القائمة الرئيسية

الصفحات

التهريب الجمركي

التهريب الجمركي
التهريب الجمركي


مقدمة

في ظل المعاملات الاقتصادية والتجارية التي تعرفها معظم دول العالم والتي يتسع مجالها باستمرار نتيجة تزايد اهتمام هذه الأخيرة بالميدان الاقتصادي، كان لزاما على المغرب تفعيل مجموعة من المقتضيات من أجل تنظيم هذه التبادلات مما أدى إلى إصدار مجموعة من القوانين تأتي على رأسها مدونة الجمارك، ومن أهم الخروقات التي يعرفها مجال التبادل الاقتصادي نجد جريمة التهريب الجمركي.
وتعتبر جريمة التهريب الجمركي من الناحية الواقعية تلك الجريمة التي تقوم على إغراق الأسواق الداخلية ببضائع أجنبية على مختلف أشكالها، مواد غذائية، منتوجات صيدلية، السجائر، الأجهزة الإلكترونية[1] .
وتبدو الأهمية النظرية للموضوع جلية في إبراز مدى تفعيل مقتضيات مدونة الجمارك للحد من جريمة التهريب خصوصا وأنها أصبحت ظاهرة عالمية تطورت أساليبها وتنوعت عملياتها[2]، أما من الناحية العملية فتبدو أهمية الموضوع جلية في إبراز مدى تأثير جريمة التهريب الجمركي على حقل اقتصاديات الدول خصوصا مع وجود تنافس لا متوازن بين كل من الدول الكبرى والدول الصغرى.
ويعتبر التهريب ظاهرة قديمة انتعشت بالمغرب خلال القرن 18 بسبب سياسة العزلة والانطواء التي نهجها المغرب خلال عهد المولى سليمان، والتي أدت إلى استفحالها في المناطق الحدودية بالمغرب كالريف مثلا، وقد تطورت هذه الظاهرة بشكل كبير وارتقت في تهريب السلع بطريقة تقليدية إلى استعمال طرق جد متطورة عن طريق شبكات محترفة في هذا المجال[3]، مما أدى بالمشرع المغربي  هو الأخر إلى إصدار ظهير رقم 1.77.399 بتاريخ 1977-10-9 وكذا المرسوم رقم 2.77.862 المؤرخ في 9.10.1977 المتعلق بتطبيق مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
ومن هنا يمكننا طرح الإشكاليات التالية: هل تعتبر مقتضيات مدونة لجمارك كفيلة بالحد من جريمة التهريب الجمركي؟ وما هي الأحكام التي تخضع لها هذه الجريمة؟
لدراسة هذا الموضوع ارتأينا تقسيمه إلى نقطتين أساسيتين، حيث نتناول كمبحث أول أحكام عامة حول التهريب الجمركي بينما نخصص المبحث الثاني لأنواع وجزاءات جريمة التهريب الجمركي.

المبحث الأول: أحكام عامة حول جريمة التهريب الجمركي:

المطلب الأول: تعريف جريمة التهريب الجمركي ونطاقها:

سنقوم من خلال هذا المطلب إعطاء تعريف لجريمة التهريب الجمركي ( الفقرة الأولى) على أن نتطرق فيما بعد إلى نطاق هذه الجريمة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعريف جريمة التهريب الجمركي

يعتبر التهريب الجمركي من المفاهيم الصعبة التي لم تجد اتفاقا في تعريفه أو إعطاءه مفهوما موحدا بل هناك من التشريعات من أخذت بنطاق التهريب على أنه تهرب من دفع الضريبة فيما ذهبت طائفة أخرى من التشريعات على اعتباره كل فعل يتعارض مع القواعد التي حددها المشرع بشأن تنظيم حركة البضاعة عبر الحدود.
وبدوره لمشرع المغربي حدد تعريفا للتهريب الجمركي في المادة 282 من القانون الجنائي التي تنص "أن التهريب يقصد منه الاستيراد أو التصدير خارج مكاتب الجمرك وبوجه خاص الشحن والتفريغ والنقل من سفينة إلى أخرى أو من طائرة إلى أخرى خارج نطاق الموانئ والمطارات حيث مكاتب الجمرك وأيضا كل خرق لأحكام المدونة المتعلقة بحركة أو حيازة البضائع داخل المنطقتين البرية والبحرية لدائرة الجمارك".
كذلك عرف القانون الجزائري التهريب على أنه" استيراد البضائع وتصديرها خارج المكاتب الجمركية"
أما فيما يخص تعريف التشريع لجريمة التهريب الجمركي المصري فقد اعتبر أحد الفقهاء أن المشرع الجمركي لم يعرف تلك الجريمة بقدر ما عدد حالات التهريب الجمركي المؤثمة قانونا وهو ما يبين من استعراض نصوص التجريم، إذ تنص المادة 121  من قانون الجمارك المصري رقم 66 لسنة 1963 المعدل بقانون رقم 75 لسنة 1970 على أنه " يعتبر تهريبا إدخال البضائع من أي نوع إلى الجمهورية وإخراجها منها بطرق غير مشروعة بدون أداء الضرائب الجمركية كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن  البضائع الممنوعة ويعتبر في حكم التهريب حيازة البضائع الأجنبية بقصد الاتجار مع العلم بأنها مهربة ويفترض العلم إذا لم يقدم من وجدت في حيازته هذه البضائع بقصد إنجاز المستندات الدالة على أنها قد سددت عنهل الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم المقررة كما يعتبر في حكم  التهريب تقديم مستندات أو فواتير مزورة أو مصطنعة أو وضع علامات كاذبة أو إخفاء البضائع  أو العلامات أو ارتكاب أي فعل آخر يكون الغرض منه التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها أو بالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة "[4].
واستنتاجا مما سبق ذكره:
يعتبر التهريب الجمركي من أخطر الجرائم الجمركية التي تهدد الاقتصاد الوطني إذ ينافس التهريب المنتوجات الوطنية والمصنوعات المحلية بصفة غير قانونية مما تسبب في إغلاق وحدات الإنتاج وخسائر المبيعات كما أن أضراره تؤدي إلى تفقير الميزانية المخصصة للمصاريف العمومية وذلك عن طريق التهريب الجبائي سواء على مستوى المداخيل أو على مستوى الضرائب.

الفقرة الثانية: نطاق جريمة التهريب الجمركي

لمعالجة نطاق جريمة التهريب الجمركي لابد من الحديث عن محل التهريب من جهة ومكان التهريب من جهة ثانية.

أولا: محل التهريب الجمركي

تعتبر البضائع محلا للجريمة الجمركية، سواء  كانت ذات طبيعة تجارية أو غير تجارية، معدة للاستعمال الشخصي أو لغير ذلك من الأغراض بحيث لا يشترط أن تكون ذات قيمة معينة.
كما تتجسد الجريمة الجمركية من حيث نطاقها في إدخال البضائع من أي نوع كانت إلى المغرب أو إخراجها بطرق غير مشروعة بدون أداء الرسوم والمكوس الجمركية المستحقة عنها كلها أو بعضها، أو بالمخالفة مع القوانين المعمول بها بخصوص البضائع الممنوعة[5].
تأسيسا على ما سبق وباعتبار البضائع محلا للجريمة الجمركية ينبغي علينا الإجابة على التساؤلات الآتية:
ماهي مختلف البضائع التي يمكن أن تكون محلا لجريمة التهريب؟ وما هي العناصر المميزة للبضاعة؟ والشروط التي يجب توافرها في البضائع محل التهريب الجمركي؟ سنحاول الإجابة عن كل هذه التساؤلات من خلال ما يلي:

1)    مختلف البضائع التي يمكن أن تكون محلا لجريمة التهريب الجمركي.
·       البضائع الممنوعة: وهي البضائع الممنوع إدخالها وإخراجها من الأراضي المغربية وبتعبير آخر فهي تلك البضائع المحضورة حضرا مطلقا مثلا : المخدرات...
·       البضائع المقيدة: هي تلك البضائع التي يكون استيرادها أو تصديرها مقيدا بالإدلاء برخصة أو إذن أو شهادة أو تخضع لضوابط الجودة أو القيام بإجراءات الخاصة.
·       البضائع الخاضعة لرسوم باهضة: هاته الفئة من البضائع تمت الإشارة إليها في الفقرة الثانية من الفصل 214 من المرسوم عدد 77.862 الذي نص على أن مقتضيات الفصل 181 من مدونة الجمارك تطبق على المنتجات المفروض عليها رسم الاستيراد يعادل أو يفوق 40 في المائة[6].

2) العناصر المميزة للبضاعة:
يمكن أن نجمل  العناصر المميزة للبضاعة في الآتي  بيانه:
·       منشأ البضاعة
·       مصدر البضاعة؛
·       نوع البضاعة؛
·       قيمة البضائع الواردة؛
·       قيمة البضائع المعدة للتصدير
هذا فيما يخص العناصر المميزة للبضاعة إذن فماهي الشروط التي يجب توافرها في البضائع محل  التهريب الجمركي[7].

2)    الشروط الواجب توافرها في البضائع محل التهريب الجمركي
لكي تكون البضائع محلا لجريمة التهريب الجمركي يشترط أن تكون إما بضائع خاضعة للضرائب الجمركية أو بضائع ممنوعة

ثانيا: مكان التهريب الجمركي

أما فيما يخص مكان التهريب فإن الأصل أن يقع التهريب عند اجتياز البضاعة الدائرة الجمركية، وذلك بمحاولة خذاع الموظف الجمركي الذي أناط به القانون صلاحية استخلاص الضريبة أو مباشرة المنع.
ومما تجب إشارته أن الفصل 25 من مدونة الجمارك قد أشار أن المجال الجمركي يشمل منطقة بحرية تمتد إلى المياه الإقليمية والمناطق الشاطئية، ومنطقة برية تمتد على الحدود البحرية في ما بين الساحل والخط المرسوم في الداخل على بعد عشرين كلم من شاطئ البحر وعلى لحدود البرية فيما بين حدود التراب الجمركي والخط المرسوم في الداخل على بعد عشرين كلم.
كما أن المنطقة البرية الواقعة على الشاطئ المغربي للبحر الأبيض المتوسط ، تمتد داخل خط عشرين كلم، المحدد في الفقرة الثالثة من الفصل 25 المذكور ابتداء من الطريق الذاهبة من بركان إلى مليلية، مرورا بنقط مشرع حمادي وبين الويدان وصاكا وعين الزهر...
وقوفا عند الناظور وترجييت والحسيمة وسبتة عبر شفشاون[8].

المطلب الثاني: أركان جريمة التهريب الجمركي

كل جريمة لابد وأن تتوفر على أركان، فجريمة التهريب لها ركنان : الركن المادي ( الفقرة الأولى ) والركن المعنوي ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الركن المادي لجريمة التهريب الجمركي

ويتوقف قيام الركن المادي للجريمة مبدئيا على توافر ثلاثة عناصر وهي:
أولا: نشاط مجرم صادر عن الجاني في شكل عمل أو امتناع
ثانيا: تحقق نتيجة عن هذا النشاط
ثالثا: توافر رابطة سببية في النشاط المجرم وبين النتيجة[9].
كما سبق وأن أشرنا أن القانون لا يعرف أصلا جرائم بدون ركن مادي إلا أن الركن المادي لجريمة التهريب الجمركي أهمية واضحة لذلك يتعين علينا لمعالجة أحكام الركن المادي ضرورة التطرق لصور التهريب الثلاثة 

أولا: التهريب الضريبي الحقيقي

تنص المادة 222 من قانون الجمارك على أنه "يعتبر تهريبا إدخال البضائع من أي نوع إلى الدولة وإخراجها منها بطريقة غير مشروعة بدون أداء الضرائب الجمركية المستحقة كلها أو بعضها..."
وتكتمل عناصر الركن المادي في هذه الجريمة بان  يقوم الجاني بالأفعال الآتية:

1-  إدخال البضائع إلى إقليم الدولة أو إخراجها منه بطرق غير مشروعة والسلوك الإجرامي هنا يتخذ عادة صورة النشاط الايجابي.
2-  أن يتم ذلك بطرق غير مشروعة أو وسيلة غير مشروعة قد تكون في شكل ايجابي أو سلبي.

ثانيا: التهريب الضريبي الحكمي وصوره

ويشتمل قانون الجمارك على أربع صور للترهيب الجمركي الحكمي وهي:
1-  تقديم فواتير أو مستندات مزورة بقصد التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة
2-   حيازة بضائع أجنبية بقصد الاتجار فيها مع العلم بأنها مهربة
3-  استرداد الضرائب الجمركية المدفوعة أو الشروع في استردادها
4-  التصرف في الأشياء المعفاة في غير الأعراض المعفاة من أجلها
وسنكتفي بالإشارة لإحدى  هذه الصور بإيجاز:
حيازة بضائع أجنبية بقصد الاتجار فيها مع العلم بأنها مهربة، حيث أن الحيازة هنا تتحقق بتوفر عنصرين أو لهما البضاعة وثانيهما نية الإحراز بالإضافة إلى أن تكون هذه الحيازة بهدف الاتجار وليس فقط الاستهلاك الشخصي .

ثالثا: التهريب غير الضريبي

هو إدخال البضائع وإخراجها من الدولة بطريقة غير مشروعة بدون أداء الضرائب  الجمركية كلها أو بمخالفة النظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة أما  عناصر الركن المادي لهذه الجريمة تتمثل في إدخال الجاني بضائع وإخراجها من البلاد خرقا للحضر المفروض في هذا المجال[10].

الفقرة الثانية: الركن المعنوي لجريمة التهريب الجمركي

 لا تقوم الجريمة على عناصر مادية بحثة متمثلة في الركن المادي بل أيضا على عناصر نفسية تتمثل في ركنها المعنوي، وذلك حسب قول بعض الفقهاء" لا يكون كافيا للمساءلة على نشاط يعتبر جريمة من الناحية القانونية، أن يأتي الفاعل ماديا هذا النشاط بل لابد أيضا من توافر الركن المعنوي الذي يسند معنويا الجريمة إليه".[11]
مما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد تحديد توافر القصد الجنائي في جريمة التهريب الجمركي أمر يدخل في اختصاص محكمة الموضوع.

المبحث الثاني:  أنواع وجزاءات التهريب الجمركي


إن مخالفة احد نصوص مدونة الجمارك تترتب عنه حتما جزاءات تسعى إلى ردع مرتكبي جريمة التهريب إلا أنه قبل دراسة هذه الجزاءات سنقوم بإبراز أهم أنواع التهريب الجمركي.

المطلب الأول: أنواع جريمة التهريب الجمركي

تتجسد الجريمة الجمركية في إدخال البضائع من أي نوع كانت إلى المغرب أو إخراجها بطرق غير مشروعة بدون أداء الرسوم والمكوس الجمركية المستحقة عنها كلها أو بعضها أو بالمخالفة مع القوانين المعمول بها بخصوص البضائع الممنوعة[12].
والتهريب الجمركي يتفرع إلى عدة أنواع نذكر منها:

1-   من حيث الركن المادي للجريمة:
وينقسم هذا التهريب إلى نوعين:
التهريب الحقيقي: وهو ذلك التهريب الذي ورد ذكره في الفصل 222 من مدونة الجمارك ن حيث يتحقق بإدخال البضائع من أي نوع إلى الدولة أو إخراجها منها بطريقة غير مشروعة بدون أداء الضرائب المستحقة كلها أو بعضها.
التهريب الحكمي[13] : ويتضمن قانون الجمارك أربعة صور للتهريب الجمركي وهي:
1-      تقديم فواتير أو مستندات مزورة يقصد التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة، إن قيام المهرب بهذه الأفعال لا يشكل سوى محاولة الشروع في الجريمة إلا أن المشرع المغربي اعتبرها بمثابة الجريمة التامة وبالتالي يرتب عليها الجزاءات المنصوص عليها في المادة 280 من مدونة الجمارك
وتجدر الإشارة على أن كلا من النوعين يمكن أن يشكل تهريبا ضريبيا أو غير ضريبي، فنكون بصدد جريمة تهريب حقيقي ضريبي، أو غير ضريبي، وجريمة تهريب حكمي ضريبي أو غير ضريبي حسب الحال[14].

2-     من حيث المصلحة المعتدى عليها
وينقسم هذا التهريب إلى نوعين:
التهريب الضريبي: وهو الذي يتحقق بمجرد إدخال البضائع أو إخراجها دون أداء الرسوم المستحقة عنها، وذلك نظرا لحرمان الدولة من حقوقها المالية عن هذه البضائع، باعتبارها موردا هاما ترتكز عليه ميزانيتها.
التهريب  غير الضريبي، وهو الذي يتحقق كلما تم إدخال بضائع ممنوع استيرادها أو تصديرها وذلك بقصد خرق المنع الذي يفرضه المشرع في هذا المجال[15].
والفرق بين الصورتين، أنه بينما يهدف العقاب على النهريب الضريبي إلى حماية مصلحة الدولة الضريبية من الأضرار بها، أو تعريضها للخطر فإنه يهدف من وراء العقاب على التهريب غير الضريبي إلى حماية مصلحة أخرى أساسية غير مصلحتها الضريبية  والتي قد تكون اقتصادية أو ضريبة، أو صحية أو أخلاقية ونحو ذلك[16].

3- من حيث القدر الذي يتم التهرب منه من الضريبة وتخسره الخزينة العامة:
وينقسم هذا التهريب بدوره إلى قسمين:
التهريب الكلي: ويتحقق هذا التهريب حين يستطيع المهرب أن يفلت من أداء الضريبة المستحقة بشكل كلي، فينتج عنه خسارة الخزينة العامة للدولة كامل الضريبة الجمركية.
التهريب الجزئي: وهو التهرب الذي يتحقق عند فقدان الخزينة العامة لجزء فقط من الضريبة.
وغني عن البيان أن هذا التقسيم لا يقوم  إلا بالنسبة للتهريب الضريبي وحدة دون التهريب غير الضريبي الذي لا تصور منه أن يكون  كليا أو جزئيا، كما أنه يمكن أن يثور بصدد التهريب الحقيقي أو الحكمي على حد سواء إذا يصح أن يكون أيهما كليا أوجزئيا[17].

4- من حيث جسامة التهريب:
فقد يكون هذا التهريب جماعي وقد يكون فردي:
التهريب الجماعي: وهو التهريب الذي يتعلق بكيفيات كبيرة من البضائع، وهو غالبا ما يكون في إطار عصابات منظمة، يعتمد في غالب الأحيان على عنصر الاحترافية، فهو يقوم عل بضائع وأنواع محددة.
التهريب الفردي: وهو ذلك التهريب الذي ينص غالبا على كافة البضائع دون تمييز ويقع على كافة الحدود وبواسطة كافة الوسائل  الممكنة، وهو أقل خطورة من التهرب الجماعي باعتباره يقع من أفراد.
وتبدو أهمية التمييز بين هذين النوعين قائمة في أنه قد تقوم قرينة على توافر قصد الاتجار في حالة التهريب الجماعي، فالثابت أن هذا القصد يتكون من مجموعة من العناصر مثل كمية البضائع ونوعها وقيمتها[18].

المطلب الثاني: الجزاء في التهريب الجمركي

إن من أهم  الآثار التي تترتب عن التهريب الجمركي هو قيام المسؤولية الجنائية أي أن مرتكب الجريمة يترتب عليه مجموعة من الجزاءات والتي تم التنصيص عليها في المادة 280 من مدونة الجمارك "على أن العقوبات والتدابير الاحتياطية الحقيقية المطبقة في ميدان المخالفات الجمركية هي:
·       الحبس
·       مصادرة البضائع المرتكب الغش  بشأنها، والبضائع المستعملة لإخفاء الغش وسائل النقل  
·       الغرامة الجبائية
ومن خلال قراءة الفصل السابق يتبين أن الجزاءات الجمركية تتوزع إلى عقوبات مالية وأخرى عقوبات وتدابير شخصية.

الفقرة الأولى: العقوبات المالية

تجمع بين الغرامات المفروضة على المهربين وبين مصادرة الأشياء المنصوص عليها في الفصل 280 من مدونة الجمارك.

1- الغرامة الجمركية: إن فرض الغرامات يأتي مفسرا لنوعية المخالفة المرتكبة من طرف المهربين، والتي يمكن اعتبارها كسرقة، تكون نتائجها سلبية على الانتهاك أو الصحة العامة، والهدف من اللجوء إلى الإجراءات المالية دون الحبسية هو إمكانية استخلاص الضرائب الجمركية وتفادي وضع الأشخاص في السجون لمدة طويلة والتسبب في تعطيل تجارتهم وأعمالهم[19].
فالغرامات من حيث طبيعتها تكتسي طابعا إصلاحيا بحثا رغم اختصاص المحاكم الزجرية وحدها بالنطق بالغرامات الواردة في مدونة الجمارك وذلك حسب الفصل 214 من هذه الأخيرة.
وما يلاحظ في الغرامات من حيث تصنيعها أنها تتميز بمبدأ التضامن والذي يقوم   على أن الأشخاص المحكومين بنفس الفعل أو  المساهمين و المشاركين فيها فهم مطالبون تضامنيا في كل المحجوزات الجمركية والغرامات المالية، وقد جاء الفصل 216 من مدونة الجمارك لتأكيد مبدأ التضامن حيث جاء فيها أن كل جريمة لا ينتج عنها سوى الحكم بغرامة واحدة مهما تعدد المساهمين فهم يساءلون مسؤولية تضامنية.
مما تجدر الإشارة إليه انه في حالة رفض مرتكب جريمة التهريب تقديم الغرامة فقد يتم اللجوء إلى الإكراه البدني لاستخلاص الغرامات المفروضة عليه والهدف من ذلك هو الوقوف أمام كل محاولة لتملص المهربين.
وما يلاحظ بهذا الخصوص أن الغرامة الجبائية المفروضة ذات قيمة مبالغ فيها حيث أنها لا تتناسب مع طبيعة الجريمة وظروف المتابعة، بالإضافة إلى  كون الغرامات تتميز بالجمود، ذلك أن جهة سلطات القضاء بشان تعديلها  تبقى منعدمة، غير أن المشرع ترك لمرتكبي جريمة التهريب مجالا للتخفيف من حدة الأحكام القضائية عبر اللجوء لعملية المصادرة[20].

2- المصادرة الجمركية:  تعد المصادرة عقوبة أصلية[21] تم التنصيص عليها في المادة 280  من مدونة الجمارك وذلك لردع مرتكبي جرائم التهريب، على اعتبار أنها من أهم  الجزاءات المترتبة على جريمة التهريب.
فهي تتعلق أساسا بأشياء حددها المشرع بحيث أنها تنصب على محور الجريمة الجمركية، أي على كل من البضائع المهربة، وكذا المستعملة لإخفاء الغش وسائل النقل وذلك حسب ما جاءت به المادة 280 من مدونة الجمارك.
البضائع محل الغش( التهريب): ينص الفصل 211 من مدونة الجمارك على مصادرة البضائع بجميع أنواعها، فالمفهوم هنا جاء واسعا يشمل السلع  بجميع أنواعها سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة كالسلاح، المخدرات، فالبضائع المشمولة  بالمصادرة هي تلك البضائع التي مرت عبر الحدود من دون الخضوع للمراقبة الجمركية[22].
البضائع المستعملة لإخفاء الغش ( وعملية تهريب): وهي البضائع التي يستعين بها المهرب من أجل إخفاء البضائع التي يرغب في تهريبها عبر الحدود.
ولقد تطرق الفصل 212 من مدونة الجمارك إلى اعتبار أن وسيلة النقل التي يتعين مصادرتها على كل ما يستعمل في نقل من مكان إلى آخر كيفما كان نوعها[23].
وسائل النقل : ينص الفصل 212 من مدونة الجمارك على أنه يحكم وجوبا بمصادرة وسائل النقل التي استخدمت أو كانت معدة لاستخدامها لارتكاب المخالفة إذا كان يملكها من شاركوا في التهريب أو في محاولة التهريب وكذلك من كان يملكها شخص أجنبي في المخالفة وكانت قد هيأت خصيصا لارتكاب التهريب أو كان مرتكب التهريب هو المكلف بسياقة الناقلة".
بمعنى أنه لا يتم مصادرة وسيلة النقل إذا أثبت المالك أن المكلف بالسياقة هو الذي قام بهذا العمل دون إذنه أي إخفاء البضائع لتهريبها.

الفقرة الثانية: العقوبات والتدابير الشخصية

اعتمد المشرع المغربي في مكافحته لجريمة التهريب مجموعة من الجزاءات فإضافة إلى الغرامات المالية المنصوص عليها في المادة 208 من مدونة الجمارك فقد نص على مجموعة من العقوبات السالبة للحرية خصوصا بالنسبة للأشخاص في حالة  العود، وعلى مجموعة  من التدابير  الوقائية السالبة للحقوق، وذلك بعرض حماية المجتمع والجاني من تكرار المخالفات الجمركية.

1- العقوبات السالبة للحرية: نص الفصل 229 من مدونة الجمارك أن الأشخاص الذين تتم مساءلتهم على قيام جريمة التهريب هم الأشخاص الموجودة في حوزتهم البضائع المرتكبة الغش بشأنها وناقلوها وكذا البواخر والسفن والمراكب وقواد الطائرات، واشترط فيهم المشرع ضرورة ارتكابهم الجريمة عمدا أي وجود قصد جنائي عام.
 إن العقوبات المقررة لهذه الجريمة تتجاوز عقوبة المخالفة وذلك بتطبيقها إلى جنح وتطبق عليها كل من ظروف التخفيف وحالة العود إن وجدت وذلك حسب مقتضيات الفصول 46 و157 من القانون الجنائي.
فكما هو معلوم فظروف التخفيف هي تلك الظروف التي من شأنها أن تخفف العقوبة المطبقة على المهرب سواء  كانت هذه الظروف عينية، أو شخصية فالأخذ بها يتوقف على قناعة والسلطة التقديرية للقاضي التي تبقى واسعة، أما حالة العود فماهي إلا حالة من حالات ظروف التشديد المنصوص عليها في الفصول 154 و160 من قانون الجنائي فهذه الأخيرة قانونية غير قضائية بمعنى أن القاضي لا يتمتع بأية سلطة لتقدير الفعل، واعتباره فعلا مشددا للجريمة، فإذا تم التنصيص عليها صراحة  من طرف المشرع وما يلاح في هذا الأخير أنه خول للقاضي أن يأمر في الحكم الذي يصدر بإيقاف تنفيذ العقوبة الحبسية[24].

2- التدابير السالبة للحقوق:
جاء الفصل 220 من مدونة الجمارك بمجموعة التدابير نذكر على رأسها
§ منع المقام بدائرة الجمارك: بمعنى منع المخالف  من المقام بالمنطقة الم** للحدود ون* المشرع في هذا المنع إن الحيلولة دون عودة المخالف إلى ميدان التهريب.
§ منع الدخول إلى المكاتب والمخازن والساحات الخاضعة لحراسة الجمارك: فالأشخاص الذين يخصهم المنع هنا هم الأشخاص الذين لهم علاقة بالبضائع المودعة بهذه الأمكنة، فدور المخازن والساحات الخاضعة لحراسة الجمارك يتجلى في خزن وادخار البضائع المسروقة.
§ سحب رخصة قبول المعشر في الجمارك أو الإذن في استخلاص الجمركي: بمعنى سحب رخصة قبول الشخص المهرب أو حتى من شارك في جريمة التهريب في مناولة مهنة القيام بمهام الإدارة بالجمارك.
§ الحرمان من الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية الخاصة بالجمارك: هي الأنظمة الاقتصادية الخاصة بالجمارك هي الأنظمة التي تساعد على إدخال أو تحويل أو استعمال أو ترويج البضائع مع وقف الرسوم الجمركية[25].

خاتمة

تعتبر جريمة التهريب الجمركي ظاهرة عالمية، مست باقتصاديات الدول سواء منها الدول الكبرى وكذا الدول الصغرى، إلا أن انعكاساتها تظهر بشكل سلبي أكثر على هذه الأخيرة باعتبارها ما زالت في محاولة النهوض والوصول إلى مستوى يسعفها إلى الخوض في منافسة الدول النامية، مما يوجب على الدول المتضررة خصوصا منها المغرب – مكافحة ظاهرة التهريب التي تمس بشكل مباشر الاقتصاد وبشكل غير مباشر خزينة الدولة، وذلك عبر إصدار مدونة الجمارك وكذا رصد مجموعة من الإمكانيات البشرية المتمثلة في فيالق الجمارك المتحركة، ومفتشين على المنافذ الحدودية، إضافة إلى موارد مادية تتجلى في مختلف التجهيزات والآليات من عربات، وقوارب سريعة وغيرها، ، إضافة إلى تبني الدولة مجموعة من الحلول كتحرير المبادلات التجارية مع مجموعة من الدول، وخاصة دول الاتحاد الأوربي ، إضافة إلى خفض الرسوم الجمركية، إلا أنه بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف المشرع المغربي فهو لم يستطع مكافحة هذه الجريمة ووضع حد لمرتكبها وخصوصا الأشخاص الذين يقومون بها في إطار نشاط شبكات التهريب الكبرى.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] - محمد بادن عن مقاله، الجرائم المالية من خلال اجتهادات المجلس الأعلى الندوة الجهوية السابعة دار الطالبة ، وجدة ، سنة 2007، ص 307.
[2] - بدر الدين قرفي، دور إدارة الجمارك في مكافحة التهريب بالمغرب، رسالة لنيل دبلوم الماستر القانون العام ، تخصص التدبير المالي والإداري المعمق ، سنة 2008، ص1.
[3] - بدر الدين قرفي، مرجع سابق، ص1.
[4] - محمد نجيب السيد، ص7.
[5] - محمد الزلايجي، ص138.
[6] -
[7] -
[8] - محمد الزلايجي ص 140.
[9]  عبد الواحد العلمي ، ص 150-151.
[10] - الإجازة ص 11 و12 و13
[11] - عبد الواحد العلمي ، ص 200 و201.
[12] -  لأستاذ محمد زلايجي في مقاله جريمة التهريب الجمركي بين مشروعية أدلتها وملاءمة جزاءاتها، المنشور ي مجلة المناظرة التي يصدرها مجلس هيئة  المحامين بوجدة، العدد الرابع سنة 1999، ص 138.
[13] - وقد عرفت محكمة النقض المصرة هذا النوع من التهريب بأنه يقع إذا لم تكن السلعة  الخاضعة للرسم أو التي فرض عليها  المنع قد اجتازت لدائرة الجمركية وللكن صاحب جلبها أو أخرجها أفعال نص عليها المشرع المصري اعتبارا بأن من شان هذه الأفعال أن تجعل احتمال دخول البضاعة أو خروجها قريب  الوقوع في الأعم الأغلب من الحالات فحظرها الشارع ابتداءا وأجرى عليها حكم الجريمة التامة ولو لم يتم للمهرب ما أراد .
[14] - محمد نجيب السيد، جريمة التهريب الجمركي في ضوء الفقه والقضاء ن مطبعة الإشعاع، الإسكندرية سنة 1992، ص15.
[15] - محمد زلايجي ، مرجع سابق، ص 139.
[16] - محمد نجيب السيد، مرجع سابق، ص 16.
[17] - محمد نجيب السيد، مرجع سابق، ص17.
[18] -  د. محمد نجيب السيد، مرجع سابق، ص19.
[19] -  بدر الدين قرفي، دور إدارة الجمارك في مكافحة التهريب بالمغرب ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام تخصص التدبير المالي والإداري العمومي سنة 2008،  ص 56.
[20] - بدر  الدين قرفي ، دور إدارة الجمرك في مكافحة التهريب بالمغرب" رسالة لنيل دبلوم  الماستر في القانون العام، تخصص التدبير المالي والإداري العمومي ، سنة 2007-2008، ص67.
[21] - تنص المادة 42 من ق.الجنائي على أن المصادرة هي تمليك الدولة جزءا من أموال المحكوم عليه أو بعض أملاك له معنية ، أكدت محكمة النقض الفرنسية أن المصادرات عقوبة تتعلق بحسم الجنحة لتعويض عن الضرر الذي أصاب الخزينة باستقلال عن أية عقوبة تلحق بالفاعل.
[22] - جلال  جالدو حركية  التهريب الجمركي  في خلال الوثائق الرسمية بحث لنيل الإجازة ص 2003-2004.
[23] - بذر الدين قرفي، مرجع سابق، ص 68.
[24] - الجيلالي قدومي، المنازعات الزجرية في القانون الجمركي المغربي E.N.A.P رسالة لنيل دبلوم الدراسات عن مذكرة ص 143.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات