القائمة الرئيسية

الصفحات

المساطر المدنية للتقاضي في القانون المغربي

المساطر المدنية للتقاضي في القانون المغربي

المساطر المدنية للتقاضي في القانون المغربي
المساطر المدنية للتقاضي في القانون المغربي



تقديم

لقد عرفت المجتمعات البشرية عدة تغيرات هامة، شملت تلك التغيرات مختلف جوانب الحياة الإنسانية ولم يكن حقل العدالة والقضاء بمنأى عن ذلك، ففي المجتمعات البدائية كان يتحدد مقدار ما للحق من حماية بقدر ما لصاحبه من قوة، فكانت القوة هي التي تخلق الحق وهي التي تحميه[1]، فكانت المجتمعات البدائية تلجأ عند فض المنازعات الي القوة والانتقام[2].
ومع تطور المجتمعات عبر التاريخ، وظهور الدولةأصبحت القاعدة العامة انه لا يجوز لشخص أن يقتضي حقه بيده، وأخدت الدولة علي عاتقها واجب إقامة العدل في المجتمع، ولتحقيق هذه المهمة وضعت القوانين الموضوعية المبينة للحقوق وللجزاءات المقررة علي الاخلال بها، والقوانين الإجرائية التي ترسم كيفية الاقتضاء الفعلي لهذه الحقوق[3]. بمعنى الإجراءات والشكليات التي يتعين اتباعها من طرف المتقاضين والمحاكم في إقرار الحقوق وصيانتها وايصالها الي أصحابها[4].
وقد عملت جل التشريعات علي وضع مدونات تحدد مساطر التقاضي، والي جانبها مساطر خاصة لتقاضي في ببعض الحقوق، في سبيل توفير العدالة واحقاق الحق بين الناس.

وعلي غرار باقي التشريعات فقد نظم المشرع المغربي مساطر التقاضي في قانون المسطرة المدنية وبعض النصوص الأخرى، وتعتبر مساطر التقاضي مجموع الإجراءات التي يتعين احترامها من طرف المتقاضين والقضاة وكل مساعدي العدالة سواء من أجل عرض نزاع علي القضاء أو إيجاد حل له ، ويمكن القول أن مساطر التقاضي أيا كانت عامة أو خاصة ، فانها تلعب دور المنظم لولوج مرفق القضاء[5]، وتضم كافة القواعد القانونية التي تهم تنظيم الدعوى عبر كافة المراحل التي تقطعها الي غاية صدور الحكم وتنفيذه أو الطعن فيه.
ومن الجدير الإشارة الي أن المغرب قبل الحماية كانت تطبق الشريعة الاسلامية في جميع مناحي الحياة بما فيها الاجراءات التقاضي أمام القاضي الشرعي قبل بسط المستعمر نفوده عليه، لكن بعد دخول عقد الحماية حيز التنفيذ صدر قانون المسطرة المدنية في 12 غشت 1913 والذي ظل مطبق أمام المحاكم العصرية، الي جانب الشريعة الاسلامية التي كانت تطبق أمام المحاكم الشرعية،التي كانت تبت في النزاعات بين المغاربة.
وبعد استقلال صدر ظهير التوحيد والمغربة وتعريب القضاء سنة 1965 ، وبموجب الفصل 3 منه أصبحت تطبق أمام المحاكم المسطرة المدنية لسنة 1913 [6]، الي حين صدور ظهير 28 غشت 1974 والذي بدوره عرف العديد من التعديلات  .
بناء علي ما سبق تظهر أهمية موضوع مساطر التقاضي في التشريع المغربي، لما يعرفه الاطار القانوني المنظم لها من تشتت وتعدد، كما أنها الوسيلة التي يتوصل بها القضاء الي تطبيق القواعد الموضوعية للقانون تطبيقا سليما، وهي بذلك تسعي لتحقيق المصلحة العامة بتنظيمها لكفية التقاضي امام القضاء، بما يشكله هذا الأخير من ضمان لحقوق الأفراد ولحرياتهم.
فالي أي حد وفق المشرع في تحقيق النجاعة في تنظيمه للمساطر العامة والخاصة في ضمان الحماية الكاملة لحقوق الأفراد؟
يمكن القول ان من المعيقات التي تعوق تحقيق الحماية الكاملة لحقوق ومصالح المتقاضين ، ما يلاحظ علي هذه المساطر من تشتت مصادرها وتعددها ومن دور سلبي للقاضي فيها.
وعليه ستتم معالجة الموضوع وفق التصميم التالي
المبحث الأول: مساطر التقاضي بين الشمولية و الخصوصية
المبحث الثاني: مساطر التقاضي بين الواقع والافاق

المبحث الأول: مساطر التقاضي بين الشمولية و الخصوصية


لقد أكد جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في خطاب العرش لسنة 1974 '' و اذا نحن عدنا اليوم إلى الحديث في هذا الموضوع فإننا لاحظنا ولمسنا مدى ما يتردد في أوساط شعبنا من أصداء التذمر والاستياء نتيجة التباطؤ في إصدار الأحكام وتنفيذها ونتيجة تنافر المساطر وما اعتراها من تعقيد".
أما اليوم فقد خطى المغرب خطوة تكاد تكون منقطعة النظير في سائر ربوع القارة الإفريقية بهدف ترسيخ منظومة حقوق الإنسان، و بناء ترسانة قانونية تضمن تمتيع جميع المواطنين بهذه الحقوق على قدم من المساواة.
و من بين هذه الحقوق التي جاء بها دستور فاتح يوليو 2011؛ الحق في التقاضي، إذ لم يكن منصوص عليه في ظل الدساتير السابقة.
حيث أصبح التقاضي حق مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون بموجب الفصل 118 من الدستور.
و لما أصبح القاضي اليوم بموجب الفصل 117 من دستور 2011 يتولى مهمة حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم و أمنهم القضائي، وتطبيق القانون، على شرط  أن يكون هذا التطبيق على نحو عادل حيث ألحق المشرع بكلمة التطبيق نعت العدل، من خلال الفصل 110 من الدستور المومأ إليه أعلاه، بالإضافة إلى تمكين المتقاضين من حقهم في التقاضي. فإن المشرع أوجد مساطر مختلف للتقاضي تضمن للمتقاضين الدفاع عن حقوقهم و تمكنهم من حماية حرياتهم. و يمكن التمييز بين نوعين من المساطر:
×    المسطرة العامة للتقاضي و هي ذات طابع شمولي إذ تطبق أحكامها في جميع اجراءات التقاضي، ما لم يرد نص خاص بخلاف ذلك.
×    بإضافة إلى النوع الثاني المتمثل في المساطر الخاصة التي حددها المشرع سواء كانت مساطر خاصة في إطار القضاء الإستعجالي، أو مساطر خاصة في إطار قضاء العادي.
و سوف نتعرض من خلال المطلب الأول للمسطرة العامة للتقاضي بغية سبك أغوارها و الكشف عن سر صمودها في ظل تزايد المساطر الخاصة للتقاضي، على أن نتناول خصوصية هذه الأخير من خلال المطلب الثاني.

المطلب الأول: المرجعية العامة للتقاضي

يلاحظ في التشريع المغربي تعدد المساطر المدنية الخاصة في ظل وجود مسطرة عامة للتقاضي ذات طابع شمولي، وتعتبر المرجعية العامة للتقاضي استطاعت أن تصمد برغم من تعدد المساطر الخاصة، سنعمل على الكشف عن مظاهر هذا الصمود من خلال الفقرة الثانية،لكن قبل ذلك سوف نقف عند مفهوم المسطرة العامة للتقاضي من خلال الفقرة الأولى.

الفقرة الأولى: مفهوم المسطرة العامة للتقاضي
أولا: تعريف المسطرة العامة للتقاضي

يقصد بالمسطرة العامة للتقاضي مجموع الإجراءات المستمدة من القواعد العامة ( استثناء من القواعد الخاصة المنظمة من الفصول 166 إلى 327-70 من ق م م ) لمباشرة الحق في التقاضي من خلال تقييد الدعوى لدى المحكمة الابتدائية المختصة بهدف إصدار حكم يفصل في الخصومة.
ومما تقدم يمكن القول أن وسيلة مباشرة المسطرة العامة للتقاضي هي تقييد الدعوى لدى المحكمة الابتدائية، بهدف عرض الخصومة على القضاء للبت فيه.

ثانيا: شروط التقاضي

قد حدد الفصل الأول من ق م م شروط التي يجب توفرها في المدعي لممارسة حق التقاضي، وهذه الشروط هي: الصفة، الأهلية، المصلحة. ولقد درج الفقه على تسميتها بالشروط الموضوعية، بالإضافة إلى الشروط الشكلية المتعلقة بمسطرة الواجب اعتمادها  لتقييد الدعوى.

I-      الشروط الموضوعية:

1)   الصفة: هي ولاية مباشرة الدعوى أمام المحكمة المختصة، و يستمد المدعي هذه الصفة إما باعتباره صاحب الحق، أو خلفا عن صاحب الحق، أو نائبا عن صاحب الحق.
×      صاحب حق: هو الشخص الذي له حق أو منفعة أو هما معا في الشيء المدعى فيه، و يجب عليه أن يدلي بالحجج و الأدلة التي تثبت صفته في المدعى فيه، و يعفى من عبء الإثبات إذا أقر المدعى عليه لإدعاء المدعي.
×      خلف صاحب الحق: يمكن أن يباشر الدعوى أيضا خلف صاحب الحق سواء تعلق الأمر بورثة صاحب الحق باعتبارهم خلفا عاما، أو بدائنيه. و في كلتا الحالتين يجب على خلف صاحب الحق أن يدلي بالحجة و البينة التي تثبت صفته تلك.
×      النائب: نائب صاحب الحق يمكن أن يكون في إطار النيابة القانونية كما هو شأن الوكيل الذي يمثل موكله صاحب الحق فعليه أن يثبت وجود عقد الوكالة، أو في إطار النيابة الشرعية عن القاصر سواء اتخذت شكل ولاية أو وصاية أو تقديم ( المادة 229 م الأسرة ).

2)   الأهلية: يقصد بالأهلية قدرة الشخص على اكتساب الحقوق و تحملها ويعتبر كل الشخص بلغ سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة، و لم يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه و تحمل التزاماته. ومن بين الحقوق التي يكون أهلها لمباشرتها حقه في التقاضي.
و يمكن التمييز وفقا لأحكام المواد 206 و 207 و 208، بين نوعين من الأهلية:
×    أهلية الوجوب: ويقصد بها صلاحية الشخص لاكتساب الحقوق و تحمل الواجبات التي يحددها القانون، وهي ملازمة له طول حياته و لا يمكن حرمانه منها.
×    أهلية الأداء: هي صلاحية الشخص لممارسة حقوقه الشخصية و المالية و نفاذ تصرفاته، ويحدد القانون شروط اكتسابها و أسباب نقصانها أو انعدامها.
و تجرد للإشارة أنه استثناء من القاعدة يمكن للقاصر أن يمارس حقه في التقاضي في بعض الحالات نذكر منها ما يلي:
×    اذا أنس المحجور بسبب إعاقة ذهنية أو سفه، من نفسه الرشد كان له الحق في اللجوء للمحكمة.
×    إذا بلغ القاصر سنة السادس عشر يمكنه أن يطلب من المحكمة ترشيده.
×    إذا أذن للقاصر بالزواج، فيمكن له مباشرة الدعوى في ما يرتبط بالزواج أو الطلاق.
وإذا كان أهلية القاصر للتقاضي في ظل ق م م الحالي مقترنة بحالات معينة محدود، فإن الأمر على خلاف ذلك في مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية حيث أضحى القاصر الذي ليس له نائب شرعي أو لم تتأت النيابة عنه من طرفه أن تأذن له المحكمة بطلب الصلح أو التقاضي أمامها.

3)   المصلحة: يقصد بالمصلحة الفائدة و المنفعة التي يتوخى المدعي من مباشرة دعواه، و الدعوى تدور وجودا و عدما مع توفر شرط المصلحة، و يشترط في المصلحة أن تكون مشروعة لأن المصلحة غير المشروعة لا يعتد بها، أو أن تكون شخصية و مباشرة ( مرتبط بصاحب الحق لأنه لا يمكن المطالبة بحق الغبر ) و حالة (  أي موجود وقت المطالبة بالحق – قائمة- ).
و إذا استجمعت المدعي هذه الشروط تبث له الحق في التقاضي، و في حالة انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة يمكن للقاضي أن يثير الأمر تلقائيا، و ينذر الأطراف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده.
و إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة. و إذا نصرف الأجل دون تصحيحها صرح القاضي بعدم قبول الدعوى.

II-   الشروط الشكلية

يقصد بالشروط الشكلية مجموع البيانات التي يجب توفرها في طلب الرامي إلى رفع الدعوى إلى المحكمة المختصة. بالإضافة للمسطرة المعتمدة.

1)   رفع الدعوى:
وفقا لأحكام الفصل 31 من ق م م يمكن أن ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة إما بموجب مقال أو بموجب محضر:
×    المقال: يمكن رفع الدعوى بموجب مقال مكتوبا و موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله.
×    المحضر: يمكن أيضا للمدعي رفع الدعوى بواسطة تصريح شفوي يحرر به أحد أعوان كتابة الضبط المحلفين محضرا يوقع عليه من طرف المدعي أو يشار إلى أنه لا يمكنه التوقيع.
وسواء تم رفع الدعوى بموجب مقال أو بموجب تصريح فإنه يجب أن يتضمن البيانات المنصوص عليها في الفصل 32 من ق م م، وهي كالأتي:
الأسماء العائلية و الشخصية و صفة و موطن أو محل إقامة المدعى عليه و المدعي.
اذا كان للمدعي وكيل وجب ذكره اسمه الشخصي و العائلي و صفته و موطنه.
إذا كان احد الأطراف شركة وجب ذكر اسمها و نوعها و مركزها.
موجز عن موضوع الدعوى و عن الوقائع و عن الوسائل المثارة.
بالإضافة إلى ذلك يمكن ارفاق المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند اقتضاء بالمقال أو المحضر مقابل وصل يسلمه كاتب الضبط للمدعي يثبت فيه عدد المستندات المرفقة و نوعها.
و إذا قدم الطلب بمقال مكتوب ضد عدة مدعى عليهم وجب على المدعي أن يرفق المقال بعدد من النسخ مساو لعدد الخصوم.
و يمكن للقاضي أن يطلب عند الاقتضاء تحديد البيانات غير التامة أو التي تم إغفالها، كما يطلب الإدلاء بنسخ كافية من المقال وذلك داخل أجل يحدده تحت طائلة الحكم بعدم قبول الطلب.
و تقيد القضايا بكتابة الضبط في سجل معد لذلك حسب الترتيب التسلسلي لتلقيها وتاريخها مع بيان أسماء الأطراف وكذا تاريخ الإستدعاء.
و بمجرد التقييد يعين رئيس المحكمة حسب الأحوال قاضيا مقررا أو قاضيا مكلفا بالقضية.

2)   الاستدعاء و التبليغ
تستدعي المحكمة الأطراف كتابة للجلسة المدرجة فيها القضية، ويجب أن يتضمن الاستدعاء البيانات المنصوص عليها في الفصل 36 من ق م م، و المتمثلة:
-         الأسماء العائلية و الشخصية و صفة و موطن و محل إقامة المدعى عليه و المدعي.
-         موضوع الطلب
-         المحكمة المختصة بالبت
-         يوم و ساعة الحضور
-         التنبيه إلى وجوب اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء
و يتم توجيه الاستدعاء وفقا لإحكام الفصل 37 من ق م م، على النحو التالي:
-         يمكن تبليغ الاستدعاء بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار  بالتوصل أو عن الطريقة الإدارية.
-         اذا كان المرسل إليه بالخارج يوجه الاستدعاء بواسطة السلم الإداري على الطريق الدبلوماسية، أو بواسطة البريد المضمون، ما لم تكن هناك اتفاقيات دولية تقضي بخلاف ذلك.
و يراعى في توجيه و استلام الاستدعاء مقتضيات الفصلين 38 و 39 من ق م م، حيث نص المشرع في الفصل 38 على أنه: " يسلم الاستدعاء والوثائق إلى الشخص نفسه أو في موطنه أو في محل عمله أو في أي مكان آخر يوجد فيه، ويجوز أن يتم التسليم في الموطن المختار[7].
يعتبر محل الإقامة موطنا بالنسبة لمن لا موطن له بالمغرب.
يجب أن يسلم الاستدعاء في غلاف مختوم لا يحمل إلا الاسم الشخصي والعائلي وعنوان سكنى الطرف وتاريخ التبليغ متبوعا بتوقيع العون وطابع المحكمة."
مع مراعاة الآجال التي يجب أن تفصل بين تبليغ الاستدعاء و تاريخ حضور الجلسة المقرر في الفصلين 40 و 41 تحت طائلة بطلان الحكم الذي قد يصدر غيابيا، وذلك على النحو التالي:
×    انصرام أجل خمس أيام إذا كان للطرف موطن أو محل إقامة في مكان مقر المحكمة الابتدائية أو بمركز مجاور لها.
×    انصرام مدة خمسة عشر يوما إذا كان موجودا في أي محل آخر من تراب المملكة.
×    أما إذا لم يكن للطرف الذي وقع استدعاؤه لا موطن ولا محل إقامة في دوائر نفوذ محاكم المملكة فإن أجل الحضور يحدد فيما يلي:
إذا كان يسكن بالجزائر أو تونس أو إحدى الدول الأوروبية: شهران؛
إذا كان يسكن بدولة افريقية أخرى أو آسيا أو أمريكا: ثلاثة أشهر؛
إذا كان يسكن بالاقيانوس: أربعة أشهر.

3)   المسطرة المعتمدة
وفقا لأحكام الفصل 45 من ق م م فإن المسطرة المطبقة أمام المحاكم الابتدائية وغرف الاستينافات بها المسطرة الكتابية المطبقة أمام محاكم الاستيناف وفقا لأحكام الفصول 329 و331 و332 و334 و335  و336 و342 و344 من ق م م.
غير أن المسطرة تكون شفوية في القضايا التالية:
1 - القضايا التي تختص المحاكم الابتدائية فيها ابتدائيا وانتهائيا؛
2 - قضايا النفقة والطلاق والتطليق؛
3 - القضايا الاجتماعية؛
4 - قضايا استيفاء ومراجعة وجيبة الكراء؛
5 - قضايا الحالة المدنية.
و تجدر الإشارة أن المسطرة الكتابية تقترن أساسا بضرورة تنصيب محامي للترافع.

الفقرة الثانية: شمولية القواعد العام للتقاضي

يمكن رصد شمولية المسطرة العامة للتقاضي من خلال مقتضيات مختلف التي أحال فيه المشرع على مقتضيات الشريعة العامة للتقاضي، وذلك برغم بخصوصية هذه المساطر إلا أن المشرع يحيل على قواعد الشريعة العامة للتقاضي إما من داخل قانون المسطرة المدنية أو من خارج قانون المسطرة المدنية.

أولا: من داخل قانون المسطرة المدنية

I-      قضايا الأحوال الشخصية

برغم من كون مسطرة الأحوال الشخصية من المساطر خاصة إلا أن المشرع نص على ضرورة اعتماد مقتضيات المسطرة العامة للتقاضي المنصوص عليها في القسم الثالث من ق م م، من: مقال افتتاحي للدعوى، اجراءات التبليغ، أجال التبليغ، طريقة سير الجلسات و صدور الأحكام، وذلك وفقا للفصل 179 من ق م م.

II-   قضايا الاجتماعية

أحال المشرع على قواعد المسطرة العامة للتقاضي عند نظر المحكمة في قضايا الاجتماعية برغم من كونها مسطرة خاصة، وذلك من خلال الفصل 272 من ق م م حيث نص " تطبق القواعد المتبعة أمام المحاكم الابتدائية ما لم تكن منافية للمقتضيات الآتية "، بالإضافة إلى الفقرة الأولى من الفصل 274 في ما يتعلق بالتبليغ من خلال الاحالة على الفصول 37 و 38 و39 من ق م م.

III-           مسطرة التجريح

بالرغم من خصوصية مسطرة التجريح إلا المشرع أن أحال على مقتضيات الفصلين 31 و 32 من ق م م، و ذلك عندما نص في الفصل 296 من ق م م على " يقدم طلب التجريح وفق القواعد المقررة في المقال الافتتاحي للدعوى".

ثانيا: من خارج قانون المسطرة المدنية

I-      مدونة التجارة

إن قواعد الشريعة العامة للتقاضي حاضر في معظم حالات التقاضي، وعلى الرغم من اختلاف المساطر و هذا ما يلاحظه المتأمل في إجراءات مباشرة مساطر صعوبات المقاولة من طرف دائني المقاولة حيث ألزمتهم المادة 563 من مدونة التجارة بتقديم مقال افتتاحي للدعوى بهدف فتح المسطرة.

المطلب الثاني : دواعي اللجوءالى المساطر الخاصة :

- يعتبر حق التقاضي مبدأ دستوريا أصيلا مكفولا لجميع المواطنين على حد سواء ، و هو من الحقوق الدستورية التي كفلها دستور 2011 عند نصه في الفصل 118 في فقرته الأولى على" أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه  و عن مصالحه التي يحميها القانون  " إلا أن ممارسة هذا الحق ينبغي أن تتم وفق ضوابط قانونية لا حياد عنها أهمها الدعوى القضائية باعتبارها الوسيلة القانونية التي يملكها طالب الحق المتضرر بمقتضى القانون على تقرير أو حماية هذا الحق الذي يدعيه ، و ذلك أمام القضاء بصفته المكلف بالنظر في كل الدعاوى التي تعرض أمامه بسبب الخلافات و الخصومات التي تنشأ بين الأفراد.
- و إيمانا من المشرع في توفير حماية أكثر لبعض المتقاضين ليس بالنظر الى مراكزهم الإجتماعية أو ماشابه ذلك و لكن بالنظر الى الحق نفسه المدعى فيه ، و طبيعة هذا الحق المراد حمايته و تحصينه و ضرورة الإستعجال التي من المفروض أن تميزه فقد أوجد قواعد و مساطر خاصة تكون هي المحرك لهذا الحق و ذلك إيمانا منه بضرورة تفادي البطء القضائي الذي يطبع المسطرة العادية .
-  كما ان المشرع قصد بها التيسير على أصحاب الحقوق الثابتة و المستحقة في المطالبة بحقوقهم في غيبة الخصم و في أجل قصير كما هو  الشأن بالنسبة لمسطرة الأمر بالأداء ،و المرونة في التقاضي،كتبسيط الإجراءات المتبعة في الدعوى كالبت في غيبة الأطراف دون إجراء مواجهة في ما بينهم  و دون حضور كاتب الضبط ،و زهادة الرسوم القضائية التي تستوفى على الطلبات الخاصة بها قياسا على تلك التي تستوفى في المساطر العادية سواء تعلق الأمر ببعض العقود الخاصة او في مساطر متفرقة بين قانون المسطرة المدنية أو في بعض القوانين الخاصة .

الفقرة الأولى : دواعي اللجوء الى المساطر الخاصة في بعض العقود الخاصة.
أولا: عقد الكراء : قانون 12.67

يعتبر أداء أجرة الكراء والتكاليف التابعة لها من أهم الالتزامات التي يتحمل بها المكتري حسب المادة 12 من القانون 12.67 اتجاه المكري، وفي حالة عدم الوفاء بهذه الالتزامات يحق للمكري إثبات هذا التماطل في الأداء بسلوك مسطرة استيفاء الوجيبة الكرائية والتكاليف التابعة لها وفق إجراءات مبسطة وفي آجال محددة تخدم مصالح المكري والمكتري وهي المسطرة الاستعجالية المنصوص عليها في الباب الرابع من القانون رقم 12.67 حيث يمكن للمكري أن يطلب من رئيس المحكمة في حالة عدم أداء الوجيبة الكرائية الاذن له بتوجيه إنذار بالأداء للمكتري مشفوعا بمحرر كتابي ثابت التاريخ أو حكم نهائي يحدد الوجيبة الكرائية بينهما كما نصت على ذلك المادة 22 من نفس القانون وفي حالة امتناع المكتري عن الأداء كليا أو جزئيا فإنه يكون بإمكان المكري أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية أن يصادق على الإنذار بالأمر بالأداء .
كما جاء قانون 67.12 بمسطرة خاصة غاية في الأهمية و هي المتعلقة باسترجاع حيازة المحل المهجور أو المغلق من طرف المكري و المكتري، و بين الإجراءات التي ينبغي سلوكها طيلة الدعوى في المواد من 59 الى 64 فتطرق اولا لمسطرة الاسترجاع المقدمة من طرف المكري والتي تكون بناء على طلب يقدم الى رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات مرفقا    بالعقد أو السند الكتابي المثبت للعلاقة الكرائية، و   محضر معاينة واقعة إغلاق وهجر المحل المكترى وتحديد أمد الإغلاق،
- و وجه الإستعجال في هذه المسطرة الخاصة هو أن الأمر الاستعجالي الصادر باسترجاع الحيازة ينفذ على الأصل،         و بالمقابل أجاز القانون للمكتري تقديم طلب امام رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه بشرط اثبات اداء المبالغ الكرائية المترتبة بذمته وقبل مرور 6 أشهر على التنفيذ.
- كما اعتبر المشرع تولية الكراء و التخلي عنه سببا متميزا عن باقي الأسباب الأخرى في إنهاء و فسخ عقد الكراء السكني و المهني ،ويظهر هذا الاختلاف في كونه لم يذكر لا ضمن أسباب الانهاء التي يلزم فيها توجيه إشعار الإفراغ للمكتري، ولم يذكر ضمن أسباب الفسخ المنصوص عليها في المادة 56 من القانون 12.67 و التي لا يلزم فيها المكري بسلوك مسطرة الإشعار بالإفراغ، و بالتالي فالسبيل الوحيد الذي يملكه المكري في حالة ثبوت التولية او التخلي بصفة غير قانونية حسب المادة 43 من ق 12.67، هو اللجوء لقاضي الأمور المستعجلة لإصدار أمر إستعجالي بطرد المتولى او المتخلى له عن الكراء أو من يقوم مقامه باعتباره محتل بدون حق و لا سند، وبصدور هذا الأمر يصبح عقد الكراء مفسوخا بقوة القانون .

ثانيا : الإيجار المفضي إلى تملك العقار.

- عرفت المادة الثانية من القانون رقم 00/51 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار على انه "عقد بيع يلتزم بمقتضاه البائع اتجاه المكتري المتملك بنقل ملكية العقار أو جزء منه بعد فترة الانتفاع به بعوض ، مقابل أداء الوجيبة المنصوص عليها في المادة الثامنة من هدا القانون وذلك إلى حلول تاريخ حق الخيار" . مما يعني أن الإيجار المفضي الى التملك هو عقد بيع تام يرتب انتقال الملكية بعد أن يكون مسبوقا بكراء لفترة زمنية معينة ، وثمن البيع فيه هو أجرة الكراء بحيث إذا دفع المكتري جميع الأقساط لمدة متفق عليها تحول من مكتر إلى مشتر والعقد إلى بيع نهائي مالم تم ممارسة حق الخيار في أجله .
- و قد أجاز القانون للمكتري اللجوء إلى المحكمة  من إجبار البائع على تنفيذ التزامه فهو بمثابة واعد مع إعتبار الحكم النهائي الصادر عن قضاء الموضوع بمثابة عقد البيع النهائي  (المادة 19 من ق 51.00) و بالمقابل و لحماية البائع من تملص المكتري المتملك من التزاماته أعطى المشرع حق فسخ العقد لرئيس المحكمة بوصفه قاضيا للمستعجلات كما أعطاه الاختصاص لإفراغه باعتباره محتلاً للعقار بدون سند أو قانون وكذلك التشطيب على التقيد الاحتياطي إذا كان العقار محفظا مع الإشارة إلى أن الأمر الصادر عن القضاء الإستعجالي يكون مشمولا بالتنفيذ المعجل بقوة القانون .

ثالثا : عقد بيع العقار في طور الإنجاز

يعتبر بيعا لعقار في طور الإنجاز سواء كان معدا للسكنى أو للاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي كل اتفاق يلتزم بمقتضاه البائع بإنجاز عقار داخل أجل محدد ونقل ملكيته إلى المشتري مقابل ثمن يؤديه هذا الأخير تبعا لتقدم الأشغال ، كما يمكن للبائع والمشتري و قبل تحرير العقد الابتدائي إبرام عقد تخصيص يحرر إما في محرر رسمي أو محرر عرفي ثابت التاريخ وفقا للشكل المتفق عليه من طرفهما .
إذا رفض أحد الطرفين إتمام البيع داخل أجل ستين  يوما  ابتداء من تاريخ توصله بالإشعار، يحق للطرف المتضرر إما فسخ العقد بقوة القانون، تطبيقا لأحكام الفصل 260 من قانون الالتزامات والعقود مع حقه في التعويض المنصوص عليه في الفصل 14-618  أواللجوء إلى التحكيم أو إلى المحكمة من أجل إتمام البيع مع حقه في التعويض المنصوص عليه في الفصل 12-618، و يقوم الحكم النهائي الصادر بإتمام البيع مقام عقد البيع النهائي قابل للتقييد في السجل العقاري إذا كان العقار محفظا، أو إيداعه بمطلب التحفيظ إذا كان العقار في طور التحفيظ.

الفقرة الثانية : المساطر الخاصة في قانون المسطرة المدنية
أولا :  مسطرة الأمر بالأداء

-  نص الفصل155  من ق م م على أنه "يمكن إجراء مسطرة الأمر بالأداء بشأن كل طلب تأدية مبلغ مالي يتجاوز خمسة آلاف درهم مستحق بموجب ورقة تجارية أو سند رسمي أو اعتراف بدين"
وتعتبر مسطرة الأمر بالأداء شكلا من أشكال المطالبة القضائية أمام رئيس المحكمة ذات طبيعة استثنائية سريعة ومبسطة لاستفاء الديون الثابتة كتابة تبين للمشرع ألا حاجة للمطالبة بها عن طريق إجراءات التقاضي العادية لما فيها من تعقيد وبطء وكثرة المصاريف ، بل هي طريقة ابتدعها المشرع و جعلها بيد الدائن ليطالب بحقه في غيبة المدين ليتمكن من إستيفاء دينه في أقرب الآجال و برسم قضائي لا يتعدى 100 درهم مهما بلغ مقدار الدين المطالب به
- و قد عالج المشرع هذه المسطرة من الفصل 155 الى غاية 165 من ق م م فان البت فيها لا لا يتطلب استدعاء الاطراف و لا عقد جلسة و لا حضور كاتب الضبط و إ نما يبت فيها الرئيس حالا و  على وجه السرعة بمكتبه و يبلغ الأمر الصادر فيها الى المحكوم عليه و هو أمر قابل للتنفيذ بمجرد صدوره ،خلافا للأحكام القضائية العادية التي لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد حيازتها لقوة الشيء المقضي ما لم تكن مشمولة بالتنفيذ المعجل .

ثانيا :  عروض الوفاء والإيداع

تعد مسطرة العرض و الإيداع احدى المساطر الخاصة المهمة في باب إثبات الإلتزام و انقضاءه، خصوصا في الإلتزام الذي يكون محله مبلغا من المال مستحقا و مرتبطا بأجل و قد خصها المشرع  بنصوص خاصة و هي المنصوص عليها في الفصول من 171 الى غاية 178 من ق م م و نصوص عامة و هي المنصوص عليها في الفصل 275 من ق ل ع و ما بعده .
فإذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود، وجب على المدين أن يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا، فإذا رفض الدائن قبضه، كان له أن يبرئ ذمته بإيداعه في صندوق المحكمة، وإذا كان محل الالتزام قدرا من الأشياء التي تستهلك بالاستعمال أو شيئا معينا بذاته، وجب على المدين أن يدعو الدائن إلى تسلمه في المكان المعين في العقد أو الذي تقتضيه طبيعة الالتزام، فإذا رفض الدائن تسلمه، كان للمدين أن يبرئ ذمته بإيداعه في مستودع الأمانات الذي تعينه محكمة مكان التنفيذ،  وذلك عندما يكون الشيء صالحا للإيداع
و إذا رفض الدائن قبول الشيء الذي عرض مدينه أن يقدمه تنفيذا لالتزام حال فإن المدين ينذره ضمن الشروط المقررة في الفصل 148 لقبول وفائه على أن تتم العروض بواسطة أحد أعوان كتابة ضبط المحكمة التي تنظر الدعوى الأصلية وعند عدم وجود دعوى فبواسطة أحد أعوان كتابة ضبط المحكمة المختصة باعتبار موطن أو محل إقامة المعروض عليه أو مكان الوفاء.
يثبت في كل محضر للعرض جواب الدائن بالرفض أو القبول كما يبين فيه إن كان وقع أو رفض التوقيع أو صرح بأنه لا يمكنه ذلك أو يجهله ويشار في المحضر في حالة الرفض علاوة على ذلك إلى أن الدائن استدعي لحضور عملية الإيداع كما يحدد فيه بدقة مكان ويوم وساعة وجوب إجرائها.
يمكن للمدين أن يودع المبلغ أو الشيء المعروض قصد إبراء ذمته - بعد رفض الدائن له - دون أن تكون هناك ضرورة لتصحيح الإيداع مادام القاضي قد أذن له في ذلك.
كما أن العرض الذي لا يعقبه الإيداع الفعلي للشيء لا يبرئ ذمة المدين، والإيداع لا يحلل المدين من نتائج مطله إلا بالنسبة للمستقبل، أما الآثار التي كانت مترتبة على هذا المَطْـل يوم حصول الإيداع فهي تبقى على عاتقه.

ثالثا :  أهلية الدولة للإرث

إذا كانت الدولة مؤهلة عند انعدام وارث معروف للإرث أخبرت السلطة المحلية لمكان الوفاة وكيل الملك بذلك مع بيان المتروك على وجه التقريب. ويصدر رئيس المحكمة الابتدائية المحال عليه الطلب من طرف وكيل الملك أمرا على طلب يعين فيه كاتب ضبط لإحصاء الأموال والقيم المتروكة ويعينه قيما إن كانت لها أهمية ما لحراستها. ويضع هذا الكاتب الأختام عند الحاجة، ويحرر محضرا بمختلف هذه العمليات.
إذا كانت الأموال تشتمل على عناصر قابلة للتلف استؤذن رئيس المحكمة في بيعها بالكيفيات المقررة لبيع منقولات القاصر. وتوضع الأموال الناتجة عن هذا البيع بعد خصم المصاريف بصندوق الإيداع و التدبير و يخطر وكيل الملك حينئذ إدارة الأملاك المخزنية.
يأمر رئيس المحكمة الابتدائية عند الاقتضاء باتخاذ جميع تدابير الإشهار التي يراها ضرورية وخاصة تعليق أمره بآخر موطن للهالك وبمقر الجماعة لمحل ازدياده إن كان معروفا وحتى النشر في جريدة واحدة أو أكثر من الجرائد التي يعينها.

المبحث الثاني: مساطر التقاضي بين الواقع والافاق


إن القانون ضروري لحفظ كيان المجتمع، فهو ملازم له في نشأته، مساير له في تطوره، بل المشاهد أن المجتمع يأخذ منذ تكونه في إفراز قواعد قانونية تكون وظيفتها ضبط العلاقات بين أفراده.[8]
فالقاعدة القانونية دائمة التطور والتغير تبعا للتطور الذي يعرفه المجتمع بحيث يتم التدخل بين الفينة والأخرى لتعديل وتغيير قواعد قانونية أصبحت متجاوزة أو لوضع أخرى تتناول موضوعا أو موضوعات لم يكن يعرفها المجتمع من قبل وأضحى لازما تنظيمها بما يضمن الجواب عن المشاكل التي تطرحها.
لكن المشرع سواء تعلق الأمر بموضوع التعديل أو سد الفراغ غالبا ما يعتمد مقاربة جزئية، إذ لا يراعي التعارض أو التضارب الذي قد يحصل بين قانون جديد وقانون قديم خصوصا إذا كان هناك تقاطع فيما بينهما بخصوص موضوع معين. بل ولا يراعي الخصوصية التي ينفرد بها كل قانون. كما يقوم في بعض الأحيان بإدراج قواعد مسطرية ضمن قواعد قانون الموضوع.
وهذا الأمر يفرض على المشرع عند أي تدخل تشريعي مهما كان سببه اعتماد مقاربة شاملة أفقية وعمودية، من منطلق أن القاعدة القانونية منبثقة من المجتمع ويجب أن تخدمه أولا وأخيرا، لأن نهج خلاف ذلك يترتب عنه لا محالة تعدد وتشتت القواعد القانونية.

المطلب الأول: أوجه قصور مساطر التقاضي

يبدوا أن النهج الأخير هو الذي اعتمده المشرع أثناء سن العديد من القواعد المسطرية، مما نتج عنه تعددها وتشتتها، قبل أن يتنبه لهذا الأمر من خلال ما أفرزته الممارسة ويبادر إلى طرح بديل تشريعي بهذا الشأن لتجاوز الأمر (الفقرة الأولى). لكن ما يزيد الطين بلة هو الدور السلبي للقاضي أثناء تطبيقها. (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعدد وتشتت مساطر التقاضي

من المعلوم أن الجهة التي خول لها القانون سلطة الفصل بين الناس فيما قد يحصل بينهم من نزاعات سواء كان مصدرها تصرفات قانونية أو وقائع قانونية هي السلطة القضائية.
ولا ننكر أن القانون خول لجهات أخرى سلطات شبيهة بسلطة القضاء، ومن ذلك السلطات التي منحها القانون للمحافظ العقاري أثناء مسطرة التحفيظ تجاه التعرض الذي يتقدم به صاحبه خارج الأجل القانوني، حيث يمكن للمحافظ رفضه ولا يقبل قراره الطعن القضائي.[9]
إلا أن اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالحقوق يتميز بخصوصية ترتكز على ضرورة سلوك مسطرة محكمة محددة سلفا من طرف المشرع، وتكون هذه المسطرة مقرونة في بعض الأحيان بجزاء[10]، وهذا لا يعني أن اللجوء إلى بعض الجهات الإدارية لا يكون هو الآخر محكوما باتباع مسطرة معنية كالتظلم الإداري حيث من المفروض مراعاة بعض الشكليات فيه أثناء رفعه للجهة الإدارية المختصة.
وإذا كان المشرع قد أسند سلطة الفصل في الخصومات للقضاء عبر اتباع مسطرة معنية فإن ما يهم المتقاضي هو الغاية وليس الوسيلة، أي أن ما يهمه من اللجوء إلى القضاء هو الحصول على حقه في وقت وجيز وبطريقة تتسم بالمرونة وبعيدا عن كل التعقيدات أو الشكليات.
ومن هنا تبرز أهمية الوقوف عند مساطر التقاضي العامة والخاصة ومعرفة ضوابطها وآلياتها وبيان ما إذا كانت تتسم بالبساطة أم بالتعدد والتشتت.
فالمشرع تناول مساطر التقاضي العامة والخاصة من حيث المبدأ في قانون المسطرة المدنية[11]، حيث إن صاحب الحق إذا ما أراد مقاضاة خصمه أمام القضاء يتعين عليه الرجوع إلى القانون المذكور ليعرف الصيغة والكيفية التي يتعين عليه بها تحرير مقاله قبل رفعه إلى القضاء. لكنه في بعض الأحيان يجد نفسه مضطرا إلى الرجوع إلى قواعد مسطرية موجودة في قوانين أخرى قصد استكمال شكليات مقال دعواه. ومن بين القوانين التي يتعين عليه الرجوع إليها نذكر على سبيل المثال: قانون المحاماة[12]، القانون المتعلق بالجماعات الترابية، قوانين خاصة كالقانون المحدث للمحاكم الإدارية[13] أو القانون المحدث للمحاكم التجارية[14] إلخ...، بل إنه في بعض الأحيان يلجأ إلى قوانين الموضوع كقانون الالتزامات والعقود.
فإذا تعلق الأمر مثلا بمسطرة العرض العيني والإيداع فإن المشرع نظم مقتضياتها في قانون المسطرة المدنية[15] و في قانون الالتزامات والعقود[16]. وهو ما يعني أنه يتعين على كل شخص يريد أن يبرئ ذمته من دين مثلا عن طريق عرض المبلغ على مدينه أو إيداعه رهن إشارته بصندوق المحكمة في حالة رفضه، الرجوع إلى القانونين المذكورين.
وكذلك إذا أراد الشخص رفع دعوى تعويض ضد إحدى الجماعات الترابية كالجهة مثلا يتعين عليه الرجوع إلى قانون المسطرة المدنية، وكذا إلى القانون التنظيمي المنظم للجهات[17] ، لأن الدعوى ضد الجهة تستلزم إدخال الوكيل القضائي للجهة[18]، وهو مؤسسة جديدة أتت مع القوانين الجديدة المنظمة للجماعات الترابية. وهكذا فإذا أغفل المعني بالأمر إدخال الوكيل القضائي للجهة فإن مصير دعواه عدم القبول.
هذه أمثلة تبين أن مسطرة واحدة للتقاضي يمكن اللجوء فيها إلى عدة مصادر قانونية من أجل استكمال شكلياتها حتى تقبل من طرف القضاء. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على الروافد الكثيرة لمساطر التقاضي وكذا تشتتها، وهي خاصية تحد من نجاعتها لدرجة أن البعض بات مقتنعا أن اللجوء إلى القضاء يتسم بالبطء والتعقيد.
هذا ويجب أن لا ننسى أن مسطرة التقاضي لا تقف عند شكليات الطلب بل في بعض الأحيان معرفة الجهة التي يرفع أمامها هذا الطلب، لأن الاختصاص كقاعدة مسطرية يراعيها الخصم عند رغبته في رفع دعواه، إذ أنه وهو يهيئ طلبه يستحضر الجهة التي يتعين عليه رفعه أمامها. ومما لا شك فيه أن قواعد الاختصاص كقواعد مسطرية لا يحكمها قانون المسطرة المدنية فقط، وإنما يحكمها أكثر من قانون، فمثلا في قضايا الطلاق الفصل 79 من مدونة الأسرة يحدد على سبيل الترتيب الجهة القضائية التي يتعين أمامها رفع طلب الطلاق، موطن الزوجية ثم موطن الزوجة، ثم مكان إبرام عقد الزواج، أما إذا تعلق الأمر بالتطليق فإنه يتعين على رافعه أن يعود إلى الفصل 212 من قانون المسطرة المدنية ليعرف الجهة التي يتعين عليه رفعه أمامها وهي مقررة على سبيل الخيار وليس الترتيب. ونفس الشيء ينطبق على النزاع الحاصل بين طرفين أحدهما مدني والآخر تجاري. حيث يتعين على الطالب الرجوع إلى قانون المسطرة المدنية وكذا إلى القانون المحدث للمحاكم التجارية، بل وإلى مدونة التجارة ليتمكن من معرفة الجهة المختصة للبت في طلبه.
ولا شك أن هذه المسألة قد تنبه إليها دستور فاتح يوليوز 2011 حيث أشار إلى مبدأين أساسين هما البت في القضايا في آجال معقولة والتطبيق العادل للقانون، ويمكن اعتبارهما المفتاح الأساس لأي إصلاح مرتقب بل إنهما شكلا الأساس الذي اعتمدته السلطة الحكومية المكلفة بالعدل في ورش الإصلاح العميق لمنظومة العدالة في شق المسطرة المدنية عبر طرح مشروع يرتكز على مبدأين أساسين تبسيط مساطر التقاضي وتوحيدها.

الفقرة الثانية: الدور السلبي للقاضي

إن الغاية الأساسية من اللجوء إلى القضاء لا تقتصر على مجرد الحصول علـى حكم لإنهاء الخصومة بأي طريقة كانت، بل تقضي مصلحة كل خصم فـي الحصـول على حكم عادل لضمان حقوقه، والقضاء على جذور الخلاف بـين الخصـوم ليسـود الاطمئنان ويتحقق السلم الاجتماعي.[19]
والوسيلة التي قررها القانون للمطالبة بالحقوق هي الدعوى، ولتكون مقبولة لا بد من احترام كثير من الشروط واتباع مجموعة من الإجراءات[20].
وقبل أن تصل الدعوى إلى مرحلة صدور الحكم، فإنها تمر بمرحلة سابقة أساسية وضرورية تعد أهم مرحلة في سيرها، وهي ما يعبـر عنه بمرحلة تحقيقها، وخلالها يتم مراقبة شكلياتها وجمع الأدلة والحجج واتخاذ الإجراءات والوسائل التي تسـاعد القاضي على تكوين قناعته تمهيدا للفصل فيها.
وإن الذي يقوم بهذه المهمة هو القاضي سواء كان قاضيا مكلفا بالقضية بالنسبة للقضاء الفردي أو قاضيا مقررا بالنسبة للقضاء الجماعي، فالقاضي هو أول واحد يعطي الضوء الأخضر لانطلاق الخصومة عن طريق تحديد تاريخ جلسة إدراجها والأمر بتبليغ المقال للأطراف المعنية، وذلك يكون بطبيعة الحال بعد تعيينه من طرف السيد رئيس المحكمة[21]، كما يقوم بمراقبة المقال ومدى توفر الشروط القانونية المتطلبة فيه سواء في قانون المسطرة المدنية[22] أو في قوانين خاصة.
لكن السؤال الذي يثار هنا هو حول الدور الذي يلعبه القاضي في النزاع الذي يدور بين المتخاصمين، هل القاضي سيلتزم الحياد المطلق أم سيلعب دوارا إيجابيا في النزاع؟ وهل سيترك العنان للأطراف يسيرون الخصومة كما يرغبون؟ أم أن سير الدعوى يخضع لضوابط وقواعد محددة سلفا تحدد دور كل من القاضي والأطراف.
ثمة اتجاهان بهذا الخصوص الأول يقلص من دور القاضي ويترك العنان للأطراف في تسيير الخصومة، وإذا ما وقف القاضي على خلل ما في الشكليات فلا خيار لديه سوى ترتيب الأثر القانوني على ذلك، إذ ليس من صلاحيته أمر الأطراف بتدارك الإخلالات الشكلية أو البيانات غير التامة، وهي خاصية النظام الادعائي الذي يعطي صلاحيات واسعة للأطراف في تسيير الدعوى. وهو نظام كان سائدا في التشريع التونسي قبل تعديل قانون سبتمبر 1980 الذي خفف من حدته.
وهناك اتجاه ثاني يعطي القاضي صلاحيات واسعة في الخصومة من الناحية الشكلية لكنه في المقابل يقلص من دور الأطراف من منطلق أن حياد القاضي يكون مطلوبا عند الفصل في الحق وليس في شكليات الدعوى.
وبالنسبة للمشرع المغربي فإنه بالرجوع إلى بعض المقتضيات القانونية في قانون المسطرة المدنية[23] يتضح أنه تبنى الاتجاه الثاني، لأن القاضي وهو يجهز القضية مطلوب منه أن ينذر الأطراف بتدارك الإخلالات الشكلية والبيانات غير التامة، ومطلوب منه كذلك أن يستدعي من لهم الصفة في مواصلة الدعوى بمجرد علمه بوفاة أحد الأطراف.
إلا أن الواقع خلاف ذلك، فالقاضي لا يقوم بالمهام التي يخولها له القانون ويكتفي برصد الإخلالات الشكلية في الدعوى ويصدر حكما بعدم قبولها.
وهكذا فالرهان اليوم هو تجاوز الدور السلبي للقاضي حتى لا تضيع حقوق الناس بالوقوف عند الشكل. وهذا الأمر بطبيعة الحال يتوقف على ضمير القاضي ومدى إحساسه بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه. لأنه في غياب ذلك لا يمكن الوصول إلى الأهداف المرجوة مهما كان التشريع متطورا. وهو الأمر الذي نص عليه خطاب العرش الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله يوم 30 يوليوز 2013 بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لعيد العرش المجيد حيث جاء فيه " ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبأنا له من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل "الضمير المسؤول" للفاعلين فيه هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته".
وإذا كان هذا هو واقع مساطر التقاضي وكذا واقع القضاء فماذا عن الطموح الذي يريد المشرع الوصول إليه من خلال التعديلات ذات الصلة الواردة في مشروع المسطرة المدنية، وهو ما سنعالجه في المطلب الثاني.

المطلب الثاني : أفاق مساطر التقاضي

بعدما تعرضنا في المطلب الأول لأوجه قصور مساطر التقاضي العامة والخاصة ، وتأكد لنا أن هذه المساطر تعاني من عدة معيقات  تشتت المساطر ، وتعدد مصادرها ، والدور السلبي للقاضي فيها.
وانطلاقا من هذه المعيقات ، يمكننا استشراف مستقبل مساطر التقاضي من خلال دراسة امكانية توحيدها ( الفقرة الأولى) ، وتقوية الدور الإيجابي للقاضي فيها (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : توحيد المساطر

يعد توحيد المساطر من الحلول المقترح لتجاوز أوجه قصور مساطر التقاضي العامة والخاصة في التشريع المغربي ، حيث انه يقوم على تجميع تشتت مساطر التقاضي في مسطرة واحدة ، وذلك من أجل تبسيط وتسهيل اجراءات التقاضي أمام المتقاضين .
وبالفعل لقد استجابت الهيئة العليا للحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة لهذا المقترح من خلال ميثاق اصلاح منظومة العدالة ، وذلك عبر الأهداف الفرعية للهدف الرئيسي الرابع الذي يخص الإرتقاء بالفعالية ونجاعة القضاء[24].
وقد تجسدت هذه الاستجابة من خلال مشروع قانون المسطرة المدنية ، حيث انه تم ادماج المقتضيات المتعلقة بالمحاكم التجارية والمحاكم الادارية وأقسام قضاء القرب لمواجهة تشتت المساطر بين ق م م والنصوص الخاصة [25].
الا اننا نلاحظ ان هذا التوحيد لم يكون شاملا لكل المساطر ، بل انه اقتصر فقط على المساطر الخاصة التي تكون امام المحاكم المتخصصة ولم يشمل العديد من المساطر الخاصة الاخرى أمثال المساطر الخاصة ببعض العقود : عقد الكراء ، عقد الايجار المفضي الى تملك العقار، عقد بيع العقار في طور الانجاز ...
وعليه فان هذا لا يعدو ان يكون تجميع لبعض المساطر ، ولا يرقى الى مستوى توحيد ، الدي يهدف في نهاية المطاف الى توحيد كل المساطر الخاصة بالتقاضي في مسطرة وحيدة .
ان طموح توحيد مساطر التقاضي تعترضه عدة معيقات حقيقية ، تنبع من أن اقرار مساطر خاصة للتقاضي تقتضيه مبررات موضوعية ، حيث أن المشرع كان يهدف من وراء هذه المساطر الخاصة حماية حقوق ومصالح ذات خصوصية معينة ، تحتاج الى بساطة وسرعة في التقاضي تليق بها[26].
وفي اخير هذه الفقرة يمكننا الإشارة إلى اشكالية اساسية تعاني منها مساطر التقاضي في التشريع المغربي ، تتجسد في تعدد مصادر المساطر العامة والخاصة ، حيث انه من اجل معرفة المصادر القانونية لمسطرة وحيدة يمكن الرجوع الى اكثر من نص قانونية ، مما يضعنا أمام إشكالية تعدد المصادر ، وما لذلك من أثار سلبية على حق التقاضي .
باستثناء ذلك التجميع الذي اشرنا اليه اعلاه ، ليس هناك اي مقتضى سواء في ميثاق اصلاح منظومة العدالة ولا مشروع قانون المسطرة المدنية ، يتعلق بمعالجة هذه الاشكالية ولو من سبيل التلطيف من حدتها .

الفقرة الثانية : تقوية الدور الايجابي للقاضي

ان قصور مساطر التقاضي يرجع ايضا الى الدور السلبي للقاضي في سير هذه المساطر ، مما فرض على المشرع التدخل من اجل تحويل هذا الدور من السلبية الى الايجابية وتقوية هذا الاخير .
ولقد تدخل المشرع من خلال عدة مقتضيات في مشروع قانون المسطرة المدنية ، من اجل معالجة هذه الاشكالية ، نذكر بعض الامثلة مهنا:
الفقرة الثانية من المادة 1-1 تنص على " لا يمكن للمحكمة أن تصرح في هذه الحالات بعدم قبول الدعوى إلا إذا أنذرت الطرف المعني بتصحيح المسطرة داخل أجل تحدده، ما لم يكن أحد الأطراف قد أثارهذا الدفع واطلع عليه الطرف الآخر ولم يستجب".
والفقرة ما قبل الاخيرة من المادة 32 التي تنص على "ينذر القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية، عند الاقتضاء،كل طرف أو محاميه أو وكيله بإكمال البيانات غير التامة أو التي تم إغفالها، وبالإدلاء بنسخ المقال الكافية وبالمستندات المعتمدة في المقال،وذلك داخل أجل يحدده تحت طائلة الحكم بعدم قبول الطلب".
وايضا الفقرة الاخيرة من نفس المادة "في حالة عدم توقيع المقال ينذر الطرف أو المحامي أو الوكيل بتصحيح المسطرة داخل أجل تحدده المحكمة تحت طائلة الحكمبعدم القبول".
والمادة 49-3 التي تنص على " تودع المستنتجات في كتابة ضبط المحكمة، ويجب أن يكون عدد النسخ مساويا لعدد الأطراف وإلا أنذر القاضي المقرر المعني بالأمر للإدلاء بهذه النسخ داخل أجل عشرة أيام ابتداء من تاريخ التوصل بالإنذار تحت طائلة عدم اعتبار هذه المستنتجات.
تبلغ المذكرات المشار إليها أعلاه طبقا لمقتضيات المادة 37 وما بعدها أعلاه".
نشير إلى دور القاضي في الأمر بإجراء من إجراءات التحقيق متى كان ذلك ضروريا أومجديا طبق المادة 55 من مشروع ق.م.م.
وتعزير دور القاضي لم يقف عند قاضي الموضوع فقط ، بل شمل حتى قاضي التنفيذ ، الذي تم تقوية صلاحياته من خلال تخويله إصدار الأوامر المتعلقة بالتنفيذ بشكل حصري ، كما أنه يتولى الإشراف ومراقبة إجراءات التنفيذ ، هذا بالإضافة إلى كونه يبت في الصعوبات التنفيذ الوقتية وفي منح الأجل الإسترحامي وذلك بموجب المادة 451-3 من هذا المشروع.
كما أن فكرة الدور الإيجابي طلت حتى محكمة النقض ، من خلال تخويلها حق التصدي في حالة كون الطعن بالنقض وقع للمرة الثانية وأن تتوفر على جميع العناصر الواقعية التي ثبتت لقضاة الموضوع بموجب المادة 369-1 من المشروع ، وذلك لتجاوز طول المسطرة.
يتضح من خلال هذه المقتضيات مدى قوة الدور الايجابي للقاضي في سير المسطرة ، وهي الميزة التي ميزت كل الإجراءات وعلى طول المسطرة.
وعليه يمكننا انتظار مدى استجابة القضاة لهذه المقتضيات بعد المصادقة على مشروع قانون المسطرة المدنية ودخوله حيز التنفيذ.

الخاتمة

نخلص الي أن المساطر المدنية في التشريع المغربي ، سواء تعلق الأمر بالمساطر العامة أو بالمساطر الخاصة ، ما زالت تعاني من العديد الإشكاليات التعدد والتشتت ، ومن تدخل سلبي للقاضي في إجراءات التقاضي أمام المحاكم.
وهذا الواقع أفرز آثار سلبية ، ساهمت في تفاقم اختلالات  التي يعيشها الشأن القضائي ببلادنا أثناء تصريف العدالة .
وعليه فهذا الواقع يستدعي ضرورة التدخل لإصلاحه ، وذلك بتجميع مساطر التقاضي المدنية لتفادي معضلة التشتت والتعدد، ووضع مساطر صلبة وواضحة ، ودعم وتقوية الدور الايجابي للقاضي في إجراءات التقاضي .
وهذا سيساهم حتما في تطوير القضاء ببلادنا ، بتمكينه من أداء مهامه علي أحسن وجه ، لما فيه من إرساء قواعد أسمى للعدالة وضمان حقوق الأفراد.

المراجع العامة

· د.ادريس العلوي العبدلاوي:"الوسيط في شرح المسطرة المدنية " الجزء الأول الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة، 1998
· أصول القانون، الجزء الأول، نظرية القانون، ادريس العلوي العبدلاوي ط أ 1971
· لمحامدي لمعكشاوي ''الوجيز في المساطر الخاصة في ضوء المسطرة المدنية'' ،الطبعة اﻻولى،2011
· عبد اللطيف تجاني '' الأمر بالاداء في القانون المغربي''  مطبعة الأمنية الرباط الطبعة الأولي.
· جواد امهمول " الوجيز في المسطرة المدنية" مطبعة الأمنية ، الرباط ، طبعة  2015
· الدكتور عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، الطبعة الثامنة، يوليوز 2016
· موسي عبود ومحمد السماحي: " المختصر في المسطرة المدنية والتنظيم القضائي" الطبعة الأولي.
· محمد ميكو : "قواعد المسطرة المدنية في المادة الاجتماعية " الطبعة الأولى، سنة 1981 مطبعة الساحل الرباط

· الرسائل

· هشام العلوي : "القضاء الاجتماعي بالمغرب" ، رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، بكلية الحقوق أكدال الرباط، طبعة دار النشر المغربية
· محمد يحي ولد احمد "إجراءات التبليغ والتنفيذ في العمل القضائي" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، نوقشت بكلية الحقوق بطنجة ، سنة 2009-2010

· المقالات

· عبد القادر الرافعي : "الأيمان الشرعية وقانون المسطرة المدنية" مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية
· حياة البراقي '' الإنهاء والفسخ في ظل القانون رقم 12.67 المنظم للعلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري'' ، المجلة المغربية في الفقه والقضاء العدد 3 ربيع 2016.
· عبد القادر الرافعي : "الأيمان الشرعية وقانون المسطرة المدنية" مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد76

·  الوثائق العامة
·  ميثاق إصلاح منظومة العدالة ، وزارة العدل والحريات ، مطبعة أليت يوليوز 2013
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]-محمد يحي ولد احمد "إجراءات التبليغ والتنفيذ في العمل القضائي" رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص ، نوقشت بكلية الحقوق بطنجة ، سنة 2009-2010 صفحة 2
[2]- محمد ميكو : "قواعد المسطرة المدنية في المادة الاجتماعية " الطبعة الأولى، سنة 1981 مطبعة الساحل الرباط، ص 4
[3]-د.ادريس العلوي العبدلاوي:"الوسيط في شرح المسطرة المدنية " الجزء الأول الطبعة الأولى مطبعة النجاح الجديدة، 1998 ص 10
[4]-موسي عبود ومحمد السماحي: " المختصر في المسطرة المدنية والتنظيم القضائي" طبعة 1999 ص 61
[5]-جواد امهمول " الوجيز في المسطرة المدنية" مطبعة الأمنية ، الرباط ، طبعة  2015 صفحة 5 و6
[6] - عبد القادر الرافعي : "الأيمان الشرعية وقانون المسطرة المدنية" مقال منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد76 ،ص 28 وما بعدها.
[7] - تم تعديل الفصل 38 أعلاه بموجب القانون رقم 33.11، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5975 بتاريخ 6 شوال1432 (5 سبتمبر 2011)، ص 4389؛ إلا أن هذا التعديل شمل الفقرة الأولى فقط دون باقي الفقرات كما بين ذلك استدراك الخطأ المادي الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6099 بتاريخ 27 ذو الحجة 1433 (12 نوفمبر 2012)، ص 5844.
[8] أصول القانون، الجزء الأول، نظرية القانون، ادريس العلوي العبدلاوي ط أ 1971 ص 12.
[9]  الفصل 29 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تعديله وتتميمه بالقانون رقم 14.07.
[10]  الفصل 1 من قانون المسطرة المدنية.
[11]  ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 28 شتنبر 1974 بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية.
[12]  القانون رقم 28.08 الصادر بتاريخ 06 نونبر 2008
[13] القانون رقم 41.90
[14]  القانون 53.95
[15]  الفصول من 171 إلى 178 من قانون المسطرة المدنية.
[16]  الفصول 275 إلى 287 من قانون الالتزامات والعقود.
[17]  القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات
[18]  المادة 242 من قانون الجهات
[19]  يقول عبد الرحمان ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: " أمام القضاء فهو من وظائف الدولة الداخلة تحت الخلافة لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسما للتداعي وقطعا للنزاع". مطبعة مؤسسة العلمي بيروت لبنان، بدون تاريخ، ص 220.
[20]  الدكتور عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، الطبعة الثامنة، يوليوز 2016، ص 129.
[21]  الفقرة الأخيرة من الفصل 31 من قانون المسطرة المدنية.
[22]  ينص الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية. "يجب أن يتضمن المقال أو المحضر الأسماء العائلية أو الشخصية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي، وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال أو المحضر اسمها ونوعها ومركزها. يجب أن يبين بإيجاز في المقالات والمحاضر علاوة على ذلك موضوع الدعوى والوقائع والوسائل المثارة وترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء مقابل وصل يسلمه كاتب الضبط للمدعي يثبت فيه عدد المستندات المرفقة ونوعها".
[23]  الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية "يطلب القاضي..." الفصل 115 من نفس القانون ينص "يستدعي القاضي بمجرد علمه بوفاة أحد الأطراف أو تغيير وضعيته بالنسبة للأهلية..."
[24]  ميثاق اصلاح منظومة العدالة ، وزارة العدل والحريات ، مطبعة أليت يوليوز 2013 ص 77 وما بعدها .
[25] انظر مثلا المواد 18 و19-1 و 21-1 ... من مشروع قانون المسطرة المدنية .
[26] يمكن الرجوع هنا الى المطلب الثاني من المبحث الاول اعلاه.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات