القائمة الرئيسية

الصفحات

حماية المستهلك في القانون الفرنسي والمغربي


حماية المستهلك في القانون الفرنسي والمغربي




مقدمـــــة: 

يعتبر تحقيق الحماية لفئة من المستهلكين في الدول النامية و أيضا المتقدمة من المشاكل التي فرضت نفسها في العصر الحالي. إلا أن هذه الحماية تجد ملامحها في العصور القديمة.وقد كانت الشريعة الإسلامية سباقة إلى حماية المستهلك في قواعدها إلا أن مصطلح المستهلك لا وجود له في قواعد و أحكام الشريعة الإسلامية إلا أنها كانت رائدة في تكريس الحماية للمسلم (المستهلك) وذلك بإنشاء أجهزة تسهر على أمنه و محاربة الممارسات المضرة بالمعاملات التجارية.[1]
وأبرز هذه الأجهزة مؤسسة الحسبة التي تختص في المسائل المتعلقة بالأمن و راحة السكان، النظافة خاصة في الأسواق و الشوارع و أيضا قمع الغش و مراقبة صناعة المنتجات و الأطعمة و الألبسة و المكاييل. ونجد حماية المستهلك جلية في نصوص القرأن و السنة : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من غشنا فليس منا" و قوله عز و جل " يا أيها الذين امنوا لاتآكلوا أموالكم  بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم".
آما التشريعات الحديثة فقد بادرت إلى إخراج قوانين تروم حماية المستهلك وقد كان السبق في الاعتراف بحقوق الطبقة المستهلكة لدول شمال أوروبا كما هو الشأن بالنسبة لمبادرة المشرع الألماني بمقتضى القانون المؤرخ في 9/12/1979 و المشرع الدانمركي الذي بادر إلى إخراج قانون لحماية المستهلك في 1975 أما دول الجنوب الأوروبي فلم تهتم إلا في بداية الثمانينات من القرن الماضي : مبادرة لوكسمبورغ 1983 واسبانيا 1984 و بلجيكا 1991 أما المشرع الفرنسي فقد وضع بمقتضى قانون 26/7/1993 المدونة العامة لحماية المستهلك أما التشريعات العربية فقد كانت قاصرة في هذا المجال إذا استثنينا قانوني حماية المستهلك في كل من الجزائر و تونس و التجربة المغربية المتأخرة متجلية في قانون 31.08.[2]
وقد جاء هذا القانون نتيجة لقصور قواعد ق ل ع التي يرجع تاريخها إلى بداية القرن العشرين و التي لم تعرف وجود مصطلح المستهلك بين نصوصها وآنذاك لم يكن بالإمكان التطلع إلى حماية أكثر فعالية و أكثر جرأة للمتعاقد الضعيف.
فالتشريع المدني المغربي لم يأخذ بانعدام التوازن في العقد الاستهلاكي وإنما اعتد بتحقيق شروط النظريات التقليدية التي تحمي المتعاقد بدون تحديده اهو مهني أو مستهلك.
لكن التطورات الاقتصادية و الاجتماعية استدعت توفير الحماية من أخطار العقود ولعل أهمها الارتفاع المتزايد في الإنتاج وسرعة إبرام المعاملات و تزايد التعامل بعقود الإذعان.
وقد طرح أول مشروع قانون يهدف إلى حماية المستهلك  في بداية الثمانينات من القرن الماضي غير انه و نتيجة لتضارب مصالح الجهات المحتضنة للمشروع تعطل هذا المشروع حتى سنة 2010 حيث أدرج في جدول أشغال الهيئة التشريعية لموسم 2010 وهذا ما أسفر عن ولادة قانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك والذي تضمن مجموعة من القواعد الحمائية و لاسيما بعض الحقوق الجديدة كالحق في الإعلام و الحق في التمثيلية داخل الجمعيات إضافة إلى الحق في التراجع.[3]
ولكي نعالج موضوعنا ارتأينا أن نطرح الإشكالية التالية :
ما هي أبرز التوجهات القانونية في مجال حماية المستهلك في كل من القانون المغربي والفرنسي ؟
أين تتجلى حماية المستهلك في القانون الفرنسي و ما هي مظاهر القوة و القصور في تجربة المغرب في حماية فئة المستهلكين ؟

المبحث الأول : المبادئ الأساسية لحماية المستهلك في القانون المغربي والفرنسي :

  أمام تعاظم حاجيات الإنسان وإقباله المضطرد على الاستهلاك، وأمام تعاظم الانتاج وتطور طرق توزيعه وتنوع أساليب الرعاية. وفي المقابل تطور أساليب التقليد والتزييف والغش، كان لزاما على التشريعات التدخل لحماية هذا المستهلك ومن تم بروز حركات حماية المستهلك وإصدار القوانين.

المطلب الأول : حماية المستهلك من خلال القوانين التقليدية المغربية و الفرنسية

لقد ظهرت البوادر الاولى لحماية المستهلك منذ الحماية من خلال القرار البلدي الصادر في الدار البيضاء في 20 نوفمبر 1913 المتعلق بوجود الغش في تجارة الموارد الغذائية والمواد المخصصة للمداواة ومنع عرضها للبيع والمنظم لمسطرة حجز المواد أو إتلافها وللعقوبات المقررة للمخالف.
لكن مع ذلك ظلت القواعد العامة للتشريع المغربي هي المرجعية الأساسية في حماية المستهلك رغم غياب لفظة مستهلك فيها، حيث يحمي ق ل ع المتعاقد دون التمييز سواء كان مستهلكا أو مهنيا، و تمحورت في رضى المشتري عن عيوب البيع من خلال ضمان العيوب، وكذلك ضمان الاستحقاق الوارد في الفصل 532،[4] وهو ما ينطبق على المكتري أيضا الذي يتمتع بالضمان من التشويش وبالتالي الاستحقاق وفقا للفصل 646، إلى جانب حمايته من الاستغلال في شكل غبن والتدليس.
كما انضافت تشريعات خاصة إلى القواعد العامة لتشكل تقنيات خاصة لحماية المستهلك نذكر منها، الظهير الشريف المتعلق ببيع عربات النقل المؤرخ في 17 يوليوز 1936، تلاه قانون زجر الغش وأعراف تجارية كانت الأساس في الممارسة البنكية إلى حين صدور قانون 31 مارس 1943، القانون رقم 008.81 الصادر في 12 أكتوبر 1971 المتعلق بتنظيم الأثمان ومراقبتها وشروط استهلاك المنتوجات والبضائع وبيعها، ثم تلاه مرسوم 1967، و قانون 8 أكتوبر 1984 رقم 13.83 المتعلق بزجر الغش في البضائع وبالتالي اعتبار افعال المادية المتعلقة بالوزن والتزييف والإعلانات الكاذبة لتليه مرحلة التسعينيات والإصلاحات القانونية مع قانون بنكي لسنة 1993 ومدونة التجارة لسنة 1996، ثم قانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة الصادر في 6 يوليوز 2002 والذي أعطى الضوء لإمكانية تدخل الإدارة كتحديد الأسعار وأحدث مجلس للمنافسة وخطر الاحتكارات والتخالفات المعرقلة للمنافسة، وتعسف المنتجين، ومما جاء في ديباجة هذا القانون أنه "يهدف إلى تحديد الأحكام المطبقة على حرية الأسعار وإلى تنظيم المنافسة الحرة، وتحديد قواعد حمايتها قصد تنشيط الفعالية الاقتصادية وتحسين رفاهية المستهلكين"، فجاء في المادة 47 منه ما يفيد ضرورة وضع علامة أو ملعقا أو إعلان أو أي طريقة مناسبة أخرى إعلاما للمستهلك بالأسعار والقروض الخاصة للبيع أو إنجاز الخدمة، وكذا المادة 52 التي توجب على كل منتج أو مقدم خدمات أو مستورد أو بائع بالجملة بأن نخبر كل من يشتري منتوجا او يطلب خدمة أن تمكنه من جدول الأسار وشروط البيع إذا طلب ذلك.
و وصولا الى قانون المستهلك رقم 31.08. موضوع المطلب الثاني.
بالرجوع  إلى قانون الالتزامات والعقود المغربي او الفرنسي، نجده تطرق لموضوع حماية المستهلك و لو بشكل غير صريح، ووضع عدة ضوابط لتحقيق ذلك، غير أن التساؤل يطرح عن مدى كفاية القواعد الواردة في القانون المدني باعتباره الشريعة العامة في توفير حماية فعالة للمستهلكين في إطار علاقتهم مع المهنيين ،والمنتجين ،وكبار التجار المحترفين.

الفقرة الأولى: التوازن العقدي في ظل مبادئ قانون الإلتزامات و العقود :

يعبر مبدأ سلطان الإرادة عن حرية الأفراد في التعاقد، فإرادة الفرد وحدها تكفي لإبرام العقود، و بالتالي تستطيع هذه الإرادة إنشاء الالتزامات العقدية، والالتزام التعاقدي يقوم مقام القانون بالنسبة إليهما، وهذا ما نص عليه الفصل 230 من ق.ل.ع[5] ولتفصيل هذا المبدأ يجب مناقشته من خلال المبادئ المنبثقة عنه و المتمثلة في مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، مبدأ القوة الملزمة للعقد و مبدأ نسبية آثار العقد.

أولا : مبدأ العقد شريعة المتعاقدين

إن العقد[6] في نظر الفقه عامة هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني، و بالتالي فإنه يستشف من هذا التعريف افتراض نوع من التوازن العقدي بين الأطراف و تفاوض مسبق حول مضمونه و شروطه و كيفية تنفيذه بكل حرية و بحسن نية، و إذا ما أردنا استغلال هذه المبادئ التقليدية لحماية المستهلك من موقع الضعف و حمايته من طغيان الطرف القوي المتمثل في المهني الذي يعمل من أجل فرض سيطرته و نفوذه عليه، فإننا نجد مبدأ سلطان الإرادة المنصوص عليه في الفصل 230 من ق ل ع المغربي المقابل للمادة 1134 من القانون المدني الفرنسي و الذي ينتج عنه نتيجتان هما كون العقد شريعة المتعاقدين و الثانية أنه لا يجوز إلا برضا المتعاقدين معا أو بنص من القانون، و ذلك طبعا دون خرق المنظومة التقليدية لعيوب التراضي، يوحي بأن المستهلك في العقد له إرادة تمكنه من أن يكون نفس القوة مع الطرف الآخر، إلا أن هذا النوع الجديد من العلاقة التعاقدية أي العلاقة بين المستهلك الذي غالبا ما يكون شخصا عاديا مع البائع أو المنتج الذي يكون له وزن اقتصادي يفرز عقودا غالبا ما يدرج فيها شروط جزائية تعسفية و بنود مخفية أو معفية من تحمل الضمان و التي غالبا ما تكون صياغتها غامضة عن قصد و مدروسة باحترافية، مما يجعل هذا المستهلك في نهاية المطاف أمام خيارين لا ثالث لهما، إما رفض التعاقد أو قبول هذا التعاقد بشرط الطرف القوي على مضض.

ثانيا : القوة الملزمة للعقد

كما ق ل ع المغربي و الفرنسي، رسخ هذا المبدأ و التي تجعل العقد المبرم بين الجانبين بمثابة قانون[7]، و بالتالي فلا يجوز التحلل من الالتزام الذي أنشأه العقد و بالتالي فإن المستهلك متى أبرم عقدا للحصول على سلعة أو خدمة استهلاكية ما، إنما يلتزم بذلك العقد و تنفيذه أيا كانت الظروف و إلا اعتبر في حالة مطل حسب المادة 254 ق ل ع : "يكون المدين في حالة مَطْـل، إذا تأخر عن تنفيذ التزامه، كليا أو جزئيا، من غير سبب مقبول"، و أجبر على إتمام الالتزام و دفع التعويض حسب الفصل 259 من ق ل ع :" إذا كان المدين في حالة مَطْـل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، مادام تنفيذه ممكنا. فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين. ....." حتى و لو كانت السلعة أو الخدمة لا تفي بالغرض الذي يسعى إليه أو لا تفيده أصلا، في حين أن المستهلك كفرد لا تتوفر له القدرات الفنية و القانونية و الوقت الكافي للتفكير في جميع ما يبرمه من عقود و صفقات الاستهلاك.

ثالثا : مبدأ القوة نسبية آثار العقد

حسب الفصل 228 من قانون الالتزامات و العقود، فالالتزامات لا تلزم إلا من كان طرفا في العقد، فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون، و بالتالي فهي لا تمتد إلى أطراف أخرى يمكن أن تتضرر من هذه العلاقة التعاقدية، و هذا المبدأ متناسب مع المفهوم التقليدي للعقد، و لكنها قاصرة على احتواء طبيعة العلاقة في العقد الاستهلاكي الذي غالبا ما يكون فيه تعدد الأطراف بعضهم أجنبي عن العلاقة التعاقدية، مثلا لو اشترى الأب هاتفا خلويا و قام الإبن باستعماله فانفجرت البطارية لرداءة الجودة و تأذى الإبن، فإنه وفقا لمبدأ نسبية آثار  العقد لا يمكنه الرجوع على البائع.
مما سبق يظهر جليا أن مبدأ سلطان الإرادة قاصر على تحقيق التوازن التعاقدي وغير منسجم مع الطرق والأساليب الحديثة للتعاقد، الشيء الذي يحتم ضرورة البحث في قانون الالتزامات والعقود عن الآليات الأخرى الكفيلة بحماية المستهلك.

الفقرة الثانية : تقييم نجاعة عيوب الإرادة في حماية المستهلك

إذا ما أردنا تحوير عيوب الرضى التي جاء بها قانون الالتزامات و العقود كضمانة و حماية للمستهلك حيث نصت المادة 39 من ق ل ع على أنه يكون قابلا للإبطال الرضى الصادر عن الغلط أو الناتج عن تدليس أو المنتزع بإكراه، فإننا سنحاول بالتحليل تقييم مدى نجاعتها في ذلك.

أولا : الغلط

عرف بعض الفقه[8] الغلط بكونه عبارة عن وهم يصور للمتعاقد الواقع على غير حقيقته ويدفعه إلى التعاقد نتيجة لهذا التصور الخاطئ بحيث ما كان ليتعاقد لو علم هذه الحقيقة أو أنه كان سيتفاوض وفقا لشروط أخرى غير التي تفاوض بها تحت وطأة الغلط.
و بالرجوع إلى قانون الالتزامات والعقود نجد أنه نظم أحكام الغلط في الفصول من 40 إلى 45 مبرزا حالات الغلط التي يعتد بها[9] وهو نفس الاتجاه الذي سلكه المشرع المدني الفرنسي[10].
حيث لا ينفذ العقد إذا وقع الغلط في ذات المتعاقد أو في صفته و كانت تلك الصفة السبب الوحيد أو الرئيس في التعاقد.
و من هنا يمكن أن نتصور مدى صعوبة إمكانية إثبات الغلط في خضم العقود الحديثة شديدة التعقيد و التي يصعب على الشخص العادي أن يستوعبها بسهولها: فهل يمكن التمسك بالغلط لتحقيق حماية في ظل محدودية الفصول المنظمة للغلط في ق ل ع، و يبقى فقط الأمل كبير في القضاء لتطويع القوانين على الظروف و هذا ما عمل به القضاء الفرنسي سابقا قبل صدور قوانين حماية المستهلك حيث أبدى دائما تشددا على الشخص المحترف.

ثانيا : الغبن

عرفه الأستاذ عبد القادر العرعاري بأنه ذلك الحيف أو الخسارة التي تلحق المتعاقد في عقد المعاوضة إذا كانت قيمة ما أخذه لا تتناسب إطلاقا مع ما أعطاه، وإذا كان المشرع لم يذكر الغبن في الفصل 39 المستعرض لعيوب الإرادة لم يذكر الغبن بل اقتصر على الغلط، التدليس والإكراه. فقد أورد الأحكام المتعلقة به في الفصلين 55 و56 من ق.ل.ع، حاصرا حالاته في: اقترانه بالتدليس، وقوع القاصر أو ناقص الأهلية ضحيته شريطة أن يزيد الفرق بين الثمن المذكور والقيمة الحقيقية للشيء عن الثلث.
من الوهلة الأولى يظهر بأن التنصيص على الغبن هو آلية قانونية أوجدها المشرع لإعادة التوازن العقدي، إلا أن الشروط المقيدة و المحدودة المنصوصة في الفصلين تذيب كل الآمال، فالمستهلك يمكن أن يكون ضحية غبن دون أن يكون قاصرا أو ناقص الأهلية أو ضحية تدليس.

ثالثا: التدليس

لقد أحجم المشرع المغربي عن إعطاء تعريف للتدليس، لكن بعض الفقه عرفه بأنه "إيقاع المتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد أو هو إيهام شخص بغير الحقيقة لحمله على التعاقد أو هو استعمال الشخص طرقا احتيالية لإيقاع شخص آخر في غلط يدفعه إلى التعاقد"[11].
بينما نص الفصلين 52 و53 من ق.ل.ع على مقتضياته، فقيده الفصل 52 من ق.ل.ع بتوفر ثلاث شروط لاعتباره سببا لإبطال العقد[12] تتلخص في تحقق إقبال المدلس على ارتكاب الأساليب الاحتيالية، وهذه الوسائل هي الحيل والكتمان حسب المشرع المغربي، أي أنها قد تشكل فعلا إيجابيا أو سلبيا بخلاف الفصل 1116 من القانون المدني الفرنسي الذي اشترط مجرد استعمال وسائل احتيالية دون التنصيص على السكوت أو الكتمان وهو ما أثار جدلا بين الفقهاء الفرنسيين حسمت فيه محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في 19 ماي 1956 الذي جاء بقاعدة عامة مفادها أن التدليس يمكن أن ينتج عن مجرد سكوت أحد الطرفين عن الإدلاء للآخر بواقعة ما كان ليتعاقد لو علم بها[13]. مع توفر نية التدليس طبعا.
كما اشترط أن تكون هذه الأساليب هي الدافع إلى التعاقد، أي أن هذا التدليس هو الذي كوَّن الباعث عند الطرف الآخر لإبرام العقد، و إلا فلا يعتبر تدليسا ولا يعتد به.
و الاشكال هنا يتمحور في كون إثبات هذين الشرطين بالنسبة للعقود الاستهلاكية نظرا لطبيعتها الخاصة، أمر ليس بالهين فإثبات كون المورِّد كانت لديه نية التدليس لا يمكن أن تتأتى إلا إذا كانت تلك الأساليب واضحة و الأمر غالبا ما يكون محبوكا و ممَّوها بطريقة احترافية و مناورة للقانون بالنسبة للمورد المحترف الذي يلجأ لدراسة الاشهار و الترويج بشيء من الدقة و الاحترافية. ثم هل يمكننا أن نتخيل طرق عملية تمكننا من معرفة هل الجزئية أو النقطة التي وقع فيها التدليس هي التي كونت قناعة المستهلك أم لا، فمن الممكن أن يكون المستهلك اقتنع بالمنتوج لأسباب أخرى.
من تم سيبقى تقدير وسائل التدليس المعمول بها في الوقت الحاضر في العقود الاستهلاكية من إعلانات و ترويج مبالغ فيه للسلع أو الخدمات أو السكوت عن بعض العيب خاضعا لتقدير السلطة القضائية و تحت رحمة التأويلات.
ثم الشرط الثالث، أن ترتكب المناورات التدليسية من طرف أحد المتعاقدين أو من يعمل بالتواطؤ معه، فلا يشترط ارتكاب التدليس من طرف أحد المتعاقدين فقط، إنما يمكن صدوره من أي شخص يعمل بالتواطؤ معه، فلو قام مثلا النائب القانوني لمتعاقد قاصر بالتواطؤ مع الطرف الآخر على الإضرار بمصلحة ذلك القاصر، ففي هذه الحالة يعتبر القاصر ضحية تدليس حتى ولو لم يصدر من المتعاقد معه المستفيد من ذلك.
و حسب الفصل 53 من ق ل ع[14]، فالمشرع المغربي يأخذ بالتدليس الذي يقع في جوهر العقد للقول بإمكانية إبطال العقد، أما التدليس الثانوي (العرضي) والذي يهم أحد توابع الالتزام لا جوهره والذي قد ينصب على أحد الشروط المجحفة في العقد  فإن الجزاء المقرر له يقتصر فقط على مجرد التعويض مع الإبقاء عليه، وهو ما كان يمكن أن يصب في مصلحة المستهلك لو كان التعويض مقترنا بإبطال ذلك الشرط وإعادة التوازن للعقد لأن الإبطال ليس دائما مبتغى المستهلك من التمسك بنظرية التدليس[15].

رابعا : الإكراه

خلافا لعيوب الرضى الأخرى، فقد أعطى المشرع المغربي تعريفا للإكراه من خلال الفصل 46 من ق.ل.ع بأنه: "إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون يحمل بواسطته شخص شخصا آخر على أن يعمل عملا بدون رضاه". و قد عرفه المشرع الفرنسي كذلك في الفصل 50 من ق ل ع الفرنسي[16].
و قد قيد الإكراه كذلك بتواجد ثلاثة شروط[17] لقيام عيب الرضى، حيث يجب استعمال وسائل الضغط والإجبار و التي من شأنها أن تولد الرهبة والخوف في نفس المتعاقد و التي عبر عنها المشرع بما من شأنه أن يولد ألما جسميا أو اضطرابا نفسيا.. أو الخوف من تعريض نفسه أو شرفه أو أمواله لضرر كبير و لا تختلف صياغة هذه الشروط في التشرع الفرنسي إلا في لفظة عميق حيث اشترط أن يكون الضرر النفسي عميقا[18]، كذلك يجب أن تكون هذه الوسائل المستعملة للإكراه هي الدافع الذي أجبر المتعاقد على التعاقد، و أخيرا أن يكون الهدف و الباعث من استعمال هذه الوسائل هو الوصول إلى غرض أو وسيلة غير مشروعة.
و يعتبر إكراها سواء صدر فعل الإكراه من المتعاقد الآخر أو أي شخص من الغير[19].
رغم الجهود الملحوظة في الصياغة و التي أدرجها المشرع للتأقلم مع نوعية التعاقدات الجديدة، إلا أنه من الصعب تخيل تحقق هذا العيب بالنسبة للعقود الاستهلاكية، إذ يعمل المنتجون على المنافسة في جذب أكبر عدد من المستهلكين وتحفيزهم على التعاقد بطرق ودية، و لكن كيف يمكن تفسير الأمر عندما يتعلق الأمر بالعقود الجاهزة و ما أكثرها في وقتنا الحاضر، و هو إكراه خفي ونادرا ما يكون ماديا لأنه يضطر إلى التعاقد تحت تأثير الحاجة الملحة، والإكراه هنا ليس بفعل الضغط والإجبار بل نتاج حالة ضرورة، فالمستهلك الذي يبرم عقد الماء و الكهرباء مثلا، هل بإمكانه التفاوض أو العدول عن العقد، بالطبع لا فالمستهلك هنا بين خيارين أحلاهما مر، إما الخضوع للإكراه الضمني و إما عدم الإستفادة من منتوج أصبح يعتبر من ضروريات الحياة المدنية،
هذا الإكراه المتخفي يتعرض له المستهلك، لكن طبقا لقانون الالتزامات والعقود يستحيل اعتباره من قبيل الإكراه المعيب للإرادة، هذا إذا سلمنا بسهولة إثبات تعيب الإرادة الذي يقع عبؤه لا محالة على عاتق المستهلك، إلا أن العكس صحيح فإثبات عيوب الإرادة يشكل من الصعوبة بمكان وخاصة أنها عادة تتعلق بأمور نفسية يكاد يستحيل الوقوف عندها.
لقد حاول بعض الفقه قبل صدور قانون حماية المستهلك التمسك بقانون الالتزامات و العقود و الاكتفاء بإضفاء تحسينات عليه و تطويع مبادئه لملاءمته مع مستجدات الواقع العقدي في مجال الاستهلاك، و محاولة تحقيق التوازن بين أطراف العقود الاستهلاكية و توفير ضمانات للطرف الضعيف سواء من خلال عيوب الرضى التي رأينا سالفا بأنها لا ترقى إلى الطموحات المرجوة أو من خلال ضمان التعرض و الاستحقاق و ضمان عيوب السلامة وخصوصا في عقود البيع.
فمثلا بالنسبة لضمان العيوب الخفية، نجد أن المشرع لم يعط تعريفا للعيب الخفي و ترك ذلك للفقه الذي عرفه بكونه كل ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة من الآفات العارضة، و هو نفس التعريف الذي تبناه القضاء الفرنسي حيث عرف العيب بالآفة العارضة. هذا التعريف أصلا ينم عن تضييق للمفهوم مما يصعب معه احتواءه لطبيعة العيوب في العقود الاستهلاكية الحالية.
كما أن تضمين المشرع لمجموعة من الشروط كذلك في أن يكون العيب خفيا (فصل 569 من ق.ل.ع) و أن يكون مؤثرا (الفصل 549 من ق.ل.ع) و أن يكون قديما (فصل 552 من ق.ل.ع) و هذا الشرط خصوصا لا يمكن تصوره في العقود الاستهلاكية الحالية فمثلا لو ظهرت شقوق في مبنى بعد إبرام العقد، فلا يمكن اعتبار هذا المتعاقد المتضرر مستفيدا من ضمان العيب الخفي
صفوة القول أنه رغم المكاسب التي أضفتها هذه التعديلات على القواعد العامة، إلا أن تقييدها بشروط و صياغتها الواسعة لا تتلاءم تماما مع العقود الغير متوازنة ولا تخدم المستهلك الحلقة الضعيفة في العقد لجعله في مأمن من التفاوت الصارخ في الالتزامات المتقابلة، هذا ما دفع الإرادة التشريعية سواء في فرنسا أو في المغرب، مع فارق الزمن طبعا، على إصدار قوانين تعنى بحماية المستهلك فما هي يا ترى الضمانات مظاهر حماية المستهلك من خلال القوانين الخاصة في التشريعين المغربي و الفرنسي ؟

المطلب الثاني: مظاهر حماية المستهلك من خلال القوانين الخاصة في التشريعين المغربي و الفرنسي
الفقرة الأولى: مظاهر حماية المستهلك من خلال قانون الاستهلاك الفرنسي:

يعتبر المشرع الفرنسي بمثابة رائد في مجال الاعتراف بحقوق طبقة المستهلكين[20] حيث  بادر بموجب قانون  رقم 949 – 93 والصــادر في 26 يوليوز 1993  إلى وضع مدونة عامة لحماية المستهلك وهي خليط من النصوص التي لها ارتباط بمختلف الفروع القانونية الهادفة لتكريس هذه الحماية و يتكون هذا القانون من خمس أجزاء تتعلق بإعلام المستهلك وحمايته وتنظيم جمعيات المستهلكين وتطابق وأمان المنتجات والخدمات .
ويجدر الذكر بأن المشرع الفرنسي قبل إصدار هذا القانون كان قد وضع ترسانة هائلة من التشريعات والنظم الخاصة بحماية المستهلك وقد تمخض عن تلك القوانين نظام قانوني قائم بذاته لا يتردد البعض عن تسميته بالنظرية القانونية لحماية المستهلك وتأتي عناية المشرع الفرنسي بشريحة المستهلكين انطلاقا بما جاءت به هيئة الأمم المتحدة حيث قامت بعدة أنشطة تهدف من خلالها إلزام المجتمع الدولي بضرورة توفير الحماية اللازمة للمستهلك. حيث جاء في قرارها الصادر بتاريخ 3 غشت 1979، بأن حماية المستهلك لها تأثير مهم على التطور الاقتصادي والاجتماعي للدول ولابد من توافر ستة قواعد ومبادئ لسياسة .
حماية المستهلك، وهي:
1) ألمحافظة على صحة وسلامة المستهلكين.
2) ألرفع من مستوى المصالح الاقتصادية للمستهلكين وحمايتها.
3) توفير الإعلام المناسب للمستهلكين ليكونوا في وضعية تتيح لهم الاختيار دون الخضوع لأي تأثير.
4) تمكين المستهلك من الحصول على تعويض  حقيقي عن الأضرار التي قد يتعرض لها.
5) توعية المستهلك وتثقيفه.
بعد هذا سنتحدث عن الحماية الفريدة والمقررة في قانون حماية المستهلك الفرنسي والتي يتميز فيها هذا الأخير من جانب صيانة حقوق المستهلك من خلال المعاملات التجارية و الاقتصادية واخترنا التطرق في هذا المطلب إلى نقطتين أساسيتين تكرسان حماية المستهلك :الأولى عن الحماية المقررة ضد الشروط التعسفية التي يتصادف معها المستهلك خصوصا في العديد من العقود التي يبرمها وفي الأخير عن أهم ماجاء به هذا القانون بخصوص الحق في الإعلام
وبذلك سنتحدث أول الأمر عن العناصر التي يعتبر تواجدها بمثابة شرط تعسفي وتتمثل في مسألتين:
الأولى: التعسف في استعمال القوة أو السلطة الاقتصادية للمهني (وهذا ما نصت عليه المادة 132ء1 من القانون الفرنسي لسنة 1993)
الثانية: الميزة المفرطة والمتجاوزة التي يحصل عليها المهني بمناسبة التعاقد (نصت عليه المادة 35 من القانون الفرنسي لحماية المستهلك)
والجدير بالذكر أن الشروط التعسفية في فرنسا تتعين وتتحدد عن طريق مرسوم صادر عن مجلس الدولة وفقا للمادة 132/1 من تقنين الاستهلاك الفرنسي (م 35 قديم من قانون سنة 1978م المتعلق بحماية وإخبار مستهلكي المنتوجات والخدمات) إذ يجب معاملة هذه الشروط باعتبارها تعسفية، بعد أخذ رأي لجنة الشروط التعسفية.
ومن جانب آخر فبعد صدور قانون حماية المستهلك الفرنسي الجديد لسنة 1993 أصبح تحديد هذه الشروط التعسفية يتم عن طريق قائمة ملحقة بتقنين الاستهلاك، كما جاء في المادة 132/1 على قائمة بيانية وليست حصرية بالشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية، وأضاف المشرع بأن المستهلك (المدعي) لا يعف من تقديم الدليل على الطابع التعسفي للشرط المتضرر منه ومن ثم فوضعها أمام كل من المستهلك والقاضي، لكي يسترشد هذا الأخير بها،  دون التزام منه بإتباعها.
ونورد هنا بعض الأمثلة التي اعتبرها المشرع الفرنسي بمثابة شروط تعسفية:    
*كاستبعاد أو تحديد مسؤولية المهني، في حالة وفاة المستهلك أو إصابته بأضرار جسدية، بسبب فعل أو إهمال من المهني
*استبعاد أو تحديد الحقوق القانونية للمستهلك بطريقة غير مقبولة لصالح المهني أو لصالح طرف آخر. في حالة عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي أو التنفيذ المعيب من جانب المهني لأحد التزاماته التعاقدية ويشمل ذلك المقاصة بين دين للمهني ودين ينشأ في مواجهته.
ويجدر الذكر أن تعيين وتحديد الشروط التعسفية يتم عن طريق توصيات لجنة مقاومة الشروط التعسفية والتي تتكون من 15 عضوا، بينهم ممثلين للمهنيين والمستهلكين ومن اختصاص اللجنة فحص نماذج العقود المعتاد عرضها من جانب المهنيين على المستهلكين
كما تقوم اللجنة بالبحث عن الشروط التي يمكن أن يكون لها الطابع التعسفي ولا تتخذ هذه اللجنة قرارات وإنما تضع توصيات ليست لها قوة ملزمة . وتوصي اللجنة بإلغاء أو بإبطال أو تعديل الشروط التي ترى أنها تعسفية.
ويمكن أن تكون هذه التوصيات ذات طابع عام، كما يمكن أن تكون خاصة ببعض المهنيين ذوي الشأن. وقد وضعت هذه اللجنة ما يزيد عن 30 توصية تتعلق بعدد كبير من الشروط التعسفية وتم إصدار ونشر تلك التوصيات.

ﺍﻟﺤــﻕ ﻓﻲ الإعلام:

حسب القانون الفرنسي الصادر عام 1993 فإن الحق في الإعلام يجب أن يتضمن ثلاث نقاط أساسية هي:
* التبصير والتوضيح بالخصائص المميزة للسلع أو الخدمات المعروضة  باعتبارها الباعث الرئيسي لدى المستهلك على التعاقد، وفي إطارهــا يقع المستهلك ضحية للغش و التقليد.
* التبصير و التوضيح بثمن السلع و الخدمات.
* التبصير و التوضيح على بعض البيانات الإلزامية من ذلك التزام البائع بضمان العيوب الخفية، وعدم جواز الاتفاق على الإعفاء من هذا الشرط حماية للمستهلك الذي لا يعلم بحقيقة العيوب الخفية التي اجتهد المنتج أو التاجر في إخفائها.
وقد عالجت  هذه الموضوعات المواد 111/2، 113/3 من القانون الفرنسي 1993 فضلا عن بعض النصوص الواردة في تشريعات صدرت عام 1978 وفي مجال التجارة الالكترونية فالمتعاقد ملزم بتبصير المستهلك عن سلعته أو خدمته التي يعرضها، وملزم بذكر البيانات الجوهرية على نحو يحقق علم كاف وشامل للمستهلك حتى يمكن القول أن إرادة المستهلك كانت حرة حال تقاعده، وأن الإخلال بهذا الالتزام يؤدي إلى فسخ العقد في حالة وقوع المستهلك في غلط أو تدليس، كما يمكن للمستهلك الذي أصابه الضرر أن يطالب بالتعويض عن الأضرار إن كان لهذا التعويض مقتضى[21].
**بعد تعرفنا على الحماية المقررة لفائدة المستهلك الذي يوصف في غالب الأحوال بكونه طرفا ضعيفا في عقود الاستهلاك في ظل القانون الفرنسي، فالتساؤل المطروح الآن حول الحماية التي وفرها القانون المغربي لهذا المستهلك.

الفقرة الثانية: مظاهر حماية المستهلك من خلال قانون الاستهلاك المغربي:

لعل من أهم مظاهر الحماية المدنية المخصصة للمستهلك، ضمان تمتعه بمجموعة من الحقوق المتمثلة طبقا للقانون السالف الذكر، في الحق في الإعلام، والحق في حماية حقوقه الاقتصادية (كالحق في التملك، توفير الضمانات المتعلقة بعيوب الشئ المبيع)، والحق في التمثيلية في رحاب الجمعيات المخول لها قانون الدفاع عنه، والحق في الاختيار والإصغاء إليه، والحق في التراجع بعد الندم.
إن المشرع المغربي ضمن قانون رقم 31.08 عناصر قوة تجاوز فيها حدود مكتسبات قانون الالتزامات والعقود المغربي، ومن هذه العناصر ما يلي:
1/التزام المهني بإعلام المستهلك وتبصيره قبل إبرام العقد أي ضرورة مده وتزويده بكل المعلومات اللازمة التي تسمح له بمعرفة مضمون العقد قبل مرحلة التعاقد حتى تتحقق العدالة المنشودة من مؤسسة العقد التي قال عنها احد الفقهاء بأن من قال "عقدا قال عدلا" وهذا الالتزام يتميز بأنه التزام ذو طابع عام تظهر أهميته في فترة ما قبل التعاقد، لذلك لا يعتبر عنصرا جوهريا في العقد موضوع التفاوض، وبالتالي فإن جزاء الإخلال به يتمثل في مجرد رفع دعوى المطالبة بالتعويض وفق مقتضيات المسؤولية المدنية التقصيرية لا المسؤولية المدنية العقدية وبذلك فهو يختلف عن كل من الالتزام بتقديم الاستشارة، أو بتقديم النصيحة، أو بتحذير الطرف الآخر من مخاطر الشئ المتعاقد عليه، لان جزاء الإخلال بكل التزام من هذه الالتزامات يكون هو فسخ العقد كباقي قواعد المسؤولية العقدية لا التقصيرية.
فمن هو الملزم بالإعلام؟ ومن هو الطرف المستفيد منه؟ وماهي المعلومات التي يتعين تزويد وتبصير المستهلك بها؟
أ) إن الطرف الملزم بتقديم الإعلام إلى المستهلك، قبل إبرام العقد، حسب المشرع المغربي، هو المورد وليس المنتج أو الصانع، وليس الوسيط التجاري و لا البائع بالجملة أو التقسيط، بخلاف المشرع الألماني الذي استعمل مصطلح المقاول كطرف ملزم بتحمل هذا الالتزام.
ب) ألطرف المستفيد من واجب الإعلام[22] هو المستهلك الذي تباينت التعاريف الفقهية بخصوصه، غير أن الرأي الراجح يرى أن المستهلك هو كل طرف يقبل على التعاقد  من اجل أغراضه الشخصية وليس المهنية، وان استهلاكه يتحدد في السلع والبضائع والخدمات التي يحتاج إليها لافرق في ذلك بين السلع التي تتلاشى باستهلاكها أو تلك التي تتجدد نتيجة لتجدد الحاجة إليها في كل وقت وحين.
ج) ألبيانات التي يتعين إعلام المستهلك بها، ذلك أن المستهلك في القترة السابقة
لعملية التعاقد يكون في حاجة ماسة للكثير من التفاصيل والشروحات حول المعلومات العامة والخاصة اللازمة لتنوير بصيرته وساعدته على فهم موضوع التعاقد، والقيام بالاختيار المعقول، قبل الموافقة النهائية على إبرام العقد من خلال وضع توقيعه عليه، لهذا ألزم قانون حماية المستهلك المورد (المهني) بان يوضح للمستهلك مواصفات السلعة أو الخدمة أو المنتوج، ونوعيتها ودرجة جودتها، وتاريخ صلاحيتها للاستهلاك، ومكونات صنعها، وان يطلعه على الثمن الإجمالي للسلعة، او مقابل الخدمة بما في ذلك الرسوم والضرائب المفروضة على القيمة المضافة، وما يرتبط بذلك من أداأت غير متوقعة وإذا لم يقوم المورد بإعلام المستهلك بالمرة، أو قدم له إعلاما مضللا عن طريق الإشهار الكاذب أو الخداع أو التزييف، فانه يتعرض لجزاء جنائي متمثل في أدائه لغرامة يترواح قدرها  مابين 2000 و5000درهم.
2) تحميل المهني لعبئ الإثبات المضاد في المنازعات الاستهلاكية: ذلك انه خلافا للقاعدة المشهورة المنصوص عليها في الفصل 399 من قانون الالتزامات والعقود المغربي القاضية بإلقاء عبئ الإثبات على الطرف المدعي، تطبيقا للحديث النبوي الشريف القائل بأن" البينة على المدعي واليمين على من أنكر" فانه في حالة حدوث نزاع بين المستهلك والمورد، فان قانون حماية نزاع بين المستهلك والمورد، فان قانون حماية المستهلك جعل عبئ الإثبات يقع على عاتق هذا الاخير خاصة فيما يتعلق بالتقديم المسبق للمعلومات المنصوص عليه في المادة 29.
ولقد جعل المشرع قرينة تحمل المورد (المهني) لعبئ الإثبات من النظام العام التي لا يمكن للأطراف الاتفاق على خلافها، وثم فكل اتفاق مخالف لذلك، يكون باطلا وعديم الأثر وتبعا لذلك، ألزم المورد أن يدلي بما يثبت الطابع غير التعسفي للشرط موضوع النزاع إذا كان العقد يتضمن شرطا تعسفيا.
3) تفعيل قاعدة تأويل العقود بالمعنى الأكثر فائدة للمستهلك لا للمهني حيث أكد القانون المذكور على ضرورة تفسير الشروط الغامضة والمبهمة لصالح المستهلك باعتباره طرفا ضعيفا في العلاقة التعاقدية، وتطبيقا للمادة التاسعة من نفس القانون يجب أن تكون الشروط الواردة في العقود المحررة كتابة واضحة ومفهومة، وفي حالة الشك حول مدلول شرط من هذه الشروط، فإنه يجب ترجيح التأويل الأكثر فائدة للمستهلك.
4) تمتيع المستهلك بعدة خيارات في مجال الاختصاص القضائي، ذلك انه من اجل تسهيل مأمورية التقاضي على المستهلكين وتقريب القضاء منهم منحت لهم المادة 202 من قانون حماية المستهلك رفع دعواهم المدنية الناشئة عن المنازعات الحاصلة بينهم وبين المهنيين خروجا عن المبدأ العام المنصوص عليه في الفصل 27 من قانون المسطرة المدنية المغربي القاضي برفع الدعاوي كأصل عام أمام محكمة الموطن الحقيقي أو المختار للمدعى عليه أمام:
1) محكمة موطن أو محل إقامة المستهل.
2) أو محكمة المحل الذي وقع فيه الفعل المتسبب في وقوع الضرر، وكل اتفاق يجرم المستهلك من هذا الخيار يكون باطلا وعديم الأثر لارتباط هذا الاختصاص بالنظام العام.
وعندما يتعلق الأمر بالدعاوي المدنية الأصلية التي ترفعها الجمعيات الهادفة لحماية المستهلكين نيابة عنهم، فانه يحق لها أن تختار بين رفعها أمامك
*المحكمة التي وقع في دائرتها الفعل الموجب لرفع الدعوى
*أو أمام محكمة موطن المدعى عليه وذلك باختيار الجمعية أو الجامعة الوطنية لحماية المستهلكين
تلك هي فكرة التعاقد بين شخصين غير متكافئين التي يكون فيها أحد الأطراف زبونا أو مستهلكا عاديا يستحق نوعا غير عادي من الحماية –المنصبة على التراضي كركن لازم لإبرام العقدء المقررة من قبل قانون رقم:08.31 الذي جاء في الحقيقة متميزا ومتجاوزا لحدود الحماية التقليدية المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود مستجيبا في ذلك للمعايير المتعارف عليها دوليا التي تعاملت مع المستهلك كطرف ضعيف اقتصاديا ومعرفيا يحتاج لحماية استثنائية تقيه تعسفات وتجاوزات المهنيين الذين يملكون الوسائل والإمكانيات التي تؤهلهم لتطويع فئات المستهلكين لرغباتهم وأذواقهم التعاقدية، فهل القضاء ساهم في حماية المستهلك؟

المبحث الثاني : الضمانات القانونية لحماية المستهلك في كل من القانون الفرنسي والمغربي

تتجلى هده الحماية في مجموع النصوص القانونية التي تضمنتها كل من القانون 08ء31 الخاص بحماية المستهلك و قانون الاستهلاك الفرنسي و التي أي هذه النصوص نصت على دور كل من القضاء والجمعيات ذات المنفعة العامة في حماية المستهلك لذلك  سنتطرق في هدا المبحث عن دور كل من القضاء والجمعيات والأجهزة الإدارية في حماية المستهلك في كل من القانون الفرنسي والمغربي.

المطلب الأول : دور القضاء في حماية المستهلك في كل من القانون المغربي والفرنسي

حتى وقت قريب وقبل صدور ق 08ء31 كان القضاء يعتبر المستهلك كأي طرف عادي في العلاقة التعاقدية فمهما اختل التوازن الاقتصادي أو القانوني بين طرفي العقد على حساب الطرف المستهلك لم يكن للقضاء الحق في التدخل في العقد لتعديله أو إلغاءه مادام العقد صحيح ولا يشوبه أي عيب من عيوب الرضا وكل هذا لضمان استقرار المعاملات وعدم المساس بالمبادئ العامة التي استقر عليها ق.ل.ع مند زمن خاصة مع عدم وجود نص قانوني يسمح للقاضي بالتدخل في إطار هده العلاقة التعاقدية  إلا أنه وبسبب انتشار العقود الاستهلاكية وعقود الإذعان وظهور الشركات الاحتكارية التي أصبحت تستغل قوتها الاقتصادية و القانونية لتحقيق أرباح على حساب المستهلك مستغلتا ضعفه وحاجته الملحة للتعاقد وقلة خبرته وتعاقده في غير مجال تخصصه  ارتفعت الأصوات المطالبة بحماية المستهلك من استغلال الشركات الاحتكارية و جشع الموردين بسن نصوص قانونية تسمح للقاضي بالتدخل في العقد لتحقيق التوازن المطلوب[23] خاصة مع تبوت عدم صلاحية ق .ل.ع في تحقيق تلك الحماية  فجاء ق 08-31 الذي خول للقاضي هذه الصلاحيات الواسعة وسمح له بالتدخل في العلاقة التعاقدية  ومحاولة إعادة التوازن بين مصالح طرفي العقد.

الفقرة الأولى :دور القضاء في حماية المستهلك قبل وبعد صدور قانون 08-31

لطالما تردد القضاء المغربي في التدخل في إطار العلاقة التعاقدية مادام العقد صحيح ولا يشوبه أي عيب من عيوب الرضا إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة وتماشيا مع ما نصت عليه المادة 230 من ق.ل.ع التي أكدت على أن العقد شريعة المتعاقدين لذلك فإن تدخل القاضي يكون محدودا إلا في إطار ما يسمح به هذا المبدأ الذي يمنع القاضي  من التدخل لتعديل شروط العقد لكن فقط من احترام إرادة أطراف العقد.

أولا: دور القاضي في تفسير العقد

 إن سلطة القاضي في تفسير العقد لا يمكن تصورها إلا إذا تعلق الأمر بعقد غامض فقد نص الفصل 461 من ق ل ع م : إذا كانت ألفاظ العقد صريحة امتنع البحث عن قصد صاحبها فالمشرع المغربي يمنع القاضي من تأويل العقد في حالة ما تضمن هذا الأخير عبارات أو كلمات غير واضحة أو صريحة أما الحالات التي تستدعي تدخل القضاء لتفسير مقتضيات العقد هي التي يكون الهدف منها هو إظهار النية الحقيقة للطرفين عند غموض عبارات العقد ووضوح الإرادة وحالة غموض الإرادة ووضوح العبارة، ثم غموض العبارة والإرادة معا والحالة التي تثير الشك في مدى الإلزام المتولد عنه، وهذا ما نص عليه الفصل 462 من ق ل ع م .
هذه الحالات تشكل المجال الأوسع لاستخدام القاضي لسلطته التفسيرية أخذا بعين الاعتبار النية المشتركة للمتعاقدين معتمدا على التأويل للبحث عن هذه الإرادة المشتركة دون التقييد بالمعنى الحرفي الألفاظ ولا بتكوين الجمل.
فتفسير شروط العقد الغامضة يدخل ضمن سلطة القاضي المطلقة و الشروط الغامضة يقصد بها عدم التوافق بين الألفاظ والإرادة الحقيقية للمتعاقدين والغموض قد يقع في الألفاظ وقد يقع في الإرادة دون الألفاظ أو فيهما معا.
ومن هنا يجب أن نشير إلى تقلص دور القاضي في تفسير شروط العقد الواضحة بالمقابل إتساع مجال تدخل القاضي في تفسير شروط العقد الغامضة.

ثانيا: دور القــاضي في مواجهة الشرط التعسفي في عقود الاستهلاك 

من خلال التعديل الذي جاء به ق 27ء95 أصبح بإمكان القاضي في إطار الفصل 264 من ق.ل.ع التدخل في العقد لتعديل الشرط الجزائي التعسفي متى كان هذا الشرط مبالغا فيه أو زهيدا أو كان الهدف منه الإثراء بلا سبب على حساب الطرف الآخر حيث أصبح للقاضي الحق في التدخل لتصحيح الأوضاع وإعادة التوازن بين مصالح كل من المورد والمستهلك وذلك في إطار تفعيل سلطته التقديرية. 
أما القانون رقم 31.08 فإننا نجده قد منح للقاضي سلطة أوسع مما كانت عليه في السابق في ظل القواعد العامة حيث سمح هذا القانون للقاضي سلطة تعديل بنود العقد وإلغاء الشروط التعسفية التي يختل فيها التوازن بين مصالح كل من المورد والمستهلك على حساب هدا الأخير فقد أصبح بإمكان القاضي تفعيل سلطته التقديرية لتحقيق التوازن بين طرفي العقد فقد أعطت المادة 16 من ق 08ء31 للقاضي الحق في تعديل أو إلغاء الشروط التعسفية التي تتضمنها عقود الاستهلاك أما المادة 19 من هدا القانون فقد اعتبرت إن بطلان الشروط التعسفية لا يؤدي إلى بطلان العقد ككل إعمالا لمبدأ إعمال العقد خير من إهماله كما أن المادة 18 جاءت لتعطينا نبذة عن الشروط التعسفية التي جاءت هنا على سبيل المثال لا الحصر تاركتا تقدير الشروط التعسفية الأخرى للقاضي.
من هنا نرى أن القانون 08ء31 الذي جاء لحماية المستهلك قد وسع من سلطة القاضي التقديرية معترفا له بدوره الفعال في حماية المستهلك من الشروط التعسفية التي قد تفرض عليه من طرف المورد.

الفقرة الثانية : حماية المستهلك على مستوى القضاء الفرنسي

قبل صدور قانون الاستهلاك كان للقاضي في إطار المادة 1162 من القانون المدني الفرنسي الحق  في تعديل العقد أو تفسيره مادامت عباراته غامضة وغير واضحة  وذلك عن طريق البحث عن القصد المشترك للمتعاقدين عند إبرام العقد كما كان من حق القاضي في إطار سلطته التقديرية إلغاء أو تعديل الشروط التعسفية التي كانت تتميز بها عقود الإذعان إلا أنه بانتشار ظاهرة العقود الاستهلاكية والعقود النموذجية ارتفعت في فرنسا الأصوات المنادية بإحدات تشريع يهتم بحماية المستهلك فجاء قانون المستهلك سنة 1978 الذي اهتم بالمستهلك واوجد أساليب وطرق جديدة لمواجهة الشروط التعسفية و وسع من سلطات القاضي في مجال تعديل و إلغاء بنود العقد.

*استبعاد الشروط التعسفية عن طريق اللوائح:

إذا كانت المادة 132 من قانون الاستهلاك قد تبنت صراحة النظام اللائحي كطريقة لاستبعاد الشروط التعسفية، حيث يكون للحكومة عن طريق مراسيم تصدر من مجلس الدولة سلطة اعتبار هذا الشرط أو ذاك شرطا تعسفيا وباطلا وبالتالي يتم إبطال الشروط التعسفية أو إلغاؤها بطريقة " آلية" بواسطة القاضي إلا أن هذه المادة وان كانت لا تنص صراحة على دور القاضي في استبعاد الشروط التعسفية إلا أنها تعترف له ولو ضمناً بهذا الدور لأن استبعاد الشروط التعسفية عن طريق التنظيم اللائحي لم يرد في هده المادة إلا على سبيل المثال لا الحصر فيكون بذلك للقضاء السلطة في تحديد ما إذا كان الشرط الوارد في العقد شرطاً تعسفياً أم لا حتى مع عدم وجود مرسوم يمنع هذا الشرط وهذا ما يحقق حماية أكبر للمستهلك .

المطلب الثاني : دور الأجهزة والجمعيات في حماية المستهلك
الفقرة الاولى : دور  جمعيات حماية المستهلك

لقد عرف العصر الحاضر نشاطا كبيرا لحركة حماية المستهلك ، وبرز هذا النشاط في تكوين الجمعيات وإقامة المؤتمرات والضغط على الحكومات للظفر بمكاسب جديدة لصالح المستهلكين، سواء بإصدار القوانين أو توسيع دائرة اختصاص هذه الجمعيات وتخويلها صلاحية المراقبة والتفتيش.
و لاشك أن التكتل داخل جمعيات حماية المستهلك والدفاع عنه سيكون له دور كبير في تحقيق فعالية ونجاعة هذه الجمعيات في مواجهة الصناع المنتجين والتجار الحرفيين ، خاصة أن هؤلاء يشكلون لوبي ضاغط على معظم أجهزة الدولة .
وإن كان ظهورها جاء متأخرا بالمقارنة مع النقابات والأحزاب والمنظمات غير الحكومية.

أولا : جمعيات حماية المستهلك ودورها في الحماية بالمغرب.

لقد خصص المشرع المغربي القسم السابع من القانون 08ء31 للأحكام المتعلقة بجمعيات حماية المستهلك، حيث خولت المادة 152 من هذا القانون لهذه الجمعيات صلاحية الإعلام والدفاع والنهوض بمصالح المستهلك بشرط أن يعترف لها بصفة المنفعة العامة
ويتم تمويل جمعيات حماية المستهلك من طرف الصندوق الوطني لحماية المستهلك الذي ينشأ بغرض تمويل أنشطتها التي تنصب في اتجاه حماية المستهلك وتشرف الوزارة المكلفة بالتجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة على تدبير هذا الصندوق.
وتتكون موارد هذا الصندوق حسب المادة 156 من القانون 31.08 :
·      مخصصات من الميزانية العامة.
·      الشركات أو الهبات التي يتم منحها للصندوق.
·       أي موارد أخرى يحصل عليها بشكل قانوني.
ويتم تحرر نظام سير عمل هذا الصندوق بمقتضى مرسوم.
و قد شهد المغرب تأسيس عدة جمعيات لحماية المستهلك منها الجمعية  الإسماعيلية لضحايا الزيوت السامة سنة 1996بمكناس،وجمعية المستهلكين بطنجة سنة 1979 و الجمعية  المغربية لحماية المستهلك المؤسسة سنة  1980  التي تعتبر أول  جمعية ذات صدى على  المستوى  الوطني حيث وضعت هذه الجمعية عشرة أهداف منها  جعل  أسعار المواد  الأولية قارة و تابعة  لتسعيرة  واحدة وتمكين المستهلك من  جودة  السلع والخدمات ... وقامت بإعداد تقارير ودراسات و تنظيم معارض تجارية لعرض منتوجات ذات جودة وثمن معقول غير أن  هذه الجمعية توقفت عن  العمل بعد  شهور من  تأسيسها وقد ارجع  بعض الباحثين هذا الفشل إلى ضعف تشجيعها من  قبل السلطات العمومية وقلة الإمكانيات.
وبعد 13 سنة برزت إلى  الوجود الجمعية  المغربية للمستهلكين سنة 1993 بالدار  البيضاء والتي شكلت نقطة التحول  الجذري في  هذا  النوع   من الجمعيات ،حيث رفضت مساعدة البنك  الدولي ومؤسسات عدة  رغم قلة مواردها من اجل  الحفاظ على استقلاليتها وقد جعلت نشاطها قائم على ثلاثة خطوات.
الخطوة 1: ضرورة توعية المستهلكين بحقوقهم والقوانين التي تحميهم.
الخطوة 2: ربط حوار  مع المنتخبين وتحسيسهم بالتزاماتهم القانونية .
الخطوة3: ربط  حوار مع السلطات العمومية المسؤولة وتسطير سعيها نحو التمكن من رفع دعاوى قضائية للدفاع حتى عن غير المنخرطين.
كما عرف المغرب تأسيس جمعيات اخرى كجمعية حماية  وتوجيه المستهلك  التي تأسست سنة 1997بالقنيطرة و العصبة الوطنية لحماية المستهلك التي تأسست سنة 1996 بمكناس وغيرها من الجمعيات كما عملت مجموعة من الجمعيات على التكثل داخل جامعات لحماية المستهلك.
وعلى العموم فان المشرع خول لجمعيات حماية المستهلك المعترف لها بصفة المنفعة العامة، أن ترفع دعاوى قضائية أو أن تتدخل في دعاوى جارية، أو أن تنصب نفسها طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق للدفاع عن مصالح المستهلك.
كما خول المشرع لهذه الجهات في الحالة التي يتعرض فيها عدة مستهلكين المعروف هويتهم لأضرار تسبب فيها نفس المورد وكان مصدرها واحدا أن تقيم دعوى المطالبة بالتعويض أمام أي محكمة باسم المستهلكين بشرط أن تكون موكلة من قبل مستهلك اثنين على الأقل و أن تكون هذه الوكالة كتابة من طرف كل مستهلك.
كما يمكن للجامعة الوطنية أو إحدى جمعيات حماية المستهلك إقامة الدعوى المدنية التابعة أمام المحكمة الزجرية ووفقا للشروط المقررة في المسطرة الجنائية للمادة 159 من ق 31.08.
كما يمكن لهذه الأخيرة تقديم طلبات للمحكمة التي تنظر في الدعوى من أجل أن تأمر المدعى عليه أو الظنين بإيقاف التصرفات غير المشروعة أو حذف شرط غير مشروع أو تعسفي في العقد.

ثانيا : دور الجمعيات في فرنسا

أما في فرنسا فقد عرفت الساحة نشاط مكتفا للعديد من الجمعيات التي أخذت على عاتقها الدفاع عن مصالح المستهلكين فقد نضم قانون الاستهلاك و المرسوم صادر في 06/05/1988 قواعد القبول جمعيات المستهلكين والسماح لهم بتمثيل المستهلكين والدفاع عن حقوقهم أمام المحاكم
و هاته الشروط هـــي: 
 1 مرور سنة واحدة على الأقل منذ إنشاء الجمعية.
 2 نشاط فعلي ذا طبيعة عمومية يستهدف الدفاع عن المستهلكين. 
 3  استقلال عن أي شكل من أشكال النشاط المهني.
ويمنح القبول للجمعيات الوطنية بقرار مشترك من الوزير المكلف بالاستهلاك و وزير العدل، وبالنسبة للجمعيات المحلية يمنح الاعتماد بقرار الوالي ، في الحالتين مع استشارة النائب العام ،يمنح القبول لمدة خمسة سنوات وهو قابل للتجديد.
و تقوم الجمعيات بعدة وظائف:
 1  تمثل المستهلكين لدى مختلف الهيئات العمومية والمشتركة ،
 2  الترافع أمام العدالة للدفاع عن المصلحة الجماعية للمستهلكين ،
 3  استعمل وسائل كفاح مثل المقاطعة والإعلان المضاد وغيره من الاشكال.
 4) إعلام المستهلكين ونصحهم  .

الفقرة الثانية: دور أجهزة حماية المستهلك

تتدخل الدولة في علاقتها مع المستهلك بوجهين، تارة عن طريق دورها التقليدي المتمثل في الضبط والمراقبة اللذين تمارسهما مرافقها العامة ذات الطابع الإداري لحماية المستهلك من المنتج وتجاوزاته ومخاطر المنتوجات والخدمات ، وتارة أخرى كطرف محترف عندما تساهم في دورة الانتاج والتوزيع عن طريق مرافقها العامة ذات الطابع التجاري والصناعي أو بمفهوم أخر كمتعامل اقتصادي.

أولا : في فرنسا

 1) دور مجلس الدولة : يقوم مجلس الدولة الفرنسي بتحديد نماذج الشروط التعسفية طبقا للمادة 32 من قانون الاستهلاك الفرنسي وذلك بعد أن يقوم باستشارة لجنة الشروط التعسفية.
سلطات هذا المجلس الواسعة تمكنه من أن يمنع أو يحدد أو ينظم أي شرط تعسفي في هذا الإطار.
فهذا المجلس يصدر مجموعة من المراسيم . كما توجد لجنة تسمى بلجنة الشروط التعسفية وتختص هذه اللجنة بفحص نماذج العقود المعتاد عرضها من جانب المهنيين على عملائهم غير المهنيين، كما يمكن أن نقوم بالبحث عن الشروط ذات الطابع التعسفي لأجل العمل بإبطالها.

 2) دور لجنة الشروط التعسفية    

أنشأ قانون 10 يناير 1978 لجنة الشروط التعسفية  والتي تتكون من 15 عضوا ، بينهم ممثلين للمهنيين والمستهلكين  .
وتختص هذه اللجنة بفحص نماذج العقود المعتاد عرضها من جانب المهنيين على عملائهم غير المهنيين الذين يتعاقدون معهم، كما تقوم اللجنة بالبحث عن الشروط التي يمكن أن يكون لها الطابع التعسفي  ولا تتخد هذه اللجنة قرارات وإنما تضع توصيات ليست لها لها قوة ملزمة، وتوصي اللجنة بإلغاء أو بإبطال أو تعديل الشروط التي ترى أنها تعسفية.
ويمكن أن تكون هذه التوصيات ذات طابع عام، كما يمكن أن تكون خاصة ببعض المهنيين ذوي الشأن . وقد وضعت هذه اللجنة ما يزيد عن 30 توصية تتعلق بعدد كبير من الشروط التعسفية وتم إصدار ونشر تلك التوصيات .

ثانيا: دور بعض الأجهزة في رصد المخالفات وإثباتها في المغرب

عموما تتميز هذه الأجهزة بخصوصية الجهة المكلفة بالبحث والإثبات حيث تؤكد المادة 166 من القانون 08ء  31على أن البحث عن المخالفات وإثباتها ليس من اختصاص ضباط الشرطة القضائية فحسب، بل تمارس هذا الاختصاص أيضا الباحثون المنتدبون لذالك من قبل الإدارة المختصة لكن المادة المذكورة اشترطت فيهم ما يلي:
·       أن يكون الباحث المنتدب محلفا.
·       أن يحمل هذا الباحث البطاقة المهنية.
وقد ألزمت نفس المادة الباحث بكتمان السر المهني تحت طائلة العقوبات الواردة في الفصل 446 من القانون الجنائي.
ولقيام هذه الأجهزة بمهامها منحها القانون مجموعة من الآليات الكفيلة بتحقيق هذه الغاية منها مثلا عدم مواجهتهم بالسر المهني عند اطلاعهم على كل وثيقة معلومات توجد في حوزة الإدارة العامة والجماعات المحلية.
ويمكنهم كذالك أن يلجوا المحلات أو الأراضي أو وسائل النقل المعدة لغرض مهني وأن يطلبوا الإطلاع على السجلات والفاتورات وغيرها من الوثائق المهنية.
إلا أن المشرع لم يسمح لهم بالقيام بهذه الأعمار إلا في إطار الأبحاث التي تأمر بها الإدارة المختصة وبترخيص معلل من وكيل الملك المختص (الذي توجد الأماكن المراد زيارتها داخل دائرة نفوذه).
و من أجل ضمان حسن تنفيذ هذا القانون، نظم هذا الأخير مسطرة البحث عن المخالفات وإثباتها، و كذا العقوبات الزجرية في حالة ثبوت المخالفة.
وتبقى فعالية هذا القانون مرتبطة بشكل أساسي بإصدار المراسيم التطبيقية حيث يرتقب إحداث مجلس استشاري أعلى للاستهلاك كهيئة استشارية تكون ذات قوة اقتراحية وتوجيهية من شأنها دعم عمل الحكومة في مجال سياسات الاستهلاك و إحداث صندوق وطني لحماية المستهلك ليساهم في تمويل الأنشطة المرتبطة بالنهوض بثقافة حماية المستهلك٬ خاصة تمويل دراسات وأبحاث وتكوينات في مجال الاستهلاك ودعم جمعيات حماية المستهلك للاضطلاع بدورها.

خاتمـــــة:

يمكن القول في نهاية هذه الدراسة، أن القانون 31.08 يعتبر من أبرز القوانين التي استجاب فيها المشرع لضغوطات العولمة التي فرضت عليه التحلي باليقظة و نقض غبار الجمود الذي طبع حركته التشريعية لسنوات طويلة،وذلك بإصداره قوانين اقتصادية و اجتماعية اقل ما يقال عنها أنها يجب أن تكون في مستوى لائق و ذا جودة عالية كشرط مسيق لتأهيل المغرب للاندماج في بوثقه الاتحاد الاوربي.
أما بالنسبة للصياغة التي أنتجها المشرع عندنا فقد لا تكون الصياغة المثالية التي تناسب حجم و مستوى المستهلك المغربي الذي ينقصه الكثير من عناصر التأهيل لفهم الثقافة التي ينوي المشرع ترويجها عن طريق قانون حماية المستهلك و بالتالي لكي نفهم مضامين هذا القانون من الناحية العلمية و العملية معا فإننا قد نحتاج لمزيد من الوقت من أجل اشاعة ثقافة المستهلك و تنمية الدور الذي تقوم به جمعيات حماية المستهلك المعترف لها بالمصلحة العامة في هذا المجال.
و اذا كان المستهلك ملكا في اطار التشريعات التي قطعت اشواطا بعيدة في مجال حماية المستهلك، فان هذا الاخير عندنا قد يكون في الوقت الراهن عبدا مملوكا يحتاج لكثير من الوصاية و الدفع لرفع مستواه حتى يفهم الحقوق و الالتزامات التي يكفلها له القانون 31.08. 

لائحة المراجــــع

  • د.مأمون الكزبري، نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الاول: مصادر الالتزام الطبعة الثالثة 1974..
  • د.زيد قدري الترجمان، مدخل لدراسة القانون، الجزء الثاني، نظرية الحق الطبعة الاولى 1987.
  •  د.عبد القادر العرعاري "دراسات معمقة في القانون المدني".
  • رقية الباز، حماية المستهلك المتعاقد، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي – الرباط، السنة الجامعية: 2008/2009،
  • نور الدين الرحالي، مرجع سابق، ص:110ء111. زيد قدري الترجمان، المصادر الإرادية للالتزام وفق قانون الالتزامات والعقود، طبعة 2007، مطبعة الداودي، دمشق – سوريا.
  • عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات – الكتاب الأول: نظرية العقد، الطبعة الثالثة 2013، دار الأمان – الرباط.
  • عبد القادر الوعاري : ضمان العيوب الخفية في عقد البيع، منشورات تنمية البحوث والدراسات القضائية، وزارة العدل، 1996.
  • د/ أحمد الرفاعي، الحماية المدنية للمستهلك إزاء المضنون العقدي، دار النهضة العربية 1994.
  •  ذ.عبد الرحمان الشرقاوي، دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي ، الطبعة الاولى 2008.
--------------------------------------------------------------------------------

(1)  يوسف الزوجال : مقالة بعنوان "المفهوم القانوني للمستهلك" دراسة تحليلية مقارنة على ضوء القانون رقم 31.08 سلسلة دراسات و أبحات العدد 4 حماية المستهلك ص33

(2) الدكتور عبد القادر العرعاري :وجهة نظر خاصة في القانون المدني المعمق بين الفقه والقضاء المقال بعنوان :" أسطورة الحماية القانونية للمستهلك في النظام التشريعي المغربي ص 62 و 63 .
(3) عبد القادر العرعاري مقالة بعنوان  : قراءة انطباعية أولية بخصوص القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك سلسلة دراسات و أبحاث العدد 4 ص12
[4] عبد القادر الوعاري : ضمان العيوب الخفية في عقد البيع، منشورات تنمية البحوث والدراسات القضائية، وزارة العدل، 1996.
[5] الفصل 230: "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها...".
[6] لمزيد من التوسع في تعريف العقد ينظر:
عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات – الكتاب الأول: نظرية العقد، الطبعة الثالثة 2013، دار الأمان – الرباط، ص:30.
[7] 230 من ق.ل.ع الذي نص على أن "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون"
[8] عبد القادر العرعاري، مرجع سابق، ص:138-139
[9] الفصل 40 :" الغلط في القانون يخول إبطال الالتزام: 1 - إذا كان هو السبب الوحيد أو الأساسي؛ 2 - إذا أمكن العذر عنه."
الفصل 41 : "يخول الغلط الإبطال، إذا وقع في ذات الشيء[9] أو في نوعه أو في صفة فيه كانت هي السبب الدافع إلى الرضى."
الفصل 42 :"الغلط الواقع على شخص أحد المتعاقدين أو على صفته، لا يخول الفسخ[9] إلا إذا كان هذا الشخص أو هذه الصفة أحد الأسباب الدافعة إلى صدور الرضى من المتعاقد الآخر."
الفصل 43 : "مجرد غلطات الحساب لا تكون سببا للفسخ[9] وإنما يجب تصحيحها. "
الفصل 44 : "على القضاة، عند تقدير الغلط أو الجهل، سواء تعلق بالقانون أم بالواقع، أن يراعوا ظروف الحال، وسن الأشخاص وحالتهم وكونهم ذكورا أو إناثا. "
  الفصل 45 : "إذا وقع الغلط من الوسيط الذي استخدمه أحد المتعاقدين، كان لهذا المتعاقد أن يطلب فسخ[9] الالتزام في الأحوال المنصوص عليها في الفصلين 41 و42 السابقين  وذلك دون إخلال بالقواعد العامة المتعلقة بالخطأ ولا بحكم الفصل 430 في الحالة الخاصة بالبرقيات."
[10] L1100 : « L’erreur n’est une cause de nullité de la convention que lorsqu’elle tombe sur la substance même de la chose qui en est l’objet. Elle n’est point une cause de nullité lorsqu’elle ne tombe que sur la personne avec laquelle on a intention de contracter, à moins que la considération de cette personne ne soit la cause principale de la convention ».
[11] - زيد قدري الترجمان، المصادر الإرادية للالتزام وفق قانون الالتزامات والعقود، طبعة 2007، مطبعة الداودي، دمشق – سوريا، ص:111.
[12] الفصل 52 : "التدليس يخول الإبطال، إذا كان ما لجأ إليه من الحيل أو الكتمان أحد المتعاقدين أو نائبه أو شخص آخر يعمل بالتواطؤ معه قد بلغت في طبيعتها حدا بحيث لولاها لما تعاقد الطرف الآخر. ويكون للتدليس الذي يباشره الغير نفس الحكم إذا كان الطرف الذي يستفيد منه عالما به."
[13] نور الدين الرحالي، مرجع سابق، ص:110-111.
[14] الفصل 53 : "التدليس الذي يقع على توابع الالتزام من غير أن يدفع إلى التحمل به  لا يمنح إلا الحق في التعويض."
[15] رقية الباز، حماية المستهلك المتعاقد، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال والمقاولات، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي – الرباط، السنة الجامعية: 2008/2009، ص:25.
[16]  Article 50 : "La violence est la contrainte exercée sans l'autorité de la loi, et moyennant laquelle on amène une personne à accomplir un acte qu'elle n'a pas consenti."
[17] الفصل 47 : "الإكراه لا يخول إبطال الالتزام إلا: 1 - إذا كان هو السبب الدافع إليه. 2 - إذا قام على وقائع من طبيعتها أن تحدث لمن وقعت عليه إما ألما جسميا أو اضطرابا نفسيا.. أو الخوف من تعريض نفسه أو شرفه أو أمواله لضرر كبير مع مراعاة السن والذكورة والأنوثة وحالة الأشخاص ودرجة تأثرهم."
[18] Article 51 :"La violence ne donne ouverture à la rescision de l'obligation que 1: lorsqu'elle en a été la cause déterminante ;
2 : lorsqu'elle est constituée de faits de nature à produire chez celui qui en est l'objet, soit une souffrance physique, soit un trouble moral profond, soit la crainte
d'exposer sa personne, son honneur ou ses biens à un préjudice notable, eu égard à l'âge, au sexe, à la condition des personnes et à leur degré d'impressionnabilité.
[19] الفصل 49 :"الإكراه يخول إبطال الالتزام وإن لم يباشره المتعاقد الذي وقع الاتفاق لمنفعته."
[20]  د.عبد القادر العرعاري "دراسات معمقة في القانون المدني" ص62
[21]  د/ أحمد الرفاعي، الحماية المدنية للمستهلك إزاء المضنون العقدي، دار النهضة العربية 1994
[22]  د.عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزامات، الكتاب الاول، نظرية العقد، الطبعة الثالثة 2013 الصفحة: 190 ومابعدها
[23]  د.عبد الرحمان الشرقاوي "دور القضاء في تحقيق التوازن العقدي، رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة –كلية الحقوق-أكدال- الرباط 2002

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. حماية المستهلك في القانون الفرنسي والمغربي لو سمحت لمن هذا البحث لانني لم اجد اسم الكاتب

    ردحذف

إرسال تعليق

شاركنا برأيك