القائمة الرئيسية

الصفحات

قاعدة عدم التمسك بالدفوع في الأوراق التجارية

قاعدة عدم التمسك بالدفوع في الأوراق التجارية

قاعدة عدم التمسك بالدفوع في الأوراق التجارية
قاعدة عدم التمسك بالدفوع في الأوراق التجارية



مقدمة

إذا ما بحثنا في العصور الغابرة فإننا نجد أن الإنسان قد نشأ مستهلكا فكان يستهلك كل ما ينتج إلى انه قد اتضح له فيما بعد انه أحيانا ينتج ما يفوق استهلاكه كما انه في حاجة إلى مواد لا ينتجها، ومن ثم ظهرت لديه فكرة التبادل،وقد عرفت فكرة التبادل هاته تطورات يمكن حصرها في ثلاثة مراحل، أولها مرحلة المقايضة وثانيها مرحلة النقود وأخيرا مرحلة الائتمان.
وفي هذه الأخيرة وخاصة مع تطور المبادلات التجارية وازدهار النشاط التجاري، بصفة عامة بدأ التجار يستغنون عن استعمال النقود في المعاملات التجارية، خاصة وان العديد منهم تعوزهم السيولة النقدية في كثير من الأحيان أي انه يضطر إلى اقتناء سلع على أساس أداء ثمنها في وقت لاحق، وهكذا ظهرت فكرة الائتمان، والتي تعتبر أهم مميزات الحياة التجارية ومع تطور وازدهار هذا الائتمان ازدهرت أيضا وسائله.
فكان من بين هذه الوسائل بعض الأوراق التجارية مثل الكمبيالة والسند الأمر إذ تعتبر الكمبيالة كما عرفها أستاذنا المختار بكور:" ورقة تجارية محررة وفق شكلية حددها القانون تتضمن أمرا من شخص يسمى الساحب إلى شخص أخر يسمى المسحوب عليه بأداء مبلغ من النقود لفائدة شخص ثالث يسمى المستفيد وذلك في تاريخ الاستحقاق"
فهي إذن وسيلة للائتمان وتقوم مقام النقود في الإبراء من العديد من الديون وحتى تضمن لها هذا الدور كان لابد من تسهيل عملية انتقالها وتداولها، وتسهيلا لذلك وخدمة للسرعة المتطلبة في تداول هذه الأوراق وفي الحياة التجارية بصفة عامة تم ابتكار وسيلة سهلة وسريعة لتداول هذه الأوراق التجارية ألا وهي التظهير.
ويعد من أهم أثار تظهير الكمبيالة خاصة التظهير الناقل للملكية نجد قاعدة عدم التمسك بالدفوع والتي تعتبر من أهم قواعد الصرف كما تعتبر أهم اثر من أثار تظهير الكمبيالة، فهي تقوم على عدة اعتبارات فرضها العرف و التعامل التجاري وتقبلتها الحياة التجارية، كما تقوم أيضا على منطق الاستقرار في التعامل التجاري لقيامها في نواحي كثيرة منها على نظرية الظاهر بحيث لا يصح الاستدلال بدفوع خارجة عن مضمون الورقة التجارية لأنها مستقلة بنفسها وتتمتع بالكفاية الذاتية، وفضلا عن ذلك فإنها تبعث على المتعاملين بها ثقة بالغة، وتدخل في نفوسهم الارتياح لأن الحقوق التي انتقلت إليهم مطهرة من جميع الشوائب التي قد تكون عالقة بالتزامات الموقعين السابقين.
 وإذا ما بحثنا في التأصيل التاريخي لقاعدة عدم التمسك بالدفوع فإننا نجد أن هذه القاعدة لم يتضمنها أي نص تشريعي في أي بلد من البلدان إلا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وبالضبط بعد توحيد أحكام الأوراق التجارية المعدة في مؤتمر لاهاي لسنة 1912 ثم مؤتمر جنيف 1930-1931، أما قبل هذا التاريخ فقد كان العرف هو الذي ينظم القواعد السابقة.
وقد عمل القضاء الفرنسي على الأخذ بهذا المبدأ منذ القرن الثامن عشر رغم أن القانون الفرنسي لسنة 1807 لم يشر إليه.
أما بخصوص تعريف قاعدة عدم التمسك بالدفوع فيتجلى في انه لا يجوز للمدين بالكمبيالة أن يتمسك ضد الحامل حسن النية بالدفوع المستمدة من علاقته الشخصية بالساحب أو بباقي الموقعين السابقين، وتجدر الإشارة إلى أن الإطار القانوني الذي ينظم هذه القاعدة يتحدد في المادة 171 من مدونة التجارة والتي تنص على انه:" لا يجوز للأشخاص المدعى عليهم بسبب الكمبيالة أن يتمسكوا ضد الحامل بالدفوع المستمدة من علاقتهم الشخصية بالساحب أو بحاملها السابقين ما لم يكن الحامل قد تعمد باكتسابه الكمبيالة الإضرار بالمدين".
وتتجلى أهمية قاعدة التمسك بالدفوع في كونها أهم أثر يترتب على التظهير الناقل للملكية، حيث تجعل هذه القاعدة من الكمبيالة ورقة مطهرة عند انتقالها من كل الدفوع، وهذه الخاصية هي التي تبرز أهمية هذه القاعدة كمحور أساسي ترتكز عليه الأوراق التجارية حيث أنه لن تستطيع هذه الأوراق القيام بوظيفتها الاقتصادية و التجارية إلا إذا اعتبرت مجردة عن كل علاقة تربطها بمن سحبها أو تداولها.
وانطلاقا مما تقدم فإننا ارتأينا طرح الإشكالية التالية وهي:
ما مدى استطاعة قاعدة عدم التمسك بالدفوع تحقيق الحماية الصرفية لحامل الكمبيالة حسن النية؟ 

 المبحث الأول: الأساس القانوني لقاعدة عدم التمسك بالدفوع وشروطها.

المطلب الأول: الأساس القانوني لقاعد عدم التمسك بالدفوع

إذا كان التظهير يعتبر من أبرز الطرق التي جاء بها قانون الصرف لتسهيل تداول الكمبيالة، فإن من أهم الآثار التي تترتب عنه نجد القاعدة المسماة عدم التمسك بالدفوع، والتي نظمها المشرع المغربي في المادة 171 من مدونة التجارة[1].
عدم جواز احتجاج المدين في الورقة التجارية علي الحامل حسن النية بالدفوع المبنية علي علاقته الشخصية بالساحب أو المحرر أو الحملة السابقين[2] . أي أن التوقيع (التظهير) يطهر الورقة من العيوب التي تكون قد علقت بها سابقا وخاصة العيوب غير الظاهرة التي يجهلها حامل الورقة. وهذا المبدأ مدونة التجارة[3]  164 مشتق من مبدأ استقلال التوقيعات من المادة وعليه فإن قاعدة عم التمسك بالدفوع تفيد الحامل حسن النية في عدم إمكانية إثارة الدفوع السابقة في مواجهته ، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة ثقة الناس للتعامل بالكمبيالة بسبب علمهم بعدم. وجود أي دفع سيقضي على حقهم في الحصول على مقابلها من المحسوب عليه أو من أي ملتزم سابق[4].[5]
وكمثال على ذلك نفترض أن المستفيد من الكمبيالة كان مدينا للمحسوب عليه بمبلغ يساوي قيمة الكمبيالة، فإذا رجع على المحسوب عليه للحصول على مبلغها فإنه سيواجه بدفع من هذا الأخير يتمثل في انقضاء حق المستفيد بسبب المقاصة، أما إذا قام المستفيد بتظهير الكمبيالة فإن المظهر إليه الحامل لا يتأثر بهذا الدفع، وبالتالي يحق له المطالبة بمبلغ الكمبيالة عملا بقاعدة عدم التمسك بالدفوع، أي أن الملتزم الصرفي لا يستطيع أن يدفع تجاه الحامل بالدفوع التي كان بمقدوره أن يثيرها ضد باقي الموقعين الآخرين بناء على العلاقات الشخصية التي تجمعه بهم
لنفترض ان الساحب "زيد" والمستفيد "عبيد"، وقام عبيد باكراه زيد لإنشاء الورقة التجارية ، وعندما قام عبيد بطلب الوفاء له بقيمة هذه الورقة رفض زيد بحجة انه اكره من قبل عبيد. 
(يحق لـ زيد هنا الاعتراض لأنه اكره) قام عبيد بنقل ملكية الورقة إلى " سعاد" عن طريق التظهير وقامت سعاد بمطالبة زيد بقيمة هذه الورقة  هنا لا يحق لـ زيد أن يرفض، لان الورقة التجارية تنتقل ملكيتها مطهرة من الدفوع .

المطلب الثاني: شروط تطبيق قاعدة عدم سريان الدفوع

انطلاقا من مقتضيات المادة 171 من مدونة التجارة فمن اجل تطبيق قاعدة تظهير الدفوع، ولكي تلعب هذه القاعدة دورها وحتى لا تتجاوز الحماية حدودها وتنقلب إلى ضرر قد يصيب الائتمان، استوجب المشرع توفر شرطين لتطبيق هذه القاعدة.
فبالنسبة للشرط الأول، يجب أن يكون المدعي بموجب الكمبيالة حاملا شرعيا لها،ويعتبر كذلك متى اثبت انه صاحب حق فيها بتظهيرات غير منقطعة ولو كان أخرها تظهيرا على البياض.
وتعتبر التظهيرات المشطبة في هذا الشأن كأن لم  تكن وإذا أعقب التظهير على بياض تظهيرا أخر اعتبر الموقع على هذا التظهير انه هو الذي أل إليه الحق في الكمبيالة بالتظهير على بياض.
وإذا فقد الشخص الكمبيالة اثر حادث ما فلا يلزم الحامل بالتخلي عنها متى اثبت حقه فيها إلا إذا كان قد حصل عليها بسوء نية أو ارتكب في سبيل الحصول عليها خطأ جسيما.
ومهما يكن الأمر فلا يمكن التمسك بقاعدة التظهير من الدفوع متى كان المدعي بالكمبيالة قد اكتسبها بطريق أخر غير التظهير.
فهذه القاعدة لا يكون لها دور في حالة اكتساب الورقة عن طريق الإرث أو الوصية أو حوالة الحق المدنية أو غير ذلك من التصرفات القانونية الخارجة عن مفهوم التظهير[6].
أما بخصوص الشرط الثاني، فيجب آن يكون المدعي بموجب الكمبيالة غير متعمد حين اكتسابه الورقة الإضرار بالمدين المطالب بالوفاء فالحامل الذي يقصد الإضرار بالمدين يكون سيء النية وقاعدة التظهير من الدفوع لا تخص سوى الحامل حسن النية.
مبدئيا يمكن أن نحدد حسن النية بأنه الجهل بالحقيقة وبناء عليه فان الحامل الذي يجهل الحقيقة في الورقة التجارية يعتبر حسن النية ويمكنه الاعتماد على ظاهر السند رغم أن هذا الظاهر قد يكون متعارضا مع الواقع و بالمقابل فانه متى كان يعلم بالحقيقة التي لا يعبر عنها ظاهر السند يصبح سيء النية ولا يستحق الحماية التي توفرها قاعدة تظهير الدفوع[7].
غير أن الفقه اختلف في تحديد الحالة التي يكون فيها الحامل سيء النية، ففريق ذهب إلى القول أن الحامل لا يعتبر حسن النية متى كان حين اكتسابه الكمبيالة متواطئا مع المظهر أو غيره من الموقعين على الإضرار بالمدين، وذلك بحرمانه من الدفوع التي يجوز له التمسك بها تجاههم، وقد سار هذا الفقه على غرار النظرية الانجليزية التي كانت تطالب في  مؤتمر جنيف باشتراط التواطؤ بين الحامل والمطهر فيما يخص قاعدة التظهير من الدفوع.

أما الجانب الفقهي الأخر ذهب إلى القول أن الحامل يكون سيء النية إذا كان عالما حين اكتسابه الكمبيالة بوجود الدفع الذي يتمسك به المدين فيكفي لاستبعاد قاعدة التظهير من الدفوع إثبات علم الحامل عند اكتسباه الورقة عن طريق التظهير إلحاقه ضرر بالمدين، ولقد اعتمد هذا الجانب الفقهي النظرية الفرنسية التي كانت تدعو في مؤتمر جنيف إلى الاكتفاء بعلم الحامل للتمسك ضده بالدفوع.
أما قانون جنيف الموحد فانه لم يأخذ بهاتين النظريتين وإنما اتخذ موقفا وسطا، حيث اعتبر الحامل سيء النية إذا كان يعلم عند اكتسابه الكمبيالة انه يحدث بذلك الاكتساب ضررا بالمدين، وعلى غرار هذا الموقف سار المشرع المغربي حيث استعمل في المادة 171 من مدونة التجارة عبارة ما لم يكن الحامل تعمد باكتسابه الكمبيالة الإضرار بالمدين[8] .

المبحث الثاني: نطاق قاعدة عدم التمسك بالدفوع


عمد الكثير من الفقه إلى التميز بين الدفوع الشخصية (المطلب الأول) التي بمقدور الموقع التمسك بها تجاه كل حامل سيء النية يتعمد الإضرار بالمدين، ولا يجوز التمسك بها في مواجهة الحامل حسن النية.
وبين الدفوع الموضوعية (المطلب الثاني) المرتبطة بالالتزام الصرفي، وبالورقة التجارية ذاتها يمكن الاحتجاج بها ضد كل حامل سواء كان على عدم بوجودها أو لم يعلم.

المطلب الأول: الدفوع الشخصية

تعتبر الدفوع المطهرة دعوى شخصية لا يمكن الاحتجاج بها إلا في مواجهة من تربطه به علاقة مباشرة.

الفقرة الأولى: الدفوع المتعلقة بعيوب الرضى

يحق لكل شخص عيبت إرادته لغلط أو تدليس أو إكراه أو غين الحق في إثارة هذه العيوب لإبطال التزامه في مواجهة المتعاقد معه مباشرة[9] وأيضا في مواجهة الحامل السيء النية.
الغلط: ينص الفصل 40 ق.ل.ع. إن الغلط في القانون يخول إبطال الالتزام:
-          إذا كان هو السبب الوحيد الأساسي.
-         إذا أمكن العذر عنه.
كما ينص الفصل 42 من ق.ل.ع. إن الغلط الواقع على الشخص احد المتعاقدين أو على صفته لا يخول الفسخ إلا إذا كان هذا الشخص أو هذه الصفة احد الأسباب الدافعة إلى صدور الرضى من المتعاقد".
إذا كان الغلط هو الدفع الأساسي إلى توقيع على الورقة التجارية فانه لا يصح إيراده وفقا في مواجهة الحامل حسن النية وإنما يعتبر الاحتجاج به في مواجهة المتعاقد معه مباشرة وفي مواجهة الحامل سيء النية المكتسب للورقة للتجارية وقد أثير الغلط في القضاء الفرنسي في الحالة التي يمتنع المسحوب عليه عن الوفاء وذلك لان قبوله كان بناء على توقيع الساحب الذي تبين انه مزور وفي حالة تدخل ضامن الاحتياطي لصفات الحد المطهرين تم يتضح له أن توقيع هذا الأخير مزور.
وقد يقع الغلط في ذات الشيء المتعاقد عليه أو نوعه، أو صفة فيه كانت هي السبب الدافع إلى التعاقد.
التدليس: الفصل 39 من ق.ل.ع. الدفع بتدليس هو دفع، نص عليه المشرع في الفصل 59 من ق.ل.ع. وعليه فالدفع بالتدليس هو دفع شخصي لا يحق الاحتجاج به إلا في مواجهة المدلس المتعاقد معه سواء باشر هذا الأخير الفعل بنفسه أو بواسطة نائبه أو من طرف الغير إذا كان عالما به و استفاد منه وعليه فلا يصح التمسك به في مواجهة الحامل حسن النية الذي يجهل هذا الدفع ولا علم له به. ويمكن إثبات التدليس بجميع الوسائل ما دام الأمر يتعلق بوقائع مادية.
الدفع بالإكراه: عرفه المشرع في الفصل 46 من ق.ل.ع. وكذلك 47 من ق.ل.ع. الكثير من الفقه ذهب إلى التمييز بين الإكراه المادي الذي يعدم الإرادة ويشلها مثلا كمن اجبر على توقيع كمبيالة تحت التعذيب وبين الإكراه المعنوي، والذي لا يصل إلى إعدام الإرادة وإما ينقصها.
الغبن: نص عليه المشرع في الفصل 55 و 56 من ق.ل.ع. الدفع بالغبن دفع شخص لا يحق التمسك به إلا في مواجهته المتعاقد معه أو نائبه أو شخص الذي تعامل من اجله ومن تم يمنع الاحتجاج به في مواجهة الحامل حسن النية حفاظا على استقرار المعاملات.
الدفع بالتوقيع على الكمبيالة مجاملة:
كمبيالة المجاملة[10] هي كمبيالة تتوفر فيها جميع الشروط القانونية لصحتها غير أن الهدف من سحبها هو الحصول على ائتمان وهي بحيث أن احد الموقعين عليها لم يكن ينوي الالتزام بها فعلا وإنما استهدف مساعدة شخص مثلا في انقاد وضعه المالي مما يستفاد أن العلاقة التجارية بين منشئيها علاقة وهمية، فأساس بطلان هذه الورقة هو الغش والخداع وبالتالي فان بطلان الكمبيالة لا يحتج به تجاه الحامل، حسن النية أي أن السحوب عليه القابل للكمبيالة يلتزم بالوفاء للحامل حسن النية ويكون له حق الرجوع  على الساحب بدعوى الإثراء بلا سبب.
وبالتالي فان بطلان كمبيالة المجاملة لا يؤثر البتة على حقوق الحامل حسن النية وذلك تطبيفا لقاعدة تظهير الدفوع.
الدفع بتقديم الكمبيالة على سبيل ضمان:
يطرح السؤال هنا عن ما الحكم إذا سلمت الكمبيالة إلى المستفيد على سبيل الضمان؟
اعتبر جانب من القضاء المغربي أن تقديم الكمبيالة على سبيل الضمان[11] ينافي وظيفتها كأداة وفاء مما يفقدها صفة الورقة التجارية هذا ما نصت عليه محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء 1999 جاء فيه من البيانات الالتزامية في الكمبيالة أن تتضمن الأمر الناجز بالأداء مبلغ معين من النقود ويجب أن يكون هذا الأمر غير معلق لان من خصائص الورقة التجارية صلاحيتها للتداول و أن من شأن إعطاء الكمبيالة كضمانة للحد من هذه الصلاحية.
ويرى البعض أن الكمبيالة تتضمن عادة الوفاء بمبلغها في تاريخ الاستحقاق أما الكمبيالة المسلمة على سبيل الضمان فان الوفاء بها يحوم حوله الشك مما يفقدها صفتها كورقة تجارية، كما أن أطرافها لا يخضعون لقواعد القانون الصرفي لا يحق لحاملها سلوك مسطرة الأمر بالأداء.
الدفع بصورية:
الصورية بمعناها العام إظهار الوضع الوهمي بمظهر الوضع الحقيقي خداعا لغير واضع الصورية يريد إيجاد مظهر يوهم به الغير فقط، وليس في نيته أن يحدث هذا الظاهر أثار قانونية وكثيرا ما تقع الصورية في الورقة التجارية، بحيث تتوفر على كافة البيانات المنصوص عليها قانونا مع ذلك يرى بيانا من بياناتها مخالفا للحقيقة كسبب الالتزام أو تاريخ الإنشاء أو مبلغ الكمبيالة أو صفة الموقع فقد يعمد إلى إظهار تاريخ غير التاريخ الحقيقي قصد إخفاء حالة قصره أو يظهر صفة كتاجر لإخفاء الثقة وتسريع التداول.
وعليه فلا يمكن الاحتجاج بصورية احد البيانات ضد الحامل حسن النية الذي يجهل صورية الورقة ويمكن إثبات الصورية بجميع وسائل الإثبات لان العقد الصوري يعتبر مجرد وقاعة مادية وان تضاربت مصالح الأطراف كانت الأولوية لمن تمسك بالعقد الظاهر.
الدفوع المبنية على انعدام لسبب الالتزام:
لا يمكن أيضا التمسك بها في مواجهة الحامل حسن النية نظرا لجهله بها فهو غير ملزم بالبحث في الخفايا عن الروابط الموقعتين[12] وبسبب توقيعهم على الكمبيالة فالأمر أن الالتزامات الصرفية تكون خالية من ذكر لسببها حيث أن الساحب لا يكون ملزما بذكر لسبب عند سحب الكمبيالة حيث يفترض أن لكل التزام سببا حقيقيا ومشروعا ولو لم يذكر إذا كان إنشاء الورقة أو تظهيرها، لا يستند مثلا إلى سبب مشروع فلا يمكن الاحتجاج بهذا الدفع إلا في مواجهة المستفيد الأول من الإنشاء الباطل أو المنتفع من التظهير الباطل.
أما إذا انتقلت الورقة بالتظهير لشخص أخر حسن النية فلا يمكن التمسك تجاهه بهذا الدفع مثلا لو ظهرت الكمبيالة على سبيل المجاملة كان للساحب أو المطهر التمسك في مواجهة المستفيد أو المطهر إليه ببطلان التزامه استنادا إلى انعدام السبب، وعدم مشروعيته ولكن إذا انتقلت بالتظهير لمصلحة أخر فانه من غير الممكن التمسك تجاهه بهذا الدفع متى كان حسن النية.
الدفوع المتعلقة بانقضاء الالتزام الصرفي:
لو صار الساحب عند استحقاق الكمبيالة ودائنا للمستفيد الأول جاز له أن يتمسك تجاه هذا المستفيد بانقضاء الالتزام الصرفي بالمقاصة لكن لو انتقلت الورقة إلى شخص أخر بالتظهير امتنع على الساحب رفض الوفاء للحامل حسن النية، ويتبع نفس الحكم في حالة فسخ العلاقة الأصلية التي كانت سببا لإنشاء الالتزام الصرفي كما أن حرر الساحب الكمبيالة وفاء لتمن بيع ولم ينفد المستفيد ما يفرضه عليه البيع من التزامات فاضطر الساحب إلى طلب الفسخ فإذا رجع المستفيد بقيمة الكمبيالة على الساحب كان لهذا الأخير أن يتمسك في مواجهته بانقضاء الالتزام نظرا لفسخ البيع الذي كان سبب إنشاء الورقة أما إذا ظهرت هذه الأخيرة فان التظهير يطهر الورقة من الدفوع وبالتالي لا يمكن للساحب أن يرفض الوفاء للحامل الشرعي حسن النية بحجيته فسخ البيع المذكور.

الفقرة الثانية: الدفوع الموضوعية

يقصد بالدفوع الموضوعية تلك الدفوع المرتبطة أو المتصلة بالالتزام الصرفي وبالورقة التجارية ذاتها، بحيث يمكن الاحتجاج بها ضد كل حامل سواء كان حسن النية أو سيء النية لأن الموقع يلتزم بمقتضى الورقة ذاتها لذلك فهو لا يستطيع التمسك بالدفوع المرتبطة بها[13]
وهذه الدفوع كثيرة ومتنوعة نذكر منها:
- الدفوع المتعلقة بنقصان الآلية أو انعدامها:
فالشخص عديم الأهلية أو ناقصها ليس له الحق في التوقيع على الكمبيالة فإذا وقع ناقص الأهلية أو فاقدها على الكمبيالة وثم تداولها عن طريق التظهير وآلت إلى حامل حسن النية فأراد الرجوع على هذا القاصر، فإن هذا الأخير يستطيع أن يتمسك في مواجهة هذا الحامل ولو كان حسن النية بالدفع ينقصان أو انعدام أهليته[14].
كما أن بطلان التزام ناقص الأهلية أو عديمها لا يؤثر على الالتزامات السابقة لباقي الموقعين التي تبقى صحيحة وذلك عملا بقاعدة استقلال التواقيع التي تعتبر من ثوابت ودعائم قانون الصرف[15] باستثناء توقيع الساحب إذا بطل لا يتحدث عن استقلال التوقعات لسبب بسيط هو أنه تخلف بيان إلزامي وبالتالي فالكمبيالة باطلة وتبطل كل التوقيعات.
أما بالنسبة للقاصر المؤدون له بممارسة التجارة فمتى كانت الأعمال المرخص له القيام بها يوجد فيها التوقيع على الكمبيالة فإن توقيعه يكون صحيحا ومنتجا لكافة أثاره القانونية وخاصة عدم جواز تمسكه بالبطلان لنقص أهليته.
- الدفع بالعيوب الشكلية:
الكمبيالة باعتبارها ورقة تجارية محررة وفق شكلية معنية حدها القانون[16] لابد أن تتضمن كل البيانات المنصوص عليها قانونا، لذا فالكمبيالة التي ينقصها احد البيانات الإلزامية كما لو لم تتضمن اسم الساحب، فهذا عيب شكلي يترتب عليه بطلان الكمبيالة لان توقيع الساحب هو الذي ينشئ الكمبيالة.
وعليه فان كل موقع على هذه الكمبيالة يستطيع أن يتمسك بمثل هذا الدفع في مواجهة كل حامل[17].
وغني عن التذكير أن توقيع الساحب يعد بيان إلزامي في الورقة التجارية ولو في حالة سحب الورقة لفائدته على اعتبار أن المادة 159 من مدونة التجارة ألزمت توقيع الساحب على الكمبيالة دون التمييز بينما إذا كان ساحبا فقط أو ساحبا وحاملا في نفس الوقت[18].
الدفوع المتعلقة بالبيانات الاختيارية:
إضافة إلى الدفع بانعدام احد البيانات الشكلية الإلزامية الواجب توفرها في الكمبيالة فان هناك بعض الدفوع الأخرى التي يترتب عنها تعطيل قاعدة عدم التمسك بالدفوع، ويتعلق الأمر هذه المرة بالحالة التي تتم فيها مخالفة احد البيانات الاختيارية من طرف الحامل، حيث يجوز في هذه الحالة للموقع الذي تم الرجوع عليه أن يتمسك بذلك الدفع في مواجهة ذلك الحامل ولو كان حسن النية.
وكمثال على ذلك فالشخص الذي طهرت له الكمبيالة وهي تتضمن شرط عدم ضمان الوفاء، ومعناه أن الحامل لا حق له في ميعاد الاستحقاق إذا رفض المسحوب عليه الأداء الرجوع على الموقعين الذين وضعوا شرط عدم ضمان الوفاء ويحق لهم التمسك بهذا الدفع الموضوعي تجاه هذا الحامل ولو كان حسن النية، الذي يبقى له فقط الرجوع على الساحب الذي لا يمكنه وضع شرط عدم الوفاء.
- الدفع بالتزوير أو التحريف:
يحق لكل مدين بالورقة التجارية زور إمضاؤه أن يحتج بالتزوير في مواجهة أي حامل لها بغض النظر عن حسن أو سوء نيته و أن يمتنع عن الوفاء بقيمة الورقة المزورة لأنه لا يعقل إلزامه بها على اعتبار أنه لم يعبر عن إرادته للدخول في حلقة الإلتزام الصرفي.
لكن إذا كان تزوير توقيع المدين بالكمبيالة قد وقع بإهمال أو عدم احتراز منه أدى إلى تسهيل هذا التزوير فالفقه والقضاء مستقرين على تحقق مسؤوليته وذلك بإلزامه بتعويض الحامل عما لحق به من ضرر وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية.
وللدفع بالتزوير المتعلق بالتوقيع ارتباط جلي بقاعدة استقلال التواقيع التي تقضي وجوب النظر لكل التزام موقع على الورقة بصورة منفصلة عن التزامات الموقعين الآخرين ومن نتائجه أن من حق ضحية التزوير فقط دون بقية الموقعين التمسك بهذا الدفع[19]
وفي إطار الضمان الاحتياطي يطرح إشكال بخصوص أحقية الضامن الاحتياطي في مواجهة الحامل ببطلان التزام المضمون بسبب تزوير توقيعه؟
قاعدة عدم التمسك بالدفوع لها مكانة خاصة في ميدان الضمان الاحتياطي وذلك باعتبار أن التزام الضامن الاحتياطي هو ذوصفة مزدوجة فهو التزام أصلي وهو كذلك التزام تبعي[20] وهو ما يتضح من الفقرتين السابعة والثامنة من الفصل 180،م.ت.
-  فالفقرة السابعة تقول" يلتزم الضامن الاحتياطي بنفس الكيفية التي يلتزم بها المضمون"
-   أما الفقرة الثامنة" يكون التزام الضامن الاحتياطي صحيحا ولو كان التزام المضمون باطلا لأي سبب كان غير عيب في الشكل.
من خلال نفس الفقرة السابعة يتبين لنا أن للضامن الاحتياطي أن يتمسك بكل الدفوع التي بإمكان المضمون أن يتمسك بها تجاه الحامل.
أما إذا رجعنا إلى نص الفقرة الثامنة فإنها تبدو عكس الفقرة السابعة تماما بحيث لا يجوز للضامن الاحتياطي أن يتمسك بالدفوع التي تعود للمضمون ما لم تكن هذه الدفوع ترتكز على بطلان التزام المضمون لعيب في الشكل.
والتزوير يعد عيبا شكليا لذلك يجوز للضامن الاحتياطي أن يتمسك في مواجهة حامل الكمبيالة بتزوير توقيع الشخص الذي تدخل الضامن الاحتياطي لضمانه لان الالتزام الضامن يكون تابعا لالتزام المضمون.
وإذا كانت احد بيانات الكمبيالة يمكن أن تكون عرضة للتزوير فإنها قد تكون في أحيان أخرى عرضة للتحريف وهو ما يعطي للموقع على الكمبيالة الحق في التمسك بهذا الدفع ضد كل حامل للكمبيالة سواء كان حسن النية أو سيء النية، والتحريف هو طروء تفسير في الورقة التجارية بعد إصدارها سواء تعلق الأمر بيانات اختيارية أو إلزامية.
وقد اثار المشرع في مدونة التجارة الجديدة تسمية التغيير على التحريف واوجد حلا لهذه المشكلة، فنصت المادة 227 على انه" إذا وقع تغيير في نص الكمبيالة فإن الموقعين اللاحقين لهذا التغيير ملزمون بمقتضى النص كما يعد التغيير أما الموقعون السابقون فيلزمون بما ورد في النص الأصلي[21]
ومثال على ذلك انه إذا كان الموقع على الكمبيالة قد وقع عليها على أساس أن مبلغها هو 100 درهم فان تم تحريف هذا المبلغ بأن أصبح 1000درهم فان من حق الموقع في هذا المثال أن يتمسك في مواجهة الحامل بالدفع الذي مفاده بأن المبلغ الواجب الدفع هو 100دهم فقط شريطة أن يثبت أن هذا المبلغ هو الذي كانت تحتوي عليه الكمبيالة حينما قام بالتوقيع عليها.
أما الموقعون اللاحقون للتحريف فيلتزمون على أساس 1000درهم وليس على أساس 100 درهم.
- الدفع بعدم وجود الوكالة أو تجازها:
قد يتصرف الوكيل في حدود الوكالة المعطاة له، بحسب إذا كانت هذه الأخيرة مطلقة أو مقيدة بتصرفات معينة لا يمكنه الخروج عنها وفي هذه الحالة لا يتحمل الوكيل أية مسؤولية وينصرف اثر الالتزام مباشرة إلى الموكل.
لكن ما الحكم إذ تجاوز الوكيل حدود الوكالة أو تصرف دون تفويض لحساب شخص أخر لم يرد الالتزام؟
بالرجوع إلى المادة 164 من مدونة التجارة وخاصة الفقرة الأخيرة نجدها تقضي أن من وقع كمبيالة نيابة عن أخر بغير تفويض منه التزم شخصيا بموجبها فان وفاها ألت إليه الحقوق التي كانت ستؤول إلى من ادعى النيابة عنه، والملاحظ هو أن المشرع سوى في الحكم بين من تجاوز حدود النيابة وبين من تصرف دون وجودها إذ في كلا الحالتين تعود أثار التصرف إليه[22]
ومثال على تجاوز النائب حدود نيابته كان يتجاوز العدد المحدد للكمبيالات المرخص له في سحبها، فهنا فان تلك الكمبيالات التي سحبها متجاوز لحدود وكالته تلزمه شخصيا ولا تلزم الشخص الأصيل[23] الذي من حقه أن يتمسك في مواجهة الحامل عندما يرجع عليه بان إرادته الموكل لم تتجه إلى تخويل الوكيل الالتزام بالكيفية التي التزم بها نيابة عنه.
وقد يتصرف هذا الشخص نيابة عن شخص أخر دون وجود وكالة كأن يكون مديرا لشركة مثلا قد عزل من منصبه ولم تعد له أية صلاحية فهنا فأي كمبيالة سحبها تلزمه شخصيا[24] وعليه فان من حق أي شخص في هذه الحالة أن يتمسك تجاه الحامل عندما يرجع عليه بعدم وجود وكالة تخول الوكيل الالتزام نيابة عنه.
مما سبق يتبين على أن الدفوع الموضوعية لا تخضع لقاعدة عدم التمسك بالدفوع إذ يمكن لكل ملتزم إثارتها لدفع رجوع الحامل عليه حتى إذا كان حسن النية، على اعتبار أن هذه الدفوع الموضوعية تظهر على الكمبيالة لمجرد إلقاء نظرة بسيطة على الورقة التجارية وهذا كاف لاستخلاص الثغرات التي تشوبها لذا فظهور العيوب الشكلية في ذات الورقة ينفي جهل الحامل بها ويفقد مزية حماية قواعد قانون الصرف[25].

المطلب الثاني: الاجتهاد القضائي في قاعدة عدم التمسك بالدفوع

يكتسب الحامل لكمبيالة عن طريق التظهير و لهذا الغرض لا يحق للملتزم الصرفي مواجهته بالدفوع الناتجة عن علاقته الشخصية بالساحب وباقي الحملة السابقين ويفترض في الحامل الذي يسعى إلى المسحوب عليه لمطالبته بمبلغ الكمبيالة حسن النية.
اختلفت الآراء حول تحديد مفهوم حسن النية بين النظريتين الفرنسية والانجليزية فالأولى ترى أن الحامل لا يمكنه التمسك بالدفع إذا كان وقت اكتسابه للكمبيالة عالما بوجود دفع الملتزم الصرفي تجاه احد الموقعين على الكمبيالة.
ونفس الرأي أخذت به محكمة النقض المصرية حيث قضت بأن الحامل سيء النية لمجرد علمه وقت التظهير بوجود دفع يستطيع المدين توجيهه للمظهر ولو لم يحدث تواطؤ بينه وبين هذا الأخير على حرمان المدين من الدفع"
أما النظرية الانجليزية فلم تكتفي بمجرد علم الحامل بالدفع وقت تملكه للكمبيالة بل اشترطت وجود تواطؤ بينه وبين المظهر لحرمان المدين الصرفي من التمسك بالدفع ويظهر ذلك جليا من خلال قضاء محكمة التمييز الأردنية في قراراها صادر في 12 نونبر 1992 حيث قضت" على المدين الصرفي أن يثبت أن هناك تواطؤ بين المظهر والمظهر إليه بقصد إلحاق الضرر به وأن يثبت الكيفية التي وقع بها هذا التواطؤ"
بينما تبنى قانون جنيف موقفا وسطا بين النظريتين الفرنسية و الانجليزية، حيث نص في مادته 17 "ما لم يكن الحامل قد تصرف بتعمد إضرار المدين عن حصوله على الكمبيالة" وقد أخذ القانون المغربي بالموقف ذاته من خلال المادة 171 من مدونة التجارة إلا أن جانبا من القضاء المتمثل في محكمة الاستئناف" لا تشترط المحكمة وجود قصد الإضرار من طرف الحامل بالمدين حتى يواجهه بالدفوع التي يملك وبذلك تكون المحكمة قد تجاوزت منطوق المادة 171 من مدونة التجارة .
وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الشهير بتاريخ 26 يونيو 1956 في قضية Worms-salisson إلى أن سوء نية الحامل يتجلى في إدراكه ووعيه عند قبول الكمبيالة انه سيسبب ضررا للمدين الصرفي وذلك بحرمانه من مواجهة الساحب أو مظهر سابق بالدفوع الناشئة عن علاقته السابقة بهؤلاء[26].
فمنظور محكمة النقض الفرنسية من خلال هذا الاجتهاد أن سوء النية يقتضي معرفة الحامل بالدفع وإدراكه ووعيه أن اكتساب الكمبيالة سيلحق بالمدين ضررا تطرأ لحرمانه من مواجهة الساحب أو احد الحملة السابقين وقد قررت المحكمة المذكورة في العديد من قراراتها أن " مجرد المعرفة البسيطة للحامل بالوضعية المالية والتجارية للمدين لا ينهض مبررا كافيا لاستخلاص سوء نيته".
وفي قرار أخر جاء فيه" كما أن مجرد الإهمال أو عدم الحيطة بالنسبة للحامل لا يؤكد سوء نيته"[27]
أما بخصوص القضاء المغربي فهو لم يعرف سوء نية الحامل بل يكتفي باستخلاص سوء نية الحامل من خلال الوقائع فقد قضت محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء في قرارها بتاريخ 29 أكتوبر 1998" حيث أن المستأنف عليها أقرت أن الكمبيالتين ظهرتا لها من طرف شركة (أ.ج).
بعد أن رجعنا دون أداء فإنها بذلك كانت على علم بواقعة عدم وجود الرصيد المقابل للوفاء، حيث أن قبولها التظهير أعلاه من شأنه أن يلحق الضرر بالمدين الأصلي في الكمبيالتين ويحرمه من التمسك بدفوعه تجاه الحاملين السابقين، وبذلك تكون قد فوتت عليها فرصة الاستفادة من مقتضيات المادة 171 من مدونة التجارة[28].
ويظهر من القرار أعلاه أن قضاة الموضوع طبقوا مقتضيات المادة 171 من مدونة التجارة تطبيقا سليما، ذلك أن علم حامل الكمبيالة بوجود نزاع بين المظهر والمدين الصرفي أو علمه بعدم وجود الرصيد المقابل للوفاء لا يمكن أن يفسر إلا على أساس أن الحامل كان يقصد الإضرار بالمدين وحرمانه من التمسك بالدفوع تجاه الحاملين السابقين.
قرار أخر لمحكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء صادر بتاريخ 30/03/2006" حيث جاء أنه بالاطلاع على الكمبيالات يتضح من خلال التواريخ المسجلة خلفها بأنها قدمت لاستيفاء بعد حول أجل الاستحقاق مما يفيد عدم وجود عملية الخصم المتمسك بها، حيث أنه فضلا عن ذلك فان الثابت من وثائق الملف أن بنك الوفاء كان على علم بالصعوبات التي تعاني منها شركة "ساتكومال" حسبما هو ثابت من الحكم 07/03/ لذلك فانه لا يستفيد من مقتضيات المادة 171 من مدونة التجارة وبالتالي فان المستأنف يبقى محقا في مواجهته بجميع الدفوع.
وقرار أخر وهو قرار تمهيدي رقم 147/2006 رقم الملف بالمحكمة التجارية 12561/02 رقمه بمحكمة الاستئناف التجارية 102/04/5 كما جاء في قرار الموضوع لنفس المحكمة:
" حيث أن بنك الوفاء لما كان يقوم بمهمة تسير شركة "سانكومار" وعالما بوضعيتها المختلة فانه لما تسلم الكمبيالة من طرف شركة سانكومار يكون قصده هو الإضرار بالمدين وذلك بحرمانه من دفوعه المشروعة في مواجهة الساحبة وهذا النوع من سوء النية يعطل قاعدة عدم سريان الدفوع، حيث أن قاعدة عدم سريان الدفوع الشخصية لا يمكن أن يحتمي بها الحامل الشرعي إلا إذا كان حسن النية"[29].

لائحة المراجع

-   المختار بكور، تبعية التزام الضامن الاحتياطي وقاعدة عدم التمسك بالدفوع المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد العدد 18.
-         المختار بكور" الأوراق التجارية في القانون المغربي (الكمبيالة-الشيك) الطبعة الثانية 2011.
-         محمد الهيني" الدفوع في الأوراق التجارية على ضوء الفقه والقضاء منشورات مركز قانون الالتزامات والعقود بكلية الحقوق بفاس،2010
-       أحمد شكري السباعي: الوسيط في الأوراق التجارية، الجزء الأول الطبعة الأولى.
-   أحمد الكويسي ومحمد الهيني" دراسات في اجتهادات القضاء اتجاري في مادة الأوراق التجارية الجزء الأول" الطبعة 2012.
-         محمد مرابط " الأوراق التجارية في التشريع المغربي".
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1]  التي تنص أنه " لا يجوز للأشخاص المدعى عليهم بسبب الكمبيالة أن يتمسكوا تجاه الحامل بالدفوع المستمدة من علاقتهم الشخصية بالساحب أو بحامليها السابقين، ما لم يكن  . الحامل قد تعمد باكتسابه الكمبيالة الإضرار بالمدين
[2] الأستاذة زينب تاغيا :تداول الكمبيالة بين التشريع و القضاء ،دراسة مقارنة ،المطبعة والوراقة الوطنية ،مراكش 1995 .
[3] المادة 164 إن الكمبيالة الموقعة من طرف قاصر غير تاجر باطلة تجاهه، و يحتفظ الأطراف بحقوقهم وفقا للقانون العادي. إذا كانت الكمبيالة تحمل توقيعات أشخاص لا تتوفر فيهم أهلية الالتزام بها أو توقيعات مزورة أو توقيعات لأشخاص وهميين أو توقيعات ليس من شأنها لأي سبب آخر أن تلزم الأشخاص الموقعين لها أو الأشخاص الذين وقعت باسمهم، فان التزامات غيرهم من الموقعين عليها تظل مع ذلك صحيحة.
من وقع كمبيالة نيابة عن آخر بغير تفويض منه إلتزم شخصيا بموجبها. فإن وفاها آلت إليه الحقوق التي كانت ستؤول إلى من ادعى النيابة عنه. يسري الحكم نفسه على من تجاوز حدود النيابة.إذا كانت الكمبيالة تحمل توقيعات أشخاص لا تتوفر فيهم أهلية الالتزام بها أو توقيعات مزورة أو توقيعات لأشخاص وهميين أو توقيعات ليس من شأنها لأي سبب آخر أن تلزم الأشخاص الموقعين لها أو الأشخاص الذين وقعت باسمهم، فان التزامات غيرهم من الموقعين عليها تظل مع ذلك صحيحة.
[4]  محمد الحارثي :الأوراق التجارية في القانون المغربي فقها و قضاء ، الطبعة الأولى ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، 1996،ص 132.[4]
[6] أحمد شكري السباعي، الوسيط في الأوراق التجارية، الجزء الأول، الطبعة الأولى 1998، ص:116
[7]  محمد مرابط، الأوراق التجارية في التشريع المغربي، ص:67
[8]  أحمد شكري السباعي، الوسيط في الأوراق التجارية، مرجع سابق،ص:117
[9]  محمد الهيني" الدفوع في الأوراق التجارية على ضوء الفقه والقضاء،ص:138
[10] احمد الكويسي، ومحمد الهيني، دراسات في اجتهادات القضاء التجاري، في مادة الأوراق التجارية للجزء الأول، ص:41
[11]  احمد كويسي: والأستاذ محمد الهيني، المرجع الأعلى ،ص:59
[12]  احمد شكري السباعي، الوسيط في الأوراق التجارية، الجزء الأول، ص:124
[13]  محمد الهيني، م.س.ص:115 وما بعدها
[14]  المختار بكور، م.س.ص:88
[15]  المادة 164 من مدونة التجارة تقول" إذا كانت الكمبيالة تحمل توقيعات أشخاص لا تتوفر فيهم أهلية الالتزام بها...فالتزامات غيرهم من الموقعين تظل مع ذلك صحيحة.
[16] استأذنا المختار بكور، م.س.ص:14
[17]  الكمبيالة كورقة تجارية إذا تخلف احد بياناتها الإلزامية تصبح ورقة عادية لإثبات الدين إذا توافرت شروط هذا السند طبقا لنظرية تحول التصرف التي ينص عليها الفصل 301 من ق.ل.ع.
[18]  محمد الهيني، م.س.ص:120
[19]  استأذنا المختار بكور" تبعية التزام الضمان الاحتياطي وقاعدة عدم التمسك بالدفوع المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، العدد 18،ص:9
[20] المختار بكور" نفس المرجع ، ص:10
[21]  محمد الهيني، م.س.ص: 142
[22] محمد الهيني" م.س.ص:144
[23]  المختار بكور" م.س.ص:44
[24] المختار بكور" م.س. نفس الصفحة
[25]  محمد الهيني، م.س.ص:118
[26] القرار منشور بـ J.C.P- 1996،II 9600 مع تعليق روبلو G.P 1956،II،162 المجلة الفصلية للقانون التجاري، 1957، ص:146 وملاحظة بيكي وكابرياك.
[27] قرار 18/06/1979 نقض تجاري فرنسي قرار 27 ابريل 1985،102 code de commerce Dalloz,1995,P :
[28]  قرار 27 ابريل 1985 نقض تجاري فرنسي : code de commerce Dalloz,1995P P :102
[29]  قرار غير منشور رقم 147/2006 بالمحكمة التجارية، رقم الملف، 12561/02
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات