القائمة الرئيسية

الصفحات

الالتزامات المرتبطة بصفة المتعاقد المهني

الالتزامات المرتبطة  بصفة المتعاقد المهني

الالتزامات المرتبطة  بصفة المتعاقد المهني
الالتزامات المرتبطة  بصفة المتعاقد المهني

مقدمة
عرفت الحياة القانونية مجموعة من التغييرات التي أثرت على العلاقات التعاقدية تسبب في ظهور فروقات بين الأطراف المتعاقدة  إما من الناحية القانونية او الاقتصادية او الاجتماعية، مما أدى بالمشرع لسن مجموعة من القوانين تنظم المهنيين القانونيين وعلاقاتهم بالمتعاملين معهم ،وذلك من أجل حماية الطرف الضعيف في هذه العلاقة وتدعيمه بمجموعة من الوسائل الوقائية، و إلقاء مجموعة من الالتزامات على عاتق الطرف الأقوى في هذه العلاقة، وتختلف هذه الالتزامات من حيث نوعيتها وطبيعتها حسب اختلاف نوعية المهنة.

فهدف المشرع من هذا التدخل هو تحقيق ذلك التوازن الذي أزالته الفوارق المتعلقة بالجانب الاقتصادي والقانوني ،لدلك سنتناول في هذا الموضوع بعض الالتزامات الملقاة على عاتق بعض المهنيين من أجل إعطاء توضيحات أكثر على هذه الالتزامات.
وتتجلى أهمية الموضوع في إعطاء لمحة على أهم التزامات بعض المهنيين المرتبطين بحياتنا اليومية بشكل كبير والمتمثلين في الموثقين والموردين  إلى جانب كل من المحامي والطبيب، فكل هؤلاء نظم المشرع مهنتهم بقوانين كقانون 32.09 المتعلق بالموثق وقانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك وقانون 28.08 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة.
إذن فإن إشكالية الموضوع تتجلى في مدا توفق  المشرع في حماية الطرف الضعيف في إطار التعاقدي المهني؟
وسوف نتبع في ها الموضوع المنهج التحليلي و الوصفي.
وسنتناول هذا الموضوع على الشكل التالي:
المبحث الأول: التزامات الموثق والمورد تجاه الزبناء؟
المبحث الثاني: التزامات الطبيب و المحامي تجاه الزبناء.

المبحث الأول: التزامات الموثق والمورد تجاه الزبناء؟


سنتناول في هذا البحث أهم الالتزامات الملقاة على عاتق الموثق كما تم إدراجها في قانون 32.09 وذلك في المطلب الأول أما في المطلب الثاني سنخصصه للالتزامات المورد حسب قانون 31.08.

المطلب الأول: التزامات الموثق.

يتحمل الموثق مجموعة من الالتزامات تؤطرها قاعدة سلوك كرسها المشرع في المادة الثانية من قانون 32.09[1] التي تنص بأنه: "يتقيد الموثق في سلوكه المهني بمبادئ الأمانة والنزاهة والتجرد والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة"[2] 
وأورد كذلك قانون 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق مجموعة من الالتزامات الأخرى الملقاة على عاتق الموثق أهمها.

 الفقرة الإولى :الالتزام بالنصح

ألزم المشرع المغربي الموثق قبل تحرير المحرر والتوقيع عليه أن يقوم بتقديم النصح والإرشاد لزبونه والطرف الآخر كذلك، حيث نجده سن في الفقرة الثانية من المادة 37 من قانون 32.09 "يجب على الموثق إسداء النصح للأطراف، كما يجب عليه أن يبين لهم ما يعلمه بخصوص موضوع عقودهم، وأن يوضح لهم الأبعاد والآثار التي قد تترتب على العقود التي يتلقاها".
فالموثق عند تخلفه عن تقديم النصح والإرشاد للأطراف يترتب عليه مسؤوليته عن الأضرار التي تصيب المتعاقدين أو أحدهما.
والقضاء في المغرب لا يتردد في تحميل الموثق المسؤولية ادا أخل بهذا الواجب وهذا ما قضى به المجلس الأعلى في قراره الصادر بتاريخ 23 فبراير 2005[3].
فالمشرع المغربي أحسن صنعا عندما نص بشكل صريح على واجب الموثق بإسداء النصح للأطراف، عكس المشرع الفرنسي الذي اختار السكوت على هذه النقطة.
ورغم عدم وجود نص في قانون التوثيق الفرنسي يشير إلى هذا الالتزام، فإن القضاء الفرنسي لم يكن يتردد في مساءلة كل موثق لم يقدم النصائح اللازمة لزبنائه، معتمدا في ذلك على روح قانون 25 فانتوز، والأسباب المذكورة في مقدمة مشروعه، التي تجعل من الموثق ناصحا محايدا للأطراف[4].
فالموثق عندما يقوم بهذا الواجب يجب عليه ألا تكون نصائحه لمصلحة طرف ضد طرف آخر، بل عليه أن يلتزم بالحياد التام، وذلك من أجل أن يحقق في الأخير توازنا في مصالح الأطراف، والتقليل من المنازعات حول العقود.
فمثلا الموثق الذي يحذر المشتري من خطورة أداء الثمن للبائع، قبل التأكد من الوضعية القانونية للعقار، يعتبر مسؤولا إذا وجد العقار  محملا بتحملات تقلل من قيمته كالرهن أو إذا كان في وضعية نزاع على ملكيته أو حق من حقوقه العينية.
وأوجب كذلك المشرع المغربي في المادة 14 من قانون 24 دجنبر 1958 المتعلق بالتسجيل والتنبر الموثقين والموظفين والعدول، وكل شخص يساهم في تحرير العقود الخاضعة للتسجيل أن يطلعوا الأطراف على المادة 15 والفقرة الثانية من المادة 21 والمادة 25 من نفس القانون، وذلك لاجتناب الأطراف مجموعة من المخاطر التي قد تصيبهم اذا لم يتقيدوا بأحكام تلك المواد والمتمثلة في:
-         أنه يمكن للاثمان والتصريحات التقديرية المعبر عنها في العقود، أن تكون موضوع تصحيح من طرف مفتش الضرائب إذا تبين أنها لا تطابق القيمة التجارية للأملاك.
-         المعاقبة بذعيرة تساوي 100% من مبلغ واجبات التسجيل كل إخفاء في ثمن أو تكاليف بيع عقار أو أصل تجاري.
-         أداء الغرامة المحددة في 100% المقررة في المادة 12 كل شخص ثبت أنه ساهم في أعمال تهدف إلى التملص من دفع الضريبة أو ساعد الأطراف أو أشار عليهم بخصوص تنفيذ الأعمال المذكورة.
-         وأمام هذا الالتزام الملقى على عاتق الموثق لجأ بعضهم إلى استعمال بعض الحيل تعفيهم من التزام بنصح الأطراف وذلك بوضع بنود في العقود تعفيهم من الالتزام بالنصح، غير أن المشرع كان حريصا في هذه النقطة بمنع الموثق بأن يضمن في العقد الذي يحرره مقتضيات لصالحه[5].
وهكذا يكون المشرع المغربي قد حسم بشكل صريح في مسألة النصح والإرشاد بجعلها واجبا قانونيا لا واجبا أدبيا كما يراه بعض الفقه في فرنسا، والتزاما عاما ملقى على عاتق الموثق يتعين عليه القيام به دائما وأبدا تحت طائلة المسؤولية ولا يسوغ له التملص منه  بأي وجه من الوجوه. لأنه يعتبر قاعدة قانونية آمرة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها. وذلك كأن يضمن الموثق في العقد اتفاقات يوافق عليها المتعاقدين تعفيه من ذلك الواجب مثل أن ينص في العقد على أن المتعاقدين طلبا منه إضفاء الصبغة الرسمية على الاتفاقات الواردة في العقد المتفق عليها من طرفهما دون حاجة إلى خدمات الموثق. فهذا الشرط لا يعفي الموثق من مسؤولية ما قد يترتب عن هذا العقد من آثار سلبية تجاه المتعاقدين، فمسؤوليته ثابتة حتى ولو وجد هذا الاتفاق في صلب العقد لأن الأمر يتعلق بواجب قانوني أو بقاعدة آمرة التي من مميزاتها أنه لا يجوز الاتفاق على إسقاطها.[6]

الفقرة الثانية: الإلتزام بالتوقيع على المحرر:

يعتبر التوثيق على المحرر من بين أهم الالتزامات الملقاة على عاتق الموثق، ولما لا وهو الإجراء الذي يعطي للمحرر الصفة الرسمية، وهذا ما نصت عليه المادة 44 من قانون 32.09 في فقرتها الثانية "يكتسب العقد الصبغة الرسمية ابتداء من تاريخ توقيع العقد".
ويقول السيد رولاند دوفيلاغك أن آخر من يضع توقيعه على المحرر هو الموثق، وإلا كنا أمام تزوير معنوي من طرفه، لأنه سيشهد على توقيعات لم تتم بعد.
وفي قضية عرضت على أنظار محكمة النقض الفرنسية تتعلق بهبة تمت من قبل زوج لزوجته، ولما حررها الموثق وقعت الزوجة في حين خرج الزوج لحظة عاد بعدها ليعلن عن تراجعه، وكان الموثق في هذه الأثناء قد وقع المحرر، حيث قضت محكمة النقض الفرنسية هنا ببطلان هذه الهبة، ومن بين ما اعتمدت عليه في حيثياتها أن الموثق ينبغي أن يكون هو آخر من يوقع المحرر[7].
وكذلك الأمر فيما يتعلق بالانتظار الذي ينتظره الموثق حتى يوقع جميع الأطراف من متعاقدين وشهود وترجمان إن كانوا؛ أي أن الموثق يمنع عليه التوقيع على العقد حتى يوقع جميع الأطراف[8]، وهذا فيه خطورة كبيرة على حقوق المتعاقدين، لأنه قد يقع أن يشهد الموثق وعند مطالبته التوقيع على ذلك بعد تحرير العقد بأيام يتراجع عن تصرفه ويرفض التوقيع، ولذلك كان من الأجدر أن ينص على تاريخ واحد التوقيع هو تاريخ التلقي أو التحرير وهدا البطلان لا يمكن تفاديه ولو وقع الواهب على المحرر لاحقا[9].
ويلاحظ كذلك على المادة 44 من هذا القانون (قانون 32.09) أنها لم تنص على فورية تحرير العقود التي يتلقاها الموثق، وكان عليها أن تفعل، لأن كثيرا من المتعاقدين يشتكون من تأخر بعض الموثقين في تحرير وإنجاز العقود، بل وكان على قانون 32.09 أن يحدد أجلا واضحا لتحرير العقود بدءا من آخر إجراء نهائي يتطلبه العقد أو التصرف[10].

الفقرة الثالثة : التزام الموثق بالمحافظة على أصول العقود :

يعتبر الالتزام بحفظ أصول المحررات الرسمية من أهم الالتزامات الملقاة على عاتق الموثق الذي يمنع عليه تسليمها للأطراف وهذا بخلاف المحررات العرفية التي تبقى أصولها بحوزة أصحابها وتكون عرضة للضياع، وهنا تظهر أهمية الموثق في جعل نفوس المتعاقدين مطمئنة على أصول عقودهم، وهو الشيء الذي يفتقر إليه أصحاب المحررات العرفية[11].
غير أن الموثق ملزم بإعطاء الأطراف نسخ أصول العقود ونظائرها، وكذلك إلى ورثتهم ولوكلائهم أيضا، أما بالنسبة للغير فلا يحق له تسلم نسخ أو نظائر أصول العقود إلا بمقتضى مقرر قضائي[12].
غير أنه يمكن أن تنتقل أصول العقود وتخرج من مكتب الموثق وذلك من أجل الإدلاء بها أمام المحاكم، في هذه الحالة ألزم المشرع في المادة 52 الموثق بعدم تسليمه نظير يقوم بتدييله ويشهد فيه بمطابقته لأصله من طرف رئيس المحكمة الابتدائية التي يمارس الموثق مهنته بدائرة نفوذها.
إذن هذا النظير يحل محل الأصل ويقوم مقامه إلى حين إرجاعه، وهذا يعني أن تسليم أصول العقود التي تحفظ لدى الموثقين لا يكون إلا بصفة مؤقتة وأنه لا بد من إرجاعها إلى الموثق المعني بها لحفظها لديه.
ولم تجب المادة عن سؤالين اثنين، الأول ما مصير النظير في حالة إرجاع الأصل إلى الموثق، فهل يعدم بمقرر قضائي آخر؟ على اعتبار أن ما سلم بمقرر قضائي لا يمزق أو يعدم إلا بمقرر قضائي كذلك، أم يبقى هذا النظير محفوظا عند الموثق تحت مسؤوليته مع باقي المحفوظات الأخرى؟
والأفضل أن يبقى محفوظا لدى الموثق، أما السؤال الثاني فهو ما هي الجهة القضائية المختصة، وما مسطرة ذلك؟ والأقرب أن يكون رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمستعجلات، ولما له من صلاحيات في إطار الأوامر المبنية على طلب[13].

 الفقرة  الرابعة : التزام بكتمان السر المهني :  

يعتبر الاتزام بكتمان السر المهني من أخطر الالتزامات التي تكون على عاتق الموثق، كونه يهدد مصالح الأطراف ومراكزهم القانونية؛ فالتزام الموثق بالحفاظ على السر المهني نابع من القسم الذي يؤديه الموثق أمام محكمة الاستئناف المعين بدائرتها في جلسة خاصة يرأسها الرئيس الأول بحضور الوكيل العام للملك وكذلك رئيس المجلس الجهوي للموثقين الذي يتولى تقديم المترشح[14].
لكن إذا حضر الموثق كل متعاقد على انفراد وأطلعه أحدهم على بعض الأسرار، هل يحق له أن ينقل هذه المعلومات إلى الطرف الآخر أم لا؟
 أمام هذه الوضعية ينبغي أن نميز بين حالتين:

الحالة الأولى: عندما يكون الأمر يتعلق بإبرام عقد فيه غش واحتيال، هنا يتوجب على الموثق الامتناع عن إبرام هذا العقد، لأن واجب النصح أولى. في هذه الحالة من واجب كتمان السر المهني. وإلا كان الموثق شريكا في الجريمة التي ينوي زبونه القيام بها.

الحالة الثانية:عندما تكون المعلومات المقدمة إلى الموثق لا يسعى صاحبها من ورائها إلى ارتكاب أي شيء مخالف للقانون، هنا يجب على الموثق المحافظة على هذه الأسرار وعدم البوح بها للطرف الآخر[15].
وهذا الالتزام لا يكون على الموثق فقط، بل يتعداه فيسري على الموثقين المتمرنين لديه وإلى أجرائه ومستخدميه فكل هؤلاء ملزمون قانونا بالمحافظة على السر المهني مما يعني عدم إعطاء أي معلومات لمن يهمه أمرها قانونا سواء تم ذلك بواسطة كلام شفوي أو بتسليم مستندات مكتوبة أو وثائق خاصة أو نسخ ونظائر من أصول العقود أو بغير ذلك[16].
لكن إذا نص القانون على خلاف ذلك، بمعنى أن ينص قانون على وجوب كشف بعض الأسرار المهنية لغايات محددة، فإنه يتعين على الموثق حينئذ الاستجابة لما ينص عليه القانون، بغض النظر عن هذا المقتضى ولو تعلق الأمر بأسرار المتعاقدين وكل الأطراف، كما في حالة التفتيش الذي يقوم به كل من الوكيل العام للملك، وممثلي وزارة المالية، كما في حالة صدور أمر قضائي بالإطلاع على أصول العقود وملحقاتها، أو تسليم نسخ ونظائر لغير الأطراف وورثتهم ووكلائهم طبقا لمقتضيات المادة 55 من قانون 32.09.[17]

المطلب الثاني: التزامات المورد تجاه المستهلك

على المورد مجموعة من الالتزامات تهدف إلى حماية المستهلك تتجلى في:

الفقرة الاولى:التزام بالإعلام:

 فالإعلام لغة هو الإخبار والإخطار بواقع معين حتى يكون الطرف الآخر على بينة من أمره، وقد ارتبط هذا المصطلح في المجال القانوني بنمط التعاقدات التي تحصل بين أطراف غير متوازنة من حيث المراكز القانونية والاقتصادية، الأمر الذي يجعل الطرف القوي يستغل بعض المبادئ التقليدية لنظرية العقد كمبدأ سلطان الإرادة ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين لإخضاع الطرف الآخر لإرادته وذلك كله دون أن يخرق المنظومة التقليدية لعيوب التراضي.[18]
فالمشرع المغربي استهل عبارة الإعلام للتعبير عن التزام المهني بالإدلاء للمستهلك بالبيانات المتعلقة بالأسعار وببعض الشروط التعاقدية الأخرى، ويقابلها بالفرنسية l’obligation renseignement، وقد اختلف الفقه في اختيار اللفظ المناسب فاستهل تارة لفظة الإخبار وتارة التبصير وتارة أخرى الافضاء أو النصح أو التحذير،  أو إثارة الانتباه"، ويعتقد أستاذنا بوعبيد عباسي أن الالتزام بالإعلام – بالمعنى العام – يشمل جميع هذه المصطلحات، وقد أحسن المشرع المغربي الاختيار حينما استقر على عبارة "الإعلام" لأنها تفيد الإدلاء بالمعلومات بصفة تلقائية.
فالالتزام بالإعلام يفرض الالتزام بالصدق والأمانة نحو المتعاقد الآخر، وهو ما يدعم الشفافية في السوق، وبالفعل يعد إعلام المستهلك أمرا ضروريا لكي يتمكن من اختيار البضائع والخدمات وفقا للشروط التي تناسبه، ويساهم في تطوير المنافسة في ذات الوقت، لذا يسميه بعض الفقه التزاما إيجابيا بالتعاون مع المتعاقد الآخر وذلك من خلال إحاطته علما بكافة تفاصيل العقد المراد إبرامه، وقد حل هذا الالتزام محل الحياد السلبي الذي كان يتمثل في عدم الغش أو الخداع[19].
فالمشرع المغربي عندما سن قانون 31.08 هدف به الى تحقيق مجموعة من المصالح كما نصت على ذلك المادة الأولى منه تتجلى في إعلام المستهلك إعلاما ملائما وواضحا بالمنتوجات أو السلع أو الخدمات التي يقتضيها أو يستعملها.
-         ضمان حماية المستهلك فيما يتعلق بالشروط الواردة في عقود الاستهلاك.
-         تحديد الضمانات القانونية والتعاقدية لعيوب الشيء المبيع.
فكما جاء في المادة الثالثة من قانون 31.08 أنه "يجب على كل مورد أن يمكن المستهلك بأي وسيلة ملائمة من معرفة المميزات الأساسية للمنتوج أو السلعة أو الخدمة ، وكذا مصدر المنتوج أو السلعة وتاريخ الصلاحية إن اقتضى الحال، وأن يقدم إليه المعلومات التي من شأنها مساعدته على القيام باختيار معقول باختيار حاجاته وإمكانياته.
ولهذه الغاية يجب على كل مورد أن يعلم المستهلك بوجه خاص عن طريق وضع العلامة أو العنونة أو الإعلان أو بأي وسيلة بأسعار المنتوجات  والسلع وتعريفات الخدمات وطريقة الاستخدام أو دليل الاستعمال ومدة الضمان وشروطه.
وقد حددت المواد 7 و 23 و 24[20] من المرسوم المنظم لقانون 31.08 إجراءات الإعلام، تنص المادة 23 على أنه "يجب أن تشير الوثائق إلى شروط واحتياطات الاستعمال بطريقة واضحة ودقيقة ومقروءة وأن تتضمن كل البيانات الأخرى المفيدة لحسن استعمال السلعة أو المنتوج وكذا الإشارة إلى المخاطر المحتملة عند سوء الاستعمال.
يجب أن تكون مفهومة وموضحة برسوم وصور وإشارات التنبيه أو مخططات من شأنها تسهيل قراءتها".
فالالتزام بالإعلام لم ينص عليه المشرع المغربي في قانون حماية المستهلك رقم 31.08 فقط، بل أدرجه كذلك في قانون حرية الأسعار والمنافسة في فصله 47 عندما نص أنه "يجب على كل من يبيع منتوجات أو يقدم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع علامة أو مصلحة أو بأي طريقة مناسبة أخرى بالأسعار والشروط الخاصة للبيع أو لإنجاز الخدمة".
فانطلاقا من الفصل 47 من قانون حرية الأسعار والمنافسة، فإن الالتزام المهني بالإعلام وينصب على نوعين من المعلومات: حول الثمن من جهة (أولا) وحول الشروط الخاصة بالبيع أو إنجاز الخدمة من جهة أخرى (ثانيا)[21].

أولا: التزام بالإعلام بالأسعار

يعتبر التزام بالإعلام بالأسعار من أهم الالتزامات الملقاة على عاتق المهنيين باعتباره شرطا ضروريا لضمان الشفافية في السوق ولتطوير المنافسة، ومن ثم يمكن القول إن التزام الإعلام بالأسعار بقدر ما يهدف إلى حماية المستهلك من التلاعبات الممكنة في الأسعار، ويجعل رضاؤه مستنيرا وغير معيب بغلط أو تدليس ويساعده على حسن الاختيار بين هذه البضاعة والخدمة ، فهو يهدف كذلك إلى حماية المنافسة الحرة حيث لا تنمو إلا في إطار من الشفافية والنزاهة والوضوح.

ثانيا: الالتزام بالإعلام بالشروط الخاصة للبيع أو لإنجاز خدمة.

المشرع المغربي ألزم المهني بإدراج عدة بيانات كاسم المنتوج أو السلعة ولائحة المكونات ومدة الصلاحية، وبيان شروط الحفظ وتاريخ الإنتاج والوزن الصافي، اسم الصانع أو المستورد، والمنشأ الأصلي كلما كان حذفه يشكل خلطا للمشتري بالنسبة للمصدر الأصلي للمادة الغذائية، وعند الاقتضاء كل البيانات الإلزامية المنصوص عليها في المقتضيات القانونية الخاصة[22].
ويعاقب المشرع على الإخلال المهني بالتزامه بإعلام المستهلك بالشروط الخاصة بنفس العقوبة المعمول بها في حالة مخالفة الالتزام بالإعلام بالأسعار، أي الغرامة من 1200 إلى 5000 درهم كما جاء في الفصل 71 من قانون حرية الأسعار المنافسة[23].
وبالرجوع إلى مواد القسم الثاني من قانون حماية المستهلك رقم 31.08 فاننا نلاحظ بأن المشرع قد ألزم المورد بتحمل نوعين من الإعلام تجاه المستهلك يتعلق الأول منهما بالالتزام العام بالإعلام بينما يتعلق الثاني بإعلام المستهلك بآجال التسليم.
ويجب على المورد كذلك أن يسلم فاتورة أو مخالصة أو تذكرة صندوق أو أي وثيقة أخرى تقوم مقامها إلى كل مستهلك قام بعملية شراء وذلك وفقا للمقتضيات الجبائية الجاري بها العمل[24].
وقد حددت المواد من25 إلى 27 من مرسوم 503-12-2 البيانات التي يجب أن تتضمنها الفاتورات والمخالصات والتذاكر وقد حددت المادة 25 بعض هذه البيانات وهي:
-         التعريف بالمواد
-         تحديد السلعة أو السلع أو المنتوجات أو الخدمات
-         تاريخ ومكان العملية، وعند الاقتضاء تاريخ التسلم
-         كمية السلعة أو المنتوج أو الكشف المفصل للخدمة عند الاقتضاء
-         سعر البيع الواجب على المستهلك أداؤه والمتعلق بكل سلعة أو منتوج أو خدمة على حدة. 
-         كيفية الأداء
بالإضافة إلى البيانات المشار إليها أعلاه يمكن للفواتير أو المخالصات أو تذاكر الصندوق أو أي وثيقة أخرى تقوم مقامها أن تتضمن بيانات إجبارية أخرى تتحدد حسب طبيعة السلعة أو المنتوج أو الخدمة بقرار مشترك للسلطة الحكومية المكلفة بالتجارة والسلطة الحكومية الوصية على قطاع النشاط المعني بهذه السلع أو المنتوجات أو الخدمات".
ويجب كذلك على المورد أن يصاحب لكل منتوج أو سلعة معروضة للبيع لصيقة يحدد مضمونها وشكلها بنص تنظيمي.[25]
فالمادة 27 من المرسوم أوجب أن تحرر المعلومات الإجبارية الموجودة على اللصيقة باللغة العربية أن تكون واضحة ومقروءة وغير قابلة للمحو، فمن هذه المادة نلاحظ أن المشرع المغربي راعى وضعية شريحة كبيرة من المجتمع المغربي والتي ليس لها دراية باللغات الأجنبية.
والزمت كذلك المادة 8 من قانون 31.08 المورد، إذا كان من الواجب تحرير عقد بصفة كلية أو جزئية كتابة، أن يحرره في العدد اللازم من النظائر وأن يسلم  إحداها على الأقل إلى المستهلك، فالمشرع عندما ألزم المورد بهذا الالتزام كان يهدف إلى حماية حقوق الزبون المستهلك من حيث معرفته بما قدمه وكذلك ليكون له وسيلة إثبات في مواجهة المورد.
وقد أوردت المادة 12 من قانون 31.08 التزام آخر هو تحديد كتابة في العقد أو الفاتورة أو المخالصة أو أي وثيقة أخرى تسلم للمستهلك الأجل الذي يتعهد فيه بتسليم المنتوجات أو السلع أو تقديم الخدمات، وإذ لم يحترم المورد الأجل المنصوص عليه في المادة 12 ودون أن يكون ذلك منسوب لقوة قاهرة ومرت 7 أيام جاز للمستهلك، دون اللجوء إلى القضاء أن يفسخ الالتزام الذي ربطه بالمورد[26] وذلك دون المساس بأحكام الفصلين 259 -260 من قانون الالتزامات والعقود.
يمارس المستهلك هذا الحق داخل أجل 5 أيام بعد انصرام أجل سبعة أيام المنصوص عليها.
وفي حالة الفسخ يجب على المورد أن يرد المبالغ المسبقة من لدن المستهلك داخل أجل لا يتجاوز سبعة أيام ابتداءا من تاريخ الفسخ، وتستحق بقوة القانون فائدة بالسعر القانوني الجاري بها العمل على المبلغ المذكور ابتداء من اليوم الثامن لصالح المستهلك، وذلك دون المساس بحق الأخير في المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به[27].

الفقرة الثانية :الالتزام بالصدق في الاشهار

ومن أهم الالتزامات التي تكون على عاتق المورد كذلك والمتعلقة بالالتزام بالاعلام هو منع الاشهارات الكاذب والمضلل، فأهم خاصية التي يجب أن يتميز بها الاشهار هو الصدق، حيث يجب أن يكون المورد صادقا وأمينا فيما يصفه به منتوجاته وخدماته، لأجل ذلك منع المشرع في المادة 21 من قانون 08-31 الإشهارات الكاذبة والمضللة، ويجب التمييز بين الإشهارات الكاذبة والإشهارات المضللة، فالإشهارات الكاذبة هي الاشهارات التي تتضمن عناصر كاذبة، أما الإشهار المضلل فهو الإعلان الذي يكون من شأنه خداع المستهلك أو يمكن لذلك، فالاعلان المضلل لا يذكر بيانات كاذبة ولكنه يصاغ في عبارات تؤدي إلى خداع الجمهور.[28]
فهذا التمييز أخد به المشرع المغربي كذلك عندما نص في الفقرة الأولى من المادة 21 من قانون 08-31 أنه "يمنع كل إشهار يتضمن بأي شكل من الأشكال إدعاء أو بيانا أو عرضا كاذبا" فانطلاقا من الفقرة الأولى يتضح أن المشرع منع الاشهارات الكاذبة، وفي الفقرة الثانية من نفس المادة التي تبين منع المشرع الاشهارات المضللة، كما جاء فيها "كما يمنع كل إشهار من شأنه أن يوقع في الغلط".

المبحث الثاني : التزامات الطبيب و المحامي تجاه الزبناء.


على غرار الالتزامات الملقاة على عاتق كل من الموثق والمورد في عقود الاستهلاك فإننا نجد بعض المهن الأخرى التي يتحمل أصحابها بمجموعة من الالتزامات التي إما قد يرتبها العقد الطبي بين الطبيب والمريض (المطلب الأول) أو تلك التي تقع على عاتق المحامي تجاه موكليه (المطلب الثاني).

المطلب الأول: التزامات الطبيب في العقد الطبي :

يقع على الطبيب بمناسبة إبرامه للعقد الطبي مجموعة من الالتزامات تتمثل أساسا في الالتزام بإعلام المريض (الفقرة الأولى) والالتزام باحترام المعطيات العلمية (الفقرة الثانية) إلى جانب ضرورة الالتزام باحترام السر المهني (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: التزام الطبيب بإعلام المريض

سنتطرق (أولا) للطبيعة القانونية لالتزام الطبيب بإعلام المريض ثم لمضمون الالتزام بالإعلام (ثانيا).

أولا: الطبيعة القانونية لالتزام الطبيب بإعلام المريض:

أثارت الطبيعة القانونية لالتزام الطبيب بإعلام المريض خلافات حادة حيث يعتبر البعض  أن التزام الطبيب ينحصر ببدل عناية في حين يذهب البعض الآخر إلى أن هذا الالتزام هو التزام بتحقيق نتيجة.
وفي هذا الصدد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية منذ سنة 1936 مسؤولية الطبيب مسؤولية عقدية وألزمت الطبيب ببدل العناية لا بتحقيق النتيجة ووضعت لمسؤولية الطبيب مجموعة من الشروط التي تتحقق بها المسؤولية الطبية[29].
في نفس السياق سار عليه المشرع المغربي، حيث اعتبرت الغرفة المدنية بالمجلس الأعلى بتاريخ 31/5/2001 في قرار صادر عنها جاء في إحدى حيثياته "....وأن المسؤولية التعاقدية تلزم الطبيب ببدل عناية لا بتحقيق غاية ...."[30].
في مقابل ذلك نجد المشرع الجزائري يعتبر بأن التزام الطبيب هو التزام بتحقيق نتيجة وذلك من خلال النصوص القانونية سواء تلك المتعلقة بقانون حماية الصحة، أو المتعلقة بمدونة أخلاقيات الطب[31].

ثانيا: مضمون الالتزام بالإعلام :

ليكون رضا المريض صحيحا بنوعية التدخل الطبي، فإنه يقع على عاتق الطبيب الالتزام بإحاطته بمجموعة من المعلومات التي يجب أن تكون واضحة ومعقولة ومبسطة وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية حيث حددت أوصاف الالتزام بالإعلام في أن سهلا ومفهوما وصادقا وملائما وتقريبيا، وهذه الأوصاف ترمي إلى تعميم المعلومات والمعطيات الطبية حتى يتأتى فهمها من قبل المرضى[32].
والالتزام بالإعلام يمر بمجموعة من المراحل في كافة مراحل العلاقة الطبية وبالتالي فإنه يقع على الطبيب الالتزام بإعلام مريضه في مرحلة التشخيص التي ينوي مباشرتها للتحقق مما يعاني منه وكذا المخاطر التي تتضمنها هذه المرحلة وإذا توجب عليه الالتزام فيها بإعلام المريض بكل ما يتعلق بالعلاج الذي يقترحه، وكذا بالنتائج التي يمكن أن تنتج عن هذا العلاج والآثار الجانبية للعلاج المقترح[33].
ويمتد التزام الطبيب إلى المرحلة اللاحقة على العلاج إذ يتعين عليه في هذه المرحلة إعلام المريض بالنتائج المحققة من العلاج والاحتياطات التي يجب على المريض مراعاتها لتجنب أي تعقيدات مستقبلية.

الفقرة الثانية: التزام الطبيب باحترام المعطيات العلمية:

إن هذا الالتزام يفرض على الطبيب ضرورة احترام المعطيات العلمية والأصول العلمية الحديثة  والقواعد المتفق عليها نظريا وعلميا بين أهل الطب، وبالتالي فالطبيب في تعامله مع المرض الذي يعاني منه المريض لابد له أن يكون ملما بالمبادئ والأصول العلمية الثابتة في مجال الطب.
وفي هذا الصدد نجد محكمتي النقض الفرنسية والمصرية اعتبرتا على أنن العقد الطبي يوجب على الطبيب إن لم يكن الالتزام بشفاء المريض، فعلى الأقل أن يبدل العناية بشفائه والتي تتمثل في الجهود الصادقة اليقظة المتفقة مع الأصول العلمية الثابتة؛ أي الممارسة العلمية والعادة الطبية والمعطيات العلمية المكتسبة[34].
وفي هذا نجد البعض[35] يعتبر بأن الطبيب إذا كان يتمتع بالاستقلال المهني وبحرية العلاج وإذا لم يكن من حق القضاء أن يزج بنفسه في المناقشة والخلافات العلمية بين الأطباء حول استعمال هذه الطريقة أو تلك من طرق العلاج، فإن الطبيب ملتزم تحت طائلة مسؤوليته بألا يستعمل سواء في التشخيص أو العلاج إلا الوسائل والطرق التي استقر عليها علم الطب.
وفي هذا الصدد نجد العديد من الأحكام الصادرة عن محاكم الموضوع تلزم الطبيب بضرورة احترام الضوابط العلمية المكتسبة في علم الطب منها مثلا: الحكم الصادر عن ابتدائية الدار البيضاء، حيث اعتبرت بأن عدم استعمال الوسائل العلمية الحديثة المتفق عليها يعتبر خطأ في التشخيص يوجب مبدئيا مسؤولية الطبيب، فيما اعتبرت المحكمة الابتدائية بمكناس " بضرورة احترام المقتضيات العلمية المستقر عليها في علم الطب"[36].

الفقرة الثالثة: التزام الطبيب باحترام السر المهني:

اعتبر البعض السر المهني للطبيب بأنه "كل ما يعرفه الطبيب أثناء أو بمناسبة ممارسة مهنته أو بسببها وكان في إفشائه ضرر بمصلحة خاصة بالمريض نفسه أو بأسرته".
كما ذهب البعض الآخر إلى أن السر المهني للطبيب هو "كل ما يعهد به المريض للطبيب على أنه سر[37].
وعلى العموم فالالتزام بالحفاظ على السر الطبي واجب مهني وأخلاقي، لذا فالطبيب ملزم بالمحافظة على أسرار مرضاه، وعدم إفشائها إلا في الحالات التي يسمح بها القانون.
والاحتفاظ بالسر المهني لا يعني فقط عدم إفشاء أسرار المريض بل أن لا يسمح لأحد بالاطلاع على وثائق المريض، التي تكون قد توصل إليها الطبيب بنفس أو عن طريق أقاربه ومعارفه.
وقد يمتد التزام الطبيب إلى الظروف التي حصل فيها المرض، إلا أن هذا لا يحول دون حق المريض في الاطلاع على كل ما يتعلق يلجأ ..... الصحية[38].
وإنشاء الطبيب للسر الطبي يعاقب عليه المشرع المغربي بعقوبات جنائية وتأديبية وهو ما يستنتج من الفصل 446 من القانون الجنائي الذي ينص على حالة الاستثناء التي يجيزها القانون للفرد أو يوجب عليه فيها إفشاء السر. 

المطلب الثاني : إلتزامات المحامي تجاه موكليه :

على غرار الطبيب   تقع على عاتق المحامي بدوره  مجموعة من الإلتزامات بمناسبة قيامه بممارسة مهنته  والتي ترتبط أساسا بمن يتقاضون وبمن يتقاضى عنهم   .
ونتناول في هذا المطلب لطبيعة القانونية لإلتزامات المحامي (الفقرة الأولى) وإلتزامات المحامي تجاه موكليه ( الفقرة الثانية) ثم إلتزامه بالسر المهني  ( الفقرة الثالثة ) .

الفقرة الأولى : الطبيعة القانونية لإلتزامات المحامي :

الأصل أن إلتزام المحامي بوجه عام التزام بوسيلة أو ببذل عناية وليس بتحقيق نتيجة وذلك حسب ما استقر عليه  بعض الفقه [39].
فالمحامي لا يضمن للزبون ربح القضية ، فالحكم برفض الدعوى مثلا لا يرتب في كل الحالات مسؤولية المحامي إذا كان هذا الرفض ليس ناتجا عن أسباب شكلية.
والمحامي ملزم ببذل نفس الجدية سواء في القضايا الخاصة بزبنائه او في تلك التي تستند إليه في إطار المساعدة القضائية .             
وفي هذا يأكد جل فقهاء القانون على أن أكثر ما يطلب من المحامي هو بذل عناية الرجل المتبصر الأمين الساهر على تنفيد إلتزاماته وليس المطلوب منه منه هو تحقيق نتيجة  إيجابية لموكله لأن ذلك ليس بيده وإنما بيد القضاء الذي له كلمة الفصل بعد القيام بالواجب [40].
غير أن البعض يعتبر بأنه إذا كانت القاعدة هي أن المحامي يلتزم ببذل عناية فإنه ترد على هذه القاعدة بعض الإستثناءات التي يلتزم فيها المحامي بتحقيق نتيجة ويندرج ضمنها تقديم الطعون في أجالها والمقالات والمذكرات في أوقاتها كما يستثنى من هذه القاعدة تحرير العقود العرفية التي يكون فيها المحامي ملزما بتحقيق نتيجة معينة وكذا تحرير عريضة الدعوى ورفعها والقيام بالإجراءات القانونية  أمام المحاكم، حيث انه عندما يرتكب المحامي خطأ في هذه الإجراءات فإن الالتزام الملقى على عاتقه هو التزام بتحقيق نتيجة[41].

الفقرة الثانية : إلتزامات المحامي تجاه موكيله 

تتجلى العلاقة  التي تربط المحامي بموكله في أن يتولى المحامي تمثيل موكله في النزاع الموكل فيه في حدود ما يعهد به إليه وطبقا لطلباته مع احتفاظه بحرية دفاعه في تكييف الدعوى وعرض الأسانيد القانونية طبقا لأصول الفهم القانوني السليم.
وبناءا عليه فإن هذه العلاقة تفرض  مجموعة من الإلتزامات على عاتق المحامي  تفرض عليه بذل الجهد القانوني المتفق مع شرف المهنة والتعاون مع موكله وابداء الاهتمام اللازم لصيانة حقوقه وبذل أقصى جهده في الدفاع عنها ، وأن يقدم للموكل رأيا صريحا في موضوع الدعوى .
كما يلتزم بإطلاع موكله بين فترة واخرى على المرحلة التي وصلت اليها القضية لكي يتبين رأي موكله في الدعوى وفي المرحلة التي وصلت اليها .
وفي هذا الإطار نجد المادة  43 تنص على أن المحامي  "يقوم بجميع الوسائل الممكنة بإخبار موكله بمراحل سير الدعوى، وما يتم فيها من إجراءات كما   يخطر موكله حالا بما يصدر فيها من أحكام ."        
كما  يقدم له  النصح والإرشاد فيما يتعلق بطرق الطعن الممكنة ، مع لفت نظره إلى آجالها ."
وفي نفس السياق نجد المادة 27 من القانون رقم 08.28 تنص على  أنه "يتعين  على المحامي أن يتتبع القضية المكلف بها إلى نهايتها أمام الجهة المعروضة عليها ..... " سواء كانت المحكمة الإبتدائية أو الإدارية أو التجارية أو محاكم الإستئناف ، أو أي جهة أخرى كامجالس التأديبية أو المحاكم العسكرية[42] .
وكون المحامي ملزم ببذل العناية والجهد الازمين في سبيل تحقيق نتيجة معينة فإن المادة 45  من القانون الذكور إشترطت بأنه لا يجوز للمحامي  أن يتفق مسبقا مع موكله على الأتعاب المستحقة عن أي قضية ارتباطا بالنتيجة التي يقع التوصل إليها ؛
كما منعته نفس المادة  بأن يقتني بطريق التفويت حقوقا متنازعا فيها قضائيا، أو أن يستفيد هو أو زوجه أو فروعه بأي وجه كان  من القضايا التي يتولى الدفاع بشأنها
وقد رتبت هذه المادة البطلان كجزاء على كل اتفاق يخل بهذه بالمقتضيات أعلاه "
إظافة إلى ذلك يجب على المحامي أن  يطلع موكله عن الوقائع القانونية والمادية التي اتخذها ويفحص تعليمات أو توجيهات موكله ومستنداته فحصاً دقيقاً ويستجيب للصالح منها ضمن أحكام القانون .

الفقرة الثالثة : إلتزام المحامي بالسر المهني : 

كان  السر المهني في البداية التزام أخلاقي قبل أن يتحول إلى التزام ديني ، ليعرف فيما بعد حماية قانونية   لممارسي مهنة المحاماة ، بالمقارنة أساسا مع السر المهني للطبيب الذي أصبح يتفتت أمام العدد الهائل من الحالات التي يجب على الطبيب التصريح بها [43].
كما اهتمت الشريعة الإسلامية بالسر بصفة عامة وأحاطته بعناية خاصة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم انه مسلم : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان" [44]                     
وفي هذاالإطار  نجد المادة 36 من القانون 28.08   تنص على أنه "لا يجوز للمحامي أن يفشي أي شيء يمس بالسر المهني في أي قضية.
كما يتعين عليه  بصفة خاصة أن يحترم سرية التحقيق في القضايا الزجرية، وان لا يبلغ أي معلومات مستخرجة من الملفات، أو ينشر أي مستندات أو وثائق أو مراسلات، لها علاقة ببحث مازال جاريا."
وهو تفس النهج الذي  ترسخ لدى هيئة المحامين بالرباط إعتبرت السر المهني كواجب إجباري على المحامي احترامه وملزم له كركن من الأركان الأساسية لمهنته، وقد دون الفصل 29 من النظام الداخلي هذا العرف وهذا التقليد حيث نص على ان :
"المحامي مدين بالكتمان المطلق للسر المهني فلا يمكنه أن يسلم للغير الوثائق المودعة لديه من طرف موكله أو يدلي بشهادة كيفما كانت لصالحه أو ضده.
الالتزام بالسر المهني بالنسبة للمحامي عام ومطلق في جميع نشاطاته المهنية بدون أي تمييز أو استثناء".
وعلى العموم يمكن القول وبصفة إجمالية بأن السر المهني له طابع مطلق  من حيث المبدأ وانه من النظام العام و يشمل كل ما يصل إلى علم المحامي بمناسبة مزاولته لمهنته.
وإلزامية السر المهني لا تشمل فقط تصريحات واعترافات الزبون وإنما تشمل كل ما يصل إلى المحامي من علم، سواء بمقتضى كتابات قرأها ( وثائق مختلفة، مراسلات، الخ ...)، أو استفسارات أو استشارات أعطاها أو ملاحظات أبداها أو أتعابا قبضها، بل أكثر من ذلك فإن حتى زيارة الزبون تعتبر من الأسرار التي يجب عدم الإفصاح عنها" [45] .

خاتمة

وفي الأخير فهذه هي بعض الالتزامات الملقاة على هؤلاء المهنيين تفرض عليهم احترامها وتطبيقها، لكن أخل هذا المهني، فما هي مسؤوليته، هل هي مسؤولية تقصيرية كونه أخل بالإلتزام القانوني أم هي مسؤولية عقدية ناتجة عن إخلال بالالتزام العقدي.

لائحة المراجع

-         نورة غزلان الشنيوي "التوجهات الأساسية للإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة التنظيم القضائي للملكة" الطبعة الأولى مطبعة الأمنية الربا
-         محمد الربيعي،الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم الطبعة الثانية سنة 2015
-         العلمي الحراق، التوثيق في شرح فانون التوثيق الطبعة الأولى 2014 – دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع – الرباط
-         عبد القادر العرعاري/ "مصادر الالتزامات" الكتاب الأول نظيرية العقد، الطبعة الرابعة 2015
-         أبو عبيد عباسي، "حماية المستهلك على ضوء قانون حرية الأسعار والمنافسة، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية
-         إيمان التيس، حماية المستهلك من الاشهارات الخادعة على ضوء القانون 08-31 سلسلة دراسات وأبحاث- العدد 4- حماية المستهلك.
-         الحسين بلوش، التزام الطبيب بإعلام المريض، مقال منشور في مجلة الإشعاع، مجلة نصف سنوية تصدرها هيئة المحامين بالقنيطرة، العدد 31، 32، أبريل 2006.
-         بن زرفة هوارية، "الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي" مقال منشور بالموقع الالكتروني، مجلة القانون والأعمال.
-         المصطفى الغشام الشعبي "العقد الطبي" دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع،الرباط ط أولى
-         أحمد ادريوش "العقد الطبي دراسة تحليلية وتأصيلية للمقتضيات القانونية المؤطرة للعلاقة بين الطبيب وزبونه" منشورات سلسلة المعرفة القانونية 2015/2016 ط.2 مطبعة الأمنية الرباط
-         بن دشاشي ....... "المسؤولية المدنية في المستشفيات العامة، مذكرة لنيل منها الماستر في القانون، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة البويرة
-         عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الاول ، نظرية الإلتزام بوجه عام ، الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية بالقاهرة ، ط :  1996.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] - قانون 32.09 هو الذي نسخ قانون 4 ماي 1925 الذي كان ينظم مهنة التوثيق.
[2] - نورة غزلان الشنيوي "التوجهات الأساسية للإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة التنظيم القضائي للملكة" الطبعة الأولى مطبعة الأمنية الرباط ص 190.
[3] - قرار المجلس الأعلى عدد 587 صرع غرفتين منشور بمجلة المجلس الأعلى أورده الأستاذ محمد الربيعي في كتابه الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم الطبعة الثانية سنة 2015 ص.51.
استادنا محمد الربيعي،الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم الطبعة الثانية سنة 2015 صفحة 51 [4]
[5] - المادة 34 من قانون 32.09
[6] - العلمي الحراق، التوثيق في شرح فانون التوثيق الطبعة الأولى 2014 – دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع – الرباط ص.98-99
[7] - أستاذنا محمد الربيعي، م.س. ص 59.
[8] - المادة 43 من قانون 32.09
[9] - العلمي الحراق، م.س. ص 114
[10] - العلمي الحراق، م.س. ص 116
[11] - أستاذنا محمد الربيعي، م.س. ص 64.
[12] - المادة 55 من قانون 32.09
[13] - العلمي الحراق، م.س. ص 130.
[14] - الفقرة الثانية من المادة 13 من قانون 32.09
[15] - أستاذنا محمد الربيعي، م.س. ص 68.
[16] - العلمي الحراق، م.س. ص 65.
[17] - العلمي الحراق، م.س. ص 65
[18] - عبد القادر العرعاري/ "مصادر الالتزامات" الكتاب الأول نظيرية العقد، الطبعة الرابعة 2015 ص 183.
[19]- أستاذنا أبو عبيد عباسي، "حماية المستهلك على ضوء قانون حرية الأسعار والمنافسة، المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية ص 83.  
[20] - مرسوم 503-12-2 الصادر في 4 ذي القعدة 1434 (11 سبتمبر 2013)
[21] - أستاذنا أبو عبيد عباسي، م.س. ص 83.
[22] - مرسوم رقم 1016-01-02 المتعلق بتنظيم عنونة المواد الغذائية وتقديمها
[23] - بو عبيد عباسي، م.س. ص 91.
[24] - المادة 4 من قانون 31.08
[25] - المادة 6 من قانون 31.08
[26] - المادة 13 من قانون 08-31
[27] - المادة 14 من 08-31..
[28] - إيمان التيس، حماية المستهلك من الاشهارات الخادعة على ضوء القانون 08-31 سلسلة دراسات وأبحاث- العدد 4- حماية المستهلك، ص107.
[29] - الحسين بلوش، التزام الطبيب بإعلام المريض، مقال منشور في مجلة الإشعاع، مجلة نصف سنوية تصدرها هيئة المحامين بالقنيطرة، العدد 31، 32، أبريل 2006، ص9.
[30] - قرار صادر عن الغرفة المدنية بالمجلس الأعلى عدد 2149 بتاريخ 31/05/2001 ملف مدني عدد 1081/1/5/2000، منشور بمجلة الإشعاع، العدد الخامس والعشرون، يونيو 200، ص 171.
[31] - بن زرفة هوارية، "الالتزام بالإعلام في عقد العلاج الطبي" مقال منشور بالموقع الالكتروني، مجلة القانون والأعمال.
[32] - الحسين بلوش، التزام الطبيب بإعلام المريض، م. س. ص. 11.
[33] المصطفى الغشام الشعبي "العقد الطبي" دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع،الرباط ط أولى ص .94
[34] - المصطفى الغشام الشعبي "العقد الطبي م س ص.96
[35] - أحمد ادريوش "العقد الطبي دراسة تحليلية وتأصيلية للمقتضيات القانونية المؤطرة للعلاقة بين الطبيب وزبونه" منشورات سلسلة المعرفة القانونية 2015/2016 ط.2 مطبعة الأمنية الرباط ص .146.
[36] - أحمد ادريوش "العقد الطبي م س ص.149.
[37] - المصطفى الغشام الشعبي "العقد الطبي م س ص.96
[38] - بن دشاشي ....... "المسؤولية المدنية في المستشفيات العامة، مذكرة لنيل منها الماستر في القانون، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة البويرة ص، 25.
[39]-عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الاول ، نظرية الإلتزام بوجه عام ، الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية بالقاهرة ، ط :  1964ص 931.
[40]  محمد بلهاشمي التسولي ، رسالة المحامي عبر التاريخ الجزء الثاني مسوولية المحامي ،القانون في خدمة المجتمع ، المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش،ط:الأولى ،2011   ، ص: 116  .
[42] محمد بلهاشمي التسولي ، رسالة المحامي عبر التاريخ الجزء الثاني مسوولية المحامي ،القانون في خدمة المجتمع ، م  س ص : 120
[43] خالد خالص، "السر المهني للطبيب" ،مقال منشور في  مجلة المحاكم المغربية العدد 98، نونبرـ دجنبر 2002، ص 96.
[44]أخرجه أبو داوود والترميذي
[45]  خالد خالص، "السر المهني للطبيب" ،مقال منشور في  مجلة المحاكم المغربية العدد 98، نونبرـ دجنبر 2002، ص 89.     
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات