القائمة الرئيسية

الصفحات

النظام القانوني لاتفاقية التحكيم التجاري الدولي

النظام القانوني لاتفاقية التحكيم التجاري الدولي

النظام القانوني لاتفاقية التحكيم التجاري الدولي
النظام القانوني لاتفاقية التحكيم التجاري الدولي


مقدمة
يمثل القرار التحكيمي الهدف النهائي من نظام التحكيم كله، إذ تصب جميع المراحل التي مر بها نظام التحكيم في هذه المرحلة الأخيرة التي تترجم الحل النهائي للنزاع بين الأطراف، ويلتقي القرار التحكيمي الصادر عن التحكيم المؤسساتي أو الحر مع الحكم الصادر من طرف المؤسسات القضائية من ناحية  طبيعته القانونية وآثاره الملزمة، إلا أن فعالية التحكيم كأسلوب لفض المنازعات تتوقف على حجم القدرة على تنفيذ الحكم التحكيمي الذي لا يمكن أن تكون له قيمة عملية إذا لم يتم تنفيذه، ومن ثم يكون من الضروري تحقيق ا لفعالية للحكم التحكيمي التجاري الدولي من خلال ضمان تنفيذه.
وفي هذا  الإطار، حرصت معظم الاتفاقيات الدولية المعنية بالتحكيم أساسا على الوصول إلى أيسر السبل لتنفيذ أحكام التحكيم الدولية بغية تحقيق الحد الأقصى من الفعالية للحكم التحكيمي أولا، والإقرار بحق القضاء الوني في أعمال الرقابة على أحكام التحكيم الدولي من خلال الاعتراف بإمكانية الطعن في حكم التحكيم بالبطلان.
وفي هذا الإطار يمكن طرح الإشكال التالي: فإلى أي حد تكتسي اتفاقية التحكيم التجاري الدولي الفعالية من حيث التنفيذ؟



وانطلاقا من ذلك يمكن الانطلاق من الفرية التالية: عملت الدول جاهدة على وضع قواعد دولية متعلقة بالتحكيم التجاري الدولي فيما يخص الاعتراف وتنفيذ اتفاقية التحكيم التجاري الدولي، إلا أنها قد حرصت على عدم إلغاء الرقابة القضائية للدول في ما يخص إعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية، وعليه يمكن تقسيم الموضوع إلى:
المبحث الأول: شروط إصدار قرارات التحكيم وتنفيذها
المبحث الثاني: الرقابة القضائية على تنفيذ اتفاقية التحكيم التجاري الدولي

المبحث الأول: شروط إصدار قرارات التحكيم وتنفيذها


تنتهي إجراءات التحكيم التجاري الدولي، بانتهاء المحكمين بالنظر في النزاع وبإصدار الحكم التحكيمي، فأغلب التشريعات المقارنة تنصب على أن تحتوي كل قرارات التحكيم على نفس العناصر التي تحتوي عليها القرارات القضائية.

المطلب الأول: البيانات التي يتعين أن يتضمنها القرار التحكيمي

تحتوي كل اتفاقية التحكيم التجاري الدولي على ما تحتويه القرارات القضائية من وقائع وأسباب ويتعين أن تصدر وفق شكل معين للاعتراف لها بالصيغة التنفيذية في البلد الذي ستطبق فيه.

الفقرة الأولى: شكل القرار التحكيمي

الكتابة:
تنصب غالبية القوانين والقواعد التحكيمية[1] على ضرورة إصدار القرار التحكيمي كتابة لكي يتسنى إيداعه المحكمة المختصة لإضفاء الصفة التنفيذية عليه، وقد جاء ذلك في القواعد التي تهم التحكيم التجاري الدولي، فقد نصت الفقرة الثانية م المادة 34 من قواعد الأونسترال على أنه "يصدر قرار التحكيم كتابة...." كما تضمن القانون النموذجي للتحكيم الذي أعدته اللجنة المذكورة نصا مماثلا في المادة 31 من حيث جاء فيه "يصدر قرار التحكيم كتابة ويوقعه المحكم أو المحكمون...".

اللغة التي يحررها القرار:
إن للطرفين حرية الاتفاق على استعمال لغة أو لغات معينة في إجراءات التحكيم، فإذا لم يتفقا على ذلك فعندئذ يرجع إلى نصوص ا لقواعد الإجرائية للتحكيم المتعلقة بمعرفة اللغة التي تستخدم في التحكيم، فمثلا نصت الفقرة الثالثة من المادة الخامسة عشر من قواعد الغرفة التجارية الدولية على أن "المحكم يحدد اللغة أو اللغات التي يجري بها التحكيم مراعيا في ذلك الظروف ولاسيما لغة العقد.
وعلى كل حال فإن اللغة التي تستعمل في الإجراءات هي اللغة التي يكتب بها قرار التحكيم ويلاحظ أن بعض القوانين الوطنية تشترط استعمال اللغة الوطنية أمام هيئة التحكيم وبالتالي فإن ذلك ينطبق على اللغة التي يصدر بها القرار.
وتنص المادة 4 من اتفاقية نيويورك أن طالب الاعتراف والتنفيذ، إذا كان الحكم أو الاتفاق غير محرر بلغة البلد الرسمية المطلوب إليها التنفيذ، أن يقدم ترجمة لهذه الأوراق بهذه اللغة، وأن يشهد على الترجمة عن طريق مترجم رسمي أو محلف.

المدة التي يصدر خلالها القرار:
أغلب القواعد التحكيمية وكذلك القوانين تحدد مدة معينة لى المحكمة أن يصدروا خلالها قرارهم التحكيمي الذي يضع حدا للنزاع. وبذلك لكي لا يتراخى المحكمون في نظر النزاع فتضيع ميزة السرعة التي يسندها الخصوم.[2]
والقاعدة هي إعطاء الأولوية لاتفاق الطرفين في تحديد المدة التي تنتهي بانتهائها مهمة المحكم، وبعبارة أخرى المدة التي تنتهي فيها إجراءات التحكيم بما في ذلك إصدار القرار التحكيمي، وتحديد المدة يرد في الشرط التحكيمي وقد يتفق الطرفان فيما بعد تحديد مدة التحكيم ويملك الطرفان تمديد المدة المذكورة وقد يكون ذلك صراحة أو ضمنا[3].

الفقرة الثانية: محتويات القرار التحكيمي

أسماء المحكمين:
من الضروري ذكر أسماء المحكمين في القرار التحكيمي وقد جرت العادة على ذكر صفاتهم وعناوينهم والطريقة التي تم تعيين كل منهم بها وكيفية اختيار المحكم الرئيس، في  بعض القرارات الدولية يشار إلى قبول المحكم لمهمته، كما أن عقد التحكيم يتم بعد قبول المحكم لمهمته، وكذلك المدة التي يجب خلالها إصدار قرار التحكيم، وأن بعض القواعد القانونية تنص صراحة على أن المدة المحددة تبدأ اعتبارات من تاريخ قبول آخر واحد من المحكمين للمهمة المذكورة.[4]

أسماء أطراف النزاع:
يجب ذكر اسم كل طرف من أطراف النزاع في التحكيم، وقد يشار إلى طالب التحكيم بالمدعي والشخص المطلوب الحكم ضده بالمدعى عليه أو يطلق على الأول مصطلح طالب التحكيم وعلى الطرف الثاني المطلوب التحكيم ضده.
وقد يكون الخصوم أشخاصا طبيعية أو معنوية وفي حالة الشخص الطبيعي يذكر اسم ل واحد كاملا مع عنوانه، أما إذا كان الخصوم أو أحدهم من الأشخاص المعنوية فيذكر اسم الشخص المعنوي ومركز أعماله، كما يذكر في القرار أسماء المحامين أو المستشارين لكل طرف في حالة وجودهم.

الإشارة إلى اتفاق التحكيم:
بعض النصوص القانونية لا تستوجب ان يرد ذكر لاتفاق التحكيم في القرار التحكيمي، ولكن نصوص أخرى تتطلب الإشارة إلى اتفاق التحكيم في القرار[5]، ونرى ضرورة الإشارة إلى اتفاق التحكيم في القرار سواء أكان الاتفاق قد ورد في صيغة شرط ضمن العقد الذي تم بين لطرفين أو بصيغة اتفاق لاحق لنشوء النزاع، وغالبا ما نجد مثل هذا الأمر في القرارات التحكيمية الدولية حيث يقال مثلا "وبناء على شرط التحكيم الوارد في الاتفاقية الموقع بين المدعي... والمدعى عليه... وبتاريخ.. ومفاده حسم جميع المنازعات التي ستنشأ عن تفسير أو تنفيذ هذا الاتفاق بالطرق الودية وفي حالة عدم التوصل إلى ذلك يصار إلى البت في النزاع عن طريق التحكيم بواسطة ثلاثة محكمين يختار كل طرف محكما واحدا ويختار الطرف الآخر المحكم الثاني ويجتمع المحكمان ويتم التحكيم وفقا للقانون..."[6].
وهذا ما نصت عليه الفصول 47-327 من قانون المسطرة المدنية، كما نصت عليه اتفاقية نيويورك في المادة 4.

موضوع النزاع: (الوقائع)
يذكر في القرار موضوع النزاع الذي أثير بين الطرفين المتعاقدين والذي أدى إلى طلب أحد الأطراف البدء بالإجراءات لكي يتم البت في ذلك النزاع بالتحكيم وغالبا ما نجد ملخصا عن سبب النزاع وملخصا لطلبات المدعي والأسباب التي دفع بها المدعى عليه لرد الطلب أو عدم موافقته على طلبات الخصم الأمر الذي أدى إلى عرض النزاع على التحكيم.

الأسباب التي بني عليها القرار:
نجد أغلب التشريعات أو الأنظمة القانونية[7] تنص على أن قرار التحكيم يجب أن يشتمل على أسبابه، أو ما يسمى بتسبيب قرار التحكيم، ويقصد بالتسبيب إيراد الحجج الواقعية والقانونية التي بنى عليها المحكم قراره. فمن خلال هذه الأسباب يجب أن تعرض هيئة التحكيم كل الأدلة والإثباتات التي تقدم بها الخصمان إليها سواء أكانت مبنية على أساس القانون  أو غيرها.
والمسألة الجوهرية في تسبيب القرار التحكيمي، هي أنه يجب أن يكون التسبيب كافيا، أي لا يجوز أن بنى القرار على أسباب غامضة أو متناقضة أو ناقصة.

منطوق القرار:
بعد الانتهاء من عرض وقائع الدعوى والأسباب التي ينبني عليها الحكم يأتي دور منطوق القرار، وهو ذلك الجزء من القرار الذي يعطي فيه المحكم حلا للنزاع أو هو الجزء الذي يفصل في نقاط الخصومة، ويشترط فيه أن يكون واضحا وصريحا، إلا أنه في الوقت نفسه لا يكون من الواجب أن يتضمن كل طلبات الصوم فيمكن أن يرد المنطوق في بعض الطلبات ويهمل الأخرى، وذلك استنادا إلى ما جاء في أسباب القرار، على اعتبار أن منطوق القرار هو الجزء الأخير من إجراء القرار التحكيمي، فما أن يحتمل حتى يقوم المحكمون بكتابة أسمائهم عليه وتواقيعهم.[8]
وفي ختام هذا المطلب، فإنه بعد إتمام كل هذه الإجراءات والمسائل التفصيلية التابعة للقرار التحكيمي ينتقل القرار من مرحلة صنعه إلى مرحلة الصدور أي صدور القرار التحكيمي، ولوقت صدور القرار أهمية كبيرة من الناحية القانونية ذلك أنه من ذلك التاريخ تبدأ المحكمة المختصة بالتحقق من سلامة الإجراءات التي اتبعتها هيأة التحكيم لإصدار قرارها الفاصل في الخصومة.[9]

المطلب الثاني: القواعد المتعلقة بتنفيذ اتفاقية التحكيم التجاري الدولي

لا يكتسي قرار التحكيم الفعالية إلا إذا تم الاعتراف به وتنفيذه، وهذا التنفيذ يخضع لمجموعة من القواعد التي بلورتها الاتفاقيات الدولية. وتشكل اتفاقية نيويورك لسنة 1958، واتفاقية واشنطن لعام 1965 أهم الاتفاقيات التي تناولت الاعتراف بمقرر التحكيم وتنفيذه، وكلتا الاتفاقيتين جعلت تنفيذ القرار التحكيمي خاضعا للقواعد القانونية للبلد المراد تنفيذه فيها.

الفقرة الأولى: اتفاقية نيويورك

لقد اقتصرت هذه الاتفاقية على مسألة واحدة من مسائل التحكيم التجاري الدولي، وهي مسألة الاعتراف بمقرر التحكيم وتنفيذه.[10]
تنص المادة الأولى من اتفاقية نيويورك على ما يلي: "تطبق الاتفاقية الحالية للاعتراف، وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في إليم دولة غير التي يطلب إليها الاعتراف وتنفيذ هذه الأحكام على إقليمها، وتكون ناشئة عن منازعات بين أشخاص طبيعية أو معنوية، كما تطبق أيضا على أحكام المحكمين التي لا تعتبر وطنية في الدولة المطلوب إليها الاعتراف أو تنفيذ هذه الأحكام...".
وفقا لهذه المعاهدة فإنها تسري على حالتين:

الحالة الأولى: إذا كان مقرر التحكيم المراد الاعتراف به أو تنفيذه قد صدر في إقليم دولة، ويراد الاعتراف به في إقليم دولة أخرى.
ويظهر من هذه الحالة أن المعاهدة قد اتخذت معايرا إقليميا من أجل تحديد الصفة الأجنبية لمقرر التحكيم المراد الاعتراف به وتنفيذه.
وكذلك لا تشترط الاتفاقية أن يكون قرارا التحكيم المراد الاعتراف أو في إقليم دولة غير متعاقدة، إلا إذا استخدمت الدولة المطلوب إليها الاعتراف الحق المنصوص عليه في الفقرة 3 من الاتفاقية، ففي هذه الحالة لا يجوز طلب الاعتراف أو تنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية الصادرة في إقليم دولة غير متعاقدة[11].

الحالة الثانية: سريان أحكام معاهدة نيويورك على مقرر التحكيم غير الوطني بالنسبة للدولة المطلوب إليها الاعتراف به أو تنفيذه.
في هذه الحالة الثانية يتعين استبعاد المعيار المكاني الذي يدخل في إطار الحالة الأولى، ويقتضي الأمر هنا التوسع في مفهوم مقررات التحكيم، وتحقيقا لهذا المعيار فإن قرارات التحكيم تعد غير وطنية إذا كانت إرادة الأطراف قد حددت قانونا أجنبيا ليطبق على إجراءات التحكيم أو ليطبق على التحكيم ذاته، فيعتبر قرار غير وطني القرار الصادر بصدد منازعة تتصل بمعاملة دولية، ولو كان انعقاد جلسات التحكيم قد تم في إقليم الدولة المطلوب إليها الاعتراف بمقررات التحكيم أو تنفيذها أو كانت مقررات التحكيم قد صدرت فيها.[12]
فالمادة الثالثة من الاتفاقية: تلزم الدول المتعاقدة أن تعترف بحجية قرارات التحكيم الأجنبية، وتنفيذها وفقا لقواعد الإجراءات المنظمة لعملية التنفيذ الموجودة في إقليم الدولة المطلوب إليها التنفيذ، لكن شرط عدم فرض شروط أكثر شدة أو دفع رسم زائدة من تلك المفروضة للاعتراف بمقررات التحكيم الوطنية وتنفيذها.
بالنسبة للشروط الواجب توفرها في مقرر التحكيم للاعتراف به وتنفيذه وفقا لهذه الاتفاقية، فإننا نعود إلى المادة الخامسة من الاتفاقية التي حددت الحالات التي يجوز للدولة المطلوب إليها الاعتراف وتنفيذ مقرر التحكيم، أن ترفض الاعتراف به وتنفيذه إذا كان الخصم الذي يحتج عليه بالمقرر قدم للسلطة المختصة لبلد التنفيذ الدليل على توافر حالة من الحالات.
أما الفقرة الثانية فقد أجازت للمحكمة المطلوب منها الاعتراف أن تحكم من تلقاء نسها برفض الاعتراف.

الفقرة الثانية: واشنطن

أعد هذه الاتفاقية البنك الدولي للإنشاء والتعمير بغرض تشجيع الاستثمارات في الدول النامية من خلال تأمين وسيلة لتسوية المنازعات الناشئة عن هذه الاستثمارات بطريق التحكيم.
أكدت هذه الاتفاقية على الفعالية الدولية لأحكام التحكيم حيث نصت المادة 54 منها على ضرورة اعتراف كل دولة بأحكام التحكيم وإلزامية تنفيذها كما لو كانت أحكاما وطنية نهائية صادرة من محاكمها الداخلية.[13]
واستثناء من ذلك فقد نصت المادة 53 من الاتفاقية على الأسباب التي تعطي الحق للدولة طرف من الأطراف أن يطلب كتابة من الأمين العام لمركز التحكيم إبطال الحكم التحكيمي أو وقف تنفيذه ذلك وفقا لأحد الأسباب الآتية:
-       عيب في تشكيل هيئة التحكيم.
-       تجاوز هيئة التحكيم لسلطاتها بشكل ملحوظ.
-       عدم صلاحية أحد أعضاء هيئة التحكيم.
-       عدم الالتزام الخطير لقاعدة من قواعد الإجراءات.
يلاحظ أن الحكم الصادر عن هيئة تحكيم المركز لا يخضع لأي طريق من طرق الطعن الداخلية في الدول للأطراف في اتفاقية واشنطن، ومن تم لا يمكن إبطاله إلا وفق الطريق الذي رسمته الاتفاقية ذاتها بنماء على سبب من الأسباب المذكورة.[14]

المبحث الثاني: الرقابة القضائية على تنفيذ اتفاقية التحكيم التجاري الدولي


لا يكون مقرر التحكيم كقاعدة قابلا للتنفيذ الجبري إلا بعد صدور الأمر بتنفيذه من جانب القضاء في الدولة المراد تنفيذه بها، بالرغم من أن مقررات التحكيم تعد عملا من أعمال الإرادة يستمد قوته الملزمة من اتفاق الأطراف المحتكمين على اللجوء للتحكيم لحل منازعاتهم بدل اللجوء إلى القضاء العادي، إلا أن القانون المنظم للتحكيم الداخلي أو الدولي يقرض اللجوء إلى القضاء الوطني من أجل تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية، وبالتالي صيرورته قابلا للتنفيذ شأنه شأن الأحكام الصادرة عن القضاء الوطني في الدولة التي ستنفذ فيها هذا الحكم، وبالتالي تحقيق الرقابة القضائية على قرارات التحكيم قبل تنفيذها.
فما هي إذن الأحكام المنظمة لتنفيذ مقررات التحكيم التجاري الدولي؟
وما هي طرق الطعن في تنفيذ هذه القرارات؟

المطلب الأول: الأحكام المنظمة لتنفيذ اتفاقية التحكيم التجاري الدولي

بعد إصدار المحكمين لقرار التحكيم في النزاع المعروض  عليهم، وقبل صيرورته قابلا للتنفيذ يجب أن تتوفر  في هذا القرار الشكليات السالفة الذكر، قبل تقديم طلب تنفيذ القرار التحكيمي، علما أن القاعدة هي أن تنفيذ هذه القرارات يكون اختياريا من الطرف الخاسر لكن في بعض الحالات يرفض هذا الأخير التنفيذ، إما يمتنع عن التنفيذ بشكل مباشر أو يتقدم ب الطعن في المقرر التحكيمي بالطرق المقرر قانونا، أمام رفض الطرق الخاسر تنفيذ مقرر التحكيم يلجأ الطرف الذي صدر القرار لصالحه إلى طلب التنفيذ الجبري من الجهات المختصة عن طريق طلب إفضاء الصيغة التنفيذية على مقرر التحكيم، هنا ينبغي التمييز بين قرارات التحكيم الوطنية.

الفقرة الأولى: تنفيذ قرارات التحكيم الوطنية

في ظل التعديلات التي أدخلت على قانون المسطرة المدنية أعطى المشرع اختصاص منح الصيغة التنفيذية لقرارات التحكيم لرئيس المحكمة التجارية الصادر المقرر في دائرتها، وإذا تعلق التحكيم باستئناف مقرر يكون الاختصاص للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وذلك طبقا للمادة 20 من قانون إحداث المحاكم التجارية الذي جاء فيها "يمارس رئيس المحكمة التجارية الاختصاصات المسندة إلى رئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية وكذا الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية" أما بخصوص الشكليات المتطلبة في طلب تنفيذ مقررات التحكيم [15]فإنها تبقى نفس الشكليات المتطلبة في الطلبات والمقالات المرفوعة إلى المحكمة بالإضافة إلى إرفاق طلب تذييل القرار التحكيمي بالصيغة التنفيذية بأصل الحكم التحكيمي موقع من طرف المحكم ولا يصدر الرئيس الأمر إلا بعد الاطلاع على وثيقة التحكيم، وتأكده من عدم مخالفة القرار التحكيمي للنظام العام، وبالرغم من تطبيق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل على أحكام المحكمين  فإن آثارها لا تسري بالنسبة للغير الذي يمكن أن يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة وفق الفصول 303 إلى 305 من ق.م.م ولو أمر بتنفيذه أو ذيلت بالصيغة التنفيذية، وإذا كان الحكم التحكيمي لا يقبل أي طعن مع  مراعاة مقتضيات 327.35 و327.36 بعده فإنه حسب مقتضيات الفصل 327.34 أن يكون الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية موضوع إعادة النظر طبقا للشروط المقررة في الفصل 402 بعده وذلك أمام المحكمة التي كانت ستنظر في القضية في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم.

الفقرة الثانية: تنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية

لعل الحديث عن النظام القانوني الذي يحكم تنفيذ اتفاقية التحكيم التجاري الدولي سواء كان من منظور الداخلي أو من منظور الاتفاقيات الدولية يثير العديد من الإشكاليات ذلك أن خضوع التحكيم التجاري الدولي لإجراءات  تنفيذ أحكامه بعيد عن القضاء الوطني يكرس استقلاليته عن القضاء الوطني[16] في حين بقاء الرقابة القضائية على أحكام التحكيم عند طلب تنفيذها يكرس ارتباط قد لا يكون مجديا في كثير من الفروض بين التحكيم والقضاء، الواقع أن إعطاء الصيغة التنفيذية لمقررات التحكيم يتم من قبل القاضي الوطني وحسب الإجراءات المسطرية الوطنية، بناء على مقتضيات المعاهدات الدولية الجماعية التي انخرط فيها المغرب 1960 كاتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ التحكيم الأجنبية حيث نصت في المادة الأولى " هذه الاتفاقية تطبق على الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في إقليم دولة غير تلك التي يلب فيها الاعتراف وتنفيذ الأحكام الناتجة عن الخلافات بين الأشخاص الطبيعية أو المعنوية وتطبق كذلك على أحكام التحكيم التي لا تعتبر من الأحكام الوطنية في الدول المطلوب فيها الاعتراف وتنفيذ الأحكام وتكون بذلك قد عالجت اتفاقية نيويورك مسألة تنفيذ القرار التحكيمي بموجب القوانين الوطنية  وبالتالي اللجوء إلى شتى طرق الإجبار المعمول بها بمقتضى تلك القوانين لجبر المحكم عليه على الوفاء بالتزاماته التي قررها الحكم التحكيمي، ونجد في الفقرة الثانية من المادة الولى من هذه الاتفاقية قد خولت للدول عند التوقيع أو التصديق على هذه الاتفاقية أو عند الانضمام إليها التحفظ على تطبيق هذه الاتفاقية وبالتالي حصر تطبيقها على الأحكام التحكيمية التي تصدر في دولة منظمة إليها ويشرط المعاملة بالمثل، ولا تقل اتفاقية واشنطن لسنة 1965 والتي صادق عليها المغارب 10/6/1967 أهمية بخصوص التطرق لتنفيذ قرارات التحكيم الدولية حيث خطت خطوة متقدمة في مجال إلزامية اتفاقية التحكيم التجاري الدولي وقوتها التنفيذية حيث اعتبرت بمقتضى المادة 54 في فقرتها الأولى قراراتها التحكيمية نهائية وواجبة التنفيذ في الدولة المنظمة إلى الاتفاقية كما لو كان الأمر يتعلق بتنفيذ حكم ادر عن محاكم تلك الدول، وهناك إلى جانب الاتفاقيات الجماعية اتفاقيات ثنائية مبرمة مع بعض الدول كالاتفاقية الموحدة للاستثمار رؤوس الأموال العربية الموقعة بعمان 112-1980 وانضم إليها المغرب 07/09/1989 ثم اتفاقية تسيير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية الموقعة في تونس بتاريخ 27/02/1981 والتي صادق عليها المغرب 16/12/1983، فغالبا ما توضع أحكام هذه الاتفاقيات في المقام الأول من أجل التعاون القضائي وتسهيل إجراءات تنفيذ هذه المقررات التحكيمية وتتجلى مدى مواكبة اتفاقية نيويورك لمتطلبات التنفيذ في تبسيطها لإجراءات تنفيذ مقرر التحكيم[17] حيث حددت المادة (4) من الاتفاقية الشكليات التي يجب على طالب التنفيذ التقيد بها والمحددة في تقديم الطلب التنفيذ إلى الجهة المختصة مشفوعا بأصل الحكم الرسمي أو صورة من الأصل تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند بالإضافة إلى أصل الاتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية، وصورة تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند وعلى طالب الاعتراف والتنفيذ ترجمة الحكم والاتفاق إلى لغة البلد الرسمية المطلوب إليها التنفيذ، ويشهد على الترجمة مترجم رسمي أو معلن أو أحد رجال السلك الدبلوماسي أو القنصلي.
والقضاء المغربي عندما يعرض عليه القرار ليضفي علية الصيغة التنفيذية لا يملك النظر (الدولي، الوطني) حسب المادة 5 من اتفاقية نيويورك ومدى استناده على شرط تحكيم صحيح أو سند تحكيمي صحيح.

المطلب الثاني: الطعن في قرار التحكيم التجاري الدولي

يعتبر التحكيم  ذو طبيعة مزدوجة فهو من جهة اتفاقي في مصدره لكونه يستمد سلطته من إرادة الأطراف وهو قضائي في وظيفته، لكون المحكم يقوم بمهام المنوطة بالقاضي لفصله في منازعات وإصدار أحكام فيها، وتكيفها على أنها أحكام يعني قابليتها للطعن فيها بالطرق القانونية مما يعني خضوعها لرقابة القضائية، إلا أن الطبيعة الخاصة لهذه المقررات المستمدة من إرادة الأطراف فلا يمن إعمال هذه الإمكانية على إطلاقها، وذلك بسبب ذاتية عدالة التحكيم، إلا أنه بالرغم من عدم اتفاق الدول على الطعن في هذه المقررات إلا أنه قد يكون هناك إجماع بخصوص الطعن بالبطلان على شروط محددة وإلا أصبح عرضة للاستبعاد والطعن.

الفقرة الأولى: الطعن بالبطلان في قرار التحكيم

يعترف بالمقررات التحكيمية الدولية في المغرب إذا أثبت وجودها من يتمسك بها شريطة عدم مخالفة هذا المقرر للنظام العام الداخلي والخارجي.
وما يطبق بشأن الاختصاص بالتذييل بالصيغة التنفيذية على المقررات الداخلية يطبق على مقررات التحكيم الأجنبية وفيما يتعلق بشروط قبول الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي في القانون المغربي  وهي كالتالي: أن يكون  الحكم التحكيمي قد صدر فعلا، أن يقدم داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليغه أن يكون هذا الحكم مذيل بالصيغة التنفيذية ويحدد حالات قبوله.
-   أن يكون هذا الحكم قد صدر في غياب اتفاق التحكيم أو بعد فوات الأوان.
-   تعين المحكم بصفة غير قانونية.
-   خروج الهيئة عن الإطار المحدد لها
-   عدم احترام حقوق الدفاع  
-   صدور الحكم مخالف للنظام العام
ويمكن أن يطعن بالاستئناف قبل الطعن بالبطلان أو مساولة في التقديم أي إذا صدر أمر بالتذييل بالصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي  يمكن أن يطعن فيه بالاستئناف من طرف ذي مصفحة عوض الطعن بالبطلان، وهذا النوع من الطعن يكون عندما يكون الحكم التحكيمي صحيح ولا يستشف منه حالات البطلان.

الفقرة الثانية: طرق الطعن الموجهة ضد القرار القضائي بتنفيذ المقرر التحكيمي

تنص الفصول 48-327 يكون الأمر الذي يرفض الاعتراف بالحكم التحكيمي أو يرفض تخويل الصيغة التنفيذية قابلا للطعن بالاستئناف.
أما فيما يخص وقف تنفيذ مقرر التحكيم الأجنبي فقد نص الفصل 53-327، 49-327 و51-327 أعلاه  تنفيذ الحكم التحكيمي، أما بخصوص آجال الطعون في المقرر التحكيمي الأجنبي التي توقف التنفيذ المقرر فقد نصت الفقرة الثانية من الفصل 53-327
على أنه "كما يوقف الطعن أم تأمر بوقف التنفيذ إذا ظهر لها ما يبرر ذلك، أما إذا كان مقرر التحكيم الأجنبي مشمولا بالنفاذ المعجل فإنه لا يوقف تنفيذه إلا إذا رأت المحكمة المختصة الناظرة في الطعن خلاف ذلك[18].
وبالنسبة للطعن بالاستئناف يتمثل في إخضاع التحكيم لنفس طرق الطعن الأحكام القضائية، ويجوز الطعن بالاستئناف في القرار الصادر بالاعتراف بحكم التحكيم الصادر بالخارج وأما الحالات التي لا يجوز فيها الطعن بالاستئناف فيكون في أربع حالات حالة تفويض الصلح حالة فصلهم في النزاع معروض على محكمة الاستئناف، حالة تنازل الأطراف عن الحق في الاستئناف.
تلعب الاتفاقيات الدولية في تقنين التجارة الدولية، وخصوصا تنظيم التحكيم التجاري الدولي دورا كبيرا، مقارنة مع باقي أنظمة التحكيم الأخرى ذات المرجعيات المتعددة، وأصبحت تشكل مرجعا لا يمكن الاستغناء عنه في تأصيل القانون الإجرائي والموضوعي الذي يستند عليه قضاء التحكيم التجاري الدولي في تسوية مشاكل ومنازعات التجارة الدولية.

المراجــــــع

*   صلاح الدين جمال الدين، محمد مصيلحي، الفعالية الدولية لقبول التحكيم في منازعات التجارة الدولية، دراسة في ضوء أهم وأحداث أحكام التحكيم الدولي، دار الفكر الجامعي، 2004.
*   أسعد فاضل منديل، أحكام عقد التحكيم وإجراءاته، دراسة مقارنة، منشورات زين الحقوقية، دار نيبور.
*   فوزي محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي، دراسة مقارنة لأحكام التجاري الدولي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2012.
*   محمد شوراق، دور الاتفاقيات الدولية في مجال التجارة الدولية، دراسة في قانون التجارة الدولية  وآليات تسوية نزاعات من منظور الاتفاقيات الدولية، 2008.
*   عبد اللطيف مشبال، الرقابة القضائية اللاحقة على صدور الحكم التحكيمي واتفاقية نيويورك، الندوة الجهوية الرابعة قضايا الاستثمار والتحكيم من خلال توجهات المجلس الأعلى، الدارالبيضاء، 18-19 أبريل 2007.
*   صالح يوسف محمد العلوان ،حجية قرارات التحكيم والرقابة عليها، دراسة مقارنة بين القانون الأردني والمغربي، اطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق، نوقشت في كلية الحقوق السويسي الرباط ،2010 2011 .
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] - المادة 1472 من القانون الفرنسي.
[2] - أحمد أبو الوفاء، التحكيم في القوانين العربية،: التعليق على قانون المرافعات منشأة المعارف بالإسكندرية طبعة 6، 1990.
[3] - فوزي محمد سامي، التحكيم التجاري الدولي، دراسة مقارنة لأحكام التجاري الدولي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، 2012.
[4] - خالد محمد قاضي موسوعة التحكيم التجاري الدولي، في منازعات المشروعات الدولية المشتركة مع إشارة خاصة لأحداث أحكام القضاء المصري، ط 1، 2002.
[5] - أسعد فاضل منديل، أحكام عقد التحكيم وإجراءاته، دراسة مقارنة، منشورات زين الحقوقية، دار نيبور.
[6] - فوزير محمد سامي، المرجع السابق.
[7] - قوانين الدول الأنجلو سكسونية لا تستلزم تسبي قرار التحكيم، إلا إذا طلب أحد الخصوم ذلك فيقدم التسبيب له في ورقة مستقلة دون أن تكون لهذه الورقة أي حجية.
[8] - أسعد فاضل منديل، أحكام عقد التحكيم وإجراءاته، دراسة مقارنة، منشورات زين الحقوقية، دار نيبور.
[9] - أسعد فاضل منديل، نفس المرجع، ص 215.
[10] - صالح يوسف محمد العلوان ، حجية قرارات التحكيم والرقابة عليها، دراسة مقارنة بين القانون الأردني والمغربي ، اطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق ، نوقشت في كلية الحقوق السويسي الرباط ، 2010 2011.
[11] - صالح يوسف محمد العلوان ،حجية قرارات التحكيم والرقابة عليها، دراسة مقارنة بين القانون الأردني والمغربي، نفس المرجع.
[12] -  محمد شوراق، دور الاتفاقيات الدولية في مجال التجارة الدولية، دراسة في قانون التجارة الدولية  وآليات تسوية نزاعات من منظور الاتفاقيات الدولية، 2008.
[13] - صلاح الدين جمال الدين، محمد مصيلحي، الفعالية الدولية لقبول التحكيم في منازعات التجارة الدولية، دراسة في ضوء أهم وأحداث أحكام التحكيم الدولي، دار الفكر الجامعي، 2004.
[14] - قضايا الاستثمار والتحكيم من خلال توجهات المجلس الأعلى ندوة خمسون سنة من العمل القضائي، 18-19 أبريل 2007.
[15]  قضايا الاستثمار والتحكيم من خلال توجهات المجلس الأعلى ندوة خمسون سنة من العمل القضائي، 18-19 أبريل 2007.
[16]  قضايا الاستثمار والتحكيم من خلال توجهات المجلس الأعلى ندوة خمسون سنة من العمل القضائي، 18-19 أبريل 2007.
[17]  صالح يوسف العلوان، حجية مقررات التحكيم والرقابة القضائية عليها  دراسة مقارنة بين القانون الاردني والمغربي ،رسالة لنيل الدكتوراه في الحقوق ،كلية الحقوق السويسي الرباط ،2010-2011
[18]  قضايا الاستثمار والتحكيم من خلال توجهات المجلس الأعلى ندوة خمسون سنة من العمل القضائي، 18-19 أبريل 2007.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات