القائمة الرئيسية

الصفحات

النظام العام في تنازع القوانين

النظام العام في تنازع القوانين

النظام العام في تنازع القوانين
النظام العام في تنازع القوانين


مقدمة:
يبقى تعين قاعدة الإسناد الوطنية لقانون أجنبي، لحكم العلاقة القانونية المطروحة أمام القاضي، مرتبطا بشرط هام،هو عدم التعارض الجوهري مع مضمون هذا القانون والركائز التي يقوم عليها النظام القانوني في دولة القاضي، و هذا ما يعرف بالنظام العام . وإن أردنا أن نعرف ما المقصود به، فانه يتعين علينا الرجوع إلى الفقه و القضاء، إذ أن أهم ما يميزه، أنه مفهوم نسبي متطور و متغير من زمن إلى أخر، و عموما فانه متعلق بصميم المصالح العليا للبلاد و الأسس الجوهرية للنظام العام الوطني.
وتعد فكرة النظام العام من الأفكار الأساسية في القانون عموما و في القانون الدولي الخاص خصوصا و قد اتفق الفقهاء على صعوبة إيجاد تعريف محدد للنظام العام لما يكتنفه من غموض و إبهام لدرجة أنه قد استعصى وضع تعريف جامع مانع له، و قد عبر بعض الفقهاء عن ذلك بقولهم : "  يستمد عظمته من ذلك الغموض الذي يحيط به، فمن مظاهر سموه أنه ظل متعاليا على كل الجهود التي بدلها الفقهاء لتعريفه."[1]
وتوجد تعريفات عديدة بعدد الفقهاء الذين بحثوا في هذا الموضوع، و يعود السبب في ذلك الى مرونة فكرة النظام العام من زمان لآخر فهي فكرة نسبية و متغيرة.
هذا و قد عرفه بعض الكتاب الإنكليز بأنه الأساس أو المبدأ الذي يوجب استبعاد تطبيق القانون الأجنبي الواجب التطبيق في الحالات التي يخالف فيها تطبيقه سياسة القانون الإنكليزي أو قواعد الآداب العامة في انكلترا أو ضرورة المحافظة على النظم السياسية فيها [2].
كما عرفه بعض الكتاب الفرنسيون من حيث كونه معيارا عاما، يكون للمحاكم ضمن نطاق سلطتها التقديرية بأن تطعن في المعاملات أو النزاعات المعروضة أمامها و التي تعتبر من وجهة نظرها مسيئة للنظام العام[3].ومن خلال هذا التعريف نلاحظ أن الكتاب الفرنسيين اعتبروا أن النظام العام يستخدم كدفع يمكن اللجوء إليه من قبل القاضي المعروض امامه النزاع ، فهو وسيلة يتم من خلالها استبعاد القانون الذي يسيء للنظام العام من وجهة نظر القاضي التقديرية، وهو يلازم دائما في نظر المدرسة الفقهية الفرنسية النصوص التشريعية، التي لها صفة الأمر بمعنى أنه لا يجوز الاتفاق على مخالفتها.
ويذهب الفقه الألماني في نفس الاتجاه و يرى أنه مجموعة من القواعد التي تتصل بأساس المنظومة الاجتماعية و السياسية والاقتصادية للبلد و يمثل انتهاكها أو حذفها اعتداءا على النظام العام و خدشا له[4].ولم يذهب الفقه العربي بعيدا عن الفقه الاوروبي في بيان هذا مفهوم فقد عرفه الفقه المغربي "بأنه وسيلة استثنائية يستبعد بمقتضاها تطبيق القانون الأجنبي المختص لحكم العلاقة محل النزاع إذا كانت أحكامه تتعارض تعارضا صارخا مع المبادئ الأساسية السائدة في مجتمع دولة القاضي"[5].كما عرفه الفقه المصري بأنه الوسيلة التي يتم بمقتضاها منع تطبيق القاعدة القانونية في القانون الأجنبي الواجب التطبيق بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنية اذا كان حكمها يتعارض مع المبادئ و القيم العليا اجتماعيا و اقتصاديا و سياسيا و دينيا في مجتمع دولة القاضي[6].
مما سبق يمكن استنتاج تعريف للنظام العام كونه من الركائز الأساسية في القانون الدولي الخاص ،كما أنه مجموعة من القواعد القانونية الأساسية و الجوهرية في الكيان المجتمعي، والتي تكون ملزمة لجميع الأفراد حكاما و محكومين و لا يجوز مخالفتها، و تلك القواعد متعلقة بالدعامات الأساسية للبلاد اجتماعيا و سياسيا و اقتصاديا و أخلاقيا و التي يؤدي خرقها إلى الإخلال بهذه الركائز و المس  بالمصلحة العامة.
وعرف مفهوم النظام العام تطورا مطردا منذ أول ظهور له، إذ يعود أصل الفكرة الى عهد نظرية الأحوال، عندما لجأ إليها فقهاء المدرسة الإيطالية أوائل القرن الرابع عشر و بالخصوص في مسائل الأحوال الشخصية ، للفرقة بين القوانين المستحسنة أو الملائمة و القوانين البغيضة أو غير المفيدة بحسب تعبير البعض [7]. فالمستحسنة تسري خارج اقليم الدولة، و البغيضة تقف عند حدود الدولة، و لا يسوغ للقاضي الأجنبي تطبيقها لمخالفتها لقيم و مبادئ مجتمعه، اذ يَعْتبر الفقه هذه التفرقة النواة الأولى لبزوغ فكرته بالمعنى الحديث، بوصفها وسيلة لاستبعاد ومنع تطبيق القانون الأجنبي المتعارض مع الأسس التي يقوم عليها المجتمع الوطني للقاضي[8].



وعلى الرغم من قدم الفكرة على النحو المذكور، فإن استعمال اصطلاح النظام العام كان مع الفقيه الهولندي "اولريك هوبر" [9] في القرن 17 عشر ، غير أن الفضل في ابراز الفكرة بمفهومها الحديث كانت مع الفقيه سافيني[10] ، اذ أوضح أن القاضي الوطني لا يطبق القانون الأجنبي الى في حالة وجود 'اشتراك قانوني' يبرر هذا التطبيق و هذا الاشتراك يتحقق من وجهة نظره فيما بين الدول المسيحية التي استقت قوانينها من القانون الروماني، و إذا لم يتحقق هذا الاشتراك، و كان هناك تعارض و تصادم بين القانون الأجنبي و قانون القاضي يتم استبعاد الأول[11] و في القرن التاسع عشر جاء الفقيه مانشيني [12] واستخدم بدوره هذه الفكرة كأداة لتثبيت الاختصاص للقانون الإقليمي، و يعد مانشيني أول من أبرز الفكرة وسماها باسمها الحالي . فبعد أن و ضع نظريته التي أكد فيها شخصية القوانين بمعنى وجود مجموعة قوانين في الدول وصفها بقوانين النظام العام، وكذا كانت نفس الأفكار يدافع عنها أونطوان بيليه [13] .
وإذا كان سافيني هو صاحب الفضل الأول في إظهار الفكرة بمفهومها الحديث المعتمد على نظرية "الاشتراك القانوني" والدفع به لاستبعاد القانون الأجنبي لمخالفته المبادئ الأساسية التي يقوم عليها مجتمع دولة القاضي.ولكن هذه النظرية التي تهدف إلى تثبيت الاختصاص للقانون الإقليمي أو المحلى، وذلك في بعض المجالات جعل جانبا من الفقه يدعو إلى إطلاق مسمى " قوانين البوليس والأمن" أو "القواعد ذات التطبيق الضروري و المباشر"على قواعد النظام العام، وقد أدى هذا إلى وجود خلط بين هذه فكرة من ناحية، و القوانين المشار إليها من ناحية أخرى [14]،بحيث أن الدفع بالنظام العام يأتي في مرحلة لاحقة عن تطبيق قاعدة الإسناد بشأن النزاع المطروح، فإذا عقدت هذه القاعدة الاختصاص لقانون أجنبي لحكم النزاع ، يأتي دور تقييم هذا القانون، و مدى موافقته أو مخالفته للمبادئ الأساسية السائدة في بلد القاضي.
أما قوانين الأمن و البوليس أو ما يطلق عليها القواعد ذات التطبيق الضروري أو الفوري فهي تعد قواعد إسناد خاصة تعمل بجانب قواعد الإسناد العادية ، إذ تمنح اختصاصا أصليا لا تزاحمينا لقانون القاضي ، و تستبعد كل إمكانية لتطبيق القانون الأجنبي على النزاع المطروح قبل إثارة أي نزاع بشأنها أمام القاضي. و هو الأمر الذي تنعدم معه كل فرص البحث عن مضمون هذا القانون.
كما أن من بين خصائص هذا الدفع أنه نظام حمائي يهدف الى حماية المبادئ من الاضطرابات التي يمكن أن يسببها تطبيق القانون الأجنبي، وتكون في المرحلة لاحقة على تعيين هذا القانون المختص بمقتضى قاعدة الإسناد، ويعد عقد موازنة في الحكم الذي ينص عليه لتطبيقه على النزاع المطروح وبين حكم قانون القاضي بشأن ذلك النزاع،وذلك بوصفه علاجا لمساوئ تطبيق منهجية التنازع، وكرد فعل طبيعي ضد خداع قاعدة الإسناد المزدوجة. إن القوانين ذات التطبيق الفوري هي قواعد وقائية ويبدأ تطبيقها في مرحلة متقدمة،حيث يجري البحث بشأنها في القواعد الوطنية للوقوف على ما يعد منها ذات تطبيق مباشر و ما لا يعد كذلكّ. إذا انتهى القاضي من تحديد المسائل التي تخضع لها القواعد ذات التطبيق المباشر، أعمل هذه الأخيرة عليها بصورة تلقائية [15] أي أن هذه القواعد تطبق مباشرة على النزاع لا بمقتضى قاعدة إسناده.
ويتميز النظام العام بمجموعة من الخصائص فهو نسبي، مما يعني أنه متغير بحسب الزمان والمكان، ونسبي فليس من معيار ثابت ومحدد ، وكذلك يتميز بأنه وطني بمعنى أنه من إعداد المشرع الوطني ، وذلك مرده أن لكل دولة مفهومها الخاص للنظام العام، وبالتالي لا يمكن الحديث عن نظام عام مشترك بين جميع الدول. وهو متنوع مما يعني أنه يطال كل فروع القانون(الخاص و العام)، وهو قضائي بمعنى أن مسألة تحديد ما يندرج تحته في المنازعة ذات العنصر الأجنبي متروكة للقاضي الذي ينظر في النزاع.وكأمثلة على الدفع به، تعدد الزوجات إذ يعتبر السماح به  في جل الدول العربية والإسلامية، و المنع والحظر في الدول الأوربية من النظام العام. وكذلك الطلاق فهو محرم في بعض الدول، ويعتبر حظره من النظام العام، ومسموح به في دول أخرى،  و كذلك الشأن بالنسبة للزواج المثلي و التبني....
ويعد استبعاد القانون الأجنبي نتيجة لمخالفه لقواعد نظام العام في بلد القاضي، بتنازعه رأيين فقهيين، الأول يؤيد الاستبعاد الكلي للقانون الأجنبي على أساس أن تجزئة القانون الأجنبي تؤدي من جهة إلى تطبيقه بشكل مخالف لإرادة المشرع الأجنبي، ومن جهة أخرى تخالف رغبة المشرع الوطني بتطبيق القانون الأجنبي المحدد في قاعدة الإسناد بشكل كامل( الأثر الإيجابي).
أما الرأي الثاني فيؤيد الاستبعاد الجزئي للقانون الأجنبي وهو الرأي الراجح،على صعيد القرارات القضائية،و يعني استبعاد ذلك الجزء من القانون الأجنبي الذي يتعارض مع بلد القاضي، وتطبيق الجزء الأخر طالما لا يتعارض مع النظام العام في دولته (الأثر المخفف).
ومثال ذلك زواج مغربي للمرة الثانية من ألمانية في المغرب و حدث نزاع بين الزوجين في ألمانيا، رفعت الزوجة أمام القاضي الألماني دعوى نفقة. الأصل أن الزواج الثاني غير معترف به في القانون الألماني ، ولكن هنا على اعتبار أن النفقة من أثار الزواج وهو حق ناتج عن العلاقة التي تمت خارج الأراضي الألمانية، فهنا دأب القضاء الألماني على الحكم للزوجة بالنفقة على" اعتبار أن ذلك لا يخدش النظام عام في دولة القاضي.
وعليه فإن الهدف من هذا العرض هو محاولة الإجابة على تساؤل أساسي وهو:
إلى أي حد يمكن القول أن الدفع بالنظام العام يؤدي دوره  كوسيلة لاستبعاد القانون الأجنبي المختص طبقا لقاعدة الإسناد الوطنية التي أشارة إليه، دون المساس بأهداف القانون الدولي الخاص؟ وذلك من خلال التوفيق بين الدفاع عن المبادئ الجوهرية والأساسية والمثل العليا لدولة القاضي التي يتأسس عليها كيان المجتمع ، سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا و أخلاقيا و دينيا ، من جهة و ضمان حماية مصالح الأجانب الخاصة ،أمام القضاء الوطني من جهة أخرى .
للإجابة على هذا الإشكال ارتأينا إتباع التصميم التالي :
المبحث الأول: الدفع بالنظام العام في القانون المقارن:
المطلب الأول: مظاهره على مستوى القانون المقارن.
المطلب الثاني: تجليات الدفع بالنظام العام على مستوى الفقه و الاجتهاد القضائي المقارن.
المبحث الثاني: الدفع في القانون المغربي.
المطلب الأول: في عهد الحماية.
المطلب الثاني: ما بعد الاستقلال.

المبحث الأول: الدفع بالنظام العام في القانون المقارن


إذا كانت مختلف التشريعات المقارنة تسمح بتطبيق القانون الأجنبي استنادا إلى قاعدة الإسناد الواردة في القانون الوطني لهذه التشريعات، فإن تطبيق هذا القانون الأجنبي تحول دونه عدة صعوبات تفضي إلى تطبيق قانون القاضي الناظر في النزاع، وذلك إذا كان هذا القانون مثلا مخالفا للنظام العام.وقد عملت مجموعة من الدول على سن العديد من التشريعات التي تذهب في هذا الاتجاه (المطلب الأول)،وقد تبنى مجموعة من فقهاء القانون الدولي الخاص الدفع بالنظام العام في مواجهة القانون الأجنبي في حالة مخالفه للمبادئ السائدة في دولة القاضي،كما كرست الاجتهادات القضائية هذا الطرح (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مظاهره على المستوى القانوني:

عملت مجموعة من القوانين الغربية والعربية على سن هذا الدف ومنها القانون المدني العراقي في مادته 132 (يكون العقد باطلاً اذا التزم المتعاقدون دون سبب او لسبب ممنوع قانوناً ومخالف للنظام العام او للآداب)[16] والقانون المدني الأردني في مادته 163(1 - يشترط ان يكون المحل قابلا لحكم العقد . 2 -فان منع الشارع التعامل في شيء او كان مخالفا للنظام العام او للاداب كان العقد باطلا .  3 - ويعتبر من النظام العام بوجه خاص الاحكام المتعلقة بالاحوال الشخصية كالاهلية والميراث والاحكام المتعلقة بالانتقال والاجراءات اللازمة للتصرف في الوقف وفي العقار والتصرف في مال المحجور ومال الوقف ومال الدولة وقوانين التسعير الجبري وسائر القوانين التي تصدر لحاجة المستهلكين في الظروف الاستثنائية.)[17]، والقانون المدني المصري في مادته 28 ( لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي عيّنته النصوص السابقة، إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو للآداب في مصر.).[18]
وقد جاء الفصل 36 من مجلة القانون الدولي الخاص التونسية(لا يثير القاضي الدفع بالنظام العام إلا إذا كانت أحكام القانون الأجنبي المعيّن تتعارض مع الإختيارات الأساسية للنظام القانوني التونسي. ويثير القاضي هذا الدفع ، مهما كانت جنسية أطراف النزاع. ولا يخضع الدفع لمدى قوة ارتباط النزاع بالنظام القانوني التونسي. ولا يستبعد من القانون الأجنبي عند العمل بالنظام العام سوى أحكامه المخالفة للنظام العام في مفهوم القانون الدولي الخاص التونسي)[19]. وهكذا يتضح أن المشرع التونسي لم يخرج على النهج المعتمد من قبل معظم التشريعات المقارنة، فيما يخص آلية الدفع بالنظام العام حينما تشير قاعدة الإسناد التونسية إلى القانون الأجنبي كقانون واجب التطبيق، عندما يكون هذا النص مخالفا للقواعد الجوهرية و الأساسية التي يقوم عليها المجتمع التونسي،وخيرا فعل المشرع التونسي بتخصيص جزء من قواعد قانونه الدولي الخاص لهذه الآلية لكي يكون للقاضي سند قانوني حين استبعاده للقانون الأجنبي.
واشتركت جميعا في اعتبار النظام العام يتعلق أساسا بالأحوال الشخصية كالأهلية والميراث والأحكام المتعلقة بالانتقال والإجراءات اللازمة للتصرف في الوقف والعقار ،غير أن ما ورد فيها لم يكن على سبيل الحصر بل على سبيل المثال، كما تعرض له القانون المدني الألماني في مادته 30 وعرفه بأنه القواعد التي تتصل بأصل أسس النظام الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي[20] للبلد وبمفهومها في وقت معين ،ويكون من طبيعة انتهاكها تهديد النظام العام وتصديعه. وبالرجوع إلى المادة 35 من القانون المدني اليمني نجدها تنص على مايلي: (لا يجوز تطبيق احكام قانون اجنبي تعين تطبيقه طبقا للنصوص السابقة اذا كانت هذه الاحكام تخالف احكام الشريعة الاسلامية او الاداب العامة في الجمهورية .) [21]أما عن المشرع الجزائري فقد سكت تماما عن تحديد مفهوم النظام العام واكتفى بالنص عليه ضمن المادة 24 منه المعدلة بالقانون رقم 05-10 المؤرخ في 20 يونيو2005 بقوله ( لا يجوز تطبيق القانون الأجنبي بموجب لنصوص السابقة إذا كان مخالفا للنظام العام والآداب العامة في الجزائر)[22].
وتبقى الإشارة أن النظام العام في غالبية الدول الإسلامية يقوم على فكرة عدم مخالفة قواعد الشريعة الإسلامية في مسائل الأحوال الشخصية ومن بينها جل الدول العربية التي يتم العمل فيها بقواعد الشريعة الإسلامية في إطار قانون الأسرة.ولا يمكن حصر مقدما مختلف الحالات التي يمكن استعمال فيها فكرة النظام العام لاستبعاد تطبيق القانون الأجنبي المختص وفقا لقواعد الإسناد الوطنية. ويؤكد ذلك الفشل الذريع الذي مني به الحل الذي بينته المادة 2 من اتفاقية لاهاي لسنة 1902 لتنظيم تنازع القوانين في مادة الزواج فقد حدد مقدما الحالات التي يمكن اللجوء فيها إلى فكرة النظام العام فكان سببا في نقضها.
ومن كل ما سبق يتبين لنا بأنه وبالرغم من المحاولات لتسليط الضوء على الدفع بالنظام العام فإنه لم يتم التوصل إلى ضبطه ضبطا دقيقا ،وبالتالي يبقى الأمر متروكا للفقه و الاجتهاد القضائي،إذ يتمتع القاضي بسلطة تقديرية واسعة ،ففي كل واقعة تعرض عليه لابد أن يقدر ما إذا كان حكم القانون الأجنبي يتعارض مع النظام العام في دولته وهذا ما ينطبق على صميم عمل القاضي تماما (المطلب الثاني).

المطلب الثاني: تجليات الدفع بالنظام العام على مستوى الفقه و الاجتهاد القضائي.

يثير الدفع بالنظام العام مسائل معقدة نظرا لتباين المواقف الفقهية والقضائية على الصعيد العملي، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو معرفة ما إذا كان تحريك آلية الدفع بالنظام العام يؤدي إلى استبعاد القانون الأجنبي المختص (بحكم قاعدة الإسناد) برمته أو استبعاد النص القانوني المخالف للنظام العام بصفة جزئية مع إبقاء الاختصاص لهذا القانون فيما عداها من المسائل الأخرى ، أو أن ينتج عنه إحلال قانون القاضي محله تلقائيا، كذلك ينبغي معرفة ما إذا كان تدخل النظام العام يتم بنفس الفعالية والصرامة فيما يخص التصدي لإنشاء الحقوق في بلد القاضي طبقا لقانون أجنبي ،أم يمتد أيضا إلى التمسك بآثار الحقوق المكتسبة في الخارج طبقا للقانون المختص عند نشأتها، أي معرفة فعالية الدفع بالنظام العام، ما إذا كانت مطلقة أو جزئية وهذا ما يسمى بالأثر المخفف، وهل من الجائز أن يعتد القضاء الوطني بما هو من النظام العام في قانون أجنبي وهو ما يطلق عليه الأثر الإنعاكاسي للنظام العام. 
إن الإجابة على هذه المسائل تقتضي التمييز بين أثر الدفع بالنظام العام فيما يخص إنشاء الحقوق وأثر الدفع بالنظام العام بالنسبة للحقوق المكتسبة .وأخيرا الأثر الانعكاسي للنظام العام .

1- أثر الدفع بالنظام العام بالنسبة لإنشاء الحقوق
ويترتب على إعمال فكرة النظام العام بشأن علاقة يراد إنشاؤها في دولة القاضي أثران: أحدهما سلبي ويتمثل في استبعاد القانون الأجنبي المختص وفقا لقواعد الإسناد في قانون القاضي والثاني إيجابي ويتمثل في إحلال قانون القاضي محل القانون المستبعد.
ويتمثل الأثر السلبي للنظام العام في استبعاد تطبيق القانون الأجنبي المختص، لكن قد يكون القانون الأجنبي برمته غير مخالف للنظام العام الأمر الذي يطرح التساؤل التالي: هل يستبعد القاضي من القانون الأجنبي الجزء المخالف للنظام العام فقط أم أنه يستبعد القانون الأجنبي كليا؟
يرى الفقه الغالب بأن الجزء المخالف للنظام العام في القانون الأجنبي هو الذي يستبعد دون بقية الأجزاء الأخرى فنكون بذلك قد احتفظنا للقانون الأجنبي ولقاعدة الإسناد التي قررت تطبيقه بأكبر قدر من الفعالية أي أن هذا الأثر ينحصر في الجزء الذي يتعارض مع النظام العام ويطبق القانون الأجنبي على باقي عناصر النزاع.[23]
وهذا الرأي له تطبيقات عديدة في القضاء الفرنسي ففي قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 17/11/1964 جاء فيه (أن ما تنص عليه أحكام الشريعة الإسلامية في الميراث لا يمس النظام العام في فرنسا إلا في منعها التوارث بين المسلم وغير المسلم، ومن تم يتعين استبعاد أحكام الشريعة الإسلامية في هذه النقطة فحسب من دون أن يحل القانون الفرنسي محل القانون الأجنبي الإسلامي في بيان مراتب الورثة وأنصبتهم)[24].
ويستند هذا الاتجاه إلى عدة حجج منها: أنه ينبغي استخدام الدفع بالنظام العام بحذر شديد وفقا للغاية التي يسعى إلى تحقيقها أي بالقدر الذي يمنع المساس بالمبادئ الأساسية السائدة في دولة القاضي، كما أن الدفع بالنظام العام يهدف إلى استبعاد النتيجة المخالفة للنظام العام فحسب ومتى أمكن ذلك عن طريق الاستبعاد الجزئي كان ذلك أمرا مقبولا.
غير أن هذا الحل يرد عليه استثناء وحيد وهو في حالة ما إذا كانت بقية الأجزاء للقانون الأجنبي مرتبطة بالجزء المخالف للنظام العام بحيث يصبح من المتعذر على القاضي أن يكتفي فقط باستبعاد الجزء المخالف للنظام العام دون بقية الأجزاء فلا مناص من استبعاد القانون الأجنبي برمته، كما لو كانت قواعد القانون الأجنبي المختص تجيز الاعتراف بولد الزنا ويمنع القانون الوطني ذلك، فتنحية الأحكام المنظمة لمسألة الاعتراف بولد الزنا لتعارضها مع النظام العام يترتب عليها تنحية جميع الأحكام المنظمة للآثار المترتبة عن هذه المسألة، فيستبعد القاضي تطبيق ذلك القانون برمته دون أن يعقب ذلك تطبيق قواعد وطنية تحل محل القواعد المستبعدة لتحكم موضوع الاعتراف بولد الزنا الذي يجهله القانون الوطني ولم يقبل مشرعه تنظيمه.
أما بالنسبة للأثر الإيجابي للنظام العام فهو تطبيق القانون الوطني للقاضي محل القانون الأجنبي المستبعد،إذ يقترن الأثر الإيجابي بالأثر السلبي إذا كانت قاعدة النظام العام في بلد القاضي ناهية بحيث يستبعد القاضي تطبيق القانون الأجنبي ويرفض الطلب، كأن يطالب فرنسي مسيحي بنصيبه من الإرث من قريبه الفرنسي المسلم أمام القضاء الجزائري، فيرفض القاضي الجزائري طلبه استنادا إلى قاعدة عدم جواز التوارث بين المسلم وغير المسلم وهي قاعدة من النظام العام في الجزائر على سبيل المثال.
والنظرة السطحية تجعلنا نعتقد أن أثر النظام العام يكون في هذه الحالة سلبيا فقط إذ يقتصر على استبعاد القانون الفرنسي لا غير لأن الغاية قد تحققت بعدم السماح بمثل هذا التوارث، وواقع الأمر أن القاضي عندما يستبعد حكم القانون الأجنبي في هذه الحالة يكون قد طبق قانونه الوطني الذي لا يسمح بمثل هذا التوارث [25].
وقد يستتبع الأثر السلبي بأثر إيجابي إذا كانت قاعدة النظام العام آمره فإن القاضي الوطني يستبعد تطبيق القانون الأجنبي المختص ويطبق محله قانونه الوطني، فإذا كان القانون الأجنبي يمنع الزواج بين مختلفي اللون فإن القاضي الجزائري يستبعده لمخالفته للنظام العام ويطبق بدله القانون الجزائري الذي يجيز هذا الزواج، أو أن يتقدم زوجان يونانيان مقيمان بفرنسا لطلب عقد زواجهما في الشكل الديني المقرر في قانون جنسيتهما فيستبعد تطبيق هذا القانون لمخالفته للنظام العام في فرنسا، ولكن يعقد زواجهما في الشكل المدني المعمول به في هذا البلد.[26]
ورغم أن غالبية الفقه ومعظم التشريعات تؤكد أن الأثر الإيجابي للنظام العام هو تطبيق قانون القاضي، إلا أن جانبا من الفقه الألماني يرى أن الأثر الإيجابي هو تطبيق نص قانوني آخر من القانون الأجنبي لا يتعارض مع النظام العام، ويستند هذا الاتجاه إلى قرار صادر عن محكمة النقض الألمانية استبعدت فيه نص القانون السويسري الذي يمنع تقادم الدين محل النزاع بسبب تعارضه مع النظام العام، وأخضعت الدين إلى أطول مدة تقادم نص عليها القانون السويسري نفسه.
إلا أن هذا الرأي محل نقد لكون القانون الأجنبي المطبق في هذه الحالة لا علاقة له بالنزاع كما أنه لا يمكن تطبيقه في أغلب الحالات التي يصعب فيها العثور على نص قانوني بديل.[27] 

2- أثر الدفع بالنظام العام بالنسبة للحقوق المكتسبة
قد يتعارض إنشاء مركز قانوني في دولة القاضي مع النظام العام لكن نفس هذا المركز قد لا تتعارض آثاره مع النظام العام في دولة القاضي لو أن نشوءه تم في الخارج، فالنظام العام لا يتم إعماله بنفس الدرجة في الحالتين وقد عبر الفقه عن أثر النظام العام بالنسبة للحقوق المكتسبة في الخارج بالأثر المخفف للنظام العام، لأن النظام العام لا يسمح بنشوئها في دولة القاضي ولكن يمكن قبول الاحتجاج بها لو أن نشوءها تم في الخارج.[28] 
ويميل الاتجاه الحديث إلى احترام آثار الحق المكتسب في الخارج بمقتضى القانون الأجنبي المختص حتى لو كان القانون الوطني لا يسمح بإنشاء مثل هذا الحق لتعارضه مع النظام العام، والاعتراف بالحقوق المكتسبة في الخارج ماهو إلا تلطيف لمفعول النظام العام ولا يعني استبعادا كليا لفكرة النظام العام في جميع الأحوال بالنسبة لأي حق اكتسب في الخارج، فقد رفض إحترام الحق المكتسب في الخارج كلما كان لا يتفق مع النظام العام للدولة وله أخطاره المفرطة بحيث يظهر بحد ذاته متضمنا اعتداءا على نظامها العام،[29] وبناءا على ذلك لم تجز المحاكم الفرنسية التمسك بآثار نزع الملكية في الخارج بدون تعويض.[30]
كما عمد القضاء الجزائري إلى عدم الاعتراف بآثار حقوق مكتسبة في الخارج حسب قانون أجنبي إعمالا لأثر الدفع بالنظام العام، من ذلك ما قضى به المجلس الأعلى في قراره بتاريخ 23/06/84 من نقض قرار صادر عن مجلس تيزي وزو بتاريخ 19/04/82 كان قد أيد حكم الدرجة الأولى الذي منحت بمقتضاه الصيغة التنفيذية لحكم فرنسي منح تعويضات للمدعى عليها من غير تمييز بين التعويض المستحق عن أصل الدين المطالب به طبقا لاتفاق الطرفين ومبلغ الفائدة المتفق عليها التي تقدر بـ 12%، وحكمها الجواز في القانون الأجنبي المختص والحظر في القانون الجزائري بصريح المادة 454 من القانون المدني التي تمنع تقاضي فوائد ربوية بين الأشخاص الطبيعيين، لذلك عمد المجلس الأعلى إلى نقض القرار المطعون فيه جزئيا فيما يخص الحق المدعى اكتسابه طبقا للقانون الأجنبي المتضمن مبلغ الفائدة وحده، تأسيسا على أن الحكم الأجنبي المراد تنفيذه في الجزائر بهذا الشكل مخالف للنظام العام الجزائري في هذه المسألة.[31]
غير أنه وفي قرار آخر ذهبت المحكمة العليا، غرفة الأحوال الشخصية إلى الإعتراف بحق اكتسب في الخارج لعدم تعارضه مع النظام العام في الجزائر وذلك بتاريخ 12/04/2006 حيث عبرت عن ذلك بقولها "حيث أن الحكم الصادر عن جهة قضائية أجنبية والذي قضى بتخصيص أجرة شهرية للحاضنة مقابل قيامها بحضانة أولادها الذين أسندت حضانتهم لها لم يخالف أية قاعدة جوهرية في الإجراءات كما أنه لم يخالف القانون الوطني حتى وإن كان القانون الجزائري لاينص عليها، ومع ذلك فهي تشجع وتدفع الحاضنة للقيام بمحضونها بكل ماتملك من جهد مما يجعل القرار الأجنبي محل الخلاف لايتعارض والسيادة الوطنية أو القيم الوطنية".[32]
وبالتالي فإن أثر الدفع بالنظام العام يختلف في ما إذا كان الأمر خاص بإنشاء الحقوق في بلد القاضي طبقا لقانون أجنبي وكانت هذه الحقوق متعارضة مع النظام العام، أو في أنه يخص الاعتراف بحقوق مكتسبة نشأت صحيحة في الخارج واستنفذت مراحل تكوينها، ففي الحالة الأولى يتصدى النظام العام بعدم إنشاءها أصلا لأن ظروف نشأتها تتعارض مع مقتضيات النظام العام، أما في الحالة الثانية فيشكل النظام العام حجة لعدم الإعتراف بآثارها وعدم السماح بسريانها في بلد القاضي إذا كانت على درجة كبيرة من الاستهجان والشذوذ، ولكن إذا لم تصل لهذه الدرجة فلا مانع من الإعتراف بها ولا داعي لتحريك الدفع بالنظام العام.[33] 
وتجربة القضاء غنية في هذا المجال فقد أقرت النظم القانونية الغربية الإعتراف بآثار تعدد الزوجات الإسلامي إذا نشأ التعدد في الخارج وترتبت عليه آثار الزواج الصحيح بما في ذلك الحق في النفقة والميراث مع أن نظام تعدد الزوجات محظور في القوانين الغربية ولا يجوز السماح بإنشائه في بلادها ولو بين الأجانب الذين تبيحه قوانينهم.
غير أن هناك حالات أخرى لا يعترف فيها القضاء الفرنسي بآثار هذا الزواج وذلك متى كان للنزاع علاقة بالقانون أو الإقليم الفرنسي، من ذلك على سبيل المثال ما جاء به قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ 01/03/1973 الذي أعتبر فيه "أن الزوجة الثانية لزوج مصري لا يمكنها المطالبة بمنحة الضمان الاجتماعي ما دام أن الزوجة الأولى قد استفادت منها لتعارض ذلك مع النظام العام في فرنسا".[34]

3- الأثر الانعكاسي للنظام العام
إن الحق الناشئ عن طريق إحلال قانون القاضي محل القانون الأجنبي المستبعد إعمالا للدفع بالنظام العام يحتج به في دولة القاضي ولكنه سوف يكون عديم الأثر في البلد المستبعد قانونه، أما الاحتجاج به في دولة ثالثة فهو يتوقف على مدى موافقة مقتضيات النظام العام في هذه الدولة مع مقتضيات النظام العام في دولة القاضي.[35] 
ويذهب الفقه الحديث إلى التفرقة بين الحالة التي يكون فيها النظام العام للدولة الأجنبية متطابقا مع النظام العام في دولة القاضي والحالة التي لايكون فيها متطابقا معه.
ففي الحالة الأولى يصح الاحتجاج في الدولة الأجنبية بآثار الحق المكتسب في دولة القاضي وفقا لمقتضيات النظام العام في دولته وخلافا لما يقضي به القانون المختص، أما في الحالة الثانية فإنه لا يصح الاحتجاج بآثار الحق المكتسب في دولة القاضي طبقا لمقتضيات نظامه العام لعدم تطابق هذه المقتضيات مع النظام العام للدولة الأجنبية التي يراد الاحتجاج فيها بآثار هذا الحق.[36] 
فمثلا: لو أبرم زوجان يونانيان زواجهما في الجزائر حسب الشكل المدني وأرادا الاحتجاج بصحته في إحدى الدول العربية فلا شك أن لهما ذلك، لأن مقتضيات النظام العام بين الدول العربية في هذه المسألة متشابهة والزواج فيها جميعا يتم وفقا لنظام مدني، ولكن هذه العلاقة سوف تكون عديمة الأثر في بلغاريا قبل قانون 1952 لأن قانونها السابق يستلزم الشكل الديني للزواج، ومن باب أولى تكون العلاقة باطلة طبقا للقانون اليوناني الذي يستوجب أيضا الشكل الديني ولو كان الزواج قد أبرم في الخارج.[37] 
مثال أخر: لو فرضنا أن جزائرية مسلمة تزوجت في فرنسا من غير مسلم وعرض نزاع بصدد هذا الزواج أمام القاضي البلجيكي فلا شك أن قانونه الوطني يجيز هذا الزواج مثل القانون الفرنسي لأن مقتضيات النظام العام فيهما واحدة ولا يعتد باختلاف الدين كمانع للزواج، في حين أن القانون الجزائري المختص أصلا يبطل هذا الزواج ولو عرض نزاع بشأنه أمام القضاء المصري فلن يعترف به أخذا بفكرة النظام العام أيضا.
بقي أن نشير في الأخير إلى أن التمسك بالأثر الإنعاكسي للنظام العام يصدق على إنشاء الحقوق وعلى التمسك بآثار الحقوق المكتسبة في الخارج.[38]
عندما تشير قاعدة الاسناد في قانون القاضي الي تطبيق قانون اجنبي علي العلاقة القانونية المتنازع بشانها، فإنه في هذه الحالة يلتزم القاضي بتطبيق القانون الأجنبي الذي اشارت اليه قاعدة الاسناد ، غير ان هذا التطبيق لايكون دائما ، فقد يتضح للقاضي ان مضمون القانون الاجنبي الذي اشارت اليه قاعدة الاسناد يتعارض مع المباديء والقيم الاساسية لمجتمعه الوطني، الأمر الذي يترتب عليه ضرورة امتناع القاضي عن تطبيق القانون الاجنبي ، وهنا يقال ان استبعاد القانون الأجنبي المختص يرجع الي تعارضه مع النظام العام فإذا كان من الطبيعي ان يتضمن القانون الأجنبي حلولا تختلف عن تلك المنصوص عليها في القانون الوطني ، وكان من الطبيعي ان يلتزم القاضي بتطبيق القانون الأجنبي رغم وجود هذا الاختلاف إلا إن هذا الاختلاف له حدود ، فإذا كان القانون الأجنبي يتعارض مع المبادئ الأساسية في قانون القاضي فيتعين علي القاضي استبعاده.
وكمثال علي ذلك : اذا عرض علي القاضي الفرنسي نزاع يتعلق بالزوجة الثانية (وهي فرنسية) مع زوجها المصري، وعلي افتراض ان القانون المصري هو الواجب التطبيـــــــق ،فان علاقة الزوجية تكون صحيحة وفقا لهذا القانون الا ان النظام العام الفرنسي يقف حائلا دون تطبيق هذا القانون " القانون المصري " لانه يتعارض مع المباديء الاساسية في القانون الفرنسي .
ولنأخذ مثال أخر علي ذلك : عرض علي القاضي الفرنسي نزاع يتعلق بقيام دولة ما بتأميم مشروع معين أو مصادرة أموال ، دون تعويض عادل ، فعلي الرغم من صحة هذه الإجراءات وفقا لقانون هذه الدولة ، إلا إن هذا القانون يستبعد ولا يطبق لتعارضه مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الفرنسي.
وعلي نفس النهج ، يتعين علي القاضي المصري أن يستبعد القانون الواجب التطبيق إذا كان يمنع الزوج المسلم الديانة الأجنبي الجنسية من طلاق زوجته بإراداته المنفردة ، وذلك لان هذا القانون يتعارض مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني المصري، اي يتعارض مع النظام العام في مصر
وكذلك الأمر يتعين علي القاضي المصري إن يستبعد القانون الأجنبي الواجب التطبيق إذا كان هذا القانون يقرر إبطال الزواج بسبب اللون لأنه يتعارض مع المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني المصري أي يتعارض مع النظام العام في مصر.

المبحث الثاني :النظام العام في القانون المغربي


إن مبدأ أو فكرة النظام العام مبدأ مستقر في كافة النظم القانونية في العالم، ويطبقه القضاء في كافة بلاد المعمور، وهو فكرة هدفها واضح و مضمونها صعب التحديد، وسنتناول هذا المبدأ في المغرب عبر مرحلتين متتاليتين : في عهد الحماية، و ما بعد الاستقلال.

المطلب الأول : مبدأ النظام العام في عهد الحماية
الفقرة الأولى : التشريع

يعتبر المشرع الفرنسي أول من استعمل مصطلح النظام العام في القانون المدني، وذلك من أجل اعتباره وسيلة من وسائل تدخل الدولة، في مبدأ سلطان الإرادة الذي كان قد أفرزه نظام الحرية الفردية، وهذا ما يمكن استخلاصه من المادة السادسة من هذا القانون حيث تقضي بأنه " لا يجوز للمتعاقدين أن يتفقوا على مخالفة القوانين التي تتعلق بالنظام العام والآداب السليمة " وعلى هذا الأساس انتقل هذا المصطلح إلى مختلف التشريعات الحديثة التي اقتبست قوانينها من مدونة نابليون، و لذلك فقد كان في البداية، أن ما يفهم منه هو بأن النظام العام يوازي في مدلوله الأمر المسطر في القاعدة القانونية التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وهذا ما عبر عليه المشرع المغربي بشكل صريح في الفصل 19 من ظهير 30 يونيو 1955 المتعلق بالأكرية، والذي يقضي  " بأن مقتضيات الفصول من 1 إلى 18 من هذا الظهير هي من النظام العام ".[39]
وقد اعتمدت مختلف الدول فكرة الدفع بالنظام العام، وبينما أقرتها بعض الدول بنصوص تشريعية أخذت بها دول أخرى عن طريق القضاء. أما بالنسبة للمغرب فلم تشر أي من النصوص المتعلقة بالوضعية المدنية للأجانب[40]  لمفهوم النظام العام. غير أن محرري تلك النصوص وفقهاء عهد الحماية أنكروا وجود النظام العام الدولي في المغرب ولم يعترفوا له بأي دور في مجال تنازع القوانين وخاصة في مجال الأحوال الشخصية . على أن ما قاله هؤلاء الفقهاء بهذا الشأن فيه نوع من المغالاة، وذلك لامتناع المحاكم في عهد الحماية، أحيانا، عن تطبيق القانون الأجنبي استنادا إلى وجود نظام عام مغربي إسلامي.[41]
غير أنه إذا كان من الممكن تبرير هذا الوضع بالنسبة لموضوع الأحوال الشخصية، وهذا ما يقول به البعض أيضا، بسبب عدم وجود قانون للقاضي ولأن القانون الإسلامي لم يكن مرغوبا في تطبيقه إلا على المسلمين، فإن تبرير هذا الوضع في مجال العقود ليس مستساغا باعتبار أن هذه المادة كانت تتوفر على قانون حديث، وهو ظهير 12 غشت 1913، بإمكانه أن يحل محل القانون الأجنبي المستبعد. بل إنه حتى بالنسبة لموضوع الأحوال الشخصية فقد بالغ فقهاء عهد الحماية في عدم الاعتراف بأي دور للنظام المغربي الإسلامي (حسب رأي الأستاذة جميلة أوحيدة).[42]

الآراء الفقهية :
لم يعترف محررو النصوص الثلاثة، المتعلقة بالوضعية المدنية للأجانب، وكذا الفقهاء الفرنسيون، بأي دور للنظام العام في مجال تنازع القوانين وخاصة في مادة الأحوال الشخصية، وقد برروا هذا الموقف بالاستناد إلى اعتبارات لا تختلف عن تلك التي برروا بها إقصاء الآليات الأخرى في إعمال تنازع القوانين، و تتمثل تلك الاعتبارات في ضرورة احترام مبدأ شخصية القوانين وفي عدم وجود قانون مغربي موحد ومقنن يمكن الاعتماد عليه ليحل محل القانون الأجنبي المستبعد، هذا فضلا عن طابعه العقائدي.
فالأستاذ L.RENAULT، باعتباره رئيسا للجنة التي تكلفت بإعداد  النصوص الثلاثة، كتب في المقدمة التي وضعها لها : "إن هيمنة قوانين الأحوال الشخصية و سيادتها هي أمر مسلم به دون أية حدود أو قيود تتعلق بالنظام العام، إذ ليس له أي تدخل في هذا الإطار...".
يكتب الأستاذ A-G.DELAPRADELLE بدوره في مقدمة مشروع قانون الوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب المؤرخ في 12 غشت 1913 قائلا : "إن فكرة النظام العام الدولي يجب ألا تنهض بأي دور في المغرب في موضوع الأحوال الشخصية، فحالة الفرنسيين و الأجانب وأهليتهم يحكمها قانونهم الوطني، ولذلك فإن مبدأ شخصية القوانين يستبعد أية قيود قد ترد عليه" ويضيف أنه "في بلد كالمغرب خضع طويلا لنظام شخصية القوانين ليس هناك أي مكان لمفهوم النظام العام الذي من شأنه إقصاء القوانين الوطنية"
وفضلا عن محرري التشريعات الثلاثة، المتعلقة بالوضعية المدنية للأجانب، تمسك فقهاء عهد الحماية، كذلك، بمبدأ عدم تدخل النظام العام المغربي في إعمال قواعد تنازع القوانين.[43]

الاجتهادات القضائية :
عمدت محاكم الحماية، لتصريف سياستها الهادفة إلى الاحترام المطلق للقوانين الشخصية الأجنبية، إلى إعمال مفهوم النظام العام الشريفي الجديد في موضوعات الأحوال الشخصية، وذلك باستبعاد القواعد القانونية المخالفة للمبادئ المشتركة بين الأنظمة القانونية الأوروبية،[44] كون غالبا ما تثار في المغرب فكرة النظام العام الدولي في مجال الأحوال الشخصية بالخصوص، حيث يعتبرها القضاء المغربي في معظم قراراته الصادرة عنه أن قانون الأحوال الشخصية هي من النظام العام،[45]  وفي حكم صادر عن المحكمة المختلطة بطنجة بتاريخ 8 يونيو 1926، فقد استبعدت في قضية تتعلق بتصفية تركة مواطن سوفيتي، تطبيق القانون السوفييتي الذي كان يمنع، إذ ذاك، انتقال التركة إلى الورثة العاديين، أي أقارب الموروث، وعوضته بالقانون الروسي السابق للثورة الشيوعية. وفي نفس الاتجاه، استبعدت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، في حكمها الصادر بتاريخ 25 مارس 1927، القانون السوفيتي لكونه يقبل الطلاق بالتراضي بين الزوجين.[46]
وذهبت سلطات الحماية إلى أبعد من ذلك، إذ لم يقتصر عملها على استبعاد القانون الوطني للأحوال الشخصية المخالف للمبادئ المشتركة بين الأنظمة القانونية الغربية، بل إنها لحماية نفس المبادئ عمدت إلى إقصاء القوانين المحلية بشأن الزيجات المختلطة. ففي حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط، بتاريخ 15 نونبر 1933، رفضت هذه الأخيرة، لمواطن مغربي مسلم متزوج بفرنسية، عقد زواج جديد وفقا لقانون أحواله الشخصية، حيث اعتبرت أن الأمر يتعلق بتطبيق القانون المحلي الذي يبدو في هذه الحالة، مخالفا للأخلاق الحميدة.[47]
وقد نجد في بعض الحالات الأخرى أن القاضي الوطني يطبق القانون الأجنبي، رغم أنه يتعارض مع قانونه الوطني بناء على النظام العام. فمثلا إذا رجعنا إلى المادة 870 من قانون الالتزامات والعقود المغربي لوجدناها تمنع القرض بفائدة، ومن ثم، فإن القاضي المغربي إذا ما عرض عليه نزاع بشأن هذا القرض، وكان القانون الأجنبي يجيزه، فإنه يجب استبعاده بناء على مخالفته للنظام العام المغربي، ومع ذلك، فإن محكمة الاستئناف بالرباط، خالفت هذا المقتضى القانوني، وصرحت في قرار لها بتاريخ 21 دجنبر 1943 بأن المادة 870 من قانون الالتزامات والعقود التي تحظر الربا في المغرب، لا تطبق على عقد القرض المبرم في الجزائر.[48]
يستفاد من هذه الأمثلة بأن تقدير ما إذا كان القانون الأجنبي يجب استبعاده بناء على مخالفته للنظام العام الوطني أم لا يجب ذلك، هو تقدير يرتبط بكل حالة على حدة.

المطلب الثاني : مبدأ النظام العام بعد الاستقلال

التشريع 
إن مسألة منح الاختصاص لقانون أجنبي بموجب قاعدة التنازع الوطنية لا يعني التسليم باختصاص هذا القانون في جميع الأحوال، ففي الواقع قد يصطدم التطبيق الفعلي للقانون الأجنبي بعقبات أساسية تؤدي إلى استبعاده. كما لو استحال على القاضي تطبيقه إذا كان يتعارض مع المبادئ الجوهرية المكرسة في قانون دولة القاضي المطروح أمامه النزاع. ومن بين هذه المبادئ الجوهرية كل ما له صلة بالنظام العام الدولي أو الوطني.
فالفصل 430 من قانون المسطرة المدنية المغربي يستبعد تطبيق القانون الأجنبي إذا كان يتعارض مع النظام العام المعمول به في المغرب، وتطبيق القانون الوطني بدلا منه.
فالقانون الأجنبي الذي يقبل توريث ولد الزنا ومساواته بالولد الشرعي يتعارض مع النظام العام الدولي في المغرب، وفي المقابل إن النظام القانوني المغربي يعترف بتعدد الزوجات في حين أن القانون الفرنسي يعدها مسألة تخالف النظام العام الدولي الفرنسي.[49]
كذلك من حسنات المادة 128 مدونة الأسرة[50] أنها نصت على أن جميع الأحكام المتعلقة بإنهاء العلاقة الزوجية تكون قابلة للتنفيذ بالمغرب إذا أسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية.
ولقد أصبحت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979، واتفاقية 1962 المتعلقة بتحديد سن الزواج ومنع قيود تشريعية على الزواج ترجع إلى الجنس أو اللون أو الوضعية الاجتماعية أو العقيدة، و اتفاقية 10 غشت 1981  المتعلقة بحالة الأشخاص والأسرة وبالتعاون القضائي بين المغرب و فرنسا، ثم اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 تشكل نظاما عاما دوليا في مجال الروابط الأسرية لا يمكن للدول الأطراف تجاهله، الأمر الذي كان له انعكاس على المفهوم القانوني والاجتماعي للأسرة، حيث توالت التعديلات المنظمة للأسرة بمعظم الدول في اتجاه مسايرة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي لا تؤمن إلا باحترام الحرية والحياة الخاصة وتحقيق المساواة المطلقة بين الجنسين بدءا من إبرام عقد الزواج الذي أصبح عقدا رضائيا بالمعنى الكامل للكلمة سواء بالنسبة للجل أو بالنسبة للمرأة.[51] ومن المبادئ القانونية أن الاتفاقيات الدولية تقدم على القوانين الداخلية، وأن المغرب لا يصادق على الاتفاقيات إلا إذا كانت مسايرة للنظام العام، وأن الاتفاقية بمجرد المصادقة عليها أصبحت من القانون الداخلي المغربي.

الآراء الفقهية :
اتجه بعض الفقهاء بعد الاستقلال إلى تبرير فكرة وجود النظام العام الدولي في المغرب بالاستناد إلى حجج تهدف، في الواقع، إلى الإبقاء على المفهوم التقليدي الضيق والمحترم لشخصية القوانين. فالأستاذ بوريلي يرى بأن النظام العام المغربي لا يمكن أن يستمد أسسه إلا من مصادر دولية وخاصة من المبادئ الواردة في إعلان حقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة يوم 10 دجنبر 1948، ويضيف أنه من العدل و المنطق مراعاة المبادئ القانونية المشتركة بين كل الدول و التي تعهد المغرب باحترامها بانضمامه إلى هيئة الأمم المتحدة.
وعن الأستاذ بول دوكرو، فقد ذهب إلى القول أنه فضلا عن المبادئ التي وردت في إعلان حقوق الإنسان المذكور يمكن أن يستند النظام العام إلى المبادئ التي تضمنها ظهير 2 يونيو 1961 المعتمد بمثابة قانون أساسي للمملكة قبل صدور دستور 1962.[52]
غير أن الفقه المغربي، وتفنيدا للرأي السابق الذي كان يهدف إلى التضييق من مجال إعمال النظام العام المغربي، أجمع على ضرورة تدخل النظام العام لاستبعاد القوانين والأحكام الأجنبية المخالفة للنظام العام المحلي المؤسس على الشريعة الإسلامية. فالأستاذ نورالدين الشريف ذهب إلى المبادئ المضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقواعد الأخلاقية العالمية لم تعد المبادئ الأساسية للنظام العام المغربي، فقد تدخلت العديد من النصوص التي جعلت الإسلام، كدين وحضارة، من المقومات الأساسية التي تقوم عليها المنظومة القانونية في المغرب.
عن نفس الموقف تقريبا، فالأستاذ موسى عبود، يؤيد الرأي السابق للأستاذ نور الدين الشريف. ويذهب الأستاذ مولاي ارشيد عبد الرزاق إلى أنه بالامكان تعديل نصوص تنازع القوانين بوضع نص خاص بالنظام العام يأتي مضمونه على النحو الآتي : يستبعد القانون الأجنبي المخالف للنظام العام المغربي و يحل محله القانون المغربي على سبيل الاحتياط.[53]

الاجتهادات القضائية :
بالنظر إلى بعض الأحكام و القرارات القضائية الصادرة عن القضاء المغربي بعد حصول المغرب على الاستقلال، نجده لازال يتخذ من النظام العام ذريعة لاستبعاد الحكم الأجنبي مستغلا في ذلك السلطة التقديرية المخولة له لتقدير النظام العام.
من ذلك، الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء-أنفا، حكم عدد : 42 ملف عدد :958/90، صادر بتاريخ 20 يناير 1994. حيث تم تقدم المدعي، بواسطة نائبه، بمقال افتتاحي يعرض فيه أنه كان يتابع دراسته الجامعية بفرنسا فعقد قرانه بالمدعى عليها، وفق الشريعة الإسلامية، وذلك بمقتضى عقد محرر من طرف العدلين المنتصبين للإشهاد بالقنصلية المغربية، بمدينة ليل، وعند إنهاء دراسته رجع إلى أرض الوطن رفقة زوجته وأولاده، إلا أنها مؤخرا سافرت إلى وطنها فرنسا رفقة الأبناء ورفضت العودة، رغم الرسائل التي بعث إليها، ملتمسا الحكم عليها بالرجوع لبيت الزوجية وتحميلها الصائر- وبما أن حكم القاضي بالتطليق يمس بالنظام العام المغربي وباختصاص قضاة الموضوع بالمملكة، هذا فضلا عن امتياز الجنسية الذي يتمتع به الزوج المغربي- لهذه الأسباب حكمت المحكمة بجلستها العلنية ابتدائيا وبمثابة حضوري : في الشكل بقبول الطلب، و في الموضوع بإلزام المدعى عليها بالرجوع إلى لبيت الزوجية حيث زوجها مع النفاذ المعجل و تحملها الصائر.[54]
كذلك، القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 18 ماي 1962.  والتي قضت ببطلان الزواج المبرم بتاريخ 17 يناير 1948 لدى ضابط الحالة المدنية للدائرة الخامسة عشرة بباريس، حيث تبين في النازلة أن زواج الزوجين قد أبرم بالصيغة المدنية فقط، وأن الزوج وهو مغربي الجنسية ويهودي دينا كان من واجبه أن يتقيد بمقتضيات الشريعة التلمودية التي ترض كشرط جوهري وشرط شكلي للزواج إبرامه بالصيغة الدينية الأمر الذي يترتب عليه وجوب اعتناق المرأة الديانة الموسوية.   
حيث إن خرق هذا القانون الخاص بالحالة الشخصية هو خرق للنظام العام الداخلي فإن الزواج المبرم في باريس أمام ضابط الحالة المدنية للدائرة الخامسة عشرة بباريس هو زواج باطل.[55]
وأيضا، القرار الصادر عن المجلس الأعلى، حكم عدد :90، صادر بتاريخ 24 يناير 2001 ملف شرعي عدد :212/2/1/2000، والمتعلق بتذييل الحكم-الطلاق-بالصيغة التنفيذية، طبقا للفصل 430 من قانون المسطرة المدنية مع ما يترتب على ذلك قانونا، وأرفقت مقالها بصورة مشهود بمطابقتها لأصل الحكم الأجنبي المذكور مع ترجمته إلى العربية، وأجاب المدعى عليه بواسطة دفاعه أن الحكم الأجنبي المدلى به لم يراع مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية للطرفين الذي هو من النظام العام وبالتالي طبقا للفصل 430 من قانون المسطرة المدنية لا يمكن تذييل الحكم المذكور، بالصيغة التنفيذية، وعقبت المدعية مؤكدة طلبها، و انتهت الإجراءات بصدور الحكم بتاريخ 29/10/1998 بتذييل الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية باوقنباخ بالصيغة التنفيذية مع تحميل الخاسر الصائر، فاستأنفه المدعى عليه بواسطة دفاعه و عاب عليه مجانبته للصواب لأن البت في موضوع الطلاق لا يسمح للقضاء الألماني الفصل فيه، كما أن الحكم الأجنبي لم يطبق الفصل 56 تطبيقا صحيحا، كما أساء القول حينما، ذهب إلى أن المحكمة الألمانية طبقت مقتضيات الفصل 57 من نفس القانون و الحال أنها نصت أنها لا ترى ضرورة تنفيذ ما ورد في هذا الفصل ملتمسا إلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. وبعد جواب المستأنف عليها بواسطة دفاعها ملتمسة تأييد الحكم المستأنف أصدرت محكمة الاستئناف قرارها بتأييد الحكم المستأنف، وهو القرار المطلوب نقضه من طرف الطالب بواسطة دفاعه أجابت عنه المطلوبة بواسطة دفاعها بمذكرة ترمي إلى رفض الطلب. لهذه الأسباب قضى المجلس الأعلى بنقض القرار المطعون فيه و إحالة القضية وطرفيها على نفس المحكمة للبت فيها من جديد بهيئة أخرى طبق القانون وتحميل المطلوبة الصائر.[56]   

خاتمة

يترتب على إعمال الدفع بالنظام العام أثرا مهما و هو وجوب استبعاد أحكام القانون الأجنبي المتعارضة مع النظام العام في دولة القاضي و هو ما يسمى بالأثر السلبي للنظام العام،وهو استبعاد القانون الأجنبي المختص بحكم النزاع وفقا لقواعد الإسناد الوطنية في حالة تعارضه معها،ولكن هذا لا يعني بقاء موضوع النزاع معلقا بلا قانون يحكمه أو يتوقف القاضي عن السير في حل النزاع،وإذا ما تم للقاضي هذا القانون فيتوجب عليه أن يسد هذا الفراغ التشريعي بأن يتجه للتفتيش عن قانون آخر للبت في النزاع.يترتب على استبعاد القانون الأجنبي ثبوت الإختصاص لقانون القاضي لسد الفراغ التشريعي الناجم عن استبعاد القانون الأجنبي و هو الأثر السلبي.
الإعتراف بالحقوق المكتسبة في الخارج هو تلطيف لمفعول النظام العام و لا يعني استبعاد كلي لفكرة الدفع بالنظام العام في جميع الأحوال بالنسبة لأي حق مكتسب في الخارج.
أما عن المفهوم الذي يقدر القاضي فيه من لغة القانون لفكرة النظام العام فإنه يمكن القول بأن تمتع القاضي بسلطة تحديد مفهوم فكرة النظام العام لا يعني أن في مقدوره أن يفرض في هذا المجال نظرته الشخصية للأمور بل يجب عليه أن يلتزم في تقديره للنظام العام بالأفكار السائدة في مجتمعه وما يضمن أمن بلده.لذا فإن تقدير القاضي في تحقيق متطلبات النظام العام تعتبر مسألة قانونية ومن ثم يجب أن تخضع لرقابة المحاكم الأعلى درجة.

قائمة المراجع
المراجع العامة 
1- بالعربية
احمد سي على.''مدخل للعلوم القانونية ". دار الاكاديمية الدار البيضاء. ط 1. 2012.
احمد عبد الكريم سلامة. "القانون الدولي الخاص".دار النهضة. ط 1 2008.
أحمد مسلم.القانون الدولي الخاص المقارن في مصر ولبنان.دار النهضة العربية .بيروت .لبنان, ط 1 سنة 1977.
أحمد عوبيد "المختار من الأحكام الكبرى للقانون الدولي الخاص الصادرة عن القضاء المغربي" من تقديم أحمد زوكاغي، نشر و توزيع دار السلام-الرباط، لأكتوبر 2013.
المختار بن أحمد العطار ، النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي. مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء. ط 1. 2011. 
أعراب بلقاسم، القانون الدولي الخاص الجزائري
جميلة اوحيدة."اليات تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص المغربي".دار النشر المعارف الجديدة.ط 1.2007.
جمال محمود كردي. "تنازع القوانين".دار النشر النهضة القاهرة.ط1 2005 . ص 186 
حسن هداوي." تنازع القوانين واحكامه القانون الدولي الخاص الاردني".  دار مجدلاوي للنشر عمان. ط1 .1994.
حسن الهداوي، تنازع القوانين.مكتبة الثقافة الأردن.1997.
محمد التغدويني " الوسيط في القانون الدولي الخاص "، مطبعة أنفو-برانتن، طبعة ثالثة مزيدة و منقحة 2009
زروتي الطيب، القانون الدولي الخاص الجزائري،دار هومه الجزائر.

2- بالفرنسية
-  RECUEIL DES COURS 1983-1 « Tome 179 de la collection »
- Revue critique de droit international 1975 n 01

الرسائل و الأطروحات:
-         أسماء امولد "تنفيذ الأحكام الأجنبية وفقا لمدونة الأسرة و القانون الدولي الخاص المغربي-من خلال قرارات محكمة الاستئناف بالدار البيضاء و قرارات المجلس الأعلى"  رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية والقانونية، جامعة محمد الخامس الرباط-السويسي، السنة الجامعية 2009-2010.
-    دنيس لويد." مفهوم النظام العام و الآداب في القانون الإنكليزي و الفرنسي" .مجلة حقوق القضاء باريس. العدد 4. 1956. ص 8.
-    جميلة أوحيدة  "آليات تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص المغربي" أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، جامعة محمد الخامس الرباط-السويسي، السنة 2004-2005

القوانين
ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين و الأجانب المؤرخ في 12 غشت 1913 وقد كان مطبقا في المنطقة الفرنسية الجنوبية و جرى تمديد تطبيقه إلى جميع مناطق المغرب في سنة 1965، ثم ظهير الوضعية المدنية للاسبانيين و الأجانب الذي كان مطبقا في المنطقة الشمالية الاسبانية و كذا قانون الوضعية المدنية للأجانب الذي كان مطبقا في منطقة طنجة.
المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة المعلومة للجميع، العدد 11، نونبر 2007
القانون المدني الأردني: رقم 43 لسنة 1976.
القانون المدني العراقي: رقم (40) لسنة 1951
القانون المدني الجزائري:
القانون المدني المصري: رقــم 131 لسنة 1948
مجلة القانون الدولي الخاص التونسية: قانون عدد 97 لسنة 1998 مؤرخ في 27 نوفمبر 1998 يتعلق بإصدار مجلّة القانون الدولي  الخاص.
القانون المدني اليمني: قــرار جمهوري بقانون رقم (14) .لسنة 2002 م .بشــأن القانون المدني اليمني. نشر في الجريدة الرسمية العدد (7/1 ).

القرارات والأحكام
الملف رقم 32463 المنشور في المجلة القضائية الجزائرية لسنة 1989 .العدد 01 .ص 149
القرار منشور في مجلة المحكمة العليا الجزائرية .لسنة 2006 .العدد 01 .ص 480 481
-------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] المختار بن أحمد العطار ، النظرية العامة للالتزامات في ضوء القانون المغربي. مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء. ط 1. 2011 . ص 206.  [1]
[2]    حسن هداوي." تنازع القوانين واحكامه القانون الدولي الخاص الاردني".  دار مجدلاوي للنشر عمان. ط1 .1994.ص189.
[3]  دنيس لويد." مفهوم النظام العام و الآداب في القانون الإنكليزي و الفرنسي" .مجلة حقوق القضاء باريس. العدد 4. 1956. ص 8.
[4]  احمد سي على.''مدخل للعلوم القانونية ". دار الاكاديمية الدار البيضاء. ط 1. 2012. ص 209.
[5]  جميلة اوحيدة."اليات تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص المغربي".دار النشر المعارف الجديدة.ط 1.2007.ص 293.
[6] احمد عبد الكريم سلمة. "القانون الدولي الخاص".دار النهضة. ط 1 2008.ص774.
[7] احمد عبد الكريم سلامة. مرجع سابق. ص 775
[8] جمال محمود كردي. "تنازع القوانين".دار النشر النهضة القاهرة.ط1 2005 . ص 186 
[9] اولريك هوبر  ولد 13 مارس 1636 بمدينة دوكم توفي 1694 استاذ للقانون في جامعة فرنكر و فيلسوف سياسي وكان قاضيا في محكمة الإستئناف في فريسلاند"1679-1682".
[10] فريدرك كارل فون سافيني ولد في فرانكفورت بألمانيا في 12 فبراير 1979، فقيه و مؤرخ قانوني يعتبر مؤسس المدرسة التاريخية في القانون،أشهر مؤلفاته تاريخ القانون الروماني في العصور الوسطى،توفي في 25 اكتوبر 1861 ببرلين.
[11] جمال محمود الكردي ،مرجع سابق .ص 186
[12] باسكال ستانيسلاس مانشيني،ولد في 17 مارس 1817 بايطاليا، وتقلد العديد من المناصب أهمها أستاذ جامعي في القانون بجامعة نابولي ومحامي وزير للعدل،وكان من المدافعين على شخصية القوانين،توفي سنة 1888 بروما.
[13] . Antoine Pillet est né à Chambéry (Savoie) le 29 juillet 1857 et c’est dans cette même ville qu’il est décédé le 06 décembre 1926. Juriste. - Spécialiste de droit international. - Enseigna à la Faculté de droit de Paris et à l'Académie de droit international de La Haye, Pays Bas. - Vice-président de l'Institut de droit international. - Dirigea avec Paul Fauchille (1858-1926) la "Revue générale de droit international public" (1894-1904). http://www.sfdi.org/internationalistes/pillet
[14]. جميلة اوحيدة.آليات تنازل القوانين.مرجع سابق ص 292.
جميلة اوحيدة.مرجع سابق ص 292.293.[15]
[16]  رقم التشريع 40.  تاريخ التشريع 9/8/1951 .عنوان التشريع  قانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 وتعديلاته .المصدر الوقائع العراقية - رقم العدد:3015 ص 243 .
[17]  القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976.
[18]  القانون المدني المصري.رقــم 131 لسنة 1948 بتاريخ 29 / 7 / 1948.
[19]. قانون عدد 97 لسنة 1998 مؤرخ في 27 نوفمبر 1998 يتعلق بإصدار مجلّة القانون الدولي  الخاص.
[20]  أحمد مسلم.القانون الدولي الخاص المقارن في مصر ولبنان.دار النهضة العربية .بيروت .لبنان, ط 1 1977.ص203 .
[21]  قــرار جمهوري بقانون رقم (14) .لسنة 2002 م .بشــأن القانون المدني اليمني. نشر في الجريدة الرسمية العدد (7/1 ).
[22]  القانون رقم 05-10 المؤرخ في 20 يونيو 2005.ج.ر44 ص 20.
[23]  الدكتور أعراب بلقاسم، القانون الدولي الخاص الجزائري ص 166/167
[24]  الدكتور حسن الهداوي، تنازع القوانين ص 191
[25]  loussouarne et bourel op cit p 280
[26]  loussouarne et bourel op.cit p 279
[27]  الدكتور حسن الهداوي، تنازع القوانين ص 193
[28]  الدكتور حسن الهداوي. تنازع القوانين.مرجع سابق. ص 193
[29]   قضت محكمة النقض الفرنسية في 05/03/1928 بعدم الإعتراف بملكية روسيا للأسطول la ropis الذي لجأ إلى ميناء مرسيليا استنادا إلى القانون السوفياتي بحجة أن تأميم الأسطول تم عن طريق نزع الملكية وبدون تعويض عادل
[30]  الملف رقم 32463 المنشور في المجلة القضائية الجزائرية لسنة 1989 .العدد 01 .ص 149
[31]  القرار منشور في مجلة المحكمة العليا الجزائرية .لسنة 2006 .العدد 01 .ص 480 481
[32]  الدكتور زروتي الطيب، القانون الدولي الخاص الجزائري ص 256
[33]  Revue critique de droit international 1975 n 01 p 54
[34]  الدكتور زروتي الطيب، المرجع السابق ص 258
[35]  الدكتور أعراب بلقاسم، المرجع السابق ص 184
[36]  الدكتور أعراب بلقاسم، المرجع السابق ص 184
[37]  الدكتور زروتي الطيب، المرجع السابق ص 259
[38]  الدكتور زروتي الطيب، المرجع السابق ص 259
[39] - محمد التغدويني " الوسيط في القانون الدولي الخاص "، مطبعة أنفو-برانتن، طبعة ثالثة مزيدة و منقحة 2009، ص421.
[40] - ظهير الوضعية المدنية للفرنسيين و الأجانب المؤرخ في 12 غشت 1913 وقد كان مطبقا في المنطقة الفرنسية الجنوبية و جرى تمديد تطبيقه إلى جميع مناطق المغرب في سنة 1965، ثم ظهير الوضعية المدنية للاسبانيين و الأجانب الذي كان مطبقا في المنطقة الشمالية الاسبانية و كذا قانون الوضعية المدنية للأجانب الذي كان مطبقا في منطقة طنجة.
[41] -  جميلة أوحيدة  "آليات تنازع القوانين في القانون الدولي الخاص المغربي" أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، جامعة محمد الخامس الرباط-السويسي، السنة 2004-2005، ص 300.
[42] -  جميلة أوحيدة، ص 311.
[43] - جميلة أوحيدة،302-303.
[44] - جميلة أوحيدة ، المرجع السابق، ص 306.
[45] - أسماء امولد "تنفيذ الأحكام الأجنبية وفقا لمدونة الأسرة و القانون الدولي الخاص المغربي-من خلال قرارات محكمة الاستئناف بالدار البيضاء و قرارات المجلس الأعلى"  رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المهن القضائية والقانونية، جامعة محمد الخامس الرباط-السويسي، السنة الجامعية 2009-2010، ص 109.
[46] - جميلة أوحيدة، المرجع السابق، ص 306-307.
[47] -  جميلة أوحيدة، المرجع السابق، ص 308.
[48] -  محمد التغدويني، المرجع السابق، ص 430.
[49] -  أسماء امولد، مرجع سابق، ص 87.
[50] - المقتضيات الجديدة لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة المعلومة للجميع، العدد 11، نونبر 2007، المادة 128 فق 2 " الأحكام الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالطلاق أو التطليق أو الخلع أو بالفسخ، تكون قابلة للتنفيذ إذا صدرت عن محكمة مختصة وأسست على أسباب لا تتنافى مع التي قررتها هذه المدونة لإنهاء العلاقة الزوجية، وكذا العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين، بعد استيفاء الإجراءات القانونية  بالتذييل بالصيغة التنفيذية، طبقا لأحكام المواد 430 و 431 و 432 من قانون المسطرة المدنية.
[51]-  http://www.marocdroit.com 29/11/2016 22.22.
[52] - جميلة أوحيدة، المرجع السابق، ص 314-315.
[53] - جميلة أوحيدة، المرجع السابق، ص 315-316.
[54] - أحمد عوبيد "المختار من الأحكام الكبرى للقانون الدولي الخاص الصادرة عن القضاء المغربي" من تقديم أحمد زوكاغي، نشر و توزيع دار السلام-الرباط، لأكتوبر 2013، ص66 إلى 71.
[55] - أحمد عوبيد، المرجع السابق، ص150-151-152.
[56] - أحمد عوبيد، المرجع السابق، ص 373 إلى 376.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات