتمعات الغربية لم توفق  الدول الإسلامية  في الوصول إليه ،رغم  من انها هي من كان لها السبق في تنظيم أحكامه ،وبقيت نتائجه متفاوتة بحسب   حجم المجهودات التي بدلتها  هذه الدول،  وإن كانت دول الخليج -  بدرجة أكبر - قد قطعت أشواطا كبيرة في سبيل تحديث وعصرنة القطاع الوقفي ،وعلى الرغم من كون النتائج التي حققتها  لم تصل إلى درجة تلك المحققة لدى الدول الغربية .
وواقع الأوقاف في المغرب  لم تشكل  حالة استثناء من هذه الدول حيث اتسمت النتائج  المترتبة عن تدبير المجال الوقفي بالتواضع في نتائجه ،على الرغم من كون المؤسسة الوقفية كانت حاضرة عبر مر التاريخ الطويل للمغرب ،ذلك أنه رغم التوفر على رصيد غني جدا من الأعيان الوقفية باختلاف أنواع الوقف. إلا أن محاولات إدماجها في المجالات الإستثمارية الكبرى لا زالت تتسم بكثير من القصور في ظل غياب استراتيجية ورؤية واضحة بالنسبة للسلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف تتسم بالشجاعة في إخراج نظام الأوقاف من مفهومه التعبدي التقليدي الضيق إلى مجال حداثي عصري ذو أبعاد  استثمارية ،تمكنه من الإنفتاح على محيطه الإقتصادي والإجتماعي والثقافي مع المحافظة على خصوصيته ذات البعد الإنساني المحض وتجعل منه رافدا أساسيا من روافد التنمية التي بإمكانها الحد من الإختلالات البنيوية العميقة التي تعاني منها القطاعات الإستراتيجية وبالخصوص اعادة التوازن للقطاعات الإجتماعية بشكل عام والتخفيف من وطأة الهشاشة الإجتماعية التي يعاني منها الإقتصاد المغربي ،كما أنه من الشروط الضرورية التي تمكنه من تجاوز العيوب الحالية لنظام الأوقاف هو تأهيل الرأسمال البشري المعهود إليه بتسيير   الأوقاف بضرورة توظيف أطر ذات كفاءة عالية وتكوين في المجالات الإستثمارية الكبرى تكون قادرة على تدبير هذا القطاع وربطه بكافة القطاعات الأساسية نوكل ذلك لن يتأتى بكل تاكيد ما لم يتم التخفيف من حدة الصرامة الغير المبررة التي يدار بها القطاع من طرف السلطة الحكومية المختصة.

لائحة المراجع:

-الكتب:
- أحمد الريسوني,"الوقف الإسلامي مجالاته وأبعاده",دار الكلمة للنشر والتوزيع,القاهرة.مصر.2012.
- رقية بلمقدم,أوقاف مكاس في عهد مولاي إسماعيل,الجزء الأول,مطبعة فضالة.1993
- محمد الارناؤوط,دور الوقف فب المجتمعات الاسلامية ,دار الفكر المعاصر.دمشق.الطبعة الاولى 2000.
- الشيخ محمد المكي الناصري,الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية,منشورات وزارة الثقافة والشؤون الإسلامية,سنة1992.
- إبراهيم خليل عليان، تطوير الأوقاف واستثمارها (تجارب الدول الأخرى) جامعة القدس المفتوحة / فلسطين الطبعة 1434 – 2013،
- محمد عبد الحليم عمر، نظام الوقف الإسلامي والنظم المشابهة في العالم الغربي دراسة مقارنة ، بحث مقدم إلى المؤتمر الثاني للأوقاف، الصيغ التنموية والرؤى المستقبلية جامعة أو القرى مكة المكرمة
- محمود احمد مهدي ،نظام الوقف في التطيق المعاصر ،مكتبة جدة

-الندوات والمجلات والمقالات:
- داهي الفضلي,مداخلة تحت عنوان:"معالم التكوين التاريخي لنظام الوقف"في "ندوة التجارب الوقفية لدول المغرب العربي"التي انعقدت بالرباط أيام 9و10و11نونبر1999,منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.سنة النشر200
- طارق عبد الله عولمة الصدقة الجارية نحو أجندة كونية للقطاع الوقفي، مجلة أوقاف عدد 14 السنة الثامنة ماي 2008
-فتيحة لمعاشي، مقال تحت عنوان الوقف وتمويل التنمية البشرية على ضوء التجربة الإسلامية والغربية بدون طبعة
- ياسر  عبد الكريم الحوراني المشكلات المؤسسة الوقفية في التجربة الإسلامية التاريخية مجلة الأوقاف عدد 14 السنة الثامنة ماي 2008
-- جريدة البيان الإلكترونية.زيارة للموقع يومه الخميس 23يونيو2016على الساعة السابعة مساء www.albayan.co.uk
-مقال للأستاذ محمد المنوني منشور بمجلة دعوة الحق شهر رجب 1402ه /ماي 1982م.تحت اسم: دور الأوقاف المغربية في التكافل الإجتماعي عبر عصر بني مرين
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] -أحمد الريسوني,"الوقف الإسلامي مجالاته وأبعاده",دار الكلمة للنشر والتوزيع,القاهرة.مصر.2012.ص8
[2] -رقية بلمقدم,أوقاف مكاس في عهد مولاي إسماعيل,الجزء الأول,مطبعة فضالة.1993,ص1
[3] -محمد الارناؤوط,دور الوقف فب المجتمعات الاسلامية ,دار الفكر المعاصر.دمشق.الطبعة الاولى 2000.ص78
[4] - السلطان نور الدين محمود زنكي (511-569ه)شملت إمارته معظم بلاد الشام,وتصدى للحملة الصليبية الثانية,ثم قام بضم مصر لإمارته وأسقط الخلافة الفاطمية.
[5] -محمد الارناؤوط.م.س.ص80.
[6] -نفس المرجع.ص80
[7] -نفس المرجع ص81.
[8] -نفس المرجع ص83
[9] -داهي الفضلي,مداخلة تحت عنوان:"معالم التكوين التاريخي لنظام الوقف"في "ندوة التجارب الوقفية لدول المغرب العربي"التي انعقدت بالرباط أيام 9و10و11نونبر1999,منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.سنة النشر2001.ص37 .
[10] -جريدة البيان الإلكترونية.زيارة للموقع يومه الخميس 23يونيو2016على الساعة السابعة مساء www.albayan.co.uk
[11] -كاتب وشاعر ورحالة أندلسي ولد بالأندلس سنة 540 هجرية وتوفي في سنة 614 بالإسكندرية.
[12] -المرجع السابق.
[13] -المرجع السابق
[14] -محمد الأرناؤوط.م,س.ص12
[15] -الشيخ محمد المكي الناصري,الأحباس الإسلامية في المملكة المغربية,منشورات وزارة الثقافة والشؤون الإسلامية,سنة1992.ص4.
[16] -أحمد الريسوني,م.س.ص30.
[17] -رقية بلمقدم.م.س,ص42
[18] -أحمد الريسوني,م,س.ص32
[19] -رقية بلمقدم.م.س.ص82
[20] -نفس المرجع.ص83
[21] -أحمد الريسوني.م.س.ص33
[22] -نفس المرجع .ص 34 .
[23] -نفس المرجع,ص:36.
[24] -نفس المرجع.ص36
[25] -رقية بلمقدم.م.س.ص: 66.
[26] -نفس المرجع.ص 68 ,
[27] -أحمد بابا بن أقيت التكروري التمبكتي ت1036ه (1627م) حل بمراكش سجينا ثم أطلق سراحه,فانكب على التعليم بها...
[28] -نفيس المرجع.ص87.
[29] -أحمد الريسوني .م.س.ص 37
[30] -رقية بلمقدم.م.س.ص 59.
[31] -مقال للأستاذ محمد المنوني منشور بمجلة دعوة الحق شهر رجب 1402ه /ماي 1982م.تحت اسم: دور الأوقاف المغربية في التكافل الإجتماعي عبر عصر بني مرين.ص: 46 .
[32] -رقية بلمقدم.م.س ص 61
[33] -نفس المرجع,ص61.
[34] -أحمد الريسوني.م.س.ص43.
[35] إبراهيم خليل عليان، تطوير الأوقاف واستثمارها (تجارب الدول الأخرى) جامعة القدس المفتوحة / فلسطين الطبعة 1434 – 2013، ص 10.
[36] طارق عبد الله عولمة الصدقة الجارية نحو أجندة كونية للقطاع الوقفي، مجلة أوقاف عدد 14 السنة الثامنة ماي 2008، ص 37.
[37]  فتيحة لمعاشي، مقال تحت عنوان الوقف وتمويل التنمية البشرية على ضوء التجربة الإسلامية والغربية بدون طبعة، ص 2.
[38] فتيحة لمعاشي (مرجع سابق) ص 6.
[39] محمد عبد الحليم عمر، نظام الوقف الإسلامي والنظم المشابهة في العالم الغربي دراسة مقارنة ، بحث مقدم إلى المؤتمر الثاني للأوقاف، الصيغ التنموية والرؤى المستقبلية جامعة أو القرى مكة المكرمة ص 32.
[40] محمد عبد الحليم عمر (مرجع سابق).
[41] فتيحة لمعاشي (مرجع سابق)، ص100.
[42] ياسر  عبد الكريم الحوراني المشكلات المؤسسة الوقفية في التجربة الإسلامية التاريخية مجلة الأوقاف عدد 14 السنة الثامنة ماي 2008، ص 89-80.
[43] فتيحة لمعاشي (مرجع سابق)، ص 11.
[44] هناك تجارب وقفية ناجحة في عدد كبير من الدول الإسلامية كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والسودان وماليزيا والهند.
[45]  محمود احمد مهدي ،نظام الوقف في التطييق المعاصر ،مكتبة جدة ، ص 94.
[46] تنص المادة من مرسوم إنشاء الأمانة العامة للوقاف على أنه " تختص الأمانة العامة للأوقاف بالدعوة إلى الوقف والقيام بكل ما يتعلق بشؤونه بما في ذلك إدارة أمواله واستثمارها ،وصرف ريعها في حدود شروط الواقفين بما يحقق المقاصد الشرعية للوقف وتنمية المجتمع حضاريا وثقافيا واجتماعيا لتخفيف العبء على المحتاجين في المجتمع".
[47]  تتكون المؤسسات الموكول إلها تدبير قطاع الوقف في دولة الكويت من المؤسسات التالية :
1-       الأمانة العامة للأوقاف : وهي المؤسسة المركزية الرسمية التي تمثل الدولة وتتولى الإشراف العام على تسيير قطاع الوقف ،وتنظيم العلاقات بين مختلف الأجهزة الوقفية وفيما بينها وبين باقي  الأجهزة الحكومية بما يضمن إدماج قطاع الوقف ضمن السياسة القطاعية العامة .
2-       الصناديق الوقفية المتخصصة : هي صيغة مؤسسية تسهم في تحقيق أهداف إحياء سنة الوقف وتوسيع دائرة الأوقاف من خلال إضافة أوقاف جديدة ،ويختص كل صندوق من هذه الصناديق بالغرض الذي خصص له.
3-       المشاريع الوقفية : هي المشاريع التي تمارس من خلالها الأمانة العامة للأوقاف أنشطتها الخدمية وتتنوع مجالات تدخلها كذلك بتنوع أغراض الصناديق الوقفية المتخصصة ومن خلال هذه المشاريع يتم الربط بين النشاط الوقفي وبين مختلف القطاعات الحكومية الأخرى.  
4-       مؤسسات التنمية الإجتماعية : بدأ العمل بها منذ سنة 1996  في إنشاء الصندوق الوقفي الوطني للتنمية المجتمعية وأسندت إليه رعاية  حركة العمل الجمعوي الوقفي في مختلف المناطق السكنية ويدعم تنظيماتها الوقفية المحلية.
5-       جهاز الإسثتمار الوقفي : هو الجهاز الذي تم تطويره في إطار هيكل الأمانة العامة للإستثمار ليعنى بالإستثمار الوقفي من حيث أساليبه وأدواته كما يتولى مهمة البحث عن فرض الإستثمار والتعرف على المشاريع الوقفية وتقييمها.
6-       السلطة القضائية : تعتبر السلطة القضائية هي الجهة الموكول إليها النظر في النزاعات الوقفية في مواجهة الأغيار ،كما تتكون من قسم التوثيق الذي يتولى توثيق التصرفات الوقفية.
[48]  محمود احمد مهدي ،نظام الوقف في التطبيق المعاصر ،مكتبة جدة ، ص 97.
[49]   هذه نظرة تاريخية على بعض معالم مؤسسات الوقف عبر تاريخ المغرب  مقتطفة من مقال منشور على موقع مغرس بتاريخ 20 اكتوبر2010.
*  الوقف عند المرابطين والموحدين :
احتلت الأوقاف في المغرب في عهد المرابطين والموحدين مكانة عظيمة، وشغلت حيزا لا يستهان به في حياة المجتمع، ويدلنا على ذلك ما نجده في المدن العتيقة من المساجد والمعاهد والمدارس العلمية و المارستانات.
والذي يلقي نظرة على هذه المؤسسات يجد أن الذين قاموا بإنشائها استعملوا في تصميم بنائها وتنميته كل ما يملكون من رغبة في الإتقان و حاسة فنية، وهذا هو السر في بقاء هذه الدور الفنية الرائعة إلى هذا العصر
* الوقف في عهد المرينيين و الوطاسيين:
1- في عهد المرينيين:
جرت أوقاف لافتكاك الأسرى بالمغرب منذ عهد المرينيين لما اشتد الهجوم الصليبي على شواطئ المغرب، فهذا السلطان أبو فارس عبد العزيز بن العباس المريني(حكم بين سنة 796-799ه) يوصي عند وفاته بمال ثابت يفتك به من يقعون في الأسر، وهذا أيضا آخر سلاطين المرينيين عبد الحق بن أبي سعيد(حكم بين 823-869 ه) يوصي لنفس الهدف.
واستمر هذا النوع على عهد الوطاسيين، فقد وجدت حوالة حبسية تحمل رقم(921 بخزانة القرويين يوصي فيها السلطان أبو عبد الله محمد البرتغالي بأموال عقارية لافتكاك الأسرى.
2- في عهد الوطاسيين:
وجد بفاس على عهد الوطاسيين ربض خاص بالمجذومين يحتوي على مائة منزل تحت إشراف رئيس الربض المكلف بجمع مداخيل الأوقاف الخاصة بهؤلاء و بإنفاقها على توفير حاجاتهم المختلفة. ووجد بتطوان مأوى خاص بالمرضى و المنقطعين يقدم لهم كل ما يحتاجون من مداخيل الأحباس الكثيرة التي رصدت لصالحهم من طرف المحسنين مثل:
*الحاج علي الريدوني الذي حبس سنة 1219ه 220 حبسا معقبا ينتهي إلى مأوى المنقطعين عند نهاية العقب.
*الحاج عمر بن علي الدسولي الذي جبس سنة 1214ه، ثلث متخلفه على فاقدي العقل من نزلاء المأوى (المارستان).
*السيدة يتمكو معتقة الحاج الهاشمي بن عبود التي حبست سنة 1297ه ثلث متخلفها على الضعفاء ومرضى المارستان.
* الوقف في عهد السعديين:
من الثابت تاريخيا، أنه في عهد السعديين ازدهرت الحياة الثقافية أيما ازدهار، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها الأوقاف المخصصة لذلك، وانقسمت تلك الأوقاف إلى أوقاف على الكراسي العلمية وأوقاف المكتبات الدينية.
1- أوقاف الكراسي العلمية:
لقد وجدت في العهد السعدي شخصيات مرموقة في علمي المعقول والمنقول، استطاعت أن تؤدي رسالتها العلمية للخاص والعام بين الناس، بفضل ما خصص لها من مستفاد الأوقاف ومن بين هذه الشخصيات:
*أبو العباس أحمد بن علي المنجور(ت 995ه)، وكان يشغل كرسي التفسير، ويقرأ أيضا صبيحة يوم الخميس ويوم الجمعة"قصيد ابن زكري" في التوحيد، على الكرسي الكائن عن يمين الطالع المستودع الكائن عن يمين الداخل من باب الحفا بجامع القرويين، وكان له أيضا كرسي في الحديث و الفقه.
*أبو العباس أحمد بن علي الزموري (ت 1001ه)، وكانت له عدة كراسي من بينها: كرسي التفسير بجامع الأندلس وكان يقرؤه في غدوة الصباح ويقع عن يسار الداخل من الباب المقابلة للمدرسة، وكان يقرأ تفسير الإمام (الفخر) لكون الحبس عليه، كما كان له كرسي في السيرة بجامع القرويين.
*أبو القاسم بن سودة المري(ت 1004ه) وكان من بين العلماء الذين توزعوا الكراسي التي كانت للفقيه أحمد المنجور بعد وفاته، ووزعها المنصور السعدي.
*أبو زكريا يحيى بن محمد السراج (ت1007ه) وكان يقرأ التفسير، ولما مات(المنجور) انتقل لكرسيه، وكان يقرأ مختصر الشيخ خليل مسندا ظهره إلى حائط القبلة من ناحية الخزانة، وكان إذا فرغ من ذلك، يسير إلى مدرسة الحلفاويين يقرأ هناك مدونة أخرى له عليها حبس.
*أبو عبد الله محمد القصار (ت 1012ه) وقد عينه المنصور السعدي مكان(السراج) بعد وفاته، وكتب له المنصور الفتوى وجميع أحباسه. كما أنه تولى كرسي التفسير الذي كان للزموري بجامع الأندلس.
*محمد الشريف المريني التلمساني(ت 1018ه) كان يقرأ رسالة الشيخ أبي زيد القيرواني فوق الكرسي الكائن بظهر الخصّة من جامع القرويين بعد صلاة الصبح كل يوم، وكان إذا فرغ من الرسالة ينزل للأرض يقرأ صغرى الشيخ السنوسي، وفي بعض الوقت يقرأ ألفية ابن مالك.
ولازالت لائحة العلماء الذين استفادوا من الوقف قي عهد السعديين طويلة، نذكر منهم على سبيل المثال بعض علماء سوس منهم: منصور بن محمد المومني(ت1000ه/1591م)- سعيد بن علي الهوزالي(ت 1001ه/1592)- محمد بن أحمد الوقاد(ت1001ه/1592م)- عبد الرحمان بن الوقاد(ت1057ه/1647م)- عبد الرحمان بن محمد التامنارتي (ت1060ه/1650م).
2- أوقاف المكتبات الدينية:
كان الوقف يساعد على تنمية الثقافة، ويشجعها عن طريق الكتب التي توقف من المحسنين، ونتيجة لذلك وجدت مكتبات عامة شحنت بآلاف المخطوطات بغية مساعدة طالب العلم وتيسير وسائل المعرفة حتى يتمكن من دراسة العلوم، ومن بين هذه الأوقاف، الوقف الذي ابتنته أم المنصور السعدي(مسعودة الوزكيتية) التي حبست حوالي سبعين حانوتا غير نصف حانوت الواجبة لها في نصفها من القيسارية المشتركة بينها وبين مساكين المارستان المخترعة لها وسط سوق الخضر المراكشية دون البقعة المتصلة بقلعتها، وجميع بيت الأرجاء الجديدة المخترعة لها على وادي تسلطانت القريب من أرجاء أولاد الأمين مجمد بن القاسم القسطالي، وهذا الوقف كان يجري على الجامع العظيم بباب دكالة بمراكش وعلى خزائن كتبه وكراسي علمه.
ومن بين المكتبات التي شحنت بالمخطوطات الموقوفة عليها، ما أورده الدكتور محمد حجي في كتابه الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين.
*مكتبة ابن يوسف بمراكش: وأسسها السلطان عبد الله الغالب السعدي حوالي(965ه/1558م) عندما جدد المدرسة الكبرى المتصلة بجامع علي بن يوسف المرابطي، ولا زالت المكتبة العامة تحتفظ ببعض الكتب الموقوفة على مكتبة بن يوسف مثل المخطوطات رقم(26،139).
*مكتبة المسجد الأعظم بمكناس: أحيا السعديون هذه المكتبة وأوقفوا عليها العديد من الكتب، ومن مخطوطاتها الباقية، المخطوط رقم(395) وهو من تحبيس الأمير زيدان.
*مكتبة الجامع الأعظم بآسفي: جدد السعديون في آسفي جامعها العظيم ومدرستها ومكتبتها القديمة، ولازال جزء من مخطوط(مشارق الأنوار للقاضي عياض) باقيا، وهو تحبيس القائد عبد الله عام(1003ه/1594م)
*المكتبة الملكية بمراكش: وهي مكتبة خاصة بالمنصور السعدي، وتعد أم المكتبات وأهدي إليها مئات المؤلفين كتبهم من المغرب والمشرق.
تلكم كانت أهم المكتبات العامة الوقفية، بغض النظر عن المكتبة الخاصة للمنصور، إضافة إلى مكتبات خاصة تزيد على مائة مكتبة قي العصر السعدي.
وذلك ما جعل المغرب قبلة مشرقة مقصودة للنهل من مناهل العلوم والمعرفة.
* اهتمام الملوك العلويين بالوقف:
إن الأوقاف الإسلامية في المملكة المغربية هي تراث خالص للمسلمين المغاربة، تركه السلف ضمانة مادية لاستقرار الإسلام واستمرار تعاليمه بين المغاربة، ولما عرف ملوك الدولة العلوية قدسية الأوقاف، جعلوا أنفسهم حراسا لها. وقد أثبت التاريخ حرصهم في الدود عنها،والعمل على تحقيق الهدف منها.
1- موقف المولى إسماعيل وابنه عبد الله من الأحباس:
تولى المولى إسماعيل حكم المغرب (سنة 1083ه، إلى 1139ه)، وعرف المغرب في عهده استقرارا أمنيا وازدهارا عمرانيا، فكان من بين القضايا التي استرعت اهتمامه، قضية الأحباس بالمملكة، و لاشك أن نفسه الكبيرة انطوت على عوامل قوية تدفعه لرعاية أملاك الحبسية منها:
تدينه: فقد كان يحامي عن الإسلام و أرضه بسيفه و قلمه فكان يدعو الرهبان بإيالة المغرب للمناظرة بحظرته عسى أن يقتنعوا بدين الإسلام المبني على المنطق و الحجة، و لم يكتف بهذا بل كاتب رؤساء دول من أوربا يحاجهم في أحقية دين الإسلام و يدعوهم إليه.
ومن المواقف التي سجلها التاريخ المولى إسماعيل في قضية الأحباس، الأمر الملكي الذي أصدره، إلى نظار المملكة، لإحصاء الأوقاف و تسجيلها في دفاتر رسمية خصوصية تكون وثيقة قانونية وتاريخية بين الأجيال القادمة وكان من ذلك ما يسمى " بالحوالات الإسماعيلية، وكل ذلك مخافة الضياع والنسيان نتيجة كثرة الأوقاف بالمملكة.
وبعدما توفي المولى إسماعيل سنة 1139ه وتوفي ابنه أحمد الذهبي 1140ه، وأعلنت بيعة أخيه السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل، كانت النظارة العامة للأحباس "الوزارة الحبسية" من بين الوظائف العليا الموجودة في الحكومة.وقد عثرنا على ظهير أصدره السلطان مولاي عبد الله، وأسند به هذه الولاية إلى أحد الأفراد الموثق بهم سنة 1143ه، وهذا مقتطف من هذا الظهير بعد الحمدلة و التصلية والطابع الشريف:
"كتابنا هذا أسماه الله وأعز نصره، بيد خديمنا وحبيب أبوابنا، الأرضي لأخير الأقرب، السيد بلقاسم المسطاطي، ويتعرف منه بحول الله وقوته وشامل يمنه العميم ونصرته أننا جددنا له به ما كان عليه من النظارة في أمور الأحباس في جميع الأقطار والمدن والبلدان والقرى والمداشر وبسطنا له اليد الطولى على جميعهم..."
2- موقف باقي الملوك العلويين من الوقف إلى عهد الملك محمد الخامس
لما صعد عرش المغرب السلطان محمد بن عبد الرحمان بن عبد الله بن المولى إسماعيل، جرى على سنة أبيه في العناية بالأوقاف، وجدد أوامره إلى العمال والقضاة والنظار بمنع المعاوضة الحبسية طبقا لظهير شريف مؤرخ بتاريخ 4 صفر عام 1279ه، كما أصدر أمره بإحياء جامع أهل فاس برباط الفتح وبناء المسجد الجامع بالسوق في الدار البيضاء، وكان الصائر على هذا المسجد أحباس المسجد القديم.
وفي عهد ابنه السلطان مولاي الحسن بعث مندوب الخارجية المغربية بطنجة السيد محمد الطريس يخبره بحالة المارستان الطنجي الذي تداعى للسقوط، فأصدر أمره ببناء المارستان والزيادة فيه.كما أصدر أمره إلى ناظر الأحباس الطنجية أن يقوم على ساق الجد في بناء المقبرة الإسلامية بطنجة من الأحباس. كما أن السلطان مولاي الحسن كان ينفذ من مداخيل الأحباس رواتب العلماء.
وفي عهد السلطان مولاي يوسف ابن الحسن الأول تأسست بالمغرب "وزارة الأوقاف" وأسندها جلالته إلى المرحوم السيد أحمد الجاي، وكان ذلك بمقتضى ظهير 23 رمضان 1333ه.[20]كما أصدر ظهيرا بتاريخ 21 يونيو 1913 ينص فيه على أن أملاك الأحباس لا تستقر بها أية إدارة عمومية من الإدارات، إلا إذا أدت كراءها الحقيقي وصدر لها إذن من "بنيقة الأحباس" وسعى بعد ذلك لإقناع المقيم الفرنسي بذلك.[21]وفي 7 دجنبر 1955 تأسست أول حكومة مغربية بعد رجوع جلالة الملك محمد الخامس من منفاه وتبشيره بانتهاء عهد الحجر والحماية. وتحملت وزارة عموم الأوقاف المهام الكبيرة، وهذا ما خاطب به الملك محمد الخامس في عيد العرش 1959 شعبه فقال :"...وواظبت وزارة الأحباس على أداء مهمتها الدينية ببناء المساجد وتجديدها وتنظيم دروس الوعظ والإرشاد بها والقيام بخدمات في الميدان الاجتماعي بتحسين حالة الموظفين الدينيين وفتح أوراش التشغيل لمحاربة البطالة."
[50]  تنص المادة 02 من القرار الوزيري رقم 10.1346 الصادر بتاريخ 23 ابريل 2010 تشتمل نظارات الأوقاف  على المصالح التالية :
مصلحة تسيير الأملاك الوقفية،مصلحة الإستثمار والمحافظة على الأوقاف ،مصلحة الشؤون المالية ومصلحة الشؤون الإدارية"
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات