القائمة الرئيسية

الصفحات

اللغة القانونية وخصوصيتها

اللغة القانونية وخصوصيتها

اللغة القانونية وخصوصيتها




مقدمة 

      شكلت اللغة القانونية محط اهتمام الفقه والقضاء ويتجلى ذلك من خلال العناية الفائقة التي خصها الباحثون لمجال لغة القانون أمثال ،"جون جاك روسو"، و مونتسيكيو في مؤلفه القيم ( روح القوانين) .وعلاوة على ذلك ، فالمتتبع للتطور التاريخي سيتبين له المراحل التي مرة بها اللغة القانونية ،بدءا من القانون الرماني ،قانون الألواح الإثنى عشر ، قانون حمورابي.   وشكل ظهور الطباعة واختراع الآلة وتراجع الكتابة محل الشهادة العامل المساعد في تطور لغة القانون ويتجلى ذلك من خلال المواضيع التي عالجتها كمؤسسة التشريع والبحوث ذات الصلة بالمجتمع المدني.
 وهكذا إذن يمكن أن نعرف اللغة القانونية حسب الدكتور عبد القادر الشيخلي، بكونها لغة متخصصة مستقاة من القانون كعلم نظري وكنشاط تطبيقي ،فهي تترجم الأحكام القانونية والوقائع القانونية والعلاقات والمراكز القانونية بلغة محددة     خاصة بهذا العلم. وتكمن جدوى اللغة القانونية في التعبير عن الحقائق القانونية بلغة مطابقة لإرادة ، ومن تم تفسير النصوص طبقا لهذه الإرادة (1).   
وتكتسي اللغة القانونية أهمية قصوى ليس فقط من الناحية الثقافية والتواصلية لكونها وسلية لنقل الأفكار ذاكرة لتاريخ الشعوب ، بل لكونها أيضا أداة للتأصيل والتقعيد القانوني والتقنين، أي وضع وصياغة الضوابط القانونية ،كما أنها تفيد فهم القصد القانوني لدى المشرع .(2)                                                                            
ويطرح هذا الموضوع إشكالية بالغة تتجلى فيما يلي :                     
ماهي طبيعة اللغة القانونية ؟ وماهي خصائصها وأنواعها ؟

المبحث الأول : طبيعة اللغة القانونية وأهميتها 


تتميز اللغة القانونية بكونها ذات طبيعة خاصة كما أنها تحضى بأهمية بالغة في العلوم الإجتماعية بصفة عامة والعلوم القانونية بصفة خاصة، ومنه سنخصص المطلب الأول  لطبيعة اللغة القانونية على أن نخصص المطلب الثاني لأهميتها.

المطلب الأول : طبيعة اللغة القانونية

تعتبر اللغة القانونية لغة دقيقة وصعبة وذلك راجع للعديد من الأسباب منها ما يرجع لطبيعة القانون ومنها ما يعود للغة التي يستخدمها .
وعليه فإن اللغة القانونية ترتبط بطبيعة معيارية وإلزامية وتقنية.

أولا: اللغة القانونية ذات طبيعة معيارية

يسعى القانون لضبط الحياة داخل المجتمع من خلال فرض الواجبات وإكتساب الحقوق ،فالقانون يشمل الأخلاقيات والمعايير التي يبحث عنها الناس من تحقيق  بعض المبادئ والمفاهيم كالمساواة والإنصاف والحرية والحق... وكنتيجة لذلك فاللغة المستخدمة في القانون والتي تساعد على تحقيق هذه الأهداف بطبيعتها لغة تقريرية.

ثانيا: اللغة القانونية ذات طبيعة إنجازية

 فمن طبيعة اللغة القانونية أنها تهدف إلى تحقيق شيء معين مثلا عقد البيع المبرم بين البائع والمشتري تترتب عنه آثار هامة منها إنتقال ملكية الشيء من البائع إلى المشتري مقابل تسليم المبلغ المتفق عليه في العقد ، وهذا يجعل اللغة القانونية لغة إنجازية لأنها ترتب أثار ونتائج[1]

ثالثا: اللغة القانونية ذات طبيعة تقنية

اختلف الباحثون حول اعتبار لغة القانون لغة تقنية ،فالبعض يرى أنها جزء لا يتجزء عن اللغة العربية باعتبارها  اللغة الأم ،في حين يرى البعض الأخر أنها لغة تقنية ويبرر هؤلاء قولهم بمجموعة من الحجج والبراهين منها :

إن اللغة القانونية لغة تقنية ويصعب على القارئ العادي فهم مقتضيتها لكونها تستخدم مصطلحات دقيقة ومركبة ،كما أن المعجم القانوني وتركيبته يمنحانها خصوصيات تجعل منها لغة تقنية مستقلة عن غيرها وهذا ما قاله كل من "برنارد جاكسون".[2]

المطلب الثاني: أهمية اللغة القانونية

في إطار مادة لغة القانون يقع تنزيل النص القانوني ضيقا على الدرس اللغوي النصي، وذلك أن النص في نهاية المطاف هو عصب النضام القانوني وينبغي في إطار مادة لغة القانون الإنتقال من تحليل الجملة إلى تحليل النص وبالتالي إكتشاف أصول اللغة القانونية.
كما تعكس لغة القانون تفاعلا لغويا بين المشرع والمخاطبين بأحكام القانون، كما تعكس أيضا السمات النصية للغة القانون، وكذا وسائل التماسك الفضي والمعنوي بين نصوصها بوصفها نصوصا لغوية، بالاضافة إلى تحديد مصادر الخصوصية اللغوية والبنائية لطبيعة النص القانوني،
ومدى تفاعله باعتباره نصا لغويا يرتبط إرتباطا وثيقا بالسياق الإجتماعي الذي يتم إنتاجه في إطاره.
تحتاج اللغة القانونية إلى ذقة الصياغة حتي يتمكن النص من تحقيق الهدف المتوخى منه، بمعني أنه إلى جانب الصياغة الذقيقة ينبغي إشتراك تبسيط الخطاب كذلك بعيدا عن التعقيد اللفضي أو المعنوي.[3]

 المبحث الثاني : خصائص اللغة القانونية وأنواعها

تمتاز اللغة القانونية بمجموعة من الخصائص تكسبها استقلالية ،كما تنقسم الى مجموعة من الأنواع تميز كل حقل معرفي من حقل القانون.

المطلب الأول:خاصيات اللغة القانونية

تعتبر اللغة القانونية في حد ذاتها تلاقحا بين اللغة والقانون أي أن هناك تأثيرا متبادلا بين اللغة والقانون[4] .
 وفي هذا الإطار سنستعرض خاصيات اللغة القانونية  التي أوردها Cornu.G في مؤلفه "علم اللغة القانونية"[5].

الفقرة الأولى:اللغة القانونية  لغة متخصصة

 خاصية الاختصاص

اللغة القانونية أي النصوص القانونية ليست مفهومة تلقائيا من طرف العامة ،ما عدا رجال القانون.
فاللغة القانونية موجودة لكونها غير مفهومة عند غالبية الناس . فمصطلحاتها خارج الحلقة الطبيعية لدائرة المفاهيم المتعارف عليها في علوم اللغة الأم بين أفراد نفس المجمتع اللغوي .
فاللغة القانونية موجودة لأن القانون يعطي معاني محددة لبعض المصطلحات اللغوية ، ومجموع هذه المصطلحات يكون المعجم القانوني الذي يصطلح عليه بلغة القانون، فهي إذن لغة داخل اللغة.
 فالمعجم القانوني عبارة عن مجموعة من ألفاظ اللغة، إلا أن هذه المصطلحات لها مفاهيم خاصة بها تستعمل حصرا في ميدان القانون ولا تؤخذ بمفهومها اللغوي.
وتجدر الإشارة إلى أن الألفاظ المكونة للمعجم القانوني المتعددة المعاني هي الأكثر تواجدا من المصطلحات القانونية المستحدثة  التي لا معنى لها في اللغة الأم.

الفقرة الثانية: تبسيط لغة القانون

إن المقصود بتبسيط اللغة القانونية ليس معناها جعلها لغة عامية أو الاستغناء عن الانضباط الفكري للقانون.
وتبسيط لغة القانون لا يتم عبر التشطيب على مفردات اللغة القانونية أو استبعاد كل المصطلحات التقنية والمفاهيم، بل يراد به تبسيط تركيبات الجمل بمراعاة معاني مفردات اللغة. وتجدر الإشارة إلى أن اللغة القانونية ليست هي أساس التعقيدات في فهم النصوص القانونية ، لكن بعض مواضيع القانون المتخصصة هي الأصل في التعقيد وليس للغة دخل في ذلك .
فلغة القانون ليست لغة -un langage n’est pas une laungue- ولكن مجرد استعمال فريد ومختص ومحدد للغة العامة.
وخلاصة القول ، إن خاصية تبسيط اللغة القانونية وجعلها سهلة الفهم للعموم هو أمر نسبي لأن هذا الالتزام الواقع على المشرع تحده مجموعة من الإكراهات وعلى رأسها أن بعض مواضيعه لها طبيعة تقنية.

الفقرة الثالثة: تقنية اللغة القانونية:

ما تلزم الإشارة اليه هو ان جل مميزات هذا الحقل المعرفي هي مستمدة من القانون بحد ذاته فمعظم المواد موضوع التنظيم القانوني هي التي تتصف بالتقنية وليست اللغة فما اللغة الى فرع يتبع الأصل.

المطلب الثاني: أقسام اللغة القانونية

يمكن الحديث عن ثلاثة أنواع أو صور تأتي عليها اللغة القانونية، فهي إما أن تكون نصا تشريعيا أو مادة فقهية أو أحكاما قضائية، ولكل منها مميزاتها الخاصة نتولها في مايلي:

أولا: لغة التشريع

ويقصد بها اللغة التي ترد في التشريعات على اختلاف أنواعها بدءا بالدستور، فالقانون العادي،فالأنظمة والتعليمات. وهذه تندرج من حيث القيمة القانونية، ولايجوز للتشريع الأدنى مخالفة التشريع الأعلى. وتمتاز لغة التشريع بعدة مميزات نذكر بعضا منها بشيء من الإيجاز:[6]

ـ كثرة التعاريف:

يلجأ المشرع إلى تعريف المصطلحات التي يستخدمها حتى يضمن أمرين؛ الأول هو التفسير والتطبيق، فالنصوص التشريعية أدوات يستعملها القضاة والفقهاء، وكلما كان النص غامضا كلما أصبحت منطقة الاجتهاد في التفسير أو سع وزادت إمكانية الخروج بتطبيق مختلف عما أراده المشرع، ولهذا يوضح المشرع إرادته حتي لا يتم الالتفاف عليها.

ويمكن تعليل كثرة التعاريف في لغة التشريع بسببين:

الأول: أن تعريف مصطلح معين يختلف فيما بين اللغة القانونية واللغة العادية،فالكثير من الكلمات تستخدم في اللغة العادية لتدل على معاني تختلف عنها فيما لو استعملت ذات الكلمات في اللغة القانونية. ومن الأمثلة على ذلك تعبير المنقول ففي اللغة العادية هو ما ينقل من مكان لآخر أما في القانون فهو مال.

ثانيا: أن معني المصطلح نفسه يختلف في اللغة القانونية باختلاف السياق الذي يستخدم فيه، فعلى سبيل المثال تعبير استحقاق له عدة معاني قانونية منها تاريخ حلول الأجل، او الإستحقاق بمعنى الحق في ملكية شيء ما ، فعلى الباحث  تحديد أي معنى يريده المشرع انطلاقا من السياق العام من خلال .
إضافة إلى ذلك أن معظم القوانين تتضمن بابا خاصا في مقدمة القانون يسمي بالتعاريف او الأحكام العامة، وهذا يبين معني المصطلح في بداية القانون، مما يغني عن التكرار هذا التعريف في كل مرة يذكر في هذا المصطلح، كما يفيد هذا الجزء من القانون أن هذا المصطلح وأينما ورد له دلالة واحدة، هي تلك المبينة في مقدمة القانون، وتزداد أهمية هذه المادة (مادة التعريفات) في القوانين التي تتعامل مع قضايا مستحدثة وتستعمل مصطلحات غير متعارف عليها.[7]

 ـ تفرد اللغة القانونية ببعض التعابير والمصطلحات

وتعني هذه الخاصية أن هناك العديد من المفردات التي لا نجد لها إستعمالا إلا في القانون ومنها دائن ومدين، مدعى ومدعى عليه...

ـ اللغة القانونية عامة و مجردة

فهي تخاطب الصفات لا الذوات ويتم التعبير عن خاصية العموم والتجريد من خلال إستعمال أدوات مثل " كل من، كل شخص ،متى" ومن الأمثلة على ذلك :

المادة 6  من قانون الشغل "يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني، تحث تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين، لقاء أجر، أيا كان نوعه، وطريقة أدائه.
يعد مشغلا كل شخص طبيعي أو إعتباري، خاصا كان أو عاما، يستأجر خدمات شخص ذاتي واحد أو أكثر".

ـ كثرة إستخدام الفعل المضارع في اللغة القانونية

ويعود ذلك إلى أن الفعل المضارع ينصرف إلى الحاضر والمستقبل مما يستقيم مع عمومية وتجريد اللغة القانونية[8]

ـ إستعمال الجمل القصيرة

عادة ما يكون التعبير في لغة التشريع مقتصرا على عدد محدد من الكلمات، دون الإسهاب في الشرح والتفصيل.
فاذا تعذر استعمال جملة واحدة قصيرة للتعبير عن الفكرة يمكن اللجوء لبعض  البدائل منها إستعمال عدة جمل قصيرة وتقطيعها بالفواصل أو إستخدام أسلوب التعداد في بنود، حيث يتم إستعمال مجموعة من الجمل القصيرة.[9]

ـ إستعمال المبني للمعلوم

أي تحديد شخص الفاعل المكلف بتنفيذ الحكم القانوني، أو الشخص المرتكب للمخالفة.

ـ إستعمال التعبير الاجابي أو السلبي

ويعني التعبير الاجابي  الوصول لمراد المشرع بطريقة مباشرة، بينما يتم الوصول لها في التعبير السلبي بمفهوم المخالفة وغالبا ما يستخدم التعبير السلبي صيغ النفي مثل " لا، ليس". ويجدر ملاحظة أن التعبير الايجابي أفضل وأكثر وضوحا.

ـ إستعمال صيغة المذكر للدلالة على الذكر واللأنثى

ليس من الشائع مخاطبة الذكر والأنثى بنصوص مختلفة، حيث يخاطب النص صفة بصرف النظر عن الجنس. فيستعمل القانون تعابير مثل: بائع، مشتري، شريك، دائن،مدين، مريض مرض الموث وغير ذلك قاصدا الرجل والمرأة. وعلى الرغم من ذلك فقد يستخدم المشرع لغة خطاب خاصة بالمرأة عندما يقصد من الحكم فقط المرأة.[10]

ـ إستخدام تعابير خاصة للدلالة على طبيعة القاعدة القانونية

فاذا إستخدم المشرع تعابير مثل " يجب "، "يبطل"،"لا يجوز"، "يشرط"  فهذه كلها تدل على أن القاعدة القانونية آمرة. أما إستخدام تعابير مثل "يجوز"،" مالم يتفق على غير ذلك"، فهي تدل على أن القاعدة القانونية مكملة.

ـ إستخدام الجمل الشرطية

وهي جملة تنقسم إلى شقين يسمي الشق الأول منها فعل الشرط أما الشق الثاني فيسمى جواب الشرط، بمعنى أنه إذا تحقق شرط أو  متطلب معين ترتب على ذلك نتجة قانونية معينة.[11]

ثانيا: لغة الفقه

وهذه لغة حرة لا تتقيد بقيود، ويقصد بلغة اللفقه التي يستخدمها الكتاب والشراح في تفسير وتأصيل النصوص والنظريات القانونية، ونجد هذه اللغة في الكتب والأبحاث والرسائل الجامعية. ومن الجدير باذكر أنه لا توجد قيود أو شروط تفرض علي لغة الفقه، وخاصة الكتب والمراجع، حيث من حق أي باحث أن يؤلف كتابا ويطرحه في السوق ولا توجد جهة تراقب الشكل والمضمون لهذا الكتاب. على أن الأبحاث والرسائل الجامعية تخضع لرقابة، حيث يتم تقييمها من قبل متخصصين.

ثالثا: اللغة القضائية

يستخدم القضاة في قرارتهم القضائية والوثائق التي تخرج عنهم مصطلحات خاصة مثل الخصوم، الدعوى، وتتضمن الوثائق الصادرة عن القضاء المعلومات الثالية:
إسم المحكمة،أسماء الخصوم،طلبات الخصوم، الدفوع القانونية، وقائع الدعوى، أسباب الحكم.[12]

المبحث الثالث: الترجمة وطرق اكتساب اللغة القانونية

المطلب الاول: الترجمة في العلوم القانونية:

إن الترجمة القانونية هي قبل كل شيء ترجمة بين لغتين قانونيتين تعبران عن نظامين قانونيين مختلفين. وهذا يعني أن المصطلح القانوني محدود سلفًا بالنظام القانوني الذي ينتمي ذلك المصطلح القانوني إليه، وأنه لا يمكن فهمه وبالتالي ترجمته إلا من خلال ذلك النظام القانوني. من ثمة كان على مترجم النصوص القانونية أن يكون ملمًا بالنظامين القانونيين للغة المنقول منها واللغة المنقول إليها، وأن يترجم المصطلح القانوني للغة المنقول منها بما يقابله ويكافئه وظيفيًا من مصطلح قانوني في اللغة المنقول إليها، أي أن يعتمد استراتيجية (التكافؤ الوظيفي) طالما كان اعتماد هذه الاستراتيجية ممكنًا. ولكن هذه الاستراتيجية ليست دائمًا ممكنة في عملية الترجمة، مما يفرض على المترجم اعتماد تقنيات واستراتيجيات أخرى.[13]

المطلب الثاني : طرق اكتساب اللغة القانونية

لا شك أن اللغة القانونية لها مقوماتها الخاصة بها،ونظرا لأهميتها فلا بد للتطرق لبعض الأساليب التي تمكن المهتم القانوني وخاصة الطالب من اكتساب هذه اللغة للمضي قدما في المجال، لذا ارتأينا ذكر بعض الأساليب أوالطرق  التي من شأنها أن تسهل اكتساب اللغة القانونية[14].

الفقرة الأولى:القراءة والكتابة

أولا– القراءة:

القراءة هي المجال الأهم من بين مجالات النشاط اللغوي، وأداة من أدوات اكتساب المعرفة القانونية، والإقبال على القراءة من المعايير التي يقاس بها رقي المجتمعات، فعندما سئل فولتير عمن سيقود الجنس البشري، أجاب: "الذين يعرفون كيف يقرؤون ويكتبون".
ويرى الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون: "أن القراءة تصنع الإنسان الكامل"
فالقراءة عملية لغوية، تكسب خبرة لغوية وتوظف الحواس في خلق تواصل مع الرموز اللغوية مشاهدة ونطقا وفهما، والتدرب على وصل الرموز بالمعاني دون إغفال للسياق وخصوصيته، ومن تم نخلص إلى الاستيعاب القرائي.
فالقراءة إذن عملية عقلية وفكرية معقدة، تصل جملة من الأطراف، وترمي في نهاية المطاف إلى الفهم واكتساب الخبرة وتحصيل العلم في ضوء تفاعل القارئ مع المقروء واحترام السياق،وقراءة كل ما يتعلق بالحقل القانوني مرتبط أساسا باهتمام الباحث القانوني وشغفه للحصول على المعلومة،وخاصة  أن هذا المجال يِؤطر بلغة مميزة ومحايدة تستعمل ألفاظا قانونية دقيقة لا تقبل الخلط مع باقي الأساليب.
وبهذا فإن القراءة تعتبر من أهم المهارات التي من شأنها أن تمكن الباحث القانوني من اكتساب اللغة القانونية إلى جانب الكتابة.

ثانيا: الكتابة

لأسلوب الكتابة أهمية كبيرة في تحويل أغراض التشريع إلى مجموعة متماسكة من القواعد المنسجمة والواضحة، والتي يسهل استخلاص الأحكام القانونية منها على الوجه الذي ينسجم مع أغراض التشريع، ويستحسن الأخذ بعين الاعتبار المقترحات التالية:
1 -   الكتابة في المجال القانوني يستحسن أن تكون واضحة والصياغة بسيطة وموجزة .
2-    تكوين النصوص من عبارات ذات دلالة على المعنى المقصود من النص.
3 -   تجنب استخدام عبارات أو مصطلحات تدل على جنس معين.
4-    في حال أن محتوى النص يشير إلى عدد من الحالات أو ينظم أكثر من شأن، أو يتضمن شروطاً لبعض الحالات التي هي جزء من مضمونه يفضل تحديد عناصر النص وتقسيمها عند الصياغة إلى أجزاء على شكل فقرات.
5-    ضبط التعريفات: التعريف هو تخصيص للمعنى الذي رمى إليه المشرع لفهم دلالة العبارة، لذلك ينبغي استخدام التعريفات فقط عندما يكون معنى المصطلح مهماً لفهم وتطبيق التشريع المقترح أو إذا تم استخدام المصطلح بشكل متكرر في التشريع. كما يفترض أيضاً عند وضع التعريفات مراعاة المعاني التي خصصت لها العبارة المُعرّفة في القوانين القائمة .
ويمكن تلخيص سمات الجملة القانونية لغوياً في الغالب الأعم بما يلي:
- طول الجملة القانونية بشكل مبالغ فيه واعتمادها دائما على التراكيب المعقدة.
- التباعد بين أجزاء الجملة التي تكون في الجمل العادية عادة بجوار بعضها.

الفقرة الثانية:الاستماع والمحادثة

أولا :الاستماع

إن القدرة على الإصغاء بشكل جيد بمثابة الدواء السحري، الذي يؤتي ثماره الجمة، لإنجاح أية قضية تطرح للتفاهم بين اثنين أو أكثر، وهذه القدرة - بلا شك - تتطلب قدراً كبيراً من الأمانة مع الذات، فضلاً عن التواضع وضبط النفس. إن الإصغاء ضرب من الفنون الجميلة التي تحتاج إلى مهارة فائقة تزيل من الأذهان الاعتقاد السائد لدى بعض الناس أن الإنصات مسألة لا تحمل أي أهمية، وأن على المرء الإسراع بأخذ زمام المبادرة لمقاطعة محدثه، ثم الاسترسال بالكلام، لأنه على قناعة بأن الاستماع سيجعله في غاية السلبية فعليه أن يتجنب هذه السلبية بشتى الوسائل.
لا ينبغي استباق الحكم على ما يقوله المتحدث أو القفز إلى النتائج مباشرة، كما أنه لا ينبغي أن نجزئ ذهننا بحيث نستمع إلى جزء ونبحث بجزء آخر عن معلومة مشابهة لما يتحدث به جليسنا فإن هذا من شأنه أن يشوه الموضوع ويفقده حيويته.
يقول الكاتب ديل كارينجي مؤلف كتاب «دع القلق وابدأ الحياة»: (إذا كنت تريد أن ينفض الناس من حولك ويسخروا منك حينما توليهم ظهرك فهاك الوصفة ،لا تعط أحداً فرصة الحديث، تكلم بغير انقطاع، وإذا خطرت لك فكرة بينما غيرك يتحدث فلا تنتظر حتى يتم حديثه فهو ليس ذكياً مثلك فلم تضيع وقتك في الاستماع إلى حديثه السخيف؟ اقتحم عليه الحديث واعترض في منتصف كلامه) عندئذ ستكون المنتصر على جليسك.
يقول ابن المقفع (تعلم حسن الاستماع، كما تتعلم حسن الكلام ومن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، وقلة التلفت إلى الجوانب، والإقبال بالوجه، والنظر، والوعي لما يقول).
كم يسأم المرء من جليسه عندما ينفرد بالحديث، ويحرص على التعبير عن جزئيات نفسه والقفز على أساسيات الموضوع غير آبه بحق محدثه، ومعرفة درجة وعيه، وإنما يسعى دائما إلى طرح ما في جعبته من القصص، والأفكار المختلفة في نسيجها والتي لا تحمل في مجملها ملمحا مشوقا.
انه أمر مؤسف أن يمتلك المرء كافة أساليب المقاطعة الكلامية بينما يعوزه الحد الأدنى من الصبر، الذي هو من أهم مقومات الإصغاء لإضفاء روح الجمال والشفافية على موضوع المناقشة.

ثانيا :المحادثة

الحديث أو المحادثة هي فن اجتماعي, فمن خلال الملاحظة والتجربة من الممكن أن يصبح الشخص الخجول شخصاً ماهراً في إدارة أي نقاش وسط جماعة وليس مع فرد واحد فقط بعينه ... فهل تتخيل مدى الجرأة التي سيصل إليها هذا الشخص بإتباعه قواعد المحادثة لكي يلتف الآخرون من حوله لتبادل الآراء حول موضوع عام أو خاص. ومن القواعد الأولية أن تكون لطيفاً تبدي اهتماماً بكلام الآخرين.
وتجد الشخص الاجتماعي تتوافر فيه صفة هامة هي الإنصات للغير باهتمام ،وترك الفرصة لهم للتحدث بل وإشعارهم بأهميتهم وبهذا ستكسب نقاط لصالحك ،فكيف تبدأ الحوار مع شخص في موضوع قانوني؟
بالتحدث عن قانون معين, أو عن قاعدة قانونية أثارت جدلا. فلا يشترط تحدثك بكثرة حتى تبدو ملما بالموضوع.
كما لا يجب أن تحتكر الحديث بأكمله ولا تعطى الفرصة للغير. لكن في  الأحيان قد لا تستطيع الفرار من إطالة الكلام. وفى هذه الحالة لكسر رتابة الحديث توجه الأسئلة للأشخاص المنصتين عما إذا كان لهم رأي آخر في الشأن القانوني محل النقاش. ليس السكون والهدوء من حولك يعنى الاهتمام بما يقوله الشخص أو أن له شأن لكنه قد يعنى الملل ... وللابتعاد عن سماع ملاحظات محرجة مثل "هل انتهيت من حديثك" عليك بتنمية حاسة التمييز لديك عما إذا كان غيرك يشعر بالملل من حديثك أم لا وتحديد الخط الفاصل .

خاتمة

خلاصة القول، فإن الإلمام باللغة القانونية واستيعابها على نحو دقيق يتطلب التخصص في الدراسات القانونية، والتعمق في الجوانب التشريعية والفقهية والقضائية من هذه اللغة، وهذا لن يتيسر إتاحته علي نحو كاف إلا للدارسين المجدين والراغبين في امتلاك ناصية هذه اللغة، ومن ثم يتميز القانون كفكر وكنشاط عن سائر أفكار وأنشطة العلوم والمعارف الأخرى. فإذا قرأنا مصطلحا قانونيا فالمفترض أن يكون معناه واضحا ومدلوله محددا، ولن يختلف اثنان بشأن المصطلح الواضح المعنى البين.
صفوة القول في هذا الشأن أن المشغلين في حقل القانون مشرعين كانوا أو فقهاء أو قضاة لن ينجحوا في عملهم التخصصي ولن يستقيم تفكيرهم المهني ما لم يتمكنوا من اللغة القانونية تمكننا محمودا وتاما.
--------------------------------------------------------------------------------
(1)   د. عبد القادر الشيخلي ،الصياغة القانونية ، دار الثقافة عمان  الأردن، ط الأولى سنة 2014م -1435ه : ص 312
(2) - د. عادل الخصاصي ، محاضرات ألقيت على طلبة الفصل الثالث من سلك الإجازة سنة 2012-2013  
[1] د عادل الخصاصي محاضرات ألقيت على طلبة الفصل الثالث من سلك الإجازة سنة 2012-2013
[2] د عبد القادر الشيخلي ،مرجع سابق ،ص: 322
[3] الدكتور عادل الخصاصي ـمحضرات ألقيت على طلبة الفصل الثالت . سلك الإجازة ـ السنة الجامعية 2013ـ2012
[4]  Eliane DAMETTE,Didactique du français juridique, éditions L’Harmattan,2007,p88 .
[5] CORNU.G, linguistique juridique, éditions Montchrétien ,2000,introduction ,p9-46 .cité par Eliane DAMETTE ,op.cité ,p88.
[6] الدكتورة  نسرين سلامة محاسنة ـ مهارات البحث والكتابة ـ  دار المسيرة ، الطبعة الأولى 2011 م / 1432ه الصفحة 135 
[7] المرجع سابق صفحة 136
[8] المرجع سابق صفحة 138
[9] المرجع سابق صفحة 139
[10] نسرين سلامة محاسنة ـ مهارات البحث والكتابة القانونية ـ دار المسيرة ، الطبعة 2015 م/1432ه صفحة 140-141
[11] نفس المرجع صفحة 42و43.
[12] نفس المرجع صفحة 42و43.
[13] للتعمق اكثر راجع بحث الاستاذ :عبد الرحمان السليمان منشور على الرابط التالي: http://www.atinternational.org/forums/showthread.php?t=8625
[14] عرض حول اللغة القانونية  لطلبة ماستر العلوم القانونية -أكدال  السنة الجامعية: 2014/2015

لائحة المراجع

اللغة العربية

* نسرين سلامة محاسنة ـ مهارات البحث والكتابة القانونية ـ دار المسيرة ، الطبعة 2015
* دكتور الكتاني: دراسة المصطلحات القانونية، الجزأين الأول والثاني.
* د. عبد القادر الشيخلي ،الصياغة القانونية ، دارالثقافة عمان الأردن، الطبعة الأولى      سنة 2014م
* الدكتور عادل الخصاصي ـمحضرات ألقيت على طلبة الفصل الثالت . سلك الإجازة ـ السنة الجامعية 2013ـ2012

اللغة الفرنسية

* Eliane DAMETTE,Didactique du français juridique, éditions L’Harmattan,2007.

* CORNU.G, linguistique juridique, éditions Montchrétien ,2000,introduction.


مواضيع أخرى قد تهمك
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. هل لغة القانونية نفسها لغة البحث القانوني

    ردحذف

إرسال تعليق

شاركنا برأيك