النظام القانوني للاعتماد المستندي
يرتكز النشاط التجاري أصلاً على حقيقة قائمة تتمثل في تلبية حاجات الناس وتزويدهم بكل ما هو ضروري لمعيشتهم وتحقيق رغباتهم في محاولة الحصول دائماً على الأجود والأفضل بأيسر السبل وأقل الكلف. وقد تخصصت بممارسة هذا النشاط فئة من الناس منذ فجر التاريخ وهي فئة التجار التي أخذت على عاتقها ضمان إيصال مختلف أنواع البضائع من أرجاء العالم كافة للمستهلكين بمقابل جني الربح وتحقيق اليسر.
وقد أدى ذلك إلى توسيع عمليات الاستيراد والتصدير التي أصبحت الوجه المضيء للنشاط التجاري المذكور الذي عم جميع أركان العالم، والمال الذي يعدّ قاسماً مشتركاً وأداة ممتازة لحل مشكلة البيع والشراء كان لا بد له، أيضاً، من الانتقال والحركة السريعة ليحتل مكان الصدارة بين مقومات النشاط.
وعملية نقل المال من مكان لآخر لم تعد مشكلة ولا سبباً للخوف، فوسائل الاتصال المتطورة حلت المشكلة وأنشئ «البنك أو المصرف» الذي أخذ على عاتقه عبء النقل السريع والأمين بمقابل أجور زهيدة لا تكاد تذكر إذا قيست بالنسبة إلى الخدمة المؤداة، تلك هي العمولة. والبائع البعيد الذي قد لا يكون على معرفة سابقة بمشتري بضاعته ويجهل المدى الذي يمكن أن يضع ثقته فيه لم يهتم بهذه النواحي بعد أن حلت الخدمة المصرفية مشكلته هو أيضاً، فلا حاجة للمعرفة الشخصية، فالعلاقات التجارية أصبحت لا تبنى على أساس المعرفة. فحسبُ التاجر المشتري المستورد أن يستعلم عن مكان وجود البضاعة التي يحتاج إليها فيراسل صاحبها ويتفق معه على أوصافها وثمنها وميعاد شحنها، ثم يتوجه إلى بنكه القريب، فيسطر له أمراً بفتح اعتماد بالثمن المتفق عليه لمصلحة البائع صاحب البضاعة فينفذ البنك مضمونه إما مباشرة وإما غالباً عن طريق بنك مراسل وسيط يقع في مكان قريب من مكان البائع، فيدفع له الثمن المتفق عليه بمجرد تسليمه وثائق ومستندات معينة متفق على عدّها دولياً بأنها تمثل البضاعة المُشتراة. تلك هي باختصار وإيجاز عملية فتح «الاعتماد المستندي» credit documentaire.
ويعد المجال الخصب للاعتماد محل البحث هو التجارة الدولية بين طرفين في دولتين مختلفتين، ولا مانع من قيامه داخل ذات الدولة، إلا أن الحقل الدولي هو الأكثر استعمالا له، ونظراً لأهميته فقد حاولت المنظمات والهيئات الدولية وضع قواعد وأعراف موحدة لتطبق على الصعيد الدولي دونما اختلاف بين دولة وأخرى في منهجية تطبيقه[1]
إذن من هنا تبرز لنا القيمة المضافة للاعتماد المستندي، وذلك كونه ضمان قانوني يهدف بالأساس إلى إجبار كافة المتدخلين في هذه العملية على حسن وضمان تنفيذ التزامها، كما تبرز أهميته في كونه آلية بنكية فاعلة في مجال تسوية الصفقات التجارية وتمويلها.
إذن فالإشكال المطروح في هذا الصدد يتجلى بالأساس في أسس العلاقة التعاقدية الناشئة عن عملية الاعتماد المستندي، والتي تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الهامة وهي:
* ما هي وظائف الاعتماد المستندي؟
* ما هي الطبيعة القانونية التي تحكمه؟
* ما هي أنواعه، والمستندات المطلوبة فيه؟
* ما هي التزامات كل متدخل؟ والنتائج المترتبة عن الإخلال بها؟
* وأخيراً ما هو دور القضاء في فض المنازعات الناجمة عنه؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه وفق التصميم الآتي:
المبحث الأول: أسس وماهية الاعتماد المستندي
المبحث الثاني: التزامات الأطراف في الاعتماد المستندي والتزامات البنك
المبحث الأول: أسس وماهية الاعتماد المستندي
يعتبر الاعتماد المستندي من أهم أشكال عمليات الائتمان التجاري التي تؤثر في الاقتصاد القومي، وهو عقد حديث في الحياة التجارية وعملية حديثة من العمليات التي تتعامل بها البنوك لتيسير وتسهيل حركة التجارة الدولية، لذلك كان لزاما علينا ونحن بصدد الحديث عن تحديد مفهوم له الحديث عن طبيعته القانونية ووظائفه الأساسية (المطلب الأول)، وكذا الحديث عن أنواعه وأنواع المستندات المطلوبة فيه (المطلب الثاني).
المطلب الأول : مفهوم الاعتماد المستندي
يستعمل الاعتماد المستندي في تمويل التجارة الخارجية، وهو يمثل في عصرنا الحاضر الإطار الذي يحظى بالقبول من جانب سائر الأطراف الداخلين في ميدان التجارة الدولية بما يحفظ مصلحة هؤلاء الأطراف جميعا من مصدرين ومستوردين (الفقرة الأولى)، لذا فهو يكتسي طبيعة قانونية خاصة ووظائف عدة لخدمة التجارة الدولية وتشجيع الاستثمار (الفقر الثانية).
الفقرة الأولى: تعريف الاعتماد المستندي وأطرافه
هناك الكثير من التعريفات التي صيغت للاعتماد المستندي، والتي استمدت غالبيتها في تنظيمه بمجموعة القواعد والأعراف الموحدة للاعتماد المستندي، سواء في استخراج تعريفات مشابهة أو مطابقة (أولا)، أو تحديد الأطراف المتدخلة فيه (ثانيا).
أولا : تعريف الاعتماد المستندي
قد يكون تَرْكُ المشرّع المغربي موضوع الاعتماد المستندي من دون نصوص صريحة تحدد مفهومه وتبين الحقوق والالتزامات التي تتولد عنه ناشئاً عن إدراك المشرّع للطبيعة الدولية والعرفية الخاصة بهذه الأداة التجارية الدولية. ويعزز هذا الرأي أن القانون التجاري أفرد للعرف دوراً كبيراً وعدّه مصدراً من مصادر التشريع.
غير أن هذا لا يمنع، من أجل تحقق الفائدة، من الاطلاع على ما صدر عن مجموعة من فقهاء القانون التجاري من تعريف. فتيريل ولوجين Terrel et Lejeune مثلاً عرّفاه بأنه «كل فتح لاعتماد أياً كانت الصورة التي يتخذها، يتم لمن كانت مرسلة إليه بضاعة في الطريق، ويكون مضموناً بوساطة المستندات المتعلقة بهذه البضاعة».
وعرفه علي جمال الدين عوض[2] في كتابه عن عمليات البنوك من الوجهة القانونية بأنه «الاعتماد الذي يفتحه المصرف بناء على طلب شخص يسمى الآمر أياً كانت طريقة تنفيذه، أي سواء كان بقبول الكمبيالة أو بالوفاء لمصلحة عميل لهذا الآمر وهو مضمون بحيازة المستندات الممثلة لبضاعة في الطريق أو معدة للإرسال».
وهذا التعريف لا يخرج في فحواه ومدلوله عن التعريف الوارد في المادة الأولى من القواعد والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية التي جاء فيها أن الاعتمادات المستندية تعني، أينما وردت، ترتيبات مهما كان شكلها أو نوعها يقوم بها البنك الفاتح للاعتماد banque émétrice بناء على طلب الزبون وفقاً لتعليماته بالدفع إلى شخص ثالث هو المستفيد bénéficiare أو لأمره بأن يدفع أو يشتري حوالات خارجية (سحوباً) مسحوبة من قبل المستفيد، أو أن يخول بنكاً آخر بالدفع أو بقبول السحوب أو شرائها أو دفعها وذلك بمقابل مستندات معينة يشترط أن تكون مطابقة لنصوص الاعتماد وشروطه.
ثانيا: أطراف الاعتماد المستندي
إن هذه التعريفات جميعها متفقة في الجوهر، فهي تحصر أطراف العملية وتشير إلى الائتمان الذي يقدمه البنك للزبون وكون هذا الائتمان مضموناً بحيازة المستندات.
ومهما كان وجه الاختلاف في التعريف بين الفقهاء فإنهم يُجمعون على الرأي بأن أي تعريف يجب أن يأخذ في الحسبان وجود أطراف ثلاثة.
Ø الطرف الأول الزبون الآمر donneur d’ordre ويسمى بهذا الاسم لأن البنك بعد أن يرضى بفتح الاعتماد يلتزم التقيد بتنفيذ تعليماته وفقاً للشروط.
Ø والطرف الثاني هو البنك المنشئ الفاتح للاعتماد.
Ø والطرف الثالث هو البائع المستفيد أو المصدر.
Ø ويتداخل طرف رابع هو البنك الوسيط المراسل، وهو البنك الذي يقوم بإبلاغ المستفيد بنص خطاب الاعتماد الوارد إليه من البنك المصدر للاعتماد في الحالات التي يتدخل فيها أكثر من بنك في تنفيذ عملية الاعتماد المستندي كما هو الغالب.
وبذلك يمكن القول إن الاعتماد le crédit والمستندات les documents هما دعامتا عملية فتح الاعتماد المستندي، وإن البنك هو الذي يتحمل العبء الأكبر من العملية فهو الذي يقبل الأمر بفتح الاعتماد من قبل المشتري وهو الذي يمنحه القرض crédit ويلتزم بوفاء المبلغ نيابة عنه بعد أن يوافق على فتح الاعتماد.
والأصل في البيع والشراء أن يتم بطريقة التسلم والتسليم: فالمشتري يسلم الثمن والبائع يسلم المبيع من دون أن يتعرض أي منهما للمجازفة. هذا في البيوع المحلية العادية.
أما في أعمال التجارة الخارجية فالأمر يختلف: هناك تاجر مستورد يتعاقد مع مصدِّر بضاعة أجنبي على شراء صفقة معينة، غير أنه لجهل أحدهما الآخر ولعدم الثقة بينهما بنتيجة ذلك الجهل، فإن المصدِّر لا يقبل شحن البضاعة من دون أن يضمن وصول قيمتها إليه بوجه أكيد.
وكذلك فإن المستورد يمتنع عن دفع القيمة قبل أن يتسلم البضاعة ويتحقق هو الآخر من وصولها إليه في مرفأ الوصول. وهذا ما دعا تاريخياً إلى إيجاد ما يسمى بيع الوصول في البيوع البحرية في التجارة الدولية.
ومن أجل حلّ هذا الإشكال القائم بين البائع والمشتري ابتُدِعت مؤسسة الاعتماد المستندي، فهي تسهل على المصدّر والمستورد عملية البيع والشراء من غير أن يتعرضا لمخاطر الامتناع عن الدفع أو التسليم، إذ يلجأ البائع المصدر والمشتري المستورد إلى إدخال طرف ثالث بينهما هو البنك فاتح الاعتماد في بلد المستورد. وعلى هذا فإن عملية فتح الاعتماد يمكن أن تتم بطريقة آلية على النحو التالي:
ü المشتري يتصل ببنكه ويأمره بفتح اعتماد مستندي وفق شروط مطابقة لما هي عليه شروط عقد البيع.
ü البنك منشئ الاعتماد، بعد الأخذ في الحسبان ملاءة المشتري وقدرته على الوفاء والغطاء الذي يقدمه، يقبل بفتح الاعتماد لمصلحة البائع المستفيد.
ü البنك منشئ الاعتماد يبلغ موافقته على فتح الاعتماد للبائع المستفيد عن طريق بنك مبلِّغ (مراسل أو وسيط).
ü البنك المبلِّغ يبلغ البائع المستفيد إعلان البنك منشئ الاعتماد.
ثم تتم في مجال استعمال الاعتماد عملية عكسية كالتالي:
ü البائع، يقدم المستندات للبنك المبلِّغ الوسيط.
ü البنك المبلِّغ الوسيط: يدقق المستندات، ويرسلها على وجه السرعة للبنك منشئ الاعتماد ويدفع القيمة للبائع.
ü البنك منشئ الاعتماد يتلقى المستندات ويدققها بدوره ويتحقق من مراعاة شروط الاعتماد حرصاً منه على مصلحة زبونه المشتري، ثم يسلم المستندات للمشتري بعد قيد المبلغ في حسابه.
ولعلنا، بخطاطة عملية، نستطيع أن نعطي صورة عن أهمية الاعتماد المستندي الذي يفترض أن يتم التعامل بين مستورد او مشتري مغربي، ومصدر أو بائع فرنسي، وبنك مغربي ــ فاتح الاعتماد ــ، ثم بنك فرنسي ــ البنك الوسيط ــ الذي يتعامل معه البائع، وتتم العملية وفق الآتي:
Description : I:\coure droit\عروض الفصل الثالث - ماستر قانون الأعمال - كاملة ومنقحة\les page de gard\Sans titre.png
الفقرة الثانية : الطبيعة القانونية للاعتماد المستندي ووظائفه.
يحقق الاعتماد المستندي لطرفي العملية قدراً من الأمان، كما يمكن الطرف الذي يكون محلاً للثقة أن يحصل بشكل مباشر أكثر سهولة على مساعدات مالية.
أولا: الطبيعة القانونية للاعتماد المستندي
لقد أجمعت الآراء، على استقلال التزام البنك تجاه البائع عن عقد البيع، وقد أشارت إلى ذلك المادة الأولى من القواعد والعادات الموحدة. كما أجمعت الآراء، أيضا، على استقلال التزام البنك تجاه البائع، عن عقد فتح الاعتماد بين البنك وعميله المشتري. كما أنه من الواضح أن التزام البنك تجاه البائع لا يستند إلى أي عقد سابق بين الطرفين[3].
وقد تعددت النظريات في التفسير القانوني لطبيعة التزام البنك تجاه البائع:
v هناك من اعتبره عقد كفالة، بحيث يلتزم البنك بأن يكفل المشتري تجاه البائع بمقدار الثمن. في هذه الحالة لا يمكن اعتباره عقد كفالة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لماذا؟ لأن الكفالة تعتبر التزاما تابعا مرتبطا بالتزام أصلي، ولا وجود لالتزام أصلي بالنسبة للبنك، لاستقلال التزامه عن العلاقة القانونية القائمة بين البائع والمشتري.
v وهناك من اعتبره تعاقد لمصلحة الغير، لأن البنك يكون بوضع متعهد تجاه المستفيد، لأنه يلتزم نحوه مباشرة . هذه النظرية لا يمكن اعتمادها أيضا، لماذا؟ لأن البنك يظل ملتزما تجاه المستفيد التزاما مستقلا، حتى ولو أخل المشتري بالتزامه تجاه البنك، في حين أن التعاقد لمصلحة الغير، يتحرر المتعهد من تنفيذ التزاماته، عندما يمتنع المتعاقد أو المشترط عن تنفيذ ما تعهد به.
v وهناك من اعتبره عبارة عن تفويض أو إنابة Délégation ، لأن المشتري الآمر المكتسب حقا بالاعتماد، يفوض أو ينيب المستفيد في استعمال هذا الحق، وعندما يقبل البنك بهذه الإنابة، يصبح ملتزما مباشرة تجاه المستفيد المناب إليه، بغض النظر عن علاقة المستفيد بالآمر أو بالبنك المناب.
v وهناك من اعتبره التزام بالإرادة المنفردة، لأن البنك يلتزم تجاه المستفيد مباشرة، التزاما مجردا، كما يلتزم تجاه المشتري الآمر، عندما يفتح له اعتماداً، وذلك على أساس الثقة بشخصه التي ينبني على أساسها اعتقاداً منه بأن الزبون الأمر لن يخل بالتزاماته تجاهه.
v وهناك نظريات أخرى قالت: بأن التزام البنك تجاه المستفيد مباشرة، يجعل البنك في مركز الوكيل بالعمولة الضامن. وقال غيرها: أن التزام البنك يقوم على فكرة القبول الصرفي. وقال آخرون بأن: خطاب الاعتماد هو عبارة سند مصرفي ذي طبيعة خاصة تحكمه أصول وقواعد عرفية.
ثانيا: وظائف الاعتماد المستندي
ü الاعتماد المستندي وسيلة ضمان لطرفي البيع؛ فالاعتماد يؤدي إلى فصل البيع عن الاعتماد عند تنفيذ الاعتماد، بحيث لا ينظر في التنفيذ إلى شروط البيع أو مصيره أو ظروف المشتري أو أي عنصر آخر خارج عن علاقة البائع بالبنك الذي وعد بتنفيذ الاعتماد.
ü الاعتماد المستندي وسيلة وفاء وتمويل لطرفي البيع؛ حيث يمكن البائع من الحصول على الثمن فور تنفيذه البيع ولو لم تصل البضاعة إلى المشتري بعد، كما يمكن المشتري من الحصول على نقود قبل وصول البضاعة، عن طريق رهنها لدى البنك بموجب المستندات التي في حيازة البنك.
ü الاعتماد المستندي وسيلة لتسوية البيع بالمستندات؛ فالاعتماد لا يقوم استقلالاً، فالاتفاق على تسوية الثمن بطريق الاعتماد المستندي اتفاق جوهري، كما أن الأصل أن تكون شروط الاعتماد مطابقة للشروط المتفق عليها في عقد البيع الذي يهدف إلى تسويته.
ü الاعتماد المستندي تعهد مشروط؛ فالدفع يتم باسم المشتري نظير المستندات التي يمكن أن تمثل البضاعة، ومع ذلك فقد يلتزم المشتري ـ في بعض الأنظمة التجارية ـ بأن يدفع مقدماً مبلغاً عندما يتقدم بطلب إصدار الاعتماد، أو يلزم بتقديم مبلغ الاعتماد وقت تقديم المستندات إلى مراسل البنك المصدر والموجود بالخارج.
ü الاعتماد المستندي تعهد مصرفي؛ فالبائع له الحق في أن يطالب البنك بالوفاء، بدلاً من اعتماده على قدرة أو رغبة المشتري في الوفاء، ومع ذلك فإن للبائع الحق في طلب الوفاء فقط، إذا نفذ كل شروط الاعتماد، فليس من الحكمة أن يبدأ الشحن حتى يحاط علماً بهذه الشروط ويتأكد من قدرته على تنفيذها.
المطلب الثاني: أنواع الاعتماد المستندي والمستندات المطلوبة فيه
الفقرة الأولى: أنواع الاعتماد المستندي
أولا: تصنيف الاعتمادات من حيث قوة تعهد البنك المصدر
تتخذ الاعتمادات المستندية صورا مختلفة، يمكن تصنيفها من حيث قوة التعهد (أي مدى التزام البنوك بها) إلى نوعين هما الاعتماد القابل للإلغاء والاعتماد القطعي (غير القابل للإلغاء ).
أ) الاعتماد القابل للإلغاء
الاعتماد القابل للإلغاء أو النقض هو الذي يجوز تعديله أو إلغاؤه من البنك المصدر له في أي لحظة دون إشعار مسبق للمستفيد. وهذا النوع نادر الاستعمال حيث لم يجد قبولا في التطبيق العملي من قبل المصدّرين لما يسببه لهم من أضرار ومخاطرة، ذلك أن الاعتماد القابل للالغاء يمنح ميزات كبيرة للمستورد فيمكنه من الانسحاب من التزامه، أو تغيير الشروط أو إدخال شروط جديدة في أي وقت شاء دون الحاجة إلى إعلام المستفيد، غير أن التعديل أو النقض لا يصبح نافذا إلا بعد أن يتلقى المراسل الاشعار الذى يوجهه إليه البنك فاتح الاعتماد لهذا الغرض، بمعنى أن البنك فاتح الاعتماد يكون مرتبطا تجاه المستفيد بدفع قيمة المستندات في حال أن هذا الدفع قد تم من قبل البنك المراسل قبل استلام علم التعديل أو الإلغاء.
ب) الاعتماد القطعي
الاعتماد القطعي أو غير القابل للالغاء هو الذى لا يمكن الغاؤه أو تعديله إلا إذا تم الاتفاق والتراضي على ذلك من قبل جميع الأطراف ذات العلاقة، ولا سيما موافقة المستفيد، فيبقى البنك فاتح الاعتماد ملتزما بتنفيذ الشروط المنصوص عنها في عقد فتح الاعتماد. وهذا النوع من الاعتمادات المستندية هو الغالب في الاستعمال لأنه يوفر ضمانا أكبر للمصدر لقبض قيمة المستندات عند مطابقتها لشروط وبنود الاعتماد.
ثانيا: تصنيف الاعتمادات من حيث قوة تعهد البنك المراسل
يمكن تقسيم الاعتماد القطعي إلى قسمين اعتماد معزّز واعتماد غير معزّز.
أ) الاعتماد المستندي غير المعزّز
بموجب الاعتماد المستندي غير المعزّز، يقع الالتزام بالسداد للمصدّر على عاتق البنك فاتح الاعتماد، ويكون دور البنك المراسل في بلد المصدّر مجرد القيام بوظيفة الوسيط في تنفيذ الاعتماد نظير عمولة، فلا الزام عليه إذا أخل أحد الطرفين بأي من الشروط الواردة في الاعتماد.
ب) الاعتماد القطعي المعزّز
في الاعتماد القطعي المعزّز، يضيف البنك المراسل في بلد المستفيد تعهده إلى تعهد البنك الذى قام بفتح الاعتماد، فيلتزم بدفع القيمة في جميع الظروف ما دامت المستندات مطابقة للشروط، وبالتالي يحظى هذا النوع من الاعتمادات بوجود تعهدين من بنكين (البنك فاتح الاعتماد والبنك المراسل في بلد المستفيد) فيتمتع المصدر المستفيد بمزيد من الاطمئنان وبضمانات أوفر بامكانية قبض قيمة المستندات.
وبطبيعة الحال لا يطلب البنك فاتح الاعتماد تعزيز الاعتماد من البنك المراسل إلا عندما يكون ذلك جزءا من شروط المصدِّر على التاجر المستورد، فقد لا توجد حاجة لذلك إذا كان البنك فاتح الاعتماد هو أحد البنوك العالمية المشهورة لعظم ثقة الناس بها. كما أن البنوك المراسلة لا تقوم بتعزيز الاعتمادات إلا إذا توافرت عندها الثقة بالبنك المحلي فاتح الاعتماد، ويكون ذلك نظير عمولة متفق عليها.
ثالثا: تصنيف الاعتمادات من حيث طريقة الدفع للبائع المستفيد
يمكن تقسيم الاعتماد المستندي من حيث طريقة الدفع للبائع المستفيد ( تنفيذ الاعتماد) إلى اعتماد اطلاع، واعتماد قبول أو لأجل، واعتماد الدفعات المقدمة.
اعتماد الاطلاع
في اعتماد الاطلاع، يدفع البنك فاتح الاعتماد بموجبه كامل قيمة المستندات المقدمـة فور الاطلاع عليها والتحقـق من مطابقتها للاعتمـاد، ويكون الدفع من أموال البنك في حالة اعتماد المرابحة، أما في حالة اعتماد الوكالة فإن البنك يقوم بابلاغ عميله طالب فتح الاعتماد بوصول المستندات ويطلب منه توقيعها وتسلمها ودفع قيمتها كاملة مع العمولات المضافة ( أو ما بقي من قيمتها على افتراض أنه سلّم دفعة مقدمة عند فتح الاعتماد ) أو يقيد ذلك فورا على حسابه. وهذا النوع هو أكثر الاعتمادات شيوعا.
اعتماد القبول
في اعتماد القبول، ينص على أن الدفع يكون بموجب كمبيالات يسحبها البائع المستفيد ويقدمها ضمن مستندات الشحن، على أن يستحق تاريخها في وقت لاحق معلوم. والمسحوبات المشار إليها أما أن تكون على المشتري فاتح الاعتماد، وفي هذه الحالة لا تسلم المستندات إلا بعد توقيع المشتري بما يفيد التزامه بالسداد في التاريخ المحدد لدفعها. وأما أن تكون مسحوبة على البنك فاتح الاعتماد الذى يتولى نيابة عن المشتري توقيعها بما يفيد التزامه بالسداد في الأجل المحدد لدفعها. أو يسحبها على المشتري ويطلب توقيع البنك الفاتح بقبولها أو التصديق عليها. ويختلف اعتماد الدفع الآجل عن اعتماد القبول في أن المستفيد لا يقدم كمبيالة مع المستندات.
اعتماد الدفعات
اعتمادات الدفعات المقدمة أو الاعتمادات ذات الشرط الأحمر هي اعتمادات قطعية يسمح فيها للمستفيد بسحب مبالغ معينة مقدما بمجرد اخطاره بالاعتماد، أي قبل تقديم المستندات.
وتخصم هذه المبالغ من قيمة الفاتورة النهائية عند الاستعمال النهائي للاعتماد، وسميت هذه الاعتمادات بهذا الاسم لأنها تحتوي على هذا الشرط الخاص الذى يكتب عادة بالحبر الأحمر للفت النظر إليه.
ويقوم البنك المراسل بتسليم الدفعة المقدمة للمستفيد مقابل إيصال موقع منه إلى جانب تعهد منه بردها إذا لم تشحن البضاعة أو يستعمل الاعتماد خلال فترة صلاحيته، ويلتزم البنك المصدر بتعويض البنك المراسل عند أول طلب منه. فإذا لم ينفذ الاعتماد وعجز المستفيد عن رد الدفعة المقدمة فإن الآمر مسؤول عن التعويض للبنك المصدر.
وقد يتم تسليم الدفعة المقدمة مقابل خطاب ضمان بقيمة وعملة الدفعة المقدمة. ويستخدم هذا النوع من الاعتمادات لتمويل التعاقدات الخاصة بتجهيز المصانع بالآلات والمعدات وإنشاء المباني، أو التعاقدات الخاصة بتصنيع بضاعة بمواصفات خاصة لا تلاءم إلا مستوردها وحده، أو كونها تحتاج لمبالغ كبيرة من أجل تصنيعها.
رابعا: تصنيف الاعتمادات من حيث طريقة سداد المشتري الآمر بفتح الاعتماد
يمكن تقسيم الاعتمادات المستندية من حيث مصدر تمويلها، فقد تكون ممولة تمويلا ذاتيا من قبل العميل طالب فتح الاعتماد، أو ممولة تمويلا كاملا أو جزئيا من طرف البنك فاتح الاعتماد.
الاعتماد المغطى كليا
الاعتماد المغطى كليا هو الذى يقوم طالب الاعتماد بتغطية مبلغه بالكامل للبنك، ليقوم البنك بتسديد ثمن البضاعة للبائع لدى وصول المستندات الخاصة بالبضاعة إليه. فالبنك في هذه الحالة لا يتحمل أي عبء مالي لأن العميل الآمر يكون قد زوده بكامل النقود اللازمة لفتحه وتنفيذه، أو يكون في بعض الحالات قد دفع جزءا من المبلغ عند فتح الاعتماد ويسدد الباقي عند ورود المستندات، فهذه الحالة تأخذ حكم التغطية الكاملة.
ولكن يظل البنك في الاعتماد المغطى كليا مسؤولا أمام عميله عن أي استعمال خاطئ للنقود مثل دفعها للمستفيد إذا لم تكن شروط الاعتماد قد توافرت أو إذا تأخر فيها، كما يسأل عن أي خطأ مهني يرتكبه البنك المراسل في مهمته.
الاعتماد المغطى جزئيا
الاعتماد المغطى جزئيا هو الذى يقوم فيه العميل الآمر بفتح الاعتماد بدفع جزء من ثمن البضاعة من ماله الخاص، وهناك حالات مختلفة لهذه التغطية الجزئية مثل أن يلتزم العميل بالتغطية بمجرد الدفع للمستفيد حتى قبل وصول المستندات، أو الاتفاق على أن تكون التغطية عند وصول المستندات، أو أن يتأخر الدفع إلى حين وصول السلعة.
ويساهم البنك في تحمل مخاطر تمويل الجزء الباقي من مبلغ الاعتماد. وتقوم البنوك التقليدية باحتساب فوائد على الأجزاء غير المغطاة، وهي فوائد ربوية محرمة تتجنبها البنوك الاسلامية باستخدام بديل آخر يسمى اعتماد المشاركة.
الاعتماد غير المغطى
الاعتماد غير المغطى هو الاعتماد الذي يمنح فيه البنك تمويلا كاملا للعميل في حدود مبلغ الاعتماد حيث يقوم البنك بدفع المبلغ للمستفيد عند تسلم المستندات، ثم تتابع البنوك التقليدية عملائها لسداد المبالغ المستحقة حسبما يتفق عليه من آجال وفوائد عن المبالغ غير المسدد. وتختلف البنوك الاسلامية في كيفية تمويل عملائها بهذا النوع من الاعتمادات حيث تعتمد صيغة تعامل مشروعة تسمى اعتماد المرابحة.
خامسا: تصنيف الاعتمادات من حيث الشكل
يمكن أيضا تقسيم الاعتمادات من حيث الصورة والشكل إلى ثلاثة أنواع: الاعتماد القابل للتحويل، و الاعتماد الدائري أو المتجدد، و الاعتماد الظهير .
الاعتماد القابل للتحويل
الاعتماد القابل للتحويل هو اعتماد غير قابل للنقض ينص فيه على حق المستفيد في الطلب من البنك المفوَّض بالدفع أن يضع هذا الاعتماد كليا أو جزئيا تحت تصرف مستفيد آخر، ويستخدم هذا النوع غالبا إذا كان المستفيد الأول وسيط أو وكيل للمستورد في بلد التصدير، فيقوم بتحويل الاعتماد بدوره إلى المصدرين الفعليين للبضاعة نظير عمولة معينة أو الاستفادة من فروق الأسعار. وتتم عملية التحويل باصدار اعتماد جديد أو أكثر لصالح المستفيد الأول أو المستفيدين التالين، ولا يعني التحويل تظهير خطاب الاعتماد الأصلي نفسه أو تسليمه للمستفيد الثاني. ويشترط لإمكان التحويل موافقة الآمر والبنك المصدر للاعتماد الأصلي والمستفيد الأول.
الاعتماد الدائري أو المتجدد
الاعتماد الدائري أو المتجدد هو الذي يفتح بقيمة محددة ولمدة محددة غير أن قيمته تتجدد تلقائيا إذا ما تم تنفيذه أو استعماله، بحيث يمكن للمستفيد تكرار تقديم مستندات لعملية جديدة فى حدود قيمة الاعتماد، وخلال فترة صلاحيته، وبعدد المرات المحددة فى الاعتماد. وقد يكون تجدد الاعتماد على أساس المدة أو على أساس المبلغ. أم تجدده على أساس المبلغ فمعناه أن تتجدد قيمة الاعتماد حال استخدامه بحيث يكون للمستفيد أن يحصل على مبلغ جديد كلما قدم مستندات بضاعة جديدة خلال مدة سريان الاعتماد. أما تجدده على أساس المدة فمعناه أن يفتح هذا الاعتماد بمبلغ محدد، ويتجدد مبلغه تلقائيا لعدة فترات بنفس الشروط، فإذا تم استعماله خلال الفترة الأولى تجددت قيمته بالكامل ليصبح سارى المفعول خلال الفترة التالية وهكذا. وهذا النوع قليل الاستخدام ولا يفتح فى العادة إلا لعملاء ممتازين يثق البنك فى سمعتهم، ويستعمل خصوصا لتمويل بضائع متعاقد عليها دوريا.
الاعتماد الظهير
الاعتماد الظهير ( أو الاعتماد مقابل لاعتماد آخر ) يشبه الاعتماد القابل للتحويل حيث يستعمل في الحالات التى يكون فيها المستفيد من الاعتماد الأصلي وسيطا وليس منتجا للبضاعة كأن يكون مثلا وكيلا للمنتج، وفي هذه الحالة يقوم المستفيد بفتح اعتماد جديد لصالح المنتج بضمانة الاعتماد الأول المبلغ له.
ويستخدم هذا الأسلوب خصوصا إذا رفض المستورد فتح اعتماد قابل للتحويل أو في حالة طلب المنتج شروطا لا تتوفر في الاعتماد الأول، وعادة ما تكون شروط الاعتماد الثاني مشابهة للاعتماد الأصلي باستثناء القيمة وتاريخ الشحن وتقديم المستندات التى تكون في الغالب أقل وأقرب ليتيسّر للمستفيد الأول اتمام العملية وتحقيق الربح من الفرق بينهما.
سادسا: تصنيف الاعتمادات من حيث طبيعتها
يمكن تقسيم الاعتمادات المستندية باعتبار طبيعة الاعتماد إلى اعتماد تصدير واعتماد استيراد.
اعتماد التصدير : هو الاعتماد الذي يفتحه المشتري الأجنبي لصالح المصدر بالداخل لشراء ما يبيعه من سلع محلية.
اعتماد الاستيراد : هو الاعتماد الذي يفتحه المستورد لصالح المصدر بالخارج لشراء سلعة أجنبية
الفقرة الثانية: المستندات المطلوبة في الاعتماد المستندي
يعتمد بشكل عام طلب المستندات في الاعتمادات على صنف البضاعة ووسيلة الشحن ومكان الشحن ومكان الوصول.و المستندات هي مجموعة من الأوراق التي تمكن المستفيد من صرف قيمة الاعتماد. و تنقسم هذه المستندات الى مستندات رئيسية {أولا} و أخرى تكميلية { ثانيا}
أولا : المستندات الرئيسية
1: سند الشحن : و هو عبارة عن مستند يقدمه البائع إلى البنك لإثبات أن البضاعة قد سلمت إلى شركة الملاحة من اجل شحنها او قد شحنت فعلا و سند الشحن هو قابل للتداول و التظهير
ويحتوي السند على ميناء الشحن ومكان الوصول وأجرة الشحن وكيفية دفعها. ويطلب البنك فاتح الاعتماد لأن تصدر سند الشحن لأمره باعتبار أن السند هو وثيقة تملك فوكيل الباخرة يسلم البضاعة المشحونة إلى من يسلمه بوليصة الشحن الأصلية وحيث أن البضاعة تعتبر ضماناً لتسديد قيمة المستندات فإن البنك فاتح الاعتماد يستطيع السيطرة على البضاعة ولا يُجير سند الشحن للعميل إلا بعد تسديد قيمة الاعتماد.
2: الفاتورة التجارية : تعتبر الفاتورة إحدى المستندات الهامة والتي تطلب في جميع الاعتمادات المستندية وتكون صادرة عن المستفيد في الاعتماد وتبين قيمة البضاعة المرسلة وكمية ومواصفات هذه البضاعة.
وعادة يطلب تصديق الفواتير التجارية من قنصلية بلد المصدر، وعدم تصديق الفواتير من إحدى القنصليات يعرض المستورد إلى دفع غرامة تقتطع من قيمة المستندات عند وصولها.
3:وثيقة التامين : و تصدر هذه الوثيقة عن الشركة التامين المعينة من قبل المستفيد البائع و المتضمنة اعترافا منها بان البضاعة مؤمن عنها .
ويجب على المستفيد تأمين البضاعة المشحونة في البيوع التي تقتضي منه ذلك باعتباره بائعا مثل البيع فوب و البيع سيف[4].
ثانيا : المستندات التكميلية
لا يمكن حصر لائحة المستندات التكميلية لأنها تتماشى وفق غايات معينة يبتغيها المتعاملون في كل اعتماد لكن من ابرز هذه المستندات هي :
1: شهادة المنشأ: تطلب شهادة المنشأ في جميع الاعتمادات وتصدر عن الغرفة التجارية في بلد المستفيد والغرض من هذه الشهادة هو معرفة مكان إنتاج أو تصنيع البضاعة المستوردة ويجب تصديق هذه الشهادة بنفس التصديق الوارد في الفاتورة التجارية. ومن الجدير بالذكر أن البضاعة المستوردة من أماكن مختلفة تخضع إلى نسب جمارك مختلفة.
2: الشهادة الصحية: تطلب هذه الشهادة في الاعتمادات المتعلقة باستيراد المواد الغذائية كالمعلبات والحليب ومشتقاته أو اللحوم للتأكد من صلاحيتها للاستهلاك البشري أو الحيواني. وتصدر عن وزارة الصحة في بلد المصدر ومن الجدير بالذكر أنه يتم فحص الأغذية واللحوم المستوردة من الخارج من قبل الأجهزة الصحية في بلد المشتري للتأكد من مدى صلاحيتها للاستهلاك البشري أو الحيواني قبل طرحها الفعلي في السوق.
3: شهادة الوزن: تطلب هذه الشهادة في الاعتمادات التي تعتمد بضاعتها على الوزن مثل السكر والأرز والشاي وما شابه وتصدر عادة عن المستفيد كما يمكن أن تصدر عن مؤسسات متخصصة في الوزن.
4: اذن التسليم : و به يتسلم المرسل اليه البضاعة في ميناء الوصول من امين الحمولة[5].
المبحث الثاني: التزامات الأطراف في الاعتماد المستندي والآثار الناتجة عنه
ينشأ عن العلاقة التعاقدية بين أطراف عقد الاعتماد المستندي التزامات محددة على كل طرف في هذه العلاقة التعاقدية بحيث أن أي إخلال بها تترتب عليه المسؤولية القانونية، وسنتناول في هذا المبحث بالدراسة بشيء من التمحيص إلتزمات أطراف عقد الاعتماد المستندي، والمسؤولية المترتبة في حالة الإخلال.
المطلب الأول :العلاقات الناشئة على الاعتماد المستندي
هناك عدة التزامات تترتب على قيام العلاقة التعاقدية بين أطراف عقد الاعتماد ألمستندي، وهذه الالتزامات تكون في صورة علاقة أطراف العلاقة يبعضها البعض، وهذا ما سنتناوله في الفقرات التالية:
أولا: علاقة المشتري بالبنك
إن الأساس القانوني الذي تستند إليه العلاقة ما بين المشتري الآمر والبنك هو عقد الاعتماد المستندي، فهذا العقد هو الذي يحكم العلاقة ما بين الطرفين، وهو الذي يرتب التزامات على كل طرف تجاه الآخر
I – التزامات البنك
1) التزام البنك بفتح الاعتماد وإخطار المستفيد به
يتمثل فتح الاعتماد في قيام البنك المصدر بإصدار خطاب اعتماد وتبليغه للمستفيد البائع وفي الوقت الذي يحدده المشتري الآمر، ولن يبدأ البنك في تنفيذه هذا الالتزام إلا إذا أرسل خطاب الاعتماد بالفعل إلى المستفيد.
أ- إصدار خطاب الاعتماد.
إن خطاب الاعتماد هو الصك الذي يصدره البنك استجابة لطلب العميل بإنشاء الاعتماد محددا فيه نقلا عن طلب الآمر، حق المستفيد والشروط التي يمكنه بمقتضاها الحصول على هذا الحق.
ويصدر خطاب الاعتماد متضمنا كافة الشروط التي أدلى بها عميله في عقد فتح الاعتماد، وفي نفس الوقت القيام بعمل قانوني مؤداه أن ينشئ على نفسه لصالح المستفيد في الاعتماد القطعي، بأن يدفع له قيمة الاعتماد وفقا للشروط الموضحة في هذا الخطاب[6].
وهكذا يصدر خطاب الاعتماد موافقا لتعليمات المشتري، من حيث تحديد مبلغ الاعتماد، والمستندات التي سيتم تقديمها وتعيين المستفيد، فهذه الأمور يتم تحديدها من طرف المشتري ولا يمكن للبنك مخالفتها أو إدخال أية تعديلات عليها، ولو تذرع في ذلك من أجل حماية مصالح زبونه المشتري، أو من أجل إزالة التعارض بين هذه التعليمات والشروط الواردة في عقد البيع، وذلك وفق المادة 5 من نشرة 006 للقواعد والأعراف الموحدة التي نصت:
"1- يجب أن تكون نصوص الاعتماد في حد ذاته وكل التعليمات المتعلقة بإصداره كاملة ودقيقة، كما يجب أن تكون أيضا كاملة ودقيقة نصوص تعديل الاعتماد وكل التعليمات المتعلقة بهذا التعديل.[7]
ولأجل تفادي كل لبس أو غموض وكل سوء تفاهم يجب على البنوك أن لا تشجع على:
أ- إقحام مقتضيات ذات تفصيلات مبالغ فيها في الاعتماد أو في أي تعديل يلحق به.
ب-إعطاء تعليمات بإصدار أو تبليغ أو تأييد اعتماد عن طريق الإشارة إلى اعتماد مصدر من قبل ( اعتماد مشابه) حينما يكون هذا الاعتماد الأخير قد خضع لتعديل أو عدة تعديلات وذلك سواء كانت هذه التعديلات مقبولة أم غير مقبولة".
ونظرا لأهمية هذا المستند فإنه يجب أن يتوفر على مجموعة من البيانات اللازمة وهي:
ü تحديد المستفيد: يجب على الآمر تحديد المستفيد بدقة في تعليماته الصادرة إلى البنك.
ü نوع الاعتماد: قابل للرجوع فيه أو غير قابل للرجوع، وفي حالة عدم تحديد نوع الاعتماد في خطاب الاعتماد اعتبر غير قابل للرجوع فيه.
ü مدة صلاحية الاعتماد: يجب التنصيص في خطاب الاعتماد على مدة صلاحيته التي هي الفترة التي يكون البائع خلالها أن يقدم المستندات إلى البنك للمطالبة بتنفيذ الاعتماد، وفي حالة عدم إدراجها في تعليمات الآمر فإنه يجب على البنك أن ينتظر حتى يتم تحديدها لأنها من البيانات الأساسية التي يجب أن يلتزم بها البنك أمام المستفيد خاصة في الاعتماد، عكس الاعتماد القابل للرجوع فيه الذي يمكن فتحه دون تحديد مدة صلاحية الاعتماد ما دام بإمكان البنك أن يتراجع عن هذا الاعتماد في أي وقت شاء.
ü مبلغ الاعتماد وعملته: يجب على البنك أن يحدد مبلغ الاعتماد والعملة التي سيتم السداد بها.
ü بيانات البضاعة محل عقد البيع من ناحية الحالة والكمية.
ü تحديد ما إذا كان سيتم تأييد هذا الاعتماد من طرف بنك آخر.
ü تحديد ميناء الشحن والتفريغ.
ü تحديد ما إذا كان الشحن سيكون مجزئا أم بصفة كلية.
ü كيفية أداء أجرة الشحن، هل ستتم مدفوعة مقدما أم سيتم دفعها بمعرفة المرسل إليه في ميناء الوصول.
ü طريقة تنفيذ الاعتماد.
ب- إبلاغ المستفيد بالاعتماد.
لا يكفي قيام البنك بإصدار خطاب الاعتماد[8]، بل يقتضي الأمر قيامه بإبلاغ المستفيد بالاعتماد عن طريق البنك المنشئ مباشرة أو بنك وسيط أو يقوم به الأمر بعد أن يحصل من البنك المنشئ عن خطاب الاعتماد.
وفيما يخص طريقة تبليغ الاعتماد سواء كانت بواسطة الهاتف أو البريد أو البرق أو التلكس أو غير ذلك من وسائل الإرسال عن بعد[9]، وهذا وفق الفقرة الأولى من نص المادة 11 من القواعد والأعراف الموحدة "عندما يقوم البنك المنشئ بتكليف بنك مبلغ عبر إحدى وسائل الإرسال (برقية، تلكس، فاكس،..) بتبليغ اعتماد أو تعديل لاعتماد، تعتبر وسيلة الإرسال عن بعد هذه بمثابة الأداة التي تسمح باستعمال الاعتماد أو تعطي للتعديل أثره وذلك من دون أن يقتضي الأمر توجيه رسالة للتأييد..."
2) تلقي المستندات وفحصها:
يقصد بالتزام البنك بفحص المستندات هو التحقق من أن المستندات المقدمة من البائع"المستفيد" مطابقة للتعليمات المنصوص عليها بالاعتماد.[10]
يقع على البنك التزام بتسليم المستندات إلى المشتري عند تسلمها من البائع المستفيد والقيام بفحصها ومطابقتها الظاهرية لشروط الاعتماد ومن ثم دفع مبلغ الاعتماد حتى يتمكن العميل من اقتضاء الحقوق الناشئة عن عقد البيع.
القواعد العامة لفحص المستندات:
1: مطابقة المستندات لتعليمات الآمر:" تنص المادة 13/ أ من القواعد والأعراف الموحدة "يجب على البنوك أن تفحص جميع المستندات المشترطة في الاعتماد بعناية معقولة قصد التأكد من أنها تتطابق أو لا تطابق من حيث الظاهر لنصوص وشروط الاعتماد، إن المطابقة الظاهرية للمستندات المشترطة لنصوص وشروط الاعتماد تتم وفقا للممارسات البنكية الدولية كما تعكسها هذه المواد..."
2: السلامة الذاتية للمستندات:" تعني السلامة الذاتية للمستندات عدم وجود أي قصور أو نقص أو عيب فيها، وعليه ينبغي تقديم المستندات مطابقة لشروط خطاب الاعتماد وأن تتوفر على كافة البيانات الرئيسية"
كما يجب على البنك أن يفحص المستندات خلال وقت معروف لا يتجاوز سبعة أيام، وهذا يعني أن هذه المدة هي الحد الأقصى أما الحد الطبيعي فهو الوقت المعقول ذلك أن بعض المستندات فحصها لا يحتاج مدة السبعة أيام للفحص، فيكون البنك ملتزم بفحصها خلال مدة معقولة قد تكون يوم أو يومان[11].
والتزام البنك بفحص المستندات فقط يكون للتحقق من أنها بحسب ظاهرها مطابقة للمستندات المطلوبة في خطاب الاعتماد أما التحقق من مطابقة البضاعة ذاتها للمستندات يخرج من نطاق التزام البنك.
كما أن البنك لا يسأل عن وجود تزوير في المستندات أو عدم دقتها أو صحتها أو عدم وجود أثر قانوني.
3) الالتزام بتسليم المستندات إلى المشتري.
لا تنتهي التزامات البنك تجاه المشتري عند تسلم المستندات من المستفيد داخل مدة صلاحية الاعتماد وتأكده من سلامة المستندات ولمطابقتها لشروط الاعتماد، وإنما عليه التزام آخر هو نقل المستندات إلى المشتري في أقرب وقت ممكن وذلك حتى يقوم هذا الأخير بتسديد مبلغ الاعتماد الذي دفعه البنك المصدر لدى قبوله المستندات.
وتنفيذ التزام البنك بتسليم المستندات مرتبط بتنفيذ الأمر لالتزامه نحو البنك بدفع قيمة هذه المستندات، وينتج عن هذا الارتباط أن يكون للبنك حق أن يحبس المستندات تحت يده ولا يسلمها للمشتري حتى يستوفي قيمتها.
II: التزامات المشتري "الزبون"
1) دفع العمولة والمصاريف
من الأمور الأساسية التي يلتزم المشتري بها تجاه البنك دفع العمولة المتفق عليها وذلك من لحظة انعقاد عقد الاعتماد المستندي بين البنك والمشتري، وهذه العمولة تكون مستحقة للبنك بصورة نهائية باستغلال الاعتماد أو بعدم استغلاله من قبل المستفيد.
2) دفع قيمة الاعتماد
عندما يقوم البائع بتنفيذ التزامه بتقديم المستندات للبنك فإن البنك يدفع له قيمة الاعتماد، وعليه فيكون واجباً على المشتري أن يرد للبنك المبلغ المدفوع للبائع. ودفع قيمة الاعتماد إما معجلا أو مؤجلا حسب الاتفاق بين "المشتري" والبنك، وقد يطلب البنك غطاء للاعتماد وتأمينات معينة يقدمها له المشتري
3) الامتناع عن إصدار تعليمات من شأنها تعديل شروط فتح الاعتماد غيرالقابل للإلغاء:
يلتزم العميل في الاعتماد غير القابل للإلغاء بعدم إصدار تعليمات من شأنها أن تعدل في شروط الاعتماد، أو أن تمنع البنك من تنفيذ التزامه بالدفع للمستفيد إذا قدم له المستندات مطابقة لشروط الاعتماد، وإذا نفذ البنك تعليمات المشتري بالتعديل فيتحمل وحده المسؤولية نظرًا لأن مسؤوليته مباشرة في مواجهة المستفيد، واستنادًا إلى استقلال عقد فتح الاعتماد عن عقد البيع السابق له.
4) تقديم المعلومات المتعلقة بالاعتماد:
من الالتزامات التي تقع على عاتق العميل كذلك تقديم المعلومات المتعلقة بالاعتماد من حيث نوعه وقيمته واسم المستفيد وعنوانه، واسم العميل وعنوانه، وتاريخ انتهائه، والمستندات التي يجب تقديمها دفعة إلى شريكه.
ثانيا: العلاقة بين المشتري والبائع "المستفيد"
إن الأساس القانوني الذي يحكم العلاقة فيما بين المشتري و البائع هو عقد البيع البحري سيف CIF، وهذه العلاقة سابقة على عملية فتح عقد الإعتماد المستندي وتنطبق أحكام عقد البيع على هذه العلاقة وسوف أوضح هنا التزامات المشتري والتزامات المستفيد بشكل موجز.
I: التزامات المشتري "الزبون"
1) دفع الثمن
" يلتزم المشتري بدفع الثمن وذلك من خلال التزامه بفتح الاعتماد المستندي وفقًا لشروط المتفق عليها بين أطراف العلاقة فإذا عين البنك في عقد البيع فإن المشتري يلتزم بفتح الاعتماد لدى هذا البنك حتى لو وجد بنكًا آخر أكثر ملاءًة منه، ولكن إذا لم يحدد بنك معين فللمشتري فتح الاعتماد لدى أي بنك آخر يريده بشرط أن يكون معروفًا"[12].
2) فتح الاعتماد خلال الميعاد المتفق عليه:
" ويلزم المشتري بفتح الاعتماد خلال الميعاد المتفق عليه كأن يفتح لمدة أربعة أشهر وإذا لم يقم بذلك يعتبر مخلا بعقد البيع، للبائع في هذه الحالة أن يمتنع عن شحن البضاعة وله حق فسخ العقد مع المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء عدم فتح الاعتماد، بل الاتفاق على أن العقد يعتبر مفسوخًا من تلقاء نفسه ودون حاجة لحكم قضائي أو إعذار.
3) فتح اعتماد غير قابل للنقض:
" حال إذا لم يوضح في عقد البيع نوع الاعتماد هل هو قابل للنقض أو غير قابل للنقض فيلتزم المشتري بفتح اعتماد غير قابل للنقض وإلا فإنه يعد مخلا بالتزامه.
II: التزامات البائع
1) تسليم البضاعة المتفق عليها:
" تسليم البضاعة المتفق عليها من حيث الصنف والأوصاف والكمية ويجب أن يسبق ذلك إخطار صادر عن البنك للبائع لأن البائع لا يلزم بشحن البضاعة إلا إذا أخطر من البنك بفتح الاعتماد لصالحه."
2) تقديم المستندات المتفق عليها:
" يلتزم البائع بتقديم المستندات المتفق عليها في شروط الاعتماد بأن تكون غير ناقصة أو غير صحيحة أو أن تكون البضاعة غير مطابقة للمستندات وإلا كان للمشتري حق فسخ البيع والمطالبة بالتعويض عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب."
3) تقديم المستندات خلال المهلة المتفق عليها:
"على البائع أن يقدم هذه المستندات خلال المهلة المتفق عليها وفي الحالة التي لا يتضمن عقد البيع تحديدًا للمدة التي تقدم بها المستندات، تقدم خلال مدة صلاحية الاعتماد والبائع يلتزم بتقديمها خلال هذه المدة، وهذه المدة المعقولة القاضي يقدرها وذلك لأن البائع قد ترك مدة صلاحية الاعتماد تنقضي فيكون بذلك قد خسر فرصة الدفع نقدًا من قبل المصرف[13] .
ثالثا: علاقة البنك بالبائع
إن أساس العلاقة التي تنشأ بين البنك والمستفيد هو خطاب الاعتماد المستندي الذي يصدر لصالح المستفيد، وعليه يكون للمستفيد حق مباشر تجاه البنك، بحيث يكون البنك مدينًا شخصيًا للمستفيد، وهذه العلاقة مستقلة عن العلاقة بين البائع والمشتري من ناحية، ومن ناحية أخرى بين المشتري والبنك[14].
I: التزامات البائع
1) تنفيذ البنود المحددة في الاعتماد:
"يلتزم البائع بتنفيذ البنود المحددة في الاعتماد وبصورة خاصة تنظيم المستندات المطلوبة، وارسالها إلى البنك خلال مدة صلاحية الاعتماد ويجب أن تكون المستندات المرسلة قانونية، ومطابقة للبضاعة".
2) تقديم المستندات ضمن المهلة المحددة:
" كما يلتزم البائع بتقديم المستندات ضمن المهلة المحددة، وإذا لم تكن هناك مدة في كتاب الاعتماد، فخلال مدة معقولة، والمعقولية هذه فان القضاء يستقل بتقديرها فيمكن أن يقدر أن المهلة تكون معقولة حتى لو قدمت المستندات بعد انتهاء مدة الاعتماد، طالما أن البضاعة تكون قد شحنت خلال المهلة المحددة في عقد البيع.
II: التزامات البنك
تختلف التزامات البنك تجاه البائع تبعًا لنوع الاعتماد، إذا كان قابلا للإلغاء أو كان غير قابل له.
-الاعتماد قابل للإلغاء
في هذا النوع من الاعتماد البنك لا يكون ملتزمًا تجاه المستفيد، سوى بتنفيذ التعليمات الموجهة إليه من قبل المشتري باعتباره وكيلا عنه، فلو صدر إليه أمر برفض المستندات فعليه عدم قبولها حتى لو كانت مطابقة لشروط الاعتماد وإلا تحمل المسؤولية عن ذلك، وبالتالي تترتب عليه أية مسؤولية لعدم دفع قيمة الاعتماد[15].
-الاعتماد غير قابل للإلغاء
في الاعتماد البات يكون التزام البنك بات أي نهائي تجاه المستفيد بغض النظر عن أية أمور تطرأ بين أطراف العلاقات التعاقدية الأخرى.
رابعا: البنوك الوسيطة
إن حالات تدخل البنوك الوسيطة في تنفيذ عملية الاعتماد المستندي تكون في ثلاث حالات أساسية وهي [16]البنك المبلغ للاعتماد الذي يمكن أن يكون أيضًا بنكًا مؤيدًا والبنك المؤيد هو دائمًا بنكًا مسمىً، وهنا لا يمكننا تجاهل وجود البنك فاتح الإعتماد وهو البنك الذي يصدره خطاب الإعتماد بناء على طلب الآمر وبناءًا على ذلك يتعهد البنك فاتح الإعتماد بالدفع لصالح المستفيد.
البنك مبلغ الاعتماد:
"هو بنك وسيط يكون في العادة مركزه في دولة المستفيد مهمته تبليغ المستفيد شروط عقد الاعتماد المستندي وذلك بناءً على طلب من البنك مصدر الاعتماد، وذلك دون أن يكون عليه أي التزام بوفاء قيمة الاعتماد المستندي والبنك المبلغ عندما يقوم بمهمته تبليغ المستفيد".
البنك المعزز:
" هو البنك الذي يعزز ويدعم الاعتماد الأصلي الذي يصدره البنك المصدر للاعتماد وذلك بإضافة التزامه إلى التزام البنك فاتح الاعتماد ويكون ذلك بناء على تعليمات وتفويض"[17].
البنك المسمى[18]:
"هو بنك وسيط يسميه البنك المصدر للاعتماد وذلك لكي يقوم بوفاء أو قبول أو تداول سندات السحب المسحوبة من قبل المستفيد إذا كانت مطابقة لشروط الاعتماد".
1): العلاقة بين البنوك الوسيطة وأطراف عقد الاعتماد المستندي
أ. العلاقة بين البنوك الوسيطة والمشتري:
"إن الأساس الذي يربط أي علاقة بأخرى هو العقد، إذ أن العقد شريعة المتعاقدين ولكن من خلال هذه العلاقة نجد أنه لا يوجد أي ارتباط عقدي بين أطرافها، مما يترتب عليه عدم مسؤولية أي طرف تجاه الآخر إلا في حالات استثنائية،و يستطيع بموجبها البنك الرجوع على المشتري على أساس الإثراء بلا سبب، ويستطيع العميل الرجوع بموجبها على البنك بالتعويض وذلك على أساس المسؤولية التقصيرية"[19].
ب. العلاقة بين المستفيد والبنوك الوسيطة:
تختلف مسؤولية كل بنك عن الآخر قبل المستفيد، فبالنسبة للبنك المعزز فله وعليه ذات الحقوق والالتزامات التي للبنك المصدر للاعتماد تجاه المستفيد، وعلاقته بالمستفيد تحكمها أيضًا ذات القواعد التي تحكم علاقة البنك المصدربالمستفيد، أما (البنك المبلغ) فمهمته الأساسية تجاه المستفيد هي فقط التأكد من صحة الاعتماد الذي يبلغه للمستفيد وعدم تزويره، ولا يلتزم بوفاء أي شيء من قيمة الاعتماد للمستفيد كذلك الأمر بالنسبة (للبنك المسمى)، إذ أنه لا يربطه أي رباط عقدي بالمستفيد فلا يكون ملزمًا بالوفاء، ولكن هناك إشكالية تثور إذا قام بالوفاء للمستفيد إذ يصبح من العسير عليه الرجوع على المستفيد بما دفع إذا لم يتم تحصيل قيمة ما دفع من البنك المصدر.
2): العلاقة بين البنك المصدر والبنوك الوسيطة
علاقة البنك المصدر بالبنك المؤيد ، حيث ماثلت العلاقات في اختلاف الآراء الفقهية حولها، فالبعض اعتبرها عقد وكالة، ذلك أن البنك المصدر وبناء على توكيل له من العميل تعاقد مع البنك المؤيد لفتح اعتماد لحساب العميل وتأييد الاعتماد، بينما يتجه رأي آخر في اعتبار البنك المصدر أصيلا عن نفسه في طلب تأييد الاعتماد لأنه يتعاقد باسمه ولحسابه الشخصي مع البنك المؤيد تنفيذًا لالتزاماته تجاه العميل ومن هنا نستشف صعوبة اعتبار أن العلاقة بين البنك المصدر للاعتماد والبنك المؤيد هي علاقة عقدية وإنما هي علاقة وكالة.
المطلب الثاني : مسؤولية البنك عن الإخلال بالتزاماته
يتمثل فتح الاعتماد في قيام البنك المصدر بإصدار خطاب اعتماد وتبليغه للمستفيد البائع وفي الوقت الذي يحدده المشتري الآمر، ولن يبدأ البنك في تنفيذه هذا الالتزام إلا إذا أرسل خطاب الاعتماد بالفعل إلى المستفيد.
الفقرة الأولى : مسؤولية البنك في علاقته مع المشتري
يترتب عن تقديم طلب فتح الاعتماد من المشتري الآمر وموافقة البنك على هذا الطلب انعقاد عقد الاعتماد المستندي، من خلال فتح هذا الاعتماد لصالح البائع يحترم فيه جميع الأوامر الصادرة عن المشتري الآمر، غير أن قيام البنك في هذه الحالة بمخالفة تعليمات الآمر بخصوص التزامه بفتح الاعتماد للمستفيد يترتب عنه مسؤولية (أولا)، وكذا إذا قبل مستندات غير مطابقة لشروط الاعتماد أو إذا رفض مستندات مطابقة لشروط الاعتماد (ثانيا).
أولا: مسؤولية البنك في فتح الاعتماد
تكون هنا مسؤولية البنك وفقا لأحدى الحالتين: الحالة الأولى عدم فتح الاعتماد أو فتحه بشروط أضيق عن عقد البيع (أ)، والحالة الثانية أن يفتح الاعتماد بشروط أوسع من شروط تعليمات الآمر (ب).
أ): عدم فتح الاعتماد أو فتحه بشروط أضيق عن عقد البيع
إذا تخلف البنك عن إصدار خطاب الاعتماد أو أصدره ثم قام بنقضه فإنه يتوجب عليه تحمل المسؤولية[20]، استنادا إلى عقد فتح الاعتماد، فإذا تمت موافقة البنك على فتح اعتماد مستندي غير قابل للرجوع فيه، فإنه يمنع عليه كليا التخلي عن خطاب الاعتماد أو نقضه طالما مدة صلاحية الاعتماد لم تنقضي وأن البائع المستفيد لم يواجه خطاب الاعتماد بالرفض، ويرجع ذلك إلى أن التزام البنك في الاعتماد المستندي هو التزام شخصي ونهائي وهو أقوى من التزام المشتري أمام البائع لأن هذا الالتزام معرض لكل ما يهدد عقد البيع، بخلاف التزام البنك الذي لا يهدده سوى ما ورد في خطاب الاعتماد الصادر من هذا البنك الملتزم[21]، وهو ما جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بآسفي[22] بتاريخ 1 أبريل 1997 الذي أكد أن البنك الفاتح للاعتماد لا يحق له توجيه إشعار إلى الآمر بإلغاء الاعتماد أو الاستعاضة عنه بتقنية الأداء المباشر، وأن البنك بإقدامه على هذا التصرف تترتب في حقه مسؤولية يستفيد من آثارها المشتري المتضرر.
وقد نص القرار على أنه " ...إذا عمدت المستوردة إلى فتح اعتماد مستندي غير قابل للإلغاء ومعزز لدى البنك الخارجي الإسباني، وتم إخطارها بفتح هذا الاعتماد وبشروطه عن طريق البنك الفاتح لهذه العملية وكان هذا الاعتماد معززا بالتزام الطالب بنك الوفاء الذي اخطر المصدرة بفتح الاعتماد وبعد تنفيذ المدعية لالتزامها اتجاه المستوردة قام بنك الوفاء بإشعار العارضة بإلغاء الاعتماد بعلة أن الأداء سيتم مباشرة ويرتب مسؤولية كاملة في حق البنك تلزمه بالتعويض.
وأحيانا يفتح البنك الاعتماد لكنه يضمن خطاب الاعتماد شروطا أضيق من تلك المتفق عليها في عقد فتح الاعتماد، ومن ذلك مثلا أن يفتح الاعتماد بمبلغ أقل من المبلغ الذي اشترطه الآمر أو أن يكون تاريخ نهاية الاعتماد قريبا من تاريخ الإخطار به بحيث لا يمكن للمستفيد تنفيذ ما يفرضه البيع، أو كذلك إذا أهمل البنك تضمين خطاب الاعتماد بيان قابليته للانتقال، من هنا يتبين الضرر اللاحق بالبائع الذي له حق مقاضاة المشتري للحكم له بفسخ عقد البيع وتعويضه عن الضرر طبقا لقواعد القانون المدني، وكما يحق أيضا للمشتري أن يقاضي البنك لأنه نتيجة مباشرة لإخلال البنك بشروط عقد الاعتماد فيما بينهما[23].
ب): فتح الاعتماد بشروط أوسع من شروط تعليمات الآمر
يفتح البنك الاعتماد بشروط أوسع من شروط تعليمات الآمر، وذلك عندما يكون مبلغ الاعتماد زائد عن المبلغ المعلن في فتح الاعتماد أو عندما تكون مدة صلاحية الاعتماد تفوق المدة المحددة في عقد فتح الاعتماد، أو عندما يتغاضى البنك عن طلب مستند يجب تقديمه وفقاً لتعليمات الآمر، وتجب الإشارة أنه في هذه الحالات لا يمكن للبنك حق تعديل خطاب بالاعتماد كي يطابق التعليمات وذلك متى كان التزامه أمام المستفيد نهائيا.
إن البنك الذي خالف تعليمات الآمر المتواجدة في خطاب الاعتماد، سيضطر إلى قبول مستندات بالمخالفة لما طلبه الآمر اعتقادا منه بأن عميله سيتغاضى عنها لبساطتها، ولم يحتاط لنفسه ويؤمن حقه ضد المستفيد قبل دفع القيمة، ورفض المشتري المستندات، فلن يكون له رجوع على المستفيد لأن علاقته به تنتهي بتنفيذ الاعتماد[24].
وهكذا، فكثيرا ما يرفض الآمر تسديد مبلغ الاعتماد وكذا ترك المستندات بدعوى تجاوز البنك للتعليمات الواردة في خطاب الاعتماد، حيث نجد في هذا الصدد أن القضاء الفرنسي اعتبر أن المشتري لا يمكنه أن يؤاخذ البنك على دفعه للمستفيد مبلغ الاعتماد بدعوى أن شحن البضاعة قد تم في تاريخ لاحق على التاريخ المبين في خطاب الاعتماد عندما لا تشير أي من المستندات المقدمة إلى تاريخ شحن غير الذي تضمنه خطاب الاعتماد[25].
ثانيا: إخلال البنك بالتزامه في تسليم المستندات
قد يخل البنك بالتزامه في تسليم المستندات، يترتب عنه مسؤولية تجاه المشتري (أ) الذي يحق له مقاضاة البنك أمام القضاء للمطالبة بالتعويض أو فسخ عقد الاعتماد (ب).
أ) مسؤولية البنك
بمجرد حصول البنك على المستندات والقيام بفحصها ومطابقتها لتعليمات الأمر، يتعين عليه أن يخطر المشتري بوصول هذه المستندات من أجل تسليمها إليه، لأن البنك يلتزم التزاما بتحقيق نتيجة هي تقديم مستندات معينة على عملية المشتري بحيث لا يمكنه إجبار هذا الأخير على قبول مستندات أخرى مخالفة وذلك تأكيدا لاستمرارية البنك بفتح الاعتماد وتنفيذه، فإن أخل البنك عن هذا ترتبت مسؤولية في حقه وتحمل تبعات تصرفه هذا دون أن يكون بإمكانه الاحتجاج بأي مبررات قانونية أو واقعية لدفع مسؤوليته، ذلك بغية حماية مصالح العميل (الزبون) حتى يتسلم البضائع من الناقل، بموجب مستندات في أقرب وقت وأن لا يتحمل مصروفات التخزين الإضافية في حالة التأخير[26].
يمكن للبنك أن يخل بالتزامه في تسليم المستندات عن طريق سداد مبلغ الاعتماد للمستفيد رغم أن المستندات مخالفة لشروط الاعتماد، مما يُمَكِّن الآمر رفض استلام المستندات، وبالتالي عدم الالتزام بتغطية مبلغ الاعتماد، مما يجعل المشتري أمام خيارين: إما تسوية الأمر وديا مع البنك أو اللجوء للقضاء وطلب فسخ عقد الاعتماد لإخلال البنك بالتزامه بفحص المستندات فحصا دقيقا مع التعويض إن كان له محل[27] .
قد يكتشف المشتري مخالفات ارتكبها البنك في فحص المستندات، بالرغم من أن هذه الأخيرة مطابقا لشروط الاعتماد، ويتعلق الأمر بحالة مخالفة التعليمات التي أصدرها البنك لأنها هي التي تحكم علاقة المشتري بالبنك، مما يجعل البنك منحرفا في خطابه عن الأوامر الصادرة في الاعتماد، ويكون للعميل - الزبون الآمر- عندئذ أن يرفض المستندات ويحمل البنك مسؤولية هذا الانحراف، كما له أن يقبلها ويتحفظ بالنسبة لطلب تعويض عما بها من مخالفة، غير أنه يجب أن يكشف عن قصده دون تأخير، فإذا سكت اعتبر ذلك تجاوزا منه عن المخالفة وقبولا للمستندات لا يمكن الرجوع فيها.
ب) موقف القضاء.
إن إخلال البنك بتسليم المستندات إلى المشتري بعد فحصه للمستندات، يترتب عنه مسؤولية في حقه وتحمل تبعات تصرفه، هذا ما ذهب إليه الآمر الاستعجالي الصادر عن السيد رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 15 يناير 1997.
"... وحيث عن المحكمة كلفت المدعي بالإدلاء بالوثائق المثبتة لفحص المستندات الممثلة للبضاعة حتى تحققت من أن البنك احترم التزاماته تجاه المدعى عليها وتسلم المستندات...".[28]
نفس الموقف سارت عليه المحكمة التجارية بالبيضاء بتاريخ 4 يناير 2001 تم التأكيد على أن إشعار الآمر بفتح الاعتماد يعتبر شرطا ضروريا وإلزاميا، وأن الدفع لكون المشتري الآمر كان رهن الاعتقال فإن ذلك لا يجرد البنك الفاتح من مسؤولية الإشعار[29] .
وفي قرار آخر صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 13 يوليوز 2000 تم التأكيد على أن توصل البنك المغربي بإعلام قبول فتح قرض الاعتماد من البنك الفرنسي وعدم مبادرته إلى تبليغه للمشتري الآمر يرتب مسؤولية مصرفية في حقه وأن إخلال البنك في هذا الشأن، يلزمه بالتعويض الذي يبقى لمحكمة الموضوع سلطة كاملة في تقدير قيمته[30].
وقد نص القرار" ...حيث ثبت للمحكمة من مستندات الملف أن الطاعنة أبرمت صفقة تجارية مع شركة أجنبية موضوعها التصدير 8625 قميصا من الثوب القطني.
وحيث إن المستأنفة جعلت شروط الصفقة مرتبطة بقبول البنك الأجنبي وهو بنك ليوني الفرنسي ضمان أداء المبلغ المتفق عليه وقدره 375187.50 فرنك فرنسي أي ما يعادل 562781.23 درهم.
وبناء على ذلك تم الاتفاق على فتح اعتما مستندي بين البنك المغربي والبنك الفرنسي من أجل الوساطة بين المستأنفة البائعة والشركة الأجنبية المشترية وأدت المستأنفة مصاريف فتح الاعتماد المستندي.
وحيث إنه فور فتح الاعتماد راسل البنك الفرنسي البنك المستأنف ضده يخبره بقبول هذا الاعتماد بمقتضى رسالة مؤرخة في 07-12-1993.
وحيث أن البنك المغربي توانى عن إخبار المستأنفة بهذا القبول مما جعلها تتأخر في إنجاز الصفقة إلى أن توصلت بتاريخ 30-12-1993 بفاكس يعلمها بفسخ الصفقة لعدم احترام تاريخ التسليم.
وحيث إن تصرف البنك تسبب في ضياع الصفقة عن المستأنفة.
وحيث أنه اعتبارا لقيمة الصفقة واعتبار لما للمحكمة من سلطة تقديرية في تحديد التعويض، فإنها ترى رفع التعويض المحكوم به إلى مبلغ 50.000.00 درهم كتغطية للأضرار المادية والمعنوية اللاحقة بالبضاعة..."
انطلاقا من هذه الأحكام القضائية، يتبين لنا أن القضاء المغربي يتجه نحو التشديد على مسؤولية الأبناك في تحمل مسؤوليتها في إشعار المشتري وتسليم المستندات بهدف حماية مصالح المشتري الآمر وكذا بعث الثقة في عملية الاعتماد المستندي كوسيلة لتسوية البيوع التجارية الدولية،[31]وأن التزام البنك بإشعار وتسليم المستندات للآمر أمر ضروري في عملية الاعتماد المستندي حتى لا تفقد هذه الأخيرة وظائفها الأساسية التي تساهم بدورها في تطوير التجارة الدولية.
الفقرة الثانية : مسؤولية البنك في علاقته مع البائع
تنعقد مسؤولية البنك المنشئ أو المؤيد[32]جراء عدم تنفيذه للاعتماد مما ينتج عنه أضرار تلحق المستفيد البائع الذي يحق له في هذه الحالة رفع دعوى أمام المحكمة المختصة للمطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر ناتج عن مسؤولية البنك عن الوفاء بمبلغ الاعتماد.
إن إخلال البنك بتنفيذ التزامه تجاه المستفيد يجعل هذا الأخير في وضعية حرجة نتيجة الخسارة التي يتكبدها من جراء عدم إنجاز الصفقة التجارية بسبب فسخ عقد البيع وكذلك تحمله الكثير من المصاريف بسبب قيامه بشحن وإرسال البضاعة إلى المشتري واضطراره إلى بيعها في بلد بعيد أو استرجاعها أو تعرضها للتلف.
أمام كل هذه الأضرار اللاحقة بالمستفيد، يستلزم الأمر تعويض هذا الأخير حسب الأضرار المتوقعة بشكل معقول عن الإخلال بوفاء البنك، مع الأخذ بعين الاعتبار ما أصاب المستفيد بالفعل، فلو تصرف في البضاعة يكون الضرر هو الفرق ما بين ثمن البيع وما كان سيحصل عليه بشكل عادي من تنفيذ الاعتماد.
في حالة إذا ما امتنع البنك عن وفاء كمبيالة أو قبولها تنفيذا للاعتماد فإن التعويض يقدر بمبلغ هذه الكمبيالات والفوائد الناتجة عنها منذ تاريخ الاستحقاق وكذا المصاريف التي تحملها المستفيد بسبب هذا الرفض، إلا أن هذا لا يمنع البنك من وفاء كمبيالات إلا إذا كانت المستندات التي قدمها المستفيد غير مطابقة لشروط الاعتماد وهو ما اتجه إليه القضاء الفرنسي في قضية أيدت فيها المحكمة لرفض البنك المنشئ دفع كمبيالات معينة واستند على ذلك أن مستندات الشحن لم تكن كما نصت عليه شروط الاعتماد التي قضت بأن البضاعة تكون على ظهر عربات النقل[33].
يلتزم البنك بتبليغ المستفيد بخطاب الاعتماد الذي يتضمن جميع البيانات وجميع الشروط المطلوب توافرها من طرف المشتري الآمر، وهو ما ذهبت إليه المحكمة الابتدائية بأنفا- البيضاء- بتاريخ 30 نونبر 1995، في حكمها عدد 4295/94 حيث جاء فيه:" أنه متى توصلت المؤسسة المصرفية بإعلام قبول طلب فتح الاعتماد، فإنها تكون مسؤولة قانونا أمام عميلها، إذا توانت في إخباره بقبول طلب الفتح. ويستحق بالتالي العميل المذكور حق مخاصمتها من أجل التعويض عما لحقه من ضرر جراء تفويت تسوية صفقة تجارية"[34]
وتقوم مسؤوليته أيضًا في حال وفائه لشخص آخر غيرالشخص المسمى في خطاب الاعتماد، والتزام البنك في خطاب الاعتماد مباشر ومستقل نحو المستفيد فإنه لا يستطيع التحلل من التزامه بدفع قيمة الاعتماد للمستفيد بحجة فسخ الاعتماد أو بطلانه أو انقضائه بسبب وفاة طالب فتح الاعتماد أو الحجر عليه، أو إفلاسه، أو إعساره
ولا بد أن نشير إلى مسألة أخرى هنا هي دفع البنك خطأ للمستفيد قيمة الاعتماد، فتقوم هنا مسؤولية البنك تجاه العميل، إذ يستطيع أن يرفض استلام المستندات ويطالب بالتعويض عن ذلك، والبنك بيده أكثر من خيار تجاه المستفيد أولها إذا لم يتقدم المستفيد بمطابقة أو لم يقدم المستندات أصلا، وبالتالي حصول المستفيد على مبلغ الاعتماد يكون غير قانوني وبالتالي يحق للبنك الرجوع عليه برد قيمة ما دفع.
خاتمة
يتبين لنا من خلال دراستنا للاعتماد المستندي أن البنك يلعب دورا أساسيا في عملية الاعتماد وذلك من ناحية تسوية البيوع التجارية الدولية وضمان حسن تنفيذ الآمر والمستفيد لالتزاماتهما التعاقدية من خلال تحقيق التوازن بين المصالح المتعارضة لأطراف البيع الدولي.
كما سبق وأن رأينا فتدخل البنك في الاعتماد المستندي ينبني على فتح اعتماد لصالح المستفيد مطابق لشروط الاعتماد وتبليغه للبائع، وكما يتولى تسليم هذه المستندات للمشتري بعد قيامه بالفحص الظاهري للمستندات ومطابقتها لنصوص خطاب الاعتماد ولتعليمات الآمر، ولهذا فالأبناك يجب أن تعطى أهمية خاصة للفحص من خلال مراعاة الضوابط القانونية المنصوص عليها في القواعد والأعراف الموحدة، ومن بين هذه الضوابط العناية المعقولة، إلا أن هذه العناية يؤخذ عليها أنها مفهوم غامض وضعيف وأكثر من هذا أنها تستلزم وسائل تقنية خاصة وأطر متخصصة تقدر الخطورة التي قد تنتج عن أي إخلال أو خطأ في فحص المستندات، وهذا عكس ما تقوم به مؤسساتنا البنكية التي تعتبر عملية الفحص عملا روتينيا وبسيطا يكفي للقيام به مقارنة مضامين وشروط خطاب الاعتماد بالبيانات الموجودة في المستندات المقدمة من طرف المستفيد لاتخاذ قرار بسلامة المستندات ومطابقتها الظاهرية عن طريق مستخدمين لا يتوفرون على الكفاءة والخبرة اللازمة في إنجاز مهام بحجم فحص المستندات في الاعتماد المستندي.
لائحة المراجع
أولا: الكتب
1) أحمد غنيم، الاعتماد المستندي والتحصيل المستندي، الطبعة 5 لسنة 1975.
2) أكرم ابراهيم حمدان، مسؤولية المصرف المصدر في الاعتماد المستندي، دراسة مقارنة وفقا لأحكام النشرة 500، دار وائل للطباعة والنشر 2000.
3) أمحمد لفروجي، العقود البنكية بين مدونة التجارة والقانون البنكي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية 2001.
4) إلياس ناصيف، عمليات المصارف، موسوعة الوسيط في قانون التجارة، الجزء الخامس، المؤسسة الحديثة للكتاب، طرابلس-لبنان.
5) حسن دياب، الاعتمادات المستندية التجارية، دراسة مقارنة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1999، الطبعة الأولى.
6) حسن محمد بيومي الشيخ، التكييف القانوني للاعتمادات المستندية ، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، الطبعة الأولى 2007.
7) علي جمال الدين عوض، الاعتمادات المصرفية وضماناتها 1994، الناشر دار النهضة العربية القاهرة.
8) علي جمال الين عوض، الاعتمادات المستندية- دراسة للقضاء والفقه المقارن وقواعد سنة 1983 الدولية ، القاهرة دار النهضة العربية، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي1989.
9) على جمال الدين عوض، الاعتمادات المستندية دراسة قانونية للأعراف الدولية والقضاء المقارن، جامعة القاهرة 1986.
10) يوسف بنباصر، الاعتماد المستندي في القضاء المغربي والممارسة البنكية سلسلة بنباصر للدراسات القانونية والأبحاث
11) محيي الدين علم الدين , موسوعة أعمال البنوك من الناحيتين القانونية والعملية الجزء الثالث, دار النهضة العربية سنة 1993 الأصول والأعراف الدولية الموحدة للاعتمادات المستندية نشرة رقم 600
ثانيا : الأطروحات والرسائل
1) محمد منعزل , الاعتماد المستندي , رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص , كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش السنة الجامعية 1992/1993
2) سامي يوسف إسماعيل السعيد، العلاقات التعاقدية بين أطراف عقد الاعتماد المستندي، أطروحة لإستكمال متطلبات درجة الماجستير في القانون بكلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، نابلس فلسطين 2007.
3) إكرام لعروبي، التزامات البنك في الاعتماد المستندي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة،السنة الجامعية 2006-2007
4) إلهام البرهومي، أثر إخلال المستفيد من الاعتماد المستندي بالتزاماته،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون العمال، موسم 2007-2008
ثالثا : المقالات
1) امحمد لفروجي، تعليق على الأمر الاستعجالي الصادر في المحكمة التجارية بالدار البيضاء 17 شتنبر 1998.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] إزاء اختلاف التشريعات الداخلية لكل دولة فإن غرفة التجارة الدولية قد وضعت أول صيغة للأعراف والقواعد الموحدة للاعتمادات المستندية في عام 1933 مما يساعد على تنشيط حركة التجارة الدولية وإزدهارها، إلا أنها في تطور مستمر ليواكب التغيرات التي تتم فقد أعيد صياغتها مرات متتالية إبتداء من عام 1951 ثم أعقبه تعديل في عام 1962 وما لبث أن تم تعديل آخر في عام 1974 ، ومن بعده تعديل سنة 1983، ثم تعديل سنة 1993، وآخرها النشرة رقم 600 التي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 1/7/2010.
وتعتبر قواعد الاعتمادات المستندية الصادرة بمنشور غرفة التجارة الدولية رقم 600 الوسيلة العملية التي لا يمكن للبنوك المشتغلة بعمليات التجارة الدولية الاستغناء عنها في كافة عمليات البيع والنقل والتأمين.
ويتكون منشور غرفة التجارة الدولية من مقدمة وتمهيد وتسع وثلاثون مادة وملحق للتقديم الإلكتروني مكون من إثنى عشر مادة.
وقد جاء في مقدمة تلك القواعد أن الأصول والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية تمثل عمل منظمة دولية خاصة، وليس هيئة حكومية، منذ بدايتها أصرت غرفة التجارة الدولية على الدور المركزي في التنظيم الذاتي لأصول المهنة، هذه القواعد التي صاغها بالكامل خبراء في القطاع الخاص قد أثبتت صحة النهج، وتبقى الأصول والأعراف الموحدة للاعتمادات المستندية مجموعة من القواعد الخاصة الأكثر نجاحاً حتى الآن التي تم تطويرها للتجارة.
[2] علي جمال الدين عوض، عمليات البنوك من الوجهة القانونية، الطبعة الثالثة 2000 دار النهضة العربية للنشر (القاهرة 1981).
[3] إلياس ناصيف، عمليات المصارف، موسوعة الوسيط في قانون التجارة، الجزء الخامس، الموسوعة الحديثة للكتاب، طرابلس، لبنان، ص: 99
[4] محيي الدين علم الدين , موسوعة اعمال البنوك من الناحيتين القانونية و العملية الجزء 3 , دار النهضة العربية سنة 1993
[5] محيي الدين علم الدين , موسوعة اعمال البنوك من الناحيتين القانونية و العملية الجزء 3 , دار النهضة العربية سنة 1993
[6] : إكرام لعروبي، إلتزمات البنك في الاعتماد ألمستندي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، 2007، ص 9
[7] : إكرام لعروبي، إلتزمات البنك في الاعتماد ألمستندي، مرجع سابق ، ص 10،
[8] : مصطفى كمال طه، العقود التجارية وعمليات البنوك وفقا لقانون التجارة الجديد رقم 17 سنة 1999، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية 2002، ص 335.
[9] : يوسف بنباصر : القضاء المغربي ومبررات اللجوء لدعوى التعرض الصرفي في الاعتماد المستندي، مقال منشور بمجلة الملف، العدد 5 ص 171/ راجع كذلك Annuck Busseau, op cit, p : 161
[10] : القليوبي سميحة: الوجيز في القانون التجاري، مطبعة جامعة القاهرة، الكتاب الجامعي، 1978 ، ص. 281 ،
[11] : سماح يوسف إسماعيل السعيد، العلاقات التعاقدية بين أطراف عقد الاعتماد المستندي، أطروحة لاستكمال متطلبات درجة الماجستير في القانون بكلية الدراسات العليا،2007.
[12] : سماح يوسف إسماعيل السعيد، المرجع السابق، ص 121
[13] : الجمل، جمال جويدان: تشريعات مالية ومصرفية، ط 1، دار صفاء للنشر والتوزيع، القاهرة،2003،ص90.
[14] : سماح يوسف إسماعيل السعيد، المرجع السابق، ص 123
[15] : ناصيف، الياس: الكامل في قانون التجارة وعمليات المصارف، ج 3، ط 1، منشورات عويدات وبحر المتوسط، 1983،ص 464.
[16] : لقد أكدت قواعد ( usp) وقواعد (ISP) على وجود البنك المبلغ والبنك المؤيد والبنك المسمى وذلك بخلاف قواعد (UN convention) حيث اقتصرت على البنك المؤيد.
[17] : "وقد جاء تعريف البنك المعزز في قواعد )بقوله "أن تعزيز الاعتماد القطعي من قبل مصرف آخر (المصرف المعزز ) بناء على (UCP) 9/ب) من قواعد )تفويض/طلب من المصرف مصدر الاعتماد يشكل تعهدًا قاطعًا من المصرف المعزز بالإضافة إلى تعهد المصرف المصدر شريطة تقديم المستندات المطلوبة إلى المصرف المعزز" وأن يتم التقييد بشروط الاعتماد" وعرفته المادة (- 1.09
"Definition: a: Confierior" is a person who upon an issuers nomination to the so, adds to the :(a
Un وعرفته المادة ( 16 ج) من قواعد ،issuer's undertaking its own undertaking to honaur astand by"
بأنه: conveation "confirmation" of an undertaking means an under taking added to that of the guarantor/issuer,and authorized by the guarantor / issuer, providing the beneficiary which the option of alimenting payment from the confirmations tead of from the guarantor, issuer/ uponsiomple demand on upon clemand accompanied by othe Documents, inconformity with the terms and any document ary condition of the confirmed undertaking, whih out condition of the confirmedunderta king, without prjutic to the eneficiary's right to demand payment fromto quarantor/issure".
[18] : يطلق عليه البعض تسمية "البنك المنفذ للاعتماد".
[19] : التلاحمة، خالد إبراهيم: الوجيز في القانون التجاري، ط 1، دار معتز للنشر والتوزيع، 2002،ص 315.
[20] - محمد مختار بريبري، المسؤولية التقصيرية للمصرف عند طلب فتح الاعتمادات، دار الفكر العربي، القاهرة 1986، ص 57.
- عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، الجزء الأول، مصادر الالتزامات، الطبعة 1992، ص: 727.
[21] - محمد منعزل : الاعتماد المستندي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، القاضي عياض، مراكش ، ص 221.
[22] قرار لمحكمة الاستئناف بآسفي، بتاريخ أبريل 1997، ملف تجاري عدد 55/96 أورده يوسف بنباصر، الاعتماد المستندي في القضاء المغربي والممارسة البنكية، سلسلة بنباصر للدراسات القانونية والأبحاث، ص 371.
[23] - علي جمال الدين عوض،الاعتمادات المستندية، - دراسة للقضاء والفقه المقارن وقواعد سنة 1983 الدولية ، القاهرة دار النهضة العربية، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي1989.، ص 118.
[24] - نجوى محمد كمال أبو الخير: البنك والمصالح المتعارضة في الاعتماد المستندي، القاهرة 1993، ص 373.
[25] - قرار إستئنافية باريس 31 ماي 1966 أشارت إليه نجوى محمد كمال أبو الخير، مرجع سابق، ص 374
[26] - أحمد محمد محرز: أعمال البنوك في القانون المصري، 1997 القاهرة، ص 234.
[27] - عباس مصطفى المصري: عقد الاعتماد المستندي في قانون التجارة الجديد، دار الجامعة الجديدة، للنشر الإسكندرية 2005، ص 57.
[28] امر استعجالي صادر بتاريخ 15/ 01/ 1997 عدد 28/ 6 ملف استعجالي رقم 1245/ 96.
[29] - حكم صادر عن المحكمة التجارية بالبيضاء بتاريخ 4/01/2001 عدد 0049/2001 ملف عدد 5775/2000 أشار إليه يوسف بنباصر، الاعتماد المستندي في القضاء المغربي والممارسة البنكية، سلسلة بنباصر للدراسات القانونية والأبحاث القضائية-2003، ص 374
[30] - حكم صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 13 يوليوز 2000 قرار عد 2182 ملف تجاري استئنافي عدد 714/97 اشار إليه يوسف ببناصر، الاعتماد المستندي في القضاء المغربي والممارسة البنكية مرجع سابق،ص: 373.
[31] -ا محمد برادة اغزيول، دور البنوك في التجارة الدولية، الندوة الثالثة للعمل القضائي البنكي، مرجع سابق، ص 53.
[32] - المادة 9 من القواعد والأعراف الموحدة.
[33] - حكم أشارت إليه نجوى محمد كمال أبو الخير، ص 322.
[34] حكم ابتدائي، صادر عن المحكمة الابتدائية بأنفا- البيضاء- بتاريخ 30 نونبر 1995. ملف تجاري عد 4295/94 أشار إليه يوسف بنباصر، الاعتماد المستندي في القضاء المغربي والممارسة البنكية سلسلة بنباصر للدراسات القانونية والأبحاث ص 376.
*******> مواضيع أخرى ذات صلة
*******> مواضيع أخرى ذات صلة
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك