القائمة الرئيسية

الصفحات

الإثبات في المادة الجبائية

الإثبات في المادة الجبائية

الإثبات في المادة الجبائية
الإثبات في المادة الجبائية


مـقـدمــــــــة

يلعب الإثبات دورا مهما وأساسيا في فض النزاعات مهما كانت طبيعتها، بحيث يشكل انطلاقة لمسار إجراءات أي دعوى إلى أن يصدر فيها حكم نهائي، فتطبيق أي قاعدة قانونية لا يتم إلا بناء على وقائع ثابتة، والنزاعات الضريبية كغيرها من النزاعات لا يمكن أن تخرج على هذه المبادئ، لكن مع الأخد بعين الإعتبار خصوصياتها نظرا لإختلافها في الطبيعة عن غيرها.
 فمن خلال الإثبات تتحقق للدين الضريبي مشروعيته سواء على مستوى الفرض أو التحصيل، ومن خلاله أيضا تضفى المصداقية على أي امتياز جبائي قد يطال به الملزم سواء بإعفائه كليا او جزئيا من الضريبة.
كما أن أهمية الإثبات الجبائي تكمن أيضا في أنه يمكن الإدارة الضريبية من إثبات وجود إلتزام بأداء قدر معين من المساهمة في مواجهة شخص طبيعي أو معنوي في وقت تعتبر فيه الضرائب غير مرغوب فيها من طرف الجميع، هذا مع أن الجميع يعلم بأن الدولة لا يمكنها أن تحقق شيئا بدون أموال.
والملاحظ على مستوى القانون الضريبي المغربي أن هناك غياب لأية مقتضيات خاصة بالإثبات في المادة الجبائية تتناول بالتحديد وبشكل صريح ومباشر المواضيع الأساسية لهذا الإثبات، توزيع عبئه وسائله مناقشته والبحث عنه باستثناء بعض المقتضيات البسيطة الواردة في المادتين 149 و141 من المدونة العامة للضرائب.
لهذا ارتئينا من خلال هذا الموضوع البحث عن أهم معايير توزيع عبئ الإثبات في المادة الجبائية وكذا خصوصية معايير توزيع عبئ الإثبات في المادة الجبائية وكذا خصوصية وسائل الإثبات في هذا المجال وكل ذلك تحت الإشكالية التالية:
مدى توفق المشرع المغربي في تحقيق التوازن بين الملزم والإدارة الضريبية على مستوى الإثبات في المادة الجبائية؟

المبحث الأول: عبئ الإثبات في المادة الجبائية


باعتبار أنه لا يمكن ان يوجد نص قانوني ولا قاعدة موحدة من شأنها تنظيم عبئ الإثبات في المادة الجبائية على غرار ما عليه الأمر في المادة المدنية الذي تحكمه قادة البينة على المدعي، سنحاول من خلال هذا المبحث الكشف عن جملة من القواعد او المعايير التي تتحكم في توزيع عبئ الإثبات في المادة الضريبية ، وكذا الحالات التي يكمن أن يعفى فيها الأطراف من عبئ الإثبات.

المطلب الأول: معايير توزيع عبئ الإثبات في المادة الجبائية
الفقرة الأولى: يتحمل عبئ الإثبات من يدعي خلاف الأصل

إن كلا الطرفين يمكن ان يدعيا خلاف الأصل ، وذلك بحسب المصلحة التي يسعيان إلى تحقيقها، فالإدارة قد تدعي خلاف الأصل أي أن الملزم أصبح يستغل محله الذي كان شاغرا في الكراء، وفي هذه الحالة يجب عليها إثبات هذه الواقعة بتقديم عقد الكراء مثلا او تصريح الجهة المكترية.[1]
كما أن الملزم قد يدعي خلاف الأصل أي أنه لم يكتري العقار الذي أصبح شاغرا ، وهناك مجموعة من الإجتهادات القضائية التي أكدت هذه الاقعدة نذكر من بينها حكم صادر عن ابتدائية سلا " ...وقد ذهب الفقه والقضاء إلى توزيع عبئ الإثبات بين الغدارة الضريبية والملزم بالضريبة ولو كان ذلك يخالف من حيث الظاهر القاعدة القائلة بأن عبئ الإثبات على مدعيه..."[2]
غير أن الإختلاف بين الحالتين في ان الإدارة تتمتع بحرية الإثبات، أي حرية اللجوء إلى أي وسيلة دالة على واقعة استغلال العقار مثلا على سبيل الكراء في حين ان الملزم مقيد في حالة واقعة الشغور بالوسيلة التي حددها القانون المتمثلة في تقديم تصريح بذلك للإدارة الضريبية.


وإذا كان الأصل مثلا في الإقرار أو المحاسبة هو الصدق والأمانة فيما تتضمنه من بيانات ومعلومات عن الحصيلة الخاضعة للضريبة، فإذا كان هناك تشكك حول مصداقية هذه البيانات وادعت الإدارة ذلك فهي من يتحمل عبئ الإثبات في هذه الحالة ، بمعنى إثبات أن ما صرح به الملزم لا يعكس حقيقة الدخل أو رقم الأعمال الذي حققه.[3]
وغالبا ما تكون الإدارة في موقع المدعي في هذه الوقائع، وبالتالي عليها يقع عبئ الإثبات.

الفقرة الثانية: يتحمل عبئ الإثبات من كلفه المشرع باحترام التزام اجرائي

والمقصود هنا وجوب تحميل عبئ الإثبات للطرف الذي كلفه المشرع باحترام إجراء او مسطرة معينة، ويكون ذلك حسب مجموعة من الحالات نذكر من اهمها:
-         الإدارة هي من يتحمل عبئ الإثبات في حالة الفرض التلقائي، فالإدارة هي من تباشر إجراءات الفرض التلقائي وبالتالي تلتزم بإثبات مدى توفر موجبات اتباع هذه المسطرة المنصوص عليها في المواد 228 و229 من المدونة العامة للضرائب، في حين يتحمل الملزم عبئ إثبات وجود تعسف في التقدير.
-         الإدارة والملزم يتحملان عبئ الإثبات في مسطرة التبليغ حسب من يباشر المسطرة، إما الإدارة او اللجن في مواجهة الملزم أو الملزم في مواجهة الإدارة أو اللجن الضريبية.[4]
والقاعدة هنا تقضي بان من تحمل عبئ القيام بإجراء معين يتحمل عبئ إثبات قيامه بهذا الإجراء على الوجه القانوني المطلوب، بينما يتحمل الطرف الآخر إثبات العكس، وهذه القاعدة منطقية ومقبولة باعتبار أنه يجب تحميل عبئ الإثبات للطرف الذي يحوز وسيلته.[5]

الفقرة الثالثة: يتحمل إثبات حصول التبليغ الملزم بمباشرته

أول ما تجدر الإشارة إليه في هذا الإطار هو أن مسطرة التبليغ تختلف حسب إذا تعلق الأمر بمسطرتي ربط الضريبة أو مراقبتها أو تعلق بإجراءات استخلاصها، وفي هذه الحالة فالإدارة ملزمة بإثبات تبليغ مراسلات أو إجراءات للملزم بالضريبة، كما أن هذا الأخير ملزم أيضا بتبليغ الإدارة بإجراءات وبملاحظاته في هذه المسطرة.[6]
وهذا الإثبات بتم وفقا لما هو منصوص عليه في المادة 219 من المدونة والمتعلقة بإجراءات خاصة للتبليغ تختلف عن ما هو جاري به العمل في المواد 37 و 38 و 39 من ق ق م م.
غير أن الإدارة غالبا ما تواجه بعض الصعوبات في هذا الإثبات نذكر من أهمها:
-         في حالة رفض الشخص الذي تسلم التبليغ توقيع شهادة التبليغ فإن النادة 219 أعطت للعون التابع لها والمكلف بهذه المهمة الإشارة إلى هذا الرفض في الشهادة حيث جاء في نص المادة 219 من المدونة " وإذا لم يستطع او لم يرد الشخص الذي تسلم التبليغ توقيع الشهادة وجب على العون الذي قام بالتسليم أن يشير فيها إلى ذلك، وفي جميع الحالات يوقع العون المذكور الشهادة ويوجهها إلى مفتش الضرائب المعني بالأمر"
-         في الحالة التي يرفض فيها الملزم تسلم الوثيقة يتعين تحرير محضر بذلك يتضمن تاريخ هذا الرفض، في حين أن الإجتهاد القضائي الزم ان يتضمن هذا المحضر كذلك هوية الشخص الذي رفض تسلم الوثيقة المبلغة إليه، وذلك حتى يتسنى للإدارة الإحتجاج بهذا المحضر وهذا ما أكدته الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى "... أن المنسوب إليه رفض التسلم لم يكن هو المعني بالأمر شخصيا وغنما أشير إلى انه محاسب وبالتالي فغنه رفض التسلم لم يصدر عن المعني بالأمر شخصيا ولم تتم الإشارة إلى الإسم الكامل لمن صدر عنه ذلك الرفض فكان من حق الملزم بالضريبة ان يتمسك بعدم إمكان الإحتجاج عليه برفض تسلم يجهل من صدر عنه.. "[7]
غير أن الإدارة قاومت هذا الإتجاه واعتبرت أنه يكلفها إثبات المستحيل ما دام أن من رفض التسليم لن يسمح بالكشف عن هويته وبالأحرى تقديم بطاقته الوطنية التي تتضمن على المعلومات التي يستلزمها الإتجاه القضائي، هذا في الوقت الذي لا يملك فيه الأعوان المكلفون بهذه المهمة لأية سلطة لإجبار رافض التسليم على الإفصاح عن هويته.  
وفي مقابل ذلك نجد بأن مسطرة  تبليغ إجراءات التحصيل الجبري عرفت تغييرات جوهرية مع دخول مدونة تحصيل الديون العمومية بموجب ق 15.97 حيث نصت الفقرة الأخيرة من م 43 على أنه : "في الحالة التي يتعذر فيها تسليم الإنذار لعدم العثور على المدين أو على أي شخص آخر في موطنه أو محل إقامته، يعتبر الإنذار مبلغا تبليغا صحيحا في اليوم العاشر الموالي لتاريخ تعليقه في آخر موطن له..."
وهذه الفقرة او بالأحرى هذا الإشعار الذي يتم تعليقه بعد مرور هذه المدة الزمنية قد يعتبر وسيلة في يد الإدارة لتبرير عجزها عن ملاحقة المدين بالضريبة.[8]
لذلك يجب في هذه الحالة ان تثبت الإدارة أنه لم يكن لديها خيار سوى اللجوء إلى هذه الوسيلة ، وهو ما أكدته الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى " لا يعتد بتعليق الإنذار في آخر موطن للملزم كإجراء صحيح تطبيقا للمادة 43 من مدونة تحصيل الديون العمومية، إلا إذا تعذر تبليغه فعليا بالطرق العادية وإدلاء الإدارة المكلف بالتحصيل بما يثبت ذلك"

الفقرة الرابع: يتحمل عبئ الإثبات من كانت القرينة ضده

والعكس صحيح في هذه الحالة بمعنى أن الطرف الذي كانت القرينة لصالحه يعفى من عبئ الإثبات.
ومن المؤكد بان هذا المعيار يجد جدوره في القواعد العامة، وهو وإن كان صالحا لتوزيع عبئ الإثبات في جميع المواد الاخرى فهو صالح كذلك للمادة الجبائية، و مؤداه جعل عبئ الإثبات على الطرف الذي لم تقرر القرينة لصالحه، ويستوي أن يكون الطرف إدارة أو ملزما.[9]

الفقرة الخامسة: يتحمل عبئ الإثبات من يدعى خلاف تقدير اللجن الضريبية

اي من خالفت ملتمساته امام القضاء تقديرات اللجن الوطنية في الطعون المتعلقة بالضريبة في حالة مباشرة إجراءات المسطرة التواجهية التي أفضت إلى اللجوء إلى اللجن الضريبية، أو في حالة الفرض التلقائي والملزم يتحمل عبئ إثبات وجود التعسف في التقدير.[10]

المطلب الثاني: حالات الإعفاء من الإثبات في المادة الجبائية

إن حالات الإعفاء من الإثبات في النزاع الضريبي نادرة جدا وبالرغم من ذلك غلبا ما نصادف بعض حالات الإعفاء التي تتوزع بين الإدارة والملزم.

الفقرة الأولى : إعفاء الإدارة من تحمل عبئ الإثبات

حالات إعفاء الإدارة من عبئ الإثبات:
1-    حالة العجز عن إثبات النقصان في الثمن:
تدخل المشرع من خلال المادة 143 من المدونة وخول لإدارة الضرائب حق ممارسة الشفعة متى عجزت عن تحمل عبئ إثبات وجود نقصان في الثمن المصرح به من طرف الملزم سواء كان هذا النقصان متعمدا من اطراف العقد أو كان الثمن الوارد في العقد حقيقيا لكنه لا يعكس القيمة الصحيحة للعقار أثناء تفويته.[11]
فالإدارة في هذه الحالة تقوم بتحديد الثمن الواجب اعتماده: بعد استبعادها للثمن المصرح به والذي عادة ما يعتمده البائع لتفادي عبئ الإثبات أو ثقل التكاليف الضريبية، وتطلب من المشتري الأداء بناء على الثمن الذي حددته، وفي حالة امتناعه تمارس الإدارة الشفعة وتحوز العقار المفوت ليس على أساس الثمن الجديد المحدد من طرفها ، ولكن على أساس الثمن المصرح به.[12]

2-    المساهمة الدنيا في حالة العجز عن إثبات تحقيق دخل أو ربح:
لقد رأى المشرع المغربي أن الإدارة الضريبية قد تتواجد في حالات يصعب عليها فيها تحقيق الملزم لمادة ضريبية تجعله ملزما بأداء مستحقات عنها، مما دفع به إلى التدخل لحمل كل ملزم طبيعيا كان او اعتباريا لأداء مساهمة دنبا لا تقل ولا تزيد عن حد معين وهي تؤدى سواء حقق الملزم ربحا او لم يحققه.[13]
وإعفاء الإدارة في هذه الحالة راجع إلى ممارسات تصدر عن الملزم هي التي دفعت بالمشرع المغربي غلى وضع هذه المساهمة الدنيا فعادة ما يصرح الملزم سواء شخص طبيعي او معنوي بخسارة دائمة بالرغم من تحقيقه لأرباح ومداخيل مهمة، وهذا ما يتضح عادة عندما يتم إخضاعهم لفحص جبائي يكشف عن تحقيقهم لأرباح مهمة لم يتم التصريح بها.

3-    أسلوب القرينة القانونية:
من الحالات الأكثر شيوعا والتي تعفى فيها الإدارة من عبئ الإثبات حلة وجود قرينة قانونية لصالحها. بحيث ينتقل عبئ الإثبات في هذه الحالة إلى الملزم.

الفقرة الثانية: حالات إعفاء الملزم من عبئ الإثبات

1-    تعرض الوثائق المحاسبية للضياع
لقد الزمت المادة 211 من المدونة العامة للضرائب الخاضعين للضريبة وكذا الأشخاص الطبيعيين او المعنويين المكلفين بحجز الضريبة في المنبع ان يحتفظوا طوال 10 سنوات بجميع الوثائق المحاسبية الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في المكان المفروضة فيه الضريبة[14]، إلا انه قد يحدث ان تضيع هذه الوثائق لأي سبب من الاسباب التي تخرج عن إرادة الملزم كالحريق أو السرقة أو أي حادث فجائي.
وقد تعمد الإدارة الضريبية اعتقادا منها بأن الملزم أتلف هذه الوثاق عمدا لإلى الفرض التلقائي للضريبة ، حيث أن هذا الفرض التلقائي يرمي إلى كونه عقوبة في حق الملزم أكثر منه مسطرة لفرض الضريبة.[15]
والملاحظ ان الفقرة الثانية من المادة 211 أوجبت على الخاضع للضريبة في حالت ضياع الوثائق المحاسبية لأي سبب من الأسباب إخبار مفتش الضريبة التابع له محل إقامته الإعتيادية أو مقره الإجتماعي أو مؤسسته الرئيسية في رسالة مضمونة الوصول مع الإشعار بالتوصل داخل أجل 15 يوم التالية للتاريخ الذي لاحظ فيه هذه الوثائق.[16]
إن المؤاخدة التي يمكن تسجيلها على المشرع في هذه النقطة بالذات هو عدم تطرقه او حسمه في وسيلة إثبات هذه الواقعة وكذا الجزاء المترتب في حالة عدم إخبار الملزم بهذه الواقعة.
وفي جميع الأحوال يمكن القول حتى لا يكون إعفاء الملزم من عبئ الإثبات سببا من الإفلات من الإلتزامات الجبائية ، يتعين تحديد وسائل إثبات هذه الواقعة وفسح المجال أمام الإدارة الضريبية لإثبات أن الملزم تعمد إتلاف وثائقه المحاسبية لعرقلة عملية المراقبة[17]

2-    أسلوب القرينة القانونية
يستفيد الملزم كذلك من هذه الحالة التي قد تؤدي إلى إعفائه من عبئ الإثبات وذلك في حالة توفره على مجموعة من القرائن والتي تنقل مباشرة عبئ الإثبات ضد الإدارة الضريبية.

3-    تحيد السقف المعفى
حدد المشرع سقفا معفيا من الضريبة، وهذا السقف وإن كان الملزم معفى من إثباته، مادام انه هو من يتحمل عبئ الإثبات في هذه الحالة فإنه لا يقبل من الإدارة إثبات عكسه، اي ان تثبت ان المبلغ المعفى أقل من هذا السقف.[18]

 المبحث الثاني: وسائل الإثبات في المادة الجبائية


إن المبدأ العام في النظام الجبائي[19] مفاده أن المكلف بالضريبة ملزم بالإثبات بالوسيلة التي حددها المشرع، في حين الإدارة حرة في اللجوء إلى اية وسيلة خاصة تراها مناسبة لإثبات المادة الضريبية، أية وسيلة خاصة تراها مناسبة لإثبات المادة الضريبية، وإقرار هذا المبدأ جاء لاعتبارين أساسيين:
1- له ارتباط بوظيفة الإدارة الضريبية والتي حملها المشرع مسؤولية تطبيق النظام الضريبي وتقييد الإثبات بالنسبة لما قد يعرقل قيامها بوظيفتها، وبالتالي إهدار حقوق خزينة الدولة.
2- ناتج عن كون الإدارة تعتبر الطرف الذي يتحمل عبئ الإثبات سواء أكانت طالبة أو مطلوبة، والملزم يدعي فقط عدم حدوث الواقعة المنشئة للضريبة أو عدم الإدارة مسطرة فرض أو تصحيح الضريبة أو يدعي قيامه بالالتزام الجبائي ليتحلل من عبء الإثبات.

المطلب الأول: الوسائل الخاصة
الفقرة الأولى: التصريح بالضريبة

التصريح أو الإقرار[20] هو مبادرة إجبارية وضرورة من قبل الملزم في العملية الضريبية تستهدف الإجبار بواقعة معينة لها أثار جبائية، وعليه فالملف بالضريبة ملزم بالبيانات والمعلومات التي يتضمنها تصريحه طبقا للفصل 148 المتعلق بالتصريح بالتأسيس والفصل 149 المتعلق بتحويل المقر الاجتماعي والفصل 150 المتعلق بتوقف المنشأة عن مزاولة نشاطها والفصول 152، 153، 154، المتعلقين بالإقرار بالحصيلة الخاضعة للضريبة من المدونة العامة للضرائب، بمعنى لا يجب أن يكون الإقرار ناقص في بياناته.
وهكذا وباعتبار الإقرار الضريبي العمل الأول والأساسي في مسلسل ربط الضريبة، فقد تبنت كل التشريعات الضريبية على خرق هذا الالتزام جزاءات جبائية وأحيانا جنائية.
وهكذا نص المشرع المغربي على مجموعة من الجزاءات المالية على عدم تقديم الإقرار الضريبي، كما خول للإدارة الحق في اللجوء إلى الفرض التلقائي للضريبة في حالة استمرارية امتناع الملزم عن تقديم التصريح.
وأضافت بعض التشريعات الأخرى إلى هذه الجزاءات إمكانية حرمان الملزم من المسطرة التواجهية، أي حرمانه من الحق في الدفاع عن حقوقه أمام الإدارة، بل وحرمته من بعض الامتيازات الجبائية.

الفقرة الثانية: الوثائق المحاسبية

تعتبر المحاسبة[21] أهم وسيلة تجسد خصوصية الإثبات في النظام الجبائي، فهي إذا كانت حقا لفائدة الملزم تمكنه من مواجهة الإدارة الضريبية بمجموعة من الأرقام والوقائع المفيدة في تحديد المادة الضريبية، ومن نقل عبء الإثبات عليها، فإنها في نفس الوقت واجب عليه، هذا الواجب الذي حرص المشرع على النص عليه وتأطيره بمجموعة من الضوابط التي تجعل من المحاسبة تترجم الصورة المالية الصادقة لوضعية الملزم، وترك المجال واسعا أمام الإدارة لمراقبة انتظام وصدق هذه المحاسبة تحت مراقبة مباشرة للجن الضريبية وللقضائي فيما بعد.
ولقد حرص المشرع على النص صراحة على مبدأ مسك محاسبة في أكثر من نص قانوني، وذلك تأكيدا منه على أهمية هذا الالتزام.
- المادة 145 من المدونة العامة للضرائب.
- المادة 19 من مدونة التجارة.
- المادة الأولى من القانون رقم 88-99 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها. 
وتعتبر الوثائق المحاسبة أيضا من وسائل الإثبات الخاصة في المادة الجبائية إذا كانت ممسوكة بانتظام أي وفق قانون المحاسبة.
وما يلاحظ في هذا الإطار أن الاجتهاد القضائي المغربي جعل عبء إثبات الإخلال بقواعد المحاسبة على عاتق الملزم وتارة أخرى على عاتق الإدارة، ففي حكم صادر عن المحكمة الإدارة بالدار البيضاء حيث جعلت عبء الإثبات على الملزم حيث جاء في بعض حيثياته ما يلي: "... حيث خضعت الشركة المدعية لمراقبة محاسبتها من طرف المفتش فيما يخص الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة برسم موسم 91/90 وحيث أعطى المشرع للإدارة بمقتضى المادة 35 من قانون الشركات والمادة 38 من قانون الضريبة على القيمة المضافة، الحق في استعمال سلطتها التقديرية في تحديد أساس الضريبة إذا أثبتت اختلالات محاسبة خطيرة من شأنها أن تشكك في قيمة الإثباتات التي تكتسبها المحاسبة.
وحيث أن المفتش وقف على تلك الإخلالات المسطرية بمقرر اللجنة الوطنية ومنها: إخفاء بعض المشتريات والبيوع، عدم إدراج عمليات في المحاسبة بالرغم من إنجاز الشركة لها، وحيث أن المدعية لم تثبت خلاف ذلك سواء أثناء الطعن الإداري أو القضائي مما يتعين معه التصريح برفض الطلب".

المطلب الثاني: الوسائل العامة

وهي الوسائل التي نص عليها الفصل 404 من ق.ل.ع كالكتابة والإقرار والقرائن باستثناء شهادة الشهود واليمين التي لا يمكن اعتبارهما وسيلتين للإثبات في المادة الجبائية. 

الفقرة الأولى: الحجة الكتابية

ونقصد بها الإثبات بالمحاضر والشواهد الإدارية[22].
فالمحاضر المحررة بمناسبة المخالفات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب تعتبر وسيلة إثبات متى استجمعت الشروط القانونية وهي أن تكون مكتوبة، محررة من طرف مفتش على الأقل، متضمنة للواقعة محل المعاينة وأن يكون مؤرخا من طرف المحرر.
وأما الشواهد الإدارية فهي وسيلة يتم اللجوء من طرف الملزم في حالة إثبات مجموعة من الوقائع الأساسية في تحديد الضريبة (التوقف عن مزاولة النشاط، إغلاق المحل...).

الفقرة الثانية: الإقرار

الإقرار له مكانته ضمن وسائل الإثبات في المادة الجبائية، وإن كانت نسبة استعماله أقل مقارنة مع الوسائل الأخرى.
وحسب القواعد العامة، يأتي الإقرار بناء على وجود منازعة موضوعية بين طرفين، وبما أن المنازعة الجبائية تتقاسمها مرحلتين: مرحلة تمهيدية أو خارج المسطرة القضائية، ثم المرحلة القضائية، فخلال كلتا المرحلتين قد يقدم إقرار من قبل أحد الطرفين: الإدارة أو الملزم، بحث الطرف الآخر، هذا الطرف الذي يصبح بالنتيجة معفيا من تحمل عبئ إثبات ما يدعيه.
ومن المؤكد أن الإقرار يعتبر أحد وسائل الإثبات الأصلية في القواعد العامة، لكنه يستأثر في المادة الجبائية ببعض الخصوصيات التي تجعل منه على الدوام حجة كاملة في الإثبات على الرغم من تطبيقاته المختلفة في المادة الجبائية[23].

الفقرة الثالثة: القرائن

القرائن بصفة عامة، على نوعين، قرائن قانونية مرتبطة بنص قانوني قائم وتقوم على فكرة الاحتمال والترجيح، بحيث أن المشرع هو من يقوم باستنباط واقعة، معروفة عن واقعة غير معروفة.
وإلى جانب القرائن القانونية، هناك القرائن القضائية التي يستنبطها القاضي مما يعرض عليه من وقائع والتي تصلح بدورها وسائل للإثبات.
ولذلك فالقرائن تعد من أهم وسائل الإثبات في المادة الجبائية من خارج النظام الجبائي، ولذلك تتعدد مجالات استعمالها[24].
فالقرائن كوسيلة للإثبات تستعمل في جميع المراحل التي تمر منها العملية الضريبية، بدءا من الواقعة المنشئة للضريبة، إلى تقدير وعائها، إلى مراقبتها والمنازعة فيها.
وكثيرا ما تلجأ الإدارة إلى تحديد وعاء الضريبة أو تصحيح إقرار الملزم بالاعتماد على مقارنته مع ملزمين مشابهين، أو مع سنوات سابقة للسنة موضوع التضريب، وهو ما يشكل واقعة معلومة تحاول الإدارة من خلالها أن تصل إلى واقعة غير معلومة تتمثل في الأساس الحقيقي الذي يجب على أساسه احتساب الضريبة الواجبة في حق الملزم.
ولكن اللجوء إلى هذا النوع من القرائن لا يكون مقبولا إلا في حالة عدم وجود وسائل أخرى للتقدير تكون لها حجية أقوى في الإثبات.

خاتمة

دور القاضي قي توجيه الدعوى و توزيع عبء الإثبات بين طرفي النزاع ليس دورا سلبيا، بل دور ايجابي و فعال بحسب تبريرات الطرفين ( الإدارة و الخاضع للضريبة) ، فمن ادعى  شيئا يخالف الوضع الجبائي الثابت أصلا أو عرضا أو ظاهرا يكون هو المدعي الذي عليه الإثبات، لا فرق بين الملزم و الإدارة الجبائية فهما سواء.
هكذا يتبين أن نظام الإثبات هو جزء من العملية الجبائية، سواء تعلق الأمر بقواعد توزيعه و تحيد الجهة التي تتحمل عبئه أو تتعلق بوسائله الخاصة أو العامة، و بالرغم من أن المشرع المغربي لم يخص بعد نظام الإثبات الجبائي بنصوص قانونية مستقلة تتعرض لأهم جوانبه، فإن القضاء مدعو لأن يستنبط قواعد هذا النظام من مختلف النصوص الجبائية و من طبيعة العملية الجبائية و خصوصية المعاملة بين الخاضع للضريبة و الإدارة الجبائية من اجل تحقيق العدالة الضريبية.

قائمة المراجع

- مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، أطروحة جامعة  القاضي  عياض، مراكش، السنة 2006 – 2007.
- كريم لحرش: شرح القانون الضريبي المغربي (وفقا لمستجدات قانون مالية 2014) ،سلسة اللامركزية والإدارة الترابية، العدد 23، مطبعة طوب بريس، الطبعة الثانية، 2014
-  الإثبات الضريبي، مقال منشور بالموقع الإلكتروني: http://www.barlamane.com
- الإثبات في المادة الجبائية، مقار منشور بالموقع الإلكتروني: http://contadmin.forumaroc.net/t135-topic
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]  مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، أطروحة جامعة  القاضي  عياض، مراكش، السنة 2006 – 2007، ص: 264.
[2]  الإثبات الضريبي، مقال منشور بالموقع الإلكتروني: http://www.barlamane.com/
تاريخ الإطلاع 4/1/2017 الساعة 13:23
[3]  مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، م س ص 265.
[4]  الإثبات الضريبي ، م س تاريخ الإطلاع 4/1/2017 الساعة 14:12
[5]    مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، م س ص 268.
[6]    مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، م س ص 268
[7]  قرار صادر تحت عدد 832، تاريخ 2002/10/10 ، ملف رقم 2001.1.1.847, مشار إليه عند [7]    مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، م س ص 269.
[8]    مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، م س ص 270.
[9]  الإثبات في المادة الجبائية، مقار منشور بالموقع الإلكتروني: http://contadmin.forumaroc.net/t135-topic تاريخ الإطلاع 2017/5/1 الساعة 11:43
[10]     الإثبات الضريبي ، م س تاريخ الإطلاع 5/1/2017 الساعة 12:17
[11]  الإثبات في المادة الجبائية، م س تاريخ الإطلاع 2017/5/1 الساعة 20:21.
[12]  مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، م س ص 259.
[13]  الإثبات في المادة الجبائية، م س تاريخ الإطلاع 2017/5/1 الساعة 21:33
[14]  الرجوع بخصوص هذه المسألة لنص المادة 211 من المدونة العامة للضرائب.
[15]  مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، م س ص 253.
[16]  الفقرة الثانية من المادة 211 من المونة العامة للضرائب.
[17]  مولاي عبد الرحمان أبليلا الإثبات  في المادة الجبائية  من القواعد العامة و خصوصيات المادة، م س ص 261.
[18]  الإثبات في المادة الجبائية، م س تاريخ الإطلاع 2017/6/1 الساعة 23:45
[19] . كريم لحرش: شرح القانون الضريبي المغربي (وفقا لمستجدات قانون مالية 2014) ،سلسة اللامركزية والإدارة الترابية، العدد 23، مطبعة طوب بريس، الطبعة الثانية، 2014، ص: 215 .
[20] . مولاي عبد الرحمان أبليلا: الإثبات في المادة الجبائية بالمغرب بين القواعد العامة وخصوصيات المادة، أطروحة لنيل دكتوراه في القانون، جامعة القاضي عياض، كلية الحقوق مراكش، الموسم الجامعي: 2006-2007، ص: 275 .
[21] . كريم لحرش: مرجع سابق، ص: 217 .
[22] . مولاي عبد الرحمان أبليلا: مرجع سابق، ص:344 .
[23] . مولاي عبد الرحمان أبليلا: مرجع سابق،ص: 352 .
[24] . مولاي عبد الرحمان أبليلا: مرجع سابق،ص: 327.  
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات