القائمة الرئيسية

الصفحات

المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي

المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي

المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي
المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي


مقدمة

تمثل المداخيل الجمركية مصدرا ماليا مهما لأي دولة فهي تساهم في المغرب  بحوالي 44% من مداخيل الدولة[1] وتشكل في الجارة الجزائر المورد الأول خارج المحروقات إذ ضخت في ميزانية الدولة الجزائرية لسنة 1999 - 2000. ما يعادل 25 % من مداخيلها[2]، و استيفاء هذه المداخيل وضخها في ميزانية الدولة لا يتأتى إلا بوجود رقابة جمركية فعالة باعتبار أن أي تهرب من تسديد الرسوم  يساهم لا محالة في نزيف موارد الدولة[3]، وباعتبار أنه كلما وجد المال ووجدت المراقبة إلا ووجد النزاع فإنه بمناسبة إجراء المراقبة الجمركية وتنفيذ أعوان الجمارك لمهامهم المختلفة قد تنشأ نزاعات يكون أطرافها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة من جهة والمخالفين أو الملزمين من جهة ثانية ويطلق على هذه المنازعات بالمنازعات الجمركية. عرفها بعض الفقه[4] بأنها مجموعة القواعد المتعلقة بنشوء الخصومات ومجراها والبت فيها التي ترمي إلى تأويل وتطبيق القانون الجمركي.
والمنازعات الجمركية تصنف إلى منازعات ذات طبيعة مدنية وأخرى ذات طبيعة زجرية. وهذا البحث سيقتصر على هذا النوع الأخير من المنازعات (أي الزجرية) المتعلقة بالقانون الجمركي، وقد تم تعريفها بأنها المنازعات التي تنشأ عند ارتكاب المكلفين مخالفات للمقتضيات القانونية أو التنظيمية المنصوص عليها في التشريع الجمركي، وتتضمن مجموع القواعد المنظمة لمعاينة المخالفات الجمركية ومتابعتها وزجرها أمام القضاء أو تسويتها عن طريق الصلح. في حين اعتبر فقه آخر بأن المنازعات الجمركية الزجرية هي التي تهدف إلى زجر المخالفات الجمركية وقمع مرتكبيها والضرب على أيديهم[5].
وتتميز المنازعات الزجرية الجمركية عن المنازعات المدنية في كون هذه الأخيرة تنشأ عن تطبيق الإدارة للقوانين التي لا تنص مقتضياتها على عقوبة زجرية فهي تضم تحصيل ديون الدولة والمتمثلة في الرسوم الواجب تحصيلها من طرف الإدارة ثم منازعات مسؤولية الإدارة عن أعمال موظفيها ومصالحها ويختص في هذا النوع الأخير من المنازعات القانون رقم 09. 41 المحدث للمحاكم الإدارية بمقتضى المادة 8، حيث نصت على اختصاص هذه المحاكم في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص المتعلقة بالضرائب[6].
والمقتضيات المتعلقة بالمنازعات الجمركية تشكل جزءا من القانون الجمركي العام المقنن في مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة المصادق عليه بالظهير الشريف رقم 77. 1 في25 شوال1397 الموافق لـ 9 أكتوبر 1977 بمثابة قانون[7] كما وقع تغييره بمقتضى القانون رقم 02. 39 المصادق عليه بالظهير الشريف رقم 222- 1.00  بتاريخ 5 يونيو 2000.
وما دامت م  ز ج، جزءا من هذا القانون فهذا الأخير عرف تطورا عبر التاريخ اختلف باختلاف المكان والزمان. فالضريبة الجمركية وجدت مع وجود وتطور الحركة التجارية في العالم القديم حيث عرفها اليونان في ضل ازدهار حركة السفن والبضائع بشكل
مبسط للضريبة الجمركية فقد كانت تفرض على البضائع وكانت ضئيلة للغاية ترتفع وتنخفض بحسب ما إذا كانت الدول حليفة لليونان أم لا.
كما عرفت أوربا بدورها في القرون الوسطى الضريبة الجمركية، ففي انجلترا أخذت هذه الضريبة طابعا موحدا حيث كان الدخول والخروج والتجول في المدن للبيع بعد دفع ضريبة واحدة محددة تمثل نسبة من قيمة البضاعة يحددها حاكم كل إقليم، وبفرنسا كان حكام المقاطعات الفرنسية يفرضون الإتاوات على البضائع الداخلة إلى مقاطعاتهم علاوة على الضرائب الجمركية التي تجبى على البائع حين دخلوها وخروجها[8]، وشهد عصر الخلافة الرشيدة خصوصا عند تولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر الخلافة، حيث رأى المسلمين تؤخذ منهم جزية أموالهم على ما يحملونه من بضائع التجارة إذا دخلوا دار الحرب متاجرين فأمر بأخذ الضريبة من تجار دار الحرب على قدر ما يؤخذ في دار الحرب من التجار المسلمين[9]. والقانون الجمركي عرفه المغرب منذ بداية القرن العشرين وظهير 1977 المذكور الذي عدل بتاريخ 5 يونيو 2000 ما هو في حقيقة الأمر إلا تجميع وتنقيح ومراجعة لمجموعة من النصوص في شكل مدونة تواكب التحولات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد.
فمعاهدة الجزيرة الخضراء المبرمة في 7 ابريل 1906 تعتبر نقطة الانطلاق في تاريخ القانون الجمركي المغربي فقد نص الفصل 97 منه على إحداث مجلس دائم للديوانات وأصدر المجلس بتاريخ 10 يوليو 1908 تنظيمات بشأن مساطر جمركية جدية تتعلق بالخصوص ب:
- التصريح المفصل عند الاستيراد والتصدير والأنظمة الخاصة بحركة البضائع
- تفتيش مراقبة القيمة من طرف الأمناء وإنشاء مهمة إصدار اللوائح الخاصة بقيمة  البضائع الأساسية ونشرها وتحيينها إلى لجنة القيمة المحدثة بمقتضى الفصل 96 من المعاهدة المذكورة.
- إمكانية الأداء العيني للرسوم الجمركية بالإضافة إلى الأداء النقدي
- قمع الغش ومسطرة تنظيم عملية بيع البضائع التي أصبحت ملكا للديوانة، وبحلول  يناير 1918 أصبحت إدارة الجمارك تحت سلطات الاحتلال الفرنسي وصدر ظهير بشأن الديوانات بتاريخ 16 دجنبر 1918، استوحى مضامينه من القانون الضريبي الفرنسي الصادر في 28/04/1916[10]، وتلي هذا الظهير عدة ظهائر أخرى وقرارات  وزارية إلى حين صدور ظهير 1977 الذي عدل هو الآخر بتاريخ 6 يونيو 2000، ليتلاءم والظرفية الدولية. فقد أصبح هذا القانون يواكب المتطلبات الاقتصادية المتمثلة في المساهمة في تأهيل الاقتصاد الوطني وتشجيع الاستثمارات دون إغفاله لحماية المستهلك ومحاربة الغش والتهريب وتحقيق المنافسة المشروعة، ويشكل البحث في م زج أهمية خاصة:
فهذا النوع من المنازعات يشكل حوالي 90 % من مجموع المنازعات الجمركية.
ومن جانب آخر فالمنازعات الزجرية تنشأ نتيجة جرائم تهدد الاقتصاد الوطني والاستثمارات الوطنية والدولية وحقوق المستهلك (التهريب) وكذا تهديد الصحة العامة (الاتجار بالمخدرات غير المرخص لها في غايات مشروعة). وتتمثل أهمية هذا البحث كذلك في  كون هذا  النوع من المنازعات تكون مبالغه المالية في الغالب ضخمة مما تنعكس بالسلب على خزينة الدولة. ورغم كل ذلك فهذا الموضوع لازال من أبرز المواضيع غموضا لدى العامة والخاصة بل وحتى المهتمين بالشأن القانوني إذ لم يستوف القانون الجمركي عامة والمنازعات الزجرية بصفة خاصة حظا وافرا من الدراسة والبحث سواء على المستوى الوطني أو الدولي.[11]
وترجع قلة البحث في هذا المجال إلى ندرة المؤلفات والبحوث، إضافة إلى الطابع التقني لهذا النوع من الجرائم وما تتسم به من تقلبات وتعديلات سريعة ومستمرة لمواكبة التحولات والتحديات على المستوى الدولي، إضافة إلى تطلبه دراية بالجبايات والاقتصاد خصوصا إذا تعلق الأمر بالمنازعات الجمركية في جانبها المدني.
وهذا ما جعل بعض الفقه يعتبر القانون الجنائي الخاص شبيها بشواطئ البحر الأبيض المتوسط صيفا[12]. حيث توجد بعض الشواطئ مزدحمة بالمصطافين بينما توجد مناطق أخرى صخرية لا تجلب إلا هواة العزلة والمتاعب وكذلك الحال في القانون الجنائي الخاص، فتوجد فيه بعض الجرائم استنفدت بحثا كجرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة بينما توجد جرائم أخرى لم يتعرض لها إلا قلة من الباحثين وهي الجرائم التي تمثل المناطق الصخرية من شواطئ البحر والجرائم الجمركية من هذه الطائفة الأخيرة. ويختلف القانون الزجري الجمركي في كثير من القواعد مقارنة بقواعد القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والإجرائي فالقانون الجمركي يعتبر قانونا شاذا بل ومتمردا أحيانا على القواعد العامة.
فقواعد م. ز.ج تستمد خصوصياتها من القواعد الخاصة التي وضعت لها بقصد تلافي وتفادي حالات الإفلات من العقاب وحالات التسامح التي لن يجد الملزمون صعوبة في الاستفادة منها فيما لو تم إخضاعهم فقط للقواعد المطبقة على مجرمي الحق العام. وخصوصية القانون الجمركي التي ينفرد بها عن القواعد العامة قد تكون لها تأثير على العدالة القانونية. وهذه الخصوصية التي تمتاز بها المنازعات الجمركية الزجرية تطال أغلبية القواعد المنظمة لها، سواء تعلق الأمر بالقواعد الموضوعية والتي تتضمن عناصر التجريم والعقاب وكذا قواعد المسؤولية، ثم تصنيف الجرائم الجمركية. أو الشكلية، حيث نجد قواعد الإثبات الجمركي أي المحاضر الجمركية تختلف في كثير من مقتضياتها عن القواعد العامة للمحاضر العادية سواء في حجيتها أو طرق الطعن فيها، وهذا التميز لا تستثنى منه المتابعة والمصالحة الجمركية كذلك لا من حيث كيفية إبرامها أو فيما يخص آثارها. ورغم أن التنفيذ يعتبر منظم بدوره في المنازعات الجمركية إلا أنه لن يكون موضوع معالجة في هذا البحث لاعتبار أغلب مقتضياته تخضع للقواعد العامة رغم تفرده ببعض المميزات خصوصا على مستوى الإكراه البدني.
انطلاقا من كل ما سبق تطرح إشكالية عامة فحواها:  
- إلى أي حد تتوافق القواعد المنظمة للمنازعات الزجرية الجمركية مع القواعد العامة؟ وما مدى انعكاس هذا التوافق أو غيابه على العدالة القانونية؟
ومن هذه الإشكالية تطرح عدة تساؤلات فرعية مرتبطة بالمنازعات الزجرية وهي كالآتي:
-         هل عناصر التجريم والعقاب المنظمة للمنازعات الزجرية الجمركية تنطبق  والقواعد العامة؟
-         هل المسؤولية الجنائية تتطابق والعدالة القانونية؟
-         هل احتفظ المشرع الجمركي بالتصنيف العادي للجرائم؟
هذه الأسئلة ترتبط بالقواعد الموضوعية أما التساؤلات المرتبطة بالجوانب الإجرائية فهي:
-         هل المحاضر الجمركية لها نفس القوة الثبوتية لمحاضر الشرطة القضائية؟ ما هي
أنواعها؟ وما هي حجيتها وقوتها الثبوتية؟ هل يجوز إثبات عكس ما جاء فيها بكل
الوسائل ؟ ما هي طرق الطعن الممكنة فيها؟
-         من يخول له تحريك الدعوى العمومية؟ وما هي الآليات التي يمكن اللجوء إليها لسقوطها؟ وهل تحقق هذه الآليات (المصالحة) التوازنات بين الأطراف؟ انطلاقا من كل هذه الأسئلة والتساؤلات، سيُـتَّـبَعُ التصميم المبين أسفله معتمدين في ذلك بالأساس على مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة والنصوص المنظمة لقانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، هذا بالإضافة إلى نصوص أخرى ومراجع فقهية وقضائية مختلفة.

الفصل الأول:القواعد الموضوعية للمنازعات الزجرية الجمركية .

الفصل الثاني: القواعد الشكلية للمنازعات الزجرية الجمركية.

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات