القائمة الرئيسية

الصفحات

دور القاضي في تحقيق التوازن العقدي

دور القاضي في تحقيق التوازن العقدي


دور القاضي في تحقيق التوازن العقدي




تمهيد
إن المشرع مواكبة منه لميل الإنسان الفطري للعيش في وسط اجتماعي مع ما يؤمن استمرار الحياة الاجتماعية ، سمح للأفراد بتنظيم علاقاتهم الخاصة الناشئة عن التعاقد ، و ذلك في أحوال معينة ، احتراما لحرية الإنسان و حقوقه و إرادته.

و قد دأب الفقه ، في إطار هذا التفويض ، على تشبيه الالتزامات التعاقدية المنشاة على وجه صحيح بالقانون ، و لم يكن عمل واضعي قانون الالتزامات  و العقود سوى تكريس لهذا المبدأ من خلال الفصل 230 من ق ل ع.
و إذا كانت العقود التي يجريها الأشخاص هي المعبر عن الدورة الاقتصادية ، غير أن هذا المقياس و إن كان يعتبر من البديهيات في الفكر الاقتصادي ، فان النظرة التقليدية لهذه الحرية هي التي تضعنا اليوم في مواجهة مشكل اختلال توازن العقد . ذلك أن التمسك الشديد بمبدأ سلطان الإرادة ، إذا كان له ما يبرره في الماضي حيث كانت القدرة على التفاوض و معرفة شروط العقد لا تتفاوت من شخص لأخر إلا بشكل نسبي ، فان تطور الحياة الاقتصادية كرس واقعا يتمثل في التفاوت الاقتصادي الهائل بين المتعاقدين ، مما مكن الطرف القوي اقتصاديا من فرض شروطه على الطرف الأخر و تعسفه في ذلك ، و كل ذلك يؤدي إلى الاختلال بالالتزامات العقدية و التي قد يستحيل مع وجودها تنفيذ العقد أو يصبح مرهقا يؤدي إلى اختلال احد طرفي العقد. لذا كان لا بد من التفكير في خلق توازن بين التزامات المتعاقدين .
  والواقع أن التوازن العقدي في بعده الموضوعي ومن خلال الآليات التي تسمح بحمايته وتحقيقه هو بلا شك لبنة أساسية في بناء العدالة التعاقدية وتهذيب الإرادة حتى تستقيم بوظيفتها ولا تكون أداة هيمنة واستغلال بفعل التطورات التي لحقت الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،وما صاحبها من تطورات في العلاقات القانونية أدت بالنصوص التشريعية إلى العجز عن ملاحقة هذه التغيرات وبالتالي خلق بون شاسع بين النص والممارسة، ومن ثم حماية الطرف الضعيف في العقد.
وهو ما شعر به القضاء مؤخرا، فاتخذ من المبادئ العامة الواردة في القانون المدني وسيلة لتحقيق التوازن العقدي، سواء من خلال مؤسسة التفسير التي جعل منها أداة للوقوف بجانب الطرف الضعيف، أو من خلال التوسع في فهم العديد من النصوص القانونية المتفرقة للوصول إلى نفس الغاية[1].
و من هنا تبرز إشكالية موضوع هذا العرض الذي سنحاول من خلاله الوقوف على دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي، حسب التصميم التالي:

المحور الأول : دور القضاء في مواجهة اختلال التوازن العقدي الناتج عن الشروط التعسفية ( عقود 

                       الإذعان )
        أولا : سلطة القاضي في مراجعة الشروط المجحفة و التعسفية
                 1 ) سلطة القاضي في تفسير العبارات الغامضة
                 2 ) سلطة القاضي في تفسير العبارات الواضحة
       ثانيا : سلطة القاضي في إعادة النظر في القوة الملزمة لشروط العقد
                1 ) الشروط الواردة في الوثائق العقدية
                2 ) الشروط الغير الواردة بالعقد الموقع عليه

المحور الثاني : دور القضاء في مواجهة اختلال التوازن العقدي الناتج عن الشرط الجزائي

       أولا : دور القاضي في تعديل الشرط الجزائي
               1 ) تخفيض الشرط الجزائي
               2 ) الزيادة في الشرط الجزائي
      ثانيا : الرقابة القضائية على شروط تطبيق الشرط الجزائي
               1 ) التأكد من إخلال المدين بالتزامه الأصلي
               2 ) التحقق من إصابة الدائن بالضرر
               3 ) البحث عن توافر العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر
               4 ) تقديم الدليل على إنذار المدين بالتنفيذ 
المحور الأول: دور القضاء في مواجهة اختلال التوازن العقدي
                   الناتج عن الشروط التعسفية ( عقود الإذعان )
الأصل في العقود هو الحرية في اختيار ما يتم إبرامه منها ، و لكن هناك بعض الظروف قد يضطر معها أشخاص إلى إبرام نوع معين من العقود دون أن يكون لهم اختيار في إبرامها و في ترتيب أثارها بشكل أو بأخر ، فيكون القبول مجرد إذعان لما يمليه الموجب . فالقابل لم يصدر قبوله بعد مناقشة و مفاوضة بل في موقف من الموجب لا يملك إلا أن يأخذ أو يدع، و لما كان في حاجة ماسة إلى التعاقد على شيء لا غنى عنه فهو مضطر إلى القبول ، فرضاؤه موجود و لكنه مفروض عليه ، و من تم سميت هذه العقود بعقود الإذعان .
فكيف يمكن للقاضي أن يقوم بتحقيق التوازن العقدي في هذه العقود؟
هذا ما سنتطرق إليه من خلال سلطة القاضي في مراجعة الشروط المجحفة و التعسفية أولا  ثم سلطة القاضي في إعادة النظر في القوة الملزمة لشروط العقد ثانيا
أولا: سلطة القاضي في مراجعة الشروط المجحفة و التعسفية

تقضي القاعدة الأولية بان العقد شريعة المتعاقدين و قد قرر المشرع المغربي هذه القاعدة من خلال مقتضيات الفصل 230 من ق.ل.ع  و التي تقضي بان " الالتزامات التعاقدية المنشاة على وجه صحيح  تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ...".
 فحسب هذه المادة فان العقد يمثل قانونا ملزما للأطراف الذين ابرموه و هو ملزم للقاضي الذي عليه أن يعمل مقتضياته في حالة نزاع يتعلق به، و هو أمر يدخل ضمن النشاط القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض [2]
و لإعمال مقتضيات العقد ، يجب على القاضي أن يحدد مضمونه فادا كان هذا المضمون واضحا التزم باحترام بنوده و شروطه و إلا اعرض حكمه للنقض أما إذا كان هذا المضمون غامضا  وجب عليه أن يفسره، و مسالة تفسير العقد هي من أمور الواقع  تندرج ضمن سلطة قاضي  الموضوع التقديرية ، و لمحاولة توضيح دور القاضي  و سلطته في مراجعة  بنود العقد و استخلاص  مضمونها الذي يحقق التوازن بين طرفيه سنتطرق أولا  لسلطة القاضي في تفسير العبارات الغامضة بالعقد على أن  نقف  مدى سلطته في تفسير العبارات الواضحة ثانيا

1)  سلطة القاضي في تفسير العبارات الغامضة

سبقت الإشارة إلى أن القضاة لا يملكون تعطيل تطبيق أي من شروط العقد بحجة تحقيق العدالة أو السعي نحو تحقيق التوازن بين الالتزامات إلا في  الحالات التي يسمح فيها القانون بدلك . كما هو الحال بالنسبة للتعديل الخاص بالشرط الجزائي و كما هو الحال بالنسبة لما يسمح به القانون من  إلغاء آو تعديل الشروط التعسفية الواردة في عقود الإذعان [3] و كذلك إعطاء  القضاء سلطة إلغاء الشروط التعسفية الواردة في عقود الاستهلاك[4]
 و بالتالي فان القاضي يستطيع أن يتدخل لتفسير مضمون العقد حينما تكون إرادة الأطراف غير و واضحة ، آو حينما يكون الشرط غامضا . و هذا ما قرره المشرع المغربي بمقتضى الفصل 462 من ق.ل.ع الذي ينهى على انه " يكون التأويل  في الحالات الآتية :
1-     إذا كانت الألفاظ المستعملة لا يتأتى التوفيق بينها و بين الغرض الواضح الذي قصد عند تحرير العقد.
    2 - إذا كانت الألفاظ المستعملة غير و واضحة  بنفسها أو كانت لا تعبر تعبيرا كاملا عن قصد صاحبها.
     3 – إذا كان الغموض ناشئا عن مقارنة بنود العقد المختلفة بحيث تثير المقارنة الشك حول مدلول تلك البنود.                
 و عندما يكون للتأويل  موجب ، يلزم البحث عن قصد المتعاقدين ، دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ  و لا عند تركيب الجمل
 و قد بينت  النصوص الأخرى 463-473 من ق.ل.ع بعض القواعد التي يجب على قاضي الموضوع أن يسلكها لاستجلاء ما بالعقد من غموض نذكر منها على سبيل المثال:
-         تفسير الشك لمصلحة المدين الفصل 473-467
-         تفسير شروط عقد البيع لمصلحة المشتري ( المبلغ الأقل في حالة تعدد ا...... المحدد للمبلغ  ( الفصل 472).
-         الحالات الخاصة لتطبيق الالتزام لا يفهم منها انه قد قصد تحديد مجاله بها دون غيرها من بقية الحالات التي لم تذكر.
-         الأخذ  بأخر بند في كتابة العقد في حالة تعذر التوقيف بينه و بين بند أخر( الفصل 464).
و إذا كان المبدأ هو أن مسالة تطبيق العقد الواضح مسالة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض ، فان تفسير العبارات الغامضة في العقد تبقى من أمور الواقع التي تدخل في مجال السلطان النهائي لقاضي الموضوع ، الذي عليه أن يبحث في عالم النية و الضمير ليقتنع في النهاية بان إرادة الأطراف قد  اتجهت إلى تحقيق  غرض معين ، و هو بذلك يعمل على تحقيق العدالة و تعديل الشوط المجحفة  و التعسفية ضمانا لتحقيق التوازن بين التزامات الأطراف  سواء تعلق الأمر  بعقود الإذعان آو العقود النموذجية  [5]  كعقد التامين مثلا آو باقي العقود الأخرى.
و هذا ما درج عليه القضاء في الكثير من قراراته حيث ذهب المجلس الأعلى (سابقا)  محكمة النقض (حاليا) في احد قراراته المتعلق بالبت في التعرض المتبادل بين مطلبين  التحفيظ :
"إن تفسير العقد و معرفة مدى شموله لكل العقار  المذكور بالملكية أو لجزء منه فقط يخضع للقواعد المنصوص عليها في الفصل  461 و ما يليه من ق.ل.ع لا لتفسير المشتري  و حده و في غيبة البائع و دون إجراء بحث بعين المكان" [6]
و إذا كان الظاهر هو أن القواعد القانونية التي تبين طرق التفسير قد وردت على سبيل المثال  فقط[7]    حيث المشرع لم يقصد اكتر من مساعدة  قاضي الموضوع ، و رسم الطريق أمامه في مسالة لا يجادل احد في موضوعيتها[8] ، فان مواقف محكمة النقض تشير إلى مسالة مهمة مفادها انه عندما نكون أمام عقد واضح فيجب على قاضي الموضوع ألا  ينصرف عن القواعد العامة الخاصة بالا تبات.
أما إذا كان العقد غامضا فإنها تسمح له بان يبتعد عن تلك القواعد حيث يسمح بإثبات عكس ما ضمن بالكتابة عن طريق الشهادة و القرائن [9]

 2 ) سلطة القاضي في تفسير  العبارات الواضحة في العقد

تطبيقا  لمقتضيات الفصل 461 من ق.ل.ع الذي ينص على انه :" إذا  كانت عبارات العقد  واضحة  امتنع البحث عن قصد صاحبها ".
يتضح إذن أن عبارات  العقد الواضحة الدلالة  لا تحتاج  إلى تفسير ، و بالتالي  يمتنع على قاضي  الموضوع  الالتفات عنها  للبحث عن معنى أخر .
و بتعبير أوضح ، إذا كانت  إرادة المتعاقدين  واضحة  من خلال التعبير  الذي اختاراه مطهرا لإرادتهما، فلا يجوز  للقاضي  أن يعدل عن هدف الإرادة الواضحة إلى إرادة  غيرها  يفترض أنها الإرادة الحقيقية للمتعاقدين [10]
 لكن بالرغم من هذا التوجه التشريعي  فان بعض الفقه يجيز  للقاضي عدم الأخذ بالمعنى الواضح في اللفظ  و اوجب عليه أن يعدل عنه إلى المعنى الذي  قصد إليه المتعاقدين [11]، وذلك متى اقتضت  الظروف بالتوسع في التفسير في إطار الشرعية بهدف توجيه بنود العقد إلى مصلحة الطرف الأقل خبرة أو كفاءة ، معتبرا أن وضوح العبارة ليس هو وضوح الإرادة.
و هذا ما سار عليه المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)  عندما قرر بان وضوح ألفاظ العقد لا تحول دون تأويله [12]
و عندما قرر كذلك في قرار  أخر  بأنه من الواجب على قضاة الموضوع ألا يعتبروا في العقود إلا معناها دون مبناها [13].
 و يعتبر التفسير القضائي  لبنود عقود الإذعان المظهر الواضح لدور القاضي في تحقيق التوازن العقدي . فالطرف المذعن هو الطرف الضعيف الذي ينبغي حمايته تحقيقا لإقامة التوازن بين المتعاقدين  في العلاقة التعاقدية . و هذا ما ذهب إليه القضاء المغربي بتقريره هذه القاعدة بحيث جاء في احد قراراته: " أن التنازل عن الحق –بناء على الفصل 467 من ق.ل.ع – يجب أن يكون  له مفهوم ضيق و أن العقود التي يثور الشك حول مدلولها لا تصلح أساسا لاستنتاج التنازل عنها، و بما أن التحفظ الذي كان البنك قد أبداه على هامش النسخة التي سلمها (لكيرش) من رسالته يثور الشك حول مدلولها، فلا يمكن اعتباره مقبولا من طرف كيرش [14]
و كذلك الشأن بالنسبة للشرط المتضمن  بعقد التامين القاضي بضرورة التصريح بالحادث للمؤمن داخل اجل خمسة أيام فان  المجلس الأعلى (محكمة النقض  حالبا) ذهب في قراره عدد 569 بتاريخ 22-02-2006 " بان المحكمة المصدرة للقرار  المطعون فيه  عندما ردت   دفع شركة التامين المتعلق بانعدام الضمان لعدم التصريح بالحادث لها داخل الأجل  أعلاه السالف الذكر ، تكون قد طبقت القانون تطبيقا سليما..."[15]
و مما تجدر الإشارة إليه أن المشرع المغربي ، لم يهتم بوضع نصوص عامة تخص عقود الإذعان كما هو الحال بالنسبة للتشريع الفرنسي و المصري . إلا انه توجد بعض المقتضيات الخاصة ببعض العقود كعقود التامين البري المؤرخ في 28 نونبر 1934  التي تنص على البيانات الواجب أن تضمن بعقد التامين ، حيث أضاف الفصل 9 منه في فقرته الأخيرة : " و لا تصح المقتضيات الناصة على البطلان أو سقوط الحق إلا إذا تم بيانها بأحرف جد بارزة ، و لا ينبغي أن يدرج أي مقتضى يتعلق بسقوط الحق أو عدم التامين في الشروط الخصوصية لعقود التامين و إلا اعتبر باطلا " [16] . و كذلك الأمر بالنسبة للمادة 458 من مدونة التجارة الجديدة المتعلقة بمسؤولية الناقل عن ضياع الأشياء و عوارها .
ثانيا : سلطة القاضي في إعادة النظر في القوة الملزمة لشروط العقد
في بعض الحالات ينضم الشخص إلى العقود خصوصا النموذجية أو المعدة من طرف المحترفين دون قراءتها و فهمها كما يقع عليها في  حالات عديدة دون أن يحصل على كافة المستندات التعاقدية .
و حتى و إن حصل عليها المتعاقد و حاول قراءة العقد فهذا لا يسمح بالقول بعلمه الكافي أو اكتمال إرادته حين إبداء رغبته في التعاقد .
و في حالة ما كانت هذه العقود تحتوي على شروط تعسفية [17]1 يتمسك بها المحترف في مواجهة الطرف الأقل خبرة كلما دعت الضرورة إلى ذلك ، يتدخل القضاء بالتفسير محاولة منه لإعادة النظر في القوة الملزمة لبعض الشروط التعاقدية التي تبدو مجحفة بالمتعاقد الأقل قدرة أو خبرة .
وكذلك فان المتعاقد الذي لم يستطع معارضة المحترف ا و مناقشة شروط العقد معه لم تتحه نيته هو الأخير إلى قبول كل الشروط التعاقد و بالتالي فان البحث في النية المشتركة للمتعاقدين قد يسمح بالإعفاء أو بالتخفيف من القوة الملزمة للعقد عن طريق استبعاد الشروط المجحفة أو بعضها [18]2
و لمحاولة تفصيل ذلك سنحاول توضيح سلطة القاضي في تقدير مدى توفر الرضي بشروط العقد و بالتالي مدى قوتها الملزمة للمتعاقدين مركزين أولا على استخدام التفسير لإعادة النظر في الشروط الواردة بالوثائق الموقع عليها  .ثم سلطة القاضي في إعادة النظر في الشروط الواردة بالوثائق غير الموقع عليها  ثانيا

1 ) الشروط الواردة بالوثائق العقدية

إن إلزام من وقع على العقد بما ورد في جميع بنوده من شروط يبدو منطقيا و يتماشى مع فكرة من التزم شيئا لزمه .
إلا أن جانبا من الفقه و القضاء حاول إثبات انه بالرغم من التوقيع على الوثيقة العقدية فانه لا يجب أن يفترض أن المتعاقد قد وافق بشكل تلقائي على كل الشروط التي ترد فيها . و في جميع الأحوال فانه لا يجب التمسك إلا بالشروط التي علم بها فعلا ووافق عليها بمحض إرادته 2
و لقد تطور القضاء الفرنسي في هذا الصدد تطورا ملموسا . فبعد ما  كان في مرحلة أولى يفترض قبول أطراف العقد بكل ما يرد بالوثيقة التي يوقعون عليها من شروط، أصبح يفرض رقابته على العلم الحقيقي بالشروط الواقعة بالعقد و حقيقة قبول أطراف العقد بهذه الشروط.
فإذا كان تطبيق النظرية الأولى يبدو أكثر قبولا بالنسبة للعقود التي يتم إبرامها في إطار تساوي أطراف العقد أو بدون إذعان من احدهم للأخر ، فان تطبيقها حين ما يتعلق الأمر بعقود يختلف فيها التكافؤ بين المتعاقدين ، خصوصا في العقود النموذجية التي ينصاع فيها الطرف الأقل قدرة أو خبرة لما يمليه عليه الطرف الأخر من شروط. ...........
 وقد بلور القضاء مجموعة من المعايير لنفاذ الشروط الواردة في مواجهة الطرف الأقل خبرة أو قدرة و هي :
-         كتابة الشروط بشكل يمكن معه قراءته بيسر
-         موضع الشرط بالوثيقة المكتوبة
-         معقولية الشرط
إن عدم معقولية الشرط تعد قرينة على عدم قبول الطرف الأقل قدرة أو خبرة بها وعلى عدم توافق إرادته مع إرادة الطرف الأخر في الامتثال لمثل هذا الشرط .لذلك فالقضاء يقضي بعدم نفاذها لأنه لا يمكن في هذه الحالات القول بوجود قبول حقيقي بها .
بالرغم من تمكن القضاء من توفير الحماية ضد الشروط التعسفية من خلال الرقابة على حقيقة القبول بها و استبعادها هذه الشروط مع الإبقاء في ذات الوقت على العقد .إلا أن هذه الحماية لا زالت غير كاملة ما دام يجب في جميع الأحوال إثبات عدم علم الأقل قدرة أو خبرة بالشرط التعسفي و بالتالي عدم قبوله به،حتى يمكن أن تتحقق له الحماية باستبعاد ذلك الشرط.
هذا دون أن نغفل دور القاضي في تعزيز التوازن العقدي ، بحماية الطرف الضعيف تطبيقا لنظرية عيوب الرضا ، حيث تكون إرادته مدفوعة إلى إبرام الالتزام تحت وطأة الإكراه أو التدليس أو غيرها من العيوب المشار إليها في الفصول من 39 إلى 56 من ق ل ع.
هذه النظرية عرفت قصورا في حماية الطرف الضعيف و تحقيق التوازن العقدي المنشود لأنها غالبا ما تؤدي إلى إبطال العقد الذي لا يفيد الطرف المذعن بل يحرمه من الحصول على ما أراد الحصول عليه من الاحتياجات الضرورية.
و من بين أمثلة العمل القضائي الذي يروم توفير الحماية للطرف الضعيف في العقد و تحقيق التوازن بين أطرافه عن طريق إعادة النظر في القوة الملزمة لبنود العقد، نذكر:
-         الحكم عدد 1750 الصادر عن المحكمة الإدارية بفاس الذي قضى فيه بأنه رغم تنصيص اتفاقية الضمان المدرسي على ضرورة سلك المسطرة الإدارية من طرف الضحية فبل اللجوء إلى القضاء ، فانه ليس هناك ما يمنعه من مراجعة القضاء الإداري للمطالبة بالتعويض عن الحادث أو المنازعة في مبلغ التعويض.[19]
-         القرار رقم 777 بتاريخ 14 /11/1996 صادر عن المجلس الأعلى ( محكمة النقض )  في موضوع قطع الخط الهاتفي بعد تراكم مستحقات عن مدة سابقة جاء فيه : " تكون الإدارة مشتطة في استعمال سلطتها عند إقدامها على قطع الخط الهاتفي بعد تراكم مستحقات لم يكن للطاعن يد في تراكمها .و أن التراكم المذكور تم بسبب تلكؤ الإدارة و عدم قيامها بواجباتها المحددة قانونا ."[20]
-         قرار محكمة النقض عدد 330/2 بتاريخ  12/3/2008 الذي ورد فيه أن الآلة أداة الحادثة كانت تحمل راكبا واحدا و هو المنصوص عليه في عقدة التامين و أن السائق لا يعد من الركاب فتكون المحكمة قد أبرزت الأساس الواقعي الذي اعتمدته في تفسير وثيقة التامين و طبقت بذلك القانون ، فالوسائل على غير أساس.[21] 

2 ) الشروط الغير الواردة بالوثائق الموقع عليها

المقصود بالشرط الغير الوارد بالوثيقة العقدية الموقع عليها هو تلك الشروط التي لا يحتويها المحرر الذي يوقع عليه المتعاقدين و لكن المحترف يعتزم الاحتجاج بها في مواجهة من يتعاقد معه.
و من أمثلة ذلك:
-         الملصقات التي يضعها البائع في محله التجاري
-         الاشتراطات الواردة في الشروط العامة للبيع و التي يحيل عليها الاتفاق الموثق في المحرر.
-          التحفظات التي ترد في المخالصات او فواتير الشراء التي لا يتسلمها الزبون الا بعد انعقاد العقد
هذه الشروط قد تكون محل نزاع بين المحترف الذي يتمسك بتطبيقها و المتعاقد الاخر الذي يدعي بوجوب استبعادها و هو ما ذهبت إليه محكمة.............. 

المحور الثاني: دور القضاء في مواجهة اختلال التوازن العقدي
                    الناتج عن الشرط الجزائي
                             من المعلوم أن العقد شريعة المتعاقدين ، و أن المشرع نص على مجموعة من ضمانات التنفيذ ، إلا أن المتعاقدين قد يعملا على تضمين العقد جزاءات أخرى من شانها حث المدين على الوفاء بالتزاماته التعاقدية ، [22]و من هذه الجزاءات الشروط الجزائية التي تدخل ضمن التعويضات الاتفاقية . بحيث يمكن ان يتفق الدائن و المدين على مبلغ من المال يدفعه هذا الأخير كتعويض ، جزاء عن عدم تنفيذ الالتزام أو عن تأخره في التنفيذ ، سواء تم ذلك في العقد الأصلي أو في عقد لاحق [23]. و يسمي ذلك المبلغ بالشرط الجزائي لأنه يوضع كشرط جزاء على عدم التنفيذ على وجه الخصوص .
                             و يهدف المتعاقدان عادة من الاتفاق على الشرط الجزائي تجنب تحكيم القضاء و تدخل اهل الخبرة في تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن إذا اخل المدين بالتزامه. رغم انه في مجال المسؤولية العقدية يحدد التعويض قضائيا.
                             كما قد يهدف المتعاقدان من الاتفاق على الشرط الجزائي ، التحايل على أحكام القانون المتعلق بفوائد التأخير ، و قد يهدف به التعديل من أحكام المسؤولية بالإعفاء أو التخفيف منها إذا كان المبلغ المتفق عليه يقل كثيرا عن الضرر المتوقع حصوله، أو بالتشديد فيها إذا كان هذا المبلغ مبالغا فيه.[24]
                             و عليه سنحاول قدر المستطاع توضيح دور القضاء في تحقيق توازن العقد المتضمن للشرط الجزائي من خلال إبراز دور القاضي في تعديل الشرط الجزائي بالزيادة فيه أو التخفيض منه أول . ثم توضيح الرقابة القضائية على شروط تطبيق الشرط الجزائي ثانيا .
أولا : دور القاضي في تعديل الشرط الجزائي
                             بمقتضى الفصل 264 من ق ل ع ، فان القاضي لم يعد ملزما بمبدأ سلطان الإرادة في جميع الأحوال ، و إنما أصبحت له سلطة واضحة يعدل بها مبلغ الشرط الجزائي في حدود معينة ، بهدف تنظيم العلاقة التعاقدية على أساس من العدل و المساواة لتوطيد حماية الضعفاء و المعوزين و ذلك بجعل قيمة التعويض في الشرط الجزائي تتناسب مع الضرر الذي لحق الدائن .و هذا ما درج عليه القضاء كذلك حيث ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بفاس في احد قراراتها أن فسخ العقد بإرادة منفردة و بشكل فجائي يترتب عنه تعويض طرفه المتضرر بهذا الفسخ تبعا للشرط الجزائي المتضمن بنفس العقد و يجوز تعديل هذا الشرط او تغييره عند وجود شطط في تقديره بناء على الاجتهاد القضائي في الموضوع.[25]اذن يتضح ان للقاضي سلطة تقديرية في رقابته على الشرط الجزائي المتفق عليه تتمثل أولا في تخفيض الشرط الجزائي و ثانيا في إمكانية الزيادة فيه.

1 ) سلطة القاضي في تخفيض الشرط الجزائي

                             يملك القاضي بمقتضى الفصل 264 من ق ل ع إمكانية تخفيض الشرط الجزائي بناء على طلب احد الطرفين و بما يجعل التقدير مساويا للضرر. و قد حددت الفقرة الثالثة منه الحالات التي يمكن للقاضي بموجبها إنقاص الشرط الجزائي و هما حالتين :
الأولى :   تخفيض الشرط الجزائي في حالة التنفيذ الجزئي للالتزام الأصلي
                             بخصوص هذه النقطة يتبين أن سلطة القاضي ليست مطلقة و إنما مقيدة بمجموعة من الشروط منها :
-          إلا يكون المتعاقدين قد احتاطا بنفسهما لمسالة عدم التنفيذ الجزئي للالتزام و اتفقا على استبعاد سلطة القضاء بتحديد التعويض المستحق في حالة التنفيذ الجزئي ، بمعنى أن القاضي عندئذ لا يجوز له تخفيض الشرط الجزائي .[26] إلا إذا كان التعويض الجزئي مبالغا فيه.
-          أن يكون الالتزام نفسه قابلا للتنفيذ الجزئي أي قابلا للانقسام ، و إلا فان القاضي لن يجد ما يقيم عليه سلطته في التخفيض إذا كان محل الالتزام غير قابل للتجزئة ، و بالتالي عدم إمكانية التنفيذ الجزئي للالتزام[27]
-          أن يقبل الدائن التنفيذ الجزئي ، فالمدين لا يمكنه إجبار الدائن على قبض جزء من الالتزام، و لو كان الالتزام قابلا للانقسام . لأنه قد يعمد إلى سداد جزء من التزامه للدائن كي يتفادى دفع الشرط الجزائي كاملا.
-          أن يكون التنفيذ الجزئي قد عاد ببعض الفائدة على الدائن، و إلا فان مبرر التعويض لا يكون متحققا.و لقد اعتبر المشرع معيارا بخصوص التنفيذ الجزئي يقوم على أساس نسبة المصلحة التي حققها للدائن هذا التنفيذ الجزئي.
                             يعتبر التنفيذ الجزئي من مسائل الواقع التي يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات ، و من حق المحكمة إعادة النظر بمقدار التعويض المحدد سابقا و تعديله بما يساوي الضرر الحقيقي. و هذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) في احد قراراته حيث رفض إعمال الشرط الجزائي استنادا إلى أن أي ضرر لم يلحق بالدائن من جراء التأخير في تسليم المتجر ، كون المالك سلم للمكتري محلا تجاريا لمزاولة أعمال تجارية إلى حين الانتهاء من البناء. [28]
الثانية :    تخفيض الشرط الجزائي المبالغ فيه
                             بخصوص هذه النقطة يفترض أن المدين لم يقم بتنفيذ التزامه أصلا، أو تأخر في التنفيذ مدة استحق من اجلها التعويض المقدر في الشرط الجزائي. و هذا ما يستنتج من الفقرة الثانية من الفصل 264 من ق ل ع التي تنص على انه " يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على التعويض عن الأضرار التي تلحق الدائن من جراء عدم الوفاء بالالتزام الأصلي كليا أو جزئيا أو التأخير في تنفيذه "
                             إلا أن القضاء يتدخل من اجل التخفيض من التعويض المتفق عليه ، إلى الحد الذي يساوي الضرر. في حالة ما إذا كان مبالغا فيه و من شانه أن يثقل كاهل المدين. [29]
                             و هذا ما درج عليه القضاء ، حيث ذهبت المحكمة التجارية بمراكش في احد أحكامها انه " لا مبرر للحكم بالفوائد القانونية عن مبلغ التعويض التلقائي طبقا للفصل 264 من ف ل ع ، المقدر في مبلغ اقل من المبلغ المتفق عليه و المعتبر من طرف المحكمة كافيا لتغطية الضرر " [30]
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بالمعيار الذي يمكن للقاضي بموجبه تحديد المبالغة الفاحشة ليتمكن من مراجعة الشرط الجزائي.
                             المشرع المغربي لم يحدد درجة المبالغة في الشرط الجزائي، و بذلك يبقى للقضاء المغربي تحديد هذه الدرجة بحسب كل نازلة ، و بحسب كل واقعة تعرض عليه. و إذا كان هناك من سبب أو علة في تخفيض التعويض ألاتفاقي ، فانه يكمن فيما قاله احمد عبد الرزاق السنهوري من أن الشرط الجزائي " لا يعرض إلا لتقدير التعويض المستحق ، فهو ليس سببا في استحقاق التعويض ، بل يقتصر على مجرد تقديره مقدما وفقا لما قام بين الطرفين وقت الاتفاق من اعتبارات و ظروف ، فإذا اتضح بعد ذلك أن الضرر الذي وقع ، لم يكن بالمقدار الذي ظنه الطرفان قبل وقوعه ، و أن تقديرهما للتعويض عن هذا الضرر كان مبالغا فيه.... فان الأمر لا يخلو عندئذ من غلط في التقدير أو ضغط وقع على المدين فقبل شرطا يعلم انه مجحف به " [31] فيكون الواجب هو تخفيض التعويض.
                             و إذا كان هناك من معيار للتخفيض من الشرط الجزائي ، فهو الضرر ذاته، إذ كلما كان مبلغ التعويض ألاتفاقي لا يتناسب مع درجة و مدى الضرر الواقع ، كلما كان هناك مجال للقول بوجود مبالغة في الشرط الجزائي، مع وجوب مراعاة ظروف المدين الشخصية كالخطأ الجسيم و التدليس الذي يقترن برفض التنفيذ أو التأخير فيه. [32]

2 ) سلطة القاضي في الرفع من الشرط الجزائي

                             بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 264 من ق ل ع نجد أن المشرع قرر الزيادة في الشرط الجزائي في حالة وحيدة هي حالة الاتفاق على تعويض زهيد.
                             و زهادة الشرط الجزائي معناها أن التعويض الإتفاقي لا يتناسب مع مقدار الضرر بشكل واضح بحيث يقترب الاتفاق على مبلغ زهيد من اتفاق تحديد المسؤولية المدنية و هو أمر لا يجيزه المشرع المغربي طبقا لأحكام الفصل 232 من ق ل الذي ينص على انه لا يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية الشخص عن خطئه الجسيم و تدليسه. فزهادة الشرط الجزائي هو مقابل المبالغة في تقديره من قبل الأطراف.
                             أساس الزيادة في الشرط الجزائي هو زهادة هذا الشرط و ليس هو الخطأ الجسيم أو التدليس ، فهذا الأخير يعتبره البعض ظرف مشدد للرفع من قيمة التعويض الإتفاقي. إذ يتحول الاتفاق على تعويض مقبول ، بعد ثبوت الخطأ الجسيم أو التدليس الصادرين عن المدين إلى اتفاق على تعويض زهيد لا يتناسب و مقدار الضرر المقترن بالخطأ الجسيم أو التدليس أو إلى اتفاق تحديد المسؤولية العقدية .
                             و في كل الأحوال ، يعوض الدائن عن الضرر الذي حصل له ، فإذا أبطلت المحكمة الشرط الجزائي التافه ، بعلة انه ينزل منزلة الاتفاق على تحديد المسؤولية العقدية في حالة الخطأ الجسيم او التدليس ، أو أبقت عليه ، لأنه لا يعدم هذه المسؤولية ، فان عليها أن تحدد التعويض المناسب عن الضرر الواقع للدائن ، و في الحالتين سيجبر الضرر بمقتضى تعويض قضائي بعد إعمال مقتضيات الفصل 232 من ق ل ع في الحالة الأولى . أو بمقتضى الزيادة في التعويض الاتفاقي الزهيد إعمالا لمقتضيات الفصل 264 من ق ل ع ،  في الحالة الثانية  .[33]
ثانيا : الرقابة القضائية على شروط تطبيق الشرط الجزائي

1 ) التأكد من إخلال المدين بالتزامه الأصلي

بما أن الشرط الجزائي تقدير اتفاقي مسبق للتعويض فانه يستحق عند الإخلال بالالتزام الذي ربط المتعاقدان بتحققه استحقاق الشرط . ويتحقق الإخلال بامتناع المدين عن تنفيذ التزامه المستحق أو تأخره في تنفيذه.
 و الالتزام العقدي نوعين : الالتزام بتحقيق نتيجة أو التزام ببذل عناية ،و يعتبر المدين مخلا بالتزامه إذا لم يحقق نتيجة الالتزام الأول، أو لم يقم بالقدر اللازم من العناية بتنفيذه في الالتزام الثاني. و يقع عبء إثبات واقعة عدم التنفيذ في هذا النوع من الالتزام على الدائن في حين انه يكفي المدين أن يتبين انه بذل العناية الضرورية في تنفيذ التزامه لدفع مسؤوليته. [34] و كل ذلك تحت رقابة الفضاء و سلطته.
يحصر الفقهاء عادة نطاق الشرط الجزائي في موضوع المسؤولية العقدية ، دون جواز امتداده إلى منطقة الضرر الناجم عن خطا تقصيري في ضل الفصل 78 من ق ل ع و ذلك للأسباب التالية:
-          المسؤولية التقصيرية تتعلق بالنظام العام فكل شرط يخفف من هذه المسؤولية أو يعفي منها يكون عديم الأثر
-          التعويض في مجال المسؤولية التقصيرية ، يشمل الضرر المتوقع و غير المتوقع ، لذلك يصعب تصور شمول اتفاق الأطراف على تعويض يستحق لجبر هذا الضرر المتوقع و غير المتوقع.[35]

2 ) التحقق من إصابة الدائن بالضرر

يعرف الضرر بأنه الخسارة التي لحقت بالدائن و ما فاته من كسب كنتيجة مباشرة لعدم تنفيذ المدين لالتزاماته ، و تملك المحكمة سلطة واسعة في تقدير الظروف الخاصة بكل حالة[36].
و ما دام أن أساس استحقاق الشرط الجزائي وقوع الضرر ، فان ذلك يطرح التساؤل التالي : ما هو الحكم إذا لم يلحق بالدائن أي ضرر من جراء عدم تنفيذ الالتزام؟
اختلف الفقه حول مسالة ربط المطالبة بالشرط الجزائي بتحقق الضرر ، فذهب البعض للقول بضرورة تحقق الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي ، و اعتبر البعض الأخر أن الشرط الجزائي يكون التزاما بدون سبب في حالة غياب الضرر .
أما موقف المشرع المغربي فالضرر مشترط للحصول على مقدار الشرط الجزائي ، و للقاضي سلطة واسعة في تحقيق التوازن بين الضرر و الشرط الجزائي كما سبق توضيحه.

  3 ) البحث عن توافر العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر

يشترط لاستحقاق التعويض في المسؤولية العقدية عموما ، و الشرط الجزائي بشكل خاص إلى جانب خطا المدين و الضرر الذي لحق بالدائن وجوب توافر علاقة السببية بينهما ، فإذا انتفت هذه العلاقة انتفت المسؤولية العقدية ، و بالتالي لا يكون التعويض مستحقا.

4 ) تقديم الدليل على إنذار المدين بالتنفيذ عند الاقتضاء .

                            على الدائن إثبات أن عدم الوفاء ينطوي على إخلال المدين بالتزامه ، إذ أن عدم الوفاء بالالتزام من المدين لا يعني بالضرورة إهماله أمر الوفاء ، أو اتجاه إرادته إلى الامتناع عن القيام به ، لذا فان موقف  المشرع المغربي كان واضحا عندما نص صراحة على تحقق مطل المدين بمجرد حلول الأجل بصريح الفصل 255 من ق ل ع كقاعدة عامة ، و استثناء من هذه القاعدة لا يكون المدين في حالة مطل إلا إذا وجه إليه إنذارا بهذا الشأن طبقا للفقرة الثانية من الفصل 255 السالف الذكر . و هذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) في احد قراراته. [37]
                            و هكذا فان القاضي ينظر عادة إلى شرعية الشرط الجزائي ، ثم ينتقل لبحث شروطه، ليصل في الأخير إلى تقدير توافق التعويض و ذلك بما لديه من سلطة في التفسير و التكييف.
                            و تجدر الإشارة في الأخير إلى أن التشريعات الحديثة لم تكتفي بمنح القاضي سلطة تحقيق التوازن العقدي في مرحلة تكوينه كما سبق بيانه، بل أصبحت تمتد هذه الحماية إلى مرحلة التنفيذ ، فأصبح القاضي يتدخل في بنود العقد الجوهرية أو التفصيلية ، و يطوعها بقصد مواجهة الظروف الاقتصادية المتغيرة التي تطرأ بعد إبرام العقد، فيتدخل استجابة لسبب لاحق على إبرام العقد ، بقصد مواجهة اختلال العدالة العقدية بين الطرفين. إلا أن المشرع المغربي يجعل من خلال الفصل 230 من ق ل ع إرادة الملتزمين هي الأقوى في العقد المستجمع لشروط انعقاده، و لا يخول للقضاء التدخل في العقد بتعديله أو إلغائه . لذلك فان ق ل ع المغربي لم يهتم بنظرية الظروف الطارئة على غرار بعض التشريعات المقرنة.



[1]- د. عبد الرحمان الشرقاوي؛ دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي؛ دار القلم الطبعة الأولى 2008؛ ص 8.
  قرار المجلس الأعلى الصادر في 26-11-1996 ، منشور  بمجلة المحامي ، العددان 32 و 33 ص 325 و مايليها .[2]
[3]   من بين عقود الادعان الشائعة نذكر : عقود الاشتراك في الخدمات العامة – عقود التامين – العقود النموذجية و الشروط الواردة بها و التي     
    تجعلها مظنة للاذعان
  حسن عبد الباسط جميعي ، اثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على شروط العقد ، نشر دار النهضة العربية 1996، ص 122[4]
  و قد سميت بالعقود النموذجية لان صيغتها و بعض الشروط فيها تتكرر دائما و تفرض على جمهور المتعاقدين  دون ان يكون لهم حق الغائها او مناقشتها.[5]
[6]    القرار عدد 614، مؤرخ في 14-02-2002 ،ملف  مدني عدد 2229-1-2001، منشور بمجلة قضاء المجلس الاعلى ، العدد المزدوج59-   
     60  السنة 24-2002،ص 52
   محمد شيلح نقلا عن محمد الكشبور، المجلس الاعلى ..محاكم الموضوع في المواد المدنية ، طبعة الاولى 2001، ص 198[7]
[8]
  انظر الهامش رقم 143، م س ، ص 189[9]
  محمد شيلح ، سلطان الارادة في ضوء ق ل ع المغربي، نقلا عن محمد الكشبور ، م س، ص 183[10]
 الوسيط، ج الاول ، ص 671[11]
 قرار رقم 7 بتاريخ 1976، منشور بمجلة المعيار ، العدد الاول ، ص 45 و مايليها .[12]
 قرار رقم 20 ابريل 1966 منشور بمجلة القضاء و القانون ع 85/87 ص 289 و ما يليها [13]
 قرار عدد 54 بتاريخ 5-1-1969، منشور بين  بمجموعة  قرارات المجلس الاعلى المادة المدنية ، الجزء الاول ، 1961-1982، ص 23[14]
 القرار عدد 569 بتاريخ 22-2-2006،  منشور بالتقرير السنوي للمجلس الاعلى  لسنة 2006 قسم التوثيق و الدراسات، مطبعة [15]
[16]  الفصل التاسع من القرار الوزيري المتعلق بعقود التامين البري ، المؤرخ في 28/11/1934 ، منشور بالجريد الرسمية عدد........ 
     بتاريخ...............
[17]  عرف المشرع المغربي الشروط التعسفية في قانون حماية المستهلك في المادة 15 بكونها : " في العقود المبرمة بين المهنيين و المستهلكين
     ،تعتبر تعسفية الشروط التي يكون موضوعها او اثرها هو خلق اختلال مبالغ فيه بين الحقوق ".
      و ينقسم الشرط التعسفي الى نوعين : الشرط التعسفي بذاته و الشرط التعسفي بحكم الاستعمال. و يتم تمييزه بمعيارين : النفوذ الاقتصادي و 
     الميزة الفاحشة ( المفرطة )
[18]  حسن عبد الباسط جميعي ، م س ، ص 155
[19]  حكم عدد 1750 بتاريخ 7/7/2015 ، ملف رقم 188/7112/2014 ، المحكمة الادارية بفاس ، غير منشور
[20]  فرار المجلس الأعلى  رقم 777 صادر في 14 نونبر 1996 ، ملف إداري عدد 90/96 ، منشور ب قرارات المجلس الأعلى  1958 / 1997  
        – المادة الإدارية – مطبعة المعرف الجديدة  ص 443
[21]  قرار محكمة النقض عدد 330/2 بتاريخ 12/3/2008 ، ملف جنحي عدد 7250/07 ، منشور بقضاء محكمة النقض في حوادث السير و  
     التامين ،عمر ازو كار، الطبعة الأولى ،2014 ، دار النجاح الجديدة ، الدار البيضاء، ص : 111
[22]  المادة 264 من ق ل ع المغربي
[23]  عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، ص 851 فقرة 477
[24]  ماجدة المخاترة ، سلطة القاضي في تحقيق التوازن العقدي، اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص ، كلية العلوم الق و الاق و الاج 
   فاس ، السنة الجامعية 2013/2014 ص 137
[25]  قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس بتاريخ 06/06/2000 تحت عدد 516 في اللف عدد 100/00 ، منشور بمجلة المعيار عدد 
   27 ، ص 191 و ما يليها.
[26]  ع الرزاق السنهوري ، ص 870
[27]  انظر الفصل 181 من ق ل ع المغربي
[28]  قرار المجلس الاعلى عدد 1422 بتاريخ 21/9/1982 ملف مدني عدد 90301 ، غير منشور
[29]  قرار صادر عن الاستئنافية التجارية بالبيضاء بتاريخ 17/02/2004 تحت عدد 516 في الملف عدد 1044/02 ، منشور بمجلة المحاكم 
  المغربية عدد 99 ، ص 194 و ما يليها
[30]  حكم صادر عن المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 16/3/06 تحت عدد 389 في الملف عدد 1175/05 منشور بمجلة المحامي عدد 50 ص                                     
   243  و ما يليها
[31]  عبد الرزاق السنهوري ، مرجع سابق ، ص 852
[32]  ذ . سعيد الناوي ، باحث جامعي ،حقيقة الشرط الجزائي في القانون المغربي، مقال منشور بمجلة المناهج، عدد مزدوج 5/6 السنة 2004 ص
    199 و ما يليها
[33]  سعيد الناوي، م س ، ص 198 و ما يليها
[34]  محمد شيلح ، نقلا عن ماجدة المخلترة ، م س ، ص 156
[35]  عبد الرزاق أيوب ، القراءة الأخلاقية لتعديل الفصل 264 من ق ل ع، مقال منشور بمجلة المنهاج، العدد المزدوج ¾ سنة 2003 ص 63
[36]  انظر الفصل 264 من ق ل ع
[37]  قرار عدد 7 بتاريخ 6/2/82 ، ملف عدد 88693 / منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى المادة المدنية، الجزء الأول ، ص 531

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات