القائمة الرئيسية

الصفحات

التدابير الوقائية في المادة الجمركية

التدابير الوقائية في المادة الجمركية

التدابير الوقائية في المادة الجمركية
التدابير الوقائية في المادة الجمركية

مقدمة

ظلت العقوبة لحقبة طويلة من الزمن الصورة الأساسية إن لم تكن الوحيدة للجزاء الجنائي. ومع تطور الفكر العقابي تبث عجز العقوبة عن القيام بالدور المنوط بها والذي يتجلى في الحد من ظاهرة الإجرام والقضاء عليها داخل المجتمع، مما اقتضى البحث عن نظام يحل مكانها في هذه المواضيع، أو يقف إلى جانبها لكي يساندها ويضيف إليها ما تفتقده من فاعلية،
مما ادى إلى ظهور ما يسمى بالتدابير الوقائية وبذلك لم يعد الهدف من الجزاء الجنائي هو إيلام المجرمين المحكوم عليهم والانتقام منهم، بل غدا ذلك الهدف متمثلا في فكرة إعادة تأهيل هؤلاء المحكوم عليهم وإدماجهم في المجتمع.

وقد حاول المشرع الجمركي السير في نفس النهج ونص على مجموعة من التدابير الاحتياطية لمواجهة الجريمة الجمركية التي تشكل خطرا على الاقتصاد واذا كانت العقوبات المتمثلة في الحبس و الغرامة لا تطرح اشكالا نظرا لان المشرع الجمركي في اطار تنظيمه لها اخضعها مبدئيا لمقتضيات القانون الجنائي ، فان التدابير الوقائية تطرح اكثر من علامات استفهام حول ما اذا كانت فعلا تدابير وقائية ام انها عبارة عن عقوبات اضافية وسواء كنا امام تدابير وقائية في اطار القانون الجنائي او الجمركي فانها تسعى في حقيقتها الى تحقيق اهداف الزجر والعقاب لان اصل في التدابير انها عقوبة والواقع انه ليس هناك فاصل حقيقي بين العقوبة و التدبير فالاولى فان كانت ترجع الى الوراء لمواجهة جريمة حصلت في الماضي و الثاني الذي يحتاط لما يمكن ان يقع في المستقبل من جرائم فان كليهما يؤديان الى وظيفة رئيسية وهي الزجر ومن خلال ما سبق يبدو ان التدابير الاحتياطية سوف تساعد على تنفيذ اهداف القانون الجمركي الى جانب العقوبات الاخرى اذا الى أي حد استطاعت التدابير الاحتياطية الجمركية التوفيق بين مصلحتين متعارضتين ، حماية الاقتصاد الوطني من جهة ومن جهة اخرى كفالة حقوق وحريات الافراد؟
لمعالجة هذه الاشكالية فاننا سنقسم الموضوع الى مبحثين 
التدابير الوقائية الشخصية في المادة الجمركية (المبحث الاول)
التدابير الوقائية العينية في المادة الجمركية (المبحث الثاني)

المبحث الأول: التدابير الوقائية الشخصية في المادة الجمركية


أناط المشرع للإدارة الجمركية حماية الاقتصاد الوطني عن طريق مكافحة التهريب وتحصيل الرسوم، وبالتالي وضع بين يديها في سبيل ذلك مجموعة من الإجراءات التحفيظية لضمان استيفاء حقها من المخالف بعد حسم النزاع وهي التدابير الوقائية وتنقسم هذه الأخيرة من حيث موضوعها إلى عينية وأخرى شخصية ونكون بصدد هذه الأخيرة إذا كان المحل الذي يقع عليه التدبير يتعلق بالشخص الجاني[1] .
والتدابير الوقائية الشخصية في الميدان الجمركي منها ما هو متعلق بسحب الرخص (المطلب الأول) وبعضها الآخر مرتبط لمنع من الاستفادة من الامتيازات الجمركية والاستفادة منها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التدابيرالوقائيةالشخصية المتعلقة بسحب الرخص الجمركية

من أجل تعبيد الطريق أمام المقاولات المغربية والأجنبية وتوفير جو تسوده الثقة عمل المشرع المغربي على إحداث آليات قانونية كفيلة بتحقيق أهدافها التنموية الاقتصادية والاجتماعية وتتجلى في سحب رخصه قبول المعشر في الجمرك أو الإذن في الاستخلاص الجمركي(الفقرة الأولى) وسحب رخصة استغلال مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: سحب رخصة قبول المعشر في الجمرك أو الإذن في الاستخلاص الجمركي

تفرض ممارسة مهنة المعشر في الجمرك مجموعة من الالتزامات على عاتق صاحب الرخصة[2]، وهذه الالتزامات تؤيدها جزاءات إدارية أو جنائية على اعتبار أن رخصة قبول المشرع تمنح هنا طرف الإدارة لذلك لها الحق في إصدار عقوبات إدارية في حالة التقصير في ممارسة المهنة، حسب القواعد القانونية والأعراف المنظمة لها وبالتالي المقولة هنا تكتسي طابعا إداريا.
ومن أبرز الحالات المستوفية لسحب رخصة قبول المعشر في الجمرك هي إدخاله بقواعد ممارسة مهنة المعشر. وكذا حالة ثبوت مخالفات مرتبطة بممارسة المهنة أو المهام تستوجب تطبيقا عقوبات حبسية.
ففي الحالة الأولى نجد أن ممارسة مهنة المعشر في الجمرك تخضع لمجموعة من الضوابط تضمنها مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة، فلممارسة مهنة التعشير بعد الحصول على الرخصة من طرف الإدارة يجب على المعشر المقبول أن يثبت تقييده في جدول الضرائب التجارية وكذلك القيد في السجل التجاري أو أن يثبت المساعي المبذولة في سبيل هذا القيد.
وكما يتوجب عليه أثناء مزاولته للمهنة أن يقوم بتسجيل مختلف العمليات الجمركية التي يقوم بها لفائدة الغير في سجلات يلتزم بالاحتفاظ بها لمدة معينة[3].
بالإضافة إلى ذلك يلتزم المعشر أ ن يحصل على رخصة قبول كمعشر ويجب أن يحصل عليها كشخص يقوم بعمليات جمركية لصالحه.
وفي حالة ما إذا كان المعشر المقبول حديثا يتوجب عليته هنا أن يودع ويسجل لدى الجمرك 50 تصريحا على الأقل، وإلا فما جدوى الحصول عليها دون استغلالها[4].
كما يقع على عاتق المعشر الالتزام بأداء الاشتراك السنوي، أما في الحالة الثانية أي حالة ثبوت مخالفات مرتبطة بممارسة المهنة، فيساءل فيها المعشر وتصدر في حقه عقوبة حبسية من طرف القضاء، تلك الأفعال التي تشكل منها جمركية من الطبقة الأولى دون المخالفات بجميع طبقاتها[5].
فعلى سبيل المثال قد يعمد المعشر بتواطؤ مع موكله إلى تعديل أو استيراد بضائع محظورة بواسطة تصريح غير مطابق، أو غير صحيح[6]، وأحيانا كثيرة يتم تطبيق سحب الرخصة بشكل مزدوج عند ما ترتكب جنحة جمركية من طرف شخص يزاول هذه المهنة لحساب الشخص المعنوي، فإنه فضلا عن قرار السحب ضده يمكن أن يتابع الشخص المعنوي نفسه وتفرض عليه العقوبات المالية وتسحب منه رخصة التعشير أو الإذن في الاستخلاص الجمركي طبقا للفصل 227 من م.ج.ض.غ.م.
وعلى أساس ما سبق يتضح أن المعشر محاضر من جهتين جهة القضاء وإن أفلت تواجهه الإدارة بقرار السحب فعندها يكون الأمر متعلقا بحكم أو قرار قضائي، فإن الطعن فيه لا يكون إلا طبقا للقواعد العامة للطعن أمام المحكمة المصدرة للحكم أو القرار، أما إذا سحبت الرخصة بقرار صادر من إدارة الجمارك، فإن المعشر يبقى له الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري بدعوى الإلغاء.
هذا فيما يتعلق بالحالات المستوجبة لسحب الرخصة، أما عن كيفية السحب، فإن هذه المهام موكولة إلى القاضي الذي يمكنه أن يصرح في الحكم الصادر بالإدانة سحب هذه الرخصة وكذا الوزير المكلف بالمالية أيضا، فالمشرع أعطى له صلاحية سحبها من خلال مدونة الجمارك، حيث أن هذا الأمر يمكنه أن يوقف معشرا عن مزاولة مهامه لمدة لا يمكن أن تتعدى شهرين وفي المقابل قيده المشرع باتخاذ مقرر السحب أو الإبقاء على الرخصة قبل انصرام هذا الأجل لأنه في حالة عدم صدور هذا القرار، يصبح تدبير التوقيف باطلا، و بالتالي يمكن للمعشر أن يعود لمزاولة مهنته. ويمكن القول أن المشرع المغربي قد أحاط تطبيق هذا الجزاء بمسطرة خاصة وبعدة ضمانات تعزز موقف هذا الأخير في مواجهة الإدارة وما ليس أهم تلك الضمانات هي إمكانية استعانة المعشر المهني بمقترح السحب بمحام يؤازره للدفاع عن نفسه عند متوله أمام اللجنة الاستشارية.
كما يمكنه الطعن في قرار إدارة الجمارك وأن يستند في طعنه إلى عدم مشروعية القرار[7].
وفي الأخير يمكن القول أن كل التدابير الاحتياطية الشخصية المنصوص عليها في 220 من م.ج.ض.غ.م عند ما تتخذ بقرار صادر عن إدارة الجمارك فإنها تكون عبارة عن عقوبات إدارية يحق الطعن فيها أمام القضاء الإداري كلها كانت مشوبة بالتجاوز في استعمال السلطة، وهذا الأمر ينسجم مع ما جاء به الدستور الجديد[8].

الفقرة الثانية: سحب رخصة استغلال المخازن وساحات الاستخلاص الجمركي

إن مخازن ومساحات الاستخلاص الجمركي تساعد حسب الفصل 62 – 1 من مدونة الجمارك عند الاستيراد أو التصدير  على الإيداع في المستودع الجمركي للبضائع المسوقة إلى الجمرك وتخضع للمراقبة الدائمة للإدارة ويتوقف إحداثها أو تسييرها حب الفصل 61-1 من مدونة الجمارك على صدور قرار بتحويل الامتياز يصدره وزير المالية بعد استشارة وزير التجارة[9].
وإن كانت المخازن والساحات يتم إحداثها وتسييرها عبر استصدار ترخيص من الجمارك التي توافق بموجبه على مكان الإنشاء فإن لها الحق أن تسحب هذا الترخيص عند ما ترتكب أفعال توجب تطبيق عقوبات وتدابير احتياطية عند الاقتضاء، لأن المستغل عليه أن ينضبط للأوامر والنواهي التي نص عليها المشرع الجمركي، فإنه في حالة خرقها وعدم احترامها يستحق هذا الأخير العقوبات المقررة قانونا.
ويؤمر بفرض هذا التدبير عند ارتكاب مخالفة جمركية المتمثلة في حالة إساءة استعمال هذه المخازن والساحات الجمركية بارتكاب الجرائم المنصوص عليها في الفصول التالية:
-   الفصل 279 / 2 المكرر مرتين من مدونة الجمارك وجود مخدرات أو المواد المخدرة في مستودع أو مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي.
-   الفصل 281/9 من نفس وجود بضائع في مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي الواقعة خارج الحاضر الجمركية للموانئ والمطارات، والتي تقضي من هذه المخازن والساحات الجمركية طبقا لأحكام الفقرة 3 من الفصل 62 من مدونة الجمارك.
-   عدم تقديم البضائع الموضوعة بمخازن وساحات الاستخلاص الجمركي بمجرد ما يطلب ذلك أعوان الإدارة وكذا البضائع المقدم بشأنها التصريح الموجز.
ويعد هذا التدبير تطبيق من تطبيقات المنع من مزاولة مهنة أو نشاط المنصوص عليه في الفقرة 8 من الفصل 61 من ق.ج.
كما أنه وبالنسبة كمستغل المخازن وساحات الاستخلاص الجمركي سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا فإن رخصة الاستغلال تسحب حياديا عن الحالات التي أوردناها أعلاه عند ما ترتكب جرائم نص عليها القانون الجنائي لأن الفصل 220 من م.ج.ض.غ.م لا يسعفنا في تحديد الحالات التي يمكن على أساسها تطبيق هذه العقوبة أو ما أسماه المشرع بالتدابير الوقائية الشخصية[10]
وفي الأخير تجدر الإشارة أن سحب الرخصة يتم إما بقرار قضائي أو إداري كما هو الشأن بالنسبة لكافة التدابير الوقائية الشخصية وفي حالة صدور قرار بهذا التدبير فإن المعني بالأمر يمكن أن يطعن لدى انقضاء الإداري ما لم يكن قرار السحب هذا ناتج عن مقتضيات الصلح المبرم بين إدارة الجمارك والمخالف للقوانين والأنظمة الجمركية[11].

المطلب الثاني: التدابير الوقائية الشخصية المرتبطة بالحرمان من امتيازات جمركية

يهدف القانون الجمركي بالدرجة الأولى إلى خدمة وتنشيط الاقتصاد وذل من خلال منحه امتيازات تمكن الفاعلين الاقتصاديين والمعشرون بالجمرك من الاستفادة من الأنظمة المعلوماتية للإدارة كما تسمح لهم بالدخول إلى مكاتبها لإجراء كل ما تتطلب العمليات الجمركية والتي تعتبر تجسيداه للثقة التي تضعها الإدارة في هؤلاء المستفيدين وفي حالة الإخلال بهذه الثقة تضع جزاءات متمثلة في المنع من الدخول إلى بعض الأماكن الخاضعة لحراسة الجمرك واستخدام النضم المعلوماتية (الفقرة الأولى)، وكذا الحرمان من الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية الخاصة بالجمارك (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: المنع من الدخول إلى بعض الأماكن الخاضعة لحراسة الجمرك واستخدام النظم المعلوماتية

تعتبر مخازن وساحات الاستخلاص الجمركي فضاءات لخزن البضائع عند الاستيراد أو التصدير بهدف تعشيرها ويمكن إنشاؤها داخل أو خارج الموانئ والمطارات مادامت خاضعة للمراقبة الدائمة من طرف أعوان إدارة الجمارك. ويمكن لكل شخص ما دي أم معنوي استغلال هذا النظام شريطة استيفاءه لبعض الشروط.
لكن اليوم وفي ظل مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة أضحى من الممكن أن يتم منع الشخص من الدخول إلى الأماكن التي تتواجد بها الجمرك أو المخازن لإيداع السلع سواء كانت مخازن عمومية أم خصوصية، ويمنع أيضا من دخول الساحات التي تجري فيها عمليات الاستخلاص الجمركي.
وبالتالي فيعتبر هذا التدبير خطير جدا حيث يشل الشخص الصادر في حقه هذا الجزاء على اعتبار أن منعه من دخول هذه الأماكن يحرمه من إمكانية تعشير البضائع المقدمة للتصدير أو المستوردة إن كان من الفاعلين الاقتصاديين أو أي  نشاط آخر مرتبط بهذه الأماكن كالإيداع ونقل البضائع.
وما يجب الإشارة إليه أن هذا التدبير غالبا ما يتخذ ضد شخص اعتاد القيام بالجرائم الجمركية كأن يكون محترفا للتهريب الجمركي حيث يتم منعه من الدخول إلى المكاتب والمخازن وساحات الاستخلاص الجمركي.
وهذا المنح لا يشمل كل دائرة الجمرك بل فقط المكاتب والمخازن والساحات الخاضعة للحراسة وإدارة الجمارك هي منطقة الحراسة التي تكون الإدارة على طول الحدود البرية والبحرية المشكلة للتراب الخاضع[12].
كما يمكن القول أن هذا التدبير الوقائي ما هو في حقيقته إلا تجسيد للفصل 71 من القانون الجنائي الذي يقضي ب «المنع من الإقامة ومنع المحكوم عليه من أن يحل بأماكن معينة ولمدة محددة إذا اعتبرت المحكمة نظرا لطبيعة الفعل المرتكب أو لشخصية فاعلية أو لظروف أخرى أن إقامة المحكوم عليه بالأماكن المشار إليها يكون خطرا على النظام العام أو على أمن الأشخاص».
كما حدد نفس المشرع نطاق تطبيق هذا التدبير على الجنايات وحدها كقاعدة، لكن القانون الجمركي لا يتضمن جنايات وفي حالة مخالفة هذا المنع فإن الفاعل يعاقب طبقا للفصل 319 من ق.ج الذي يعاقب كل من خرق المنع من الإقامة بالحبس هذا كتدبير مقيد للحرية أم عن المنع من استخدام النظم المعلوماتية للإدارة كتدبير مانع للحقوق. فقد كان هدف المشرع من خلاله حماية النظام المعلوماتية الخاص بالإدارة خصوصا مع ظهور ما يسمى بالإجرام المعلوماتي، وذلك بتنصيصه على الجزاء الممكن اتخاذه في حق الشخص الذي يخل بالثقة التي منحتها إياه الإدارة في استخدام النظام، وذلك بمنعه من استخدامه مجددا عند ارتكاب جنحة، أو مخالفة جمركية أو جرائم القانون الجنائي.
وهذا الجزاء أدخل بمناسبة الإصلاح الذي عرفته م.ج.ض.غ.م بموجب ظهير 5 يونيو 2000 حيث أدرج المشرع ضمن  التدابير الوقائية الشخصية في البندن 5 في الفصل 220.
وتجدر الإشارة أن مدونة الجمارك لم تحدد حالات معينة تستوجب تطبيق مثل هذا الجزاء كما فعل المشرع الجنائي و يمكن فقط العثور على إشارة نتيجة في الفصل 281 في البند 7[13].
وعموما فإن المنع من استخدام النظام المعلوماتي للإدارة قد يصدر عن القضاء بمناسبة نظره في الدعوى المعروضة عليه بخصوص جنح الطبقة الثانية كما قد يصدر عن إدارة الجمارك وغالبا ما تتخذه الأخيرة كرد فعل عن سوء استغلال واستخدام هذا النظام[14] من ستة أشهر إلى سنتين.
وكملاحظة إذا عدنا إلى الفصل 72 من ق.ج من الفقرة الثانية يقرر استثناء يتعلق بإمكانية الحكم بالمنع من الإقامة عند ما يصدر في حق المتهم عقوبة الحبس من أجل جنحة شريطة أن يكون النص المعاقب عليها يقرر مثل هذا التدبير.
وإن كان أمام جنح فالقانون الجمركي يقضي بالحكم بثلاث سنوات كحد أقصى إضافة إلى الحبس بالمنع من الإقامة بالدائرة الجمركية يقرره الفصل 220 من م.ج.ض.غ.م تماشيا مع ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 72 من ق.ج.
والتساؤل يطرح نفسه بالنسبة للمخالفات الجمركية ذلك أن الفصل 220 من م.ج.ض.غ.م يجيز تطبيق هذا التدبير حتى في حالة ارتكاب مخالفات خروجا عن المبادئ الراسخة في القانون الجنائي[15].
وأخيرا يمكن القول أن المنع من دخول المخازن وساحات الاستخلاص الجمركي قد تختلف مدته حسب خطورة الفصل، فعند ما يتخذ هذا التدبير المفيد للحرية بحكم أو قرار قضائي فإن المحكوم عليه لا يستطيع أن ينازع بالطعن في الحكم أو القرار، عكس إذا كان القرار اتخذ من قبل إدارة الجمارك، فنا على المعني بالأمر اللجوء إلى القضاء الإداري رافضا دعوى الإلغاء[16].

الفقرة الثانية: الحرمان من الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية الخاصة بالجمارك

لطالما عمل المشرع المغربي على مواكبة المستجدات الاقتصادية الوطنية والدولية، الأمر الذي دفعه إلى إحداث الأنظمة الاقتصادية الجمركية والتي هي في حقيقتها عبارة عن امتيازات تمنح للمصدرين والمستوردين طبقا للشروط المعنية.
وقد سميت بالأنظمة الاقتصادية لأن الهدف من وضعها هو الرفع من المستوى الاقتصادي الوطني من خلال ميكانيزمات التصدير والاستيراد حيث تخضع البضائع المستفيدة من هذه الأنظمة لضمان سند للإعفاء مقابل كفالة لضمان تنفيذ المتعاملين مع الإدارة بالالتزامات ولضمان حقوق الإدارة الموقف أداؤها[17].
لذلك قضى المشرع بإمكانية أن يحرم الشخص من الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية الخاصة بالجمارك، كما حدد الحالات المستوجبة للحرمان من الاستفادة من هذه الأنظمة في عدة فصول تتحدد على عدة مستويات.
فبالنسبة للمخالفات من الدرجة الأولى اعتبر الفصل 285 من م.ج.ض.غ.م أنه من بين المخالفات التي تجسد نفس الدرجة أو القبول المؤقت لتحسين الصنع الفعال أو القبول المؤقت أو العبور أو التحويل تحت مراقبة الجمرك.
الإضافة إلى ذلك يمكن أن يحرم الشخص من الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية الخاصة بالجمارك عند ما يرتكب أفعالا تشكل مخالفات من الطبقة الثانية وتتجلى بالخصوص في تحويل البضائع من مستودع إلى آخر ومناولة تلك البضائع لشخص غير المستفيد بدون أن يحصل على إذن من الإدارة بشأن آخر مناولة وكذا حالة عدم القيام بالتصدير أو الإيداع في المستودع داخل الآجال فيما يخص البضائع أو الأشياء أو الأدوات أو المنتجات الموضوعة وفق نظام المستودع.
كما يتم هذا الحرمان عند ارتكاب مخالفة من الدرجة الرابعة والمتعلقة بعدم التنفيذ الكلي أو الجزئي للالتزامات المتعهد بها في مستند جمركي[18].
دون أن نفضل المرتكب لجرائم القانون الجنائي الذي يمكن حرمانه من الاستفادة من هذه الأنظمة.
وبالنسبة لإصدار قرار الحرمان من الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية، فباعتبار أن إدارة الجمارك هي التي لها سلطة منح هذه الاستفادة. فهي من تستأثر باتخاذ الحرمان، ويجب أن يكون هذ القرار معللا طبقا للقانون 03.01 والقاضي بوجوب تعليل القرارات الصادرة عن الإدارات والمؤسسات العمومية[19].
وفي الأخير يمكن القول أن قرار الحرمان من الاستفادة من الأنظمة الاقتصادية هو وسيلة لا تخلو من الشر حيث أن الإفراط في استعماله يؤدي إلى ضياع الكثير على الاقتصاد الوطني فسلبياته أكثر من إيجابياته. ويبدو ذلك واضحا عند ما أعطى المشرع صلاحية توقيعه لإدارة الجمارك إذ أن الجهة الوحيدة الكفيلة في إقامة العدالة وتوضيح الحقيقة هي القضاء.

المبحث الثاني: التدابير الوقائية العينية في المادة الجمركية 


اقر المشرع الى جانب التدابير الوقائية الشخصية صنفا اخر من التدابير الوقائية العينية،وهي التي تتعلق بالاشياء المرتبطة بالجريمة ولا تتناول شخص المحكوم عليه وتنفذ مفاعيلها منذ انبرام الحكم
 فعلى مستوى القانون الجنائي فقد اقر المشرع تدبيرين عينين من خلال الفصل 62 من القانون الجنائي[20]
على مستوى القانون الجمركي نجد انه من خلال بعض نصوصه يبدو وكانه قد اعتمد فعلا على نظام التدابير الوقائية العينية ،وهناك بعض القوانين ذات الصلة وثيقة بالمجال الجمركي تضمنت بعض نصوصها مثل هذه التدابير ، ونخص بالذكر هنا قانون حماية المؤلف والحقوق المجاورة لسنة 2000[21] الذي اوجب تطبيق التدابير الوقائية العينية عندما يرتكب فعل يشكل اعتداء على حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة.
ونفس الاتجاه ذهب فيه قانون الملكية الصناعية ، وقد جاء هذا الامر في اطار محاولة المشرع المغربي اشراك ادارة الجمارك كمساهم في التنمية الاقتصادية عبر تكتيف المراقبة على حركة السلع و الاماكن التي تتواجد بها.
فبرغم ان المشرع الجمركي لم يتحدث بشكل واضح عن التدابير الاحتياطية العينية كما فعل بالنسبة للتدابير الاحتياطية الشخصية في الفصل 220 م . ج . ض . غ . م ، الا انه يمكن القول ان المشرع احذ بنظام التدابير الاحتياطية العينية في مدونة الجمارك المتجلية في كل من المصادرة (المطلب الاول) والاغلاق (المطلب الثاني)

المطلب الاول: المصادرة 

عرفها فقهاء القانون الوضعي انها نزع ملكية المال جبرا على مالكه واضافته الى ملك الدولة بغير مقابل.
وعلى مستوى التشريعات الجنائية ، فقانون العقوبات المصري لم يعرفها ولكن تعرض لها في المادة 30[22] اما المشرع الفرنسي فقد اكتفى بالتنصيص عليها ضمن العقوبات التكميلية في المادة 10 . 131 من قانون الجنائي الفرنسي.
لكن المشرع الجنائي الوطني وعلى غير عادته اقدم على تعريف المصادرة في الفصل 42 من المجموعة الجنائية لسنة 1962 بكونها تملك الدولة جزءا من اموال المحكوم عليه او بعض املاكه معينة
وقد صنفها ضمن العقوبات الاضافية المنصوص عليها في النبذة الخامسة من الفصل 62 على ان التدابير الوقائية العينية هي 
مصادرة الاشياء التي لها علاقة بالجريمة او الاشياء الضارة او الخطيرة او المحظورة امتلاكها.-1
وعلى مستوى الاتفاقيات الدولية نصت الفقرة (و) من اتفاقية الامن المتحدة المتعلقة بمكافحة الاتجارالغير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية على انه "يقصد بتعبير المصادرة الذي يشمل التجريد عند الاقتضاء ، الحرمان الدائم من الاموال بامر من محكمة او سلطة مختصة اخرى
بالرجوع الى القانون الجنائي المغربي فان المصادرة كعقوبة اضافية تمس فقط جزءا من اموال مملوكة للمحكوم عليه وتسوجب حتما صدورحكم بالادانة في حق المتهم بينما المصادرة المنصوص عليها في الفصل 62 من نفس القانون لا تستوجب ان يكون محل المصادرة  مملوكة للمتهم بل يكفي فقط ان تكون الاشياء المصادرة لها علاقة بالجريمة او انما اشياء ضارة او خطيرة يحظر امتلاكها ، وهكذا تكون المصادرة تدبير وقائي يحكم لها حق لو لم يصدر حكم بالادانة على المتهم وهذا الامر يؤكده الفصل 89 من القانون الجنائي.[23]
طابع التعويض المدني عندما تنصب على :يلاحظ ان المشرع الجمركي اصبغ على المصادرة طابعين 
بضائع غير محظورة  ، وطابع التدبير الاحتياطي عندما يهم الامر بضائع محظورة ، فهل اراد المشرع بهذه المصادرة الاخيرة " تدبير احتياطي" ما اراده بتلك المصادرة المنصوص عليها في كل من الفصل 62 و 89 من ق . ج او تختلف عنها ؟
لمحاولة الاجابة على هذا التساؤول سوف ندرس المصادرة في شقها الموضوعي " الفقرة الاولى" والاجرائي " الفقرة الثانية"

الفقرة الاولى: الخصوصيات الموضوعية المصادرة 

تاخذ العديد من التشريعات العقابية بالمصادرة لكنها تختلف في طبيعتها القانونية ، فهناك من التشريعات ما تنص عليها عقوبة وهناك ما ينص عليها كتدبير وقائي ، وهناك ما يجمع بينهما ، بل ويمكن الحكم بها كتعويض الى جانب كونها تدبيرا احتياطيا ، وهذا الخيار هو الذي تتبناه المشرع المغربي[24]

اولا: تحديد المصادرة بوصفها تدبيرا احتياطيا عينيا 

باستقراء الفصل 210 من . م . ج . من . م لا يفي اي مجال للقول بان المصادرة عقوبة او تعويض بل هي تدبير احتياطي خصوصا وان المشرع حدد من خلال هذا الفصل طبيعة المصادرة عندما تقع على الاشياء المحظورة تعد حيازتها في ذاتها جريمة ، كان يتعلق الامر ببضائع مضرة بالصحة العامة وتلك المخلة بالاخلاق الحميدة والامن العام.
فالمصادرة بهذا الشكل الواردة في الشق الاول من الفصل 210 اعلاه تنسجم الى حد ما مع القواعد العامة للقانون الجنائي.
مما سبق يتضح ان المصادرة الجمركية عندمات تتخذ صبغة التدبير الاحتياطي انما تكون منصبة على بضائع محظورة التي حددها الفصل 23 من نفس القانون وحدد استثناء بشانها.[25]
فاذا كان شخص مرخص له باستراد مواد مخدرة لاستعمالها لاغراض طبية انداك تعتبر بضائع غير محظورة بالنسبة له وباعتبارها بضائع حسب مدلول الفصل الاول من المدونة فانها تخضع لاجبارية التصريح المنصوص عليها في الفصل 65 من م.ج.ض.غ.م

ثانيا:  شروط المصادرة

الحكم بها يرتبط بصدور عقوبة اصلية
تهدف المصادرة الى سحب الشيئ الخطر من التداول اودفع ضرره خصوصا وان المسالة هنا تتعلق باشياء يحضر حيازتها ، فعندما تكون الدعوى معروضة امام محكمة الموضوع والمتعلقة باحد الافعال التي تكون  خرقا للقوانين والانظمة الجمركية ومنها مثلا محاولة قاصر تقل سنه عن 18 سنة عبر الحاجز الجمركي حاملا كمية من المخدرات ، فانه والحالة هذه لا يمكن ان تطبق في حق القاصر الا المصادرات والغرامات طبقا للفصل 228 من م . ج . ض . غ . م بل ان المحكمة قد لا تنطق باية عقوبة ورغم ذالك يكون لازما بل من الواجب مصادرة تلك المواد.
وتبعا لذالك ، فان الحكم بالمصادرة كتدبير وقائي عيني طبقا للفصل 89 من ق . ج[26] لا يتوقف على صدور حكم بالادانة.
- لا يشترط ان تكون الاشياء ملكا للمتهم.
القانون الجنائي والقانون الجمركي لا يعبران اي اهتمام لشخصية حائز البضائع المحظورة التي سوف يقع مصادرتها ، ايا كان الحائز سواء شخص معنوي او طبيعي وبغض النظر عن  مالكها ما اذا كان شخصا اجنبيا عن الغش او ان هذه البضاعة لشخص مجهول حيث تطلب الادارة مصادرتها عبر ملتمس من المحكمة بذالك طبقا للفصل 259 م .ج. ض . غ .ح .
وان الاستثناء الوحيد الذي اورده المشرع على هذه القاعدة يتعلق فقط بالمصادرة المنصبة على البضائع المستعملة لانفاء البضائع المثبت الغش بشانها ، حيث يستطيع مالك هذه البضاعة البضاعة ان يثبت كونه شخصا اجنبيا عن الغش ، ونفس الامر يقال بالنسبة لوسائل النقل المستخدمة في ارتكاب جنح او المخالفات جمركية حيث بامكان مالك وسيلة النقل هذه ان يثبت حسن نيته ، بان المكلف بالسياقة هو من قام بهذا العمل بدون اذن وقد تصرف خارج اطار الوظائف الموكولة اليه لكي يدرا عن الخسارة التي قد تحدق به جراء المصادرة .[27]

الفقرة الثانية: الخصوصيات الاجرائية للمصادرة

ان الوصول الى المصادرة لا يمكن ان يتم ان لم يسابقها اتخاذ اجراءات معينة من طرف جهات المحددة ، وهو ما يعبر عنه بتنفيذ مصادرة والذي يتم في مجال الجمركي بطريقةحجز البضائع ووسائل النقل التي يتم ضبطها اثر ارتكاب مخالفات للتشريع الجمركي.
فالاشخاص اللذين لهم ان يباشروا هذه الاجراءات ينقسمون الى فئتين 

الفئة الاولى: اعوان الادارة الجمارك

ضباط الشرطة القضائية والاعوان محرري المحاضر التابعين للقوة العمومية.: الفئة الثانية
وتجب الاشارة هنا الى ان ما نص عليه  القانون بخصوص الاشخاص الذين يحق لهم تحرير المحاضر في هذا الصدد يكون لهم تبعا لذالك الحق في حجزالبضائع ووسائل النقل لان ذالك يدخل ضمن سلطاتهم.
اذ يمك لجميع اعوان ان يقوموا باجراءات حجز البضائع ووسائل النقل وتفتيش المساكن طبقا للفصل 37 من م . ج . ض . غ . م غير انه في يتعلق بوضع اشخاص رهن اشارتهم فلا يمكن اعوان الادارة العاديين القيام بذالك نظرا لخطورة الاجراء على حرية الافراد وخول المشرع القيام به حصرا لماموري الادارة الذين لا تقل درجتهم عن مفتشي اقليمي و الامرون بالصرف الذين يمكنهم ولحاجات البحث التمهيدي ان يحتفظوا رهن اشارتهم بشخص او بعدة اشخاص يرتابون في ارتكابهم لجنح جمركية او مشاركتهم فيها وذالك طبقا لشروط المنصوص عليها في ق . م . ج .
اما بالنسبة لاجراءات الحجز والذي يعتبر مقدمة نحو مصادرات جسم الجريمة والذي حدد له المشرع مسطرته الخاصة.
يقوم هذا اسلوب على وضع اليد على جسم الجنحة الذي يكون المنحى المادي والمباشر للمخالفة الجمركية ، وقد اجاز القانون لاعوان الجمارك ان يحجزوا في كل مكان جميع الاشياء القابلة للمصادرة ويمر الحجز باجرائين اساسيين هما

المعاينة

خول الفصل 38 من م . ج . ض . غ . م اعوان ادارة الجمارك حق معاينة البضائع ووسائل النقل وتفتيش اشخاص وكذا المساكن وغالبا ما تتم المعاينة بالمكاتب الجمركية الا انه احيانا يتطلب الامر الانتقال تبعا لمعلومات او اشارات الى اماكن معينة لاكتشاف الغش.
كما اخضع المشرع كل البضائع لتصريح اجباري عند استراد او تصدير حسب ما يقضي به الفصل 65 من م . ج . ض غ . ح . فان ذالك سيتتبع الفحص المادي لهذه التصاريح و للبضائع المد كورة بها لتحقق من مدى حقيقة ماهو مذكور في التصريح مع واقع البضاعة او وسيلة النقل ولاعوان الجمارك الحق في تفتيش كل البضائع والاشخاص الذين قد يشتبه اعوان ادارة الجمارك في احوالهم ومن تم يخضعون للتفتيش لازالة الشكوك حولهم.
وتجدر الاشارة ان الاشخاص الذين يرفضون الخضوع للفحص الطبي الدي طلبه اعوان الادارة فانه لا يمكن لهؤلاء ارغامه على ذالك الا بحصول على ترخيص من لدن القضاء بطلب من الادارة.

ايقاع الحجز

تعد عملية الحجز هي نواة المحضر وجوهر الدعوى التي سوف يتم تحريكها من طرف النيابة العامة او ادارة الجمارك حسب الاحوال المنصوص عليها في م . ج . ض . ع . م الفصل (249)

ان تخضع البضائع ووسائل النقل المحجوزة وجوبا لاحد الاجراءين 
قيام الاعوان محرري المحاضر المنجزين لهذا الحجز باقتيادها الا مكتب او مركز جمركي الاقرب لمكان الحجز.
السماح للضنين او شخص اخر بحراستها بتعهد منه وذالك في مكان الحجز او في مكان اخر كمستودع عمومي او محل مهني بعد تحرير محضر بذالك على ان يتكفل هذا الحاراس بحراستها وتقديمها عند اول طلب لاعوان الجمارك
*اما بالنسبة لاثار المصادرة
فانه عندما يتم مصادرة جسم الجريمة فان ادارة الجمارك لاتقف مكتوفة الايدي امام البضائع ووسائل النقل التي اتت عليها مصادرة ، وانما تعمد الى التصرف فيها ام تصرفا قانونيا وذالك بيعها او هبتها . ان كانت صالحة لذالك. او تصرفا ماديا باتلافها او اعدامها لانها لا تصلح للتصرف.

المطلب الثاني: الاغلاق

يعتبر الاغلاق احد المؤسسات التي استعارها المشرع الجمركي من القانون الجنائي.
قد تعرضت مدونة الجمارك لهذا التدبير الوقائي العيني في الفصل 305 من نفس المداونة ، ويهدف الى منع مرتكب لمخالفات معينة من مزاولة نفس النشاط في المحل او المصنع او مؤسسة مرتكب بها تلك الافعال وهو عكس الاغلاق في اطار المادة الجنائية الذي تعرضت لعدة انتقادات لان الاغلاق يسري على الجميع ويجعل الغير يتضرر منه ولو لم تكن له علاقة بالجريمة ، والشيء الذي يخفف من شدة النقل الموجه الى هذا التدبير انه تدبير او اجراء جوازي الزامي[28] وعليه ينقسم هذا المطلب الى فقرتين بحيث تتطرق اطار الموضوعي وذالك بالحديث عن ما هيته ومجال تطبيقه (الفقرة الاولى)
ثم الاطار الاجرائي لتحديد المسطرة الواجب اتباعها لتطبيق اغلاق والاثار التي يمكن ان تنجم عنه (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: الاطار الموضوعي للاغلاق

بالرجوع الى الفصل 305 من م . ج . ض . غ . م اكتفى بابراز الاسباب المؤدية الى تطبيق هذا التدبير ويرى البعض ان الغلق او الاغلاق يتمثل في المنع من استمرار استغلال المنشاة سواء كانت مكتب او محل تجاري اومصنع عندما يكون محلا او اداة افعال تشكل خطرا على النظام العام.
ويقصد كذالك بغلق المحل هنا ذالك المترتب على اقتراف الجريمة في المحل بفعل صاحبه او رضاه.
ويرى البعض الاخر ان الاغلاق كتدبير وقائي عيني هو عمل قضائي يقصد به منع المحكوم عليه من ممارسة ذات العمل الذي كان يمارس قبل انزال هذا التدبير ، وعدمال سماح له من استعانة مرة اخرى.
بظروف العمل في المحل وارتكاب جرائم جديدة وذالك عن طريق اقفال المحل
يلاحظ ان الاغلاق لا يطبق الا في حالة معينة نصت عليها المدونة على خلاف التدابير الاحتياطية الشخصية التي يمكن ان تطبق على اثر ارتكاب مخالفات او جنح جمركية او جرائم القانون الجنائي طبقا للفصل 220 من م . ج . ض . غ . م فان الاغلاق يطبق فقط في الجنح الجمركية من الطبقة الثانية طبقا لنص الفصل [29] 305 بحيث يتضح ان مجال الاغلاق واسع فيشمل الاخلالبالالتزامات المفروضة على المستوردين والمنتجين لبضائع خاضعة للممكوس الداخلية على الاستهلاك والزيادة من ذالك ان ظهير 9 اكتوبر 1977 المتعلق بتحديد المقادر المطبقة على البضائع والمصوغات المفروضة عليها ضريبة الاستهلاك الداخلي وكذا المقتضيات الخاصة لهذه البضائع والمصوغات ، جاء مجموعة من الواجبات يشكل الاخلال بها جنحا من الطبقة التانية تتيح في حالة قيامها ادارة الجمارك ان تطلب اغلاق المؤسسات او المصانع التي ارتكبت فيها تلك التجاوزات ، فالفصل 58 من هذا الظهير يحيل على المخلفات المنصوص عليها في الفصل 55 والذي بدوره يحيل على عدد كبير من الفصول في هذا القانون يعادل 25 فصلا كلها تتضمن واجبات يتعين احترامها وفي عند العكس يكون المخالف مرتكبا للجنحة الجمركية من الطبقة الثانية طبقا للفصل 280 من ن . ج . ض .غ . م الامر الذي يظهر مدى تنوع وتعددالحالات التي يمكن  على اثرها تطبيق عقوبة الاغلاق.

الفقرة الثاني: الاجراءات المسطرية للاغلاق

اعطى المشرع المغربي ادارة الجمارك والقضاء صلاحية تطبيق التدابير الشخصية من خلال الفصل 220 من م . ج . ض . غ . م لكن بالنسبة للاغلاق كتدبير عيني فقد اعتبر المشرع تطبيقه لا يمكن ان يتم الابطلب من ادارة الجمارك موجه الا الجهة القضائية المختصة و المنعقدة في شكل محكمة المستعجلات .
وهذا يعني ان المشرع له يعطي صلاحية تطبيق عقوبة الاغلاق ادارة وحدها و يتعين عليها ان تسلك الاجراء المنصوص عليه في الفصل 305.
باعتبار الاغلاق في  م . ج . ض . غ . م يامر به رئيس محكمة الابتدائية او الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف حسب الاحوال فانه يخضع للطعن بالاستئناف اذا كان النزاع معروض على المحكمة الابتدائية وبث رئيسها في طلب ادارة الجمارك باغلاق مؤقت او النهائي بوصفه قاضيا لامور المستعجلة.
فالفصل153 من ق . م . م يتيح امكانية الطعن في هذه الاوامرما عدا في الحالات التي يقرر فيها القانون خلاف ذلك و يفصل فيالاستئناف بصفة استعجالية رغم ان المشرع الجمركي كان مقتضبا في تنظيمه لعقوبة الاغلاق الا ان القواعد العامة تفرض نفسها لسد الفراغ في الفصل 90 من ق ج في فقرته الثانية والثالثة ينص على انه "ينتج عن الحكم باغلاق محل تجاري او صناعي او اي مؤسسة اخرى في الاحوال التي يحيز فيها القانون ذالك منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة او النشاط بذالك المحل ويشمل المنع افراد اسرة المحكوم عليه او غيرهم ممن يكون المحكوم عليه قد باع له المحل او اكراه له او سلمه اليه ، كما يسري المنع في حق الشخص المعنوي او الهيئة التي كان ينتمي اليها المحكوم عليه او كان يحمل لحسابها وقت ارتكاب الجريمة ومدة الاغلاق المؤقت لا يجوز ان تقل عن عشرة ايام لا تتجاوز ستتة اشهر ما لم ينص القانون على خلاف ذالك "
 فهذه العقربة تظهر وكانها عمياء لا تميز بين المذنب وغيره فيطال اثارها الجميع وهذا هو الوجه الخطير لهذه العقوبة فيتضرر منها اشخاص لا علاقة لهم بالجريمة حيادا عن مبدا شخصية العقوبة فتسري على من ثم تفويت المحل له او اكرائه بعد وقوع المخالفة"[30] وعموما فهذه التدابير العينية هي التي تتعلق بالاشياء المرتبطة بالجريمة ولا تناول الشخص المحكوم عليه ، والغاية من اللجوء اليها هي تجريد المجرم من الوسائل والامكانات المادية التي يستخدمها في ارتكاب الجريمة والاضرار بامن المجتمع بحيث يصبح بتجريده منها عاجزا عن احداث الضرر من امن وسلامة الدولة والمجتمع ككل[31]

خاتـمـة

وكتحصيل حاصل يمكن القول أن التدابير الوقائية في الميدان الجمركي تساهم إلى جانب العقوبات الأخرى على الحد من المخلفات المرتكبة في النطاق الجمركي.
لكن ما يجدر لفت الانتباه إليه أن التدبير العيني نادرا ما يتم اللجوء إليه حيث نجد المشرع يسند الاختصاص للنظر فيه إلى قاضي المستعجلات وهو ما لا يستسيغه المنطق القانوني.
كما أن نظام التدابير الاحتياطية في القانون الجمركي يستحق أن يعاد النظر فيه لكي تشكل إلى جانب العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون نظاما زجريا شبه كامل. وذلك بإدخال تعديلات تجعله منظما واضح على غرارها ما هو معمول له في القانون الجنائي بدل تركه مشتتا بين المدونة والقرارات والمراسيم.
وهذا التدبير هو في الحقيقة تطبيقا للفصل 71 من القانون الجنائي الذي ينص على أن «المنع من الإقامة ومنع المحكوم عليه من أن يحل بأماكن معينة ومدة محددة إذا اعتبرت المحكمة نظرا لطبيعة الفعل المرتكب أو لشخصية فاعلية أو لظروف أخرى أن إقامة المحكوم علهي بالأملاك المشار إليها يكون خطرا على النظام العام أو أمن الأشخاص[32].
وفي الأخير تبقى الإشارة إلى أن سحب الرخصة يتم إما بقرار إداري أو قضائي كما هو الشأن بالنسبة لكافة التدابير الوقائية الشخصية الجمركية وفي حالة صدور قرار بهذا التدبير فإن المهني بالأهل يمكن أن يطعن فيه لدى القضاء الإداري ما لم يكن قرار السحب هذا ناتج عن مقتضيات الصلح المبرم بين إدارة الجمارك والمخالف للقوانين والأنظمة الجمركية.

لائحة المراجع المعتمدة

-ايمان الخمليشي , الجرائم الجمركية على ضوء العمل القضائي " رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة السنة الجامعية 2013 – 2014
-فاطمة الزهراء مرون , خصوصية السياسة الجنائية الجمركية رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة السنة الجامعية 2012 -2013
-بلال الغربي , التدابير الاحتياطية في القانون الجمركية – بين وظفتي الوقاية والعقاب  رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة.
-العلاوي عثمان , "الحماية الجنائية في الجرائم الجمركية " دبلوم لنيل شهادة الماستر القانون الخاص بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة  السنة الجامعية 2012 
-عبد السلام بنحدو , الوجيز في القانون الجنائي المغربي المقدمة والنظرية العامة – مطبعة اسبارطيل طنجة 2009
-الحمداوي وديع – خصوصية العقرية في المنظومة الجمركية رسالة لنيل دبلوم الماستر بطنجة السنة الجامعية 2014 – 2013
رشيد اعبيله , التدابير وقائية الشخصية في التشريع الجنائي المغربي والمقارن ، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة  السنة الجامعية 2011 - 2012
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]- العداوي عثمان «الحماية الجنائية في الجرائم الجمركية»، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، السنة الجامعية: 2012/2013، ص 41.
[2]- المعشر هو الشخص المؤهل قانونا للقيام لفائدة الغير بالإجراءات الجمركية المتعلقة بتقديم تصريح مفصل بشأن البضائع لدى الجمرك ويمكن أن يكون شخصا طبيعيا أم معنويا
[3]- الفصل 16 و 18 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
[4]- الفصل 20 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
[5]- التدابير الاحتياطية في القانون الجنائي الجمركي بين الوقاية والعقاب – بلال الغربي - رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص،جامعة عبد المالك السعدي، طنجة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة: 2013، ص 12 وما بعدها.
[6]- الفقرة الأولى من الفصل 279 من م.ج.ض.غ.م وهنا تقوم المسؤولية الجنائية عن ارتكاب لجنة جمركية من الدرجة الأولى.
[7]- بلال الغربي، م س، ص 21.
[8]- الفصل 36 من الدستور «على السلطات العمومية الوقاية طبقا للقانون من كل أشكال الانحراف المرتبطة بنشاطات الإدارات والهيئات العمومية....... بعاقب القانون على الشخص ي استغلال النفوذ»
[9]- الحمداوي وديع، م س، ص 66.
[10]- الفقرة الأخيرة من الفصل 220 من م.ج.ض.غ.م «يمكن أن تتخذ هذه التدابير على إثر ارتكاب جنح أو مخالفات للتشريع الجمركي أو مخالفات للحق العام.....».
[11]- بلال الغربي، م س، ص 30.
[12]- الفصل 1 من م.ج.ض.غ.م «التراب الخاضع الجزء الأرضي من التراب الجمركي بما فيه الموانئ والفرضات والمسطحات العائمة – أوفاستو- وكذا الجرافات القصرية والتجهيزات المماثلة المتواجدة بالمياه الإقليمية وغيرها من المنشآت الواقعة بالمياه الإقليمية والمحددة بمرسوم باستثناء المناطق الحرة.
[13]- البند 7 من الفصل 281 «تشكل الجنح الجمركية من الطبقة الثانية.... كل مناورة تنجز بطرق معلوماتية أو إلكترونية ترمي إلى إتلاف واحد أو أكثر من المعلومات المختزنة في النظم المعلوماتية للإدارة، عند ما يكون الغرض من هذا الإتلاف هو التملص من رسم أو مكس أو الحصول بصفة غير قانونية على امتياز معين».
[14]- بلال الغربي، م س، ص 43.
[15]- الحمداوي وديع «خصوصيةالعقوبة في المنظومة الجمركية»،بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، طنجة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السنة الجامعية: 2013-2014، ص 63 وما بعدها
[16]-بلال الغربي، م س، ص 61.
[17]- الفصل 299/3 من م.ج.ض.غ.م
[18]- الفصل 87 من القانون الجنائي.
[19]- بلال الغربي، م س، ص 47 / الحمداوي وديع، م س، ص 65.
[20]بالرجوع للفصل المذكور نجد ينص التدابير الوقائية العينية هل-
محادة الاشياء التي لها علاقة بالجريمة او الاشياؤ الضارة او الخطيرة او المحظورامتلاكها-
اغلاق المحل او المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة.
[21]ضهير الشريف رقم 20.00.1 صادر في 15 فبراير 2000 بتنفيذ القانون رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الجريدة الرسمية عند 4796 بتاريخ 18 ماي 2000 ص 1112
[22] يجوز للقاضي اذا حكم بعقوبة جنائية او جنحة ان يحكم بمصادرة الاشياء التي استعملت او من شانها ان تستعمل فيه وهذا كله بدون اخلال
بحقوق الغير حسن النية ،واذا كانت الاشياء المذكورة من التي يعد صنعها او حيازتها او استعمالها او بيعها او عرضها للبيع جريمة في حد ذاته
وجب الحكم بالمصادرة في جميع الاحوال ولو لم تكن تلك الاشياء ملك للمتهم
[23] بلال الغربي ، التدابير الاحتياطية في الفانون الجمركي – بين وظيفتي الوقاية و العقاب- مرجع سابق ص 56 57 
[24] خصوصيات السياسة الجنائية الجمركية ، رسالة لنيل دبلوم الماستر القانون الخاص ، بجامعة عبد المالك السعدي :- فاطمة الزهراء مرون 
بطنجة السنة الجامعية 2012 - 2013
[25] الفصل 23 من م . ج . ض . م تعتبر مخظورة جميع البضاعة التي يكون استيرادها او تصديرها 
ممنوعات باي وجه من الوجود- ا
او خاضعا لقيود او لضوابط او التكييف او لاجراءات خاصة.- ب
بيد ان العاملين الاتيين يرفعان الحضر ويسمحان بانجاز عملية الاستراد والتصدير
الادلاء بسند قانوني كالرخصة او الاذن او الشهادة التي تاذن بالاستيراد او التصدير و المطبقة على –ا
البضائع المصرح بها
ب – مراعاة الضوابط التي تفرض قيودا على الاستيراد او التصدير بشان الجودة او التكييف او التي تفرض القيام بالاجراءات الخاصة المذكورة.
[26]- حسب الفصل 89 من القانون الجنائي " يؤمر بالمصادرة كتدبير وقائي بالنسبة للتداول والاشياء المحجوزة التي يكون صنعها او استعمالها او حملها او حيازتها او بيعها جريمة ولو كانت الادوات او الاشياء ملك الغير ، وحتى لو لم يصدر حكم بالادانة".
[27]- وقد كرس هذه المقتضيات المجلس الاعلى في قرار صادر تحت عدد 285/3 بتاريخ 31/01/2001 في الملف عدد 27489/6/99 فبعدما [27]
حكمت محكمة الاستناف شروط الفصل 212 و 280 من مدونة الجمارك سيتوجبان مصادرة وسيلة النقل المستعملة في التهريب ، واكد المجلس الاعلى في قرار اخر صادر عنه تحت عدد 1248/9 بتاريخ 2002 في الملف عدد 120478/2001 نفس الاتجاه ماخوذ من دبلوم لنيل شهادة الماستر جامعة عبد المالك السعدي ايما نالخمليشي ، الجوانب الجمركية على ضوء العمل القضائي السنة الجامعية 2013 – 2014 ص
[28]- عبد السلام بنحدو -   الوجيز في القانون الجنائي المغربي المقدمة و النظرية العامة -   مطبعة اسبارطيل 2009 – ص 220 [29]في حالة ارتكاب الافعال المنصوص عليها 4 من الفصل 281 اعلاه يمن ادارة بصرف انقار عن العقوبات المنصوص عليها في الفصل 280 
اعلاه ان تطلب من المحكمة المختصة المنعقدة في الشكل محكمة المستعجلات اغلاق مؤقت او النهائي للمعامل او المصالح او المؤسسات التي ارتكبت بها افعال المذكورة.
[30]- بلال الغربي ، مرجع سابق ص 80 – 82.
[31]- الحمداوي وديع ، مرجع سابق ، ص 69
[32] - الحمداوي وديع، «خصوصية العقوبة في المنظومة الجمركية»، بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، طنجة، السنة الجامعية: 2013/2014، ص 63 وما بعدها.

----> قد يهمك أيضا:

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات