رسالة عقـد الائتمـان الإيجـاري بين النـص القـانوني والعمـل القضـائي
مقدمة
تستدعي المشاريع الاستثمارية تعبئة موارد هامة من أجل تحسين سير هذه المشاريع وتحقيق أكبر قدر من المكاسب والأرباح، ولتحقيق هذه الأهداف كان لزاما على أصحاب المشاريع، علاوة على إيجاد اليد العاملة الخبيرة، توفير وسائل الإنتاج (رأسمال، عقارات، آلات ومعدات). وأمام عجز التمويل الذاتي للمقاولة الأمر الذي حتم البحث عن طرق تمويلية حديثة، لا ترهق كاهل المقاولة ولا تستنزف رأسمالها، ابتدع الفكر القانوني عامة و الفكر الائتماني خاصة تقنية التمويل العيني ألا وهو الائتمان الإيجاري وهو صورة مبتكرة من صور التمويل[1]، وهو يتيح للمقاولات فرصة الحصول على الآلات و المعدات اللازمة لها دون أن تكلف بسداد قيمتها فورا، إذ يقتصر التزامها على الوفاء بالدفعات الإيجارية المتفق عليها مع احتفاظ الشركة أو المؤسسة المؤجرة بملكية الآلات والأدوات أو العقار طوال مدة الإيجار[2].
وعلى هذا الأساس بدأت المؤسسات البنكية والتمويلية تسعى نحو توسيع أنشطتها لتشمل اقتناء العقارات ليس فقط السكينة، بل حتى تلك المعتمدة لأغراض مهنية وتجارية وهو الائتمان الإيجاري العقاري ثم الوارد على المنقولات والمعدات والوارد كذلك على الأصل التجاري.
ويرجع ظهور عقد الائتمان الإيجاري بمفهومه الحديث السيد إلى Booth junior في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء فترة الحرب العالمية الثانية ما بين سنة 1950-1952 إبان الحرب الكورية، قد كان يملك وحدة لإنتاج المواد الغذائية في كاليفورنيا، وقد طلبت منه السلطات توفير كل ما يستطع من مواد غذائية للجيش الأمريكي، لكن لم يستطيع تنفيذ الالتزام، نتيجة محدودية وسائل الإنتاج مما دفعه إلى التفكير في إيجاد وسيلة تمويلية تمكنه من إيجاد معدات وآليات لتلبي الحاجيات التي يتطلبها الانتاج، لكنه عجز مما جعل الصفقة تضيع منه، مما اضطره إلى إنشاء ما يعرف ب L’os leasing بمساعدة بعض أصدقائه، واهتمت بها البنوك والمؤسسات المالية ،وأدخلتها ضمن القروض التي تقدمها لزبنائها المستثمرين[3].وبعدها قام بإنشاء « L’obouth leasing connotation » التي أصبحت سنة 1962 تحمل اسم « La greyhond conporation »، هذا العقد هو عقد أنجلوأمركي كما تدل على ذلك تسميته المشهور بها Leasing، لينتشر بعد ذلك بعبور المحيط الأطلنطي إلى القارة الأوربية. وكانت بريطانيا أولى الدول التي شهدن مزاولة هذا العقد، وبعدها فرنسا التي استطاع رأسمالها نقل هذا العقد في صورته المعروفة في هذا البلد إلى العديد من الدول النامية وأهمها دول المغرب العربي.
وقد ظهرت أول مؤسسة للائتمان الإيجاري في فرنسا سنة 1962 تحت اسمLoco France، ثم تدخل بعد ذلك المشرع الفرنسي لتقنين عمليات الائتمان الإيجاري بالقانون رقم 66-455 الصادر في 2 يوليوز 1966 ثم تممه بالأمر رقم 67-738 في 28 شتنبر 1967، ثم بعد ذلك بمرسوم 72-665 الصادر في 4 يوليوز 1972.
ولم يحتفظ له المشرع الفرنسي بنفس المفهوم الذي استقرت عليه الممارسة الأنجلوأمريكية حيث غدا وسيلة للتملك أيضا فضلا عن كونه تقنية لتمويل المشروعات التجارية، كما لم يحتفظ بنفس الاسم حيث سماه crédit-bail عوض ما استقرت عليه الممارسة في السابق من تسميته ب [4]location financiére .
أما في المغرب فيرجع ظهور عقد الائتمان الإيجاري إلى سنوات السبعينات، حيث ظهرت أول مؤسسة للائتمان الإيجاري سنة 1965 بمبادرة من الدولة التي أطلق عليها Maroc leasing وهي أول شركة تمارس التمويل بالمغرب، ثم بعدها أنشئت شركة مغرب باي Maghrebail ثم تلتها ظهور شركات أخرى وهي: Maghrebail - BMCI leasing -Wafabail - Sogelease- Maroc leasing – Dic leasing Leasing[5] - Crédit du Maroc Leasing chaabi، وانتشر بعد ذلك ليصبح تقنية عالمية اقتضت تنظيما دوليا بموجب الاتفاقية الدولية التي أعدها المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص المؤرخة في 28 ماي 1988 و المعروفة "باتفاقية أطاوا" والمغرب يعد في طليعة الدول التي صادقت على هذه الاتفاقية[6] وذلك قبل وضع أي مقتضيات قانونية لهذا العقد. و قد سبقت الممارسة العملية لهذا العقد التنظيم التشريعي، إذ تم الحديث عنه في مشروع مدونة التجارة لسنة 1988 في الفصلين 404 و 405 تحت اسم "التمويل الإيجاري"،علما أن أول شركة وطنية أنشأت سنة 1965 كما سلف الذكر سابقا. ثم بعد ذلك تم الإشارة إليه في قانون المالية لسنة 1992 ويعتبر ظهير 6 يوليوز 1993[7]، المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها أول تنظيم تشريعي لهذا العقد حيث تولى تعريفه وتحديد نطاقه والذي خصص الفصلين 3 و 8 منه لنشاط مؤسسات الائتمان، كما تولى المشرع تنظيمه بمقتضى القسم الخامس من الكتاب الرابع من مدونة التجارة[8] في الفصول من 431 إلى 442. كما أضاف بمقتضى القانون البنكي الذي لسنة 2006 رقم 03-34[9] الذي أضاف إلى الائتمان الإيجاري الوارد على الأصل التجاري الذي نسخ بالقانون رقم 103.12[10] المتعلق بمؤسسة الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، وإن كان المشرع عند تنظيمه لهذا العقد اكتفى بتنظيم الأحكام الشكلية متجاهلا بذلك القواعد الموضوعية التي تركها لإرادة الطرفين.
كما أن العقد يعتبر من العقود التجارية والتي لا تختلف عن العقود المدنية فيما يتعلق بالأحكام الخاصة بانعقادها ونفاذها وانقضائها، وتخضع للأحكام المقررة للعقد في قانون الالتزامات والعقود وهو ما نصت عليه صراحة المادة 2 من م ت حينما حددت مصادر القانون التجاري في تشريعات وأعراف وعادات التجارة وقواعد القانون المدني ما لم تتعارض قواعده مع المبادئ الأساسية للقانون التجاري، مع بعض الخصوصيات التي تتميز بها العقود التجارية من حرية الإثبات والتقادم وما يتعلق بالوفاء، وكذلك ما يتصل بإبرام وتنفيذ العقود التجارية[11].
وعقد الائتمان الإيجاري باعتباره عقدا تجاريا يتميز بمجموعة الخصائص التي تميزه عن باقي العقود الواردة في قانون الالتزامات والعقود ومنها أطراف عقد الائتمان الإيجاري حيث يتدخل في هذه العملية التمويلية ثلاثة أطراف:
Ø المورد: يبرم مع شركة الائتمان الإيجاري عقد بيع أولي على إثر المعاملة التي تمت بينه وبين الزبون.
Ø مؤسسة الائتمان الإيجاري: التي تعبر مشترية في العلاقة التي تجمعها بالمورد ومؤجرة بالنسبة للمكتري، مع تعهدها من جانب واحد ببيع الشيء الذي مولت شراؤه للمكتري عند نهاية العقد.
Ø المستعمل: يتعلق الأمر بالزبون الذي أعطاه المشرع اسم المكتري، مع استفادته بوعد البيع من جانب واحد.
ويتم تضمين عقد الائتمان الإيجاري مجموعة من الشروط والوثائق التي سنحاول ذكرها بشكل وجيز وهي تنقسم إلى شروط عامة و خاصة:
وفيما يخص الشروط العامة: فيتعلق الأمر بنماذج شروط معدة مسبقا، حيث يتم إرفاقها بالشروط الخاصة وتعتبر جزءا لا يتجزأ من عقد الائتمان الإيجاري.
وأما الشروط الخاصة: فهي تتضمن معلومات تتعلق بهوية المستعمل (كمقره الاجتماعي، ورقم تسجيله بالسجل التجاري) ونوعية وثمن ومحل العقد. وكذا كل ما يتعلق بالأقساط وهذه الشروط هي :
- الأمر بالأداء: عبارة عن وثيقة تخول لمؤسسة الائتمان الإيجاري بأن تقتطع الأقساط من الحساب البنكي للمستعمل أو المكتري، لذلك يجب توقيعها من طرف هذا الأخير وإيداعها لدى مؤسسة بنكية.
- سند الطلب: يتعلق الأمر بالوثيقة التي تؤكد بواسطتها مؤسسة الائتمان الإيجاري الطلب لدى المورد، لذلك يجب المصادقة عليها من لدن المكتري قبل أن ترفع المؤسسة المذكورة لهذا الأخير بأن يتقدم إلى مؤسسة الائتمان الإيجاري لكي تدفع له الثمن.
- محضر الاستلام: بمجرد تسلم المال موضوع عملية الائتمان الإيجاري، يوقع المكتري محضر التسلم حيث يسلمه إلى المورد، وتسمح الوثيقة المذكورة لهذا الأخير بأن يتقدم إلى مؤسسة الائتمان الإيجاري لكي تدفع له كل الثمن.
- الضمانات: بصفة عامة، يراد بها الضمانات التي يقدمها المستعمل أو المكتري للمؤسسة مانحة الائتمان.
- بوليصة التأمين: يكتتب المستعمل أو المكتري في بوليصة تأمين شاملة لكل الأخطار لدى شركة تأمين معتمدة[12].
أهمية الموضوع
وترجع أهمية الموضوع إلى أنه يكتسي بعدا وطنيا و دوليا،وبعده الدولي يتجلى في كون المغرب من بين الدول التي صادقت على الاتفاقية الدولية التي أعدها المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص(أطاوا)، المؤرخة في 28 ماي 1988، أما بعده الوطني فيتجلى في سن المشرع ترسانة قانونية مهمة، ابتدأت بإصدار ظهير 6 يوليوز 1993 المعتبر بمثابة قانون يتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان ومراقبتها ومدونة التجارة رقم 95-15 بتاريخ 1996، وقانون إحداث المحاكم التجارية سنة 1997 بقانون 5-95، ثم إصدار قانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها. حيث إن أهمية هذا الموضوع ترجع إلى تداخل مجموعة من القوانين التي تنضمه وكذا إلى النقص التشريعي الذي يكتنف تنظيم هذا العقد خاصة أننا في علاقة تعاقدية، ينعدم فيها التوازن العقدي بالنظر إلى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها شركة الائتمان الإيجاري،مما جعلنا نبحث عن مظاهر التوازن في هذا العقد، حماية لمصالح شركة الائتمان الإيجاري باعتبارها تمثل جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني والمكتري باعتباره يشكل فئة عريضة من المستفيدين في المغرب التي تستوجب التدخل التشريعي والقضائي لحمايتها.
دواعي اختيار الموضوع
يرجع أسباب اختياري لهذا الموضوع للمكانة التي يحظى بها عقد الائتمان الإيجاري باعتباره أهم وسائل التمويل الحديثة من جهة،ومن جهة أخرى كونه من العقود التجارية التي نظمها المشرع المغربي في الكتاب الرابع المتعلق بالعقود التجارية، واهتمامنا الكبير بالمجال التجاري جعلنا نبحث في هذه التقنية التمويلية.
المنهج المعتمد
سنعتمد في هذه الرسالة منهج نقدي تحليلي مقارن على ضوء الاجتهاد القضائي المغربي في عقد الائتمان الإيجاري.
وسنتناول في هذه الدراسة عقد الائتمان الإيجاري الوارد على العقار والمنقول فقط دون المنصب على الأصل التجاري وذلك مع دراسة مقارنة في إطار التشريع الفرنسي والمصري، مع تدعيمها بالعمل القضائي المغربي.
وعلى ضوء ما سبق يمكننا طرح الإشكالية الجوهرية التالية:
إلى أي حد استطاع المشرع و الفقه والقضاء التجاري تحقيق المبدأ الرامي إلى تكريس التوازن العقدي بين أطراف عقد الائتمان الإيجاري؟
من خلال هذه الإشكالية ارتأينا تقسيم الموضوع إلى فصلين:
الفصل الأول: الإطار القانوني لعقد الائتمان الإيجاري
الفصل الثاني: دور القضاء في عقد الائتمان الإيجاري
>>>رابط التحميل<<<
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا برأيك