القائمة الرئيسية

الصفحات

التحكيم التجاري الدولي

التحكيم التجاري الدولي
التحكيم التجاري الدولي


مقـــدمة

يعتبر التحكيم أول وأقدم وسيلة اعتمدها الإنسان في فض النزاعات فقد عرفه اليونانيون واليابانيون والاشيريون وعرفه الرمان والإسلام أيضا, وبالنضر إلى الأهمية التي أصبح يكتسيها نضام التحكيم في العصر الحاضر لاسم على مستوى عقود التجارة الدولية ودلك بما يمتاز به من خاصية السرعة والمرونة والسرية , لدى أصبحت الحاجة ملحة الى الاعتماد على هدا النظام الدي يكون محررا من روابط القوانين الدولية بحيت يعتمد على مصادر خاصة , وقد اعتبر هدا النظام بمثابة إحياء لقانون الشعوب أو قانون التجار كما يعرف ب lex mercatorai فقد حضي التحكيم التجاري الدولي باهتمام بالغ أبرمت بشأنه العديد من الاتفاقيات الدولية, واستعمل مصطلح التحكيم التجاري الدولي اول مرة في مؤتمر الأمم المتحدة للتحكيم التجاري الدولي سنة 1958 بشأن الاعتراف وتنقيد مقررات التحكيم الأجنبية , وادا كان ما يميز التحكيم عن القضاء هو سلطان الإرادة أد لا يتحقق وجود التحكيم إلا اد توفرت الإرادة والحرية للطرفين معا, فقد يقع تشابه بين نضام التحكيم وغيره من الأنظمة أخري البديلة لحل النزاع والتي بدورها تقوم على الإرادة,
أيضا يمتاز التحكيم بخصوصيات من حيث مصادره عن باقي الأنظمة الأخرى مما جعل هدا النظام يمتاز ب مبادئ خاصة به جعلت منه نضام قويا وفعالا.


فرضية العمل:
 فالتحكيم التجاري الدولي يعتبر وسيلة فعالة لتسوية النزاعات فهو يقوم على مبدأ سلطان الارادة من حيث استقلال التحكيم بنضامه عن باقي المؤسسات الاخرى وقد ساعده في دلك ظهور قواعد خاصة به وتدعيم هدا الستقلال بمبادئ معينة الهدف منها الحد من تدخل القضاء.
الاعلان عن التصميم:
المبحث الأول: خضوع التحكيم التجاري الدولي لمبدأ سلطان الإرادة
المطلب الأول: غلبة الطبع التعاقدي على التحكيم التجاري الدولي
أ  اشتراك التحكيم مع بعض المؤسسات المشابهة له في الخضوع لمبدأ سلطان الإرادة
ب  تفاوت مبدأ سلطان الإرادة في كل من التحكيم الخاص و التحكيم المؤسساتي
المطلب الثاني: الاتار المترتبة على الطابع التعاقدي في مجال التحكيم التجاري الدولي
أ  الاثار بالنسبة للأطراف
ب  الأثار بالنسبة للقضاء
المبحث الثاني: استقلال التحكيم التجاري الدولي بمصادره ومبادئه
المطلب الأول: انفراد التحكيم التجاري الدولي بمصادره خاصة
أ  اهتمام المشرع بوضع قواعد خاصة ب التحكيم التجاري الدولي في قوانين او مدونات مستقلة
ب مساهمة أعراف التجارة الدولية في استخدام قواعد التحكيم التجاري الدولي
المطلب الثاني: المبادئ الأساسية لضمان فعالية التحكيم التجاري الدولي
أ  مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي
ب  مبدأ الاختصاص بالاختصاص

المبحث الأول: خضوع التحكيم التجاري الدولي لمبدأ سلطان الإرادة

 المطلب الأول: غلبة الطبع التعاقدي على التحكيم التجاري الدولي

    يقوم التحكيم بكونه نظاما خاصا على مبدأ أساسي و هو مبدأ سلطان الإرادة ويتجلى دلك من خلال حرية الأطراف في اللجوء إلى هدا النمط في فض نزاعاتهم ويمتد هده الحرية إلى كيفية اختيار الهيئة التحكيمية , هده الحرية المتمثلة في مبدأ سلطان الارادة قد تتشابه مع بعض الوسائل البديلة في حل المنازعات من حيت الحرية في اللجوء إلى هدا النمط وأيضا قد تتقلص هده الحرية في أنواع أخرى من التحكيم خصوصا المؤسساتي منها

أ  اشتراك التحكيم مع بعض المؤسسات المشابهة له في الخضوع لمبدأ سلطان الإرادة

  وإذا كان التحكيم صاحب الصدارة من بين الوسائل البديلة لحل المنازعات فإنه لا يمكن إغفال أو تجاهل الدور الذي تملكه باقي الوسائل الأخرى البديلة خصوصا منها:الوساطة والصلح والتوفيق فهذه الأشكال من العدالة-أيضا-قديمة جدا,  وسنحاول الإحاطة بأهم نقاط الاختلاف، التي تميز التحكيم عن غيره

أولا: الوساطة

الوساطة هي: المساعي التي يقوم بها شخص محايد بين أطراف النزاع أو محاميهم من أجل الوصول إلى حل ودي لهذه الخصومة[1] أو هي طريق ودي لفض المنازعات الناشئة بين الأطراف عن طريقه يقوم الخصوم أنفسهم أو بواسطة شخص من الغير بالاجتماع والتشاور للوصول لحل ينهي النزاع ويرضى عنه الأطراف وتكون إما قضائية إذ يحيل القاضي إلى وسيط معين ضمن قائمة أسماء الوسطاء وقد تكون كذلك قانونية وذلك حين يحيل النص التشريعي إلى اتباع طريق الوساطة قبل المرور إلى المحاكمة وبالمقابل قد تكون اتفاقية حين يتفق الأطراف على إحالة النزاع إلى الوسيط المتفق عليه اما في عقد سابق أو لاحق لنشوء النزاع.
لكن رغم التشابه من حيث الهدف وطريقة الاتفاق، أي عبر التعاقد مسبقا. إلا أن الاختلاف يبقى واضحا بين التحكيم والوساطة من حيث الشكل والنتيجة. فالوسيط يقتصر على محاولة التسوية, بتقريب وجهات النظر وذلك دون الاستناد على قوة الزامية في مواجهة المتخاصمين بل أن القرار النهائي بتطبيق ما توصل إليه يبقى للأطراف أنفسهم الحد فإن المحكم أعطي أكثر من ذلك، فإذا تم تعيين المحكم فإنه يباشر عمله التحكيمي وفقا للقواعد المنظمة لسير المحاكمة التي ذكرها أهل العلم بخصوص التحكيم والفصل في النزاع بالقواعد الموضحة في كتب القضاء فيتولى النظر في القضية بصفته حاكما
وبذلك يكون للمحكم سلطات أوسع وأشمل عما هي عليه لدى الوسيط الذي يبقى شخصا محايدا أولا يملك أي سلطة لإلزام الطرفين

ثانيا : الصلح

ويعد الصلح نظاما مترسخا في المجتمع المغربي,وفي المجتمع الإسلامي بصفة عامة فالأساس الذي نبع منه هذا النظام هو الشريعة الاسلامية,فعرف في الشؤون الأسرية والعائلية
والمشرع المغربي في الفصل1098 من ق.ل.ع على ان الصلح عقد يحسم بمقتضاه الطرفان نزاعا قائما او يتوقيان قيامه، وذلك بتنازل كل منهما للأخر عن جزء مما يدعيه لنفسه، أو بإعطائه مالا معينا او حقا
ومن حيث طبعة الصلح او تكيفه يعتبر عقدا ومن تم يخضع من حيث شرط الانعقاد والصحة والبطلان والآثار الى المبادئ العامة للعقود [2]
وبذلك يمكن أن يغير التحكيم وهو نظام قانوني اختياري بمثابة حل مجدي وفعال مقارنة بالصلح حيث لا يمكن أن يتعرض التحكيم هذه المخاطرة التي قد يتعرض لكون التحكيم لا يترك للمتنازعة سلطة واسعة وعريضة في مجال التنازلات التي هم مستعدون لها حيث لا كلمة تذكر للتنازل عن الدين أو للإجراء منه، بل الكلمة هي لقوة الشيء المقضي التي قد يتمتع بها المقرر التحكيمي بعد تذييله بالصيغة التنفيذية. 
أما في الصلح ففيه ينتهي النزاع بمجرد التنازل المتبادل ويكون الاتفاق قابلا بذاته للتنفيذ كما تنفذ العقود وينطبق هذا الاتفاق على ما ينطبق على الاتفاقات الأخرى من قواعد ومبادئ ومن أهمها قاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين ولا يتولد عن الصلح أي حكم إلا إذا طعن في عقد الصلح وصدر حكم في دعوى بطلان أو نسخ هذا العقد من قضاء الدولة وف التحكيم يقوم الطرف الثالث أو المحكم بأعمال للقواعد القانونية على النزاع المعروف أمامه-فيمنح الحق لصاحبه وفق لهذه القواعد في الصلح فإن دوره الطرق الثالث وهو المصلح يقتصر لهته الأمور بين الطرفين ومحاولة تقريب وجهات النظر وإزالة أسباب النزاع وتحقيق حدة التوتر

ب  تفاوت مبدأ سلطان الإرادة في كل من التحكيم الخاص و التحكيم المؤسساتي

إن اتفاق التحكيم، سواء أبرم قبل وقوع النزاع أو بعده، وسواء كان في صيغة شرط تحكيم أو عقدا ، قد يرد في صورة تحكيم منظم، وهو ما يطلق عليه التحكيم المؤسساتي، أو صورة تحكيم حر أو ما يسمى بالتحكيم الطليق أو الخاص.
وتلعب مؤسسات التحكيم الدائمة، سواء سميت غرفا أو مراكز أو غير ذلك، دورا أساسيا في وضع حد للتدخل القضائي [3] ومن هنا تم تقسيم التحكيم إلى تحكيم مؤسساتي Institutionnel وتحكيم غير مؤسساتي أو حر Ad hoc.

أولا: التحكيم الخاص

قد يتفق الطرفان على إحالة نزاعهما إلى التحكيم فحسب، دون الإشارة إلى مؤسسة تحكيم. في هذه الحالة، نكون أمام ما يمكن تسميته بالتحكيم الطليق أو الحر. فمعيار التفرقة بين نوعي التحكيم إذن، شكلي من حيث وجود أو عدم وجود إشارة في اتفاق التحكيم، لإحدى مؤسسات التحكيم. ففي الحالة الأولى يكون التحكيم مؤسساتياً. وفي الحالة الثانية يكون حراً. وهذا يقودنا إلى القول، بأن الأصل في التحكيم أنه حرّ، ما لم يتبين من اتفاق الطرفين غير ذلك، أي أنه مؤسساتي، وفي هذا النوع من التحكيم يحدد أطراف النزاع المواعيد والمهل ويعينون المحكمين ويقومون بعزلهم أو ردهم ، ويقومون بتحديد الإجراءات اللازمة للفصل في قضايا التحكيم ، ويعتبر التحكيم خاصاً ولو تم الاتفاق بين طرفي النزاع على تطبيق إجراءات وقواعد منظمة أو هيئة تحكيمية طالما أن التحكيم يتم خارج إطار تلك المنظمة أو الهيئة . فالعبرة في هذا النوع من التحكيم بما يختاره طرفا النزاع من إجراءات وقواعد تطبق على التحكيم وخارج أية هيئة أو منظمة تحكيمية حتى وإن استعان الطرفان بالإجراءات والقواعد والخبرات الخاصة بتلك الهيئة أو المنظمة.
ومن أبرز قواعد التحكيم الحر أو الخاص في الوقت الحاضر، في المجال الدولي، القواعد التي وضعتها  لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي UNCITRAL)) أو ( CNUDCI ) فبدلا من قيام الأطراف أو هيئة التحكيم بإعداد قواعد إجرائية لإتباعها في التحكيم الحر، سهلت اللجنة المهمة عليهم بأن وضعت تلك القواعد لإتباعها إذا رغب الأطراف بذلك. وقد انتشرت هذه القواعد انتشارا واسعا في إطار التحكيم الدولي، حتى أن بعض مؤسسات التحكيم تبنتها واعتبرتها كنظام تحكيم للمؤسسة. بل أن بعض الدول تبنتها في تشريعاتها الداخلية .

ثاتيا: التحكيم المؤسساتي

لقد فرض التحكيم أهميته وجدواه بل ضرورته خصوصاً في مجال علاقات التجارة الدولية ، مما اقتضى قيام مؤسسات وهيئات ومراكز متخصصة في مجال التحكيم بما تملكه من إمكانيات علمية وفنية مادية وعملية ولوائحها الخاصة في إجراءات التحكيم .
ولقد أنشئت العديد من تلك الهيئات سواء على المستويات الإقليمية أو الدولية كما ذكرنا آنفاً. و يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال:
-هيئة التحكيم لغرفة التجارة الدولية (CCI.)
-هيئة التحكيم الأمريكية (A.A.A)
-محكمة لندن للتحكيم الدولي:( LCIA )
-الهيئة العربية الأوروبية للتحكيم التجاري التابعة لغرفة التجارة العربية الأوروبية.
ففي التحكيم المؤسساتي، تختص المؤسسة المحال لها التحكيم بنظر النزاع دون غيرها. فلو تقدم أحد الطرفين بطلب تحكيم أمام مؤسسة أخرى، فإنه يجوز للطرف الآخر أن يرد على ذلك الطلب بعدم الاختصاص. و من الناحية العملية، فان تلك المؤسسة الأخرى تغلق ملف التحكيم، بل يجب عليها ذلك. فلو فرضنا أنها استمرت بالتحكيم بالرغم من ذلك، فان النتيجة العملية لذلك هو عدم قابلية القرار الصادر للتنفيذ خاصة إذا لم يحضر الطرف الآخر التحكيم.
وإذا كان التحكيم مؤسساتيا، يجب التقيد بقواعد التحكيم المطبقة لدى المؤسسة، باعتبارها أصبحت جزءا من الإتفاق ، وإلا جاز لأطراف النزاع الطعن بأي مخالفة بهذا الخصوص .
وفي التحكيم المؤسسي، تختص المؤسسة المحال لها النزاع بنظر هذا النزاع وتسويته تحكيماً دون غيرها. فلو تقدم أحد الطرفين بطلب تحكيم لدى مؤسسة أخرى، فإنه يجوز للطرف الأخر أن يرد على ذلك الطلب بعدم الاختصاص أو حتى لا يرد مطلقاً. ومن الناحية العملية، فإن تلك المؤسسة الأخرى تغلق ملف التحكيم في هذه الحالة، بل يجب عليها ذلك. ولو فرضنا أنها استمرت بالتحكيم بالرغم من ذلك، يكون حكم التحكيم عرضة للطعن به أمام القضاء، بالبطلان أو الاستئناف أو غير ذلك،

المطلب الثاني:الآثار المترتبة على الطابع التعاقدي للتحكيم في مجال التجارة الدولية
الفقرة الأولى: القوة الملزمة لاتفاق التحكيم بالنسبة للإطراف

يعني مبدأ القوة الملزمة لاتفاق التحكيم هنا، أن اتفاق التحكيم الذي ابرم صحيحا يلزم طرفيه،ولا يجوز لأي منهما التراجع عنه انفراديا ، و إنما يجب عليهما في حالة حدوث النزاع المبدأ في اتخاذ إجراءات التحكيم[4].
ويجد هذا المبدأ سنده في المادة 25 من اتفاقية واشنطن لعام 1965 الخاصة بتسوية منازعات الاستثمارات بين الدول و رعايا الدول الأخرى، حيث جاء فيها ''إذا اتفق طرفا النزاع كتابة ،على إحالة أي خلافات قانونية تنشا مباشرة عن استثمار بين دولة متعاقدة وبين مواطن من دولة أخرى غير متعاقدة ،إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بطريق التحكيم،أو بأي طريق آخر،فانه لا يحق لأي من الطرفين أن يسحب هذه الموافقة دون قبول الطرف الأخر''.
ولم يتقاعس قضاء التحكيم في تأكيد ما سبق ومن أمثلة ذلك الحكم الصادر في قضية Elf-Aquitain  ضد الشركة الوطنية الإيرانية للبترول سنة 1986 جاء فيه''من المبادئ المعترف بها، أن الدولة المرتبطة بشرط تحكيم منصوص عليه في اتفاق أبرمته الدولة ذاتها،أو من خلال شركة تابعة لها، لا تستطيع بإرادتها المنفردة في تاريخ لاحق،أن تمنع الطرف الأخر معها من الالتجاء إلى الوسيلة المتفق عليها لتسوية المنازعات الناشئة عن العقد المبرم بينهما''[5].

الفقرة الثانية:القوة الملزمة لاتفاق التحكيم بالنسبة للقضاء

يقضي هذا المبدأ،بان تمتنع المحاكم عن البث في دعوى تتعلق بوجود شرط تحكيم أو صحته، أو في موضوع النزاع مباشرة بالرغم من صحة وجود هذا الشرط ظاهريا،قبل أن يقول المحكمون كلمتهم فيها[6].
وتؤكد مختلف القوانين العصرية للتحكيم هذا المبدأ ،فالقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الاونيسترال ينص في مادته الثامنة على مايلي''على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في مسالة ابرم بشأنها اتفاق تحكيم:

1-أن تحيل، الطرفين إلى التحكيم، إذا طلب منها ذلك احد الطرفين في موعد أقصاه تاريخ تقديم بيانه الأول في موضوع النزاع، ما لم يتضح لها أن الاتفاق باطل ولاغ، أو عديم الأثر أو لا يمكن تنفيذه.

2-إذا رفعت دعوى من النوع المشار إليه في الفقرة الأولى من هذه المادة،فيظل من الجائز البدء أو الاستمرار في إجراءات التحكيم،ويجوز أن يصدر قرار التحكيم و الدعوى لا تزال عالقة أمام المحكمة''.

هذا كما نصت المادة الثانية من اتفاقية نيويورك لعام 1958''على محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها النزاع حول موضوع كان محل اتفاق تحكيم من الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة ،أن تحيل الخصوم،بناءا على طلب احدهم إلى التحكيم،وذلك ما لم يثبت للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل و لا اثر له أو غير قابل للتطبيق''.
وبالرجوع إلى التشريع المغربي نجد المشرع ينص في الفصل 327 من قانون المسطرة المدنية انه''عندما يعرض نزاع مطروح أمام هيئة تحكيمية عملا باتفاق تحكيم على نظر إحدى المحاكم وجب على هذه الأخيرة،إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل الدخول في جوهر النزاع أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاذ مسطرة التحكيم أو إبطال اتفاق التحكيم''.
وتجدر الإشارة إلى أن الدفع الذي تثيره المحكمة أثار خلافا بخصوص نوعه، أهو دفع بعد القبول أم دفع بعدم الاختصاص؟
من خلال المادة 327 من قانون المسطرة المدنية نجد أن المشرع المغربي استعمل مصطلح الدفع بعدم القبول في حين أن الدفع بعدم القبول حدد المشرع الحالات التي يمكن الدفع فيها بعدم القبول، وعليه يكون الصواب هو اعتباره دفعا بعدم الاختصاص كما نصت على ذلك معظم التشريعات كالتشريع الفرنسي في مادته 1458 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي و المشرع المصري في المادة 13 من قانون التحكيم المصري

المبحث الثاني: استقلال التحكيم التجاري الدولي بمصادره ومبادئه


يعد التحكيم التجاري التحكيم التجاري الدولي مؤسسة متميزة يتجلى دورها الرئيسي في فض النزاعات المتعلقة بالتجارة الدولية وهكذا فلا عجب أ، تتعدد مصادر هذه المؤسسة القانونية سواء من حيث تعدادها،أو من حيث طبيعتها،على هذا الأساس ارتأينا تقسيمها الى مصادر داخلية وأخرى خارجية للتحكيم التجاري الدولي.

المطلب الأول: اهتمام المشرع بوضع قواعد خاصة ب التحكيم التجاري الدولي في قوانين او مدونات مستقلة
أولا:القوانين الوطنية

تتمثل عادة فيما نجده في القوانين الداخلية للدول من أحكام خاصة بتنظيم التجارة الدولية، والتحكيم التجاري الدولي، وهذا ما يلاحظ من خلال استقراء قانون08.05المتعلق بالتحكيم و الوساطة الاتفاقية في الفصل 39.327.

ثانيا:الاتفاقيات الدولية

وسواء كانت هذه الاتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف ونذكر على سبيل المثال:
v      اتفاقية جنيف"البروتوكول الخاص بأحكام المحكمين الموقع بجنيف1923.24.9.
v      الاتفاقية الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجانب الموقعة بجنيف1927.9.26.
v      إتفاقية البنك الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول ورعايا الدول الأخرى.

المطلب الثاني: مساهمة أعراف التجارة الدولية في استخدام قواعد التحكيم التجاري الدولي

إن الخاصية التي تجمع هذا النوع من المصدر كونها من إنشاء الممارسين التجاريين سواء من أجهزة دولية أو محكمين دوليين خارج أي إطار لدولة ما، وفي هذا الصدد نجد:

أولا:أعراف التجارة الدولية

نشأت هذه الأعراف في الأوساط التجارية و المهنية وذلك استجابة لمتطلبات التجارة الدولية، ومع تكاثر العمل بها،أصبحت معترفا بها في أوساط الأعمال التجارية بصفة كونها قواعد ملزمة،وهو النهج الذي سار عليه مشرعنا المغربي فنص الفصل44-327 في فقرته الثانية ومن بين هذه الأعراف و العادات المعمول بها في ميدان التجارة الدولية نجد التعامل بحسن نية،الالتزام بالتقسيم المتساوي للأعباء و المخاطر و كذا المسؤولية العقدية.

ثانيا:المبادئ العامة للقانون

يتم اللجوء إلى هذه المبادئ العامة للقانون و اعتمادها في حالتين:

أ‌-       الحالة الأولى: بالنظر إليها على أنها مصدر احتياطي و تكميلي لتطبيق قواعد القانون الوطني.
ب-الحالة الثانية:وهي التي يتم تبنيها من قبل المحكمين لأنها مناسبة للفصل في النزاع،ولكن من الناحية العملية فان المحكمين لا يلتجئون إليها إلا من بعد إثبات أن الأطراف قد ركزوا علاقتهم داخل نظام قانوني وبعد تبيان استحالة تطبيق قانون وطني.
ويمكن القول أن هذه المبادئ العامة هي فقط مبادئ مشتركة بين القوانين المختلفة، دون أن تتمتع بالاستقلال عن هذه القوانين وتؤدي وظيفة سد النقص الذي قد يجده المحكمون في الأعراف التجارية الدولية.

المطلب الثاني: المبادئ الضرورية لضمان فعالية التحكيم في مجال التجارة الدولية
الفقرة الأولى: مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي

يأخذ اتفاق التحكيم صورتين، صورة شرط تحكيم و صورت عقد تحكيم. وإذا كان هذا الأخير عقد مستقل بطبيعته عن العقد الأصلي، فإن الإشكال يثار بصدد شرط التحكيم الوارد في صلب العقد الأصلي كبند من بنوده،حيث ثار الجدل على مستوى الفقه و القضاء حول تحديد مدى ارتباط شرط التحكيم بالعقد الأصلي.فهل يعتبر جزء منه يتوقف مصيره على مثير العقد الأصلي وجودا و عدما أم أن شرط التحكيم يتمتع بكيان مستقل قائم بذاته؟
لتجاوز هذا الخلاف، ولتحقيق الفعالية المطلوبة للتحكيم كضمانة للمتعاملين في حسم منازعاتهم تم تقرير مبدأ استقلالية شرط التحكيم عن العقد الأصلي.
ويجد مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي سنده في العديد من التشريعات التي منها من اخذ و بشكل صريح بهذا المبدأ،ومن هذه التشريعات نجد قانون التحكيم المصري في مادته 23، وأيضا القانون القضائي البلجيكي في الفصل 1697،قانون المسطرة المدنية الايرلندي(الفصل 1053)، القانون الدولي الخاص السويسري (الفصل 178) ،قانون المسطرة المدنية الجزائري (الفصل 458 مكرر) مجلة التحكيم التونسية (الفصل 61)[7].
وبالرجوع إلى التشريع المغربي نجد أن المشرع المغربي لم ينص على مبدأ استقلال شرط التحكيم في الفرع المخصص للتحكيم الدولي و إنما نص عليه في باب التحكيم الداخلي،و لكن هذا المبدأ يطبق في التحكيم الدولي بصريح الفصل 43-327 من قانون المسطرة المدنية .ونفس الملاحظة بالنسبة للتشريع الفرنسي ،لكن القضاء الفرنسي قد اقر استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي ،وهذا ما نجده في الحكم الذي أصدرته محكمة النقض الفرنسية[8] في قضية ''COSSET ''الصادر بتاريخ 7 مايو 1963 حيث جاء فيه''في مجال التحكيم الدولي فان اتفاق التحكيم سواء كان مبرما على نحو منفصل أو كان مدرجا في التصرف القانوني المتعلق به،فانه يتمتع باستقلال قانوني كامل بحيث لا يتأثر بما قد يلحق هذا التصرف من بطلان إلا في بعض الظروف الاستثنائية''.
وقد أشارت المحكمة نفسها إلى المبدأ في حكمها[9] المتعلق بقضية'' DROGE'' الصادر في 14 دجنبر 1983 حيث جاء فيه''في مجال التحكيم الدولي يتمتع شرط التحكيم باستقلال كامل تجاه العقد''.
هذا وقد أشار أيضا القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي إلى استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي في مادته 16.
و برز مبدأ استقلال شرط التحكيم أيضا في أحكام التحكيم ومنها حكم التحكيم الصادر في قضية ''اليامكو'' ضد الحكومة الليبية ،الصادر في 12 ابريل 1977 وجاء فيه''شرط التحكيم يظل باقيا بعد فسخ الدولة للعقد الذي يتضمنه و إن هذا الشرط يظل نافذ المفعول حتى بعد هذا الفسخ''[10].
ويترتب على مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي اثرين مهمين:
1-عدم ارتباط مصير اتفاق التحكيم بمصير العقد الأصلي من بطلان أو فسخ أو ماشابه ذلك .
2-إمكانية خضوع اتفاق التحكيم لقانون يختلف عن القانون المطبق على العقد.
وهكذا يعتبر مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي من المبادئ المستقرة بشان التحكيم التجاري الدولي ،وهذا ما يؤدي إلى تحقيق فعالية التحكيم كضمانة للمتعاملين في التجارة الدولية ،و يبعث في نفوسهم الثقة و الاطمئنان من خلال تحصين شرط التحكيم من كل أسباب البطلان التي تمس عقد الأصلي،وهذا ما يجعل من التحكيم وسيلة فعالة لحسم المنازعات الناشئة عن التجارة الدولية.

الفقرة الثانية: مبدأ الاختصاص بالاختصاص

يعني هذا المبدأ انه في حالة ما إذا اعترض أحد أطراف النزاع بعدم اختصاص محكمة التحكيم بالفصل في النزاع،أو بعدم وجود اتفاق يشير باللجوء إلى التحكيم ،فإن الذي يفصل في ذلك هم المحكمين أنفسهم،وليس للمحكمة أن تفصل في مسألة اختصاص المحكمين كما أوضحنا ذلك سابقا،وهذا ما يبرز فعالية التحكيم كوسيلة ضامنة لحسم منازعات التجارة الدولية من خلال السرعة في حسم المنازعات.
مبدأ الاختصاص بالاختصاص  أصبح معترفا به في معظم المعاهدات الدولية، وكل قوانين التحكيم العصرية، و كذا في أنظمة مراكز التحكيم الدولي.
فإذا كانت اتفاقية نيويورك لعام 1958 لم تأخذ موقفا من هذا المبدأ، فإن اتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار أقرته و نصت عليه في مادتها 16 .
وعلى صعيد التشريعات فقد نص المشرع المغربي على هذا المبدأ في المادة 9-327 حيث نص على انه'' على الهيئة التحكيمية قبل النظر في الموضوع،أن تبث إما تلقائيا أو بطلب من احد الأطراف في صحة اتفاق التحكيم، وذلك بأمر غير قابل للطعن وفق نفس شروط النظر في الموضوع وفي نفس الوقت''.
هذا كما نصت على مبدأ الاختصاص بالاختصاص كل من المادة 22 من قانون التحكيم المصري،المادة 16 من القانون البلجيكي والمادة 26 من مدونة التحكيم التونسية.
وإذا كان المشرع الفرنسي نص على هذا المبدأ بشان التحكيم الداخلي في المادة 1466 من قانون المسطرة المدنية، فإن الذي استقر عليه هو تطبيقه في مجال التحكيم التجاري الدولي رغم انعدام النص.فقد أشارت محكمة النقض الفرنسية[11] بتاريخ 10ماي1995 في قضية ''كوبوداك'' إلى هذا المبدأ حيث جاء في القرار''الهيئة التحكيمية وحدها مختصة بالبث في صلاحية و حدود نصيبها وولايتها عندما يكون النزاع قد رفع أمامها،ولا يمكن لرئيس المحكمة أن يصرح بأنه ليس هناك مجال لتعيين المحكمين لأنه يظهر بوضوح أن الشرط التحكيمي باطل،إلا في حالة رفع دعوى أمامه تتعلق بصعوبة في تأسيس الهيئة التحكيمية''.
إذن الهدف من تطبيق هذا المبدأ هو العمل على منع الخصم الذي لا يريد أن تستمر عملية التحكيم بكيفية عادية إلى النهاية من تقديم أي دفع يطعن بمقتضاه في وجود الشرط التحكيمي أو صحته،
وكذلك منعه من إثارة أي طلب يرمي من خلاله الحصول على إيقاف مسطرة التحكيم إلى حين صدور قرار عن محاكم الدولة حول الشرط التحكيمي.        

المراجع المعتمدة

·        ذ. محمد سلام الطرق البديلة لتسوية النزاعات ودورها في تخفيف العبئ على القضاء مقال منشور في الصلح والتحكيم و الوسائل البديلة لحل المنازعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى الندوة الجهوية الحادة عشر في 1و2 نونبر 2007 مطبعة الأمنية الرباط 2007
·        ذ.  أبو الوفا , التحكيم الاختياري والإجباري الطبعة الثانية
·        ذ. احمد عبد الكريم سلامة،قانون التحكيم التجاري الدولي و الداخلي، الطبعة الاولى
·        ذ. عبد الرحمان المصباحي،المبادئ الضرورية لضمان فعالية التحكيم في منازعات عقود الاستثمار، مجلة القضاء و القانون عدد 156
·        ذ. عبد الرحيم زضاكي، التحكيم الدولي على ضوء القانون المغربي الجديد و المقارن،الطبعة2010
·        ذ. عبد الحميد الاحرب،التحكيم الدولي، موسوعة التحكيم،
 *Casse 1 Civ,7mai1963KJVP 1993
L’autonomie de l’arbitrage commercial international,Paul lagarde
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]  د محمد سلام الطرق البديلة لتسوية النزاعات ودورها في تخفيف العبئ على القضاء مقال منشور في الصلح والتحكيم و الوسائل البديلة لحل المنازعات من خلال اجتهادات المجلس الأعلى الندوة الجهوية الحادة عشر في 1و2 نوبر 2007 مطبعة الأمنية الرباط 2007 ص 343
[2]  د محمد سلام مرجع سابق ص 330
[3]  أبو الوفا , التحكيم الاختياري والإجباري الطبعة الثانية صفحة 11
[4] ذ. عبد الرحمان المصباحي،المبادئ الضرورية لضمان فعالية التحكيم في منازعات عقود الاستثمار، مجلة القضاء و القانون عدد 156،ص110 
[5] -ذ. احمد عبد الكريم سلامة،قانون التحكيم التجاري الدولي و الداخلي، الطبعة الاولى ،ص441
[6] -ذ. عبد الرحيم زضاكي، التحكيم الدولي على ضوء القانون المغربي الجديد و المقارن،الطبعة2010 ،ص55
[7] ذ. عبد الرحيم زضاكي، التحكيم الدولي على ضوء القانون المغربي الجديد و المقارن، الطبعة 2010، ص51
[8] -Casse 1 Civ, 7mai1963KJVP 1993
L’autonomie de l’arbitrage commercial international, Paul lagarde,P23
[9] 3-ذ. احمد عبد الكريم سلامة، نفس المرجع، ص 450
[10] ذ. عبد الحميد الاحرب،التحكيم الدولي، موسوعة التحكيم، ص 237- 
[11] -ذ.عبد الحميد الاحرب، نفس المرجع، ص 236
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات