القائمة الرئيسية

الصفحات

مسؤولية البنك في مراقبة التوقيعات الواردة على الشيك

مسؤولية البنك في مراقبة التوقيعات الواردة على الشيك

مسؤولية البنك في مراقبة التوقيعات الواردة على الشيك
مسؤولية البنك في مراقبة التوقيعات الواردة على الشيك



مقدمة:

تعد المؤسسة البنكية حسب مدونة التجارة كل هيئة يخول لها القانون صلاحية مسك حسابات يمكن أن تسحب عليها شيكات.
وتقوم الأبناك بمجموعة من العمليات في إطار علاقتها بزبنائها و بالأشخاص الراغبين في الاستفادة من خدماتها، وتبقى أكثر هذه العمليات شيوعا تلك المتعلقة بفتح الحساب  البنكي و كل العمليات المرتبطة بها .
 والمؤسسة البنكية عند قيامها بالأعمال المنوطة بها قد تقع في بعض الأخطاء التي تسبب ضررا للزبناء أو للغير و هذا ما يجعلها مسؤولة مسؤولية قانونية عن أفعالها الضارة، ذلك أن المسؤولية في كل نظام ليبيرالي هي المقابل الضروري للحرية المهنية من أجل تحسين مستوى أداء الخدمات.
و من المؤكد أن بعض القواعد العامة للمسؤولية المدنية تنطبق على الأبناك، والتي تفرض على المهني بذل عناية الرجل المتبصر لكنها مصبوغة بالخطوط العامة للمهنة البنكية. و رغم قيام المسؤولية على عنصري الخطأ و الضرر، هناك من يقيم مسؤولية البنك على أساس الضرر اللاحق بالعميل و ألزم البنك بالتعويض حتى ولو لم يثبت العميل خطأ البنك.
إن المجال الواسع للمنازعات البنكية تنجم عن حالات عدم مراقبة التوقيع الوارد في الأوراق التجارية و خاصة الشيك، وهذا ما أكدته المادة 239 من مدونة التجارة و التي نصت على مجموعة من البيانات الواجب توافرها في الشيك ومن بينها اسم وتوقيع الساحب.

و قد أكد العديد من الخبراء المصرفيين أن مطابقة توقيع العميل سلاح البنوك لمواجهة الشيكات المزورة، لذلك من بين الاليات و الاجراءات التي ينبغي على البنك القيام بها إذا ما قدم لها شيك هي التأكد من هوية مقدمه، بالإضافة إلى مطابقة الارقام المكتوبة مع صياغتها بالأحرف، وكذا التأكد من صحة التوقيع على الشيك من خلال إجراء فحص عادي سطحي بين التوقيع الوارد على الشيك و التوقيع الذي يحمله النموذج المودع لديها[1]، وفي حالة وجد للبنك شك في أن العميل قد أصدر شيكا يحمل مبالغ مالية جد كبيرة فإنها تتصل بالعميل صاحب ذلك الشيك للتأكد من أنه أصدر شيك يحمل تلك المبالغ أم لا، و إذا أجاب بالنفي فإن البنك يرفض الوفاء بالشيك .
 من خلال كل ما سبق يمكن أن نتساءل عن مدى تحمل البنك للمسؤولية عند عدم قيامه بمراقبة التوقيعات؟ و ما هي الحالات التي تنهض فيها مسؤولية البنك هنا؟

المحور الأول: مسؤولية البنك في مراقبة التزوير البسيط و التزوير الدقيق


تسجيل أية عملية في الجانب المدين من الحساب البنكي عن طريق وفاء ورقة تجارية لا يعتبر صحيحا من الناحية القانونية الا إذا كانت تلك الورقة تحمل توقيعا مطابقا لنموذج التوقيع المودع لدى البنك من قبل صاحب الحساب البنكي للمعني بالأمر او وكيله تحت طائلة تحميله المسؤولية عن صرف تلك الورقة، دون التأكد من صحة التواقيع الواردة عليها، وحيث ان التواقيع الواردة على الشيكات اما ان تكون تواقيع مزورة يمكن رؤيتها بالعين المجردة بمجرد القيام بعملية المطابقة، وإما تواقيع مزورة على درجة من الإتقان لا يمكن اكتشافها بالعين المجردة.
لذلك يثور تساؤل حول مدى مسؤولية البنك في القيام بمراقبة التواقيع في كلا الحالتين؟ وهل ما اذا كانت مسؤوليتها تخلوا لمجرد القيام بعملية المطابقة ؟.

أولا : التزوير الذي يرى بالعين المجردة

من  المستقر عليه فقها و قضاءا على ان التزوير الذي يمكن رؤيته بالعين المجردة لا يمكن ان تتنصل من مسؤوليته البنك لأنها ملزمة بمطابقة التوقيع الموجود على الشيك مع التوقيع النموذجي المودع لديها، وهذا ما جاء في قرار محكمة الاستئناف بفاس رقم1503  الصادر بتاريخ2005 /1/ 13: " يجب عليه وبالضرورة ان يتأكد من هوية الأطراف و من صحة البيانات التي تتضمنها الورقة التجارية ومن سلامتها  وذلك بالفحص العادي والمتأني للتـأكد من خلوها من كل ما يبعث على الشك والريبة خصوصا فيما يتعلق بالمطابقة الظاهرة للتوقيع الذي تحمله لنموذج توقيع زبونه المودع لديه."
لذلك فان وجود فروق واضحة وجلية بين التوقيع الوارد على الشيك و التوقيع الحقيقي للزبون المودع لدى البنك، إنما يدل بشكل جلي على التقصير الكبير من طرف موظف البنك على إجراء المقارنة اللازمة بالعين المجردة، وبالتالي تنعقد مسؤولية البنك و تعزى هذه المسؤولية الى التقصير و الإهمال في القيام بعملية المطابقة، و تستلزم تعويض الضرر الحاصل للزبون.
وهذا ما ذهبت اليه محكمة الاستئناف التجارية بفاس الصادر بتاريخ 29/6/2010 : " موظف البنك الذي وضع تأشيرته بالموافقة على استخلاص شيك رغم انتهاء صلاحية البطاقة الوطنية الخاصة بالمستفيد ودون التأكد من صحة التوقيع الوارد على الشيك ولو عن طريق المقارنة بينه وبين التوقيع المودع لديه يجعل المؤسسة البنكية مسؤولة عن ضياع حقوق زبنائها وكذا الضرر اللاحق بهم وتتحمل تعويضهم عنه."
وتجدر الاشارة الى انه اذا كان هناك اجماع على مسؤولية البنك في الوفاء بشيك مزور يمكن اكتشافه بالعين المجردة، فإن هناك اختلاف حول الشيك المزور الذي لا يمكن اكتشافه الا من ذوي الاختصاص، فكيف ذلك؟

ثانيا : التزوير الدقيق الذي لا يمكن  رؤيته بالعين المجردة [2] :

في هذا النوع من التزويرهناك رأيين مختلفين :
1.                    الرأي الأول : يرى ان البنك لا يتحمل المسؤولية اذا قام بالمطابقة الظاهرة بين التوقيع المضمن في الشيك و التوقيع النموذجي المودع لديها وانه على عكس من ذلك يتحمل البنك المسؤولية اذا تبين فيما بعد انه لم يقم بهاته المطابقة، وعلى ان مستخدم البنك يعذر عن الاخطاء التي لا يمكن ان ترى بالعين المجردة.
2.                    الرأي الثاني : يرى ان البنك يتحمل المسؤولية رغم قيامه بعملية المطابقة بين التوقيعين حيث ينحى الى اقرار المسؤولية مهما بلغت درجة اتقان و تزوير الشيك، وقد استند هذا الاتجاه للتأسيس لمسؤولية البنك على عدة مبررات من بينها :
·                       بوصف البنك مودعا لديه يكون التزامه برد الوديعة النقدية التزاما بنتيجة وليس التزاما بوسيلة، وهذا ما جاء في قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس رقم 96  الصادر بتاريخ 22/2/2000   "ان البنك باعتباره مودعا لديه فانه يلتزم برد الوديعة التزاما محددا لا يبرأ منه،  ولو لم يثبت عليه خطأ بل لا تبرا ذمته إلا اذا ثبت ان الضرر الحاصل للعميل يرجع الى  فعل هذا الأخير."
·                       يتحمل البنك المسؤولية على اساس الضرر[3]  الذي وقع على الزبون حيث انه بانعدام اسناد الخطأ الى الزبون او البنك فإنه يجب ان يتحمل احدهما مسؤولية الضرر الناتج . وحسب رأي هذا الفقه فان باعتبار البنك شخصا مهنيا يمارس نشاطا يتسبب في ضرر للغير فمن العدل ان يتحمل المتسبب تعويض المضرور طالما ان الضرر نشأ عن النشاط المدعى به، ولذلك تم تأسيس مسؤولية البنك على اساس فكرة المخاطر و تحمل التبعة، وذلك على وجه الخصوص في حالة الوفاء بشيك مزور.
وبالتالي تم الاخذ بالمسؤولية الموضوعية للبنك التي تحمل البنك المسؤولية على اساس فكرة تحمل المخاطر او بمعنى اخر تحمل البنوك تبعية ما يصيب العملاء من اضرار نتيجة ما تقوم به من خدمات مصرفية، حتى ولو لم يكن البنك مخطئا ، ودون حاجة لإثبات خطئه باعتبار ان التبعية من مخاطر المهنة التي تمارسها البنوك، ولا تعفى من هذه التبعية إلا اذا استطاع البنك ان يثبت وقوع خطأ من جانب الدائن او اهماله الذي تسبب في احداث الضرر، فيتحمل العميل في هاته الحالة تبعة خطئه او اهماله. 
.                       ترجع مسؤولية البنك الى انتفاء الشيك لأحد البيانات الالزامية [4])   وهو التوقيع الصحيح للساحب ) اذ لا تبرأ ذمة البنك المسحوب عليه تجاه عميله اذا وفى البنك قيمة شيك مذيل بالأصل بتوقيع مزور لان الورقة التي وفى بقيمتها فقدت صفتها كشيك لتخلف شرط جوهري لوجودها، وهو التوقيع الصحيح للساحب، والوفاء بالتالي غير قائم وتكون تبعة الوفاء على عاتق البنك ايا كانت درجة اتقان التزوير، وذلك كله بشرط عدم وقوع خطأ من جانب العميل الوارد اسمه في الشيك وإلا تحمل هو تبعة خطئه .
وفي هذا الصدد حكمت المحكمة التجارية بأكادير على البنك بأدائه مبلغ 100 الف درهم قيمة الشيك المزور المسحوب على البنك بعدما ثبت ان البنك وكالة تيزنيت قامت بأداء شيك ثبت زورية توقيعه وانها مخطئة فى تصرفها و ان اداء شيك ليس مبرئا لذمتها، رغم ان ما جاء في حيثيات هذا الحكم ان التزوير كان على درجة كبيرة من الاتقان لا يمكن اكتشافه إلا من ذوي الاختصاص.
وبالتالي فان البنك يظل مسؤولا دائما امام الساحب عن صرف اي شيك مزور سواء أكان التزوير متقن ام غير متقن، يرى بالعين المجردة ام لا.

المحور الثاني : مدى مسؤولية البنك في مراقبة توقيعات الواردة على شيك في بعض الحالات الخاصة


قد تطرقنا في المحور السابق إلى مراقبة التوقيع الوارد على الشيك في حالة الحساب أو الحسابات التابعة لزبون أو عميل واحد، لكن قد يطرح اشكال حول الحساب الجماعي أو المشترك.
فهل على البنك مسؤولية إذا ما راقب توقيعا دون الآخر و قام بصرف الشيك ؟
كما يثار تساؤل حول ما إذا كان البنك ملزم بمراقبة التوكيل أو التصريح الممنوح لأحد الأشخاص لإصدار الشيكات و التوقيع عليها باسم الشركة؟

أولا: مسؤولية البنك في مراقبة التوقيع الوارد في الشيك المتعلق بالحساب الجماعي

مما يستفاد من أحكام المادة 490 من مدونة التجارة أن المشرع المغربي يتحدث فقط عن الحساب البنكي الجماعي دون التطرق إلى الحساب الشائع أو الحساب المشترك أو حساب الشركة فالحساب البنكي قد يكون شائعا بين أصحابه من الوهلة الأولى لفتحه كما هو الشأن مثلا بالنسبة لحساب المفتوح في شركة فعلية لا تتوفر على الشخصية المعنوية ، حيث يظل هؤلاء الشركاء مالكين لهذا الحساب على الشيوع إلى أن يقفل أو يتحول إلى حساب باسم الشركة المعنية بالأمر.
وما يلاحظ على أن المادة 490 من م ت تتحدث فقط عن حالة فتح الحساب البنكي لأشخاص متعددين وليس عن الحالة التي ينتقل فيها هذا الحساب من حساب فردي إلى حساب شائع أو مشترك أو إلى حساب تركة " فإن عبارة الحساب الجماعي الواردة في المادة 490 من م ت تستغرق من حيث المعنى القانوني كل ما يمكن ان تدل عليه عبارة الحساب الشائع وكذا الحساب المشترك.
و في هذا الاطار قد يكون الحساب الجماعي اما  مع التضامن او بدونه،و ما يهمنا في هذا المقام هو الاشارة الى انه في حالة الحساب الجماعي مع  التضامن و خاصة التضامن الايجابي فإنه يمكن لأي واحد من الأشخاص المفتوح لهم حساب بنكي جماعي- بتضامن إيجابي- أن يقوم بإنجاز عمليات في هذا الحساب من دون الحاجة إلى توكيل خاص لهذا الغرض من طرف شركائه ومن هنا فإن مؤدى التضامن الإيجابي في الحساب البنكي هو أن يتم الاتفاق بين البنك وبين الشركاء في هذا الحساب على قيام تضامن إيجابي فيما بين هؤلاء الآخرين يجوز بمقتضاه لكل واحد منهم تشغيل الحساب وإجراء مختلف العمليات فيه كما لو كان مفتوحا باسمه لوحده.[5]
وعليه يمكن لكل شريك ان يوقع على شيكات تستحق من الرصيد المشترك بدون قيد، ومراقبة التوقيعات الواردة على الشيك في هذه الحالة تخضع لنفس قواعد المراقبة المقررة بالنسبة للحساب المفتوح باسم شخص واحد.
الا اننا نجد بان الحساب الجماعي يثير الكثير من الإشكاليات التي لا تنحصر فقط في التشريع المغربي بل كانت من قبل في التشريع المقارن ومازالت تطرح يوما بعد يوم بفعل تعقد الحياة المالية، فالحساب البنكي المفتوح باسم أشخاص متعددين يطرح الكثير من الإشكاليات على المستوى العملي بفعل تعدد أصحابه، وتضارب مصالحهم و رغبة بعضهم في الاستحواذ على حقوق البعض الاخر[6]
فعلى عكس الحساب الجماعي مع التضامن فالحساب الجماعي بدون تضامن هو ذلك الحساب الذي لا يمكن تشغيله من طرف واحد بل يلزم تشغيله أن يضع كل الأطراف توقيعاتهم على الوثائق المتعلقة بكل عملية من العمليات البنكية التي تدرج به لكي تعتبر صحيحة من الناحية القانونية، وقد جرت العادة أن يطلب البنك من الشركاء في حالة هذا الحساب توكيل من ينوب عليهم في إنجاز العمليات البنكية وهذا ما يلزم البنك بالتحقق من صحة الوكالة ومتابعتها لما قد تتعرض له من أسباب الانقضاء ولهذا فغالبا ما يشترط البنك تفادي هذه المراقبة على أن هذه الوكالة لا تنقضي إلا بإخطاره.
و عليه ان تشغيل الحساب البنكي الجماعي المفتوح لدى البنك بدون تضامن بين أصحابه يقتضي أن يضع الأشخاص المعنيين بالأمر توقيعاتهم على الوثائق المتعلقة بمختلف العمليات التي يتم إجراؤها في الحساب لكي تعتبر هذه الأخيرة صحيحة من الناحية القانونية وكثيرا ما تعرض أمام المحاكم قضايا تتعلق بتزوير التوقيع للشريك في الحساب الجماعي وبالتالي ما هو أثر ذلك على الأداء من لدن البنك للزبون الآخر ومسؤولية البنك في هذا المضمار ؟
 ويحصل ذلك إذا لجأ أحد طرفي العلاقة في الحساب إلى جانب وضع توقيعه إلى تزوير توقيع شريكه وهم البنك مثلا فإن الشيك موضوع الحساب يحمل توقيع كلا طرفيه مع أن إرادة الطرف الآخر لم تنصرف قط إلى التوقيع ويقوم البنك بالأداء فعلا لحامل الشيك .
ويجب التأكيد أولا أن خلو الشيك من توقيع الساحب يترتب عليه بطلان هذا الشيك تطبيقا لأحكام المادة 240 من مدونة التجارة ، وذلك مع مراعاة أن الشيك يعتبر في  هذه الحالة سندا عاديا لإثبات الدين إذ ما توافرت بطبيعة الحال شروط هذا السند.
وخلافا لغياب توقيع الساحب الذي يؤدي إلى بطلان السند كشيك فإن البعض يرى أن تزوير هذا التوقيع لا يؤدي حتما الى مثل هذا البطلان.
فكل ما هنالك أن التزام الساحب الذي تم تزوير توقيعه هو وحده الذي يكون غير صحيح ، أما التزامات باقي الموقعين الآخرين على الشيك تظل صحيحة وذلك عملا بالقاعدة المشهورة المتعارف عليها في مجال الأوراق التجارية بصفة عامة والتي مؤداها استقلال التوقيعات التي تحملها الورقة التجارية عن بعضها البعض ،وهكذا فإذا كان الشيك يشكل إلى جانب التوقيع المزور على الساحب عدة توقيعات أخرى كما في حالة تداول الشيك بواسطة تظهيرات متتالية أو في حالة إصداره من طرف أصحاب الحساب الجماعي بدون تضامن فإن ثبوت تزوير توقيع الساحب أو توقيع أحد المشتركين في الحساب الجماعي لا يترتب عليه سوى بطلان التزام من تم تزوير توقيعه وذلك على عكس التزامات الموقعين الآخرين التي تبقى صحيحة تطبيقا لقاعدة استقلال التوقيعات المشار إليها فيما سلف.
وقد كرس المشرع المغربي بنص تشريعي صريح العمل بالقاعدة السالف ذكرها في هذا الإطار تنص المادة 248 من مدونة التجارة على أنه " إذا كان الشيك يحمل توقيعات أشخاص وهميين أو توقيعات ليس من شأنها لأي سبب آخر أن تلزم الأشخاص الموقعين له أو الأشخاص الذين وقع الشيك باسمهم فإن التزامات الموقعين الأخرين تضل معا ذلك صحيحة ."[7]
و بالرجوع الى موضوع مسؤولية البنك على مطابقة التوقيعات الواردة على الشيكات ،نجد ان البنك يلتزم اتجاه زبناءه بالعديد من الالتزامات، و التي من بينها "واجب المحافظة على وديعة الزبون،  وكذا واجب التقيد بتعليمات الزبون ".
ذلك أن أول واجب يقع على عاتق المؤسسة البنكية بهذا الخصوص- كما سبقت الاشارة-  يتمثل في ضرورة قيامها بالتأكد من توفر الورقة المقدمة إليها على شروط الشيك المنصوص عليها في المادة 239 من مدونة التجارة وعلى الخصوص اسم وتوقيع الساحب ووجود الأمر الناجز بأداء المبلغ واسم المسحوب عليه وتاريخ ومكان إصدار الشيك حتى تتمكن من التصرف في المؤونة التي يوفرها الزبون بحسابه البنكي لصالح الغير على الخصوص ، إذ أن كل إخلال بهذا النوع من الالتزام يرتب لا محالة على عاتق المؤسسة البنكية المسؤولية المدنية في مواجهة زبونها.[8]
وفي هذا الصدد فقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بمراكش أنه: " وحيث إنه بما ان علاقة البنك بالزبون هي علاقة مودع بمودع عنده فإن البنك ملزم بالحفاظ على وديعة الزبون وتنفيذ أوامره بشأنها وفي النازلة فإن الحساب الذي فتحه المستأنف عليه وشريكه لدى المستأنف ثم التنصيص فيه على ضرورة وجود التوقيع المزدوج ولتشغيله يتعين أن يضع الشريكين معا توقيعهما على الوثائق المتعلقة بإجراء أي عملية في الحساب ومن تم فإنه من واجب مستخدمي البنك المستأنف عند أي سحب من الحساب التأكد أولا من وجود التوقيع المزدوج وثانيا مضاهاة ومطابقة هذا التوقيع بالتوقيع النموذجي المحفوظ لديهم وعليهم أن يبدلوا في ذلك عناية خاصة ليست العناية التي يبدلها الخبير في تحقيق الخطوط ولكن ما ينتظر من أي بنكي من خلال الإمكانيات المتاحة له وخاصة الرجوع في كل عملية الى التوقيع النموذجي..."[9]
 فمادام أنه تم الاتفاق عند فتح الحساب الجماعي على عدم وجود تضامن بين الشركاء في ذلك الحساب،و تم التنصيص على ضرورة وجود التوقيع المزدوج فإن من واجب مستخدمي البنك عند السحب التأكد من وجود التوقيع المزدوج ومطابقة التوقيع،فاذا كانت التوقيعات المضمنة بالأوراق التجارية تختلف عن التوقيعات النموذجية و خاصة اذا  أكدت ذلك الخبرة الخطية فإن خطأ البنك طبقا للفصل 85 من ق ل ع ثابت.
وتطبيقا لهذا المبدأ فقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية فاس أنه : "و حيث انه بالرجوع إلى المادة 239 من م.ت فان من البيانات التي يجب أن يتضمنها  الشيك أن يكون متضمنا لتوقيع الساحب و لا يصبح شيكا  اذا كان ينقصه التوقيع طبقا للمادة 240 من نفس المدونة.
و ما دام الشيك موضوع النزاع موقع من طرف شخص واحد في حين انه بالرجوع إلى النظام الداخلي للطاعنة و المودع لدى البنك المطعون ضده و كذا نماذج  توقيعات الاشخاص الموكول لهم بالتوقيع عن المستانفة بخصوص المصاريف بواسطة الشيكات و جميع عمليات السحب و الصرف من طرف ثلاث اشخاص و هم  الرئيس و الامين و الكاتب و ذلك طبقا للفصلين 13 و 14 من النظام الداخلي ،في حين أن الشيك المدلى بصورة منه و الذي تم اداؤه من طرف البنك لفائدة شركة...موقع من طرف شخص واحد يكون خاليا من التوقيع الثلاثي المنصوص عليه بالنظام الداخلي .مما يكون معه البنك اما صرف قيمة الشيك دون تأكده من عدم التوقيع الثلاثي على الشيك  قد ارتكب خطا و بالتالي احداث ضرر للطاعنة و أن العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر قائمة ،و تكون مسؤوليته تبعا لذلك متوفرة الامر  الذي يستوجب عليه ارجاع قيمة الشيك إلى حسابها".[10]

ثانيا : مراقبة البنك للوكالة و للتوقيع الصادر عن الوكيل

ان المؤسسة البنكية ملزمة قبل فتح اي حساب بالتحقق فيما يخص الاشخاص المعنويين من شكل وتسمية و عنوان المقر و هوية و سلطات الشخص او الاشخاص الطبيعيين المخولين لانجاز عمليات في الحساب، ومن ثم لا يحق للمؤسسة البنكية ان تتعامل او تواجه او تسائل أي شريك اخر غير مخول له انجاز العمليات في حساب الشركة أو غير موكول اليه التوقيع على الأوراق التجارية بموجب النظام الأساسي لهذه الشركة.
وبالتالي فإن هذه المؤسسة ملزمة بالقيام بمجموعة من الإجراءات من ضمنها الرجوع الى النظام الاساسي والتحقق من سلطات الشخص فيما اذا كان مأذون له  التوقيع على  حساب الشركة لفائدتها أم لا، وكذا بذل العناية اللازمة قصد مطابقة المعلومات المتوفرة لديه كمؤسسة ائتمان مع ما هو مضمن بالشيك .
وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس رقم 567 الصادر بتاريخ 10/05/2007 "لكن حيث من الثابت من مجموع أوراق الملف أن الحساب البنكي مفتوح لدى الوكالة البنكية في اسم الشركة دون ذكر اسم المستأنف عليها وان النظام الاساسي للشركة الذي يفترض ان يكون مودعا لدى البنك قد حدد ضمن بنده الثامن الشريك عبد الفتاح ديبون كمسير وحيد لها ومؤهل وحده للإشراف على حسابها البنكي و للتوقيع على كافة التزاماتها المالية .......وان المستأنف لما سلم للمستفيد من الشيك الراجع بدون اداء شهادة بنكية حاملة لهوية المستأنف عليها دون بدل العناية اللازمة قصد مطابقة المعلومات المتوفرة لديه كمؤسسة ائتمان مع ما هو مضمن بالشيك وتدوين ذلك بشكل صحيح ببطاقة عدم الاداء يكون قد ارتكب خطأ مهنيا ادى الى الاضرار بالمستانف عليها ..."
كما انه بمقتضى المادة 249 من مدونة التجارة "...لايجوز توقيع شيك نيابة عن اخر بدون تفويض مكتوب لدى المسحوب عليه..."
وبالتالي فإن البنك ملزم بالرجوع الى النظام الاساسي المودع لديه لمعرفة المسؤول القانوني والفعلي عن ذلك الحساب ومراقبة توقيع مع التوقيع النموذجي وإلا تحمل المسؤولية نتيجة قبوله التعامل مع شخص غير موكول اليه التوقيع على الاوراق التجارية باسم الشركة.
يبقى في الأخير أن نشير إلى مسألة مهمة أثار انتباهنا خلال تصفحنا لبعض القرارات بهذا الخصوص حول هل يجب – قبل صرف الشيك- أن تتم مراقبة التوقيع  أولا أم أن يتم التأكد من وجود المؤونة أولا؟
من المنطقي أن يقوم البنك من التأكد من توقيع الساحب ومطابقته مع نموذج التوقيع المودع لديه أولا حتى ينفي المسؤولية عنه، لكن ما يلاحظ على مستوى العملي أن البنك أحيانا يقوم بالتأكد من وجود المؤونة أولا قبل مراقبة البنك، وهذا ما استقيناه من خلال المقابلات التي قمنا بها مع موظفي عدة بنوك.
وقد يطرح تساؤل حول ما أهمية كون المؤونة تم التأكد منها أولا او تم الـتأكد من التوقيع أولا ؟
الأهمية تظهر على مستوى النزاعات المعروضة أمام المحاكم، فقد تنفي المؤسسة البنكية المسؤولية عن نفسها عند عدم تأكدها من توقيع الساحب إذا ما كانت المؤونة غير كافية، ففي قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس صادر بتاريخ 27/11/2008 ذهبت إلى أنه : " إذا ثبت عدم صرف القيمة لعدم كفاية المؤونة فلا مجال لالزاميته بالتدقيق في صحة التوقيع وبالتالي لا مجال لمساءلته عن أي تعويض لعدم كفاية الرصيد لانتفاء أي خطإ له عن ملاحظته الواردة..." .

خاتمة:

يمكن ان نجمل ما قيل من خلال هذا العرض في أن البنك يدفع المسؤولية عنه في الحالات التالية :
·       مطابقة البنك للتوقيع الوارد على الشيك مع النموذج المودع لديه.
·       التأكد من جميع التوقيعات الواردة على الشيك المتعلق بالحساب الجماعي.
·       التأكد من صلاحية التوكيل الممنوح لشخص من أجل التوقيع و اصدار الشيكات باسم الشخص المعنوي.
كما أن البنك – في اطار درأ المسؤولية عنه- قد يتخذ اجراءات احتياطية زيادة على ما سبق مثل الاتصال بالعميل للتأكد من أنه هو من أصدر الشيك، والتأكد من البيانات الواردة على الشيك وغيرها من الاجراءت الاحتياطية الأخرى.
--------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]   حسب المادة 2 من منشور  بنك المغرب رقم 5/و/97 الصادر في 18 شتنبر 1997 المتعلق بشهادة رفض اداء الشيك الذي نص على انه " تتمثل اسباب رفض الأداء التي يمكن ذكرها في شهادة رفض الأداء بالخصوص في ما يلي : ...... – عدم مطابقة توقيع الساحب للنموذج المودع، .... – شيك متعرض عليه بسبب التزوير ..."
[2] ويقصد به التوقيع المزور الذي لا يمكن رؤيته بالعين المجردة و الذي لا يمكن اكتشافه الا من ذوي الاختصاص و الخبرة في علم الخطوط .
[3] لم يعد هناك حاجة لان يبحث القاضي في علاقة السببية بين الخطا و الضرر لان المسؤولية اصبحت تقوم في غياب الخطا
[4]  المادة 239 من مدونة التجارة "يتضمن الشيك البيانات التالية ..............اسم وتوقيع الساحب "
[5] خياري عبد الباسط، الحساب البنكي والإشكالات التي يثيرها أمام القضاء،منشور بموقع http://droit-contentieux.blogspot.com/2010/02/blog-post 5943.html ،تاريخ الاطلاع 1/5/2015.
[6] عبد الحكيم الحكماوي ، المسؤولية المدنية للمؤسسات البنكية، منشور بموقع http://www.marocdroit.com/ ، تاريخ الاطلاع 10/5/2015.
[7] خياري عبد الباسط، م.س.
[8]عبد الحكيم الحكماوي ،م.س.
[9] قرار رقم 599،ملف عدد 2003/1287 ،الصادر عن محكمة الاستئناف التجاريةيمراكش،بتاريخ 15-06-2004،منشور بموقع http://www.cacmarrakech.ma/banque.asp  ،تاريخ الاطلاع 1/5/2015
[10]  قرار رقم 2037،ملف عدد 772/2012 ،الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية فاس ،بتاريخ 22/11/2012.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات