المالية العامة بين الحياد وخدمة الاهداف الاقتصادية والاجتماعية
مقدمة
قبل الخوض في أي موضوع لابد من تحديد المفاهيم والوقوف على الرابط الذي يجمع بينها، لان إشكالية البحث لا تتضح إلا عبر ذلك الارتباط الجدلي بين تلك المفاهيم ،وإلا كانت عملية ضبطها مجرد عملية استعراضية لا تفضي إلى بلورة تصور واضح للمسألة المدروسة. أما موضوع المالية العامة بين الحياد وخدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية ،فهو موضوع واسع ويتطلب جهدا كبيرا لرسم حدوده وفهم تداعياته ،ومواكبة صيرورته، ويعتبر بمثابة مقدمة ومدخل لدراسة باقي المواضيع ،لذا نفضل البدء من مرحلة تحديد المفاهيم، وأهمها المالية العامة والتي تتحدد باعتبارها ذلك العلم الذي يعنى بدراسة المشاكل المتعلقة بالحاجات العامة وتخصيص المال اللازم لتغطيتها حيث يظهر من هذا التعريف البعد الحيادي للدولة في تدبير المالية العامة. إلا أن هذا المفهوم ونظرا لتطورات تاريخية كالحربين العالميتين الأولى والثانية،والأزمة الاقتصادية لسنة 1929 سيعرف تطورا ليصبح أوسع واشمل تجاوز الحرص على توفير الموارد لتغطية النفقات الضرورية والأساسية إلى أبعاد أخرى تكون فيها المالية العامة مسخرة لخدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية .
وتحتل المالية العامة للدولة أهمية كبيرة من خلال ما تتضمنه من نفقات وإيرادات عامة ،وعن طريق الميزانية العامة ،وفي إطار سياستها المالية،وبالذات نتيجة اتساع وتزايد دور الدولة التدخلية وبدرجة كبيرة في كافة الدول ،ونظرا لان دور الدولة هو المحدد الهام والأساسي لدور المالية العامة وأهميتها ،وباعتبار أن دور المالية العامة هو دالة لدور الدولة، أي أن دور المالية العامة يعتمد على دور الدولة، ومشتق منه، إلا أن اتساع وزيادة دور الدولة ،ومن ثم اتساع وتزايد دور المالية العامة وأهميتها يتباين في مداه بين دولة وأخرى ،ومن وقت لأخر حسب طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد في الدولة المعينة ،ودرجة تطورها والظروف والأوضاع التي تعيشها ،ومواردها وإمكاناتها ،واحتياجاتها ،إلا أن ما يجمعها هو تأثر المالية العامة بها بتزايد دورها .
وبما أن علم المالية العامة هو ذلك العلم الذي يبحث عن نشاط الدولة عندما تستخدم الوسائل المالية لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية وهذه الأهداف هي بالأساس ما يهمنا في هذا الموضوع فالسياسة في هذا الموضوع فالسياسة الاقتصادية هي ذلك التفكير المنظم الذي يوجه الأنشطة والمنظمات والمشروعات والإفراد في مجال النشاط الاقتصادي )الحياة الاقتصادية( لتحقيق الأهداف الاقتصادية التي يتطلع إليها المجتمع والأفراد في ضوء الإمكانات المتاحة، أو هي مجموعة قرارات تتخدها الدولة في ميدان اقتصادي معين، وذلك لبلوغ أهداف اقتصادية واجتماعية محددة ،عبر وسائل محددة .والسياسة الاجتماعية هي آلية لبناء مجتمعات تسودها العدالة والاستقرار وتتوفر لها مقومات الاستدامة ،ولذلك تقع في نطاق اهتمام صانعي سياسات التنمية الوطنية العامة .والهدف الأساسي والنهائي للسياسة الاجتماعية هو تخفيف حدة الفقر ،والإقصاء الاجتماعي وتحسين الرفاه العام لجميع المواطنين على اختلاف فئاتهم .وعلاقة الاقتصادي بالاجتماعي أساسها ترابط وتلازم حتميان لا غنى لواحدة فيه عن الأخرى، حيث أن هناك تجاذب أزلي بينهما يفضي إلى تداخل بين البنيتين الاقتصادية والاجتماعية.
وتكمن إشكالية الموضوع في إبراز التحول الذي عرفته المالية العامة من الحياد في إطار بعدها التقليدي، إلى بعد أخر أصبحت تسخر فيه لبلوغ الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.
ما هي الأسس التي تقوم عليها المالية العامة في إطار الدولة الحارسة ؟ و ما هي أهم خصائصها ؟ما هي العوامل التي أدت إلى تجاوز المفهوم التقليدي للمالية العامة ؟وكيف برز المفهوم الحديث لها ؟وفي أية ظروف ؟ما هي الأسس النظرية لبناء مفهوم حديث للمالية العامة ؟ما هي أبرز تجليات تحول المالية العامة لخدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية ؟ثم كيف تطورت المالية العامة بالمغرب ؟
وفي إطار محاولتنا مقاربة التحول الذي عرفته المالية العامة سنعتمد كتصميم للموضوع :
المبحث الأول: المالية العامة في ظل الدولة الحارسة
المطلب الأول: أسس المالية العامة التقليدية
المطلب الثاني : الخصائص المميزة للمالية العامة التقليدية
الفرع الأول: ضالة حجم الميزانية
الفرع الثاني : الحياد في المالية العمومية
الفرع الثالث: التوازن المالي
الفرع الرابع: الضريبة مصدر أساسي
المطلب الثالث: عوامل تجاوز المالية العامة التقليدية
المبحث الثاني: المالية العامة الحديثة:نحو رؤية جديدة لخدمة الأهداف الاقتصادية الاجتماعية
المطلب الأول: النظريات العامة لبروز المالية العامة الحديثة والخصائص المميزة لها
الفرع الأول: الأسس النظرية للمالية العامة الحديثة
الفرع الثاني: الخصائص الجديدة المميزة للمالية العامة الحديثة
المطلب الثاني: المالية العامة الحديثة في خدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية
الفرع الأول: السياسة الاقتصادية والاجتماعية
الفرع الثاني: آليات خدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية
المطلب الثالث: المالية العامة بالمغرب بين البنية التقليدية وتحديث هياكلها
المبحث الأول: المالية العامة التقليدية
قبل التطرق إلى الجانب المتعلق بخصائص المالية العامة التقليدية ينبغي اولا على مفهومها.
المطلب الأول: مفهوم المالية العامة التقليدية
يرتبط مفهوم المالية العامة ارتباطا وثيقا بدور الدولة في القرنين 18 و19، وبالفلسفة السياسية التي كانت سائدة آنذاك، حيث تأثر مفهوم المالية العامة بفلسفة الحرية الاقتصادية التي تحد من تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، واقتصار دورها على الدفاع على الأمن والحفاظ على العدالة بالدرجة الأولى، فهي كما سماها أدام سميث رجل الحراسة الليلي[1]. فقد كانت النظرية المالية التقليدية تعكس فلسفة المذهب الاقتصادي التقليدي الذي يقوم على قانون "ساي" للأسواق ومدلول "اليد الخفية" لأدام سميث وبيئة تسود فيها كافة مقومات الحري الاقتصادية والمنافسة التامة، فقانون "ساي" للأسواق والذي عادة ما يصاغ في العبارة الشهيرة "العرض يخلق الطلب المساو له"[2] بمعنى أن النظم الرأسمالية تتجه تلقائيا إلى التوازن المستقر عند مستوى التشغيل الكامل لمستوى التشغيل الكامل لموارد المجتمع الإنتاجية، ويفسر ذلك أن عبارة قانون "ساي" تؤكد علاقة سببية مباشرة ما بين الإنتاج والإنفاق وأي زيادة في الدخول النقدية سوف تتحول إلى زيادة معادلة في السلع والخدمات، وبالتالي كل زيادة في الإنتاج سوف تخلق تلقائيا زيادة معادلة لها في الإنفاق لشراء هذا المنتوج الجديد[3].
وهكذا يؤكد التقليديون أنه إذا ترك القطاع الخاص حرا في بيئة تتوافر فيها كل الضمانات للحرية الاقتصادية فإنه يسعى لإنتاج حاجاته ورغباته وتحقيق مصلحته، وبالتالي يستمر في الإنتاج ولا يتوقف إلا عند مستوى العمالة الكاملة، حيث تصبح في هذه الحالة كافة الموارد الاقتصادية المتاحة موظفة توظيفا كاملا.
كما أن الاقتصاديين أمثال "دافيد ريكاردو" و "جون ستيوارت ميل"، و "ألفريد ما رشال" يؤمنون بميل الادخار والاستثمار إلى التعادل عن طريق تغييرات سعر الفائدة ولضمان هذه النتيجة، فلابد من الحيلولة دون تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي لأن ذلك سيعوق القطاع الخاص عن التصرف بحرية كاملة وسيحرمه رؤوس الأموال اللازمة لزيادة الإنتاج وتنمية الاقتصاد الوطني، ويعتقدون أن كل تدخل من طرف الدولة هو إخلال للتوازن الطبيعي للقوى التلقائية وتحويل لجزء من موارد المجتمع عن الاستخدام الأمثل ومن تم يخلص الفكر الكلاسيكي إلى أن يبقى دور الدولة منحصرا في الحفاظ على النظام العام وحماية الممتلكات والأفراد.
إن هذا المفهوم التقليدي للمالية العامة نجده واضحا في كثير من التعريفات التي أعطيت من قبل الفقهاء والباحثين في هذا المجال.
ف"جاسنون جيز" يرى "أن علم المالية يقوم على فكرة معينة هي أن هناك نفقات عامة يتعين تغطيتها".
أما "دالتون" فيعرفها بأنها " دراسة كل من إيرادات ونفقات السلطات العامة وموازنة كل منها بالأخرى." فهذا التعريف يؤكد مرة أخرى على أن علم المالية العامة يجب أن يقتصر على دراسة الوسائل التي تحصل من خلالها على الإيرادات اللازمة لتغطية النفقات العامة كما أن الإيرادات يجب أن تكون محدودة بحيث لا تشكل عبئا على الاقتصاد الوطني، وأن تكون النفقات العمومية أيضا محدودة لا تزيد عما هو ضروري لتسيير مرافق الدولة الأساسية. وجاء في تعريف "ليون ساي" للمالية العامة "أن الإنفاق العام الأمثل هو الأقل مقدارا وأفضل الضرائب هي أكثرها انخفاضا"[4].
المطلب الثاني: خصائص ومميزات المالية العامة التقليدية
يختزل الفكر المالي التقليدي. أهداف المالية العامة. في تمكين الدولة من الإيرادات الضرورية لتغطية النفقات المترتبة عن ممارسة الوظائف السيادية والإدارية، فالنفقات والإيرادات العامة محدودة في حجمها ومحايدة من حيث وظائفها. وتتميز المالية العامة في ظل الدولة الدركية بجملة من الخصائص نوردها اختصارا في النقاط التالية:
الفقرة الأولى: الحياد
يعني حياد المالية العامة أن الفكر والسياسات المالية التقليدية كانت ترفض استعمال التقنيات المالية كآليات ووسائل للتدخل الاقتصادي والاجتماعي فخلق الضريبة أو تغيير أسعارها أو الاقتراض يجب أن تهدف إلى تمكين الدولة من الموارد الضرورية لسيرها، فالوظيفة المالية هي وحدها التي تهم الدولة أما أن تستعمل هذه التقنيات لغايات أخرى كإعادة توزيع الثروات والدخول وتشجيع قطاع اقتصادي على حساب آخر فهذه أمور إن لم تكن مشروعة ومقبولة فهي غير مجدية و فعالة، بل ويمكن أن تصبح مضرة بسير اقتصاد السوق القائم على مبادئ حرية المبادرة والتنافس. فالدولة تكتفي بحفظ النظام العام واحترام قانون العرض والطلب وعليها أن تمتنع عن استعمال الأدوات المالية ( الإعانات الاعفاء أو الدعم الضريبي، الزيادة في سعر الضريبة) للتأثير في قرار الأفراد والمقاولات.
الفقرة الثانية: التوازن
تتميز المدرسة التقليدية للمالية العامة بكونها تعتمد على مفهوم التوازن المالي الصارم الذي يجعل منه توازنا حسابيا تتساوى بموجبه المداخيل العامة مع النفقات العامة، ويرتبط التوازن بذلك بمبدإ الوحدة، إذ أن أحد أهم تبريرات هذا المبدأ هو تمكين ممثلي الشعب بطريقة سهلة من التعرف على ما إذا كانت الميزانية متوازنة أو لا؟ و هو ما اعتبر بمثابة القاعدة الذهبية للمالية العمومية التي كانت تتوافق مع الدور الذي تلعبه الدولة في المجال الاقتصادي، ذلك أن حياد الدولة في هذا المجال كان يتجسم من خلال توازن لا تعرف بموجبه الميزانية لا فائضا ولا عجزا، وهو ما يمنح ضمانتين لليبراليين، إذ أن العجز في الميزانية يعني أن هناك سوء تصرف في المالية العمومية أما الفائض فيعني أن حجم الضرائب المفروضة على الضرائب أكثر مما ينبغي. وبذلك كان رواد هذه المدرسة يرفضون عجز الميزانية أو حدوث فائض فيها، والميزانية المثالية هي التي تتميز بصفر حجمها للنفقات والإيرادات وخالية من أي بعد اقتصادي أو اجتماعي.
الفقرة الثالثة: ضآلة حجم المالية
جاء في تعريف "ليون ساي" أن الإنفاق العام الأمثل هو الأقل مقدارا و أفضل الضرائب هي أكثرها انخفاضا".
من خلال هذا التعريف يمكن القول بأن محدودية النفقة العمومية هي الأنجع للحصول على نظام مالي متوازن و أمثل لأنه بمحدودية النفقة العامة تكون الإيرادات محدودة أيضا بالتالي تجنب إثقال كاهل المكلفين بالضرائب باعتبارها المورد الأساسي للدولة لذا من المفترض أن لاتكون موارد الدولة عبئا ثقيلا على المواطنين خاصة أمام محدودية أدوار ووظائف الدولة.
الفقرة الرابعة: الاعتماد على الضريبة كتمويل أساسي و التحفظ على الاقتراض [5]
إن الاحتياجات المالية للدولة يجب أن تغطى حصرا بالضريبة باعتبارها الوسيلة الطبيعية لتمويل الدولة بالإضافة إلى مداخيل الأملاك العامة التي تظل محدودة اعتبارا لطبيعة الدولة الليبيرالية، وضعف تدخلاتها الاقتصادية. والضريبة يجب عند تأسيسها احترام مجموعة من الضوابط منها الحياد والمساواة والاعتدال. فالحياد الضريبي يعني أن وظيفة هذه الأخيرة يجب أن تبقى مالية، فلا يجوز توظيف المالية لأغراض اقتصادية واجتماعية مثلا.
أما المساواة فتتحقق تقنيا من خلال تطبيق معدلات تناسبية تسري على الجميع بدون تمييز، كما أن الضريبة يجب أن تطبق بأسعار منخفضة حتى لا تشكل عبئا على الملزمين والمقاولة مما قد يؤثر سلبا على الرغبة في العمل و الانتاج من أجل الزيادة في الأرباح. ومن الطبيعي أن موقف الفكر المالي التقليدي الذي يعتبر الضريبة بمثابة المصدر الوحيد للخزينة للعمومية يفسر نظرته التحفظية على اللجوء إلى الاقتراض. فموقف النظيرية الاقتصادية التقليدية والمالية التقليدية من القروض العامة مبنية على مبدإ بسيط في جوهره: لجوء الدولة للاقتراض يعني أنها تعيش فوق طاقتها، أي أنها تنفق أكثر مما تتوفر عليه من موارد، فالقرض العمومي من شأنه تشجيع الحكومة على التبذير من خلال إقرار نفقات غير ضرورية. وهو ما عبر عنه بصيغة قوية المفكر الاقتصادي الفرنسي "ساي" "القرض العمومي خراب الأمة" حيث يتعين على الحكومة أن تحرص على ضبط نفقات الدولة وتعمل على تمويلها عن طريق الاقتطاع الضريبي. القرض لا يمكن قبوله إلا في الحالات الاستثنائية حالة الحرب أو إعادة إعمار البلاد باعتبار المساوئ المتعددة التي تنتج عنه والتي يمكن إجمالها في موارد القروض، فالدولة حين تلتزم بتسديد القروض مع الفوائد فإن ذلك يزيد من النفقات العامة فيعتبرون القرض نوع من سياسة الهروب إلى الأمام فبدل مواجهة المشاكل يتم تأجيلها. فلتسديد الديون المتراكمة قد تلجأ الدولة إلى خلق الضرائب أو رفض الأسعار، كما أن مسؤولية تحمل تسديد هذه الديون قد تقع على الأجيال اللاحقة وهو أمر غير منصف في حقها.
ومن الناحية الاقتصادية المحضة فلجوء الدولة إلى القروض يترتب عنه مزاحمة المبادرة الخاصة والأفراد والمقاولات في اللجوء إلى تمويل السوق المالية، حيث يؤدي دخول الدولة إلى هذا السوق باعتبار ضخامة حاجياتها يؤدي إلى ارتفاع كلفة تمويل المقاولة بل وإقصاؤها تماما، ولما كانت المقاولة أساس خلق الثروة فإن حرمانها من التمويل بشروط جيدة من شأنه أن يؤثر سلبا على الديناميكية الاقتصادية، لكل هذه الاعتبارات فقد كان الفكر المالي التقليدي متحفظا أبعد ما يكون حيال لجوء الدولة إلى القروض.
المطلب الثالث : عوامل تجاوز المالية العامة التقليدية
بعد أن كان الاستقرار حول مفهوم المالية العامة التقليدية سمة المرحلة التي كانت فيها أدوار الدولة محصورة في مجالات محددة، عرف العالم أحداثا زادت المطالب في زيادة هذه الأدوار إلحاحا. لقد كان للحرب العالمية الأولى والثانية وما صاحبها من أسباب دور في الانتقال الى مفهوم جديد للمالية العامة يتماشى والمتطلبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذا المالية المستجدة ،ويتماشى وأهداف الدولة الجديدة وتدخلها في سائر المجالات . هذه الاسباب هي التي كان لها الدور الأساسي في التعجيل بزوال المفهوم التقليدي للمالية العمومية ،وبروز مفهوم جديد لها سنتطرق له في قادم محطات موضوعنا .فيمكن تلخيص هذه العوامل في عوامل سياسية وعسكرية ،وأخرى اقتصادية واجتماعية. وهو ما سنعمل على ابرازه .
الفقرة الاولى : العوامل السياسية والعسكرية
ان الحديث عن تطور دور الدولة ومؤسساتها وأنظمتها الدستورية والسياسية وما حصل من تغيير في شكل الدولة هو بالضرورة حديث عن بروز نظريات وأفكار سياسية تنادي بضرورة تدخل الدولة لتحسين المستوى المعيشي والاقتصادي والاجتماعي للإفراد من جهة، وتؤكد من جهة أخرى على أهمية التوسع في المفهوم الديمقراطي والعمل على زيادة مساهمة الأفراد في السلطات الثلاث بكل أشكالها ، فكان أن دفع هذا التوسع في المشاركة السياسية من خلال ايجاد مؤسسات وأنظمة دستورية وسياسية ،الدولة الى زيادة الأعباء المالية على الأفراد. وذلك بغية تغطية النفقات المتزايدة من أجور الموارد البشرية وزيادة الوظائف الإدارية، فكل هذه المتغيرات تعني التوسع في حجم الانفاق العام وبالتالي البحث عن إيرادات أكبر حجما، وأكثر تنوعا، لسد هذه الحاجة .
أما العوامل العسكرية التي ساهمت في التخلي عن المفهوم التقليدي للمالية العمومية وتبني مفهوم جديد أكثر توسعا فتبرز في ارتفع حجم الإنفاق العسكري وما ولدته كل من الحربين العالميتين ألأولى والثانية من ضرورة الزيادة في نفقات التسليح وبناء الجيش وشراء المعدات العسكرية ، فضلا عن ما تركته الحروب من أثار سلبية نتيجة لإعادة التسلح والتخفيف من أعباء ومخلفات الحروب . فكان الانفاق العسكري دور مهم وأساسي في زيادة نفقات الدولة وبالتالي البحث عن ايرادات لتغطيتها .
الفقرة الثانية : العوامل الاقتصادية والاجتماعية
ان ما ولدته الأزمات الاقتصادية من سوء في توزيع الثروات والدخول وانتشار البطالة وارتفاع الأسعار، والتضخم، والكساد، كلها عوامل دفعت بالدولة الى ضرورة البحث هن الحلول لأوضاعها الاقتصادية السيئة، وعليه كان لابد من وجود بديل مناسب يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي فرضها الواقع، فبدأت الدولة في ظل هذه الظروف بالتدخل لتبني سياسات اقتصادية جديدة أكثر فعالية، طرح البعض منها في نظريات علمية ) كما سنرى في المبحث الثاني (
وأفكار اقتصادية جديدة، وأراء مالية حديثة تهدف جميعها وتنادي بضرورة استخدام مفردات المالية العامة) النفقات والإيرادات ( كأدوات مهمة في مفهوم المالية الحديثة .
اما العوامل الاجتماعية التي كان لها دور في الانتقال نحو تبني مفهوم جديد للمالية العامة فتظهر من خلال الأوضاع الكارثية التي حلت بالوضع العائلي وكذا الوضع الصحي والتعليمي والاجتماعي بصفة عامة،الذي حل بالكثير من الشعوب في دول العالم فهذه الاوضاع السيئة دفعت بالدول الى زيادة النفقات العامة بقصد اشباع حاجات مواطنيها ،فكان ان ازداد حجم الواردات وتم البحث عنها سواء بالضرائب او الرسوم او القروض[6].
ويتبين من كل ما سبق ان العوامل التي ذكرناها كانت حافزا ودافعا قويا لكافة الدول بغض النظر عن طبيعة نظامها الاقتصادي ودرجة تطورها نحو توسيع دورها وزيادة درجة تدخلها ،رغم التباين في ذلك من حيث مداه وطبيعته بين الدول تبعا لنظامها الاقتصادي والاجتماعي ودرجة تطورها وظروفها وأوضاعها ومواردها واحتياجاتها. الأمر الذي يفرض ضرورة تناول أسباب خاصة التي دعت الدول ،كل الدول الى التدخل بدرجة أكبر ودور أكثر اتساعا .[7]
المبحث الثاني: المالية العامة الحديثة نحو رؤية جديدة لخدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية
ساهمت النظريات الاقتصادية الداعية إلى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية في بروز مفهوم المالية العامة الحديثة (المطلب الأول)، والذي يهدف بالأساس إلى خدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية (المطلب الثاني)، خاصة في الدول ذات الاقتصاديات الضعيفة والتي لا يستطيع الخواص لوحدهم إشباع الحاجيات العامة للمواطنين مثل المغرب (المطلب الثالث).
المطلب الأول: النظريات والخصائص العامة لبروز المالية العامة الحديثة
تعد النظرية الكينزية أحد أهم النظريات التي كان لها الدور الكبير في ظهور مفهوم المالية العامة الحديثة (الفقرة الأولى) والتي تتميز بالعديد من الخصائص تميزها عن المالية التقليدية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: النظريات العامة لبروز المالية العامة الحديثة
ارتبط ظهور المالية العامة الحديثة بالفكر الكنزي، والذي رأى أن الكلاسيكيون ارتكبوا خطأ كبيرا برفضهم الإقرار بوجود بطالة لاعتقادهم أن كل من رغب في الشغل يجده بسهولة، إضافة إلى عجزهم عن تفسير استمرار الكساد خاصة وأن استمرار حالة الكساد يتعارض مع الافتراض الكلاسيكي الذي يؤكد بأن حالة الكساد هي حالة وقتية تزول بفعل آلية السوق[8]، لكن هذا لم يتحقق مع الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 والتي كان لها الفضل الكبير على كينز في مراجعة أفكاره الاقتصادية التي كان مثأرا فيها بالفكر الكلاسيكي، لأن هذه الأزمة كانت قوية جدت وأدت إلى انهيار الاقتصاد العالمي، والفكر الاقتصادي التقليدي الذي فشل في إيجاد حلول لهذه الأزمة.
وتقوم النظرية الكينزية على فرضيات تختلف عن الفرضيات التي آمن بها الفكر التقليدي، ويمكن إجمالها في النقط التالية:
- عكس الفكر الفكر الاقتصادي التقليدي الذي يستند في التحليل الاقتصادي على التحلي الجزئي أو التحليل الوحدي، والذي يركز على سلوك الفرض كمستهلك وكمنتج، أي على الوحدات الاقتصادية كأجزاء في عمل لاقتصاد وفي القيام بنشاطاته.
- يعتمد كينز على التحليل الاقتصادي الكلي أي التحليل التجميعي، ولم يولي اهتماما كبيرا بالجزئيات، فالظاهر العامة التي يستخدمها تدور حول المجاميع، كحجم التشغيل العام، الإنتاج الوطني، الدخل الوطني، الطلب الكلي والعرض الكلي، الاستثمار الكلي والادخار العام.
- إمكانية حصول اختلاف وعدم تطابق، وقد يصل حتى إلى التعارض بين تحقيق المصلحة الخاصة وتحقيق المصلحة العامة، وكذلك إمكانية حصول عدم التطابق بين المصالح الحالية وبين المصالح المستقبلية وهو الأمر الذي يستدعي قيام الدولة بالتدخل لتحقيق التوافق بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة، وبين المصالح الحالية والمصالح المستقبلية.
- تحول الاهتمام في التحليل الاقتصادي من التحليل المتعلق بالسياق طويل الأجل الذي تركز عليه النظرية الاقتصادية الكلاسيكية والذي يتضمن عدم الاهتمام بما يحصل في الأجل القصير ومنه حصول حالات اختلال وعدم التوازن في الاقتصاد، وبالذات ما ارتبط من ذلك من كساد باعتباره حالة وقتية يتحقق في الأجل القصير ، وتزول في الأجل الطويل بفعل آليات السوق الحرة والتلقائية كما يرى أصحاب النظرية الاقتصادية الكلاسيكية، وهذا الذي لم يتحقق حيث استمر الكساد وبالذات الذي حصل في الثلاثينيات في فترات غير قصيرة وهو الذي أدى إلى التحول في التحليل الاقتصادي بالتركيز على الآجال القصيرة، وهو ما أفرز معه الحاجة لتدخل الدولة في علاج مشكلات الأجل القصير والتي كانت مشكلة الكساد أبرزها[9].
- التركيز من طرف النظرية الكينزية على زيادة الطلب الكلي لعلاج حالة الكساد التي تحققت في أزمة الثلاثينيات وبالتالي فإن النظرية الكينزية وبالتالي فهي نظرية طلب في اقتصاد ناضج ومتطور لديه طاقات إنتاجية غير مستخدمة وموارد معطلة وسلع وخدمات منتجة ومعروضة ولا تجد من يشتريها، وأن العلاج لكل هذا هو زيادة الطلب الكلي دون التركيز على العرض الذي تكن هنالك مشكلة تتصل به في أزمة الكساد، هذا عكس النظرية الكلاسيكية التي ركزت على جانب العرض لأنها ارتبطت مع حاجة الاقتصاد في بدايات تطوره ونموه إلى زيادة العرض، ولذلك لم تركز على جانب الطلب.
- رفض كينز في تحليله للأوضاع الاقتصادية قانون- ساي- وبيَّن عدم وجود قوانين طبيعية تعمل على إعادة التوازن الكلي كلما حدث اختلال.
ومن خلال كل هذا، طلب كينز بتدخل الدولة لحل الأزمات التي تعترض الاقتصاد وذلك من خلال زيادات الإنفاق العام، والتوسع فيه وبالذات من خلال سياسة الأشغال العامة التي تؤدي إلى زيادة دخول الأفراد، وما تؤدي إليه زيادة الدخول هذه من زيادة في الطلب بالشكل الذي يؤدي إلى تصريف السلع والخدمات المنتجة وغير المباعة وإلى زيادة استخدام الطاقة الإنتاجية، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة أهمية دور الدولة والسياسة المالية التي تتبناها من خلال المساهمة في الرفع من الإنفاق العام.
الفقرة الثانية: الخصائص المميزة للمالية العامة الحديثة
أدى تغير مفهوم المالية العامة وانتقالها من المالية العامة التقليدية إلى الحديثة إلى تغير الخصائص المميزة لها.
1: ارتفاع حجم الأنشطة المالية العمومية
لم تعد الدولة مقتصرة في تدخلها على الميادين التقليدية أي الميدان السياسي والإداري، بل توسع ليشمل الميادين الاقتصادية والاجتماعية وهو ما أدى بالضرورة إلى ارتفاع في حجم نفقاتها بسبب هذا التوسع في وظائفها وازداد كذلك حجم الإيرادات وبذلك لم تعد الميزانية صغيرة ومحدودة كما كانت، بل صارت متعددة الأهداف والوظائف والخدمات[10].
2: نهج سياسة عدم الحياد
دفعت الأسباب والعوامل المتعددة الدولة إلى الخروج من حيادها التقليدي والسلبي والتدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية مستعينة بالنفقات والإيرادات العامة التي أصبحت أدوات مهمة في يد الدولية لتحقيق سياستها الاقتصادية والاجتماعية، فاتسعت دائرة الإنفاق العمومي وتعددت ميادينه ولم يعد يقتصر على القيام بالوظائف التقليدية بل امتد ليشمل التأثير في حجم الدخل الوطني وكيفية توزيعه بين مختلف الطبقات والحد من التفاوت الحاصل بين الدخول والثروات وتشكل نفقات الاستثمار والقروض الممنوحة للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية من أجل تشجيعها أهم دليل على تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، هذا على مستوى الإنفاق العام، أما على مستوى الإيرادات العمومية فلم يعد الهدف من فرضها ينحصر في تغطية النفقات العامة (التوازن الحسابي)، ولكن يهدف إلى الوصل إلى توازن أكثر أهمية إلا وهو التوازن الاقتصادي والاجتماعي والتأثير على الظرفية الاقتصادية، حيث تستعمل الضريبة مثلا بسعر منخفض من أجل تشجيع قطاعات معينة، وبسعر مرتفع للحد من حركية قطاعات أخرى/ ويمكن كذلك للدولة أن تمنح إعفاءات ضريبية من أجل تشجيع الاستثمارات. كما تلجأ الدولة اليوم إلى القروض العامة لانجاز المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وإنعاش سوق الشغل أو لمحاربة التضخم. وفي النهاية وجب التوضيح أن هذه الإجراءات لا على مستوى النفقات أو الواردات أصبحت وسائل موظفة من طرف الدولة للتأثير على البنية الاقتصادية السائدة.
3: تطور مفهوم التوازن
لم يعد هدف الميزانية العامة في المالية العامة الحديثة تحقيق توازن حسابي بين النفقات العامة للدولة وإيراداتها، وإنما أصبح هدفها تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي أصبحت الميزانية العامة ذات طابع وظيفي لذلك يسمي البعض الميزانية الحالية بالميزانية الاقتصادية بدل من الميزانية العامة للدولة، ويبقى الهدف الأساسي لهذه الميزانية الحديثة هو معالجة الأزمات الاقتصادية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، علما بأن التوازن الملي لا يكون مجديا في ظل عدم التوازن الاقتصادي، فهناك تكامل بين ما هو مالي واقتصادي. كما أن العجز أصبح سمة مميزة في جل ميزانيات الدول التدخلية.
4: تعدد مصادر دخول الدولة
عكس النظرية المالية التقليدية فالمالية الحديثة تنظر إلى الضريبة كمصدر من مصادر التمويل المختلفة، فالدولة في الوقت الراهن تلجأ لكافة المصادر الممكنة من ضرائب ورسوم ودخول أملاك الدولة وقروض عامة، وذلك بهدف القيام بوظائفها المتعددة بفعل تدخلها في كافة الميادين. وتجدر الإشارة إلى أن القروض المتحفظ منها من طرف الكلاسكيين[11] أصبحت ممارسة اعتيادية ومواردها قارة وهيكلية في الميزانية العامة، وتستخدم في الغالب لتمويل نفقات الاستثمار التي تعززت مع الدولة المتدخلة والراعية. وفي النهاية وجب التوضيح أنه بالرغم من هذا التطور فالإيرادات الضريبية لازالت محورية وأساسية في الموارد العامة.
المطلب الثاني: أهداف المالية العامة الاقتصادية والاجتماعية
كما سلف الذكر، فإن المالية العامة ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية، حيث نجد من أهم أهدافها العمل على تحقيق الاستقرار أو التوازن الاقتصادي والاجتماعي،[12] ما يجعل منها أساسا لكل من السياستين الاقتصادية والاجتماعية.
وبالتالي فالمالية العامة تساهم بشكل فعال في تنفيذ الاختيارات والتوجهات العمومية للدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية من خلال الاعتماد على مجموعة من القوانين والسياسات المالية والإنمائية.
الفقرة الأولى: السياسات الاقتصادية والاجتماعية
أ- السياسة الاقتصادية
يقصد بالسياسة الاقتصادية الإجراءات الحكومية، المحددة لمعالم البيئة الاقتصادية التي تعمل في ظلها الوحدات الاقتصادية الأخرى، وهي عبارة عن مجموعة الأدوات والأهداف الاقتصادية والعلاقات المتبادلة بينهما، وتقوم الدولة بإعداد وتنفيذ هذه السياسة باستخدام الوسائل المختلفة التي يملكها المجتمع، لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية معينة، والبحث عن أفضل الطرق الموصلة إلى تحقيق هذه الأهداف.
إذن فالسياسة الاقتصادية تتمثل في قيام الدولة بخطوات وإجراءات ترمي إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية محددة، ولهذا يجب على السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الدولة أن تكون قادرة على الوصول إلى أقصى كفاءة عند استخدام الموارد المتاحة لتحقيق أقصى الغايات، أو بمعنى آخر استخدام أقل حجم من الموارد لتحقيق أكبر عدد من الأهداف[13]، أي أنه لا يمكن وضع أي تصور لسياسة اقتصادية دون معرفة المالية العامة للدولة، لأن السياسة الاقتصادية ترتبط بتشخيص الحالة الاقتصادية للدولة وتحليلها وفق قضايا النمو الاقتصادي، ونسبة الادخار والاستثمار، ودرجة تحرير الاقتصاد، ومستوى المعيشة والأسعار، والتشغيل، ...، بهدف تقديم النصح فيما ينبغي أن يكون عليه الوضع الاقتصادي والاجتماعي لتدبير الشأن العام[14]
ب- السياسة الاجتماعية
يعرف مارشال Marshall السياسة الاجتماعية بكونها سياسة الحكومة التي تتضمن مجموعة من البرامج والنظم الموجهة لتحقيق المساعدات العامة والتأمينات الاجتماعية وخدمات الضمان الاجتماعي والإسكان وغيرها.
كما عرفها تاونسيد Townsed بأنها مجموعة أساليب التدخل التي يجب أن تتبناها التنظيمات الصناعية المهنية والتطوعية والجماعات السياسية لتحقيق أغراض وغايات اجتماعية من شأنها الوصول إلى المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومراعاة توزيع الثروة وتامين الدخل بما يؤدي لمواجهة الحاجات وتحقيق المساواة في المجتمع.
ويتضح من التعريف السابق، أن السياسة الاجتماعية جزء من السياسة العامة في المجتمع، تصدر عن هيئات لها هذه الصلاحيات وذلك على اعتبار أن السياسة العامة هي الإطار العام بعيد المدى المعبر عن أهداف المجتمع ومدى طموحه، والموجه لسلوك الأفراد والمنظمات لتحقيق تلك الأهداف وذلك الطموح في كافة المجالات التي من ضمنها المجال الاجتماعي.
ونستنتج من هنا أن السياسة الاجتماعية لصيقة بالسياسة الاقتصادية مادام الهدف من هذه الأخيرة هو الارتقاء بالشأن الاجتماعي للدولة، كما أنها ــ السياسة الاجتماعية ــ بطبيعة الحال سوف تكون شاملة وعامة وتجري وفق آليات متعددة كأن تخطط الدولة لإجراء التنمية البشرية التي تعتبر العمود الفقري للسياسات الاجتماعية[15].
الفقرة الثانية: آليات خدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية
أ- قوانين المالية
قانون المالية: هو قانون تأسيسي يصدر عن البرلمان ويتضمن أحكاما تتعلق بالموارد والتكاليف التي تحصلها الدولة وتصرفها برسم السنة المالية، وتهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل وكذا مراقبة استعمال الأموال العمومية[16]، فالبرلمان هو الذي يمارس السلطة المالية قانونا، فهو الذي يناقش ويصوت على القانون المالي وفق مسطرة محددة في النصوص الدستورية والتنظيمية[17]
ويتضمن قانون المالية العامة بالإضافة إلى الميزانية العامة، الميزانيات الملحقة والحسابات الخصوصية للخزينة وميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة، وداخل هذه الأنواع هناك تداخل بين الاقتصادي والاجتماعي من خلال مجموعة من المرافق والمؤسسات التي تتراوح أهدافها بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي، وداخل قانون المالية توجد الميزانية العامة التي تعتبر أهم آلية قانونية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية.
الميزانية العامة: لقد كان للاعتبارات القانونية والاقتصادية والسياسية الأثر البالغ في محاولات تعريف الميزانية العامة، فهي عن بعض الفقه "تقدير تفصيلي احتمالي لنفقات الدولة وإيراداتها لمدة زمنية مقبلة تكون عادة سنة يتم إعدادها من قبل السلطة التنفيذية ويتم اعتمادها من قبل السلطة التشريعية"، في الوقت الذي نجد البعض الأخر يعتبر الميزانية العامة عمل تشريعي تقدر بمقتضاه نفقات وإيرادات الدولة لفترة معينة من الزمن تنفيذا للسياسة الاقتصادية والاجتماعية.
وعموما فان تطور مفهوم الميزانية العامة راجع إلى تطور مفهوم المالية العامة[18] ما يفسر إن الميزانية العامة أصبحت الأداة الرئيسية التي تستخدم في السياسة المالية لتحقيق الرفاهية العامة والنمو الاقتصادي من جهة والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى.
ب- السياسات المالية
السياسة المالية: يزخر الفكر المالي بتعريفات مختلفة لمفهوم السياسة المالية نسوق بعضها على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر.
فتعرف السياسة المالية بأنها مجموعة السياسات المتعلقة بالإيرادات العامة والنفقات العامة بقصد تحقيق أهداف محددة،[19] وذلك بتقرير مستوى ونمط إنفاق هذه الإيرادات.
بينما يعرفها البعض بأنها سياسة استخدام أدوات المالية العامة من برامج الإنفاق والإيرادات العامة لتحريك متغيرات الاقتصاد الكلي مثل الناتج القومي، العمالة، الادخار، الاستثمار، وذلك من أجل تحقيق الآثار المرغوبة وتجنب الآثار غير المرغوبة فيها على كل من الدخل والناتج القوميين ومستوى العمالة وغيرها من المتغيرات الاقتصادية19.
وهناك تعريف آخر لا يخرج عن مضمون التعريفات السابقة، يوضح أن السياسة المالية هي تلك السياسات والإجراءات المدروسة والمتعمدة المتصلة بمستوى ونمط الإنفاق الذي تقوم به الحكومة من ناحية وبمستوى وهيكل الإيرادات التي تحصل عليها من ناحية أخرى.
ومن خلال التعريفات السابقة، نستطيع القول أنها جميعا تتفق على أن السياسة المالية هي أداة الدولة الأكثر تأثيرا في النشاط الاقتصادي بغية تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بمعنى أن السياسة المالية أسلوب أو برنامج عمل مالي تتبعها الدولة عن طريق استخدام الإيرادات والنفقات العامة، علاوة على القروض العامة، لتحقيق أهداف معينة في طليعتها النهوض بالاقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية وإشاعة الاستقرار الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية وإتاحة الفرص المتكافئة للمواطنين بالتقريب بين طبقات المجتمع والإقلال من التفاوت بين الأفراد في توزع الدخول والثروات[20].
السياسة الإنمائية: تهدف السياسة الإنمائية التي تعتمدها الدول المتطورة إلى إحداث تغير أساس وجوهري في البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ليشعر المجتمع بالأمن والاستقرار والرضا، من أجل رفع مستوى الفرد والارتقاء به إلى المكان اللائق به بما يحقق شعوره بالطمأنينة، ويكفل مواجهته للتحديات المعاصرة بما يتميز به من إمكانية وطاقة فكرية ونفسية للوصول إلى طموحه المشروع، وتتحدد أساليب هذه السياسة بحاجات البلد وإمكانياته المادية والبشرية[21].
وتتعدد السياسات المعتمدة في هذا المجال فهناك من يعتمد سياسة تطوير الصناعات التصديرية، وهناك من يعتمد سياسة التكامل الاقتصادي بين الدول لإقامة نوع من الاتحادات الجمركية والأسواق المشتركة، وهناك من يعتمد سياسة التخطيط المركزي باستخدام سلطة الدولة لإحداث تغييرات في المؤسسات والسلوكيات والموافق الاجتماعية التي تهم التنمية.
السياسة الجبائية: هي" مجموعة البرامج التي تضعها الدولة مستخدمة كافة مصادرها الجبائية الفعلية والمحتملة، لإحداث أثار اقتصادية واجتماعية والسياسة"، وباعتبارها أداة من أدوات السياسة الاقتصادية التي تعمل على تحقيق أهداف المجتمع، فهي ـــ السياسة الجبائية ـــ تسخير كل ما يحيط بالبيئة الجبائية من أدوات ووسائل، واستخدامها بشكل ممنهج وهادف ومنسجم مع الأهداف الكلية للسياسة الاقتصادية العامة للدولة.
وتهدف السياسة الجبائية إلى جذب وتحفيز الاستثمار، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال استعمال وسائلها المختلفة، ويتمثل هذا التحفيز في التدابير والإجراءات المعنية التي تتخذها السلطة الجبائية المختصة وفق سياسة جبائية معينة، بقصد منح مزايا واعتمادات ضريبية لتحقيق أهداف معينة[22]، ترتكز على أدوات ضريبية فعلية ومحتملة تتناسق والبرامج الموضوعية، ومنها الإعفاءات والتخفيضات.
المطلب الرابع : المالية العامة بالمغرب بين البنية التقليدية وتحديث هياكلها
عرف المغرب المالية العامة عبر ثلاث مراحل أساسية تتجلى المرحلة الأولى في مرحلة الدولة التقليدية ثم مرحلة الدولة الحديثة )الاستعمار( وصولا إلى تحديث هياكل المالية للدولة )الاستقلال(.
تميزت مرحلة الدولة التقليدية بالاعتماد على نظام الشريعة الإسلامية ،حيث كان للدولة المغربية آنذاك وظائف تقليدية تحتاج فيها إلى نفقات تهم الدفاع والأمن والقضاء ،حيث كان يتطلب الأمر توازنها مع الموارد كما كان النظام المالي يطغى عليه الطابع الديني تسهر السلطة على تسييره ومراقبته إلى جانب مؤسسات أخرى، كمؤسسة الأمناء والتي يرأسها أمين الأمناء )وزير المالية ( بالإضافة إلى مؤسسة دار عديل وهي بيت مال إداري تودع فيها جميع المداخيل التي لا تكتسي طابع ديني .كما تشكل مؤسسة بيت المال لتلقي وحفظ الأموال المتأتية من مختلف المصادر ذات الطابع الديني إحدى هده المؤسسات .فضلا عن مؤسسة خزينة السلطان التي تضم أموال السلطان الخاصة من الممتلكات والهدايا والمنح المقدمة له. إلا أن تدهور النظام المالي أدى إلى اللجوء إلى الاقتراض المفرط من الخارج نتيجة التدبير الغير معقلن مما سيؤدي بالدولة المغربية إلى الدخول في قفص الحماية .
بعد توقيع معاهدة الحماية قام المستعمر بإحداث مجموعة من المؤسسات المالية الحديثة وقام بإلغاء المؤسسات المالية التقليدية ،حيث تبنى فكرة الميزانية العامة والخزينة العامة ،كما احدث مراقبة الالتزام بنفقات الدولة كجهاز للمراقبة وذلك بهدف مواجهة أي "خروقات مالية" حيث يظهر أن سلطات الحماية بإحداثها لمجموعة من المؤسسات ان تعيد هيكلة المالية العامة بالبلد والتخلص من كل الاشكالات التقليدية )كما تراها ( للنظام المالي المغربي .
وشأنها في ذلك شأن باقي دول العالم ، لم تعد المالية العامة بالمغرب مقتصرة على البحث عن الموارد الكافية لتغطية النفقات الأساسية، بل تطورت حيث لم تعد تقتصر موارد الدولة على الضرائب كما هو الحال في المالية التقليدية بل بدأ الاعتماد على موارد جديدة كالقروض، والرسوم الجمركية، وتوسع مفهوم الضرائب .أما فيما يخص النفقات فلم تعد تقتصر على سير المرافق الأساسية .بل نتيجة لتحول المالية العامة من هذا الوضع إلى وضع أخر تسخر فيه لخدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. وكمثال على ذلك نجد النفقات الجبائية )والتي سيتم التطرق لها في عرض لاحق ( والتي تتحدد باعتبارها إجراءات استثنائية والتي يتم سنها ،وتحدث خسارة في إيرادات الخزينة وتهدف إلى خدمة أهداف اقتصادية، وأخرى اجتماعية، أو أهداف أخرى كم هو الشأن بالنسبة للنفقات الجبائية وتجسد قوانين الاستثمار إحدى مظاهر هدا الإنفاق بالمغرب والتي تبرز التحول الذي عرفته السياسة المالية بالمغرب مند حصوله على الاستقلال وصولا إلى تسعينات القرن الماضي ،كما تعتبر من ابرز تجليات تخليه عن مبدأ الحياد الضريبي.
" فقد اختار المغرب إستراتيجية اللبرالية الاقتصادية .ويظهر هدا الاتجاه في تصريح المسؤولين المغاربة ،حيث جاء على لسان وزير المالية أنداك قوله ‘ان النظام الاقتصادي الحسني نظام ليبرالي في أساسه ليست اللبرالية المتوحشة للقرن 19 ولكن ليبرالية موجهة ومخطط لها ...[23]’ . ’بعد الأزمة المالية لسنة 1964 بدا تدخل خبراء كل من البنك الدولي لإعادة التعمير والإنماء وصندوق النقد الدولي في تخطيط سياسة الدولة الاقتصادية وتقديم التوصيات اللازم إتباعها عند وضع المخططات الاقتصادية ’."[24]
وفي هذا السياق عرف المغرب هذه القوانين والتي جاءت في إطار مجموعة من المخططات ويتعلق الأمر ببعض القطاعات التي خصها المشرع بعدة امتيازات ويمكن حصر هذه القوانين في قانون الاستثمار لسنة 1958 ثم قانون الاستثمار 1960 والذي جاء في إطار المخطط الخماسي(1960-1964) ثم قانون الاستثمار ل 1973 في إطار المخطط الخماسي (1973-1977)والذي عرف تعديلا سنة 1983 وصولا الى ميثاق الاستثمار لسنة 1995 .كلها تجسد التحول في السياسة الاقتصادية للدولة لتشمل خدمة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية أما الآن وبداية من التسعينات أصبحت الوسيلة الأساسية للقيام بتدبير المالية العامة بالمغرب هي البرامج الحكومية .
خاتمـــــــــــــــــــــــة
إن انتقال المالية العامة من مالية عامة تقليدية محايدة، إلى مالية عامة حديثة وظيفية، جاء نتيجة لمجموعة من الأحداث التاريخية في بداية القرن العشرين والتي فرضت تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية من أجل إشباع الحاجات العامة للمواطنين وإيجاد حلول للكساد الذي خلفته الأزمة الاقتصادية وأدى إلى شل حركة الاقتصاد، وعجل بزوال المالية العامة التقليدية التي لم تستطع تفسير توقف الاقتصاد عن التطور، واعتبرت توقفه هذا حالة وقتية ستزول مع المستقبل بفعل آليات السوق، وهو ما انتقده أنصار المالية العامة الحديثة وطالبوا بضرورة تدخل الدولة من خلال السياسة المالية لتحريك الاقتصاد من خلال الزيادة في الإنفاق العام والبحث عن إيرادات عامة لتغطية هذا الإنفاق، وهو ما يدفعنا لطرح التساؤل التالي: كيف يتم تدبير الموارد والنفقات العامة في المغرب من أجل التأثير في الحياة الاقتصادية؟
لائحة المراجع
أولا: الكتب
أحمد زكي بدوي، معجم المصطلحات الاقتصادية، دار الكتاب المصري، 1985،
اناس بن صالح الزمراني، المالية العامة والسياسة المالية، الطبعة الأولى،المطبعة والوراقة الوطنية،2002
جورج نابهانر تاريخ النظرية الاقتصادية
حامد عبد المجيد دراز، دراسة في السياسة المالية.
حمادي حميدي علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي
رضا العدل، التحليل الاقتصادي الكلي والجزئي، مكتبة عين شمس، 1996،
السيد مرسي الحجازي، النظم الضريبية بين النظرية والتطبيق، د ط، الدار الجامعية، الإسكندرية، 1998 ،
عادل احمد حشيش، أصول الفن المالي الاقتصادي، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1977،
عبد العزيز فهمي هيكل، موسوعة المصطلحات الاقتصادية الإحصائية، دار النهضة العربية، 1980،
عبد الفتاح بلخال، علم المالية والتشريع المالي المغربي، الطبعة الأولى 2005،
فاطمة الحمدان بحير .السياسة الجمركية المغربية واشكالية المبادلات التجارية الدولية .
فليح حسن خلف، المالية العامة، جدار الكتاب العالمي، عمان، الأردن، طبعة 2008.
قطب ابراهيم محمد، الموازنة العامة للدولة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة الطبعة الثالثة،1978
المالية العامة لرشيد مساوي مطبعة سبارطيل طبعة الصيغة الأولى 2013
محمد القباج قنديل سلوى سليمان الدخل القومي دار النهضة العربية القاهرة 1979
محمد حركات، الاقتصاد السياسي لتدبير الشأن العام، الطبعة 1، 2000،
محمد حنين، تدبير المالية العمومية، الرهانات والاكراهات، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى،2005،
محمود حسين الوادي، زكرياء أحمد عزام، المالية العامة والنظام المالي في الإسلام، دار الميسرة للنشر والتوزيع، عمان، 2000،
المصطفى معمر، مدخل لدراسة المالية العامة، مركز سجلماسة للنشر والطبع والتوزيع، 2006
وجدي حسين، المالية الحكومية والاقتصاد العام، الإسكندرية، 1988،
ثانيا: الأطروحات والرسائل
شريف محمد، السياسة الجبائية و دورها في تحقيق التوازن الاقتصادي، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية، جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان، 2010 ،
منصور ميلا ويونس البطريق، مبادئ المالية العامة، منشورات الجامعة المفتوحة، ليبيا، الطبعة الاولى، 1991
نعمت الله نجيب وآخرون، مقدمة في الاقتصاد، الدار الجامعية، بيروت، 1990،
ثالثا: المقالات
نور الدين لزرق، مقالة بعنوان : الميزانية العامة وتمويل السياسات الاجتماعية، المجلة المغربية للسياسات العمومية، 2008؛2009
المراجع باللغة الفرنسية
Philip . A. klein, the Management of Market, Oriented Economics A Comparative Perspective Wadswor the Publishing company, Belmont, California, 1973, p176
المواقع الالكترونية
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] جورج نابهانر تاريخ النظرية الاقتصادية
[2] محمد القباج قنديل سلوى سليمان الدخل القومي دار النهضة العربية القاهرة 1979 ص90
[3] حامد عبد المجيد دراز، دراسة في السياسة المالية
[4] حمادي حميدي علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي
[5] رشيد مساوي نفس المرجع في 5
[6] عبد الفتاح بلخال – علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي
[7] فليح حسن خلف – المالية العامة. ص 55
[8] فليح حسن خلف، المالية العامة، جدار الكتاب العالمي، عمان، الأردن، طبعة 2008، ص: 29.
[9] فليح حسن خلف، المالية العامة، المرجع السابق، ص:30.
[10] عبد الفتاح بلخال، علم المالية العامة والتشريع المالي المغربي،
[11] رشيد المساوي، المالية العامة، مطبعة أسبارطيل- طنجة، الطبعة الأولى، 2013، ص: 22.
[12] - عادل احمد حشيش،اصول الفن المالي القتصادي، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1977، ص: 626-655
[13] - نعمت الله نجيب وآخرون، مرجع سابق، ص441.
[14] - محمد حركات، الاقتصاد السياسي لتدبير الشأن العام، الطبعة 1، 2000، ص 177-178
[15] - نور الدين لزرق، مقالة بعنوان : الميزانية العامة وتمويل السياسات الاجتماعية، المجلة المغربية للسياسات العمومية، 2008؛2009
[16]- (القانون التنظيمي رقم 7.98، لقانون المالية، الباب الاول، الفصل الاول، المادة 3)
[17]- عبد الفتاح بلخال، علم المالية والتشريع المالي المغربي، الطبعة الأولى 2005، ص 288
[18]- محمد حنين، تدبير المالية العمومية، الرهانات والاكراهات، دار القلم للطباعة والنشروالتوزيع، الرباط، الطبعة الاولى،2005، ص 17
[19] محمود حسين الوادي، زكرياء أحمد عزام، المالية العامة والنظام المالي في الإسلام، دار الميسرة للنشر والتوزيع، عمان، 2000، ص182.
[20] - اناس بن صالح الزمراني، المالية العامة والسياسة المالية، الطبعة الأولى،المطبعة والوراقة الوطنية،2002 ص 16
[21]-عصام خوري : www.library.islamweb.net
[22]- شريف محمد، السياسة الجبائية و دورها في تحقيق التوازن الاقتصادي، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية، جامعة أبي بكر بلقايد تلمسان، 2010 ، ص14
[23] déclaratuion du minister des finance en 1967 .
[24] فاطمة الحمدان بحير .السياسة الجمركية المغربية واشكالية المبادلات التجارية الدولية مطبعة النجاح الجديدة 2005.ص63