القائمة الرئيسية

الصفحات

تنازع الاختصاص بين القضاء وإدارة الجمارك

تنازع الاختصاص بين القضاء وإدارة الجمارك

تنازع الاختصاص بين القضاء وإدارة الجمارك
تنازع الاختصاص بين القضاء وإدارة الجمارك


المقدمة:

الأصل في تعامل القضاة مع مختلف القضايا أيا كانت طبيعتها هو حريتهم في تكوين عقيدتهم، والمبدأ في ذلك هو الاقتناع الشخصي في اتخاذ القرارات، وهذا المبدأ يتيح للقاضي أن يقبل أو يرفض أي دليل يقدم إليه، وفي أثناء المحاكمة للقاضي كل السلطة التقديرية في تقدير وزن أي دليل يقدم له وعلى هذه الأدلة يبقى القاضي قراراته، ومن جهة أخرى تتسم قواعد القانون الجمركي بالصرامة والتي تخرج في بعض الأحيان عن نطاق أحكام النزاعات العادية، وهذا ما جعل البعض يصف المنازعة الجمركية بالجزائية فهي تشكل قانون عقابي خاص (Droit pénal spécial).
وأمام كل هذا الشذوذ الذي يشوب القانون الجمركي فإن شذوذه وصل حتى إلى القاضي الجنائي حيث أنه لم يسلم من المقتضيات الخاصة التي تميز القانون الجمركي بل يعتبر هذا الجهاز من الأجهزة التي قضت عليها المنازعة الجمركية، ويظهر ذلك من خلال تداخل الاختصاص بين كل من القضاء وإدارة الجمارك باعتبار هذه الأخيرة شخص معنوي يمثل الدولة، وهذا النزاع بين الجهتين المختلفتين يظهر بشكل جلي في مجال الدعوى الجمركية فبالعودة إلى القواعد العامة نرى أن النيابة العامة   هي المختصة بإقامة الدعوى العمومية فهي المدعي الأصلي وهذا الأمر مستفاد من قانون المسطرة الجنائية.


 تعد إذن النيابة العامة الهيئة الرئيسية المسؤولة عن تحريك الدعوى العامة وممارستها ولذلك فهي سلطة متابعة وقد نص على هذا الاختصاص الرئيسي الفصل 34 من قانون المسطرة الجنائية ولكن لكل أصل استثناء فإن المشرع خول هذه المهمة حتى لبعض الإدارة وإدارة الجمارك تعتبر من الإدارات المخول لها هذه المهمة.
لهذا نرى بأنه لم تبقى النيابة العامة وحدها هي المقرر لسلطة المتابعة والحفظ بل أضيف إليها إدارة تمثل الدولة . ولهذا يمكن القول بأن كلا الجهتين ستحاول فعل المستحيل لبقاء الاختصاص لها والأكثر من ذلك فإن الجهاز القضائي لم ينازع في قضائه الواقف فقط بل تم منازعته في القضاء الجالس ويظهر ذلك من خلال انقلاب موازين الإثبات وكما سبق القول بأن القاضي له سلطة تقديرية في الأخذ بالإثبات لكن في المنازعة الجمركية تم ضرب هذا المبدأ بعرض الحائط من خلال تقرير  قوة المحاضر الجمركية، إذن لم يبقى للقاضي سلطة التقدير ولم يعد هناك أي قناعة شخصية أو مساواة في حقوق الدفاع.
ووصل الأمر أيضا إلى تداخل المحاكم المختصة من أجل البت في الدعوى الجمركية وإلى جانب كل ما تقدم فإن المشرع  الجمركي لم يحدد وسائل مباشرة الدعوى الجمركية وكأنه يأخذ القواعد العامة ويطبقها في المجال الخاص، وللإشارة فإن قواعد عدة تم خرقها من قبل القانون الجمركي وجعل كل من القضاء وإدارة الجمارك في تزاحم مثلا الأخذ بمبدأ حسن النية والظروف المخففة على الجريمة الجمركية فعلى عكس القانون العام ومع مرور الزمن أوجد مكانا للاعتداد بالنية أثناء الحكم على المجرمين والقانون الجمركي من خلال طبيعته المادية للجريمة قام باستبعاد عنصر النية وهذا الأخر مكانه في الركن المعنوي في الجريمة وحول هذا العنصر (حسن النية) إلى ظرف تخفيف أو الأغرب من ذلك هو أن القاضي الجنائي كان مختص بتقدير العقوبة السالبة للحرية وظهر القانون الجمركي في وجه القاضي الجنائي وطبق عليه قاعدة أخرى وهي إقرار إدارة الجمارك المصالحة في القضية المعروضة على القضاء قبل صدور الحكم المكتسب لقوة الشيء المقضي به تسقط الدعوى تامة سواء في شق الغرامة أو العقوبة السالبة للحرية.
ولا يخفى على أحد أهمية موضوع تنازع الاختصاص بين إدارة الجمارك والقضاء خصوصا أن الموضوع يظهر لنا السلطة القوية الممنوحة لإدارة عامة تمثل الدولة وتعود هذه القوة للاعتبار الاقتصادي الذي أصبح يشكل أساس كل دولة.
وموضوع تنازع الاختصاص موضوع واسع ونحن سنقتصر على بعض التجزيئات أو بالأحرى على شق تحريك الدعوى العمومية وشق الإثبات وأيضا بعض السلطات المخولة لكل من القضاء وإدارة الجمارك سواء أثناء المحاكمة أو في فرض العقوبة.
ولهذا يمكن طرح الإشكال التالي كيف يمكن للقاضي الجنائي أن يتعامل مع القضايا الجمركية في ظل القواعد الخاصة والمميزة للقانون الجمركي؟ وللإجابة على هذا الإشكال ارتأينا الإعلان عن التصميم التالي:
المبحث الأول: تنازع الاختصاص بين إدارة الجمارك والقضاء في مرحلة تحريك وإثبات الدعوى الجمركية
المبحث الثاني: سلطات إدارة الجمارك والقضاء في الجريمة الجمركية

المبحث الأول: تنازع الاختصاص بين إدارة الجمارك والقضاء في مرحلة تحريك وإثبات الدعوى الجمركية


تنص المادة الثانية من قانون المسطرة الجنائية على أنه: "يترتب على كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه الجريمة"[1].
والجريمة بصفة عامة ظاهرة اجتماعية كمرآة له يتضح منها مستوى الإجرام وأسبابه وأنواعه ودرجة خطورته تنال من المجتمع في شتى نواحيه وتلحق به أضرارا نفسية ومادية واقتصادية مما جاءت معه العقوبة كإحدى الأنظمة الجزائية التي تنزل بالمخالف القانون تقوم بها وتنفذها أجهزة الدولة القانونية المتجسدة في مؤسسة النيابة العامة كجهاز قضائي مكلف بإثارة الدعوى العمومية والسهر على مراقبتها وتتبعها إلى حين تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر المرتبطة بها[2].
وإلى جانب النيابة العامة أوكل المشرع المغربي كباقي التشريعات الحديثة إلى بعض الهيئات الأخرى مهمة إقامة الدعوى العمومية ومن بين هذه الهيئات هي إدارة الجمارك هذه الأخيرة باعتبارها إدارة عمومية تمارس أنشطتها في إطار الوظيفة العمومية جعلها المشرع المغربي تنافس القضاء المختص في مجاله الأصلي، ومع ذلك فإن الأمر لا ينطلق من تحريك الدعوى العمومية فقط بل إن الجدل أوسع وأكبر من ذلك وهو يعود إلى الاختصاص القضائي كما نعلم بأن إدارة الجمارك مؤسسة عمومية وأثناء رفع الدعوى من قبلها أو ضدها ترفع لدى المحاكم الإدارية والنيابة العامة باعتبارها ممثلة المجتمع فإن الدعاوى التي تباشرها ترفعها أمام القضاء العادي ودليل القول بأن إدارة الجمارك ترفع دعواها أمام القضاء الإداري هو المادة 8 من القانون رقم 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية[3].
ومن هنا نلمس أن المحكمة المختصة بالنظر في المنازعات الزجرية الجمركية أثارت جدلا كبيرا بين الفقه والقضاء (المطلب الثاني) وأيضا فإنه يثار نزاع حول الجهة المختصة بتحريك الدعوى العمومية في المنازعة الجمركية بين كل من القضاء وإدارة الجمارك (المطلب الأول).

المطلب الأول: تنازع الاختصاص في إثبات وتحريك وممارسة الدعوى الجمركية

إذا كان تنازع الاختصاص بين كل من القضاء وإدارة الجمارك يطرح بخصوص الاختصاص القضائي من حيث المحكمة المختصة فإن هذا التنازع يصل إلى الإثبات وتحريك الدعوى الجمركية. الإثبات في الأصل يكون من اختصاص القضاء لكن في المنازعة الجمركية فإن القوة الثبوتية التي يحضرها المحضر المحرر من قبل العون يشتمل أداة إدانة بالنسبة للمتهم حيث لا يبقى للقضاء أي سلطة في تقدير ذلك الدليل، وإذا كان الإثبات بوجه عام يعني إقامة  الدليل أمام القضاء بالكيفيات والطرق المحددة قانونا على الواقعة القانونية التي تمثل مصدر الحق المتنازع عليه حسما للنزاع حوله بموجب حكم قضائي حائز قوة الشيء المقضي به فإن إقامة الدليل وإن كان يخضع فيما يتعلق بعبء الإثبات لمبدأ أساسي مفاده أن البينة على من يدعي، إلا أنه يتسم بخصوصية في المجال الجمركي.
والإثبات له أهمية خاصة في المجال الجنائي لأنه يرمي إلى إثبات واقعة الجريمة التي تنتمي إلى الماضي عن طريق استعانة المحكمة بوسائل تعيد أمامها صورة الجريمة حتى تتمكن من الفصل في الدعوى وتقرير المسؤولية الجنائية إذا توفرت عناصرها، وللإثبات في الميدان الجمركي أهمية لا تقل عن تلك التي يحظى بها في المادة الجنائية بصفة عامة، فقد اعتنى به المشرع الجمركي عناية خاصة بشكل يوفر للإدارة الجمركية تحقيق هدفها بالشكل المطلوب وذلك في الوقوف على المخالفة الجمركية[4].
وتعتبر مرحلة التثبت من الجريمة الجمركية مرحلة سابقة أو ممهدة لمرحلة رفع الدعوى العمومية، بحيث لا يمكن متابعة ومعاقبة المخالفين للقوانين والأنظمة الجمركية إلا إذا تم معاينة وقوعها وتقديم الأدلة لإثباتها والعناصر المكونة لها.
اعتبارا لما تقدم سوف نقسم هذا المطلب إلى فقرتين (الفقرة الأولى) إثبات الجريمة الجمركية أما (الفقرة الثانية) سنخصصها لتحريك الدعوى الجمركية بين القضاء وإدارة الجمارك.

الفقرة الأولى: انقلاب موازين الاتباث في الجريمة الجمركية

تم تعريف الإثبات "بأنه مجموع الأدلة الموجودة والعناصر المكونة للجريمة"[5] كما تم تعريفه في المادة الجنائية "بأنه إقامة الدليل أو البرهان على وقوع الجريمة أو نفيها وعلى إسنادها للمتهم أو براءته منها" ونظرا لأهمية الإثبات على المستوى العملي فقد خولت له كثير من التشريعات مكانة رفيعة وإفراده بقوانين خاصة ومستقلة[6].
وتتميز المنازعة الجمركية مقارنة بباقي المنازعات الجنائية بقوة الإثبات خصوصا على مستوى المحاضر التي تحرر من طرف أعوان الإدارة الجمركية، حيث تلعب دورا بارزا في إثبات الجريمة الجمركية فهي تشكل أساس المتابعات وإذا كانت سلطة القاضي واسعة في تقدير وسائل الإثبات في القضايا العادية ففي المجال الجمركي تتميز بين النسبي والمطلق وذلك حسب طبيعة المحضر لذا سوف نحدد إجراءات التثبت من الجرائم الجمركية (أولا) ونحدد أيضا الأشخاص المكلفون بإثبات الجريمة الجمركية (ثانيا).

أولا: إجراءات التثبت من الجرائم الجمركية

يقصد بالإثبات إقامة  المدعي الدليل أمام القضاء على ثبوت ما يدعيه، وذلك بالكيفية التي يحددها القانون فالمشرع لم يقيد الإثبات في الميدان الجمركي بل نص عليه في الفصل 247 من مدونة  الجمارك بغض النظر عن إثبات الأفعال التي تشكل خرقا للقوانين والأنظمة الجمركية بواسطة المحضر يمكن إثبات هذه الأفعال بجميع الطرق القانونية الأخرى حتى ولو لم تبدأ أية ملاحظة بخصوص البضائع المصرح بها[7].
ومن أهم الإجراءات التي يتم بواسطتها إثبات الجريمة الجمركية كافة الوسائل المعروفة في الميدان الجنائي، تعتبر صالحة في إثبات الجريمة الجمركية (كالمعاينة) الشهادة (والاعتراف) إلا أن المشرع وجد لنفسه أداة خاصة في المجال الجمركي وهي كل من محضر الحجز ومحضر البحث وذلك بالنص على هذه الوسائل في الفصل 234 من مدونة الجمارك.
تعد المحاضر الجمركية وسيلة إثبات في المادة الجمركية، ولقد تم تعريف المحضر بصفة عامة بأنه ورقة رسمية يحررها موظف مختص وفق شكليات قانونية لا يطعن فيه إلا حسب ما يقرره القانون، أما المحاضر الجمركية فتم تعريفها بأنها: "تلك الأوراق التي يحررها أعوان الجمارك وكذا الموظفون المؤهلون لذلك لإثبات ما يقف عليه من جرائم جمركية وظروفها وأدلتها ومرتكبيها"[8].
ومن خلال هذا نجد أن المحضر يجب أن يحرر من طرف موظفين رسميين وهم حسب الفصل 133 من مدونة الجمارك:
-أعوان الإدارة الذين أدوا اليمين
-ضباط الشرطة القضائية
-الأعوان محررو المحاضر التابعة للقوة العمومية
والمحاضر الجمركية يجب أن تكون متضمنة لعدة بيانات تم تحديدها في المادة 240 من مدونة  الجمارك.
والمحاضر تنقسم إلى ثلاثة أنواع فهناك محضر الحجز وبجانبه محضر البحث وأدى التطور القانوني إلى إبراز نوع جديد من المحاضر ألا وهو محضر حجز  الوثائق والذي ينتج عادة عن محضر البحث.

أ-محضر الحجز (le procès verbal de saisie)

يخول القانون العام لمختلق الأجهزة القضائية والإدارية المكلفة بالبحث والمتابعة عن الجرائم صلاحية حجز مختلف الأشياء والمستندات التي قد تكون مفيدة للكشف عن الحقيقة وتعد إدارة الجمارك من بين هذه الأجهزة الإدارية المكلفة بمتابعة المخالفين لتنظيماتها، حيث يحق لهذه الإدارة وضع يدها على الشيء المحجوز حيث تتمكن من الإثبات المادي للجريمة التي تدعى وجودها وتتمكن كذلك من الإدلاء أمام القضاء بجسم الجريمة عندما تنصب طرفا في الدعوى[9].
ونص الفصل 240 من مدونة الجمارك على أنه يجب أن ينص محضر أو محاضر الحجز إذا تعددت على:
-أسباب الحجز وهي إما جمركية أو غير جمركية
-وصف الأشياء المحجوزة مع بيان نوعها وجودتها وكميتها وكذلك أصل البضائع وعلامات الغلافات وإذا تعلق الأمر بعربة (سيارة) فلابد من التنصيص على علامتها ورقم تسجيلها.
-وهذا الوصف يجب أن يكون صحيحا ومفصلا إلا أنه يجب الإشارة إلى أن مسألة التفصيل ليست إلزاما قانونيا بل تبقى مسألة اختيارية.
-التدابير المتخذة لضمان إيداع الأشياء المحجوزة أو حراستها أو حفظها
-تعيين حارس مع ذكر هويته وموافقته وتوقيعه، وهذا الحارس إما أن ينتمي إلى إدارة الجمارك أو يكون من الغير وقد يكون في بعض الأحيان المخالف نفسه.
-حضور أو غياب مرتكب الجنحة عند وصف الأشياء المحجوزة وملاحظاته المحتملة.
-السماح عند الاقتضاء باستلام البضائع غير المحظورة أو وسائل النقل مقابل كفالة أو وديعة[10].

ب-محضر البحث

يشكل نظام البحث إطارا قانونيا تعمل بداخله مختلف أجهزة الشرطة القضائية التي أوكل إليها قانون المسطرة الجنائية مهمة معاينة الجرائم والبحث عن مرتكبيها وفي هذا الإطار يمكنها حجز جميع الأشياء والمستندات التي قد تكون مفيدة للكشف عن الحقيقة حيث يكون الحجز مجرد إجراء قد تقتضيه ضرورة البحث[11] وتعد إدارة الجمارك من بين الإدارات العامة التي أوكل لها المشرع مهام البحث في الجرائم والمخالفات في الميدان الجمركي، ولهذا قد عين الفصل 42 من مدونة الجمارك الأشخاص الذين يجوز لهم القيام بالبحث عن الجريمة وحدده في مفتش مساعد على الأقل والضباط الجمركيين، حيث لم يعد الأمر يهم جميع أعوان الجمارك وعلى العموم فإناطة مهمة البحث بإدارة الجمارك يستدعي ضرورة خلق مصالح متخصصة في معالجة المعلومات والحصول عليها بما يتطلب ذلك القيام بعملية البحث في الوثائق وجمع الأدلة، وتشكلت بذلك داخل إدارة الجمارك مصالح جديدة تعرف بمديريات الأبحاث الجمركية[12].
ومن بين المهام التي تحدد في محضر البحث  هي استجواب المشتبه وتفتيش المنازل وتحرير محاضر البحث والأمر بالوضع تحت الحراسة النظرية وقد منح المشرع المغربي لضباط الشرطة القضائية كامل الصلاحيات ونرى هنا تداخل الاختصاص بين أعوان الجمارك الحاصلين لصفة ضباط الشرطة القضائية وضباط الشرطة الأصليين.

ج-محضر حجز الوثائق

تستدعي عملية الاطلاع من العون الجمركي الانكباب على الوثيقة حينما وجدت ودراستها في عين المكان ثم تحرير محضر بنتائج هذه العملية ومختلف الخلاصات التي يكون قد توصل إليها.
والعون في إطار هذا الاطلاع كان يجد نفسه أمام عدة طرق عمل فإما يتدخل بمجهوده الخاص لبسط هذه البيانات أو تلخيصها في إطار المحضر المنجز أو يلتزم موقفا محايدا يتمثل في نقل هذه البيانات كليا أو جزئيا من الوثيقة إلى المحضر بعد أن يضع الاقتباسات والبيانات أو يأخذ نسخا من هذه الوثائق في إرفاقها بمحضر البحث كدليل على الخلاصات أو النتائج التي قد يتوصل إليها هذا العون أثناء عملية الاطلاع أو البحث أو بحجز تلك الوثائق عندما يكون الاستدلال بأصل تلك الوثائق عملية لا غنى عنها نظرا لما تحمله من تواقيع أو كتابات بخط يد الأظناء.
ومن هذا المنطلق يتضح أهمية الدليل الكتابي الذي يعد من الوثائق التي يحق لأعوان الجمارك حجزها إذا كان من شأنها أن تسهل القيام بمهمته حيث يحرر الأعوان عند الاقتضاء محضر بالحجز ويكون هذا الحجز ذو طابع خاص[13].

ثانيا: الأشخاص المكلفون بإثبات الجريمة الجمركية

يدخل في مهام العون الجمركي باعتباره العنصر البشري لإدارة الجمارك التثبت من وقوع الجرائم والبحث عن مرتكبيها هذا ما نجده في الفصل 233 من مدونة الجمارك.
ويوجب الفصل 233 من القانون الجمركي على أعوان الإدارة المدعون وكالة عمل يتعين لهم أن يدلوا بها كما طلبت منهم وهذه الوكالة تخضع بطبيعة الحال لأحكام ق ل ع والنصوص التنظيمية للقانون الجمركي والقواعد المطبقة في هذا الميدان، وهذا الواجب الملقى على الوكيل لتنفيذ المهمة التي أوكلت له والإدلاء بوكالة لمن يتعامل معه[14]، إضافة إلى أدائهم اليمين حسب كيفيات وشروط منصوص عليها في التنظيم المتعلق بيمين الأعوان محرري المحاضر.
وتتمثل المهمة الأساسية لهؤلاء الأعوان في معاينة الجرائم الجمركية وحجز البضائع التي يتتطبق عليها المصادرة والبضائع الأخرى التي هي بحوزة المتهم كضمان في حدود الغرامات المستحقة قانونا، وحجز أي وثيقة ترفق بهذه البضائع وفي حالة التلبس يتم توقيف المتهمين وتقديمهم للنيابة العامة مع مراعاة الإجراءات القانونية وتحرير محضر حجز يدون فيه الوقائع والإجراءات[15].
وفقا للشكليات المنصوص عليها في القانون الجمركي مع الإشارة في هذا الصدد أنه لا فرق بين محضر حجز أكد من قبل أعوان الجمارك ومحضر الحجز أكد من قبل غيرهم من الأعوان المؤهلين.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك بيانات يجب أن تتوفر في المحاضر الجمركية وهي بيانات عامة وبيانات خاصة[16].
وكما سبق الذكر فإن مرحلة التثبت من الجرائم هي مرحلة سابقة للمتابعة القضائية، بحيث تقدم المحاضر لخلية المنازعات التابعة لإدارة الجمارك، حيث يقوم موظفون مختصون بفحص البيانات الشكلية للمحضر ثم إعطاء تكييف للجريمة الجمركية بإدراجها ضمن المخالفات أو الجنح الجمركية، استنادا على المعطيات الواردة بالمحضر ومرفقاته يتم تحرير شكاية توجه إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لتحريك الدعوى العمومية المرفقة بالطلبات المدنية لإدارة الجمارك إن كنا قد أبرزنا بأن الإثبات انتقل من القاضي إلى إدارة الجمارك باعتبار هذه الأخيرة شخص معنوي فإن موازين العدالة قد انقلبت فهل ستنقلب حتى في مرحلة تحريك وممارسة الدعوى العمومية هذا موضوع النقطة الموالية.

الفقرة الثانية: تحريك وممارسة الدعوى الجمركية بين القضاء وإدارة الجمارك

الأصل في تحريك الدعوى العمومية في القضايا العادية أن النيابة العامة هي التي لها صلاحية تحريك الدعوى وممارستها بما لها من سلطة الملاءمة[17]، إلا أنه في مدونة الجمارك الأصل هو أن الإدارة هي التي لها صلاحية تحريك الدعوى العمومية وأن دور النيابة العامة استثنائي ذلك أن المشرع أعطاها صلاحية تحريك الدعوى العمومية في الجنح الجمركية المنصوص عليها في الفصلين 279 مكرر مرتين والفصل 281 إلى جانب الوزير المكلف بالمالية ومدير الإدارة أو أحد ممثليه.
أما في المخالفات الجمركية فلا يمكن تحريك الدعوى العمومية إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لذلك[18].
ولهذا تكون المتابعة القضائية هي المآل الطبيعي لأي جريمة جمركية والملاحظ أن الاختلاف في حق تحريك الدعوى العمومية يختلف بين ما إذا كانت الجريمة مخالفة أو جنحة جمركية فبالنسبة للمخالفات خولت الفقرة 2 من الفصل 249 تحريك الدعوى العمومية للوزير المكلف أما الجنح أعطت المادة 249 الحق في تحريك الدعوى العمومية إلى النيابة العامة أو الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد الممثلين المؤهلين.
ويتبين من هذا النص أن المشرع حاول جاهدا أن يوفق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة لإدارة الجمارك وذلك بإشراك النيابة العامة مع وزير المالية ومدير إدارة الجمارك وللإشارة فإن تحريك الدعوى العمومية في الجنح تتضمن عقوبات مدنية ومالية لذا تعد خطيرة في حين ظلت المخالفات الجمركية حكرا على وزير المالية أو مدير الإدارة أو من ينيبه لأن عقوبتها أغلبها مالية فهي ترتبط بالمصلحة الخاصة[19].
وهذا ما سار عليه كذلك المشرع الفرنسي أو كان سباقا إليه بالأحرى في الفصل 343 من القانون الجمركي الفرنسي في حين نجد المشرع المصري أعطى الحق في الفصلين 124 و125 من القانون الجمركي تحريك الدعوى العمومية المتعلقة بالجرائم الجمركية لمدير الإدارة أو من ينيبه في بعض الجرائم ولوزير المالية أو من ينيب في جرائم أخرى، أما تحريك ومتابعة المخالفين فتتم انطلاقا من المحاضر الذي أعدها أعوان الجمارك حول المخالفات المرتكبة[20] فهذه الوثائق ترسل بعد إنجازها إلى الهيئة القضائية المختصة قصد فتح متابعة بشأن الأشخاص المرتكبين أو المتورطين في الوقائع التي أثبتها والمطالبة بإصدار الحكم في القضية وبين المتابعة وإصدار الحكم لابد من سلوك عدة إجراءات تنطلق من وضع الشكاية مع المحضر للنيابة العامة، وتقديم ملتمسات وتبادل المذكرات وممارسة كل طرق الطعن العادية وغير العادية إلى حين اكتساب الحكم قوة الشيء المقضي به[21]
وللتوضيح فإن الإشكال المثار هو تداخل الاختصاص بين كل من النيابة العامة باعتبارها قضاء واقفا وإدارة  الجمارك باعتبارها شخص معنوي وهذا التداخل يظهر في تحريك وممارسة الدعوى العمومية.
فالقانون هو الذي فرض الاستثناء لبعض الإدارة لمتابعة الجرائم التي تلحق الضرر بالصالح العام التي تعمل منه الإدارة على حمايتها وتحقيقها وهي مصالح ذات نفع اقتصادي أو مالي أي مصالح مالية عامة للدولة كإدارة الضرائب غير المباشرة.
والملاحظ أن هذه الإدارات تتمتع بنفس الامتياز الذي تتمتع به النيابة العامة إذ هي تملك حق المتابعة كاملا فهي مثل النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية وممارستها فهي في حالات معينة تلعب دور المدعي الأصلي في الدعوى العامة فتحرك الدعوى وتمارسها، وفي بعض الحالات الأخرى يكتفي التشريع بتخويلها حق تحريك الدعوى العامة مثل المدعي المدني المتضرر من الجريمة. وتملك إدارة الجمارك حق متابعة الجرائم التي تقع خرقا للقوانين الخاصة بها وحقها هذا يضيق مداه ويتسع باختلاف نوع العقوبة المقررة للجريمة المرتكبة فهي تملك حق المتابعة الجنائية[22].
وحق المتابعة الجنائية تحريكا وممارسة، إذا كانت الجريمة المقترفة معاقبة بالغرامة فقط ليس للنيابة العامة في مثل هذه الحال سوى الانضمام إلى إدارة الضرائب غير المباشرة أما إذا كانت الجريمة معاقبا عليها بالحبس فإن الإدارة لا تملك سوى حق تحريك الدعوى العامة إن أصابها ضرر أما النيابة العامة فتملك في هذه الحال حق تحريك المتابعة وممارستها[23].
ولذلك نلاحظ أن مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة ميزت بين أصناف الجرائم[24].
والدعوى التي تثيرها الإدارة تستدعي ابداء بعض الملاحظات:
-إن هذه الدعوى ذات أهداف مالية: فهي تجمع بين العقاب والتعويض فهي دعوى ذات طبيعة خاصة
ولذلك فإن تلك الإدارات تملك حق التصرف في تلك الدعوى، فهي ولئن كانت تملك حق متابعتها فإنها تملك التصالح بشأنها، وهذا بخلاف الحال بالنسبة للنيابة العامة فإن تصالحت الإدارة مع مرتكب الجريمة قبل صدور حكم نهائي فيها، فإن هذا الصلح يؤدي إلى سقوط الدعوى العامة سقوطها نهائيا، سواء تعلق الامر بجريمة معاقبة بعقوبة مالية أو بعقوبة سالبة للحرية أو بالعقوبتين معا (المالية والسالبة للحرية) لكن المصالحة وإن جاءت بعد حكم نهائي فإنها لا تسقط العقوبة الحبسية المحكم بها الفصل 23 من مدونة الجمارك[25].
وإن كانت دعوى الإدارة قريبة من دعوى المطالب بالحق المدني، حينما تتدخل بجانب النيابة العامة فإن دعواها تكون مختلطة جنائية مدنية ولهذا يحق لها التدخل ولو لأول مرة في المرحلة الاستئنافية.
-كما يحكم على الإدارة بأداء صوائر الدعوى إذا كانت هي المحرك للدعوى العامة والممارسة لها بخلاف الحال للنيابة العامة فلا تتحمل بمصروفات الدعوى العامة إذا خسرتها.
-ولقد تم تقيد حق النيابة العامة في إعمال مبدأ الملائمة في بعض الجرائم وبصفة استثنائية إما على توفر شكاية من المضرور أو الإدارة أو على طلب أو إذن أو على أمر أو على حكم في قضية أولية، وفي حالة إقامة النيابة العامة الدعوى تكون باطلة بطلانا مطلقا.
والطلب كالشكاية هو إخبار أو تبليغ عن الجريمة في صورة التماس بمتابعتها من طرف النيابة العامة ولهذا يجب أن يقدم الطلب في شكل كتابي ومن الجهة المختصة حتى يحق للنيابة العامة تحريك المتابعة.
-من بين حالات سقوط الدعوى العمومية هي إقامة النيابة العامة –المصالحة حسب النصوص القانونية المحددة[26].
شكلت هذه الدعوى جدلا فقهيا وقضائيا بخصوص طبيعتها واعتبار أن إدارة الجمارك ليست مجرد طرف مدني يهدف من خلال الإجراءات التي يقوم بها والطلبات التي يتقدم بها إلى تحصيل الحقوق والرسوم الجمركية بل هي فوق هذا جهة أو طرف يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى تتمثل في حماية الاقتصاد الوطني والمحافظة على النظام العام والصحة العامة ومكافحة التهريب والجريمة العابرة للحدود وحفاظا على المصلحة العامة ككل وليس من أجل المصلحة الخاصة فحسب كطرف خاص، مما جعل القضاء يرفض إضفاء الطابع المدني على دعوى إدارة الجمارك معتبرا إنها دعوى من نوع خاص وكل الدعويين مستقلتين عن بعضهما[27].
والأمرلم ينتهي بل إنه عند تحريك الدعوى العمومية فإن النيابة العامة يكون من حقها في قضايا الحق العام صلاحية اعتقال المتهم أو تقديمه للمحاكمة في حالة سراح إلا أن هذا الاختيار يحكمه مبدأ مهم تنص عليه المادة 159 من قانون المسطرة الجنائية وهو أن الاعتقال الاحتياطي تدبير استثنائي ولا يمكن اللجوء إليه إلا إذا توفرت حالة التلبس أو لم تتوفر في مرتكب الجنحة الضمانات الكافية للحضور (المادة 74) من قانون المسطرة الجنائية، وجاءت المادة 175 وما بعدها لتحدد بدقة شروط صارمة ضمانا لحرية الأفراد من بينها أنه إذا منح الإفراج المؤقت لمتهم فإنه يفرج عنه حالا رغم استئناف النيابة العامة باستثناء حالتي المساس بمقدسات البلاد أو الاتجار غير المشروع في المخدرات ولا يمكن اعتقال المتهم رغم صدور حكم ضده بالعقوبة الحبسية النافذة إلا بعدما يكتسب قوة الشيء المقضي به وذلك في إطار تنفيذ الحكم ضده[28].
هذه المبادئ كلها ضربت بها مدونة الجمارك عرض الحائط ذلك أنها جعلت الاعتقال الاحتياطي هو المبدأ والاستثناء هو ترك المتابع في حالة سراح، فالمادتان 253 و255 من مدونة الجمارك نصتا على أن السراح المؤقت يتوقف على تقديم ضمانات كافية للحضور وتشددت بشأن هذه الضمانات في حالة التلبس حيث أوجب تقديم وديعة نقدية أو في شكل شيكات مصادق عليها إلى صندوق قابض الجمارك وإما تقديم كفيل مليئ الذمة يضمن أداء العقوبات المالية المستحقة[29].
ومن خلال ما تقدم يمكن القول بأن مدونة الجمارك لا تتضمن مبادئ وشروط المحاكمة العادلة ويظهر ذلك من خلال الاقتناع الصميم للقاضي إن أهم ما ينبني عليه الإثبات في الميدان الجنائي هو الاقتناع الصميم للقاضي، حيث ينص الفصل 286 من قانون المسطرة الجنائية على أن القاضي يحكم باعتقاده الصميم إلا أنه في ميدان المخالفات الجمركية فإن إثبات الفعل بمقتضى محضر منجز من طرف عونين فأكثر لإدارة الجمارك أو من طرف رجال الدرك.
لا يبقى معه مجال متسع لتكوين الاقتناع الصميم، إذ على القاضي أن يأخذ بما جاء في المحضر إذا كان صحيحا في الشكل بالرغم من عدم اقتناعه به، ما لم يطعن وهذا الأمر فيه تقليص كبير لدور القضاء في توخي العدالة التي ينشدها المواطن ويقلص من سلطة القضاء، وهي سلطة  تمحيص الحجج وتقدير قيمة الأدلة لاستخلاص ما يمكن استخلاصه، منها لتكوين اقتناعه أيضا من حيث مبدأ الشك يفسر لمصلحة المتهم إن الشك الذي يمكن أن يتطرق لذهن القاضي من الوقائع المضمنة بالمحضر لا يمكن بأي حال أن ينال من قيمته وبالتالي لا يعطي الصلاحية للقاضي لأن يفسره لمصلحة المتهم، بل على العكس من ذلك يفسر لمصلحة إدارة الجمارك ما دام أن المتهم أصبح مدانا بمقتضى القرائن المنصوص عليها في مدونة الجمارك ويكون هو أن يثبت براءته بمجرد إنجاز محضر الحجز ضده، ومن ثم لا مجال للقول ببراءة المتهم لفائدة الشك[30].
إلى جانب كل هذا فإن هناك مقتضى آخر يقتل مبدأ العدالة وهو عبء الإثبات من القواعد المقررة قانونا أن البينة على المدعي، اي أن الحجة التي تحرك المتابعة في الميدان الزجري، وهي هنا إدارة الجمارك أو النيابة العامة هي التي عليها أن تثبت الأركان المكونة للمخالفة في حق المخالف إلا أن مدونة الجمارك قلبت عبء الإثبات هذا عندما جعلت من الأفعال المضمنة بالمحضر كتابة إلى أن يطعن فيها بالزور فضلا عما تضمنته من قرائن قانونية ضد المتهم وهذا لاشك فيه عبءعلى المتابع ويمس بحقوق الدفاع ويضرب في العمق قاعدة المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته[31].
والأكثر من ذلك هو المساواة أمام القضاء إن مدونة الجمارك لم تحترم هذه الموازنة لأن لها كفة الدفاع الكبرى ولها وسائل إثبات لا يمكن للقاضي أن يتدخل بشأنها[32].

المطلب الثاني: تداخل الاختصاص بين القضاء وإدارة الجمارك من خلال قواعد الاختصاص القضائي وأساليب مباشرة الدعوى

نعلم بأن الجرائم الزجرية تختص بها المحاكم العادية أما المحاكم الإدارية فتختص بكل قضية تكون الدولة طرفا فيها، وبالعودة إلى القانون الجمركي نرى أنه قام بجعل الجريمة الجمركية من اختصاص المحاكم العادية رغم أن إدارة الجمارك شخص معنوي يمثل الدولة والأكثر من ذلك فإن المشرع المغربي لم يحدد طرق مباشرة الدعوى الجمركية وهذا ما يجعل الإحالة ستكون للقواعد العامة وفي هذه المحطة المشرع لم يفرد تنظيما خاصا بالجريمة الجمركية وللتوضيح سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين (الفقرة الأولى) قواعد الاختصاص القضائي (الفقرة الثانية) أساليب مباشرة الدعوى الجمركية.

الفقرة الأولى: قواعد الاختصاص القضائي

أثارت المحكمة المختصة بالنظر في المنازعات الزجرية الجمركية، جدلا كبيرا في الفقه والقضاء فتم تقسيم الجدل القائم إلى اتجاهان:
هناك اتجاه يرى بأن الاختصاص يعود للمحاكم الإدارية بحكم أن النزاع قائم بين شخص معنوي عام –إدارة الجمارك- وبين طرف عادي وهو المخالف للقوانين والأنظمة الجمركية، واتجاه  آخر يرى أن اختصاص البت في هذه المنازعات يرجع بالأساس للمحاكم العادية على اعتبار أن كل الصلاحيات المسندة لأعوان الجمارك لا يختص القضاء الإداري بالرقابة على مشروعيتها سواء بكشف الجرائم أو فيما يخص تحريك الدعوى العمومية ضد الأشخاص المخالفين للأنظمة والقوانين الجمركية.
وبالرجوع إلى مدونة الجمارك نجدها تنص في الفصل 214 على أنه "مع مراعاة أحكام الفصل 257 المكرر بعده تغلب على الغرامات الجبائية المنصوص عليها في هذه المدونة صبغة تعويضات مدنية، غير أنها تصدر عن المحاكم الزجرية ويجب الحكم بها في جميع الحالات ولو لم تلحق الأفعال المرتكبة أي ضرر مادي بالدولة، وإذا كانت القضية معروضة أمام المحكمة العسكرية جاز للإدارة أن تقدم طلب التعويض إلى محكمة مدنية.[33]
وأيضا إن الفصل 252 من مدونة الجمارك ينص "(ترفع الجنح والمخالفات الجمركية إلى المحاكم وفقا للقواعد القانونية العادية، غير أن المحاكم المرفوعة إليها الدعوى قبل فاتح ماي 1984 تظل مختصة وفقا للنصوص المطبقة قبل هذا التاريخ)[34].
انطلاقا من هذين الفصلين يتبين أن المحاكم العادية هي المختصة حيث ترفع إليها الجريمة الجمركية وفق القواعد العامة وطبقا لقواعد الاختصاص المكاني، فالمحكمة المختصة هي محكمة محل ارتكاب الجريمة أو محل إقامة المتهم أو مكان إلقاء القبض عليه[35] وقد أثير إشكال أثناء قيام إدارة الجمارك ببعض أعمال الحجز وضبط الجرائم حيث في هذا الصدد صدرت عدة قرارات عن المحاكم  الإدارية وأبقته للمحاكم الزجرية العادية ومنها:
-حكم المحكمة الإدارية بوجدة صرح بعدم اختصاص المحكمة الإدارية في طلب يهدف إلى الحكم برفع الحجز عن السيارة التي قامت بحجزها إدارة الجمارك بعلة أن صاحبها ضبط وهو يحاول استيرادها بدون تصريح بعد أن كان قد غادر التراب الوطني وحرر له محضر وأقيمت ضده دعوى معللة حكمها بكون هاته الأعمال تدخل في الضبط وتخضع لمراقبة النيابة العامة[36].
وهناك أيضا أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء مفاده أن القاضي الإداري لا يكون مختصا بمراقبة أعمال الإدارة التي تدخل في نطاق الشرطة القضائية وأن تقديم الطلب لرفع الحجز الذي قامت به مصلحة الجمارك في هذا النطق مقدم إلى جهة غير مختصة[37].
ولهذا تبقى المحاكم الإدارية مختصة في المنازعات ذات الطابع المدني والمتمثلة في مجموع المنازعات الناشئة عن تطبيق الإدارة للقوانين التي لا تنص مقتضياتها على عقوبة زجرية فهي تضم منازعات تحصيل ديون الدولة والمتمثلة في الرسوم الواجب تحصيلها من طرف الإدارة ثم منازعات المسؤولية وهي تضم منازعات مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها ومصالحها[38].
إذن بخصوص المنازعات المتعلقة بمسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها وأيضا منازعات تحصيل ديون الدولة فإن الاختصاص القضائي يعود إلى المحاكم الإدارية القانون رقم 90/41 المادة 8 منه، وكذا بمقتضى مواد أخرى دون أن يشير صراحة إلى المنازعات الجمركية، والمادة الثامنة اكتفت بالنص على اختصاص  هاته المحاكم في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضرائب بينما أشارت المواد من 28 إلى 35 إلى مجموعة من هاته النصوص والاستقرار السائد في قرارات وأحكام القضاء الإداري المغربي أن المحاكم الإدارية تختص بجميع هذا النوع من المنازعات الجمركية وعلى هذا الأساس كرست مجموعة من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية اختصاصها للبت في هذه المنازعات، وهكذا قضى حكم للمحكمة الإدارية بوجدة (تبقى هذه المحكمة مختصة بالبت في هذه النازلة على اعتبار أن المادتين 8 و28 من القانون رقم 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية تمنحان الاختصاص لهذه المحاكم كلما تعلق الأمر بقضايا المنازعات الضريبية، وكذلك قضايا تحصيل ديون الدولة وأن قانون الجمارك هو قانون يتعلق بالضرائب غير المباشرة مما يجعله يندرج في إطار المادة الثامنة المذكورة[39].
ولهذا يمكن رد اختصاص المحاكم الإدارية في مجال المنازعات الجمركية إلى نوعين رئيسيين هما قضاء الإلغاء وقضاء المشروعية والمعروف أن سلطة قاضي الإلغاء تقف عند الحكم بإلغاء قرار معيب دون أن يوجه القاضي إلى الإدارة أوامر محددة للقيام بعمل أو امتناع عن القيام بعمل.
والنوع الثاني هو القضاء الشامل، الذي يخول للقاضي تصفية النزاع كليا فيلغي القرارات المخالفة للقانون إن وجدت، ثم يرتب عن ذلك نتائج كاملة من الناحية الإيجابية أو السلبية والقضاء الشامل هو الأصل فيما يتعلق بالمنازعات الجمركية والتي تترتب عن تطبيق الرسوم الجمركية، وهذا يدل أن اختصاص المحاكم الإدارية غير مقصور على مشروعية القرارات الإدارية الصادرة عن إدارة الجمارك بل يمتد الاختصاص لكل ما يتعلق بقضايا الرسوم الجمركية والضرائب غير المباشرة[40].
عموما يمكن القول بأن المحكمة المختصة بالفصل في المنازعة الجمركية هي المحاكم العادية وذلك بمقتضى الفصلين 214 و252 من مدونة الجمارك أما القضاء الإداري يبقى له الاختصاص في الفصل في منازعة تحصيل الديون أو منازعة مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها ومصالحها من خلال قضاء الإلغاء والمشروعية والقضاء الشامل.

الفقرة الثانية: أساليب مباشرة الدعوى الجمركية

لم تنص مدونة الجمارك على أية إشارة إلى كيفية رفع الدعوى الجمركية إلى المحكمة المختصة، ولم تشر كذلك إلى القواعد الإجرائية أمامها، واكتفت بالإشارة من خلال الفصلين 252 و214 على المحكمة المختصة، وكأن المشرع يحيل ضمنيا على القواعد العامة التي تحكم الإجراءات أمام هذه المحاكم بما في ذلك أساليب مباشرة الدعوى الجمركية.
ومتابعة الجرائم الجمركية أمام المحاكم تتم عن طريق الشكاية العادية وبالعودة إلى المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية نجده ينص على أنه (يتلقى وكيل الملك المحاضر والشكايات والوشايات ويتخذ بشأنها ما يراه ملائما).
ورغم أن المشرع المغربي لم يحدد أساليب مباشرة الدعوى الجمركية في الفصلين 248 و249 من مدونة الجمارك، إلا أنه يتم العودة إلى القواعد العامة وممارسة الدعوى عن طريق الشكاية حيث توجه إدارة الجمارك شكاية إلى السيد وكيل الملك لدى المحكمة المختصة مرفقة بالمحاضر والوثائق الضرورية لإثبات المخالفة[41].
أيضا يمكن لإدارة الجمارك أن تباشر دعواها عن طريق الاستدعاء المباشر[42]، وذلك  بتقديم طلب إلى رئيس المحكمة في عدد من النسخ يساوي عدد الأشخاص المسؤولين جنائيا أو مدنيا عن الجريمة، ويمكن تحريك الدعوى العمومية بواسطة الإحالة الفورية على المحكمة وتتحقق هذه الحالة متى توافرت حالة التلبس المادة 74 من قانون المسطرة الجنائية بحيث يحق لوكيل الملك أن يصدر أمره بإيداع المتهم بالسجن بعد إشعاره بحقه في تنصيب محام، واستنطاقه عن هويته وعن الأفعال المتلبس بها ويمكن تمتيع المتهم بالصراح المؤقت، إذا لم يحكم فورا في جوهر القضية وذلك مشروط بتقديم ضمانات كافية للحضور سواء كانت مادية أو شخصية ومدونة الجمارك شددت في هذه الضمانات في حالة السراح المؤقت[43].


المبحث الثاني: سلطات إدارة الجمارك والقضاء في الجريمة الجمركية


يتبين من خلال العمل القضائي أن القضاء لا ينكر على المحاضر الجمركية القوة الثبوتية التي اعترف بها المشرع لهذا النوع من المحاضر.
فالقاعدة في المادة الجنائية أن القاضي يحكم حسب اقتناعه الذي يتكون لديه من العناصر المعروضة ، فإما أن يقبلها أو يرفضها مع تعليل ذلك لكن مبدأ القناعة هذا يعرف استثناء فيما يخص حجية بعض المحاضر التي يعتمد عليها إلى أن يثبت زوريتها وما يخالفها من هنا تظهر سلطة القاضي في تقديردليل الإثبات حتى  ولو كانت السلطة ضعيفة إلا أنه ينازع إدارة الجمارك أيضا كما نعلم بأن العقوبة المالية تفرضها إدارة الجمارك ومع ذلك نجد لها منافس وهو القضاء، لذا سنتطرق في (المطلب الأول) سلطات القضاء في الأخذ بالمحاضر الجمركية و(المطلب الثاني) نتركه لسلطات القضاء وإدارة الجمارك أثناء المحاكمة وفي تقدير العقوبة.

المطلب الأول: سلطات القضاء في الأخذ بالمحاضر الجمركية

بالاطلاع على الفصل 242 من مدونة الجمارك يتبين أن المحاضر الجمركية تختلف حجيتها باختلاف محرريها كما ينص الفصل 243 وما بعده من مدونة الجمارك مما ينعكس على طرق الطعن الممكنة ضد المحاضر وهذه الأخيرة لا تهم موضوعنا، ولذا فعند العودة إلى الفصل 242 من المدونة نجده ينص على "أن المحاضر المحررة بشأن الجنحة أو المخالفة لأحكام هذه المدونة من طرف عونين للإدارة أو أكثر يعتمد عليها في الإثباتات المادية المضمنة في المحاضر إلى أن يطعن في صحتها ويعتمد عليها في صحة وصدق الإقرارات والتصريحات المتلقاة إلى أن يثبت ما يخالفها وكذا الشأن بالنسبة للمحاضر المحررة من طرف الأعوان محرري المحاضر التابعين لادارات أخرى ما لم تكن هناك نصوصا خاصة"[44].
انطلاقا من هذا النص يتضح أن المحاضر الجمركية يميز فيها بين ذات الحجية المطلقة (الفقرة الأولى) وذات الحجية النسبية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: سلطة التقدير في المحاضر ذات الحجية المطلقة

تتمتع المحاضر الجمركية بحجية كاملة إلى أن يطعن فيها بالزور عند توفر شرطين أساسيين وهما أن يتعلق المحضر بإثباتات مادية جمركية وأن تحرر من طرف عونين للإدارة أو أكثر.
ففيما يخص المعاينات المادية عرفها بعض الفقه بأنها ما يلاحظه الأعوان محرري المحضر كما أن ضبط الجريمة أو طبيعة البضاعة، وظروف إلقاء القبض[45].
وعرفها فقه آخر بأن "الإثباتات المادية تفيد الوقائع المادية التي يعانيها أعوان إدارة الجمارك أو رجال الدرك بأنفسهم وبحواسهم أي الوقائع المحددة بالوصف الموضوعي للشيء المبني على الحواس دون ما عداها من الاستنتاجات"[46].
لهذا يجب أن يتم تحرير المحضر من طرف عونين للإدارة أو أكثر وبالتالي تحريره من عون واحد أو أعوان متعددين تابعين لإدارات أخرى لا تكون له نفس القوة في الحجية والفصل 242 من مدونة الجمارك المغربية يقابله الفصل 235 من القانون الفرنسي الذي يعطي نفس القيمة للمحاضر المنجزة من أعوان إدارة أخرى[47] عكس المشرع المغربي الذي قصرها على أعوان الإدارة فقط، وبالتالي نسجل نقطة إيجابية في هذا النص الذي يعتبر متقدما ويترك الطعن بإثبات العكس  في غير تقرير المحاضر من طرف أعوان الإدارة.
ومن الأمثلة على هذا النوع من المحاضر نجد الفصل 65 و66 من قانون 10 أكتوبر 1917 بشأن مخالفات المياه والغابات والفصل 28 من ظهير 11 أبريل 1922 المتعلق بالصيد في المياه الداخلية ونظرا للقوة المطلقة للمحاضر الجمركية المتجزئة من طرف عونين للإدارة فهي قد تكون ضد العدالة القانونية نظرا لعدم اشتغال هؤلاء الأعوان تحت إمرة النيابة العامة مما قد يتعسف في استعمال هذا الحق كما أنه في هذه الحالة ليس للقاضي أن يحكم باعتقاده الصميم، فهو فقط عليه أن يأخذ بما جاء في المحضر إذا كان صحيحا في الشكل[48]، في حين يرى بعض الفقه أن الحجية لا تعطل السلطة التقديرية للمحكمة[49].
ويرى بأن العلة من إضفاء هذه الحجية القوية على هذا النوع من المحاضر ترجع إلى صعوبة الإثبات في الجرائم التي تتناولها بحيث قد يتعذر الإثبات بالطرق العادية كالشهادة والاعتراف ويمكن إرجاع الأسباب التي جعلت المشرع يضفي هذه الحجية على هذا النوع من المحاضر إلى:
-صعوبة الإثبات في المواد الجمركية فالإثبات غالبا ما يتم في أماكن نائية ومعزولة حيث يصعب اكتشاف وإثبات الجرائم المرتكبة في هذه المناطق وحيث لا يوجد شهود للتدليل على ارتكابها باستثناء الأعوان القائمين بالمراقبة في هذه المناطق الحدودية من جمارك ودرك وشرطة.
-طول الحدود الجمركية وتشعبها وصعوبة المسالك والممرات تجعل من المستحيل توفير الإمكانيات المادية والبشرية الكافية لغرض الرقابة اللازمة على طول هذه الحدود، وضبط المتهمين وهم يعبرون الحدود ذهابا وإيابا بالبضائع محل الغش، مما اقتضى ضرورة تدخل المشرع بوضع قرائن قانونية تسهل عملية إثبات جرائم المتهمين ولو ضبطوا بعيدا عن الحدود الجمركية داخل النطاق الجمركي أو حتى خارجه في بعض الحالات وهم ينقلون أو يحوزون بطريقة غير قانونية بضائع محل الغش وهو ما يشكل ضمانة معتبرة في مجال التهريب[50].
-عدم اكتراث الجمهور بالمخاطر التي تهدد المصلحة العامة في الجريمة الجمركية فمن يغش ضد القانون ويكتشف أمره كثيرا ما يعتبر في نظر الجمهور كضحية أكثر من اعتباره مذنب بل ويعتبر أحيانا كبطل[51].
فلا توجد في تصور الجمهور اية مقارنة ممكنة بين القاتل والسارق ومضرم النيران من جهة ومن يتحدى القانون الجمركي من جهة أخرى مما يجعل كرامة المتهم في الجريمة الجمركية غير محددة بإدانة محتملة ولا يفقد اعتباره بين الناس، وفي ظل هذه الوقائع يبدو من الصعب جدا أن تتمكن الإدارة من جمع الأدلة الكافية لإثبات الجريمة الجمركية وبالخصوص جرائم التهريب مما يقتضي بالتالي الإبقاء على القرائن القانونية والحجية الخاصة للمحاضر في مجال الإثبات[52].
وبخصوص اجتهادات القضاء المغربي ورغم صراحة النص قبل صدور القانون فهو لم يستقر على حال.
حيث جاء في أحد قراراته الصادرة بتاريخ 11 نونبر 1971: "إن المحاضر التي تحرر من طرف شخصين على الأقل من رجال الجمارك في المسائل المالية يوثق بها إلى أن يدعى فيها بالزور وإلا يتعرض للنقض الحكم الذي اعتبر محضرا من هذا النوع باطلا استنادا إلى إثبات ما يخالفه عن طريق شهادة الشهود وعن طريق القرائن"[53].
وهناك من القرارات التي تأخذ بما يخالف محاضر الجمركي وأخرى تأخذ بالحجية المطلقة للمحضر حيث لا يبقى للقاضي أي سلطة  في تقدير دليل الاثبات باعتبار هذه المحاضر دليل للإدارة القاطع وهذا إن دل على شيء يدل على  أن المشرع قيد سلطة القاضي الجنائي في تقدير الدليل المقدم إليه.

الفقرة الثانية: سلطة التقدير في المحاضر ذات الحجية النسبية

ورد هذا النوع من المحاضر كذلك في الفقرة الثانية من الفصل 242 من القانون الجمركي وهي المحاضر المحررة من طرف عون واحد للإدارة ويعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها، وكذا المحاضر المحررة من طرف الأعوان محرري المحاضر التابعين لإدارات أخرى ما لم تكن هناك نصوص خاصة، وهذه الفقرة الثانية من المادة 237 من القانون الفرنسي، كما تنطبق الفقرة الثالثة من الفصل 242 من القانون الجمركي مع المادة 290 من قانون المسطرة المدنية من حيث الحجية[54].
والجدير بالذكر أن قانون الجمارك لم يوضح الكيفية التي بها يجب إثبات العكس، وفي غياب نص صريح يبين كيفية إثبات العكس يمكننا الاحتكام للقواعد العامة.
فهكذا مثلا إذا تعلق الأمر باعتراف المتهم في محضر جمركي بارتكابه مخالفة جمركية ثم تراجع عن اعترافه المسجل في المحضر وقدم إثباتا لبراءته دليلا كتابيا كأن يقدم مثلا جواز سفره بأنه في تاريخ الوقائع كان مسافرا إلى الخارج أو يقدم شهود يؤكدون ذلك ففي هذه الحالة يجوز الحكم ببراءته.
وفي هذا الصدد صدر قرار محكمة الاستئناف بالبيضاء جاء فيه: "حيث ان الضنين صرح خلال البحث التمهيدي بأنه أدلى بفاتورات لكن هذه مجرد أقوال تعوزالدليل، وحيث أن محاضر إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة تقدم حجة على ما ورد فيها إلى حين ثبوت خلافها وهو لم يحصل"[55].
هذا وكما هو معلوم فالمحاضر التي تحررها الشرطة القضائية غالبا ما يستعمل فيها الابتزاز لكسب اعترافات الضنين، لذلك فإعطائه الحق لتراجع عن أقواله واعترافاته والإدلاء بما يثبت ذلك من شأنه أن يعزر العدالة القانونية المنشودة وبالعودة إلى الفصل 242 من مدونة الجمارك نجده ينص في فقرته الثانية على أن الإقرارات والتصريحات المتضمنة في المحضر يعتمد عليها إلى أن يثبت ما يخالفها، وفي هذه الفقرة ترجع للقاضي الجنائي سلطته التقديرية وتضفي نوعا من المرونة على طرق الإثبات في المواد الجمركية، وتبعا لذلك فإن المحاضر الجمركية المتضمنة للاعترافات  أو التصريحات ولو تم تحريرها من طرف عونين أو أكثر من الأعوان المؤهلين لمعاينة الجريمة الجمركية فإنها لا تحوز الحجية المطلقة وبالتالي لا تقيد القاضي الجنائي بل تعتبر صحيحة إلى غاية إثبات عكسها[56].
وتبقى للقاضي الجنائي سلطة تقديرية على المناقشات الشفوية التي دارت في الجلسة سواء تعلق الأمر بالمعاينات المادية أو الاعترافات وتجدر الإشارة أنه في حالة بطلان المحاضر الجمركية بسبب تخلف أحد الشروط الجوهرية لصحة المحضر سيرجع للقاضي سلطته في الأخذ بتلك المحاضر أو استبعادها[57].
بعد التطرق لسلطة القاضي في الأخذ بالمحاضر الجمركية توصلنا إلى أن المشرع المغربي والمقارن منح إدارة الجمارك سلطات واسعة في مجال الإثبات تقيد القاضي وتجعله خاضعا لها الا استثناء ومن خلال هذا يمكن القول بان اختصاص الإثبات تم نزعه من القاضي ومنح لإدارة الجمارك من خلال المعاينة التي يجريها العون الجمركي، فأين هي سلطة القاضي؟ وهل أخذ هذا الاختصاص يرد حتى في مجال فرض العقوبة هذا هو موضوع المطلب الموالي.

المطلب الثاني: سلطات القضاء وإدارة الجمارك أثناء المحاكمة وفي تقدير العقوبة

الأصل أن القاضي الجنائي تكون له سلطة تقديرية بتحديد العقوبة وفق الظروف المحيطة بالقضية المعروضة عليه، وبذلك يستطيع أن يكيف العقوبة بين حديها الأدنى والأعلى أو أن يأخذ بعين الاعتبار ظروف الجنائي الشخصية والعوامل التي قادته إلى ارتكاب الجريمة فتأتي العقوبة متفقة مع هذه الظروف ومحققة الغاية التي يرمي إليها المجتمع من العقاب. فإن القانون الجمركي منع القاضي من هذه السلطة التقديرية مجبرا إياه على الحكم بالغرامات والمصادرات كما هي في القانون دون النظر إلى ظروف المخالف، والعوامل التي قادته إلى ارتكاب المخالفة الجمركية، وإلى جانب كل هذا فإن المحاكمة أيضا حدث فيها نفس الشيء حيث خول المشرع لإدارة الجمارك عدة سلطات فيما يخص السراح المؤقت والوضع تحت الحراسة النظرية، وكما نعلم بأن العقوبات تتوزع إلى عقوبات تمس الشخص في حريته وذمته المالية وأخرى تدابير احتياطية تمس بحقوقه لهذا هل يمكن القول بأن القاضي الجنائي يتدخل في هذه المرحلة في تقدير العقوبة باعتبار أن القاضي هو الذي يصدر الحكم في القضية المعروضة عليه، أم أن القاضي الجنائي يبقى محايدا مثل حياد الإثبات، وإدارة الجمارك ما هو دورها في الحد من العقوبة السالبة للحرية؟ لتوضيح كل هذا سنسقم هذا المطلب إلى فقرتين (الفقرة الأولى) التنازع بين الجهتين في الإجراءات الماسة بالحرية أما (الفقرة الثانية) سنخصصها لتداخل الاختصاص بين القضاء وإدارة الجمارك في تقدير العقوبة.

الفقرة الأولى: التنازع بين الجهتين في الإجراءات الماسة بالحرية

لقد متعت مدونة الجمارك الأعوان بعدة سلطات تهم البضائع والوثائق والأشخاص ومن بين هذه السلطات تفتيش الأشخاص، ومراقبة هويتهم وأيضا إلقاء القبض على الأضناء في حالة التلبس بالجنحة، وإخضاعهم للحراسة النظرية المواد (38، 45، 239، 238 من مدونة الجمارك)[58]، إلا أن هذه الإجراءات الخطيرة والماسة بحرية الأفراد والممارسة من قبل إدارة الجمارك بواسطة مأموريها الذين لا تقل درجتهم عن درجة مفتش إقليمي والأمرون بالصرف تختلف عما هو معهود به في القواعد العامة.
وبهذا سنقوم بالتفصيل في الإجراءات الماسة بالحرية من خلال تفعيل الحراسة النظرية بين كل من الإدارة والقضاء (أولا) وسنتحدث عن السراح المؤقت بين مدونة الجمارك والقواعد العامة (ثانيا).

أولا: تفعيل الحراسة النظرية بين إدارة الجمارك والقضاء

يعتبر الوضع تحت الحراسة النظرية من أخطر الإجراءات التي تقوم بها الشرطة القضائية أثناء بحثها، لأن هذا الإجراء يحد من حرية الفرد ويجعله رهن إشارة الشرطة، وايضا فإن ضباط الشرطة القضائية في حالة اعتقال المعني بالأمر يتسنى لها أن تقوم بتحرياتها بعيدة عن الخوف من هروب المتهم أو إدخال أي تغيير في معالم الجريمة[59] ويقصد بالوضع تحت الحراسة النظرية، هو احتفاظ ضباط الشرطة القضائية في مركز عمله بالمشبوه فيه لحاجيات إجراءات البحث التمهيدي أو تنفيذ لإنابة قضائية[60].
وإذا كان إجراء الوضع تحت الحراسة النظرية منظم بقواعد المسطرة الجنائية، فإنه في إطار الدعوى الجمركية له تنظيم خاص وذلك استنادا للفصل 237 من مدونة الجمارك[61]، وفي حالة وجود المتهم متلبس فإن أعوان الجمارك لهم السلطة في إلقاء القبض عليه الفصل 239 من مدونة الجمارك.
ولهذا فإذا كان المشرع اشترط في القبض على المتهم أن يكون في حالة تلبس فإنه في قواعد المسطرة الجنائية يتم القبض عليه سواء تعلق الأمر بحالة تلبس أو حالة عادية ومع ذلك فإن المشرع في مدونة الجمارك اشترط أيضا أن تكون الجريمة جنحة والعون المكلف بتحرير المحضر هو الذي يقوم بإلقاء القبض على المتهم.
وبالعودة إلى الفصل 238 من مدونة الجمارك نجده يتضمن أنه يمكن للأعوان والموظفين الاحتفاظ بالأضناء رهن إشارتهم والمشرع المغربي أحال عن قانون المسطرة الجنائية بخصوص شروط الحراسة النظرية ولهذا نجد تداخل الاختصاص بين كل من القضاء وإدارة الجمارك.
فالمادة 78 من قانون المسطرة الجنائية تعطي لكل شخص الحق في القبض على المتهم ولهذا فإن العون الجمركي لا يحق له القبض على المتهم بل يجب إحالته على ضباط الشرطة القضائية أو رؤساء إدارة الجمارك الذين لا تقل درجتهم عن مفتش إقليمي وللآمرون بالصرف حيث يملكون وحدهم الحق في الاحتفاظ بالأشخاص الفصل (238 من مدونة الجمارك) وهذا يدرج في شرط الصفة. أما بخصوص موضوع القبض فإن قواعد المسطرة الجنائية تطبقه أثناء الحاجة في البحث التمهيدي أما بخصوص إدارة الجمارك قد تلجأ إليه بمجرد الشك والريبة.
وللإشارة فإن المتهم لوضعه تحت الحراسة النظرية يجب أن يكون متهم بعقوبة سالبة للحرية، جنحة أما المخالفة فلا وبالعودة إلى مدونة الجمارك فمن غير المعقول إخضاع مرتكب المخالفة لهذا التدبير.
وإن كانت هذه بعض الشروط الموضوعية، فإن المشرع اشترط أيضا شروط شكلية منها احترام المدة القانونية والمدة محددة في المادتين 66 و80 من قانون المسطرة الجنائية[62].
والإشكال المطروح بخصوص تداخل السلط يطرح بالنسبة لأعوان إدارة الجمارك الذين لهم صفة ضباط الشرطة القضائية ، ويتجلى ذلك في طبيعة المسؤولية التي يمكن أن تطال موظفو إدارة الجمارك في حالة ما إذا لم يتم احترام الشروط السابقة فمن هي الجهة المخول لها مهمة مراقبة أعمال موظفو إدارة الجمارك؟ هل الرؤساء الإداريين أم الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي تراقب أعمال ضباط الشرطة القضائية عندما تكون صادرة عنهم بهذه الصفة استنادا إلى المادة 29 من قانون المسطرة الجنائية أم النيابة أو أعوانها المادة 45 من قانون المسطرة الجنائية وهؤلاء الضباط يتحملون مسؤولية تأديبية وجنائية ومدنية حسب الزمرة التي ينتمون إليها ضمن فئات رجال الشرطة القضائية.

ثانيا: السراح المؤقت بين مدونة الجمارك والقواعد العامة

لقد نظمت مدونة الجمارك الاعتقال الاحتياطي والسراح المؤقت في الفصول من 253 إلى 257.
والاعتقال الاحتياطي هو سلب لحرية المتهم قبل صدور حكم قضائي يؤاخذه بما نسب إليه ولا يكون إلا في الجرائم المعاقب عليها بعقوبات حبسية وفق حالات معينة ولمدة محددة، وكما نعلم بأن مدونة الجمارك تصنف الجرائم إلى جنح ومخالفات والجنح نجد فيها الطبقة الأولى والثانية الفصول من 279 مكرر إلى 283 وهذه الأخيرة عقوبتها الحبس عكس المخالفات التي تقتصر عقوبتها على الغرامة والمصادرة أو إحداهما فقط ولهذا فإن مرتكب جنحة من الطبقة الأولى إن أحيل على القضاء في حالة تلبس وكان معتقلا فإنه بإمكانه أن يطالب بالسراح المؤقت إذا اقتضى نظر المحكمة تأخير القضية للبت فيها من أجل استكمال البحث في النازلة، ولا يتم منح السراح المؤقت إلا إذا قدم المتهم ضمانات كافية أو وديعة نقدية أما إذا كان المتهم لا يوجد في حالة تلبس ومعاقب بجنحة فهو لا يحتاج إلى ضمانات الحضور، ويمكن إطلاق سراح المتهم إذا قبلت الإدارة والنيابة العامة بدون ضمانات.
الفصل 253 من مدونة الجمارك[63] وتطرح حالة تداخل السلط بين كل من الإدارة والقضاء ويتمثل ذلك في أنه في حالة تقديم طلب السراح المؤقت فإنه ينبغي على المحكمة ألا تكتفي بملتمس النيابة العامة بل عليها إشعار إدارة الجمارك لكي تبدي موقفها فيما يخص طلب السراح المؤقت، ويبقى الحق لإدارة الجمارك الاستئناف في قرار المحكمة القاضي بالسراح المؤقت.
أيضا يطرح إشكال في حالة تمتيع النيابة العامة المتهم بالسراح المؤقت استنادا إلى وديعة نقدية، وتقدمت إدارة الجمارك أمام المحكمة وتطالب باعتقال المتهم لأن المبلغ الذي حددته النيابة العامة لا يستوفي المبالغ المستحقة لها، فهل المحكمة لها سلطة إلغاء هذا الإجراء الذي سبق وأن اتخذته النيابة العامة، خصوصا إذا التزم المخالف بالحضور في جميع أطوار المحاكمة؟
وللإضافة فإن الفصل 254 من مدونة الجمارك يطرح إشكالية الحبس الفوري[64].
ونرى فعلا أن إدارة الجمارك تصل إلى اختصاص القضاء من خلال السراح المؤقت والاعتقال الاحتياطي والوضع تحت الحراسة النظرية لهذا يمكن وصف إدارة الجمارك بنيابة عامة خاصة.

الفقرة الثانية: تداخل الاختصاص بين القضاء وإدارة الجمارك في تقدير العقوبة

أولا: تداخل السلط في تقدير الغرامة والمصادرة

تجدر الإشارة إلى أن إدارة الجمارك هي الجهة المختصة بتقدير قيمة البضائع المتخذة كأساس لاحتساب الغرامة الجمركية أو القيمة الواجب اعتمادها لحسابها وهي قيمة الشيء في حالة جيدة بالسوق الداخلية بتاريخ ارتكاب التهريب ولو لم تكن البضاعة المعينة محل تجارة مشروعة وهذا ما نص عليه الفصل 215 من مدونة الجمارك وعليه يكون القاضي ملزما بالأخذ بطلبات إدارة الجمارك بخصوص الغرامة الجمركية ما لم يطعن المتهم في قيمة البضائع، وفي حالة اعتراض المتهم على القيمة يكون للقاضي سلطة مطلقة للتحقق من القيمة الواجب الاستناد إليها في حساب الغرامة، ولذا يتم اللجوء إلى الخبرة ويجب أن يقدم الاعتراض على القيمة أمام قاضي الموضوع، والمبدأ العام في القضايا الجمركية أنه ليس بوسع القاضي أن يخفض من الغرامات الجمركية وهذا المبدأ مبالغ فيه إلى حد الإفراط وهو مجحف في حق القاضي وفيه تهميش بدوره بحيث يقتصر دور القاضي على التأشير على طلبات إدارة الجمارك[65].
وغالبا ما تجري المحاكم الخبرة الفنية لتحديد قيمة الشيء[66] كما أن المجلس الأعلى أصدر قرار اعتمد فيما قضى به لتقدير قيمة السيارة المحجوزة على خبرة تقنية قدرت قيمة السيارة حالة وجودها في مستودع الحجز بين مرور مدة على ارتكاب المخالفة الجمركية ولم يراع لتقدير قيمة السيارة في السوق الداخلية على حالتها الجيدة وذلك اعتمادا على مقتضيات الفصل 219 من مدونة الجمارك.
والعقوبة الثانية التي يفرضها القاضي هي المصادرة وهو ملزم بمصادرة البضائع المحظورة وكذلك البضائع المثبت الغش بشأنها والحكم وجوبا بمصادرة وسائل النقل التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها في ارتكاب الجنحة أو المخالفة الجمركية إلا إذا كان يملكها من شارك في الغش أو حاول ذلك أو يملكها شخص أجنبي عن الجريمة الجمركية وكانت وسيلة النقل هيئت خصيصا لارتكاب الغش أو كان المكلف مرتكب الغش هو المكلف بسياقتها، وتكون للقاضي سلطة تقديرية إما بالحكم أو عدم الحكم بالمصادرة وذلك في حالة ما إذا استعملت بضاعة ما في إخفاء البضائع المثبت الغش بشانها بحيث يقدر القاضي وسائل الإثبات المقدمة من طرف مالك وسيلة النقل وبالتالي إما أن يحكم القاضي بالمصادرة لفائدة الإدارة أو يحكم بإرجاع وسيلة النقل لمالكها وذلك راجع لقناعته الشخصية[67].

ثانيا: سلطة القاضي في تقدير العقوبة السالبة للحرية

تعد العقوبة السالبة للحرية جزاء للجرائم الجمركية بطبيعتها[68] الجزائية المحضة فهي مقرة للجنح الجمركية دون المخالفات التي تخضع للعقوبات المالية فقط ويترتب على هذا تطبيق القواعد العامة الخاصة بسلطات القاضي الجنائي في تخفيف أو تشديد أو وقف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية.
كما يمكن للقاضي أن يحكم بالحد الأقصى للعقوبة إذا رأى تحقق ظروف التشديد في المجال الجمركي وذلك مثلا في حالة العود لارتكاب الجريمة الجمركية الجديدة بعد حكم نهائي صادر عن جريمة جمركية سابقة[69].
ويمكن للقاضي الجنائي أن يحكم بوقف العقوبة الحبسية في حق المخالف الذي يرتكب جنحة تصدير واستيراد بدون تصريح إذا لم يسبق لهذا الأخير أن حكم عليه بجناية أو جنحة من جرائم القانون العام وفي هذه الحالة فإن وقف تنفيذ العقوبة السالبة للحرية ليست حقا للمتهم إذا توفرت الشروط السابقة الذكر بل هي وسيلة في يد القاضي يحكم بها حسب قناعته الشخصية[70].
وعقوبة الحبس غالبا ما لا يحكم بها إذا أبرمت مصالحة قبل صدور الحكم كما تعتبر هذه الحالة من الحالات الاستثنائية التي تقيد سلطة القضاء في فرض العقوبة السالبة للحرية والإدارة تلجأ إلى هذه الوسيلة لما لها من دور فعال في استخلاص للغرامات وهي الأهم بالنسبة لها[71].
ومن خلا ما سبق يمكن القول بأن إدارة الجمارك كمصلحة عمومية لها هدف خاص وهو استخلاص الغرامات أما القضاء كمؤسسة عدلية تهدف إلى حماية المجتمع بكافة الوسائل القانونية المسموح بها إلا أن القانون الجمركي باعتباره قانونا شاذا قام بخرق كافة معايير العدالة وقيد سلطة القاضي الجنائي ومنح عدة صلاحيات لإدارة عمومية لتحقق هدفها.

ثالثا: الظروف المخففة وحالة العود في الدعوى الجمركية

يلعب القاضي الجنائي دورا مهما في المحاكمة وذلك من خلال اعتبارين: الاعتبار الأول يتمثل فيما هو قانوني ويظهر ذلك من خلال تطابق النموذج القانوني مع ظروف ووقائع الجريمة المنسوية إلى المتهم، أما الاعتبار الثاني فهو ذاتي ويظهر من خلال استشعار القاضي للعدالة عن طريق اختياره للعقوبة الملائمة لخطورة الجاني الإجرامية ولظروفه الشخصية التي عاصرت ارتكابه لسلوكه الإجرامي[72] ويتمتع القاضي الجنائي بعدة سلطات تتمثل في إعطائه سلطة تخفيف العقوبة عن الحد المقرر لها وإما تشديدها على الجاني وكل هذا في ظل الحدود القانونية المحددة.
إذا كان للقاضي الجنائي هذه السلط في الدعوى العمومية العادية فإنه في الدعوى الجمركية لا نجد هذه السلطة التقديرية للقاضي، بحيث نجد مدونة الجمارك قيدت سلطة القاضي سواء في ظروف تخفيف العقوبة (أ) أو في حالة تشديدها (ب).

أ-سلطة القاضي في تخفيف العقوبة

بالعودة إلى الفصل 141 من القانون الجنائي المغربي نجده يخول للقاضي سلطة تقديرية في تحديد العقوبة وتفريدها إما بين الحدين الأدنى والأقصى.
لكن هذه القاعدة قامت بخرقها مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة حيث قيدت سلطة القاضي استنادا على الفصل 257 المكرر من مدونة الجمارك.
وكما نعلم بأن القانون الجنائي يقسم أسباب التخفيف إلى وجوبية وجوازية[73] ومن بين الأعذار القانونية المخففة: في جرائم القتل أو الضرب أو الجرح المرتكبة:
-نتيجة استفزاز ناشئ عن العنف الجسيم المادة 416 من القانون الجنائي...إلخ.
للإشارة فإن القانون الجنائي حدد سلطات القاضي في التخفيف بشكل دقيق وأما بخصوص القانون الجمركي وبالعودة إلى الفصل 257 مكرر ركز على ظرف واحد للتخفيف وهو حسن النية[74] وإذا كان القانون الجمركي أخذ بحسن النية فهذا يمثل القصد الجنائي فما هو أثر هذا الأخير؟ للإجابة فإن القصد الجنائي لا يؤدي إلى انتفاء المسؤولية الجنائية بل فقط خروج المخالفة الجمركية من نطاق الجرائم العمدية لتدخل مجال جرائم الخطأ ويكون ذلك سببا مخففا للعقوبة وليس عنصرا لقيام المخالفة، وحتى لو ثبت انتفاء القصد فإن المسؤولية تبقى قائمة في الجريمة الجمركية وظرف التخفيف يستفيد منه الجاني في عدم تطبيق عقوبة الحبس أو تخفيض الغرامات أو إرجاع وسائل النقل ...إلخ.
والملاحظ أن الفصل 257 مكرر من مدونة الجمارك يخرق مبدأ قرينة البراءة، فإذا كان الأصل أن المحكمة عندما تتوفر لها عنصر حسن النية فإنها تقضي ببراءة المتهم وليس تمتيعه بظروف التخفيف.
والأكثر من هذا فإن مطالب إدارة الجمارك تعتبر إجبارية بالنسبة للمحكمة فهذه الأخيرة تضطر إلى مصادرة البضائع المحجوزة لفائدة إدارة الجمارك رغم الحكم ببراءة المتهم، وهذا عكس القواعد العامة حيث أن الحكم بالبراءة يؤدي إلى التصريح بعدم الاختصاص للبت في المطالب المدنية.

ب-حالة العود بين القضاء والإدارة

العود في القانون الجنائي هو الحالة التي يعود فيها المحكوم عليه بحكم بات إلى ارتكاب جريمة أخرى أو أكثر بشكل يستلزم ضرورة تشديد العقوبة عليه[75].
وتكمن حكمة تشديد العقوبة في حالة العود في الحيلولة دون عودة الجاني لارتكاب المزيد من الجرائم من جديد بعدما ثبت عدم ارتداعه بالعقوبة السابقة وبالعودة إلى المادة 154 من القانون الجنائي نجدها تحدد شروط حالة العود[76]. ومن هنا فإن حالة العود تعتبر من الظروف المشددة في القانون الجنائي فماذا بخصوص القانون الجمركي؟
ينص الفصل 257 مكرر مرتين من مدونة الجمارك أن حالة العود تعتبر من ظروف التشديد لكن في جانب العقوبات المالية المستحقة فقط وذلك بمضاعفة حدها الأقصى وشروط العود في القانون الجمركي هي: إبرام مصالحة أو إدانة بمقتضى حكم نهائي لمقترف جنحة أو مخالفة جمركية –ارتكاب جنحة أو مخالفة جمركية جديدة غير مخالفات الطبقة الرابعة خلال ثلاث  سنوات[77].
والإشكال المثار هل تتحقق حالة العود بالنسبة للمحاولة إن اعتبرنا أن كل محاولة لخرق القوانين والأنظمة الجمركية تعتبر بمثابة الخرق التام لهذه القوانين والأنظمة الجمركية ويعاقب عنها بهذه الصفة ولو كانت الأفعال التي يتصف بها بداية التنفيذ قد ارتكبت خارج التراب الخاضع؟[78].
وهل يحق لإدارة الجمارك أن تطبق حالة العود بالنسبة للضنين المرتكب الجنحة أو المخالفة خارج التراب الخاضع؟
وللإشارة فإن مدونة الجمارك شددة العقوبة في شقها المالي فقط دون الشق الحبسي.
من خلال كل ما سبق فإن تنازع الاختصاص بين القضاء وإدارة الجمارك يظهر في السلطات الممنوحة لكل واحد خلال الدعوى الجمركية، والمشرع المغربي خص إدارة الجمارك بمقتضيات خاصة تخرجها عن القواعد العامة، مما جعل إدارة الجمارك تنازع القضاء في اختصاصاته خاصة أثناء الإثبات وتقدير  العقوبة وأثناء المحاكمة، وكل هذا انعكس سلبا على حريات الأفراد وحقوقهم في التقاضي.

الخاتمة 

عموما يبقى القانون الجمركي قانونا شاذا في جميع جوانبه إلا أن شذوذه قام بخرق كل القواعد العامة المتضمنة في قانون المسطرة الجنائية  والقانون الجنائي سواء في الجانب الإجرائي أو الجانب الموضوعي ويبقى موضوع تنازع الاختصاص من بين المواضيع التي تظهر تداخل الاختصاص بين كل من القضاء وإدارة الجمارك في مجال الجريمة الجمركية ولهذا من بين ما تم التوصل إليه هو:
-نقل الاختصاص من النيابة العامة إلى إدارة الجمارك سواء في تحريك أو ممارسة الدعوى العمومية
-تضيق مبدا قناعة القاضي في شق الإثبات
-عدم تحديد أساليب مباشرة الدعوى الجمركية ويتم العودة إلى القواعد العامة
-تضيق مبدأ حرية الأطراف وذلك من خلال الاعتقال الاحتياطي والسراح المؤقت وشروطه المجحفة.
-الحد من سلطة القاضي في تقدير العقوبة في شق الغرامة
-جعل المصالحة الجمركية وسيلة لسقوط الدعوى الجمركية ووسيلة لمنع القاضي من فرض العقوبة الحبسية
-كسر مبدأ حسن النية والتخلي عن القصد الجنائيي كأداة للبراءة وتحويله إلى ظرف تخفيف
-جعل حالة العود ظرف مشدد في الجريمة الجمركية ولكن في الجانب المالي دون الحبسي.
ولهذا فمن بين التوصيات التي يمكن ذكرها:
-يبدو أنه من الضروري الحديث عن تعديل القانون الجمركي والهدف من ذلك ليس إعطاء القضاة مزيدا من الصلاحيات وإنما هو ضرورة مواكبة قانون الجمارك للتغييرات التي تعرفها باقي القوانين وكذا التطور الذي يعرفه العالم الاقتصادي وخاصة مع تأثيرات العولمة والسعي نحو عالم بلا حدود والذهاب شيء فشيئا وتخفيض نسب الحقوق والرسوم الجمركية إلى أقل حد ممكن حتى تظهر حرية تنقل البضائع وتسهيل الاستثمار.
-خلق تعاون بين جهاز القضاء وإدارة الجمارك من حيث جمع الأدلة والإثبات حتى لا يكون هناك تغليب جهة على جهة أخرى.
-إزالة الصفة الممنوحة لأعوان إدارة الجمارك باعتبارهم ضباط شرطة قضائية لما لها من عواقب وخيمة.
-إعادة الاختصاص للنيابة العامة في ممارسة الدعوى الجمركية وخاصة شق تقرير حفظ القضية من عدمه.
تبقى هذه مجرد توصيات وافتراضات بالنظر إلى المعطيات المتوفرة حاليا والتي لا تشير إلى تغييرات على المدى القريب في هذا الميدان حيث يبقى القضائي مقيدا ومكبلا بهذه القواعد الخاصة.

لائحة المراجيع

القوانين:

-مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 11.17.339 بتاريخ 25 شوال 1397 (9 أكتوبر 1977) كما وقع تغييرها وتتميمها على الخصوص بمقتضى القانون رقم 99.02 المصادق عليه بالظهير رقم 222.0001 بتاريخ 2 ربيع الأول 1421 (5 يونيو 2000).
-القانون الجنائي الصادر بظهير شريف رقم 413/59/1 صادر بتاريخ 28 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) وفق آخر التعديلات.
-قانون المسطرة الجنائية ظهير شريف رقم 255 -02-1. صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 01/22 المتعلق بالمسطرة الجنائية كما تم تعديله بمقتضى القانون رقم 23.05 والقانون رقم 24.05

الكتب بالعربية:

-أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الخامسة سنة 1999.
-الحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2004.
-جعفر العلوي، القانون الجنائي العام المغربي، مكتبة المعارف الجامعية الليدو، فاسن 1996-1997.
-محمد أحداف، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، النظرية العامة للمسطرة الجنائية، موانع إقامة الدعوى العمومية، سقوط الدعوى العمومية البحث التمهيدي، محاضر الشرطة القضائية، الجزء الأول، طبع وتوزيع مطبعة سجلماسة الزيتون، مكناس الطبعة الثانية، 2010-2011.
-محمود مصطفى، الإثبات في المواد الجنائية في القانون المقارن، الجزء الأول، النظرية العامة، الطبعة الأولى، بدون مطبعة القاهرة 1977.

القرارات والأحكام:

-قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 11 نونبر 1971 عدد 87.
-قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء غير منشور  رقم 2854/00 بتاريخ 2000/05/02.
-قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 1997/2/14 ملف جنحي عدد 1896/2/96.
-حكم المحكمة الإدارية بوجدة ملف رقم 207/95 صادر بتاريخ 1996/10/02 عدد 96/841 .
-أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالبيضاء، ملف رقم 325 بتاريخ 1995/11/28.

الرسائل والأطروحات:

-رضوان الدهدوه، تزاحم الاختصاص بين القضاء الجنائي وإدارة الجمارك في الدعوى الجمركية، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ماستر النظام الجمركي، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، والاجتماعية، طنجة 2013-2014.
-سعادنة العيد، الإثبات في المواد الجمركية، دكتوراه في الحقوق جامعة باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية 2006، الجزائر.
-عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، رسالة لنيل الماستر في قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، سنة 2007-2008.

المجلات:

-حسن الورياغلي، الدعوى الجمركية بين المتابعة ومسطرة الصلح، مجلة المرافعة العدد 17 يونيو 2005.
-حميد الوالي، المنازعات الجمركية بين القواعد الجزائية العامة ومدونة الجمارك، المجلة الإلكترونية للندوات محاكم فاس، عدد خاص عن مدونة الجمارك العدد الثالث، يناير 2006.
-عبد الرزاق بلقسح، المنازعات الجمركية، موضوع منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 88 ماي /يونيو 2001.
-محمد الأعرج، الاختصاص القضائي للمحاكم الإدارية في المنازعات الجمركية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 65 نونبر –دجنبر 2005.
-محبوبي وروشام الطاكي، إثبات المخالفة الجمركية، مجلة كتابة الضبط، بدون عدد ولا تاريخ.

المراجع بالفرنسية:

-Jean Claude Berreveille, la potrienlarisme de la preuve en droit pénal Douanier, thèse Lille, 1966.
-Paul Beguet, l'infraction de contrebande, terrestre (étude de droit pénal Douanier,  thèse Lille 1959
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] -حسن الورياغلي، الدعوى الجمركية بين المتابعة ومسطرة الصلح، مجلة المرافعة العدد 17 يونيو 2005، ص: 27.
[2] -حسن الورياغلي، الدعوى الجمركية بين المتابعة ومسطرة الصلح، مرجع سابق، ص: 27.
[3] -محمد الأعرج، الاختصاص القضائي للمحاكم الإدارية في المنازعات الجمركية، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، العدد 65 نونبر –دجنبر 2005، ص: 52.
[4] -محبوبي وروشام الطاكي، إثبات المخالفة الجمركية، مجلة كتابة الضبط، بدون عدد ولا تاريخ.
[5] -محمود مصطفى، الإثبات في المواد الجنائية في القانون المقارن، الجزء الأول، النظرية العامة، الطبعة الأولى، بدون مطبعة القاهرة 1977، ص: 48.
[6] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 30.
[7] -مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 11.17.339 بتاريخ 25 شوال 1397 (9 أكتوبر 1977) كما وقع تغييرها وتتميمها على الخصوص بمقتضى القانون رقم 99.02 المصادق عليه بالظهير رقم 222.0001 بتاريخ 2 ربيع الأول 1421 (5 يونيو 2000).
[8] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 30.
[9] -محمد محبوبي وروشام الطاكي، إثبات المخالفة الجمركية، مرجع سابق، ص: 85-86.
[10] -مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.17.339 بتاريخ 25 شوال 1397 (9 أكتوبر 1977) كما وقع تغييرها وتتميمها على الخصوص بمقتضى القانون رقم 99.02 المصادق عليه بالظهير رقم 222.00.1 بتاريخ ربيع الأول 1421 (5 يونيو 2000).
[11] -محمد محبوبي وروشام الطاكي، إثبات المخالفة الجمركية، مرجع سابق، ص: 87.
[12] -محمد محبوبي وروشام الطاكي، إثبات المخالفة الجمركية، مرجع سابق، ص: 88.
[13] -محمد محبوبي وروشام الطاكي، إثبات المخالفة الجمركية، مرجع سابق، ص: 88-89.
[14] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 37.
[15] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 38.
[16] -البيانات العامة الواجب توفرها في المحاضر الجمركية يخضع تنظيم المحاضر الجمركية لشكليات ترتبط وثيقا بقوتها الإثباتية فإذا أغفلت أحد هذه الشكليات اعتبرت المحاضر باطلة وهذا ما تنص عليه المادة 240 من مدونة الجمارك
ومن بين هذه البيانات تاريخ ومكان تحرير واختتام المحضر أسماء وصفات ومساكن الأعوان محرري المحاضر –تاريخ وساعة ومكان الحجز وأضاف المشرع بعض البيانات الخاصة.
[17] -محمد أحداف، شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد، النظرية العامة للمسطرة الجنائية، موانع إقامة الدعوى العمومية، سقوط الدعوى العمومية البحث التمهيدي، محاضر الشرطة القضائية، الجزء الأول، طبع وتوزيع مطبعة سجلماسة الزيتون، مكناس الطبعة الثانية، 2010-2011، ص: 104.
[18] -عبد الرزاق بلقسح، المنازعات الجمركية، موضوع منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 88 ماي /يونيو 2001، ص: 24.
[19] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 40.
[20] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 40.
[21] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغر بي، مرجع سابق، ص: 41.
[22] -عبد الرزاق يلقسح، المنازعات الجمركية، مرجع سابق، ص: 27.
[23] -عبد الرزاق يلقسح، المنازعات الجمركية، مرجع سابق، ص: 27.
[24] -جرائم خطيرة على المالية العامة والاقتصاد القومي، تسمى بجنح من الطبقة السادسة وهي المنصوص عليها في الفصل 282 فهذه الاجرائم يملك حق المتابعة بشأنها كل من النيابة العامة والوزير المكلف بالمالية ومدير إدارة الجمارك أو أحد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض حسب الفصل 249.
وجرائم أو جنح أخرى المنصوص عليها في الفصل 291 و293 و297 و300 لا يمكن إجراء المتابعات بشأنها إلا بمبادرة من الوزير المكلف بالمالية أو مدير الإدارة أو أحد ممثليه المؤهلين لهذا الغرض، فالدعوى   العامة يحركها هنا إما الوزير أو مدير الإدارة أو من يمثله وكذا النيابة العامة، لكن بعد إذن أو طلب من الإدارة أو الوزارة.
وتملك إدارة الجمارك دائما حق التدخل بجانب النيابة العامة في الحالات التي تملك فيها النيابة العامة  حق إجراء المتابعة وهي حينئذ تحتل مركز المطالب بالحق المدني.
[25] -انظر الفصل 23 ن مدونة الجمارك.
[26] -عبد الرزاق بلقسح، المنازعات الجمركية، مرجع سابق، ص: 28-32.
[27] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 41.
[28] -محمد محبوبي وروشام الطاكي، إثبات المخالفات الجمركية، مرجع سابق، ص: 96.
[29] -محمد محبوبي  وروشام الطاكي، إثبات المخالفات الجمركية، مرجع سابق، ص: 97.
[30] -محمد محبوبي وروشام الطاكي، إثبات المخالفات الجمركية، مرجع سابق، ص: 99.
[31] -محمد محبوبي وروشام الطاكي، إثبات المخالفات الجمركية، مرجع سابق، 100.
[32] -محمد محبوبي وروشاك الطاكي، إثبات المخالفات الجمركية، مرجع سابق، ص: 100.
[33] -مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.77.339 بتاريخ 25 شوال 1397(9 أكتوبر 1977) كما وقع تغييرها وتقسيمها على الخصوص بمقتضى القانون رقم 99.02 المصادق عليه بالظهير رقم 222.00.1 بتاريخ 2 ربيع الأول 1421 (5 يونيو 2000).
[34] -مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليها بالظهير الشريف بمثابة ثقانون رقم 1.77.339 بتاريخ 25 شوال 1397 (9 أكتوبر 1977) كما وقع تغييرها وتتميمها على الخصوص بمقتضى القانون رقم 99.02 المصادق عليه بالظهير رقم 222.00.1 بتاريخ 2 ربيع الأول 1421 (5 يونيو 2000).
[35] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، رسالة لنيل الماستر في قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس السويسي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط، سنة 2007-2008، ص: 41.
[36] -حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد 96/841 ملف رقم 207/95 صادر بتاريخ 996/10/02.
[37] -أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالبيضاء، ملف رقم 325 بتاريه 1995/11/28 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 21 للمحاكم الإدارية.
[38] -للمزيد من المعلومات حول الاختصاص القضائي للمحاكم الإدارية في المنازعات الجمركية، أنظر محمد الأعرج، الاختصاص القضائي للمحاكم الإدارية في المنازعات الجمركية، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 65 نونبر –دجنبر 2005، ص: 51 وما بعدها.
[39] -محمد الأعرج، الاختصاص القضائي للمحاكم الإدارية في المنازعات الجمركية، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 65 نونبر –دجنبر 2005، ص: 51.
[40] -محمد الأعرج، الاختصاص القضائي للمحاكم الإدارية في المنازعات الجمركية، مرجع سابق، ص: 52.
[41] -رضوان الدهدوه، تزاحم الاختصاص بين القضاء الجنائي وإدارة الجمارك في الدعوى الجمركية، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ماستر النظام الجمركي، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية، والاجتماعية، طنجة 2013-2014، ص: 18-19.
[42] -المادة 384 من قانون المسطرة الجنائية.
[43] -أنظر الفصل 253 من مدونة الجمارك.
[44] -الفصل 242 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
[45] -محمد الأعرج، الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية في المنازعات الجمركية، مجلة المعيار عدد 33، ص: 93.
[46] -حميد الوالي، المنازعات الجمركية بين القواعد الجزائية العامة ومدونة الجمارك، المجلة الإلكترونية للندوات محاكم فاس، عدد خاص عن مدونة الجمارك العدد الثالث، يناير 2006، ص: 77.
[47] -حميد الوالي، المنازعات الجمركية بين القواعد الجزائية العامة ومدونة الجمارك، مرجع سابق، ص: 77-78.
[48]-حميد الوالي، المنازعات الجمركية بين القواعد الجزائية العامة ومدونة الجمارك، مرجع سابق، ص: 77.
[49] -الحبيب بيهي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2004ـ، ص: 301.
[50] -سعادنة العيد، الإثبات في المواد الجمركية، دكتوراه في الحقوق جامعة باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية 2006، الجزائر، ص: 224.
[51] -Paul Beguet, l'infraction de contrebande, terrestre (étude de droit pénal Douanier, thèse Lille 1959, p: 227.
[52] -Jean Claude Berreveille, la potrienlarisme de la preuve en droit pénal Douanier, thèse Lille, 1966, p: 281.
[53] -قرار صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 11 نونبر 1971 عدد 87.
[54] -les procès verbaux de douane rédigés par un seul gagent font jusqu'ç preuve contraire.."
[55] -قرار رقم 2854/00 بتاريخ 2000/05/02 في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، غير منشور.
[56] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 37.
[57] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 37.
[58] -أنظر مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
[59] -رضوان الدهدوه، تزاحم الاختصاص بين القضاء الجنائي وإدارة الجمارك في الدعوى الجمركيةن بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، ماستر النظام الجمركي، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، 2013-2014، ص: 51.
[60] -أحمد الخمليشي، شرح قانون المسطرة الجنائية، الجزء الأول، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الخامسة سنة 1999، ص: 278.
[61] -الفصل 237 من مدونة الجمارك "يمكن لأعوان الإدارة أن يقوموا بأبحاث تمهيدية وأن يباشروا بمناسبة تحرياتهم تفتيش المساكن والمحلات المعدة للاستعمال المهني في كل مكان طبقا للشروط المحددة في الفصل 41 من هذه المدونة".
[62] -فبالنسبة للجرائم العادية المدة محددة في 48 ساعة تحسب من ساعة التوقفر مع إشعار النيابة العامة، ويمكن بإذن كتابي من النيابة العامة ولضرورة البحث، تمديد المدة لمرة واحدة 24 ساعة في حالة التلبس.
أما في حالة البحث التمهيدي فإنه يتم وضع الأشخاص تحت الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز 48 ساعة بإذن من النيابة العامة، ويتعين لزوما تقديمه إلى وكيل الملك قبل انتهاء هذه المدة، ويمكن لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك بعد الاستماع إلى الشخص الذي قدم إليه، أن يمنح إذنا مكتوبا بتمديد الحراسة النظرية مرة واحدة (24 ساعة) أما إذا تعلق الأمر بالمس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي أو بحريته إرهابية فإن المدة تفوق الجرائم العادية المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية.
[63] -أنظر الفصل 253 من مدونة الجمارك (في حالة التلبس بجنحة إذا كانت عقوبة حبس مستحقة ولم يحكم فورا في جوهر القضية ولم يقدم الضنين ضمانات كافية كان السراع المؤقت متوقفا إما على تقديم وديعة نقدية أو في شكل شيكات مصادق عليها إلى صندوق قابض الجمارك...)
[64] -الفصل 254 من مدونة الجمارك: (عند صدور حكم بعقوبة حبس نافذة من أجل تلبس بجنحة منصوص عليها في الفصل 279 المكرر مرتين أو جنحة من جنح التهريب المنصوص عليها في الفصل 282 بعده، يباشر فورا حبس المحكوم عليه إذا كان يوجد في حالة سراح مؤقت وقت صدور هذا الحكم بالرغم من الاستئناف ما عدا إذا كان مبلغ العقوبات المالية المحكوم بها عليه مضمونا بكامله طبقا الشروط المنصوص عليها في الفصل 253...) فصل هذاى الفصل موجه قصد تفعيله من قبل النيابة العامة أو إدارة الجمارك فمن سيباشر فورا حبس المحكوم عليه بعقوبة حبس نافذة والموجودة في حالة سراج مؤقت، هل المحكمة مصدرة الحكم أم النيابة العامة الساهرة على تنفيذه أن إدارة الجمارك؟ وما العمل إذا لم يحضر المتهم المتابع في حالة سراح للجلسة التي صدر فيها حكم ضده بعقوبة حبس نافذة؟ ورغم كل هذه التساؤلات فإن إدارة الجمارك هي التي لها الصلاحية بممارسة هذه السلطات رغم أن هذه الإجراءات تمس بحرية الأفراد.
وإشكال آخر يطرحه الفصل 256 من مدونة الجمارك: (في حالة صدور قرار بالسراح المؤقت قبل الحكم في جوهر القضية يبقى الضنين معتقلا طيلة اليوم الموالي ليوم صدور القرار.
ويؤدي الاستئناف من طرف الإدارة خلال هذا الأجل إلى تمديد الاعتقال إلى أن يتم البت في هذا الاستئناف).
من هنا فإن المشرع الجمركي أعطى لإدارة الجمارك صلاحية تمس بحرية الأفراد حيث أن استئنافها للسراح المؤقت يبقى الضنين معتقلا طيلة اليوم الموالي ليوم صدور القرار وهذه الصلاحية هي تداخل إدارة الجمارك في اختصاص القضاء.
[65] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابقن ص: 11-12.
[66] -قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، بتاريخ 1997/2/14 ملف جنحي عدد 1896/2/96 الذي أمر بإجراء خبرة نظرا لعدم إجراءاتها من طرف المحكمة الابتدائية.
[67] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 10.
[68] -الفصلان 129 و130 من القانون الجمركي.
[69] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابقن ص: 10.
[70] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 11.
[71] -عبد اللطيف بوعلام، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي، مرجع سابق، ص: 11.
[72] -جعفر العلوي، القانون الجنائي العام المغربي، مكتبة المعارف الجامعية الليدو، فاسن 1996-1997، ص: 150.
[73] -الوجوبية تتمثل في الأعذار القانونية التي يحدد المشرع حالاتها بينما أسباب التخفيف الجوازية تتمثل في الظروف القضائية المخففة التي قرر لها المشرع قاعدة عامة وترك للقاضي فيها سلطة الأخذ بها وجواز تخفيف العقوبة نتيجة تطبيقها.
[74] -أنظر الفصل 257 مكرر من مدونة الجمارك: (إذا تبين للمحكمة وجود عناصر تثبت حسن نية مرتكب المخالفة للقوانين والأنظمة الجمركية أمكنها ظروف التخفيف وبالتالي: أ-الحكم بإرجاع وسائل النقل المحجوزة بشرط أن لا تكون مهيئة لارتكاب الغش أو مزودة بمخابئ أو مساحات فارغة... ب-إرجاع الأشياء المستعملة لإخفاء الغش...إلخ.
[75] -جعفر العلوي، القانون الجنائي العام المغربي، مرجع سابقن ص: 151.
[76] -أولا: صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به من أجل جريمته سابقة على أن يكون هذا الحكم قاضيا بعقوبة لا بتدبير وقائي أو إصلاحي وصادر في المغرب. ثانيا: ارتكاب الجاني جريمته ثانية ويستوى أن تكون تامة أو مشروع فيها.
[77] -أنظر الفصل 257 مكرر مرتين من مدونة الجمارك.
[78] -أنظر الفصل 206 من مدونة الجمارك

---> قد يهمك أيضا المواضيع التالية

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات