القائمة الرئيسية

الصفحات

خصوصيات ثبوت دعوى الزوجية

خصوصيات ثبوت دعوى الزوجية

خصوصيات ثبوت دعوى الزوجية
خصوصيات ثبوت دعوى الزوجية


مقدمة :

يعتبر الزواج اللبنة الأساسية في قيام الأسرة، فهو نظام شرعه الله تعالى
لعباده لبناء الأسرة وتنظيمها، وإنشاء علاقات القرابة وفق أحكام دقيقة و ثابتة، وعلى أركان متينة الدعائم قوامها المودة و الرحمة مصداقا  لقول الله عز و جل
"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" .
وعقد الزواج كسائر التصرفات  القانونية في مجال الأسرة تترتب عليه الكثير من الآثار و الحقوق و تتعلق به أحكام شرعية يبقى أثرها على مر الزمان، ، والاستفادة من هذه الآثار تستوجب بالضرورة قيامه وإثباته  بإقامة الدليل على وجوده، من هنا أخضع المشرع المغربي  إثبات هذا العقد لمقتضيات  قانونية خاصة، حددها في المادة 16 من مدونة الأسرة.
 وإنطلاقا من هذا الأساس فإن إثبات الزوجية  طبقا للمادة 16  من مدونة الأسرة يتم بطريقتين :
-  بواسطة  الوثيقة العدلية التي تتضمن عقد الزواج،وتعتبر الوسيلة الأصلية و المقبولة لإثبات قيام العلاقة الزوجية هذا فضلا عن أن توثيق عقد الزواج إنما هو شرط من الشروط الواجب توفرها إلى جانب الشروط الواردة بالمادة 13 من مدونة الأسرة.
- إلى جانب هذه القاعدة الأصلية في إثبات الزواج، أجاز المشرع المغربي سواء في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أو في مدونة الأسرة إثبات الزواج حتى في حالة انعدام وثيقة عقد الزواج، و ذلك من أجل إتاحة الفرصة للأزواج الذين لم يوثقوا زيجاتهم لتصحيحها و إضفاء الصفة الشرعية والقانونية عليها حفاظا على حقوق الأسرة وحماية للأنساب من الاختلاط و الضياع، ويرجع إقرار هذا المقتضى القانوني الاستثنائي إلى واقع المجتمع المغربي الذي مازال يعرف بعض العادات و التقاليد في الزواج إذ يتم الاستغناء عن التوثيق العدلي لعقود الزواج والاكتفاء ببعض الطقوس و العادات المتعارف عليها، إلا أن المشرع المغربي رخص هذا الاستثناء كقاعدة عارضة تخضع لسقف زمني لا يجب تجاوزه لسماع دعوى الزوجية.
وإذا كان الإثبات الاستثنائي لعقد الزواج جاء كضمانة لحماية استقرار كيان الأسرة برمتها من الضياع و حماية لحقوقها وخاصة نسب الأبناء، فانه يثير عدة إشكالات تتمثل في الكتابة المتطلبة في عقد الزواج: هل هي شكلية للانعقاد أم شكلية للإثبات؟ وما هي المعايير المعتمدة في سماع دعوى الزوجية؟ وما مصير الزيجات غير الموثقة بعد انتهاء مدة العمل بمقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة ؟ هل سيتم إبقاء المادة على حالها، أم سيتم تقييدها بشروط ؟ أم سيتم إلغاء العمل بها نهائيا؟

المبحث الأول: إثبات عقد الزواج في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة


عقد الزواج هو عقد يتولى الإشهاد عليه وتوثيقه عدلان منتصبان للاشهاد ولا تصير الوثيقة المتضمنة لعقد الزواج رسمية إلا بعد الخطاب عليها من طرف قاضي التوثيق وهو ما يستفاد من الفصلين 41 و 42 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة 
ولانه  قد يبرم في غياب المقتضيات أعلاه سمح المشرع استثناء بإثباته بالبينة الشرعية كما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل الخامس من مدونة الأحوال الشخصية
"يجوز للقاضي  بصفة استثنائية  سماع دعوى الزوجية واعتماد البينة الشرعية في إثبات"

المطلب الأول :موقف مدونة المشرع من  حالة الاستثناء

تحتل مؤسسة الزواج مكانة مهمة ليس في حياة الإنسان الفرد فقط ، و إنما في حياة المجتمعات برمتها على اعتبار أنها البذرة الأولى التي تضمن استمرار تلك المجتمعات ؛ لذلك فهي ت حظى بالاهتمام اللازم و الرعاية الكافية الكفيلين بجعلها ترقى إلى مكانة التقديس الذي يرتبط بها سواء من حيث تعريفها أو حتى أحكامها .
و لما كان الزواج بهذا القادر من الأهمية فإنه كان و لا يزال محط اهتمام من طرف جميع الحساسيات الاجتماعية بكل توجهاتها و إن اختلفت الرؤى بشأنه ، لكن الأكيد هو الاتفاق على تنظيم أحكامه تنظيما محكما يضمن لكل طرف فيه حقوقا و يحمله التزامات تتناسب و المركز الذي يحتله داخل المنظومة الاجتماعية الأسرية . و هكذا فقد أولى المشرع المغربي اهتماما خاصا بتنظيم الأحكام القانونية المؤطرة للزواج شروطا و شكليات ، حتى لإنه لم يذهب في الاتجاه الغربي القائم على فكرة الأسرة الليبرالية المستندة إلى قواعد القانون المدني الخالص ؛ و إنما بقي وفيا لروح الشريعة و أحكامها المرتبطة بالزواج و الأسرة عموما ، كما حافظ على الكثير من الخصوصيات المغربية الأصيلة التي تساهم في تأطير طقوس هذه المؤسسة في غير مخالفة لقواعد الشريعة الإسلامية .
غير أنه و في إطار السيرورة الطبيعية للتحولات التي يشهدها المجتمع المغربي ، و استباقا منه لشكل العلاقات التي يجب أن تسود المجتمع المغربي حاول المشرع المغربي أن يدخل بعض " التحديثات " على مؤسسة الزواج مع الحفاظ على هويتها الحقيقية . و لعل ذلك يظهر في مجموعة من الجوانب منها ما يرتبط بالصداق و الولاية و التعدد و غيرها من الأحكام. و من ضمن ما استأثر باهتمام المشرع نجد فكرة توثيق العلاقة الزوجية ، إذ حاول المشرع المغربي أن ينظمها بأحكام عامة تساهم في جعل الكتابة هي الوسيلة الوحيدة في إثبات العلاقة الزوجية ؛ لذلك فقد عمل على وضع المقتضيات العامة الواردة في   مقتضيات الفصل 5 من مدونة الأحوال الشخصية المتعلقة بسماع دعوى الزوجية 

وسائل الإثبات 
الأصل في الزواج أن يثبت بشهادة عدلين غير أن المشرع في مدونة الأسرة لم يكتف بهذه الشهادة مجرد إنما اشترط تحريرها في وثيقة رسمية واعتبرها من خلال المادة 46 من مدونة الأسرة الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج  لكن وكما سلف الذكر، فإن هناك عدة زيجات غير موثقة الأمر الذي يفتح المجال أمام إثباته بعدة وسائل وبينات أخرى تعتمد المحكمة في سلطتها التقديرية على الترجيح بينها والركون إلى أصحها ومن بين هذه الوسائل نذكر أهمها وهي:

شهادة الشهود: وهي تعتبر في الفقه المالكي أقوى الأدلة إذا اجتمعت فيها شروطها الشرعية  ، وقد جرى بها العمل في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وأفتى بها كثير من فقهاء المالكية.
وجاء في الحديث الشريف أن البينة على المدعي و اليمين على من أنكر ويقصد بالبينة ما يبين الحق أي كل وسيلة صالحة للإثبات الحقوق المتنازع بشأنها 
ووسيلة الإثبات هي  كل حجة يدلي بها الخصم و يطمئن القاضي إلى صدق مضمونها و يقتنع ضميره ووجدانه من مطابقتها للحقيقة والواقع و من ثمة فهي تشمل شهادة الشهود والأوراق المكتوبة و القرائن القوية التي يستخلصها القاضي من ظروف النزاع و خاصة في غياب الوسائل الأخرى... ومنها مثلا ظهور الرجل و المرأة لمدة طويلة أمام الناس بمظهر الزوجين بل وقد أكد الفقه والقضاء أن الزواج يمكن إثباته ببينة السماع فقط متى داع أمرها وانتشرت بين الناس انتشارا 1فاشيا.
ولقد جرى العمل بالمغرب منذ قرون خلت بالاستعانة باللفيف وهو عبارة عن شهادة اثني عشر رجلا يحررها عدلان في وثيقة رسمية ثم تستعمل بعد ذلك كحجة أمام القضاء لإثبات بعض الوقائع أو التدليل على بعض الحقوق. ويستعمل اللفيف بالخصوص في المجالات المتصلة بالأحوال الشخصية من أجل إثبات الزواج أو تصحيح الزوجية أو إثبات الطلاق أو الرجعة أو الميلاد أو الوفاة أو النسب أو إحصاء التركة أو عدد الورثة ونصيب كل واحد منهم إلى غير ذلك. 
وعلى الرغم من أن كثيرا من الفقهاء قد غال في انتقاده اللفيف لما يحفه من المخاطر من حيث قد يكون وسيلة لادعاء الباطل نتيجة انعدام الضمير لدى بعض الشهود فإن اللفيف هذا كثيرا ما يقدم خدمة لا تقدر بثمن لمن يعوزه الدليل للوصول إلى حقه خاصة متى كان هذا اللفيف مضبوطا 2ومستفسرا.

المطلب الثاني:موقف العمل القضائي من حالة الاستثناء  

دواعي حالة الاستتناء
لم يكن مشروع مدونة الأحوال الشخصية الذي هيأته وزارة غداة استقلال المغرب وعرضته على اللجنة العلمية التي عينت من اجل مناقشته ما يستمل نص الفقرة الأخيرة من الفصل الخامس لمدونة الأحوال الشخصية والتي تسمح لقاضي الموضوع بسماع دعوى الزوجية بصفة استثنائية عن طريق البينة الشرعية وإنما هو آنذاك والمتمثلة بالخصوص في تفشي الأمية وعدم استيعاب  أحكام النصوص التشريعية والمكتوبة خاصة وأنه لا يعذر أحد بجهله للقانون 
والحقيقة أنه في هذا الصدد من التمييز بين فرضيتين الحالة التي تثار فيها الحاجة إلى إثبات الزواج عن طريق البيئة الشرعية ولا يكون هناك أي نزاع بين الزوج والزوجة بشأن الزوجية القائمة بينهما حيث كثيرا ما تغض الإدارة والقضاء الطرف أمام كل عذر يتمسكان به والحالة التي ينكر فيها أحد الطرفين-وغالبا ما يكون الزوج- الزوجية التي يدعيها الطرف الثاني من أساسها
هذه الفرضية الأخيرة هي التي طرحت مشاكل أمام القضاء على مستوى كل درجاته ومن بين هذه المشاكل أن من يدعي الزوجية ويريد إثباتها عن طريق استثناء عليه أن يبين حالة الاستثناء التي كانت حائلا دون توثيق عقد الزواج أمام عدلين منتصبين للاشهاد4
يتبين من القرارات الصادرة عن القضاء المغربي بوجه عام عن المجلس الأعلى بوجه خاص أن القاعدة التي تسمح باللجوء إلى حالة الاستثناء هي قاعدة لها طابع موضوعي وطابع شكلي فمن الناحية الموضوعية فإنه يجب على قاضي الموضوع أن يبين بكل وضوح حالة الاستثناء التي كانت سببا في عدم توثيق عقد الزواج التي اعتمدها الخصم في الدعوى.ومن الناحية الإجرائية فانه يجب عليه أن يبرر أخذه أو عدم أخذه بحالة الاستثناء تلك وإلا عرض حكمه للنقد تطبيقا لمقتضيات الفصل 359 من قانون المسطرة 
 فمن الناحية الموضوعية فإن القضاء المغربي في مجمله يفسر حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من الفصل الخامس من المدونة بكل عقبة مادية حالت دون توثيق عقد الزواج أمام العد لين المنتصبين للاشهاد. ويعتبر الزواج صحيحا في الحالة التي يستحيل معها اللجوء إلى هؤلاء العد لين كالتواجد بمنطقة نائية لا عدول فيها أو بخارج المملكة في دولة لا توجد بها قنصلية مغربية أو في الحالة التي يستحيل فيها على الرجل الحصول على الوثائق الإدارية كما هو الحال بالنسبة لرجال الأمن مثلا   والذي يجب عليه أن يدلي بها للعد لين المكلفين بعملية التوثيق أو في حالة وفاة العدل الذي شهد عملية إبرام العقد بالإضافة طبعا إلى الحالة التي يكون فيها عقد الزواج قد أبرم قبل دخول المدونة إلى حيز التطبيق.
وفي توضيحه لحالة الاستثناء عمد القضاء المغربي في مجموعه  ويسايره في ذلك المجلس الأعلى  إلى التوسع في مفهومها ب[1]كيفية تكاد تستغرق جميع حالات عدم توثيق الزواج رسميا أمام العد لين. وهكذا فقد قرر أن "... جل سكان البادية وحتى البعض من الحاضرة يستغنون عن إحضار العدول اكتفاء بالجماعة وأن الإشادة بالزواج وشهرته تكفي وأن مرد ذلك إلى العادة التي استحكمت في نفوس المغاربة سواء من بقي بالبادية أو من نزح إلى الحاضرة وأن المشرع المغربي عندما أجاز سماع البينة اعتبر ا استحكم في نفوس المغاربة, واعتبر الحفاظ على الأسرة من التصدع طبقا للفقرة الثالثة من الفصل الخامس من المدونة..."5

المبحث الثاني: دعوى ثبوت الزوجية في ضوء مدونة الأسرة


وإذا كانت المدونة قد أتت بمشروع متكامل، يؤسس لثقافة مجتمعية جديدة، فإن مرور عشر سنوات على تطبيقها قد عرف عدة إشكالات أظهرت الحاجة إلى المزيد من الجهد من أجل رصد الحصيلة الكمية والكيفية لتطبيق مدونة الأسرة وتليين الصعوبات التي تكتنف عمل أقسام قضاء الأسرة، خصوصا تجاه قضية تعتبر من الأهمية بمكان، ويتعلق الأمر بموضوع ثبوت الزوجية، الذي يعتبر مدخلا من مداخل استقرار المراكز القانونية للأفراد داخل المجتمع، إذ أضحى عقد الزواج شكلية مقصودة لذاتها، خصوصا في زمننا هذا، الذي قل فيه الوازع الديني، وانعدمت ضمائر كثير من الناس، وساد فيه التنكر والتحلل من الالتزامات، لذلك كانت المدونة صريحة وواضحة عندما اعتبرت في الفقرة الأولى من المادة 16  وثيقة الزواج الوسيلة المقبولة لإثباته، لكنها مع ذلك أبقت الباب مواريا عندما تحُول ظروف قاهرة دون توثيق العقد في إبّانه، فمنحت المحكمة صلاحية إجراء البحث عن الظروف والقرائن المؤكدة لقيام العلاقة الزوجية، معتمدة  على جميع وسائل الإثبات وكذا الخبرة، آخذة بعين الاعتبار وجود أطفال أو حمل ناتج عن تلك العلاقة، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين.
وعلى هذا الأساس سنحاول الوقوف على موقف كل من مدونة الاسرة و القضاء المغربي من المادة 16 من خلال المطلبين التالين :

المطلب الأول : تجليات ثبوت دعوى الزوجية و شروط إبقائها

مما لاشك فيه ان ثبوت دعوى الزوجية من بي[2]ن أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة المغربية ، وذلك لتحقيق غاية منشودة تتمثل في توثيق عدد كبير من ألزجات لما لهذه العملية من اثأر إيجابية على حقوق الأفراد ،فبالتوثيق تصان الأعراض و الأنساب و كذا الحقوق ، وبما أن الزواج هو ميثاق تراضي و ترابط شرعي بين  الرجل و المرأة حسب منطوق الشادة  من مدونة الأسرة كان لابد من المشرع الأسري أن يجد نظام قانوني يضمن حماية لجميع افراد الأسرة خاصة الزوجةو الاطفال  فقد يدعي الزوج عدم وجود أي رابطة تجمعه بزوجته بعد ان عاشرها معاشرة الازواج الشيئ الذي قد تنتج عنه اثار وخيمة على حقوق الاطفال وكذا الزوجة .
وعليه يمكن طرح سؤال حول موقف  مدونة الاسرة من ثبوت دعوى الزوجية  وما شروط ابقائها ؟

الفقرة الاولى: ثبوت دعوى ا لزوجية في ظل مدونة الأسرة

في ظل النقاش الحاد الدي كان الاجتهاد القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية مجالا له جاءت مدونة الأسرة لتعطي إطارا جديدا لدعوى سماع الزوجية و كان  ينتظر منها أن تعمل على تغليب وجهة نظر أحد الفريقين على الوجهة الأخرى تمشيا مع روح المدونة الساعية إلى التعاطي بإيجابية أكثر مع المعطيات الاجتماعية و في إطار تكريس دور الاجتهاد القضائي في تطوير وبلورة القاعدة القانونية.
غير أنه باستقراء سريع للمادة 16 من مدونة الأسرة تبين أن شيئا من دلك لم يكن فالمشرع لم يستطع الحسم لصالح أحد الاتجاهين فمن جهة شدد المشرع على ضرورة إثبات حالة الإستثناء و دلك من خلال إثبات الأسباب القاهرة التي حالت دون توثيق العقد في وقته، ومن جهة أخرى نص على أن المحكمة تأخذ بعين  الاعتبار و هي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين و هي تقريبا نفس المرجحات التي اعتمدها الاتجاه المرن في العمل القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية لتعزيز موقفه الدي بيناه أعلاه.
و لعل ما يجب التأكيد عليه بهدا الصدد أنه إذا كانت دعوى سماع الزوجية أريد لها أن تكون وسيلة فعالة لتصفية حالات الزواج غير الموثقة خلال فترة انتقالية حدد أمدها في 5 سنوات، فإن وقفها  على شرط إثبات السبب المانع القاهر من توثيق العقد في وقته من  شأنه الحد من فعاليتها بدرجة كبيرة، خصوصا إدا علمنا أن القطع مع ثقافة عدم توثيق الزواج لن يكون بالسهولة المنتظرة و بأن الغالبية العظمى من حالات عدم توثيق الزواج ليست إلا نتيجة للعرف و العادة إن لم نقل التهاون و الاستهتار و بأن نسبة كبيرة من الطلبات المقدمة للقضاء لا تثبت السبب القاهر المانع من توثيق العقد بل أنها لا تدعيه حتى، بل أن هناك من الأسباب التي تساق تبريرا لعدم توثيق العقد ما ينطبق عليه المثل العربي الشهير " عدر أقبح من زلة" و دلك من قبيل رفض الإذن بالتعدد أو القصور أو التسويف....
و خلاصة القول أن مشرع المادة 16 إذا لم يكن قد حسم في النقاش الدي شهده العمل القضائي في ظل مدونة الأحوال الشخصية فإنه فتح المجال أمام التعامل بمعيارية أكثر مع السبب المانع من توثيق العقد وربما فسح المجال لظهور ثلاث اتجاهات :

إتجاه متشدد : يشترط إثبات السبب القاهر الدي حال دون توثيق العقد في وقته
وهو اتجاه نصي متشبت بمعنى السبب القاهر في القانون و بأن المشرع لا يفسح مجالا لسماع دعوى الزوجية إلا بعد إثبات السبب المذكور.

الإتجاه المرن يذهب إلى تحقيق غاية المشرع في تصفية حالات الزواج غير الموثقة و لو على حساب حرفية النص

 اتجاه ثالث وسط بينهما تعامل مع السبب المانع من توثيق العقد وفق معطيـــات كل نازلة على حدة.فيتم التعامل معه بتشدد أو بمرونة حسبما إذا كانت العلاقة موضوع الطلب قد أثمرت إنجاب أبناء أم لا، وحسبما إذا كانت أركان و شروط عقد الزواج تتوافر كاملة أم لا، وحسبما إذا كان الزوجان متفقان على الزوجية أم أن أحدهما  ينفيها، وهو اتجاه يستند أيضا لما جرى به العمل في ظل مدونة الأحوال الشخصية من قبول اللفيف لإثبات الزوجية في حالة عدم وجود نزاع بين الطرفين على الزوجية، و إنه لم يكن يلتجأ  لإعمال مقتضيات المادة 5 من مدونة الأحوال الشخصية إلا في حالة وجود نزاع و إن كانت قراءة المادة 5 المذكورة لا تفيد دلك، و إنما تفيد أن الأصل هو الإشهاد على الزواج بواسطة عدلين و الاستثناء هو سماع دعوى الزوجية من طرف القضاء.
وفي نظرنا أن هدا الاتجاه في تفسير المادة 16 من مدونة الأسرة اتجاه راجح تؤيده الرغبة في تفعيل الدور الدي شرعت من أجله دعوى الزوجية دون إفراغ عقد الزواج من محتواه و ستكون لنا فرصة لمناقشة هدا التوجه بمناسبة الحديث عن إثبات أركـــان و شروط الزواج في دعوى سماع الزوجية.

الفقرة الثانية : رصد لأهم شروط الإبقاء على مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة 

قبل الشروع في رصد أهم الشروط لإبقاء على مقتضيات المادة 16  من المدونة لابد أن نعطي تعريفا للإثبات كما عرفه الدكتورالسنهوري، بأنه: " إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي يحددها القانون  على واقعة قانونية". والزواج كما عرفته مدونة الأسرة هو: " ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة"، وبرجوعنا إلى المادة 16 من مدونة الأسرة التي تعتبر أن وثيقة الزواج هي المقبولة قانونا لإثبات الزواج . 
وعندما نتحدث عن الكتابة في الزواج ليس كالكتابة في باقي العقود، نظرا لتميزها بخصائص شكلية وموضوعية لأن الكتابة ليست فقط مجرد أداة لإثبات الزواج وإنما شرط لصحته.   
ومن بين الشروط التي يجب توفرها للإبقاء على مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة، نذكر منها : 

أولا/ تبسيط المسطرة: عندما نتحدث عن إثبات دعوى الزوجية لابد من الإشارة إلى نوع المسطرة المتبعة وما هي خصائصها ؟ هل تتسم بالتعقيد أم بالبساطة ؟ 
يمكن أن نعتبر الأحكام التي جاءت بها مدونة الأسرة بأنها معقدة نوعا ما، بحيث نلاحظ غياب الأرضية الملائمة لهذه الأحكام خاصة في بعض المناطق النائية التي تفتقر لأقرب مرفق قضائي مما يجعل ساكنتها تتكبد عناء فوق طاقتها للوصول إلى المراكز القضائية لتحقيق مصالحها، لهذا يجب على السلطات المسؤولة أخذ هذا بعين الاعتبار ومحاولة تبسيط المسطرة، ولما لا تخويل هذه المهمة لضباط الحالة المدنية. 
وعلى خلاف ذلك يرى الدكتور أحمد الخمليشي " أن هذه الشكليات لا تكلف الراغب في الزواج وقتا غير عادي أو يؤثر على عمله المهني أو الوظيفي، ويؤكد ذلك أن أغلب المتزوجين بعقود غير موثقة لا يمارسون مهنة أو عملا منتظما. إن الزواج بالنسبة لأغلبية مرتفعة جدا يعقد مرة واحدة في العمر، وما يستغرقه توثيقه عقده لايتعدى بضع ساعات بين إنجاز وثائق الملف وإشهاد العدليين وهو ما يجعل شكليات توثيقه بسيطة لا تشدد فيها من القانون ولا مبالغة ". 

ثانيا/ اعتماد مقاربة زجرية، وذلك من خلال ضرورة التنصيص على مقتضيات زجرية من شأنها الحد من استمرار الزيجات الغير موثقة، باعتبار هذا الموضوع يلحق ضررا محققا بالأطفال وهويتهم، وليس بالزوجين فقط، لهذا ينبغي إضفاء صفة النظام العام على توثيق العقد، وبالتالي تمكين النيابة العامة من إحالة المعنيين بالأمر على قاضي التوثيق لكتابة العقد، كلما بلغ إلى علمها زواج غير موثق، وذلك تحت طائلة إمكانية متابعتهما بالفساد ما دامت علاقة الزواج غير موثقة. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه تمّ حذف الغر[3]امة الجنائية في النص النهائي، عندما تم صياغة مشروع مدونة الأسرة، بعد أن كان رأي اللجنة الملكية المكلفة بتعديل مدونة الأحول الشخصية يقول : " يعاقب المسؤول عن عدم توثيق العقد بغرامة تتراوح ما بين 100 و500 درهم ". والمبلغ وإن كان بسيطا، ولكن لو تقرر لساهم ولو بشئ ضئيل في الإحجام من هاته الزيجات غير الموثقة. 
وفي هذا الصدد يمكن أن نعتبر كل مستعمل لا قانوني وبشكل متعسف للمادة  16مرتكب لجريمة مع سبق الإصرار والترصد وعن سوء نية في كثير من الأحيان قصد التحايل على القانون بمبررات أقبح خاصة عندما يتعلق الأمر بزواج القاصر أو بزواج التعدد، ولا ننسى كذلك زواج المصاب بإعاقة ذهنية وهلم جرّا. 

ثالثا/ تكثيف الحملات التوعوية والتحسيسية 
تلعب الحملات التحسيسية والتوعوية دورا فعالا في إشعار المواطنين بضرورة توثيق الزيجات الغير الموثقة كحل لاستقرار الأسرة ولضمان كافة حقوقها. وهذا ما تمّ تسجيله من خلال الدراسة الميدانية التي قام بها الأستاذ أنس سعدون، كحصيلة عن الجلسات التنقلية التي عقدتها المحكمة الابتدائية بأزيلال، بحيث بلغ عدد الملفات المتعلقة بثبوت الزوجية المسجلة إلى حدود سنة 2014 ما مجموعه 2206 ملفا، مما يبين حجم الملفات المتضخمة بهذه المناطق النائية، بحيث بلغت قضايا ثبوت الزوجية التي تعود إلى الفترة السابقة لصدور مدونة الأسرة ما مجموعه 1296 مقابل 910قضية تتعلق بحالات أبرمت بعد صدور المدونة.

المطلب الثاني: دعوى سماع الزوجية بين الفقه الاسلامي والاجتهاد القضائي

تنبع اهمية توثيق عقد الزواج من تعلقها بالأعراض والأنساب الذين هما من الكليات الخمس التي تقوم عليها الشريعة الاسلامية ،كما ان اثبات عقود الزواج تتحقق بها المصلحة الفردية بصفة خاصة و المصلحة العامة للمجتمع بصفة عامة ،وبالتالي فأينما وجدت هذه المصلحة فثمة شرع الله.لكن الاشكال المطروح هل اثبات عقد الزواج شرط صحة أم شرط تمام ؟وبالتالي  هل سماع دعوى الزوجية تشكل قاعدة ام استثناءا ؟.
للإجابة عن هذا السؤال ،لابد من القيام بقراءة سريعة لمنظور الفقه حول المسالة،ثم رصد الاجتهادات القضائية حول الموضوع .

الفقرة الاولى  : المنظور الفقهي لاثبات عقد الزواج

   بالرجوع  إلى المصادر الأساسية للفقه الإسلامي من كتاب وسنة،  نجدها  تميز ما بين الإشهاد والتوثيق  قال تعالى في سورة البقرة :"واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء "  كما ان نفس الاية الكريمة فرقت  بين الكاتب والموثق وبين الشاهد قال تعالى :"ولا يضار كاتب ولاشهيد "
أما  بالنسبة للسنة النبوية فلقد ألحت على إعلان النكاح و ليس الإشهاد عليه وبالأحرى توثيقه قال عليه السلام:"أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف"  بمعنى أن المطلوب في الزواج هو الإعلان والإشهار وليس الكتابة والتوثيق . 
وعلى هذا النهج سار الفقه الإسلامي  وخاصة المالكي منه. 
يقول ابن رشد في كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد :" اتفق الجمهور على أن الشهادة من شروط النكاح، واختلفوا هل هو شرط تمام يؤمر به عند الدخول؟ أو شرط صحة يؤمر به عند العقد؟ واتفقوا على أنه لا يجوز نكاح السر". 
إذن المطلوب في الزواج هو الإعلان، أما الشهادة فما هي إلا شرط تمام،  وليست بشرط صحة، بمعنى أنه إذا تم الدخول بغير عقد، فالزواج صحيح، غير أنه ينبغي الإشهاد عليه عند الدخول. يقول ابن عاصم المالكي في تحفته:
والمهر والصيغة والزوجان      ***     ثم الولي جملة الأركان
وفي الدخول الحتم في الإشهاد ***      وهو مكمل في الانعقاد
و مفهوم ذلك أن الركن المعتبر في الزواج هو الصيغة وليس الإشهاد ولا الكتابة،  والصيغة  كل لفظ يدل على التأبيد مدة الحياة  كأنكحت وزوجت. كما أن إشهار النكاح مع علم الولي والزوجين يكفي وإن لم يحصل به  إشهاد،
وبهذا حين يكون النكاح والدخول مشتهرا وشائعا يثبت النكاح و يحفظ للزوجين ترابطهما ونسلهما، وتثبت هذه العلاقة ولو بشهادة السماع. وبالتالي فالإشهاد من شروط كمال النكاح وفضيلته دون نفوذه وصحته وكذلك الإعلان. يقول الشيخ خليل في مختصره: ''وإشهاد عدلين غير الولي بعقده وفسخ إن دخلا بلاه، ولا حد إن فشا ولو علم".
بمعنى أن العقد يفسخ إن تم الدخول بدون إشهاد،و لكن إذا فشي لا حد فيه.  ويقول في موضع أخر ''وركنه ولي وصداق ومحل وصيغة بأنكحت وزوجت وبصداق وهبت''.
إذن كل هذه الآراء الفقهية تتحدث عن الإشهاد في الزواج وليس عن توثيقه ، وبالتالي فالرأي الراجح أن الإشهاد شرط تمام وليس بشرط صحة.

الفقرة الثانية  : سماع الدعوى الزوجية والاجتهاد القضائي

الى جانب القاعدة الني قررها المشرع المغربي من خلال الفقرة الاولى من المادة 16 من مدونة الاسرة والتي تقضي بان اثبات العلاقة الزوجية يتم بالوثيقة العدلية المنجزة في اطار المواد 65 الى 69 من تلك المدونة، عاد المشرع في الفقرة الثانية من نفس المادة ليضع استثناءا على القاعدة اعلاه مفاده انه بالامكان اثبات عقد الزواج بحكم قضائي وفقا لشروط محددة. وقد نص المشرع في تلك الفقرة على انه "اذا حالت اسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الاثبات و كذا االخبرة."
وطبقا لهذا المقتضى، فيجب أولا إثبات السبب القاهر قبل اثبات العلاقة الزوجية أمام المحكمة التي تصدر في المسالة حكما قضائيا[4].
 والاجتهاد القضائي الأسري المغربي لم يستقر على رأي موحد في ما يتعلق بمفهوم السبب القاهر الحائل دون توثيق عقد الزواج في إبانه أمام عدلين منتصبين للاشهاد. وصعوبة التحديد ناتجة في الأصل عن الاختلاف الجوهري بين مفهوم  السبب القاهر في القانون الأسري والقوانين الأخرى كقانون الالتزامات والعقود 8 وحتى القانون الجنائي .
و في هذا الصدد يمكن اعتماد مفهوم السبب القاهر الذي تبناه القضاء ، وهو كل عقبة مادية حالت دون توثيق عقد الزواج اما عدلين منتصبين للاشهاد كالتواجد بمنطقة لا عدول فيها سواء داخل المغرب او خارجه ،او تخلف الاذن بالنسبة لرجال الشرطة والدرك و من في حكمهم 9.
هذا عن مفهوم السبب القاهر ، اما عن اثباته فبالرجوع الى الى نص المادة 16فانها تنص على سائر وسائل الاثبات والخبرة ، اي انه يمكن اثبات العلاقة الزوجية امام القضاء بكافة وسائل الاثبات الممكنة سواء الشرعية منها :كالشهادة واللفيف ،التقارر ،بينة السماع .او وسائل الاثبات الوضعية الحجة الكتابية ،شهادة الشهود ،اليمين . ويرى الاستاذ الكشبور انه يجب التعامل مع هذا الاثبات بحذر شديد اذ المسالة تتعلق بالانساب والاعراض ، ومن ثم لا يصح للمحكمة ان تثير انعدام السبب القاهر من تلقاء نفسها ، بل يبقى مسالة موضوعية يندرج استخلاصها في اطار سلطتها التقديرية التي لا تخضع لرقابة المجلس الاعلى الا على مسوى التعليل " 10
وللاشارة ايضا فان الوسيلة الاكثر شيوعا في اثبات دعوى الزوجية هي شهادة الشهود ، ولكن وبالرجوع الى قرارات المجلس الاعلى ومحاكم الموضوع نجد ان هناك تضاربا حول عدد الشهود الواجب الاستماع اليهم ،حيث اوجب المجلس الاعلى توفر الشهادة على النصاب الشرعي المتمثل في شاهدين عدلين او ما يعادلهما من لفيف يتكون من 12 شاهدا ،ويتضح ذلك جليا من خلال قراره عدد 465 الصادر[5] بتاريخ 19 يوليو 2006 في الملف الشرعي عدد 67/12/2006 بقوله انه :" لئن كانت المادة 16 من مدونة الاسرة اجازت بصفة انتقالية سماع دعوى الزوجية واثباتها بجميع وسائل الاثبات ومنها شهادة الشهود ،فانه يجب ان تتوفر الشهادة على النصاب الشرعي المتمثل في شهدين عدلين او ما يعادلهما من لفيف يتكون من 12 شاهدا كما هو مقرر في المشهور من الفقه المالكي ،والمحكمة لما استندت في اثبات العلاقة الزوجية بين الطرفين على مجرد تصريحات ثلاثة شهود غير عدول تكون قد خرقت القواعد الفقهية المقررة وعرضت قرارها للنقض ". 11
والعمل القضائي أيضا من خلال قرارت محكمة النقض  نجده قد  فسر حالة الاستثناء  في :  ازدياد الأولاد في بيت الوالدين وتاريخ الازدياد وما يقع من الحفلات في تلك المناسبة وسن الأولاد ... ومدة الحياة الزوجية المشتركة ....
و من حالات الاستثناء ايضا أن محكمة النقض اعتبرت عدم حصول  الزوج (وهو جندي ) على رخصة الزواج ظرفا قاهرا يستوجب إثبات الزوجية وذلك بنص قرار المجلس الاعلى  عدد 93 بتاريخ 07/2/ 2007  بالرغم من نفي الزوج وجود اية علاقة تربطه بالمطلوبة 9
أما محكمة الأسرة بوجدة ففسرت السبب القاهر المبرر لسماع دعوى الزوجية: كون الزوج جزائري ولم يتمكن من الحصول على الإذن بالزواج المختلط. ونفس المحكمة رأت في قرارها الصادر بتاريخ  2012.02.27 ملف عدد 10.1008  أن عدم الحصول على الإذن بالتعدد سببا قاهرا يبرر سماع دعوى ثبوت الزوجية.
وفي مقابلة جرأة هذه المحاكم في تبرير هذه الأحكام  نجد محاكم أخرى لا تلتفت أصلا إلى السبب القاهر ،إما لكونه غير موجود أصلا، أو سببا غير جدي ، وهي غير ملزمة  بالبحث عنه أو مطالبة الأطراف ببيانه . بل إن بعض المحاكم التي رفضت سماع دعوى ثبوت الزوجية لتحايل الزوج على مسطرة التعدد،وأضافت إلى حيثياتها عدم وجود أطفال أو حمل ناتج عن هذه
العلاقة 10. وبمفهوم المخالفة كلما عجز الطرفان عن إثبات السبب أو الأسباب القاهرة المانعة من توثيق عقد الزواج في إبانه ، أو استندا إلى أسباب غير جدية ، و أسفرت علاقتهما عن ازدياد الأولاد أو وحمل إلا وحكمت المحكمة بسماع هذه الدعوى والحكم بإثباتها. وبالمقابل كلما عجزالطرفان عن إثبات السبب القاهر مع عدم وجود الأولاد أو الحمل الناتج عن هذه العلاقة إلا ورفض طلبهما.
إذن الخلاصة أن محاكم الموضوع كلما وجد الأطفال أو الحمل إلا وتساهلت في الأخذ بالأسباب القاهرة ،كما  ان القضاء فتح المجال للتعامل بمعيارية اكثر مع السبب المانع من توثيق العقد وربما فسح المجال لظهور ثلاث اتجاهات :

- اتجاه متشدد :يشترط اثبات السبب القاهر الذي حال دون توثيق العقد في وقته ،وهو اتجاه نصي متشبث بمعنى السبب القاهر في القانون وبان المشرع لا يفسح المجال لسماع دعو[6]ى الزوجية الا بعد اثبات السبب المذكور.
- اتجاه مرن : يذهب الى تحقيق غاية المشرع في تصفية حالات الزواج غير الموثقة ولو على حساب حرفية النص.
اتجاه ثالث وهو وسطي بينهما حيث تعامل مع السبب المانع من توثيق العقد وفق معطيات كل نازلة على حدة.فيتم التعامل معه بتشدد او بمرونة حسبما اذا كانت العلاقة موضوع الطلب قد أثمرت انجاب الابناء أم لا ،وحسبما اذا كانت اركان وشروط عقد الزواج تتوافر كاملة ام لا ،وحسبما اذا كان الزوجان متفقان على الزوجية ام ان احدهما ينفيها.

 والجدير بالذكر أن الإثبات  ليس موحدا في جميع الحالات بل إن هناك من الحالات التي تفرض بعض التمييز ، ومن  بينها طلب إثبات الزوجية ممن توفي عنها زوجها، وقد ذهب المجلس الأعلى في احد قراراته  : " علما بأن دعوى الزوجية بعد الوفاة تعتبر دعوى آيلة إلى المال يكتفى في إثباتها بالشاهد و اليمين عملا بقول خليل في التنازع في الزوجية " وحلفت معه وورثت" " غير أنه مع ذلك وجب التعامل مع هذا النوع من الدعاوي بنوع من الحزم لما له من تأثير على الأوضاع القانونية لورثة الهالك المطلوب إثبات الزوجية معه.

و من الدعاوي التي تفرض تمييزا في الإثبات ايضا طلبات إثبات الزوجية للمغاربة المتزوجين مدنيا بالخارج و هي من الدعاوي التي يطلب فيها التسامح في الإثبات و معلوم أن مدونة الأسرة نصت على أنه يمكن للمغاربة المقيمين بالخارج أن يبرموا عقود زواجهم وفقا للإجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم إذا توفر الإيــــجاب  و القبـــــــــــول و الأهلية و الولي  عند الاقتضاء، و انتفت الموانع و لم ينص على إسقاط الصــــــــــــداق و حضره شاهدان مسلمان " ، غير أنه في حالة تخلف الشروط المذكورة فإنه يفتح الباب أمام المعنيين بالأمر لإثبات زواجهم بالبينة الشرعية طبقا للمادة 16 و مفيد بهذا الصدد أن نذكر بأن الاجتهاد القضائي  قد اعتبر حالة إقامة الزواج بالخارج من الأسباب التي تبرر إعمال حالة الاستثناء، فقد جاء في أحد قرارات المجلس الأعلى : " لما كان الزواج قد تم ببلد أجنبي غير إسلامي لا يعرف إشهاد العدلين على الزواج، و في وقت لم يكن المغرب قد نصب فيه العدول للقيام بمهمة الإشهاد فإن حالة الاستثناء تعد متوافرة في النازلة"، و لا يقتصر الأمر حتى في حالة  عدم وجود نزاع على مراقبة توافر السبب القاهر المانع من توثيق العقد و كدا باقي أركان و شروط العقد، بل إن الأمر في كثير من الحالات يكون أعقد من هدا و يكون المعني بالأمر مطالبا بإثبات احترامه للمساطر القانونية و الإدارية المتعلقة بالزواج.
وبالتأكيد أن هذه الأسباب ليس فيها مخالفة للقواعد الفقهية ولكن فيها مخالفة صريحة للقواعد القانونية التي شرعت من أجل تطبيقها لما فيها من المصلحة للفرد والمجتمع. واستنتاجا مما قيل ، يتبين بأن سماع دعوى الزوجية ، أصبحت قاعدة وليس استثناء ، ويكفي أن نستحضر أن (فترة الإستثناء ) مفتوحة منذ1957 تاريخ الشروع في تطبيق مدونة الأحوال الشخصية الملغاة وليس من سنة 2004 تاريخ تشريع مدونة الأسرة ،وان هذه الفترة لا زالت مفتوحة خاصة وان هناك مشروعا لتعديل المادة 16 تم تقديمه امام مجلس النواب وهو الان امام مجلس المستشارين .

لائحة المراجع 
-  الأستاذ محمد المهدي فلسفة نظام الاسرة الطبعة 2014
- الأستاذ محمد الكشبور الجزء الاول الطبعة 2014
- الأستاذ احمد الخمليشي الجزء الاول الطبعة 2015
- محمد بفقير مدونة الأسرة و العمل القضائي المغربي منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون و العمل القضائي المغربيين
- كتاب الفقه على المذاهب ألرعة لعبد الرحمان الجزيري
- البهجة في شرح التحفة لأبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي
- مجلة قضاء الأسرة و مجلة متخصصة صادرة عن وزارة العدل منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] محمد الكشبور نفس المرجع اعلاه صفحة 444 5
[2] مجلة قضاء الأسرة و مجلة متخصصة صادرة عن وزارة العدل منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية و القضائية العدد الأول يوليوز 2005 ص 48.
[3] البهجة في شرح التحفة لأبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي
[4] كتاب الفقه على المداهب ألرعة لعبد الرحمان الجزيري ص 28 : اتفق الشافعية و الحنابلة على المنبار العدالة في الشاهدين و على أنه يكفي العدالة ظاهرا لإغدا عرف الشاهد بالعدالة في الظاهر عند الزوجين صحت شهادته على العقد و يكلف الزوجان البحث عن حقيقة أمره لأن دلك فيه مشقة وحرج، وقال المالكية: إن وجد العدل فلا يعدل عنه إلأى غيره و إن لم يوجد فتصح شهادة المستور الدي لم يعرف الكدب.و اتفق الثلاثة على اشتراط الدكورة في الشاهدين أما الحنفية فقالوا : العدالة غير شرط في صحة   العقد و لكنها شرط في إثباته عند الإنكار و لا تشترط الدكورة فيصح بشهادة رجل و امرأتين و لكن لا يصح بالمرأتين وحدهما بل لا بد من وجود رجل معهما.  
[5] قرار صادر المجلس الاعلى بتاريخ 19 يوليوز 2006 ملف الشرعي عدد 2006/12/67
[6] محمد بفقير مدونة الأسرة و العمل القضائي المغربي منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون و العمل القضائي المغربيين1 ص 28
احمد الخمليشي الجزء الاول الزواج الطبعة 2015 ص 45
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات