القائمة الرئيسية

الصفحات

ميراث بنت الابن



مقدمة
بنت الابن صاحبة فرض نسبي، وهي من الفروع الوارثات بهذا الفرض استحقته بصلة القرابة والنسب. والمراد ببنت الابن هي كل بنت للميت عليها ولادة غير مباشرة، أي: بواسطة ابنه أو ابن ابنه، فتشمل بنت الابن، وبنت ابن الابن، وبنت ابن ابن الابن، وهكذا مهما نزلت درجة الابن.
وحكم بنت الابن في الميراث كحكم البنت الصلبية تمامًا في أغلب الحالات -كما سنبينه- فترث النصف فرضًا كالبنت الصلبية، وترث الثنتان منهن فأكثر الثلثين فرضًا كالصلبيات. وقد ترث بنت الابن أو بنات الابن بالتعصيب أيضًا، وذلك بشرطه الخاص في كل منها.
وقد ترث بنت الابن أو بنات الابن السدس فرضًا، فإذا كانت واحدة استقلت به، وإذا كانتا ثنتين أو أكثر قُسِّم بينهما أو بينهن بالتساوي، وذلك بحكمه وشرطه.
وقد تُحجَب بنت الابن أو بنات الابن عن الميراث حرمانا، فلا ترث أو فلا يرثن أبدا، وذلك بحكمه وشرطه كذلك، وهذا قدر متفق عليه بين جماهير أهل العلم سلفا وخلفا، ولبيان ذلك وشرحه نقول:
حالات ميراث بنت الابن:
تتفق بنت الابن مع البنت في الميراث في أغلب الحالات، وتختلف عنها في حالات أخرى كما ذكرنا. ومن ثم فإن حالات بنت الابن في الميراث خمس حالات؛ الثلاث الأولى منها تشترك فيها مع البنت الصلبية والبنات الصلبيات، والحالتان الأخيرتان تنفرد بهما.

أحوال ميراث بنت الابن

الحالة الأولى:
ترث بنت الابن النصف فرضا كالبنت الصلبية، ولكن ذلك بشروط هي:
1- عدم وجود بنت صلبية أو بنات صلبيات من باب أولى.
2- انفرادها، أي: عدم وجود بنت ابن أخرى معها.
3- عدم وجود من يعصبها وهو ابن الابن، سواء كان أخاها أم ابن عمها.
ومثال ذلك: مات عن: أب، زوجة، بنت ابن.
للزوجة الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث، ولبنت الابن النصف فرضا؛ لانفرادها وعدم وجود بنت صلبية وعدم وجود من يعصبها وعدم وجود من يحجبها، وللأب السدس فرضا والباقي تعصيبًا.
الحالة الثانية:
ترث الثنتان فأكثر من بنات الابن الثلثين فرضًا كالبنات الصلبيات أيضًا، وذلك بشرطين:
الأول: عدم وجود بنات صلبيات أو بنت صلبية واحدة.
الثاني: عدم وجود من يعصبهن وهو ابن الابن، سواء كان أخًا أو ابن عم.
مثال ذلك: مات عن: زوجة، أخ لأب، بنتي ابن.
للزوجة الثمن فرضًا لوجود الفرع الوارث، ولبنتي الابن الثلثان فرضًا لعدم وجود بنت صلبية أو بنات صلبيات وعدم وجود معصب لهما، وكذلك الحال لو كان أكثر من بنتي ابن، فإن الثلثين يقسمان بالسوية بين الموجود منهن مهما كان عددهن، وللأخ لأب الباقي تعصيبًا.
الحالة الثالثة:
ترث بنت الابن أو بنات الابن بالتعصيب وذلك إذا وجد معها من يعصبها، وتكون في هذه الحالة عصبة بالغير، والذي يعصبها ابن ابن في درجتها، أو أنزل منها إذا كانت محتاجة إليه وهو ابن ابن الابن، ويكون إرثها كما قلنا بالتعصيب، للذكر مثل حظ الأنثيين سواء مع العاصب المساوي، أو العاصب الأقل في الدرجة.
والعاصب الذي هو في درجتها هو أخوها أو ابن عمها، وفي هذه الحالة تعطى الفروض لأصحابها، ثم يقسم الباقي على بنت الابن وابن الابن، للذكر مثل حظ الأنثيين. ومثال ذلك:
- مات عن: زوجة، أب، أم، بنت ابن، ابن ابن.
للزوجة الثُّمن فرضًا لوجود الفرع الوارث، وللأب السدس فرضًا، وللأم السدس فرضًا، والباقي لبنت الابن وابن الابن تعصيبًا للذكر مثل حظ الأنثيين.
والعاصب الذي هو أنزل منها هو ابن ابن الابن (ابن ابن عمها)، أو (ابن أخيها)، فالأول عصب بنت عم أبيه، والثاني عصب عمته.
وإرث بنت الابن هنا مع ابن ابن الابن بالتعصيب ثابت حتى مع وجود بنتين صلبيتين، والسبب في إرثها -بنت الابن- بالرغم من وجود صلبيتين هو وجود هذا المعصب؛ لأنها لو لم ترث لورث وحده دونها؛ لأنه عاصب وهو أقل منها في الدرجة، وهذا غير معهود في الشريعة الإسلامية أن يرث الأبعد أو الأقل في الدرجة ولا يرث من هو أقرب منه أو أقوى، وهذا هو القريب المبارك.
ومثال بنت الابن مع العاصب الذي هو أنزل منها درجة: مات عن: زوجة، بنتين، بنت ابن، ابن ابن ابن.

للزوجة الثمن فرضًا لوجود الفرع الوارث، وللبنتين الثلثان فرضًا لعدم وجود معصب لهما في درجتهما، والباقي بين بنت الابن وابن ابن الابن تعصيبًا للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقد ورثت بنت الابن هنا بالرغم من وجود البنتين الصلبيتين اللتين استغرقتا أقصى فرضهما وهو الثلثان؛ وذلك بسبب وجود العاصب وهو ابن ابن الابن -أي: ابن ابن عمها- ولولاه لحُجبت بالصلبيتين وورث هو وحده بالتعصيب، وهو أقل منها درجة وهذا غير معهود كما ذكرنا؛ فلذلك عصب بنت عم أبيه وورثت معه وورث هو ضعفها، إذ جُبِر بُعْدُه بعصوبته.
وبعد، فهذه هي الحالات الثلاث التي تتفق وتشترك فيها بنت الابن مع البنت الصلبية.
الحالة الرابعة:
وهذه أولى الحالتين اللتين تنفرد بهما بنت الابن عن البنت الصلبية.
وهذه الحالة أن ترث بنت الابن أو بنات الابن السدس فرضًا تكملة الثلثين الذي هو فرض البنات، فإذا كانت بنت الابن واحدة استقلت بالسدس، وإذا كن أكثر من واحدة اقتسمْنَه بالسوية.
وترث بنت الابن أو بنات الابن السدس عند وجود بنت واحدة أعلى في الدرجة، سواء كانت بنتًا صلبية أو بنت ابن أقرب، بشرط ألا يوجد مع بنت الابن الأقرب من يعصبها وهو ابن الابن.
فإذا كان الورثة: بنتًا، وبنت ابن، وعمًّا شقيقًا؛ فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللعم الباقي تعصيبًا. ولو كان الورثة: بنت ابن، وبنت ابن ابن، وعما شقيقا؛ فلبنت الابن النصف فرضا، ولبنت ابن الابن السدس فرضا تكملة الثلثين، وللعم الباقي تعصيبا. فلو كان بدل العم هنا ابن ابن، فإن التركة تكون بين بنت الابن وابن الابن تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا شيء لبنت ابن الابن لبعدها ووجود الأقرب منها، وهي بنت الابن التي وُجد معها عاصب في درجتها.
الحالة الخامسة:
وهذه هي ثانية الحالتين اللتين تنفرد بهما بنت الابن عن البنت في الميراث.
وهذه الحالة أن تُحجَب بنت الابن أو بنات الابن عن الميراث حجب حرمان، وذلك إذا كان للميت فرع وارث أقرب منها، سواء كان من الذكور أو من الإناث، وهذا يكون في حالتين:
الأولى: بالابن الصلبي أو ابن الابن الأعلى منها درجة، فلو كان ابن وبنت ابن، فالتركة كلها للابن ولا شيء لبنت الابن لحجبها بالابن؛ لأنه أقرب منها وهو في نفس الوقت عصبة بنفسه، فلا ترث معه بالتعصيب. وأيضا لا ترث معه بالفرض؛ لأنها وإن أدلت به فلا ترث مع أصلها (أبيها) وإن أدلت بأخيه (عمها) فيحجبها كذلك؛ لأنه مساوٍ لأبيها، فما ثبت لأحد المثلين فإنه يثبت لمساويه بالضرورة. ولو كان ابن ابن وبنت ابن ابن فالتركة كلها لابن الابن، ولا شيء لبنت ابن الابن لحجبها بابن الابن الذي هو أقرب منها وعصبة بنفسه كما بينا، بل لو كان ابن ابن وابن ابن أبن لحجب الأولُ الثاني لقربه وقوته كذلك.
الثانية: بالبنتين الصلبيتين، أو بنتي الابن الأعلى منها درجة، فلو كان بنت ابن مع بنتين صلبيتين فإنها لا ترث شيئًا لاستغراق الصلبيتين لفرض البنات وهو الثلثان. ولو كان بنت ابن ابن مع بنتي ابن، فإن بنت ابن الابن لا ترث شيئا لاستغراق بنتي الابن فرض البنات وهو الثلثان كما سبق في الصلبيتين، فإذا وجد مع بنت الابن في حالة وجود الصلبيتين عاصب في درجتها أو أنزل منها، أو وجد مع بنت ابن الابن في حالة وجود بنتي الابن عاصب كذلك في درجتها أو أنزل منها، فإن هذه أو تلك تأخذ الباقي تعصيبًا مع معصبها للذكر مثل حظ الأنثيين؛ وذلك لأن الصلبيتين أو بنتي الابن لم يصبهما ضرر؛ لأنهما قد أخذتا أقصى فرضهما المقرر لهما شرعًا عند التعدد وهو الثلثان، فليس لهما شيء بعد ذلك؛ نظرًا لوجود العاصب الذي هو أحق به مع من عصّبه، وهذا هو القريب المبارك.
دليل ميراث بنت الابن:
قد دل على ميراث بنت الابن كلٌّ من الكتاب والسنة والإجماع والقياس:
أولًا: الكتاب الكريم:
قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11].
وجه الدلالة من الآية:
قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11] حقيقة في ولد الصلب، مجاز في ولد الابن. يقول الجصاص: قد أريد به أولاد الصلب وأولاد الابن إذا لم يكن ولد الصلب، إذ لا خلاف أن من ترك بني ابن وبنات ابن أن المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين بحكم الآية، وكذلك لو ترك بنت ابن كان لها النصف، وإن كنَّ ثنتين فأكثر كان لهن الثلثان على سهام ميراث ولد الصلب. فثبت بذلك أن أولاد الذكر مرادون بالآية، واسم الولد يتناول أولاد الابن كما يتناول أولاد الصلب، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] ولا يمتنع أحد أن يقول: إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- من ولد هاشم ومن ولد عبد المطلب، فثبت بذلك أن اسم الأولاد يقع على ولد الابن وعلى ولد الصلب جميعًا، إلا أنَّ أولاد الصلب يقع عليهم
هذا الاسم حقيقة، ويقع على أولاد الابن مجازًا؛ ولذلك لم يردوا في حال وجود أولاد الصلب، ولم يشاركوهم في سهامهم وإنما يستحقون ذلك في أحد حالين، إما أن يُعدَم ولد الصلب رأسا فيقومون مقامهم، وإما ألا يحوز ولد الصلب الميراث فيستحقون بعض الفضل أو جميعه.
ثانيا: السنة النبوية المطهرة:
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي قيس قال: سمعت هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن: ابنة وابنة ابن وأخت، فقال: للابنة النصف وللأخت النصف، وأْتِ ابن مسعود فسيتابعني، فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال: لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم: للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم.
وجه الدلالة من الحديث:
الحديث نص صريح في أن فرض بنت الابن مع البنت هو السدس، وأن هذا هو قضاء المعصوم -صلى الله عليه وسلم- الذي ليس بعده قضاء، وأن هذا الفرض حدد بكونه السدس لتكملة الثلثين أقصى فرض البنات، وعلى ذلك فيكون هو فرض بنات الابن عند التعدد مع وجود البنت لتكملة الثلثين كذلك.
ثالثًا: الإجماع:
يقول ابن قدامة: أجمع أهل العلم على أن بنات الابن بمنزلة البنات عند عدمهن في إرثهن وحجبهن لمن يحجبه البنات، وفي جعل الأخوات معهن عصبات، وفي أنهن إذا استكملن الثلثين سقط مَنْ أسفل منهن من بنات الابن وغير ذلك.
رابعًا: القياس:
وهو قياس أولاد الابن على أولاد الصلب، بجامع أن كلًّا ينتظمه لفظ أولاد في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]. فهو حقيقة في أولاد الصلب، مجاز في أولاد الابن.
والله أعلم

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات