القائمة الرئيسية

الصفحات

الحصانة القضائية والدفع بالإحالة في الاختصاص القضائي الدولي

الحصانة القضائية والدفع بالإحالة في الاختصاص القضائي الدولي

الحصانة القضائية والدفع بالإحالة في الاختصاص القضائي الدولي
الحصانة القضائية والدفع بالإحالة في الاختصاص القضائي الدولي

مقدمة
يعد الحق في التقاضي حقا مكفولا لكل شخص، و يعتبر مبدأ إقرار العدالة واجبا أساسيا ملقى على عبء كل دولة عن طريق أحد أهم مرافقها العامة، ألا و هو مرفق القضاء. فالسلطة القضائية هي تجسيد للسلطة الثالثة في كل دولة، و الأكثر من ذلك أهمية أنها تعبر عن سيادة الدول، مما أُطلق عليها ب''السيادة القضائية''. و من هنا، يبدو أن تنظيم الحق في التقاضي هو واجب على كل دولة نحو مواطنيها، و يمتد تنظيمها لاختصاص القضاء فيها ليشمل كل ما يقع على إقليمها، سواء أكان ذلك بين الوطنيين أنفسهم أو بين الوطنين و الأجانب أو حتى بين الأجانب فقط[1].
فلم يعد هناك مجال للحديث عن قصر الحق في التقاضي على الوطنيين فقط، إذ مضى العهد الذي كان يعتبر فيه مبدأ إقرار العدالة واجبا ملقى على كاهل القضاء تجاه الوطنين لوحدهم دون الأجانب، وألغي كذلك ما كان يشترط من أداء الأجنبي للكفالة المالية[2] حينما يلجأ إلى القضاء الوطني لبلد هو ليس ببلده. كل هذه المعطيات ألزمت الدول بتخصيص حيز من تنظيمها لاختصاص محاكمها الداخلي ليشمل كذلك اختصاصها الدولي في القضايا التي يكون أحد الأطراف فيها أجنبيا، و هو ما يسمى بالاختصاص القضائي الدولي.
وتعمل قواعد الاختصاص القضائي الدولي، بوصفها أحد أهم موضوعات القانون الدولي الخاص في كل دولة، على تحديد ما يدخل ضمن الولاية العامة لمحاكمها في الدعاوى ذات العنصر الأجنبي وما يخرج أيضا عن هذه الولاية، و هذا التحديد سيتم على ضوء مجموعة من المعايير تمثل حلقة الاتصال بين هذه الدعاوى و بين القضاء المختص، يُطلق عليها بضوابط الاختصاص القضائي الدولي. هذه الضوابط يقررها عادة المشرع الوطني في كل دولة، و أحيانا يتم التوصل إليها من خلال الاتفاقيات و المعاهدات الدولية، و لا توجد حتى الآن أية هيئة عالمية تتولى توزيع هذا الاختصاص بين الدول أو قواعد عالمية ملزمة بهذا الشأن[3].
لذلك فإن المشرع في كل دولة يتمتع بحرية كبيرة عند وضعه لهذه الضوابط، و أحيانا يأخذ بعين الاعتبار ما استقر عليه العرف الدولي في الحالة التي يكون أحد الأطراف في النزاع لا يخضعون لسلطة قضائها الوطني استنادا على مركزهم القانوني، كما هو الشأن بالنسبة للأشخاص الذين خول لهم العرف الدولي حق التمتع بالحصانة القضائية أمام محاكم الدول الأخرى، ثم الحالات التي أمكن فيها للخصوم الحق في استخدام أحد الدفوع الممكن استعمالها من بين مجموع الدفوعات المتاحة في الاختصاص القضائي الداخلي إلى جانب كل من الدفوع الموضوعية و كذا الشكلية، ألا و هو الدفع بالإحالة، باعتبارها إجراء شكلي يقصد به إخراج الدعوى من ولاية المحكمة المرفوعة إليها و إدخالها ضمن ولاية محكمة أخرى، و هي تأخذ عدة صور : فهناك الإحالة للارتباط، و هي كذلك دفع شكلي يقصد به انتقال الدعوى من ولاية المحكمة المرفوعة إليها إلى محكمة أخرى لتنظر في دعوى مرتبطة أو متطابقة معها بهدف توحيد الدعويين و منع تعارض الأحكام، و هناك أنواع أخرى للدفع بالإحالة علاوة على الإحالة للارتباط و قيام النزاع أمام محكمتين، كالإحالة عند الحكم بعدم الاختصاص، إما النوعي أو الوظيفي أو القيمي للمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى حينما لا تكون مختصة نوعيا في مثل هذا النوع من القضايا، حتى و لو دخلت ضمن اختصاصها المكاني، ثم هناك نوع آخر من أنواع الإحالة و هو الإحالة الاتفاقية، التي يتفق فيها الخصوم على التقاضي أمام محكمة غير المحكمة المرفوع إليها الدعوى، لتأمر بذلك المحكمة بالإحالة إلى محكمة أخرى يكون الأطراف قد اتفقوا عليها[4].
على العموم، يعد الأصل في موضوع تحديد الاختصاص القضائي الدولي لمحكمة من المحاكم الوطنية دخوله في صميم اختصاصات المشرع الوطني، الذي يرسم حدود ولاية القضاء الوطني بالمنازعات الدولية الخاصة، إلا أن وجود الدولة في الجماعة الدولية يلزمها مع ذلك ببعض المحددات التي يفرضها العرف الدولي في هذا المجال، كالحصانة القضائية التي يتم تقريرها لفئات وهيئات وأشخاص معينين في حد ذاتهم، تحول دون إمكانية المحكمة في البت في النزاع المطروح أمامها، من قبيل الحصانة القضائية المقررة لرؤساء الدول و ممثليهم و المنظمات الإقليمية و الدولية.  وترجع جذورها التاريخية إلى القرن السادس عشر الذي كان فيه العرف الدولي يقيد اختصاص المحاكم الوطنية في النزاعات الخاصة الدولية في الدعاوى المقامة ضد الممثلين الدبلوماسيين، لتمتد بعد ذلك هذه الحصانة لتشمل الملوك و رؤساء الدول، و في مرحلة متأخرة من القرن التاسع عشر امتدت لتشمل الدول نفسها وفقا للقاعدة التي تقضي بعدم إمكانية أي دولة أن تخضع دولة أخرى لقضائها الوطني لأنها تتساوى معها[5]،  كما أن العرف الدولي استقر أيضا على إمكانية تمتع رؤساء الدول و ممثليهم بالحصانة القضائية في مواجهة قضاء الدول الأخرى، و أساس ذلك أن كل من رئيس الدولة و ممثلها الدبلوماسي يمثلانها و يعملان باسمها، و من ثم يكون أمرا منطقيا أن تمتد الحصانة إليه احتراما لسيادة دولته و استقلالها و تمكينا له من أداء مهمته على أكمل  وجه.
كما أن ضرورة العيش المشترك بين الدول تقضي بأن تحدد الدولة ضوابط الاختصاص الدولي لمحاكمها على نحو يكفل وجود رابطة جدية بين هذه الدولة و النزاع المطروح أمام محاكمها، بيد أنه في بعض الأحيان، حتى و لو انعقد الاختصاص الولائي لمحاكم الدولة على أساس مثل هذا الرباط الجدي بين الدولة و النزاع محل الدعوى، فإن مقتضيات التعاون الدولي قد تفرض عليها مع ذلك إحالة النزاع  محل الدعوى - مكانيا - رغم اختصاصها به - نوعيا - إلى محكمة أجنبية.  ولقد لقيت فكرة  الدفع بالإحالة قبولا مع التطور المعاصر في فلسفة القانون الدولي الخاص[6]، و الذي لم تعد أحكامه تقتصر على محض فكرة السيادة الإقليمية كما كان معمولا به فيما سبق، و إنما باتت أكثر انفتاحا تكريسا للتعاون الدولي، و هو ما لقي استحسانا من لدن الفقه الحديث، أخذا منه بعين الاعتبار المتغيرات الجديدة التي بدأت تسلكها العلاقات الخاصة الدولية اليوم، و تجنبا لتعارض الأحكام في نطاق الدولة الواحدة و في إطار النزاع الواحد. 
فدراسة كل من موضوعي الدفع بالحصانة القضائية و الدفع بالإحالة، تكتسي قدرا وافرا من الأهمية لكونها من جهة، استثناء عن المبدأ العام و الأصلي الذي يقضي بكون الدولة حرة في تنظيم ما يدخل ضمن ولاية محاكمها في بتها في الدعاوى التي يكون أحد الأطراف فيها أجنبيا، و من جهة أخرى، هما يُعدان بمثابة مقتضيات عرفية من شأنها أن تمس بهيبة الكيان القضائي الداخلي للدول مما يحتم عليها - ما إذا تعلق الأمر بالدفع بالحصانة القضائية - أن ترفع يدها عن الدعوى، و هو ما قد يشكل انتهاكا لحق الخصم الذي لم يوفر له مركزه القانوني الإمكانية ليحضى هو كذلك بهذا الامتياز، أما إذا ارتبط الأمر بالدفع بالإحالة القضائية، نجد أن نظام التعايش المشترك بين الدول، لاسيما على الصعيد القضائي، يفرض على الدولة التي تمت الإحالة إلى محاكمها، أن تلتزم بالنظر في الدعوى المحالة عليها و هو ما قد ينتج عنه صعوبات جمّة خصوصا في الحالات التي تكون فيها الدولة التي تمت الإحالة إلى قضائها لا تأخذ بفكرة الدفع بالإحالة القضائية.


فما هي إذن حدود مبدأ الدفع بالحصانة القضائية؟ و متى يمكن الحديث عن الحصانة القضائية المطلقة والحصانة القضائية النسبية؟ و إلى أي حد يمكن لفكرة الدفع بالإحالة أن تحقق مظهرا من مظاهر التعاون الدولي في مجال الاختصاص القضائي الدولي، أخذا بعين الاعتبار أن هنالك من الدول من تأخذ بها وهناك من القوانين من ترفضها ؟
سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات جميعها، بناء على دراسة تحليلية لفكرة الدفع بالحصانة القضائية، أسسها، نطاقها و كذا الاستثناءات التي ترد عليها، و كذا سننهج أسلوبا استقرائيا نحاول من خلاله توضيح رؤى بعض القوانين المقارنة حول مدى قبولها أو رفضها لفكرة الدفع بالإحالة القضائية، موضحين في الأخير كافة الشروط التي تستوجب توفرها لإعمالها.

المبحث الأول : الدفع بالحصانة القضائية في الاختصاص القضائي الدولي


يعتبر الدفع بالحصانة القضائية من أهم الاستثناءات التي يفرضها القانون الدولي على حرية الدولة عند سنها للقواعد المنظمة للاختصاص القضائي الدولي، فهو يضع على عاتق الدولة التزاما بعدم صياغة قواعد متعلقة بالاختصاص الدولي متعارض مع هذه الحصانة، هذه الأخيرة التي يمكن تعريفها على أنها : " إعفاء أو عدم خضوع الأفراد للاختصاص القضائي لدولة أجنبية في أي عمل من أعمالهم أو تصرفاتهم ضمانا لاستقلالهم، والحيلولة دون إعاقة المهمات التي يقومون بها نظرا لمراكزهم الوظيفية"[7]. ونظرا لاختلاف المستفيدين منها فإننا سنتناول في البدء، الدفع بالحصانة القضائية للدول ورؤسائها (المطلب الأول) ثم الدفع بالحصانة القضائية للبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الدفع بالحصانة القضائية للدول ورؤسائها

تتمتع كل دولة وفقا للعرف الدولي المستقر عليه بالحصانة القضائية في مواجهة القضاء الوطني للدول الأخرى، والحصانة القضائية على هذا النحو هي أمر لا يخص الدول فقط،  بل العرف الدولي قد استقر أيضا على تمتع رؤساء هذه الدول بالحصانة في مواجهة قضاء الدول الأخرى.

الفقرة الأولى: أساس ونطاق الدفع بالحصانة القضائية للدول و رؤسائها
أولا: أساس الدفع بهذه الحصانة

يستمد الدفع بالحصانة أساسه من فكرة السيادة والمساواة القانونية التي تتمتع بها كل دولة في مواجهة الدول الأخرى، فالدولة لا يمكن أن تخضع لعدالة دولة أخرى ، لأن ذلك الخضوع قد ينطوي على نوع من الانصياع والجبر، وهذا ما قد لا يتماشى مع مبدأ الاحترام المتبادل للسيادة وكذلك لمبدأ المساواة بين الدول[8]. فإذا كانت الدول جميعها تتساوى أمام القانون وتتمتع كل منها بالسيادة والاستقلال، فلا يجوز أن تقوم إحداها بمقاضاة الأخرى أمام محاكمها وإلا أخلت بمبدأ المساواة[9].
كما أن فكرة السيادة والمساواة اتخذت أساسا لتبرير الحصانة التي يتمتع بها رئيس الدولة ذاته، حيث كان لا يمكن خضوعه إلى قضاء دولة أخرى ذات السيادة، إلا أن هذه الفكرة لم تعد صالحة ابتداء من اللحظة التي لم يعد فيها رئيس الدولة والدولة ذاتها طرفا واحدا، أي منذ لحظة الفصل بين الدولة كشخص معنوي وبين رئيس الدولة باعتباره ممثلا لها.
إلا أنه وأمام عجز مبدأ الاستقلال أو سيادة الدول في مواجهة بعضها للبعض الآخر في إيجاد أساس قانوني مقبول للدفع بالحصانة، فإن الفقه لجأ لمجموعة من الأفكار التي تتسم بنوع من المرونة،  ومن أمثلتها فكرة الملائمة والمجاملة الدولية. ومقتضى هذه الفكرة أن يكون من غير الملائم من أجل المحافظة على تحقيق التعاون بين الدول، تكليف من يتمتع بالحصانة بالمثول أمام القضاء الوطني.

ثانيا: نطاق الدفع بالحصانة

لم تثر مشكلة تحديد نطاق الحصانة القضائية أية صعوبة خلال القرن التاسع عشر، حيث أنه كان يكفي تحديد صفة الشخص المتمتع بالحصانة كالدولة أو رئيسها، حتى يسري مبدأ عدم خضوع هؤلاء لولاية القضاء الوطني، ولكن ابتداء من اللحظة التي بدأت فيها المحاكم تستبعد الطبيعة المطلقة التي كانت تتميز بها الحصانة وتقصر التمتع بالحصانة فقط على قيام الأفراد المتمتعين بإجراء تصرفات معينة، بدأت أهمية تحديد النطاق الموضوعي للحصانة القضائية[10].

أ‌-  النطاق الشخصي للحصانة
فالمقصود بهذا النطاق تحديد من هم الأشخاص المستفيدين منها، أي الذين لا تخضع أعمالهم في حالة المنازعة فيها لولاية القضاء الوطني وهم :

- بالنسبة للدول الأجنبية
لكي تستفيد الدولة الأجنبية من هذه الحصانة وبالتالي عدم خضوعها للقضاء الوطني، يجب أن تكون تلك الدولة متمتعة بالشخصية القانونية الدولية وفقا لأحكام القانون الدولي العام، أي يلزم أن تكون دولة ذات سيادة. إلا أن التساؤل يثور بالنسبة لبعض الحالات الأخرى كالدول المحمية والدول غير المعترف بها ككيان دولي .
فبالنسبة للدول المحمية، ذهبت أحكام القضاء الفرنسي إلى أنه وإن كانت الدولة المحمية لا تتمتع بسيادة كاملة، إلا أن لها شخصية دولية، وبناء على ذلك يمكن لها أن تتمتع بالحصانة القضائية شأنها في ذلك شأن الدول المتمتعة بالسيادة الكاملة. والأمر كذلك بالنسبة للدول غير المعترف بها وهنا نميز بين رأيين؛ الأول ويمثله الفقيه Ruzie يرى أنه لا يمكن الاعتراف بالحصانة القضائية للدول غير المعترف بها. لأن تقرير الحصانة القضائية للدول الأجنبية يعد بمثابة قيد على السيادة الإقليمية للدولة المتمسك بالحصانة في مواجهتها، لأنه يتضمن تنازل من تلك الدولة عن ممارسة اختصاصها القضائي الكامل، أما الرأي الآخر ويمثله كل من Batiffol  و  Legarde وهو الرأي الغالب،  فإنه لا يشترط الاعتراف بالدولة الأجنبية باعتباره أمرا لازما لتمتع تلك الدولة بالحصانة القضائية انطلاقا من أن الشخصية الدولية التي تتمتع بها الدولة الأجنبية والتي ينتج عنها تمتعها بالحصانة يعد أمرا واقعيا لا يمكن إغفاله [11].

- بالنسبة لرؤساء الدول الأجنبية
فيتمتع بها حكام الدول الأجنبية أيا كان اللقب الذي يحملونه ( ملوك ، رؤساء جمهوريات، أمراء..)، كما أن الحصانات القضائية يعترف بها لحكام الدول شبه المستقلة والمحمية، كما يعترف بها للحكام الفعليين غير المعترف بهم، شريطة أن تكون السلطة الفعلية موكولة إليهم. ويكون تمتع رئيس الدولة بالحصانة طوال مدة شغله لمنصبه فإذا ترك هذا المنصب لأي سبب كانتهاء مدة رئاسته أو خلعه، فإنه لا يتمتع بالحصانة القضائية.
وتقتصر الحصانة القضائية على رئيس الدولة ولا تمتد إلى أفراد أسرته، وإن كان جانب من الفقه الفرنسي يرى أنه وحفاظا على العلاقات، فقد تؤدي إلى أن تحكم المحاكم الفرنسية بعدم الاختصاص في الدعوى التي يكون أحد الأفراد المقربين من رئيس الدولة طرفا فيها وعلى الخصوص زوجته.

ب‌-   النطاق الموضوعي للحصانة
كان مبدأ الحصانة القضائية في بادئ الأمر يتسم وذلك سواء تعلق الأمر بحصانة الدولة أو برئيسها بالصفة المطلقة. فتاريخيا وخلال القرن التاسع عشر، كانت الحصانة القضائية المعترف بها هي حصانة مطلقة لا تخضع لأي قيد[12]، حيث كان يحق للدولة الأجنبية أن تتمسك بحصانتها أمام محاكم الدول الأخرى أيا كان موضوع النزاع سواء تعلق بنشاطها كشخص دولي ذي سيادة أو كان النزاع ذي طبيعة خاصة كما لو تعلق بنشاطها التجاري كفرد عادي.
وقد طبق القضاء في مختلف الدول الحصانة المطلقة للدولة وكمثال لذلك ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية حيث قضت في أول حكم لها في 6 يناير 1849، بأن الدولة الأجنبية تتمتع بالحصانة المطلقة  استنادا لمبدأ سيادة الدولة واستقلالها والمساواة وكان هذا الحكم بمثابة تطبيق لنظرية الحصانة المطلقة والتي طبقتها من قبل مختلف درجات التقاضي الفرنسية، كما أقرت المحاكم الألمانية بالحصانة المطلقة للدولة في بعض الأحكام الهامة منها حكم محكمة الإمبراطورية في 12 سبتمبر 1905، كما سار القضاء في إيطاليا على نفس النهج في التسليم بالحصانة الكاملة والمطلقة للدولة الأجنبية أمام المحاكم الوطنية، و من بين هذه الأحكام، حكم محكمة استئناف روما في 24 مارس 1881 وحكم محكمة النقض في 12/06/1885[13].
إلا أن تلك الفكرة أخذت في التراجع لتحل محلها فكرة الحصانة النسبية، حيث لم تعد صفة الدولة الأجنبية في حد ذاتها شرطا كافيا للتمتع بالحصانة القضائية وإن كانت دون شك شرطا ضروريا لذلك. وقد أدت عدة عوامل إلى ظهور هذه الفكرة أهمها سيادة مبدأ الشرعية، حيث ساد في الدول المتطورة مبدأ خضوع الدولة للقانون، الأمر الذي استتبع وجود رقابة على قانونية تصرفات الدولة في القانون العام الداخلي، إضافة إلى اتساع أنشطة الدول ورؤسائها.
وتتجلى أهم المعايير من أجل تحديد نطاق الحصانة :
v    معيار الصفة التي يظهر بها الشخص المستفيد من الحصانة في النزاع باعتباره ممثلا لها وفي حدود أداء وظيفته؛
v    معيار طبيعة النشاط الصادر من الشخص المتمتع بالحصانة.

الفقرة الثانية: طبيعة الدفع بهذه الحصانة وحالات التنازل عنها
أولا: طبيعة الدفع بهذه الحصانة

ينقسم الفقه في تحديده لطبيعة الدفع بالحصانة القضائية، هل هو دفع بعدم الاختصاص أم دفع بعدم القبول إلى اتجاهين:
الإتجاه الأول: يمثل هذا الاتجاه الفقيه Niboyet و Freyria وقد أسس هذا الاتجاه رأيه على أساس أن الحصانة القضائية لم تعد حصانة مطلقة يتمتع بها الشخص لمجرد صفته ودون أي اعتبار آخر، بل أصبحت حصانة نسبية ومقيدة، لا يستفيد منها الشخص المتمسك بها والمقررة لمصلحته، إلا إذا كان التصرف موضوع المنازعة العالقة أمام القضاء الوطني صدر بصدد القيام بعمل من أعمال السلطة العامة.
أما الإتجاه الثاني: ويمثله الأستاذ هشام صادق والدكتور فؤاد رياض و قد ذهب هذا الاتجاه بأن الدفع المستمد من الحصانة القضائية ليس دفعا بعدم اختصاص المحاكم الوطنية، بل هو دفع بعدم خضوع الشخص المتمتع بالحصانة للقضاء الوطني بداية، ومن ثم يكون الدفع المذكور دفعا بعدم قبول الدعوى بالنظر إلى صفة المدعى عليه[14].

ثانيا: التنازل عن الحصانة وآثاره

لما كانت الحصانة القضائية للدول الأجنبية هي امتياز ممنوح لها بغرض المحافظة على سيادتها واستقلالها في مواجهة الدول الأخرى، فإن النتيجة المنطقية المترتبة على ذلك هي أنه يجوز للدولة أن تتنازل عن حصانتها هذه وتخضع بإرادتها لولاية المحاكم الأجنبية.
وحيث يشترط القضاء الفرنسي أن يكون التنازل عن الحصانة القضائية واضحا ومؤكدا، وهو يعتبر كذلك إذا تنازلت الدولة صراحة عن حصانتها أو إذا سلكت مسلكا يستدل منه قطعا على هذا التنازل، لذا حكم بأنه إذا رفعت الدولة الأجنبية دعوى أمام القضاء الوطني لدولة أخرى فإن ذلك يعد دلالة واضحة على قبولها الخضوع لولاية هذا القضاء، وكذلك الأمر إذا سكتت الدولة المدعى عليها عن الدفع بالحصانة وترافعها في موضوع الدعوى مباشرة يفيد تنازلها عن الحصانة المقررة لمصلحتها.
ويترتب على التنازل عن الحصانة القضائية على الوجه السالف إمكان السير في الدعوى ضد الدولة الأجنبية أو رئيسها، ذلك أن مؤدى التنازل عن الحصانة استرداد الدولة التي أثير النزاع أمام محاكمها لسلطتها في القضاء، وبالتالي خضوع النزاع المتعلق بالدولة الأجنبية أو رئيسها للولاية الإقليمية للقضاء الوطني[15].

المطلب الثاني: الدفع بالحصانة القضائية للبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية

يقر القانون الدولي حصانة للبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية بما فيها الحصانة القضائية، باعتبار هذه الأخيرة وسيلة لتمكين المبعوث من أداء رسالته في إقامة علاقات طيبة بين الدول وصيانة السلم العالمي وتأمين الاستقرار في علاقات الشعوب خدمة للبشرية والأسرة الدولية[16].

الفقرة الأولى: الدفع بالحصانة القضائية للبعثات الدبلوماسية وممثليها

البعثة الدبلوماسية هي عبارة عن مجموعة من الأفراد توفدهم الدولة لتمثيلها والتحدث والتفاوض باسمها مع دولة أخرى، ويكون للبعثة مقر عمل يطلق عليه اسم مقر البعثة الدبلوماسية، وتتحدد مرتبتها حسب الأهمية التي تعلقها الدولة على العلاقات الدبلوماسية التي تتبادلها مع الدولة الأخرى، أو حسب مبدأ المعاملة بالمثل. ومن مراتب البعثات على سبيل المثال: السفارة- مفوضية- قنصلية..وغيرها.
ويرأس المجموعة الموفدة شخص مسئول يعتبر الممثل الأصيل للدولة لدى الدولة الموفد إليها ويقوم بإدارة المجموعة وتوزيع العمل بين أعضائها، وليس هناك حجم محدد من الأفراد للبعثة الدبلوماسية وإنما يعتمد عدد أفراد البعثة على المصالح التي تربط الدولة بالدولة الموفدة إليها[17].

أولا: أساس الحصانة القضائية بالنسبة لممثلي البعثات الدبلوماسية

اختلف فقهاء القانون حول الأسس والمبررات النظرية لمنح المبعوثين الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، ويمكن حصر التبرير القانوني لهذه الحصانات والامتيازات في ثلاث نظريات ، وهي كالتالي :
1-    نظرية الامتداد الإقليمي .
2-    نظرية الصفة التمثيلية .
3-    نظرية مقتضيات الوظيفة .
ولكل نظرية منها مسوغاتها وتبريراتها التي تستند إليها، كما أنها لا تخلو من اعتراضات وانتقادات وجهت إليها، وذلك على النحو التالي [18]:

v    نظرية الامتداد الإقليمي :
ظهرت هذه النظرية في القرن السادس عشر الميلادي على يد الفقيه الهولندي (جريوتيوس)، وتعتبر هذه النظرية أن مقر البعثة الدبلوماسية الذي تمارس فيه الأعمال الوظيفية امتدادا لإقليم الدولة التي يمثلها المبعوث الدبلوماسي، ومعنى هذا أن المبعوث الدبلوماسي يقيم في إقليم الدولة التي اعتمد لديها بصورة فعلية ولكنه يجب أن يعتبر أنه لا يزال مقيما في إقليم الدولة التي أوفدته، وعلى هذا الأساس يمكن تبرير عدم خضوع الممثل الدبلوماسي لقانون الدولة المضيفة.
وقد كان الباعث على تقرير مثل هذه النظرية المشكلة التي ظهرت أمام الفقهاء في ذلك الوقت والتي تمثلت في صعوبة التوفيق بين مبدأين واسعي الإنتشار، الأول: سيادة الدولة المطلقة على إقليمها ، والثاني :عدم خضوع الممثلين الدبلوماسيين للقوانين المحلية للدولة المعتمدين لديه.
ولقد حظيت هذه النظرية بتأييد كثير من فقهاء القانون الدولي وعملت بها محاكم بعض الدول في ذلك الوقت، إلا أن هذه النظرية تعرضت لانتقادات مما أدى إلى استبعادها كأساس صحيح يمكن الاستناد إليه في الحصانات والامتيازات الدبلوماسية .

فمن بين هذه الانتقادات :
-   التناقض، و هو يظهر في افتراض وجود المبعوث الدبلوماسي في مكانين في وقت واحد، وهما الدولة المعتمد لديها على أساس فعلي، ودولته التي ينتمي إليها على أساس افتراضي، ولهذا اعتبر بعض الباحثين هذه النظرية خيالية لتناقضها مع الواقع المادي الجغرافي.
-    أن الأخذ بهذه النظرية يفضي إلى نتائج عبثية وغير مقبولة : ويتجلى هذا الأمر فيما لو وقعت جريمة داخل مقر البعثة، فمقتضى هذه النظرية أنه يجب إخضاع الجريمة لقوانين وقضاء الدولة المرسلة أيا كانت جنسية المجرم، و لو لجأ مجرم إلى دار البعثة بعد ارتكاب جريمة خارجها لا تستطيع السلطات المحلية وضع يدها عليه إلا عن طريق الإجراءات الخاصة بتسليم المجرمين كما لو فرّ إلى إقليم أجنبي، وهذا الأمر يتعارض مع مبدأ سيادة الدولة ولا يمكن للدولة أن تقبله ، ولهذا قال بعض فقهاء القانون أن التصور الوهمي الذي تقوم عليه هذه النظرية غير مفيد وغامض وخاطئ[19].

v    نظرية الصفة التمثيلية :
وتعرف بنظرية التمثيل وأيضا بنظرية الصفة النيابية، وتستند هذه النظرية إلى طبيعة الدور الذي يقوم به الممثل الدبلوماسي كوكيل لدولة ذات سيادة وبالتالي تتمتع تصرفاته الرسمية وغيرها بالحصانة لأنها تصرفات دولة أجنبية ذات سيادة .
ولقد هجر الفقه هذه النظرية لتعارضها مع سيادة الدولة المعتمد لديها ، ولأنها لو صدقت في حالة الحصانة خلال العمل الرسمي، فإنها لا تصدق على الحصانة الشخصية التي يتمتع بها الدبلوماسي خارج نطاق عمله، وأيضا لقصور هذه النظرية عن تفسير كثير من الأوضاع ، فمن ذلك إذا كان الدبلوماسي يتمتع بالحصانات والامتيازات بوصفه ممثلا للدولة فقط فلأي سبب يجب أن تتمتع عائلته بهذه المزايا وهي ليس لها أية صفة تمثيلية ؟[20]
وإذا كانت هذه النظرية تبرر منح الحصانات للأشخاص الذين يمثلون دولهم أو رؤساءها ، فكيف يمكن تبرير منح الحصانات لأشخاص القانون الدولي الآخرين من منظمات عالمية وإقليمية وهم لا يمثلون أية دولة ؟ كما أن هذه النظرية تمحورت حول الصفة التمثيلية دون تحديد دقيق للشخص الواجب تمثيله، فتارة تتعلق صفة التمثيل بشخص رئيس الدولة وتارة تتعلق الصفة بالدولة وسيادتها مما يوقع في ازدواجية الصفة التمثيلية للمبعوث فيستفيد من نوعي الحصانات وهذا يتعارض مع أساس منح الحصانات، حيث إن حصانات رئيس الدولة تتحدد على مستوى المجاملة الدولية أكثر مما تقع على مستوى مفهوم السيادة، بينما حصانات الدولة تقع على مستوى السيادة والاستقلال[21].

v    نظرية مقتضيات الوظيفة :
وترتكز هذه النظرية على مبدأ متطلبات الوظيفة والضرورات العملية لأداء الوظائف الدبلوماسية على أحسن وجه ، فالحصانات والمزايا التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون ضرورة يقتضيها قيامهم بمهام وظائفهم في جو من الطمأنينة بعيدا عن مختلف المؤثرات في الدول المعتمدين لديها .
فالمجتمع الدولي استحسن الأخذ بهذه النظرية لأنها أكثر النظريات مسايرة لمنطق الأمور وأشملها وتتماشى مع الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي المعاصر، في حين لم تقدم النظريتان السابقتان التبرير الموضوعي المقبول لأسس منح الحصانات والامتيازات الدبلوماسية ، ولهذا أشار إلى هذه النظرية تقرير أعمال معهد القانون الدولي، دورة فيينا عام 1934 ما نصه :" إن أساس الحصانات الدبلوماسية يكمن في المصلحة الوظيفية "، وكذلك تناولها تقرير لجنة القانون الدولي المقدم إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 1956، وأخيرا تبنت هذه النظرية اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 حيث جاء في مقدمتها :" إن الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية إذ تعتقد أن المزايا والحصانات المذكورة ليس الغرض منها تمييز الأفراد وإنما تمكين البعثات الدبلوماسية بوصفها ممثلة للدول للقيام بمهامها على وجه مجـدٍّ ".
ومما تجدر الإشارة إليه أن منح هذه الحصانات والامتيازات والتمتع بها لا يعني مطلقا الرخصة للاستخفاف بالقوانين المحلية أو تجاهل عادات وتقاليد وقيم مجتمع الدولة المضيفة، فالحصانة تعني عدم الخضوع لاختصاصات المحاكم المحلية وليس الإعفاء من الالتزام بقوانين البلد الممثل فيه الدبلوماسي، وقد أشارت إلى هذا المعنى المادة (41) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية حيث نصت على أنه :" من واجب جميع الأشخاص الذين يتمتعون بهذه الامتيازات والحصانات احترام الدولة المستقبلة وأنظمتها.."[22] .

ثانيا: نطاق الحصانة القضائية بالنسبة لممثلي البعثات الدبلوماسية

أ- النطاق الشخصي للحصانة:
يتمتع المبعوثون الدبلوماسيين بالحصانة القضائية وتشمل كل من رئيس البعثة الدبلوماسية أي كان اللقب الذي يحمله أو درجته، وكذلك بقية أعضاء البعثة الدبلوماسية كالوزراء المفوضون والمستشارون والسكرتير والملحقين الدبلوماسيين والعسكريين ولا يتمتع بتلك الحصانة القضائية الأشخاص الذين تكون أسمائهم غير مدرجة في القائمة الرسمية الخاصة بالسلك الدبلوماسي أو الذين يكون اعتمادهم غير صحيح، وتشمل الحصانة القضائية أعضاء أسرة المبعوث من أجل تمكينه من أداء عمله بحرية[23].

ب- النطاق الموضوعي للحصانة:
يتمتع الممثلون الدبلوماسيين وفقا للقضاء الفرنسي الغالب بالحصانة المطلقة التي تشمل جميع التصرفات التي يبرمونها، سواء ما تعلق منها بوظائفهم أو ما كان يهدف من ورائه تحقيق مصالحهم الخاصة.
وكذلك تشمل الحصانة التصرفات المختلفة سواء منها ما اتصل بالقانون الجنائي أو المدني أو الإداري، والهدف من وراء الاعتراف للمبعوث الدبلوماسي بتلك الحصانة المطلقة هو تمكينه من القيام بوظيفته على الوجه الأكمل. ويعد هذا الاتجاه من جانب الفقه والقضاء الفرنسي أمرا مفهوما أمام الصعوبات التي يواجهها اختيار معيار حاسم ودقيق للتمييز بين التصرفات المتعلقة بالوظيفة والأعمال الخاصة به.
ومع ذلك فإن مبدأ الحصانة المطلقة بالنسبة للمبعوث الدبلوماسي يبدو أنه سوف يأخذ في التراجع ليحل محله مبدأ الحصانة النسبية، والسبب الذي سوف يؤدي إلى ذلك هو أن اتفاقية فيينا المبرمة في 18 أبريل 1961 والتي تعد جزءا لا يتجزأ من القانون الداخلي سواء في مصر أو في فرنسا قد نصت على مجموعة من الاستثناءات فيما يتعلق بخضوع الممثل الدبلوماسي في هذا الفرض الأخير، فوفقا لهذه الاستثناءات يختص القضاء الوطني بالنظر في الدعاوى العقارية المتعلقة بأموال عقارية، خاصة الكائنة في إقليم الدولة المعتمد لديها، ما لم تكن حيازة المبعوث لها بالنيابة عن الدولة المعتمدة لاستخدامها في أغراض البعثة كذلك يختص القضاء الوطني بالدعاوى المتعلقة بالإرث والتركات والتي تكون فيها صفة الممثل الدبلوماسي منفذا أو مديرا أو وريثا أو موصى له بالأصالة عن نفسه لا بالنيابة عن الدولة المعتمدة [24].
كما يختص القضاء الوطني أخيرا بالدعاوى المتعلقة بأي نشاط مدني تجاري يمارسه المبعوث في الدولة المعتمد لديها خارج وظائفه الرسمية، ويميل القضاء الفرنسي عند إعماله لهذه الاستثناءات إلى تفسيرها بطريقة ضيقة[25].

ثالثا: طبيعة الدفع بالحصانة القضائية بالنسبة لممثلي البعثات الدبلوماسية

فطبيعة الدفع بالحصانة القضائية بالنسبة لممثلي البعثات الدبلوماسية نفسها نفس طبيعة الدفع بالنسبة للدول و رؤسائها، حيث يتعلق الأمر إما الدفع بعدم الاختصاص أو بعدم قبول الدعوى .

رابعا: التنازل عن الحصانة القضائية لممثلي البعثات الدبلوماسية

إن الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي الموفد للدولة أخرى، قررت لصالح الدولة وليس امتيازا شخصيا للمبعوث وأن التنازل عن الحصانة القضائية وخضوع المبعوث لقضاء الدولة المعتمد لديها، يثير كثيرا من الإشكالات لأن امتداد الحصانة القضائية للمبعوث مستمدة من حصانة الدولة وسيادتها، ولا يحق للمبعوث الدبلوماسي التنازل عن هذه الحصانة إلا بعد موافقة حكومته على ذلك.
وقد جاء في قرارات معهد القانون الدولي العام 1929 في نيويورك في المادة 3 على أن " التنازل عن الحصانة القضائية يعود للدولة التي تمارس باسمها البعثة أعمالها". وكانت تتعامل الدول فيما بينها على أنه حتى يكون تنازع المبعوث من حصانته القضائية صحيحا، لابد من موافقة دولته على ذلك، والخلاف الذي يثار فيما إذا كان مثول المبعوث أمام المحكمة يعد تنازلا عن الحصانة، وهل يفترض أنه قد يحصل على إذن من حكومته، أو لابد من إذن صريح من حكومته، فهل يكفي بموافقة رئيس البعثة عن التنازل؟
وكان اتجاه التعامل الدولي في هذا الشأن، لابد من إذن صريح من حكومة المبعوث الدبلوماسي، وبعد الإذن الممنوح من قبل رئيس البعثة بمثابة إذن من الحكومة، باعتبار رئيس البعثة و يمثل الدولة، وعندما عالجت هذه المسألة لجنة الحقوق الدولية العامة التي وضعت اتفاقية فيينا، أرادت أن تميز ما بين الأمور التي تتعلق بالمسائل المدنية وتلك التي تتعلق بالمسائل الجنائية.
ويجب أن يكون التنازل صريحا بالنسبة للإعفاء من القضاء الجنائي، أما فيما يتعلق بالقضاء الإداري والقضاء المدني فيمكن أن يكون ضمنيا أو صريحا، ويكون التنازل عن الإعفاء ضمنيا إذا أقام المبعوث الدبلوماسي دعوى أمام القضاء في الدولة الموفد إليها، أو إذا ما وقف المبعوث أمام جهات القضاء ولم يدفع بالحصانة القضائية، وإذا حدث التنازل فإن الإعفاء يسقط أمام جميع الجهات القضائية سواء تعلق الأمر بمحاكم الدرجة الأولى، أو الاستئناف و كذا أمام المحكمة العليا [26].
ويمكن عرض موضوع التنازل عن الحصانة القضائية من خلال معالجة مسألتين:

أ‌-       شروط التنازل عن الحصانة القضائية:
لابد من وجود بعض الشروط لكي يكون هذا التنازل صحيحا ومنتجا لآثاره، إذ يتمثل ذلك في شرطين:
-     اشتراط صدور التنازل عن الحصانة القضائية ممن يملك حق إصداره: فالحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي، هي مقررة لصالح دولة المبعوث وليس لصالحه الخاص، وأن صاحب الحق في التنازل هي دولة المبعوث الدبلوماسي، وعليه لا يملك المبعوث حق لتنازل عن حصانته القضائية، ولا يملك حق التنازل عن حصانته القضائية والخضوع للقضاء الإقليمي إلا بموافقة دولته.

-     اشتراط أن يكون التنازل عن الحصانة القضائية صريحا: حيث يجب أن يكون التنازل عن الحصانة القضائية خطيا، وإبراز هذا التنازل إلى المحكمة ذات العلاقة من أجل البث في الدعوى المقامة عليه أو عندما يتم التنازل عن الحصانة القضائية يظل ساريا في جميع مراحل الدعوى حتى يتم الفصل بها نهائيا.[27]

-     آثار التنازل عن الحصانة القضائية:
إن التنازل عن الحصانة القضائية يتبعه استرداد القضاء الوطني لكامل سلطاته، حيث يصبح المبعوث الدبلوماسي في حل من الحصانة ويطبق عليه القانون الداخلي لدولة المعتمد لديها، ولا يسري آثار التنازل إلا في حدود الدعوى التي تم التنازل عنها وفي حدود معينة، ويشمل التنازل جميع درجات التقاضي في نفس المحاكمة، ولابد من توثيق التنازل رسميا حتى يستطيع القضاء المحلي التعامل معه.
إلا أن تنازل الدبلوماسي عن حصانته القضائية وخضوعه للقضاء الوطني لا يتبعه اتخاذ إجراءات تنفيذية ضده، فعندما يخسر المبعوث الدعوى التي صدر التنازل عن حصانته القضائية بصددها، وصدر الحكم في غير صالحه لا يمكن تنفيذ هذا الحكم إلا بعد صدور تنازل خاص بتنفيذ الحكم، ومن هنا جاءت القاعدة بضرورة تنازل منفصل لتنفيذ الحكم رغم صدور التنازل في الدعوى الأصلية، وهذا ما نصت عليه المادة ( 32/4) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية[28].

الفقرة الثانية: الدفع بالحصانة القضائية للمنظمات الدولية

يمكن تعريف المنظمة الدولية- بوجه عام - بأنها، هيئة دائمة تنشأ بموجب اتفاق مجموعة من الدول، بغية تحقيق أهداف ومصالح مشتركة يحددها الميثاق المنشئ للمنظمة، وتتمتع بإرادة ذاتية وشخصية قانونية مستقلة عن دولها الأعضاء[29].
وقد تكون هذه المنظمات الدولية عامة الاختصاص كما قد تتخصص في مجال معين، ويثور التساؤل عن مدى إمكانية تمتع المنظمة الدولية بالحصانة ذلك أنه نتيجة للاعتراف للمنظمة الدولية بنوع من الشخصية القانونية الدولية، أي الشخصية الدولية الوظيفية فإن ذلك يجعل المنظمة أهلا للدخول في علاقات مع أفراد القانون الخاص[30].

أولا: أساس الحصانة القضائية للمنظمات الدولية وموظفيها

يقصد بالحصانة القضائية للمنظمة الدولية عدم اختصاص محاكم الدول الأعضاء في المنظمة وغيرها من الدول الأخرى، بالنظر في الدعاوى التي ترفع ضد المنظمة الدولية، ما لم يكن هناك اتفاق أو شرط في العقد الذي أبرمته المنظمة  يعطي للمحكمة هذا الاختصاص.
وهذا ما أكدت عليه المادة الثانية من اتفاقيات امتيازات وحصانات الأمم المتحدة " تتمتع هيئة الأمم المتحدة وأموالها وموجداتها أينما وجدت وتحت يد من كانت بحق الإعفاء القضائي بصفة مطلقة ما لم تقرر الهيئة صراحة التنازل عن هذا الحق"[31].
فالمنظمة الدولية سواء أكانت عامة أو متخصصة أو تعلق الأمر بمنظمة إقليمية، باعتبارها شخص قانوني دولي تتمتع بالحصانة القضائية، وأن مصدر هذه الحصانة هو القانون الدولي الإتفاقي، والذي يتمثل في نصوص المواثيق المنشئة لهذه المنظمات أو اتفاقيات المقر أو اتفاقيات عامة أو خاصة تعقد لهذا الغرض لبيان حصانات وامتيازات المنظمة الدولية، فإذا سكت النص عن بيان حصانة المنظمة فإن القانون العرفي أصبح بدون شك يقر لهذه المنظمات الحصانة القضائية.
ولا يمكن قبول النظرية الخاصة بالامتداد الإقليمي كمبرر لحصانة الموظف الدولي، وذلك راجع إلى سبب بسيط هو أن المنظمة الدولية لا تملك إقليما، كذلك فإن الموظف الدولي يخضع للقانون الوطني في دولته عندما يمارس وظيفته على إقليمها، وقد قيل في تبرير حصانة الموظف الدولي بأن واجب الاحترام والهيبة الواجب توافرها لمن يعمل لدى منظمة دولية توجب التسليم بهذه الحصانة. إذن فحصانة الموظف الدولي تجد أساسها في النصوص المقررة لهذه الحصانة سواء كانت هذه النصوص واردة في المواثيق المنشئة للمنظمة ذاتها أو في الاتفاقيات المسماة باتفاقيات المقر أو الاتفاقيات الخاصة بذلك[32].

ثانيا: نطاق الحصانة القضائية لموظفي المنظمات الدولية

أ- النطاق الشخصي للحصانة:
يتمتع مبعوثو المنظمات الدولية بالحصانة القضائية وتشمل كل من الأمين العام والأمناء المساعدون، إضافة إلى موظفي المنظمات وتشمل أيضا أسرهم من أجل تمكينهم من أداء عملهم،  وكذا ممثلو الدول الأعضاء في المنظمات دون أسرهم.

ب‌-   النطاق الموضوعي للحصانة:
فبالنسبة لموظفي المنظمات نصت المادة 18/1 من اتفاقيات وامتيازات وحصانات الأمم المتحدة لسنة 1945 على أنه " يتمتع موظفو الأمم المتحدة بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالأعمال التي يقومون بها بصفتهم الرسمية بما في  ذلك ما يصدر عنهم شفويا أو كتابة"[33].
فانطلاقا من هذه المادة نلاحظ أن هذه الحصانة هي حصانة نسبية وهي قاصرة على أعمالهم الرسمية فقط، فهم يتمتعون بالحصانة عن كل ما صدر بصفتهم من قول أو كتابة أو عمل له علاقة مباشرة بتأدية وظيفتهم و تتعداها إلى تصرفاتهم الشخصية خارج نطاق عملهم الرسمي، والمحاكم لا تعترف بالحصانة للموظف الدولي في خارج نطاق عمله الرسمي، ومن تطبيقات ذلك ما حكمت به إحدى محاكم نيويورك في قضية " جوبيتشيك" الموظف الدولي الروسي الجنسية في مقر الأمم المتحدة بأنه لا يتمتع بالحصانة الجنائية الكاملة ضد التهمة الموجهة له وهي التجسس، لأن التجسس ليس له علاقة بوظيفته الرسمية في الأمم المتحدة ويقع خارج نطاق عمله الرسمي[34].
وكذلك الأمر بالنسبة لممثلي الدول الأعضاء في المنظمات، حيث تشمل هذه الحصانة عدم جواز القبض عليهم واعتقالهم وحجز أمتعتهم الشخصية، وتشمل تصرفاتهم الرسمية كممثلين لدولهم سواء ما كان قولا أو فعلا أو كتابة. و لكي يتمتع ممثلو الدول الأعضاء في المنظمات بالحصانة يتطلب تنسيقا بين أطراف ثلاثة هي دول الممثل ودولة المقر والهيئة الدولية[35].

ثالثا: التنازل عن الحصانة القضائية لممثلي المنظمات الدولية

طالما أن الحصانة القضائية ميزة أو حق، فإنه يجوز للمستفيد منها التنازل عنها، ويجب أن تتوافر في التنازل المذكور عدة شروط ليكون منتجا لآثاره. فبالنسبة لتنازل المنظمات الدولية يكون عندما تقرر ذلك صراحة، ويسري هذا التنازل في جميع الأحوال ما عدا ما يتعلق منها بالإجراءات التنفيذية، ويعني هذا التنازل فقط إمكانية مقاضاة المنظمة أمام المحاكم، إلا أنه لا يمتد إلى إجراءات التنفيذ والتي يلزم لها تنازل آخر من جانب المنظمة .

المبحث الثاني: الدفع بالإحالة في الاختصاص القضائي الدولي       


إذا أقيمت دعوى بين الأطراف أنفسهم ومتعلقة بالموضوع نفسه محلا و سببا أمام محاكم دولتين، فهل تستمر هذه المحاكم في النظر فيها حتى صدور الحكم ؟                                                    
للإجابة على هذا الإشكال يتم الاستعانة بالمثال التالي : أقام دائن إسباني الجنسية دعوى مطالبة بدين أمام المحاكم الإسبانية، ثم رفع الدعوى نفسها أمام المحاكم المغربية  لكون المدعى عليه مغربي الجنسية، فبالنظر في النزاع يتضح أن هناك محكمتين مختصتين بالنظر فيه بحيث تطرح أمامهما مشكلة التنازع الإيجابي  للاختصاص القضائي الدولي، التي تسمى بالإحالة القضائية تمييزا لها عن الإحالة في إطار تنازع القوانين.                                      
ولنفترض أن المدعى عليه المغربي دفع بالإحالة القضائية نظرا لقيام الدعوى نفسها أمام القضاء الإسباني، فهل تقبل المحكمة المغربية بهذا الدفع وتتخلى عن النظر في الدعوى لصالح المحكمة الإسبانية ؟
لم ينص القانون الدولي الخاص المغربي على هذه الحالة شأنه في ذلك شأن غالبية التشريعات العربية، وهناك من التشريعات من رفض صراحة مبدأ الإحالة القضائية، مثل قانون المرافعات الإيطالي لسنة 1942 و القانون البولندي و البلغاري[36].  
وإذا كان الاتجاه الحديث في فقه القانون الدولي الخاص يميل الآن إلى قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية استجابة إلى اعتبارات التعاون الدولي (المطلب الأول)، فإن الخلاف ما زال قائما حول شروط الدفع بالإحالة و معاملته الإجرائية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: رفض أو قبول الدفع بالإحالة القضائية

في البداية، كان الرفض المطلق من جانب الفقه و المحكمة العليا لتقرير مبدأ قبول الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية (الفقرة الأولى)، ثم تطور الأمر إلى قبول الدفع بالإحالة (الفقرة الثانية).    

الفقرة الأولى : الاتجاه التقليدي الرافض لفكرة الدفع بالإحالة

تواترت الأحكام الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية وكذلك من قضاة الموضوع لمدة تزيد عن قرن ونصف على أن الدفع بالإحالة لوجود ذات النزاع أمام محكمة أجنبية لا يجوز قبوله أمام المحاكم الفرنسية .[37]
وقد ساق الفقه التقليدي في رفضه للإحالة في مجال الاختصاص القضائي الدولي عدة حجج. أولها، أن إعمال الدفع بالإحالة يفتقر إلى وجود سلطة عليا فوق الدول تتولى توزيع ولاية القضاء بين محاكم الدول المختلفة أو أن هذا الدفع يفترض أن تكون المحكمة المحال إليها خاضعة لنفس السيادة التي تخضع لها المحكمة المحلية.[38]
ويلاحظ على هذا الرأي شدة تأثيره في قواعد الاختصاص القضائي الداخلي، فهو يريد أن يقول بعبارة أخرى أنه لا يمكن الأخذ بالإحالة في الاختصاص القضائي الدولي إلا إذا توافرت لها جميع الظروف التي تعمل بها الإحالة في الاختصاص القضائي الداخلي من حيث خضوع المحكمتان لنفس القانون ونفس السيادة ووجود سلطة عليا دولية تعنى بمسألة الاختصاص القضائي الدولي بوصفه فرعا من فروع القانون الدولي المبني على اعتبارات التسامح بين الدول من أجل تحقيق العدالة، فالقاضي الوطني يطبق قانونا أجنبيا إذا أشارت إليه قاعدة الإسناد و ينفد حكما أجنبيا إذا توافرت له شروط التنفيذ دون أن يعترض أحد على أن هذا القانون وهذا الحكم صادران في دولة أخرى وسيادة أخرى[39].  
وهناك اعتراض آخر على الأخذ بالإحالة القضائية مفاده أن الأخذ بهذه الأخيرة يؤدي إلى الانتقاص من سيادة الدولة ويتعارض مع مبدأ استقلال الدول.[40]
ويرد بعضهم على هذا القول بأنه ينبغي عدم الارتكاز إلى فكرة السيادة بقدر الإمكان، لأنها تنطوي بين جنباتها على نوع من الذاتية الإقليمية، فالدولة تحدد حالات الاختصاص القضائي الدولي لمحاكمها بوصفه نوعا من المشاركة في توزيع الاختصاص بين الدول لا لتؤكد سيادتها في مواجهة سيادة الدول الأجنبية ولا تستخدم قضائها في مواجهة سيادة الدول الأجنبية التي هي على صلة بالنزاع[41].
ويضيف الفقه التقليدي على ذلك حجة ثالُثة لرفض الإحالة  في المجال الدولي. فالعلة من تقرير الدفع بالإحالة في القانون الداخلي هو تلافي التناقض في الأحكام الصادرة في شأن ذات النزاع، لن يلقى تنفيذه في المغرب ، وبالتالي لن يتحقق التعارض فيما بين الحكمين. و أساس هذا الحل أن من شروط تنفيذ الحكم تنفيذ الحكم الأجنبي في المغرب أو فرنسا، ألا يكون متعارضا مع حكم وطني صادر فيها.[42]
وأخيرا فإن التخوف من العدالة الأجنبية وسوء المظنة قد يدفع الدول الأخرى إلى المعاملة بالمثل مما يؤدي إلى انعزال الدولة  التي تدعي أن الحيدة  و النزاهة هي خصائص يحتكرها فقط قضاؤها الوطني.[43]

الفقرة الثانية: الاتجاه الحديث نحو إجازة الدفع بالإحالة

رغم سكوت المشرع الفرنسي، أسوة بالمشرع المصري و المغربي عن تنظيم الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية، إلا أن القضاء هناك استجاب إلى الاتجاهات المعاصرة في القانون الدولي الخاص، و التي أكدت وجوب تخويل القاضي سلطة قبول الدفع بالإحالة في مجال الاختصاص الدولي نزولا على اعتبارات الملائمة و التعاون الدولي[44].
ويعتبر حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 26 نونبر 1974 بمثابة الحكم المعبر عن هذا الاتجاه، فلقد قررت المحكمة أن الدفع بالإحالة يمكن قبوله أمام القضاء الفرنسي، وفقا للقواعد العامة في القانون الفرنسي، نظرا لقيام الدعوى أمام محكمة أجنبية مختصة هي الأخرى[45].
وتأكيدا لروح التعاون الذي يجب أن تسود بين الدول فقد حكمت محكمة الإسكندرية المختلطة في 9 يناير 1922 بإحالة النزاع المطروح أمامها، ومن تلقاء نفسها، إلى المحكمة الأجنبية التي رفعت إليها نفس الدعوى و بررت المحكمة حكمها السالف بكون مقتضيات النظام العام تحتم الأخذ بهذا الحل منعا لتضارب الأحكام[46].
وقد ذهب رأي في الفقه[47] إلى القول أن هذا القرار جاء نتيجة خطأ في تقدير مقتضيات النظام العام و اعتبار الأخذ بالإحالة من النظام العام في حين أنها رخصة و لا تمثل التزاما على القاضي.
في حين ذهب اتجاه آخر[48] إلى القول أن هذا القرار صحيح وقد بني على حسن فهم لحقيقة النظام العام على اعتبار أن نظر المحاكم الوطنية في النزاع تعرف مقدما أن حكمها فيه ليست له قيمة فعلية وهو أمر يمس بفاعلية القضاء و يتعارض بالتالي مع فكرة النظام العام.
عموما، فإن الفقه المصري الحديث يتجه نحو قبول الدفع بالإحالة كمبدأ عام، وقد استندت الأستاذة حفيظة السيد الحداد على الحجج التالية[49]:
1 : إن الغالبية العظمى من الأنظمة القانونية المعاصرة بما فيها القانون الفرنسي  تقرر قبول الدفع بالإحالة لوجود ذات النزاع أمام محكمة أجنبية. وعلى سبيل المثال فإن كل من القانون الألماني و السويسري و الهنغاري يقبل الدفع بالإحالة . كما أن هذا الدفع نصت على قبوله المادة 21 من الاتفاقية المبرمة بين دول السوق الأوربية المشتركة في 27 سبتمبر سنة 1968 و المتعلقة  بالاختصاص القضائي و تنفيذ الأحكام في المسائل المدنية و التجارية.
2 : إن الأخذ بالدفع بالإحالة أمر تفرضه مقتضيات النظام العام منعا لتضارب الأحكام.
3 : إن قبول الدفع بالإحالة يبدو أمرا مبررا في ظل الصياغة القانونية الحالية للقواعد المنظمة للاختصاص القضائي فيعد قبول الدفع هو التعويض الحقيقي للصياغة المفردة الجانب لتلك القواعد كما أنه الوسيلة الطبيعية لحل التنازع الإيجابي بين قواعد الاختصاص القضائي الوطنية و الأجنبية منعا لتضارب الأحكام.    
4 : إن في قبول الدفع بالإحالة نوع من المقاومة المشروعة للغش نحو الاختصاص حيث أن المدعي الذي يرفع دعواه أمام القضاء الأجنبي سرعان ما يتضح أن الحكم الصادر من هذا القضاء لن يكون في صالحه فيسارع برفع بدعواه أمام القضاء الوطني نظرا لما سوف يصدره هذا الأخير من حكم في صالحه. فقبول الدفع بالإحالة في هذا الفرض يعد ردعا لهذا المدعي سيء النية.             
5 : أن قبول ذات مبدأ الدفع بالإحالة لوجود النزاع أمام محكمة أجنبية يعطي للمحاكم الفرصة في أن لا تصدر أحكاما عديمة القيمة أو غير مكفولة النفاد.
وبناء على  ذلك فإنه إذا رأت المحكمة الوطنية المختصة بالنزاع أن  المحكمة الأجنبية ستكون هي الأجدر على الفصل في الدعوى و كفالة الحكم الصادر في شأنها كما لو كانت أموال المدين المدعى عليه كائنة فيها، كان لها أن تتخلى عن النظر في تلك الدعوى، لأن الحكم الصادر عنها سيكون معدوم القيمة من الناحية الفعلية لأن المحكمة الأجنبية سوف ترفض تنفيذه ما دام أنه يتعارض مع الحكم الصادر عنها في ِشأن نفس النزاع [50].
أما بالنسبة للمحاكم السويسرية فقبل صدور القانون الدولي الخاص السويسري سنة 1989 كانت تأخذ بنظام الإحالة و ذلك وفق شروط معينة منها أن يكون القرار الذي سيصدر عن المحكمة الأجنبية قابلا للتنفيذ  في سويسرا وأن يقر قانون المحكمة الأجنبية مبدأ المعاملة بالمثل[51].
أما بعد صدور هذا القانون فإن المشرع السويسري قد بدأ يأخذ بنظام مختلف عن نظام الإحالة وهو نظام الإستئخار، حيث جاء في المادة التاسعة من القانون المشار إليه ما يلي[52] :
1: إذا كانت دعوى ذات نفس الموضوع معلقة فيما مضى بين نفس الأطراف في الخارج ننتظر فيما إذا كانت المحكمة الأجنبية ستصدر قرارا يمكن إقراره في مدة مناسبة .
2: إن تاريخ أول اتفاق ضروري لرفع الدعوى حاسم في تحديد الفترة دخول الدعوى إلى سويسرا و يكفي طلب المصالحة .
3: تتنازل المحكمة السويسرية عن الدعوى بمجرد أن يقدم لها القرار الأجنبي الذي يمكن الإعتراف به في سويسرا.
وتجدر الإشارة إلى أن القضاء الإنكليزي أخذ هو الآخر بنظام استئخار الدعوى و هذا ما يتضح من القرارات التي أصدرها هذا القضاء حيث جاء في أحدها: أن المحكمة الانجليزية لها الصلاحية لاستئخار أو طلب إيقاف الدعوى الإنكليزية أو الأجنبية عندما يقاضي المدعي عليه في انجلترا و كذلك في الخارج من قبل نفس المدعى عليه في انكلترا يكون هو المدعي في الدعوى المقامة في الخارج ولكن هذا ينطبق فقط عندما يكون ازدواج الإجراءات كيديا أو تعسفيا[53].
وبالرجوع إلى الاجتهاد القضائي المغربي، فإنه لم يصدر إلى حد الآن أي موقف صريح يوضح الموقف المتبع من طرفها بخصوص الإحالة القضائية، إلا أن قبول الإحالة يبقى أمرا حتميا في ظل ما سبق عرضه من حجج وذلك باتباع إجراءات معينة إذا توفرت الشروط اللازمة لتتحقق الإحالة القضائية  وهو ما سيتم التعرض له في المطلب الثاني.

المطلب الثاني : شروط الدفع بالإحالة و النظام الإجرائي لها

يشترط لقبول الدفع بالإحالة توافر عدة شروط (الفقرة الأولى) و كذا وجوب إتباع معاملة إجرائية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : شروط قبول الدفع بالإحالة

ثار الخلاف حول الشروط التي يتعين توافرها لإجازة الدفع بالإحالة لقيام ذات النزاع أمام محكمة أجنبية في الدول التي سكت فيها المشرع عن تنظيم هذا الدفع في مجال الاختصاص القضائي الدولي كما هو الحال في كل من فرنسا و مصر، و يميل الفقه الفرنسي إلى ضرورة التقيد في هذا الصدد بنفس الشروط التي قررها المشرع لإجازة الدفع في مجال القانون الداخلي ، بل إن الفقه الفرنسي و بعض أحكام القضاء هناك قد أضاف على الشروط المقررة للتمسك بالدفع في المجال الداخلي شروطا أخرى تقتضيها في رأيهم طبيعة العلاقات الدولية الخاصة[54].
عموما، فإنه يشترط لقبول الدفع أمام القضاء الوطني أن تكون هناك دعوى أخرى قد تم رفعها وما زالت قائمة أمام القضاء الأجنبي، و على هذا النحو يرى جانب من الفقه الفرنسي أنه لا يمكن إبداء الدفع بالإحالة لتخلف هذا الشرط إذا كانت الدعوى وقت نظرها أمام القضاء الفرنسي لم تكن قد رفعت أمام القضاء الأجنبي.
وفي هذا الصدد يثور التساؤل التالي : هل من الممكن إبداء هذا الدفع حتى في حالة رفع الدعوى بداية أمام القضاء الوطني؟
يرى الأستاذ هشام علي صادق أنه لا مانع من ذلك نظرا لأنه "لما كان معيار قبول الدفع بقيام ذات النزاع أمام محاكم دولة أجنبية هو مدى اعتبار محاكم هذه الدولة أقدر على الفصل في هذه الدعوى و كفالة آثار الحكم الصادر في شأنها من عدمه، فإنه متى توافر هذا الشرط تعين قبول الدفع حتى لو كان النزاع قد رفع أمام القضاء الوطني أولا "[55].
وفي نفس السياق ترى الأستاذة فاطمة السيد الحداد أنه يجوز استثناء من الشرط العام الذي يتطلب أن تكون هناك دعوى مرفوعة أمام القضاء الأجنبي لإمكانية إبداء الدفع بالإحالة، أن يقبل الدفع حتى لو كان القضاء الوطني قد رفعت أمامه الدعوى ابتداء إذا اتضح للقاضي الوطني أن فعالية الحكم الصادر منه في حالة عدم قبوله للدفع لسبق نظره للدعوى تكون هي و العدم سواء[56].                وبالإضافة إلى الشرط الأول للدفع بالإحالة، فإن الشرط الثاني يتمثل في وحدة الأطراف في الدعويين، حيث أنه نظرا لتخلف هذا الشرط رفضت محكمة السين الجزئية في حكمها الصادر في 5 مايو سنة 1959 قبول الدفع بالإحالة[57]، و تتلخص وقائع هذه القضية في دعوى المطالبة بالتعويض التي رفعها أحد الأجانب لتعويضه عن الضرر الذي لحقه نتيجة لعرض أحد الأفلام، فدفعت إحدى الشركات المدعى عليها و المنتجة للفيلم بالإحالة لقيام نفس النزاع أمام المحكمة الأجنبية، ولكن المحكمة الفرنسية رفضت هذا الدفع تأسيسا على أنه لا يمكن قبوله طالما كان المدعي الأجنبي الذي قام برفع الدعوى أمام القضاء الأجنبي قد رفعها على أطراف آخرين .
فضلا عن ذلك، فإنه يشترط لقبول الدفع بالإحالة وحدة المحل و السبب في الدعويين، وعليه إذا رفع المشتري أمام محكمة مغربية بفسخ عقد بيع لعيب في المبيع ثم رفع دعوى أخرى على المدعى عليه نفسه أمام محكمة ألمانية يطلب فيها التعويض عن الضرر الناجم عن إخلال البائع بالتزاماته فلا مجال هنا لتوافر الإحالة، لاختلاف موضوع الدعويين و لو اتحد الخصوم وكان السبب واحدا في كلتاهما.  
أما الشرط الرابع للتمسك بالدفع بالإحالة فهو أن تكون المحكمتان المرفوع أمامهما ذات النزاع مختصتين بالنظر في الدعوى، و لا يشترط بداهة أن تكون المحكمتان تابعتين لجهة قضائية واحدة كما هو الشأن في مجال القانون الداخلي، إذ الفرض أنهما تابعتين لمحكمتين مختلفتين.
ولكن ما هو المرجع إذا كانت المحكمة الأجنبية مختصة أم غير مختصة ؟ هل يرجع في ذلك على قواعد الاختصاص المعمول بها في الدول الأجنبية أم إلى قواعد الاختصاص المعمول بها في دولة القاضي الذي أبدى الدفع أمامه؟
والواقع أن الفقه بصدد تحديد اختصاص المحكمة في هذا الشأن و متأثرا بالشروط الواجب توافرها عند تنفيذ الأحكام الأجنبية انقسم على فريقين[58]:  
فذهب فريق من الفقه[59] إلى القول بضرورة الرجوع إلى قواعد الاختصاص في قانون القاضي لأن هذا الحل يضمن عدم الاختصاص من ولاية قضاء المحكمة التي يدفع أمامها بالإحالة باعتبار أنها ستتخلى عن نظر الدعوى.
بينما يذهب فريق آخر و هو الرأي الراجح إلى تطبيق قواعد الاختصاص التي تعمل في ظلها المحكمة الأجنبية التي رفعت إليها الدعوى أولا لتحديد ما إذا كانت مختصة أم لا .
وبالإضافة إلى الشروط السابقة للتمسك بالدفع بالإحالة، يرى جانب من الفقه الفرنسي وبعض أحكام القضاء هناك إضافة شرط رابع مؤداه أن يكون الحكم الذي سيصدره من المحكمة الأجنبية المحال إليها الدعوى قابلا للتنفيذ و الاعتراف به في فرنسا، وهو شرط تضمنه أيضا كل من القانون الألماني و القانون السويسري والقانون النمساوي[60] .
وقد ذهب الأستاذ عبد الكريم سلامة إلى أنه يصعب تحقق هذا الشرط أولا ولم يصدر حكم يمكن وزنه عليه من حيث القابلية للتنفيذ من عدمه في دولة المحكمة التي يدفع أمامها بالإحالة، ويعتبر من الصعوبة التكهن بمضمون هذا الحكم حتى يمكن تقدير تلك القابلية للإعتراف به . 
كما أن الذي يجب تقييمه ليس هو الحكم الذي سيصدر مستقبلا، وإنما مجموع الإجراءات في الدعوى التي رفعت أولا، فيجب أن يقتصر القاضي الذي يدفع أمامه بالإحالة على التأكد من أن الإجراءات أمام المحكمة الأجنبية بها الضمانات الكافية لحماية الخصوم، وأن الدعوى قد رفعت على وجه لا يثير الشك حول جدية الاختصاص من حقوق الدفاع[61] .
وفي مقابل هذا الرأي ترى الأستاذة حفيظة السيد الحداد أن مراقبة الإجراءات التي تمارس في الخارج يعد أمرا ضروريا، لأنه يبدو من غير المقبول ومتعارضا مع حسن أداء العدالة أن تتخلى المحكمة عن النظر في دعوى هي مختصة بها لصالح محكمة أجنبية و ينتهي الأمر بأن يكون الحكم الصادر من تلك الأخيرة غير قابل للتنفيذ[62].
وفي نفس السياق يرى محمد وليد المصري أنه إذا ارتاب القاضي من صحة الإجراءات المتبعة أمام المحكمة الأجنبية، أو وجد أنها لا تحترم حقوق الدفاع أو لا تتقيد بأصول التبليغ جاز له رفض الدفع بالإحالة، و يتمتع القاضي في هذا الشأن بسلطة تقديرية وحسب كل حالة  على حدى[63].

الفقرة الثانية: النظام الإجرائي للدفع بالإحالة

تساءل الفقه بخصوص النظام الإجرائي للإحالة عما إذا كان يجب إبداء الدفع بالإحالة أمام المحكمة المختصة أخيرا أم أنه لا يجوز ذلك طالما ثبت أن تلك المحكمة قد قطعت شوطا كبيرا في تحقيق الدعوى على الرغم من أنها المختصة أخيرا ، ففي هذا الإطار ذهب جانب من الفقه على أن الدفع بالإحالة يجب إبداءه أمام المحكمة التي رفعت إليها الدعوى أخيرا و يرجع لقانون تلك المحكمة لتحديد الوقت الذي رفعت فيه الدعوى إليها[64] .
وهذا هو الحل الذي أخذ به قانون المرافعات الفرنسي، فوفقا للمادة 100 من هذا القانون فإن الدفع بالإحالة يجب إبداءه أمام المحكمة التي رفع النزاع أمامها أخيرا، و بالتالي فإن هذا الدفع يكون غير مقبول إذا كانت المحكمة الفرنسية قد رفع النزاع أمامها أولا، حيث أنه في هذا الفرض لابد من إبداء الدفع أمام المحكمة الأجنبية التي رفع النزاع أمامها أخيرا[65].
ويرى جانب آخر من الفقه أن الرأي السابق يفتح مجالا واسعا للغش نحو الاختصاص فيكفي أن يسرع أحد الخصوم لرفع دعواه أمام محكمة معينة، يقدر أنها أكثر تماشيا مع مصالحه لينزع بذلك الاختصاص من أية محكمة ترفع إليها الدعوى مرة ثانية و التي ستحيل الدعوى إذا قبلت الدفع بالإحالة. ويرتب صاحب هذا الرأي النتيجة التالية التي تتلخص في "عدم إمكانية إبداء الدفع بالإحالة أمام المحكمة التي قطعت شوطا كبيرا في تحقيق الدعوى و شارفت على الإنتهاء منها، حتى و لو كانت هي التي رفعت إليها الدعوى ثانيا "[66].
أما النقطة الثانية التي تثيرها المعاملة الإجرائية للدفع بالإحالة في إطار العلاقات الخاصة الدولية فتتعلق بالوقت الذي يجب إبداؤه فيه. ففي هذا الإطار نصت المادة 100 من قانون المرافعات المدنية المصري أنه يجب على الأطراف الدفع بالإحالة قبل أي دفع آخر وقبل الدخول بموضوع الدعوى، و يمكن للقاضي التنازل عن النظر في الدعوى من تلقاء نفسه بمجرد تحققه من قيام الإحالة[67].
وفي مقابل هذا التوجه يرى بعض الفقه المصري أنه لا يوجد مانع من إبداء هذا الدفع حتى بعد التعرض للموضوع[68]. و لكن يثور التساؤل التالي: هل تلزم المحكمة بالتخلي عن النزاع وإحالته إلى المحكمة الأجنبية المختصة ؟
يرى جانب من الفقهاء[69]  أنه يقع على القاضي الالتزام بالحكم بعدم اختصاصه وإحالة الدعوى إلى المحكمة الأجنبية المختصة، بينما يرى جانب آخر من الفقه أن القاضي لا يقع عليه الالتزام بالتخلي عن اختصاصه وإحالة النزاع أمام المحكمة الأجنبية أو أن يستمر في نظرها أي أن يقضي بعدم قبول الدفع بالإحالة فالأمر لا يتعلق بالتزام بالنسبة له و إنما مجرد رخصة[70].

خاتمة 

في ختام هذا العرض، نخلص إلى أن موضوع الحصانة القضائية هو موضوع عريق في نشأته، والذي لا يزال يثير عدة إشكالات في الممارسات القضائية العملية، باعتباره من الدفوع الإجرائية التي تتمسك بها الدولة الأجنبية على الخصوص، كما يثيرها المبعوثون الدبلوماسيون والقناصل أثناء قيامهم بمهامهم لدى الدول التي اعتمدتهم، و يثيرها أيضا ذوو السيادة من أمثال الملوك و رؤساء الدول والحكومات الأجنبية، و من جهتها تتمتع المنظمات الدولية و الإقليمية بهذا الامتياز القضائي الذي يمنع قضاء الدول من النظر في الدعاوى المرفوعة ضد هذه الهيئات الرسمية، كما يمكن التنازل عن هذه الحصانة القضائية ولكنها في كل الأحوال لا تفيد بالضرورة مسألة التنازل عن الحصانة المتعلقة بإجراءات تنفيذ الأحكام الصادرة ضد هذه الدولة أو رئيسها أو ممثلها الدبلوماسي، مما يسبب أضرارا مادية و معنوية جمة بالنسبة للخصوم الذين تعاملوا معهم، و لنفس هذه الاعتبارات لا يجوز لمن لا يتمتع بالحصانة القضائية من بين الهيئات السابق ذكرها أن يدفع بالحصانة في مواجهة إجراءات التنفيذ، فلذلك موضوع الحصانة القضائية هو موضوع جد شائك، تختلط فيه السياسة بالقانون ويتزاحم فيه القانون الداخلي و الدولي و كذلك القانون الخاص، و يمكننا كخلاصة لما جاء في المبحث الأول الذي خصص للدفع بالحصانة القضائية، أن نسرد الملاحظات التالية:
-   أن فكرة الحصانة القضائية هي فكرة قديمة، ظهرت في مجتمع الأمراء ;
-   أن هذه القاعدة فحواها، أنه لا يمكن للأفراد الأجانب أو الوطنيين تقديم دولة أو هيئة أجنبية أمام محاكم دولة أخرى لمقاضاتها;
-   تعتبر فكرة الحصانة القضائية فكرة منبثقة عن قاعدة تجريبية نتجت عن التطبيقات القضائية، احتراما لاستقلال الدولة أو المنظمة و سيادتها لتمكينها من أداء وظيفتها ;
-  كما أنه بالنسبة للدول، لا يهم إن كانت ذي سيادة كاملة أو ناقصة، فما هو معول عليه أن تكون ذي شخصية قانونية دولية أيا كان شكل نظامها السياسي ;
-  أما بخصوص مسألة التنازل عن الحصانة القضائية، فهي مسألة واردة، و يترتب عنها كنتيجة حتمية، عدم إمكانية دفع الدولة بالحصانة ضد التنفيذ ما دام أنها تنازلت عن حصانتها تجاه القضاء.
أما بخصوص الشق الثاني، الذي خصص لموضوع الدفع بالإحالة، فهي كذلك تصنف ضمن الدفوعات الشكلية التي يتمسك بها الخصوم حين توفر الشروط اللازمة لذلك. فمقارنة بين القوانين المختلفة، التي منها من يجيز هذا الدفع و منها من يرفضه، يُرى أن نظام الدفع بالإحالة له سلبيات لا يمكن تجاهلها، و مع ذلك مهما قيل من انتقادات في شأنه، فهو يظل الوسيلة الأفضل لمنع تعارض الأحكام و تحقيق وحدة الخصومة و حسن سير العدالة، و بما أن المشرع المغربي في مسودة قانون المسطرة المدنية لسنة 2015  حاول أن يتدارك النقص الحاصل في مسألة عدم تخصيصه لقواعد تحدد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم المغربية في قانون المسطرة المدنية الجاري به العمل حاليا، فإنه يجب عليه كذلك أن يعالج مسألة الدفع بالإحالة القضائية و يبرز موقفه منها بشكل واضح و بيّن، عن طريق نص صريح يأخذ فيه بعين الاعتبار الاقتراحات التالية :
أولا: إعطاء القاضي المغربي سلطة تقديرية في شأن اللجوء إلى الإحالة القضائية ;
ثانيا: مراعاة مبدأ قوة النفاذ و مدى قدرة المحكمة على النظر في الدعوى ;
وأخيرا، الحرص على مراعاة مسألة أسبقية المحكمة الأجنبية في النظر في الدعوى.

قائمة المراجع :
المراجع باللغة العربية :
المراجع العامة:
-   محمد طلعت الغنيمي: ''الوجيز في التنظيم الدولي''، منشأة المعارف، الطبعة الأولى، الإسكندرية 1977.
-   أحمد عبد الكريم سلامة: ''أصول المرافعات المدنية و الدولية''، دار النهضة العربية، مصر، الطبعة الأولى 1984.
-  هشام علي صادق : ''تنازع القوانين''، منشأة المعارف،( بدون ذكر الطبعة و السنة)، الإسكندرية.
-  عبد العال عكاشة : ''الإجراءات المدنية  و التجارية و الدولية''، الدار الجامعية، الطبعة الأولى 1987.
محمد شكري عزيز: ''مدخل إلى القانون الدولي العام''، مطبعة جامعة دمشق، الطبعة الرابعة1981.
-  محمد وليد المصري : ''الوجيز في شرح القانون الدولي الخاص''، دار الثقافة للنشر و التوزيع، طبعة 2011.   
-  جابر جاد عبد الرحمان:" القانون الدولي الخاص العربي"،الجزء4، المطبعة العالمية للقاهرة ، 1964                                    

المراجع الخاصة:
- وسام توفيق عبد الله الكتبي :''اعتبارات العدالة في تحديد الاختصاص القضائي الدولي( دراسة مقارنة)''، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، طبعة 2011.
-  حفيظة السيد حداد: ''القانون القضائي الدولي الخاص''، دار الفتح، الإسكندرية 1992.
- غالب علي الداودي: '' القانون الدولي الخاص تنازع القوانين – تنازع الاختصاص القضائي الدولي تنفيذ الأحكام الأجنبية (دراسة مقارنة)''، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى2011.
- علي حسين الشامي: ''الدبلوماسية''، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الخامسة، الأردن، 2009.
- وليد خالد الربيع: " الحصانات والامتيازات الدبلوماسية في الفقه الإسلامي والقانون الدولي - دراسة مقارنة'' (بدون طبعة)، (بدون دار النشر).
-  هشام علي صادق: '' تنازع الاختصاص القضائي الدولي''، ( بدون ذكر الطبعة و السنة )، منشأة المعارف، الإسكندرية.
-  عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمان :'' مشكلة الحصانة القضائية و الحصانة ضد التنفيذ في القانون الدولي الخاص المقارن''، مكتبة النصر، القاهرة، الطبعة الأولى 1991 .
-  صلاح الدين جمال الدين :'' القانون الدولي الخاص، الجنسية و تنازع القوانين''، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، طبعة 2001.

المراجع باللغة الفرنسية:
-  Dominique HOLLEUX : ''COMPETENCE DE JUGE ETRANGER ET RECONNAISSENCE DES JUGEMENTS''. Edition Dalloz, PARIS 1970.   
-  Jean NIBOYET : ''TRAITE DE DROITINTERNATIONAL PRIVE'', Tome 2, 2ème édition, PARIS 1967.

الرسائل:
-  الحسن أبكاس: ''الحصانات الدبلوماسية والقنصلية بين النظرية والممارسة''، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام، أكدال، الرباط، 2002-2003.
-  هايل صالح الزين:''الأساس القانوني لمنح الحصانات والامتيازات الدبلوماسية''، رسالة ماجستير في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، عمان، 2011.
-  عاطف فهد : ''الحصانة الدبلوماسية بين النظرية و التطبيق''، رسالة ماجستير في القانون العام، كلية القانون، جامعة قطر 2009.

مواقع إلكترونية:
- دليل إرشادي صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية، تحت عنوان ''البعثة الدبلوماسية''، منشور في الموقع الإلكتروني:
https://www.mofa.gov.ae/SiteCollectionDocuments/General2012.pdf
- إيمان أحمد علام: ''التنظيم الدولية الإقليمي''جامعة بنها 2012-2011، مقال منشور في الموقع الإلكتروني:
http://www.olc.bu.edu.eg/olc/images/126.pdf

مقال:
-  ملاوي إبراهيم: ''حصانة الموظفين الدوليين'' مقال منشور في ''مجلة المفكر''، العدد الثالث، 2013.

اتفاقيات دولية:
- اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، المؤرخة في 18 أبريل 1961، التي تشكل الأساس القانوني للحصانة الدبلوماسية ; تمت المصادقة عليها من طرف أكثر من 190 دولة.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمان :''مشكلة الحصانة القضائية و الحصانة ضد التنفيذ في القانون الدولي الخاص المقارن''، مكتبة النصر، الطبعة الأولى 1991 ، جامعة القاهرة، ص 4.
[2]عاطف فهد :''الحصانة الدبلوماسية بين النظرية و التطبيق''، (بدون دار نشر)، طبعة 2004، قطر، ص 13.
[3] وسام توفيق عبد الله الكتبي :''اعتبارات العدالة في تحديد الاختصاص القضائي الدولي(دراسة مقارنة)''، دار الجامعة الجديدة، طبعة 2011، الإسكندرية، ص 29.
[4]   عاطف فهد :''الحصانة الدبلوماسية بين النظرية و التطبيق''، مرجع سابق، ص 15.
[5]   عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمان: ''مشكلة الحصانة القضائية و الحصانة ضد التنفيذ في القانون الدولي الخاص المقارن''، مرجع سابق،    ص 21.
[6]  صلاح الدين جمال الدين :'' القانون الدولي الخاص، الجنسية و تنازع القوانين''، دار الفكر الجامعي، طبعة 2001، الإسكندرية، الصفحة 25.
[7]   شكري محمد عزيز: "مدخل إلى القانون الدولي العام"، مطبعة جامعة دمشق، الطبعة الرابعة1981، ص 305 .
[8]   حفيظة السيد حداد: ''القانون القضائي الدولي الخاص''، دار الفتح، الإسكندرية 1992، ص 178.
[9]  هشام علي صادق: ''تنازع القوانين''، منشأة المعارف،( بدون ذكر الطبعة)، الإسكندرية، ص31 .
[10]   حفيظة السيد حداد: ''القانون القضائي الدولي الخاص''، مرجع سابق، ص 185.
[11]  حفيظة السيد حداد: ''القانون القضائي الدولي الخاص''، مرجع سابق، ص192 .
[12]  حفيظة السيد حداد، نفس المرجع، ص 193 .
[13] عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمان: ''مشكلة الحصانة القضائية و الحصانة ضد التنفيذ في القانون الدولي الخاص المقارن''، مرجع سابق، و هو يتحدث فيه عن الاجتهادات القضائية الصادرة في هذا الموضوع، ص 135 .
[14]  حفيظة السيد حداد: ''القانون القضائي الدولي الخاص''، مرجع سابق، ص 198.
[15]  غالب علي الداودي: " القانون الدولي الخاص تنازع القوانين – تنازع الاختصاص القضائي الدولي تنفيذ الأحكام الأجنبية، دراسة مقارنة"، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى2011،  ص 313.
[16]  هشام علي صادق: " تنازع الاختصاص القضائي الدولي"، (بدون طبعة)، منشأة المعارف، الإسكندرية، ص 41.
[17] دليل إرشادي صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية، تحت عنوان ''البعثة الدبلوماسية''، منشور في الموقع الإلكتروني :
 https://www.mofa.gov.ae/SiteCollectionDocuments/General2012.pdf vu à 18.45min Le : 13/12/2016 
[18]  هايل صالح الزين: "الأساس القانوني لمنح الحصانات والامتيازات الدبلوماسية"، رسالة ماجستير في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة الشرق الأوسط، عمان، 2011، ص 39.
هايل صالح الزين: "الأساس القانوني لمنح الحصانات والامتيازات الدبلوماسية"، مرجع سابق، ص 40.[19]
[20]  علي حسين الشامي: "الدبلوماسية"، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الخامسة، الأردن، 2009، ص 457.
[21] وليد خالد الربيع: " الحصانات والامتيازات الدبلوماسية في الفقه الإسلامي والقانون الدولي - دراسة مقارنة'' (بدون طبعة)، (بدون دار النشر) ،ص 8.
[22]  عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمان: ''مشكلة الحصانة القضائية و الحصانة ضد التنفيذ في القانون الدولي الخاص المقارن''،مرجع سابق، ص 124 .
[23] وليد خالد الربيع: " الحصانات والامتيازات الدبلوماسية في الفقه الإسلامي والقانون الدولي - دراسة مقارنة''، مرجع سابق، ص11 .
[24]   المادة 31 من معاهدة فيينا لسنة 1961 والتي تنص على :
1- يتمتع الممثل الدبلوماسي بالحصانة القضائية الجنائية في الدولة المعتمد لديها. ويتمتع أيضاً بالحصانة القضائية  والمدنية  والإدارية – إلا إذا كان الأمر يتعلق بما يأتي :
أ- إذا كانت دعوى عينية منصبة على عقار خاص كائن في أراضي الدولة المعتمد لديها – إلا إذا شغله الممثل الدبلوماسي  لحساب دولته في خصوص أعمال البعثة.
ب- إذا كانت دعوى خاصة بميراث ويكون الممثل الدبلوماسي منفذاً للوصية أو مديراً للتركة أو وارثاً فيها أو موصى له بصفته الشخصية لا باسم الدولة المعتمدة.
ج ـ- إذا كانت دعوى متعلقة بمهنة حرة أو نشاط تجاري – أياً كان – يقوم به الممثل الدبلوماسي في الدولة المعتمد لديها خارج نطاق أعماله الرسمية.
2 -لا يجوز إجبار الممثل الدبلوماسي على الإدلاء بالشهادة .
3-لا يجوز اتخاذ أي إجراء تنفيذي ضد الممّثل الدبلوماسي إلا في الحالات المذكورة في الفقرات أ-ب-ج –من البند 1 من هذه المادة –وعلى شرط إمكان إجراء التنفيذ بدون المساس بحرمة شخص الممثّل أو بحرمة مسكنه.
4 -عدم خضوع الممثل الدبلوماسي لاختصاص قضاء الدولة المعتمد لديها لا يعفيه من الخضوع لقضاء الدولة المعتمدة.
[25]  حفيظة السيد حداد: ''القانون القضائي الدولي الخاص''، مرجع سابق، ص 196 و 197 .
24  هايل صالح الزين: "الأساس القانوني لمنح الحصانات والامتيازات الدبلوماسية"، مرجع سابق، ص85 .
[27]  الحسن أبكاس: " الحصانات الدبلوماسية والقنصلية بين النظرية والممارسة"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام، أكدال، الرباط، 2002-2003، ص 13.
[28]  هايل صالح الزين: "الأساس القانوني لمنح الحصانات والامتيازات الدبلوماسية"، مرجع سابق، ص43.
[29] إيمان أحمد علام: ''التنظيم الدولية الإقليمي''جامعة بنها 2012-2011، مقال منشور في الموقع الإلكتروني :
http://www.olc.bu.edu.eg/olc/images/126.pdf vu à 11 :35min Le: 13/12/2016.
[30]  عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمان: ''مشكلة الحصانة القضائية و الحصانة ضد التنفيذ في القانون الدولي الخاص المقارن''، مرجع سابق، ص 93. 
[31]  ملاوي إبراهيم: "حصانة الموظفين الدوليين"، مقال منشور في ''مجلة المفكر''، العدد الثالث سنة 2013، ص236 .
[32]  ملاوي إبراهيم: "حصانة الموظفين الدوليين"، نفس المرجع، ص237 .
[33]  عبد الحكيم مصطفى عبد الرحمان: ''مشكلة الحصانة القضائية و الحصانة ضد التنفيذ في القانون الدولي الخاص المقارن''، مرجع سابق، ص 93 .
محمد طلعت الغنيمي: "الوجيز في التنظيم الدولي"، منشأة المعارف، الطبعة الأولى 1977، الإسكندرية، ص 358[34]
[35]  ملاوي إبراهيم: (نفس المرجع -المقال- المشار إليه في الصفحة 18 من هذا العرض)، ص238 .
[36]   محمد وليد المصري: "الوجيز في  شرح القانون الدولي الخاص"، دار الثقافة للنشر و التوزيع، 2011، ص334.
حفيظة السيد الحداد:" القانون القضائي الخاص الدولي" ،مرجع سابق ، ص156 [37]
محمد كمال فهمي :"أصول القانون الدولي الخاص"الإسكندرية،1985. ص644 645.[38]
39  وسام توفيق عبد الله الكتبي: "اعتبارات العدالة في تحديد الاختصاص القضائي الدولي" (دراسة مقارنة)،دار الجامعة الجديدة، الاسكندرية، طبعة 2011، ص 49.
جابر جاد عبد الرحمان:" القانون الدولي الخاص العربي"،الجزء4، المطبعة العالمية للقاهرة ، 1964 ص 4[40]
[41] عكاشة عبد العال: ''الإجراءات المدنية  و التجارية و الدولية''، الدار الجامعية، الطبعة الأولى 1987، ص 177.                  
[42]   NIBOYET (J) : ''TRAITE DE DROITINTERNATIONAL PRIVE'', Tome 2, 2ème édition, PARIS 1967, Page 1844.
صلاح الدين جمال الدين: القانون الدولي الخاص ، الجنسية و تنازع القوانين، دار الفكر الجامعي 1963 ص101 .[43]
[44] صلاح الدين جمال الدين: ''القانون الدولي الخاص''، مرجع سابق، ص61.
[45]  HOLLEUX (D): ''COMPETENCE DE JUGE ETRANGER ET RECONNAISSENCE DES JUGEMENTS''. PARIS 1970 N178.   نقلا عن حفيظة السيد الحداد:''القانون القضائي الخاص الدولي''، مرجع سابق، ص161
[46]  حكم محكمة الإسكندرية المختلطة في 9 يناير 1922 منشور في مجلة'' كلينت''، العدد10، ص 193 .
[47]   عكاشة عبد العال : ''الإجراءات المدنية  و التجارية و الدولية''، مرجع سابق، ص 189 .
[48]   هشام علي صادق: "تنازع الاختصاص القضائي الدولي"، مرجع سابق، ص 142.
 [49] حفيظة السيد الحداد: ''القانون القضائي الخاص الدولي''، مرجع سابق ، ص156 و 166. 
[50]  هشام علي صادق: " تنازع الاختصاص القضائي الدولي"، مرجع سابق، ص141. 
[51]  عكاشة عبد العال،  في مرجع سابق : ''الإجراءات المدنية  و التجارية و الدولية''، وهو يشير إلى أن هناك الكثير من القوانين التي تأخذ صراحة بالدفع بالإحالة كالقانون الأماني و الأسترالي و الهنغاري، ص 184.
[52]  وسام توفيق عبد الله الكتبي: ''اعتبارات العدالة في تحديد الاختصاص القضائي الدولي(دراسة مقارنة)''، مرجع سابق، ص57.                          
[53]  وسام توفيق عبد الله الكتبي،نفس المرجع، ص 59.
[54]  صلاح الدين جمال الدين : ''القانون الدولي الخاص''، مرجع سابق، ص73. 
[55]   هشام علي صادق: "تنازع الاختصاص القضائي الدولي"، مرجع سابق، ص143.
[56]   فاطمة السيد الحداد: ''القانون القضائي الخاص الدولي''،مرجع سابق، ص 167.
[57]  TRIB .GR. INST .SEINE 5 MAI 1959.235 , CLUNET 1960 , 166 OBSERV ,SIALELLI, RE,COMMAILLE 1960 , 130 OBSERV SIMONDEPITRE.
 نقلا عن حفيظة السيد الحداد، مرجع سابق، ص 168 و 169 .
[58]  HOLLEUX (D) : ''COMPETENCE DE JUGE ETRANGER ET RECONNAISSENCE DES JUGEMENTS'', PARIS 1970,  P213.
نقلا عن حفيظة السيد الحداد :''القانون القضائي الخاص الدولي'' ، مرجع سابق، ص170 .
[59]  أحمد عبد الكريم سلامة: ''أصول المرافعات المدنية و الدولية''، دار النهضة العربية، مصر، الطبعة الأولى 1984، ص 247.
[60] عكاشة عبد العال: ''الإجراءات المدنية  و التجارية و الدولية''، مرجع سابق، ص 187 . 
[61]  أحمد عبد الكريم سلامة: ''أصول المرافعات المدنية و الدولية''، مرجع سابق، ص247.
[62]  حفيظة السيد الحداد: ''القانون القضائي الخاص الدولي''، مرجع سابق، ص 172 .
[63]  محمد وليد المصري : ''الوجيز في شرح القانون الدولي الخاص'' ، دار الثقافة للنشر و التوزيع، ، طبعة 2011، ص337. 
[64]  حفيظة السيد الحداد: ''القانون القضائي الخاص الدولي''، مرجع سابق، ص 173.
[65]  Cass civ ,1 ,5 Mai 1962 D.718 note G ,Holleaux ;Rev.crit.1963 ,99 note Battiffol ; Cass .civ .24 Juillet 1973,I,C ,P ,73,ed ,IV ,314  .
ص173   ، مرجع سابق، نقلا عن حفيظة السيد الحداد:" القانون القضائي الخاص الدولي"
[66]  أحمد عبد الكريم سلامة: ''أصول المرافعات المدنية و الدولية''، مرجع سابق، ص 249.
[67]   محمد وليد المصري: ''الوجيز في شرح القانون الدولي الخاص''، مرجع سابق، ص337. 
[68]   حفيظة السيد الحداد: ''القانون القضائي الخاص الدولي''، مرجع سابق، ص175.
[69]   هشام علي صادق: "تنازع الاختصاص القضائي الدولي"، مرجع سابق، ص141. 
[70]  أحمد عبد الكريم سلامة: ''أصول المرافعات المدنية و الدولية''، مرجع سابق، ص225.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات