القائمة الرئيسية

الصفحات

حق الأسبقية المخول للدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية

حق الأسبقية المخول للدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية

حق الأسبقية المخول للدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية
حق الأسبقية المخول للدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية



مقــــدمــــــة

تعد المقاولة آلية لتحقيق التنمية و الإقلاع الاقتصادي، و آلية أساسية للتقدم العلمي و التكنولوجي وخلق فرص الشغل و تحقيق رفاهية المجتمع، خصها المشرع المغربي بمجموعة من المقتضيات التي تمكنها من القيام بدورها، و تعزيز استقرارها و استمرارها في ممارسة نشاطها.
غير أن هذا الاستمرار ليس على إطلاقه، ذلك أن المقاولة قد تواجه بعض الصعوبات التي يمكن أن تعصف بها، بشكل يؤثر على حياتها بصفة عامة.
من هذا المنطلق، تدخل المشرع المغربي باعتماد مسطرة التسوية القضائية ، كأحد أهم الخيارات التي يمكن أن تذلل الصعوبات و المشاكل التي تعترض المقاولة خلال حياتها، وحرص لتحقيق نجاح هذه المسطرة، وضمان إنقاذ المقاولة من الصعوبات التي تواجهها و العمل على استمرارية الاستغلال، على وضع آلية قانونية تهدف تشجيع الممولين أو المنعشين الماليين على تقديم الدعم و الائتمان اللازمين للمقاولة التي تمر بمرحلة حرجة، خاصة أمام اختلال عنصر الثقة في هذه المقاولة، فمنح بذلك الدائنين الناشئة ديونهم في هذه المرحلة (بعد فتح مسطرة التسوية القضائية) بامتياز حق الأسبقية المنصوص عليه بمقتضى المادة 575 من مدونة التجارة[1].
بذلك يكون المشرع قد اعتبر حكم فتح المسطرة بمثابة فيصل بين نوعين من الدائنين، دائنين سابقين و دائنين لاحقين، اقتضت كل وضعية كل واحد منهما سن قواعد خاصة كفيلة بتوفير الحماية اللازمة له، و خاصة بالنسبة للدائنين اللاحقين، و الذين تعاملوا مع المقاولة في حالة متعثرة، و شاركوا عن وعي و بصيرة في تمويلها، الشيء الذي يقتضي مراعاة هذه التضحية، و تمتعيهم بالأسبقية على جميع الديون الأخرى، ذلك أن هؤلاء الدائنين ما كان لهم أن يقدموا على تمويل المقاولة في هذه المرحلة الصعبة و الحرجة، لولا هذا الامتياز الذي خصهم به المشرع.


و يكتسي بحث موضوع " حق الأسبقية المخول للدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة" أهمية قصوى في إطار نظام المساطر الجماعية، سواء على المستوى النظري، الذي تتمثل أهميته فيما يثيره هذا الموضوع من نقاشات و اختلافات فقهية وتضاربات قضائية من منطلق الدور المفترض الذي يمكن أن يلعبه هذا المقتضى القانوني في توفير الإمكانيات اللازمة لمواصلة المقاولة في وضعية صعبة لنشاطها و ضمان حقوق الدائنين المعنيين به.
أما على المستوى العملي، فأهميته تتلخص في انعكاسات هذا الحق على وضعية الدائنين المتمتعين به، و حدود الحماية الممكنة التي يوفرها لهم، و مدى نجاعته و فعاليته في تحقيق الموازنة بين المقاولة و الدائنين، و كذا في تحقيق الأهداف و المرامي المرسومة له.
لكل ما سبق، فان هذا الموضوع يمكن دراسته من إشكالية محورية مفادها:
ما مدى تحقيق حق الأسبقية المقرر للدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية لأهداف و مرامي اعتماده؟
للإجابة على هذه الإشكالية، فإننا سنعتمد التصميم التالي:
المبحث الأول: ضوابط الاستفادة من حق الأسبقية
المبحث الثاني: آثار حق الأسبقية على وضعية الدائنين.

المبحث الأول: ضوابط الاستفادة من حق الأسبقية


إذا كانت الغاية من إقرار المشرع المغربي لحق الأولوية في الوفاء المنصوص عليه في المادة 575 من م.ت. تكمن أساسا في تشجيع وتحفيز الممولين من أبناك ومؤسسات ومزودين وغيرهم على تقديم الائتمان والتمويل اللازمين لتمكين المقاولة المفتوحة ضدها مسطرة التسوية القضائية من مواصلة ومتابعة نشاطها. فإن استفادة الدائنين من هذا الامتياز يبقى رهبينا بتوفر مجموعة من الشروط القانونية أكد على وجوب توفرها كل من الفقه والاجتهاد القضائي[2](المطلب  الثاني) وقبل التطرق إلى الشروط كان من اللازم الوقوف على هذا الأساس القانوني لهذا الحق ومجاله(المطلب الأول).

المطلب الأول: أساس ومجال تطبيق حق الأسبقية المقرر بمقتضى المادة 575.
الفقرة الأولى: أساس حق الأسبقية.

نظرا للوضعية الحرجة التي تجتزها المقاولة, بعد الإعلان عن فتح مسطرة المعالجة, ومن أجل ضمان تمويل المقاولة بشكل عادي خلال فترة الملاحظة. عمد المشرع المغربي على تبني مقاربة جريئة من شأنها طمأنة الممولين والشركاء المتعاملين مع المقاولة من أبناك ومؤسسات الإئتمان , وغيرهما من المساهمين في إنقاذها, وكذا أصحاب العقود الجارية التي يختار السنديك مواصلة تنفيذها.خاصة وأن هؤلاء الممولين لن يغامروا في هذه المرحلة الحرجة بتقديم إئتمانهم للمقاولة في طور المعالجة, إلا إذا تأكدوا من أنهم سيستوفون ديونهم في تواريخ استحقاقها أو على الأقل بالأسبقية أو بالأولوية على سائر الديون الأخرى سواء كانت عادية أومقرونة بامتياز أو بضمان[3].
تبعا لذلك فإن المادة 575 من م.ت.ضمان قوي لفائدة هؤلاء الدائنين, ما كان لهم أن يقدمو على تمويل المقاولة في تمويل المقاولة في هذه المرحلة الحرجة لولا هذا الإمتياز الذي خصهم به المشرع,بمعنى أن هذه المادة تمنح امتياز الإمتيازات[4] للديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية.
ومن المعلوم أن حق الأسبقية يعد ضمانة قانونية قوية غايتها توفير حماية قانونية لهولاء الدائنين, كما أنهم في سبيل تحصيل ديونهم غير ملزمين بسلوك مسطرة التصريح التي يفرضها المشرع على الدائنين الناشئة ديونهم قبل الحكم بفتح المسطرة, وفي هذا الصدد أكدت محكمة الاسثئناف التجارية بالدارالبيضاء في إحدى قرارتها[5], أن الديون التي نشأت بعد الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية, تمكن المطالبة بها مباشرة دون تصريح.
غير أن الإشكال اذي يفرض نفسه في هذه الحالة هو مدى مطابقة او ملائمة المادة 575 والمأخوذة عن المادة 40 من القانون الفرنسي لسنة 1985 مع المقتضى والمبدأ العام السائد بالخصوص ألا وهو مبدأ المساواة بين الدائنين.
وفي هذا السياق ثم تقديم عدة طعون للمجلس الدستوري الفرنسي فيما يخص هذه المادة, بدعوى خرقها للمبادئ الدستورية التي تقضي بعدم رجعية القوانين وكذا المساواة أمام القانون, جوبا على هذه الطعون أصدر المجلس الدستوري قرار[6] بتاريخ18/01/1985 رد فيه هذه الوسائل معتبرا أن هذه المادة أعادت فقط ترتيب الأولوية فيما بين الدائنين رغبة من المشرع في إنقاد المقاولات المتعثرة وحماية مصالح الدائنين.

الفقرة الثانية: عدم تحديد المجال الزمني لامتياز حق الأسبقية.

بتفحصنا المادة 575 من م.ت. نجدها تنص على أنه يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية,بالأسبقية على كل الديون الأخرى سواء كانت مقرونة أم لا بامتيازات أو ضمانات.
وعليه فلقد جاءت صياغة هذه المادة عامة الشيء الذي أثار عدة تساؤلات فيما يخص المجال الزمني لنطبيق حق الأسبقية. الأمر الذي جعل الفقه المغربي ينقسم إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول: يرى أنصار هذا الاتجاه[7], أن نطاق تطبيق حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 575 من م.ت. يشمل كل المراحل والأوضاع التي تمر بها المقاولة بعد صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة ومهما كانت الإجراءات الخاضعة لها سواء تعلقت بالمرحلة الانتقالية أو مرحلة مخطط الاستمرارية (المادة 592) أو التفويت الكلي للمقاولة(المادة 603) أو التصفية القضائية(المادة 619) بمعنى أن تطبيق امتياز المادة 575 لايقتصر فقط على المرحلة الانتقالية دون المراحل الأخرى, وأنه لايخرج عن نطاق هذا الإمتياز إلا مرحلة التصفية القضائية شرط أن لاتقرر المحكمة استمرارية النشاط استجابة لمصلحة الدائنين أو المصلحة العامة.
ومبررات هذا الموقف أن المشرع لم يحدد بدقة التاريخ التي تنتهي فيه الإستفادة من هذا الامتياز ومن ثم فإن الديون الناشئة بعد انتهاء إعداد الحل يمكن أن تستفيذ من حق الأسبقية مادام هذا التوجه يخدم مصالح الدائنين الذين ضحوا بمصالحهم من أجل إنقاذ المقاولة, ويوفر الحماية لهم خلال أطول فترة ممكنة في إطار مسطرة التسوية القضائية[8].

الاتجاه الثاني: يتبنى أنصار هذا الاتجاه[9] موقفا مغايرا للاتجاه الأول, حيث يرون أن نطاق تطبيق المادة 575 من م.ت. يقتصر فقط على فترة إعداد الحل أو فترة الملاحظة, وأن الامتياز المنصوص عليه في المادة المذكورة أعلاه , ينتهي مفعوله بانتهاء هذه الفترة إما بصدور حصر مخطط الاستمرارية أو التفويت أو النطق بالتصفية القضائية. وبعبارة اخرى فإن مجال تطبيق هذه المادة لايشمل الناشئة في مرحلة مابعد حصر مخطط الاستمرارية او التفويت, ولا حتى في مرحلة التصفية القضائية ما لم تأذن المحكمة خلال هذه المسطرة بمتابعة المقاولة لنشاطها وذلك لمدة تحددها استنادا لمقتضيات المادة 620 من م.ت.

موقفنا من الموضوع
في رأينا نعتقد بأن الاتجاه الثاني القائل بضرورة حصر نطاق تطبيق امتياز المادة 575 في الفترة الانتقالية فقط هو الاتجاه الصائب, على اعتبار أن الحكم القاضي بحصر مخطط الاستمرارية يسترجع معه المدين سلطاته الكاملة لإدارة أعماله, بعدما خضعت المقاولة لنظام قانوني خاص بتسييرها خلال فترة إعداد الحل, يلعب فيه السنديك دورا بارزا من خلال التسيير الكلي أو الجزئي للمقاولة, كما أن المحكمة لا تقرر حصر مخطط الاستمرارية إلا إذ كانت هناك إمكانات جدية لتسوية وضعية المقاولة وسداد خصومها.
أما فيما يتعلق بالتفويت فالأمر واضح نظرا للفرق البين بين التفويت ومتابعة النشاط.
أضف إلى ذلك أن توسيع مجال حق الأسبقية ليشمل مخطط الاستمرارية والتفويت, سيؤدي إلى تضخم الديون المستفيدة من حق الاسبقية, وهذا من شأنه أن يؤثر سلبا على الدائنين السابقين المثقلة ديونهم بضمانات , حيث سيجعل فرص استيفائهم لديونهم ضعيفة.
ومايزيد تأكيد صواب موقفنا هو أن القضاء المغربي سار في نفس الاتجاه, حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس[10] : "وحيث إن كان هناك ديونا ناشئة قبل فتح المسطرة, وأخرى بعد حصر المخطط, فإن هناك ديونا نشأت بعد فتح مسطرة التسوية القضائية, مما تكون معه هذه الاخيرة مشفوعة بالامتياز المنصوص عليه بمقتضى المادة 575 من م.ت., إلآ أن المجال الزمني لتطبيق الامتياز المذكور هو التاريخ الذي تنشأ فيه الديون خلال المرحلة الانتقالية الفاصلة مابين حكم التسوية القضائية  وحكم حصر مخطط الاستمرارية, ولا يبق مجال لتطبيق حق الامتياز المنصوص عليه في المادة 575 من م.ت., إما بصدور حكم حصر مخطط الاستمرارية أو التفويت أو الحكم بالتصفية القضائية ومن ثم فإن الدين الممتاز طبقا للمادة 575 من م.ت. بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو الدين الذي نشأ له خلال الفترة الانتقالية وليس بعدها أو قبلها, وهو ما اقترحه السنديك ونص عليه الأمر المستأنف".
وبهذا تكون الديو ن الناشئة خلال فترة إعداد الحل, هي فقط الديون التي تستفيد من امتياز حق الأسبقية, أما الديون الناشئة بعد حصر مخطط التسوية فتبقى خاضعة فيما يخص كيفية أدائها للقواعد العامة.

المطلب الثاني : شروط الاستفادة من حق الأسبقية.

لقد أقر المشرع من خلال المادة 575 من مدونة التجارة حق الأسبقية للدائنين الذين نشأت ديونهم بعد حكم فتح المسطرة ف إطار تمكين المقاولة من مواصلة نشاطها خلال فترة إعداد الحل الملائم لوضعيتها.و بذلك يكون المشرع قد وضع شروطا لإمكانية تصنيف الدين ضمن الدين المؤدى بالأسبقية على كل الديون الأخرى، إذ يشترط في الدين أن يكون قد تم بعد فتح المسطرة (فقرة أولى) و أن يكون قد تم بعد فتح المسطرة (فقرة ثانية ) و أن يكون قد نشأ بصفة قانونية (فقرة ثالثة ) .

الفقرة الأولى : وجوب نشأة الدين في فترة ما بعد فتح المسطرة.

طبقا للمقتضى الصريح للمادة 575 من م تج فالدين المشمول بحق الأسبقية هو ذلك الذي يكون قد نشأ في مرحلة ما بعد فتح مسطرة المعالجة في وجه المقاولة بحيث يكون تاريخ نشوء الدين لاحقا للحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية و على الرغم من وضوح صيغة هذه المادة إلا أن الإشكال يطرح حول الديون التي يختلف تاريخ نشأتها عن تاريخ العقد الذي ينتج عنه الدين . و أبرز مثال على ذلك العقود الجارية [11] التي يقرر السانديك مواصلتها عملا بمقتضيات المادة 573 من م تج و التي يكون موضوعها عادة تزويد المقاولة المدينة بالمواد و الخدمات و عقود الإيجار  و غيرها من الخدمات الضرورية لاستمرارية نشاطها  ، فهذا  النوع من العقود يطرح إشكالا حقيقيا أمام القضاء نظرا لطبيعة الآثار المترتبة عنه فهل يشمل أيضا الديون الناشئة عن تنفيذها قبل فتح المسطرة بدعوى عدم تجزئة الالتزام الناتج عن العقد المستمر  .
جوابا على هذا الإشكال يذهب بعض الفقه[12] إلى عدم شمولية حق الأسبقية سوى للديون الناشئة في تاريخ لاحق لفتح المسطرة دون اعتبار لتاريخ إبرام العقد الناتج عنه هذا الدين ، وهذا الموقف هو الذي أقره القضاء الفرنسي متمثلا في محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 20 ماي 1990 حيث قضت بأن حق االأسبقية المنصوص عليه في المادة 40 من القانون الفرنسي ل 25 فبراير 1985 المقابلة للمادة 575  من م تج المغربية لا يطبق إلا بشأن الديون الناتجة عن مواصلة هذه العقود بعد هذا التاريخ ، أما الديون التي تكون قد نشأت قبل فتح المسطرة فإنها لا تخضع لحق الأسبقية بالرغم من كونها ناتجة عن عقد تمت مواصلة تنفيذه خلال فترة الملاحظة  .

الفقرة الثانية : وجوب ارتباط نشأة الدين باستمرارية نشاط المقاولة.

لا شك أن تمويل المقاولة في فترة ما بعد فتح مسطرة التسوية القضائية ، بعد أن توقفت عن الدفع يحتاج إلى سيولة جديدة لا يمكن تحقيقها إلا بالاقتراض ، و تشجيعا للدائنين على إقراض المقاولة  في هذه الفترة منحت م 575 من م تج امتيازا خاصا للدائنين الناشئة ديونهم بعد الحكم بفتح المسطرة  - أي في الفترة الانتقالية و يتجلى هذا الإمتياز في كون هذه الديون لا تشملها قاعدة المنع من الأداء و لا قاعدة المتابعات الفردية بل يتم سدادها في أجلها بالأسبقية على كل الديون الأخرى سواء كانت ديونا عادية أو مقروضة بضمانات[13] . يتبين من هذا أن الديون التي ترتبط بالحياة الشخصية للمدين حتى و لو نشأت بعد هذا التاريخ كمصاريف الماء و الكهرباء و وجيبة الكراء لمحل السكنى ، مادامت لا تساهم بأي شكل من الأشكال في مواصلة أو استمرارية نشاط المقاولة .
و لقد كان المنطق القانوني و الاقتصادي للمقاولة يقتصثي اقصاء هذه الديون التي تترتب على المقولة و لا تساهم في استمرار نشاطها بعد صدور الحكم بفتح مسطرة التصفية القضائية نتيجة القيام بإجراءات التصفية ، إلا أن المشرع نص في مضون المادة 620 من م تج على "إذا اقتضت المصلحة العامة أومصلحة الدائنين استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية جاز للمحمكة أن تأذن بذلك لمدة تحددها إما تلقائيا أو بطلب من السنديك أو وكيل الملك و تطبق مقتضيات م 573 خلال هذه الفترة بينما تطبق مقتضيات م 575 على  الديون الناشئة خلال هذه الفترة ..." بذلك تكون لهذه المدة قد شملت أيضا الديون التي تترتب على المقاولة حتى في حالة عدم استمراريتها و الحكم بتصفيتها قضائيا[14] .

الفقرة الثالثة : وجوب نشوء الدين بصفة قانوني.

بعد صدور الحكم الفاتح لمسطرة المعالجة في حق المقاولة فإنه يمنع على رئيس المقاولة اتخاذ أي إجراء أو القيام بأي تصرف من شأنه أن يعرقل عملية التسوية أو يتعارض مع مصلحة المقاولة و مصلحة دائنيها[15]  .و إذا كان المشرع قد أقر بحق الأسبقية بالنسبة للديون الناشئة بعد صدور الحكم الفاتح للمسطرة فإنه قد جعل ضمن شروط هذا الحق أن يكون الدين قد نشأ بصفة قانونية بمعنى أنه لا يدخل ضمن العمليات التي يجريها رئيس المقاولة و  التي تمنع عليه قانونا إجراءها لأنها تضر باستمرارية المقاولة و هو ما يستفاد من نص المادة 575 من م تج . ذلك أن المشرع قد حظر على رئيس المقاولة إجراء مثل هذه التصرفات في إطار مهمة تسيير المقاولة سواء وحده أو تحت مراقبة السنديك أو كان يساعده في مهامه . و يترتب عن الديون الناشئة عن مثل هذه التصرفات غير القانونية عدم إمكانية التمسك بحق الأسبقية بشأن أدائها بل إنه يحرم من حق التصريح بالدين الناشئ و الحالة هذه في مسطرة التصريح الجماعية على غرار باقي الدائنين الآخرين الذين يصرحون بديونهم للسانديك .
إذن من خلال ما سبق يتبين أن إقرار المشرع في نص المادة 575 من م تج حق الأسبقية جاء مقرونا بتوفر شروط جوهرية و إلا فقد الدين حق الأسبقية [16] و انضم إلى لائحة التصريح بالديون على غرار باقي الديون العادية و هو ما أقره  المشرع الفرنسي ي المادة 40 من م تج الفرنسية لسنة 1985. و إذا كانت الشروط السالفة الذكر هي التي تؤسس لحق الأسبقية فإن لهذه الأخيرة آثار غاية في الأهمية سواء بالنسبة للضمانات القانونية المخولة للدائنين أو بالنسبة للالتزامات الناشئة بين الدائنين.

المبحث الثاني: آثار حق الأسبقية على وضعية الدائنين.


لقد مكن المشرع المغربي الدائنون الناشئة ديونهم بعد صدور الحكم الفاتح للمسطرة التسوية القضائية، من الحق في استيفاء ديونهم بالأسبقية عن غيرهم من الدائنين. وذلك من خلال مجموعة من الضمانات المترتبة عن حق الأسبقية "مطلب أول" غير أن الصياغة العامة التي اعتمدها المشرع للمادة 575 من مدونة التجارة وعدم وضع ترتيب بين الدائنين لحماية هذا المبدأ على خلاف المشرع الفرنسي الذي وضع ترتيبا دقيقا لحل الإشكالات المثارة بهذا الخصوص. مما يترتب عنه العديد من النزاعات بين الدائنين "مطلب ثاني".

 المطلب الأول: الضمانات القانونية المخولة للدائنين المشمولون بحق الأسبقية.

نظرا للوضعية الحرجة التي تجتازها المقاولة، بعد الإعلان عن فتح مسطرة المعالجة ومن أجل ضمان تمويل المقاولة بشكل عادي خلال هذه الفترة،[17] عمد المشرع المغربي على تشجيع المقرضين على التعامل مع هذه المقاولة خاصة عبر حق الأسبقية، الذي يترتب عنه استيفاء ديونهم عند الاستحقاق " فقرة الأولى" وعدم مواجهتهم بقاعدة وقف المتابعات الفردية " فقرة ثانية" أو وقف سريان الفوائد "فقرة ثالثة".

 الفقرة الأولى: استيفاء الديون عند الاستحقاق.

من أهم الضمانات المخولة للدائنين الناشئة ديونهم بعد صدور الحكم بفتح المسطرة، والمترتبة عن حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 575 من مدونة التجارة، هو الحق في استيفاء ديونهم عند الاستحقاق، ومهما كانت المرحلة التي قطعتها التسوية القضائية. بمعنى أن التاريخ الذي يصبح فيه الدين واجبا ومستحق الأداء، يتعين على السنديك أو المدين الإسراع من أجل أداء الديون المستحقة، دون حاجة الدائنين للقيام بمسطرة التصريح أو التحقيق الديون، ودون إمكانية  طرح آجال لاستيفاء الدين، إلا إذا أراد الدائن منح أجل إضافي للوفاء أو التخفيض من مبلغ الدين أو التنازل عنه، مساهمة منه في إنجاح عملية التسوية القضائية الخاضعة لها المقاولة المعنية بالأمر. ولقد جاء في الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف التجارية
بالدارالبيضاء بتاريخ 30-3-2001 " أن المقاولة ملزمة بأداء الديون في تاريخ الاستحقاق، طالما أن الدين ثابت وحال الأداء"[18].
وتجدر الإشارة إلى أن الحق في استيفاء الديون عند الاستحقاق يسري على مجموع الديون الأصلية وحتى الفوائد التي تظل سارية، غير أن الإشكال الذي يثار في هذه الحالة، هو الحالة التي تنشأ فيها عدة ديون بصفة قانونية بعد فتح مسطرة التسوية القضائية وتحمل نفس تاريخ الاستحقاق، فكيف يمكن تسوية النزاع دون تفضيل دائن عل آخر؟.
في ظل غياب الإجابة عن هذا الإشكال في مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة يمكن الرجوع إلى القواعد العامة، حيث نجد أن هذه الديون تؤدى بالأسبقية عن بعضها البعض وذلك وفق رتبة كل دين.
وإذا تساوت هذه الديون في الرتبة، وكانت مستحقة في نفس التاريخ، فإنه يتم الرجوع لمقتضيات الفصل [19]1245 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، الذي ينص على أنه " الدائنون الممتازون في مرتبة واحدة، يستوفون حقوقهم على وجه المحاصة".
وبالتالي نخلص إلى أن الأداء عند الاستحقاق هو ضمانة قوية لدائني المادة 575 سواء في مرحلة التسوية القضائية أو التصفية القضائية إذا توفر شرط استمرار المقاولة.[20]

 الفقرة الثانية: سريان المتابعات الفردية.

على خلاف الدائنين الناشئة ديونهم قبل صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية   الذين يمنع عليهم سلك المتابعات الفردية. مما يحتم عليهم الانضمام والخضوع للمساطر الجماعية، فإنه يبقى من حق الدائنون الناشئة ديونهم بعد صدور هذا الحكم، القيام بالمطالبات الفردية بديونهم عند حلول أجل استحقاقها، ودون المرور لا بمسطرة التصريح بالديون ولا بمسطرة التحقيق...
وقاعدة سريان المتابعات الفردية هي بمثابة ضمانة فعالة لحماية هؤلاء الدائنين الممولين للمقاولة، نظرا لاختلاف وضعهم عن الدائنين السابقين، باعتبارهم يساهمون في تمويل المقاولة وإنقاذها من الوضعية الصعبة التي تجتازها، الشيء الذي يعد معه سلوك الإجراءات الفردية منطقيا من أجل اتخاذ التدابير اللازمة للمطالبة بحقوقهم.
ويستتبع حق ممارسة المطالبات الفردية المعترف بها لدائنون المعنيون بالمادة 575 الحق في اللجوء إلى كل طرق التنفيذ " الحجز التحفظي- الحجز التنفيذي- إشعار الغير الحائز أو واضع اليد..." على أموال المدين وحتى بالنسبة للمبالغ المسلمة للسنديك إذا كانت له سلطة التمثيل والتسيير أو كان ممثلا للدائنين.
وبذلك فإن اللجوء إلى كل طرق التنفيذ أمر مسموح به، إذا كان الدين الناشئ لاحق للحكم الفاتح لمسطرة المعالجة وهذا ما ذهب إليه المشرع الفرنسي في المادة 33-621 من مدونة التجارة الفرنسية.
ويتساءل البعض عن إمكانية إيقاف ممارسة طرق التنفيذ في حالة إذا ظهر أن أموال المدين غير كافية، لتسوية كل الديون المتعلقة بالمادة 575 من م، ت.
هنا يرى بعض الباحثين أن وجه الانفرادية عن القواعد العامة تظهر هنا حين يمكن إيقاف ممارسة طرق التنفيذ، إذا ظهر أن أموال المقاولة غير كافية لتسوية كل الديون اللاحقة، وما هذا إلا لأجل مصلحة المقاولة وحماية أصولها.
غير أن هذا الرأي يتناقض مع القواعد القانونية التي تهدف في هذه المرحلة لتمكين الدائنين من استيفاء ديونهم بدون أي قيد حسب المادة 575 من م، ت، كما أنه يفتقر للأساس القانوني وبالتالي ففي هذه الحالة لا يبقى أمام الدائنين إلا استيفاء ديونهم وفق القواعد العامة المشار إليها أعلاه.
وتمارس إجراءات المتابعات الفردية وفق القواعد العامة:
حيث تمارس في مواجهة المدين في مرحلة التسوية القضائية إذا كان للسنديك سلطة المراقبة والإشراف فقط. وتمارس في مواجهة المدين والسنديك معا إذا كان لهذا الأخير سلطة المساعدة. وتمارس ضد السنديك إذا كانت له مهمة التمثيل أو في مرحلة التصفية القضائية.

الفقرة الثالثة: الحق في إستحقاق الفوائد.

إلى جانب عدم خضوع الدائنون المشمولون بحق الأسبقية لقاعدة وقف المتابعات الفردية المنصوص عليها في المواد من 653 إلى 656 من م، ت، فإنهم مستثنون كذلك من قاعدة وقف سريان الفوائد المنصوص عليها في المواد من 659 إلى 660 من م، ت، على خلاف باقي الدائنين.
ونظرا لكون الدائنين المعنيين بالمادة 575 من م، ت، يشكلون المورد الرائد للمقاولة في هذه الفترة الحرجة التي تمر منها، كما لا يمكن حث هؤلاء الدائنين على الانخراط في تمويل المقاولة، إلا بعد أن يطمئنوا على استفادتهم من الفوائد المتصلة بالديون المقدمة للمدين – خاصة أن جل هؤلاء الدائنون بنوك تستهدف تحقيق الربح من خلال عمليات الائتمان التي تقوم بها   فقد خول لهم المشرع الحق في استحقاق الفوائد المترتبة على أصل الدين في تاريخ الاستحقاق يوما بيوم أو شهرا بشهر أو سنة بسنة دون تأخير.
لذلك فسريان الفوائد بالنسبة للدائنين الناشئة ديونهم بعد صدور حكم فتح مسطرة المعالجة، يشكل أقوى ضمانة لهؤلاء الدائنين بفعل مساهمتهم في تمويل المقاولة في مرحلة الصعوبة، لذلك فمن الأولى عدم حرمانهم من هذه الضمانة التي تنضاف إلى الحق في استيفاء الدين عند الاستحقاق وسريان المتابعات الفردية لتشكل ضمانات هامة مترتبة عن مبدأ حق الأسبقية المخول لهؤلاء الدائنين.
وبالرغم من ذلك فإن الصعوبة تطرح للدائنين المشمولون بحق الأسبقية سواء في حالة تعددهم أو عندما تنضاف إليهم فئة أخرى من الدائنين وخاصة أصحاب إمتياز أو وضع خاص كالأجراء.

المطلب الثاني:آثـــــــار حق الأسبقية على النزاعات الناشئة بين الدائنين.

نضرا لوضعية فئة من الدائنين المتميزة بفعل مساهمتهم في تمويل المقاولة بعد صدور الحكم الفاتح لمسطرة التسوية القضائية ،فقد مكنهم المشرع من استيفاء ديونهم بالأسبقية عن غيرهم من الدائنين.
إلا أن هذا الوضع لا يمنع من نشوء العديد من النزاعات سواء بين هؤلاء الدائنين المستفيدين من حق الأسبقية أو بينهم وبين سائر الدائنين الآخرين ،خاصة أن المشرع المغربي اعتمد صياغة عامة تعوزها الدقة في المادة 575 من م ت دون أن يراعي وضع ترتيب بين هؤلاء الدائنين لحماية وتفعيل حق الأسبقية .
وبدلك فإن تطبيق المادة 575 من م ت يبرز لنا إشكالات متعددة تظهر على مستويين :الأول يتعلق بآثار حق الأسبقية على النزاعات الناشئة بين الدائنين المستفيدين منه (الفقرة الأولى)والثاني يتعلق بآثار تطبيق هذا الحق (حق الأسبقية) في مواجهة سائر الدائنين (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى:آثار حق الأسبقية على النزاعات الناشئة بين الدائنين المستفيدين منه فيما بينهم.

بالرجوع للمادة 575 من م ت نجدها تنص على أنه "يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية بالأسبقية على كل الديون الأخرى سواء أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو ضمانات "
       إن ما يمكن استنتاجه أن صياغة هذه المادة جاءت عامة بحيث لم تتعرض لأي استثناءات في الموضوع ،بالإضافة إلى أنها لم تحاول أن تضع ترتيبا للديون الناشئة بعد الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية والأكثر من ذلك –والمحزن-أنها لم تعطي امتيازا لديون الأجراء على الديون اللاحقة للحكم الفاتح للمسطرة مكتفية بتقرير أولوية هده الأخيرة –شأنها شأن باقي الديون المستفيدة من حق الأسبقية- على جميع الديون السابقة[21] .
       وهذا بعكس ما قام به المشرع الفرنسي الذي وضع ترتيبا محكما ودقيقا بين الدائنين المستفيدين من حق الأسبقية وذلك لحل الإشكالات التي يمكن أن تثار بهذا الخصوص، والأروع  في هذا الترتيب أنه جعل ديون الأجراء تحتل الرتبة الأولى بحيث متعها بالامتياز الممتاز[22].
       إذا ثبت ما سبق عدنا لنقول ،أن إحجام المشرع المغربي عن وضع ترتيب للديون اللاحقة لحكم فتح مسطرة التسوية القضائية ،جعلنا نبحت عن آليات لتسوية النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين الدائنين اللاحقين والمخاطبين بمقتضياة المادة 575 من م ت فيما يخص استيفاء ديونهم بالأسبقية عن بعضهم البعض،لذلك كان لا مناص من الاحتكام  لتاريخ استحقاق الدين الناشئ بعد حكم فتح مسطرة المعالجة (أولا)وكذا الضمانات المقرون بها الدين (ثانيا)

أولا:الاحتكام لتاريخ استحقاق الدين

يعد تاريخ استحقاق الدين معيارا حاسما للفصل بين الدائنين الناشئة ديونهم بعد الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة ،ونقصد بهذا المعيار ذلك التاريخ الذي يصبح فيه الدين واجبا ومستحق الأداء،بحيث يتعين على السنديك الذي يسير هذه المسطرة أن يؤدي هذه الديون بحسب تاريخ استحقاق كل واحد منها على حدا ،دون أن تكون للسنديك إمكانية طرح آجال جديدة لاستيفاء الدين إلا إذا رغب الدائن بهذا التأجيل[23].
    ورغم فعالية هذا المعيار إلا أن تطبيقه قد يصادف بعض الإشكالات تهم تسوية النزاع القائم بين هؤلاء الدائنين ،خاصة إدا وقع أن كان لعدة ديون ناشئة بصفة قانونية بعد تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية نفس تاريخ الاستحقاق ،فما العمل حينها حتى تتم تسوية هده النزاعات دون تفضيل دائن على آخر أو إجحاف في حقوق دائن لفائدة آخر؟
    للجواب على هدا التساؤل كان لا مناص من الرجوع إلى القواعد العامة التي تؤكد أن هذه الديون تؤدى بالأسبقية على بعضها البعض بحسب رتبة كل دين[24]،وإذا تساوت هذه الديون في الرتبة وكانت مستحقة الأداء في نفس التاريخ، ففي هذه الحالة يتم تطبيق مقتضيات الفصل 1245 من ق ل ع م التي تنص" على أن الدائنين الممتازون في مرتبة واحدة يستوفون حقوقهم على وجه المحاصة ".
    إذا تبث هذا نبهنا إلى أن هناك معيار آخر إلى جانب معيار تاريخ استحقاق الدين ولادي يمكن الاعتماد عليه أيضا لحل النزاعات الداخلية التي قد تنشأ بين الدائنين المستفيدين من حق الأسبقية وهو معيار الضمانات المقرون بها الدين وهذا ما سنتطرق له في النقطة الموالية.

ثانيا:الاحتكام للضمانات المقرون بها الدين

     تفاديا لضياع حقوق بعض الدائنين المستفيدين من حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 575 من م ت نتيجة المزاحمة التي قد تقع بينهم ، فإنه غالبا ما يلجأ أولئك الدائنون خاصة الابناك إلى طلب رهون رسمية رغبة في زيادة امتيازهم وحماية حقوقهم في مواجهة باقي الدائنين[25]،وعليه متمتع بحق أولوية إلى حق الأسبقية المخول له بمقتضى المادة 575 من م ت بحيث يستوفي دينه قبل الدائن المستفيد من هذه المادة والذي لا يتمتع إلا بحق الأسبقية فقط .
    وعليه نخلص إلى أن ضمانة الرهن تعد بمتابة حماية للدائن خاصة الأبناك التي لن تقبل المجازفة بأموالها إلا إدا كانت متأكدة من استيفاء ديونها عند تاريخ الاستحقاق وبالاسبقية تجاه كل الدائنين.
     ونعتقد بأن الخاسر الأكبر في معادلة السباق بين الدائنين المستفيدين من حق الاسبقية المنصوص عليه في المادة 575 من م ت هم الأجراء ،بحيت ان المشرع لم يعاملهم معاملة تاخد بعين الاعتبار خصوصيات ديون هؤلاء -مثلما فعل المشرع الفرنسي- بحيث سيجد هؤلاء الدائنين (الأجراء) أنفسهم أمام دائنين مستفيدين من حق الأسبقية بمقتضى المادة 575 من م ت بالإضافة إلى ان دينهم مقرون بضمانات أخرى كالرهون الرسمية ،وهذا ما سيجعل ديون هؤلاء تؤدى بالأسبقية على ديون الأجراء ،وهذا في نضرنا ينطوي على حيف وظلم وجور في حق الأجراء ،ينبغي على المشرع المغربي التنبه له عند تعديله مقتضياة الكتاب الخامس من م ت المتعلق بصعوبات المقاولة.

الفقرة الثانية:آثــار حق الأسبقية على النزاعات الناشئة بين الدائنين المستفيدين منه وباقي الدائنين الآخرين

      على الرغم من أن حق الأسبقيىة جاء على إطلاقه كما يبدو من ظاهر المادة 575 من م ت ،إلا أن هناك فئات من الأشخاص يمكنهم بحكم مركزهم القانوني أن يحصلوا على حقوقهم بالأسبقية على جميع الدائنين حتى ولو نشأ دينهم بعد حكم فتح مسطرة التسوية القضائية ويتعلق الأمر في ضل التشريع المغربي بالدائنين المضمونة ديونهم بضمانات دات أولوية وأخص بالذكر الدائن المرتهن رهنا حيازيا والدائن الذي له حق الحبس( أولا) بالإضافة إلى أصحاب الحقوق التي تقبل الاسترداد خلال سير مسطرة التسوية أو التصفية القضائية(ثانيا)

أولا:الدائنين المضمونة ديونهم بضمانات ذات أولوية

    أوردت المادة 657 من م ت إستثنائين على قاعدة منع أداء الديونهم الناشئة قبل حكم فتح مسطرة التسوية القضائية ويتعلق الأمر بالدائن المرتهن رهنا حيازيا والدائن صاحب حق الحبس .

     أ الدائن صاحب الرهن الحيازي
     بالرجوع إلى المادة 657 من م ت نجدها تمنع أداء كل دين نشأ قبل صدور الحكم الفاتح لمسطرة التسوية القضائية بإستثناء أداء الديون لفك الرهن أو لاسترجاع الشيء المحبوس قانونا يتوقف عليه نشاط المقاولة.
     إلا أن هدا الاستثناء يثير الاشكال المتعلق بمرتبة الدائن المرتهن في مواجهة الدائن المتمتع بإمتياز المادة 575 من م ت وكيفية تسوية النزاع بينهما ؟
     هدا التساؤل أثار نقاشا حادا بين الفقه ،فإدا رجعنا إلى الفقه الفرنسي نجده يعتبر بأن الدائن المرتهن الدي نشأ دينه قبل فتح المسطرة يمكنه تجاوز الدائن اللاحق دينه لفتح المسطرة في الحالة التي يكون فيها الشيء المرهون ضروريا لمتابعة نشاط المقاولة [26] ودلك طالما أن الدائن المرتهن يستفيد في هدا الإطار من امتياز خاص بحيث يستطيع الاحتفاض بالشيء المرهون إلى غاية الوفاء بالدين ،وفي هده الحالة لا يستطيع السنديك استرجاع الشيء المرهون – والدي يعتبر ضروريا لمتابعة نشاط المقاولة- إلا إدا قام بأداء دين الدائن المرتهن بعد أن يكون قد حصل على إذن من قبل القاضي المنتدب.
     إلا أن هدا الموقف تم إنتقاده من قبل بعض الفقه المغربي وأخص بالدكر الأستاد أحمد شكري السباعي ،الدي اعتبر أنه لا يمكن للدائن المرتهن الدي نشأ دينه قبل حكم فتح مسطرة المعالجة أن يتجاوز الدائن الحاصل على حق الأسبقية بعلة أن هذه الديون المتمتعة بحق الأسبقية تسبق في الأداء كل الديون السابقة بما فيها تلك المقرونة بإمتيازات أو ضمانات[27].
     إلا أننا لا نتفق مع هذا التوجه الأخير لأنه فسر تفسيرا حرفيا مقتضياة المادة 575 من م ت دون ربطها بالفقرة الثانية من المادة 657من م ت وفلسفة المشرع المغربي من خلال هده المادة التي تهدف إلى إنجاح مسطرة التسوية القضائية إنطلاقا من فك الرهن عن الشيء المرهون الدي يعتبر ضروريا لمتابعة نشاط المقاولة ،وبالتالي فإنه من الأجدر أداء ديون الدائن المرتهن قبل الديون اللاحقة للحكم الفاتح لمسطرة المعالجة، ذلك أنه ليس من المنطقي فك الرهن عن الشيء المرهون دون الوفاء بديون الدائن المرتهن.

ب الدائن صاحب حق الحبس
    يعد حق الحبس بمتابة إمكانية تخول للدائن حق حبس الشيء الموجود في حوزته كما تخول له الحق رفض تسليم الشيء المحبوس للمدين إلى حين الأداء الكامل للدين شرط أن يكون حاصلا على سند يبرر هدا الحبس وأن يكون الشيء المحبوس في ملكية المدين [28].
    انسجاما مع رأينا و كما هو الشأن بالنسبة للدائن المرتهن فإن الدائن صاحب حق الحبس يمكنه استيفاء ديونه بالأسبقية على الدائنين المستفيدين من حق الأسبقية المقرر في المادة 575من م ت وهدا ما يستخلص من مقتضياة المادة 657 من م ت والتي سبقت الإشارة إليها حول السماح للقاضي المنتدب بالترخيص للسنديك بأداء الديون الناشئة قبل الحكم الفاتح لمسطرة التسوية القضائية لفك الرهن أو لاسترجاع شيء محبوس بصفة قانونية إدا كان يستلزمه متابعة نشاط المقاولة.
    ونستنتج أن العبرة من جعل الدائن المضمون دينه برهن حيازي أو بحق حبس والناشئ قبل حكم فتح مسطرة المعالجة يستوفي دينه بالأسبقية على الدائنين المخاطبين بأحكام المادة 575 من م ت ،تكمن في كون الرهن الحيازي وحق الحبس يسمح للدائن المعني بالأمر الإحتفاض بحيازة الشيء المرهون أو المحبوس إلى ان يتم تمكينه من دينه[29].

ثانيا  : أصحاب الحقوق القابلة للإسترداد

    يعرف بعض الفقه حق الإسترداد بأنه حق يمنحه القانون لمالك شيء أو مال لإسترجاعه من يد المدين المحكوم عليه بمسطرة من مساطر المعالجة[30].
    إن صاحب حق الاسترداد يستد في طلبه على حق ملكية المنقول، الموجود في حوزة المدين أو المقاولة الخاضعة لمسطرة المعالجة ،الأمر الدي يعني أن مركز صاحب حق الاسترداد أقوى من مركز الدائن المستفيد من مقتضياة المادة 575 من م ت لانه يستند في طلبه على حق الملكية كما سبقت الإشارة إلى ذلك ،وبالتالي فإن ما يرغب في استرداده يوجد في ملكيته وليس في ملكية المقاولة الخاضعة لمسطرة المعالجة.
     ومهما كان فإنه لا يمكن ممارسة حق استرداد المنقولات إلا في آجال محددة طبقا للمادة 667 من م ت، بحيث تمارس دعوى الاسترداد خلا التلاثة أشهر التالية لنشر الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية.

خـــاتــــمة

من كل ما سبق، يتبين أن المشرع المغربي أولى اهتماما خاصا لحماية الدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية، من خلال إعطائهم الحق في استيفاء ديونهم في تاريخ الاستحقاق بالأسبقية على باقي الدائنين السابقين، نظرا لمجازفتهم في تمويل المقاولة خلال وضعية الصعوبة التي تمر بها.
غير انه شتانا بين ما يتصور فكرا يفترض و ما يرتبط حقيقة و واقعا، فتفحص الواقع العملي و تتبع مختلف إشكاليات تطبيق هذا الحق، يتبين أن الحماية التي يقرها حق الأسبقية تبقى عقيمة و جد محدودة لعدة أسباب منها ما هو قانوني و منها ما هو واقعي ، كما تم توضيحه، و الذي لم يرقى إلى ما طمح إليه المشرع عند اعتماده. 

لائحة المراجع:

Ø   الكــتــب:
ü    أحمد شكري السباعي ،الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها المرجع السابق ،الجزء التالت.
ü    محمد الفروجي ، صعوبات المقاولة و المساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها، دراسة تحليلية نقدية لنظام صعوبات المقاولة المغربي في ضوء القانون المقارن و الإجتهاد القضائي ، سلسلة الدراسات الفانونية 4.
ü    كريم أيت بلا,استمرارية المقاولة في إطار التسوية القضائية,على ضوء العمل القضائي,مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع, الطبعة الأولى,2008.
Ø   الأطروحات والرسائل:
ü    عبد الكريم عباد,دور القضاء في معالجة صعوبات المقاولة,أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق, كلية الحقوق عين الشق,الدار البيضاء,السنة الجامعية:2003-2004.
ü    حياة حجي ،نضام الضمانات وقانون صعوبات المقاولة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي  ،الرباط السنة الجامعية 2009-2010.
ü    زايد اليزير,"بعض خصائص الدائنية في نظام معالجة صعوبات المقاولة", رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون والمقاولة, بجامعة مولاي إسماعيل مكناس, السنة الجامعية:2011 2012.

Ø   المقالات:
ü    إبراهيم قادم,"امتياز المادة 575 من مدونة التجارة, بين قصور الصياغة وإشكالات التطبيق" مجلة المعيار, ع ,41, يونيو 2009.
ü    عبد الرزاق الزيتوني,"تنازع الدائنين بين امتياز المادة 575 من م.ت. وباقي الضمانات الاخرى",مجلة المنتدى,ع,3 يونيو 2002.
ü    محمد صابر,"أثر فتح المسطرة على الديون الامتيازية",مجلة المعيار ,ع,33.
ü    أحمد شكري السباعي,"مسطرة التسوية القضائية(أو التصحيح القضائي) والتصفية القضائية وتمويل المقاولة",مجلة المحاكم المغربية,ع,80,يناير-فبراير2000.
ü    حياة حجي، النزعات الناشئة بين الدائنين وحلها عبر حق الأسبقية المقرر بالمادة 575 من مدونة التجارة، مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات ،عدد 9،سنة شتنبر 2005.
ü    أحمد شكري السباعي ،مسطرة التسوية القضائية والتصفية القضائية وتمويل المقاولة ،المدونة الجديدة للتجارة،أشغال اليوم الدراسي الدي نضمه المركز المغربي للدراسات القانونية نالرباط.
ü    عبد الحميد أخريف ، محاضرات في مساطر الوقاية و المعالجة من صعوبات المقاولة ، ملقاة على طلبة الإجازة السداسية 6 ، 2012-2013.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]   تنص المادة 575 من مدونة التجارة على انه : " يتم سداد الديون الناشئة ديونهم بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية، بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات".
[2]  إبراهيم قادم,"امتياز المادة 575 من مدونة التجارة, بين قصور الصياغة وإشكالات التطبيق" مجلة المعيار, ع ,41, يونيو 2009,ص20.
[3]  زايد اليزير,"بعض خصائص الدائنية في نظام معالجة صعوبات المقاولة", رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون والمقاولة, بجامعة مولاي إسماعيل مكناس, السنة الجامعية:2011 2012 ,ص87.
[4]  privilège des privilèges.
[5]  قراررقم 2062/2000 الصادر بتاريخ 10/10/2000 غير منشور.
[6]  Conseil constitutionnel 18 février 1985 D 1986 .425.Bote T.Renon.
[7]  عبد الرزاق الزيتوني,"تنازع الدائنين بين امتياز المادة 575 من م.ت. وباقي الضمانات الاخرى",مجلة المنتدى,ع,3 يونيو 2002,ص,
163-164.
 كريم أيت بلا,استمرارية المقاولة في إطار التسوية القضائية,على ضوء العمل القضائي,مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع, الطبعة الأولى,2008,ص,110.
[8]  محمد صابر,"أثر فتح المسطرة على الديون الامتيازية",مجلة المعيار ,ع,33,ص,119.
[9]  أحمد شكري السباعي,"مسطرة التسوية القضائية(أو التصحيح القضائي) والتصفية القضائية وتمويل المقاولة",مجلة المحاكم المغربية,ع,80,يناير-فبراير2000,ص,12 ومابعدها.
 عبد الكريم عباد,دور القضاء في معالجة صعوبات المقاولة,أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق, كلية الحقوق عين الشق,الدار البيضاء,السنة الجامعية:2003-2004,ص,384-385.
[10]  قرار رقم 49,صادر بتاريخ 16/07/2008,ملفين عدد188/07,قرار منشور بالمجلة المغربية للقانون الاقتصادي,ع,3,السنة,2011,ص,216.
[11]     العقود الجارية هي تلك العقود التي تربط المقاولة بالمتعاملين معها و التي هي في طور التنفيذ ، كعقود التزويد بالسلع و الخدمات مثلا و توصف بالعقود المستمرة في الزمن حيث تكون ضرورية لاستمرار نشاط المقاولة .
انظر عبد الحميد أخريف ، محاضرات في مساطر الوقاية و المعالجة من صعوبات المقاولة ، ملقاة على طلبة الإجازة السداسية 6 ، 2012-2013 ،  ص 40 .
[12]  محمد الفروجي ، صعوبات المقاولة و المساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها ،دراسة تحليلية نقدية لنظام صعوبات المقاولة المغربي في ضوء القانون المقارن و الإجتهاد القضائي ، سلسلة الدراسات الفانونية 4 ، ص388 .
[13]  Cour de cassation français-arrèt Commercial- 4 Mars1997 -Buletin Civil-18-N62 -P 56 .
[14]   عبد الحميد أخريف ، مرجع سابق ، ص 49  .
[15]   محمد الفروجي ، مرجع سابق ص 389 .
[16]  يتعلق الأمر بقاعدة المنع من الأداء للديون المنصوص عليها في النادة 657 من م تخح و المنع من إنشاء ضمانات و تقييدها طبقا للمادتين 578 و 606 من م تج و كذا مخافة الجزاءات المقررة للتصرفات المنجزة خلال فترة الريبة طبقا للمواد 681 -682 -683-684 من م تج من قبيل عقود بلا مقابل بعد التوقف عن الدفع أو إبرام عقود بمقابل تكون مفيدة أو مكلفة بالنسبة للمقاولة.
[17] - حياة حجي، النزعات الناشئة بين الدائنين وحلها عبر حق الأسبقية المقرر بالمادة 575 من مدونة التجارة، مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات ،عدد 9،سنة شتنبر 2005، ص 52.
[18] - محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، قرار صادر بتاريخ 30-3-2001، رقم 1499-2000-11. غير منشور، أوردته حياة حجي، م، س، ص
[19]- حياة حجي، م، س، ص 59.
[20] - بالرغم أن المشرع المغربي لم يوضح من خلال المادة 575 أن هذا المبدأ يشمل باقي مراحل التسوية على خلاف نظيره الفرنسي الذي أكد ذلك من خلال مقتضيا المادة 32-621 من مدونة التجارة الفرنسية.
[21] -حياة حجي ،النزاعات الناشئة بين الدائنين وحلها عبر حق الأسبقية المقرر بالمادة 575 من مدونة التجارة،مقال منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات ،عدد 9،سنة شتنبر 2005، ص 53.
[22] -حياة حجي،المرجع السابق،ص54
[23] -افروجي محمد ،م س ،ص 392
[24] -انضر الفصول من 1241إلى 1250 من ق ل ع م
[25] -حياة حجي ،م س ،ص 60
[26] -حياة حجي ،نضام الضمانات وقانون صعوبات المقاولة ،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي  ،الرباط السنة الجامعية 2009-2010،ص 266
[27] -أحمد شكري السباعي ،مسطرة التسوية القضائية والتصفية القضائية وتمويل المقاولة ،المدونة الجديدة للتجارة،أشغال اليوم الدراسي الدي نضمه المركز المغربي للدراسات القانونية نالرباط،ص 55 وم بعدها
 أوردته حياة حجي ،المرجع السابق ،ص 267
[28] -حجي حياة ،نضام الضمانات وقانون صعوبات المقاولة،المرجع السابق،ص17
[29] -لفروجي محمد ، م س ،ص 391
[30] -أحمد شكري السباعي ،الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها المرجع السابق ،الجزء التالت ،ص 257-258. 
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات